يتمّ العمل المعجمي والمصطلحي الذي يقوم به مكتب تنسيق التعريب وفق منهجية محددة، وتبعاً لخطط تضعها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم آخذة بالاعتبار مقترحات وأولويات يفرضها واقع اللغة العربية ومتطلبات الأقطار العربية المتطلعة إلى الاستفادة من النتاج العلمي المعاصر. وتتحدّد الأهداف العلمية للمكتب، إجمالا، في جعل اللغة العربية لغةً للتعليم والبحث العلمي، والعمل على رَفْدها بالمصطلحات العلمية والحضارية المُوحَّدة بالتنسيق مع المجامع اللغوية، والهيئات المتخصصة من جامعات ومعاهد وأكاديميات.
هكذا، أصدر المكتب منذ تأسيسه إلى اليوم ثمانية وخمسين (58) معجما موحدا تهم مجالات علمية ولغوية وأدبية وإنسانية مختلفة؛ كما انتهى، مؤخرا، من تطوير منصة تشاركية تتيح العمل الآني لجميع المساهمين في إعداد المشاريع المعجمية والتتبع الدقيق لمراحلها، ربحا للوقت وتقليصا للتكاليف وتجويدا للمحتوى. وفي هذا الإطار، انضم المكتب لعضوية المركز الدولي للمعلومات والمصطلحات InfoTerm التابع لليونسكو مما سيمكنه من مُتابعة مُستجدات الصّناعة المعجمية المُعاصرة، وتعميقِ تصوّراته المنهجية والعَمل على وضْعها في خدمة الدّول العَربية والمؤسّسات التربوية والّتعليمية والصِّناعية، والمعاهد والجامعات المتخصِّصة. فضلا عن ذلك، يعدّ المكتب المعجم التقني Arabterm بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني GIZ، ويهمّ قطاعات صناعية مختلفة: تقانات السيارات ، هندسة المياه ، الطاقات المتجددة ، الهندسة الكهربائية، النسيج ، النقل والبنية التحتية ، المناخ والبيئة وإدارة النفايات الصلبة ، الهندسة المدنية ، تقانة المعلومات؛ والمعجم وسيلة عمل يستفيد منها المهندسون والأساتذة والباحثون والطلبة والمترجمون ، ومؤلفو الكتب التعليمية والمناهج الدراسية والأدلة التقنية والنصوص ذات الصلة بهذه القطاعات، متاح بالمجان على الشابكة من خلال الموقع الموالي www.arabterm.org ، وبأربع لغاتٍ هي: الألمانية والإنجليزية والفرنسية، مصحوبة بترجمة للمصطلحات التقنية باللغة العربية ومُرفقة بتعريفات دقيقة.
وبهذا، يتجدّدُ اهتمام مكتب تنسيق التعريب بتوحيد المصطلح العلمي مُوفّرا السبل الداعمة للتوسع في تنميته ونشر استعماله في الكتب المدرسية والجامعية، وفي البحوث العلمية ومعاهد التكوين المهني والتعليم التقني؛ هذا فضلا عن إسهام المكتب في تطوير الدراسات اللسانية والمعجمية والترجمية ونشرها في مجلته المُحكّمة (اللسان العربي)، وقد صدر منها لحدّ اليوم 76 عددا متضمنة للعديد من الأبحاث العلمية ذات الصلة بقضايا لغوية ومعجمية ونحوية وصرفية.
كما يواصل المكتب خلال هذه السنة (2016) إعداد الذخيرة اللغوية المعجمية وتحديثها عبر تفعيل مرصد اللغة العربية وتشغيل بنك المصطلحات، وإغناء قاعدة المعطيات المصطلحية، وتشغيل بنك المصطلحات؛ وقد انتهى من إعداد المشاريع المعجمية الجديدة المتعلقة بمجالات: الطب الباطني، والطب وجراحة الأطفال، ويضع اللمسات الأخيرة بمعية خبراء مقتدرين لإنهاء مشروعين معجميين يخصان مصطلحات التهيئة العمرانية ومصطلحات الديبلوماسية؛ تحيين معجم العلوم الإنسانية و تقانات الأغذية.
وأصدر مكتب تنسيق التعريب، مؤخرا، معجمين جديدين هما: المعجم الموحد لمصطلحات الآداب المعاصرة ثلاثي اللغة ويحتوي على 1436 مصطلحا؛ والمعجم الموحد لمصطلحات التشريح العياني، ثلاثي اللغة ويحتوي على 5857 مصطلحا.
كما يسهم المكتب في إنجاز مشروع المُعجم التّقني Arabterm بهدف إصدار أجزاء جديدة من سلسلة المعاجم المتَخَصِّصة، وتهمّ مجلّد المناخ والبيئة وإدارة النفايات الصلبة.
كما قام المكتب بتحيين وإصدار الموحد لمصطلحات التقنيات التربوية والحاسوبية، معجم ثلاثي اللغة ويضم 1248 مصطلحاً.
ويحرص مكتب تنسيق التعريب أيضا على إصدار أعداد جديدة من مجلته المحكمة ( اللسان العربي)، وصدر منها العددان 75 و 76.
لقد اقتنعت الدول العربية بدور مكتب تنسيق التعريب وبأهمية إحداثه، فانعقدت -تنفيذاً لتوصيات مؤتمر التعريب الأول الذي التأم بالرباط سنة1961- الدورة الأولى لمجلسه التنفيذي بالرباط في 19 فبراير 1962، ثم أُلحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مارس 1969؛وعند قيام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في نطاق جامعة الدّول العربية في يوليو 1970، اُلحق بها المكتب في مايو/أيار 1972، وكان يسمّى آنذاك ( المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي)، وتم إقرارُ نظامه الداخلي من قبل المجلس التنفيذي للمنظمة في دورته الثامنة المنعقدة بالقاهرة من 27/1 إلى 3/2/1973، وحددت له مهمةٌ نبيلةٌ دائمة:
"جعل اللغة العربية لغة تعليم ولغة تواصل ولغة البحث العلمي لتلبية حاجات الحياة العصرية والمساهمة، في تنميتها ونشرها عن طريق وضع منهجية محكمة لإعداد المعاجم الضرورية وما تتطلبه من مصطلحات بتجميعها وتصنيفها بالتنسيق مع المجامع والهيئات المتخصصة في شأنها وتتبّع ما تتمخض عنه أعمالها من جهود ونتائج قصد نشرها والتعريف بها".
يتضح ُ اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، حاجة اللغة العربية لمزيد اهتمام واعتناء بمتطلبات التعريب وخططه، وصياغة تهيئةٍ لغويةٍ تستحضر راهنية استخدام اللغة العربية وتجويد مستوى تعلّمها في مختلف الأسلاك، وتتبع انعكاساته على مختلف التّعلُّمات والمعارف، وميادين الشأن العامّ في السياسة والاقتصاد، كي لا تجد اللغة العربية نفسها، ذات يوم، تحيا على هامش المجتمع الذي تنتمي إليه وتتغذى منه.