يقدم الشاعر والناقد المغربي هنا قراءته لكتاب (وجهة نظر) للدكتور عبدالله حمودي رائد البحث الأنتروبولوجي المغربي الذي يناقش فيه قضايا مركزية تهم بنيات مجتمعية مغربية وعربية.

رؤية عبدالله حمودي الأنتروبولوجية

لقضايا الثقافة والسياسة والدين والعنف

عبدالحق ميفراني

 

يقدم كتاب دفاتر "وجهة نظر" <1> للدكتور عبدالله حمودي رؤية أنتروبولوجية لقضايا الثقافة والسياسة والدين والعنف. والكتاب في الأصل مجموعة مختارة من الحوارات<2> التي أجريت مع المفكر ورائد البحث الأنتروبولوجي العربي عبدالله حمودي وتمثل جزءا مهما من تدخله في الفضاء العمومي عبر وسائل الإعلام المغربية والدولية لمناقشة قضايا مركزية تهم بنيات مجتمعية مغربية وعربية، صيغت بفاعلية ورؤى تحليلية مبنية نظريا ومنهجيا. ويعتبر الدكتور عبدالله حمودي رائد البحث الأنتروبولوجي المغربي، بدأ أبحاثه الميدانية منذ الستينات من القرن الماضي بجنوب المغرب لتشمل فيما بعد جبال الأطلس الكبير والصغير والمتوسط، والمغرب الشرقي، كما أغنى تجربته بأبحاث أجراها ببلدان عربية <السعودية، ليبيا وتونس> وغير عربية <الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، غينيا الجديدة>، وقد كانت هذه البحوث الميدانية مجالا لدراسات أنتروبولوجية – تاريخية للعديد من الموضوعات والإشكاليات..كما سمح له التدريس بمعهد الحسن الثاني للبحث الزراعي والبيطرة مدة عشرين سنة بالحوار الدائم مع بول باسكون ونجيب بودربالة وآخرون "حول بنيات وألغاز المجتمع المغربي" ثم بجامعة برنستون الأمريكية لأزيد من عشر سنوات، بتطوير "ممارسة علمية وبيداغوجية تقوم على الصرامة المنهجية"<3>.

 لقد أسس الباحث عبدالله حمودي لمنهجية وأسلوب أصيلين ينبنيان على "مساءلة الواقع اليومي المعيش للمجتمعات بصفتها أنماطا وأشكالا دينامية للتنظيم تعيد إنتاج مناهلها أي مؤسساتها الثقافية"<4> ولهذا يتجه التحليل عنده باعتباره سيرورات التجارب البشرية حاملة مشاريع في ثنايا تستدعي المقاربة. ويصبح العقل والمادة والتاريخ من هذا المنظور فصولا من فصول البحث، ويقوم منهجه في كونه يروم بناء أنتروبولوجية "للروابط الاجتماعية الثقافية ومجموع التوسطات المشتغلة" من خلال رؤية أنتروبولوجية أصيلة تمتح من تصور نظري يقيم "حوارا دائما مع النظريات الأنتروبولوجية والفلسفية، ومع باقي أشكال التعبير الفني والأدبي". وتتميز هذه المقاربة حسب الأستاذين توفيق بوعشرين ومحمد زرنين بكونها تعتمد "قراءة مزدوجة: قراءة الأرشيف والأسطوغرافيا ومختلف أنماط التدوينات إثنوغرافيا، وقراءة الإثنوغرافيا بالأستطوغرافيا وبالأرشيف الشفاهي والمكتوب للمجتمع " <5>في الوقت الذي يهمل فيه الأنتروبولوجيون أنظمة التدوين خصوصا المكتوبة معتمدين على اللغات الجارية للجماعة.

إن هذا الصرح النظري والمعرفي للمفكر عبدالله حمودي مهد الطريق لنقد " البنيوية الوظيفية وصيغتها التجزيئية عند جنلر، والوقوف على حدود كتابات ليفي ستراوس، مع فتح حوار نقدي مع منظر كبورديو" إذ كشفت عن الحدود المنهجية والتفسيرية للمقاربة التجزيئية <جنلر>، كما مكنت من الكشف عن حدود كتابات لم تستطع الدخول الى العالم الرمزي للثقافة العربية الإسلامية في طرق معيشها <ستراوس>، مع إظهار ما يفلت في الممارسة الاجتماعية رغم قوة مفهوم الهابتوس الذي نحته بورديو للتنظير له، إن المجتمعات عند المفكر عبدالله حمودي ليس "لها صفات قارة، بل لها قصديات ومشاريع وطموحات " لهذا استحضرت تحليلاته الأفق الطوباوي للمجتمع، و"شرطه الأساس:النقد المنهجي والسياسي لكل الخطابات التي تدعي التطابق التام مع الواقع "<6>.

في نقد هشام شرابي وعبدالكبير الخطيبي: سلطة النموذج وتغييب الواقع:

يثير المفكر عبدالله حمودي في غمرة انشغاله بسؤال: ماهو مصير المجتمع المغربي في هذه المرحلة؟ إشكالا منهجيا يتعلق بالدراسات والبحوث الاجتماعية في العالم العربي، والتي استبدلت الواقع، بخلاصات نظرية للبحوث الغربية. وإذا كان البعد المعرفي يساهم في صياغة الأجوبة السياسية لمجتمع من المجتمعات فإن زمن المعرفة أطول ويحتاج لقواعد وضوابط معينة تعكس زمن السياسة المسكون بالظرفية، وبعملية إسقاط لخلاصات ونتائج خاطئة، وبالعودة لنموذج القراءات المنذغمة بالخلاصات النظرية الغربية، يشير المفكر عبدالله حمودي الى كتاب هشام شرابي" النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي" الذي يعتبره قريبا من كتابه "الشيخ والمريد" فكتاب شرابي يعتمد تصنيفا "باترياركي" أبوي للمجتمعات وهو تصنيف يرجع أصوله الى نوع من المواءمة بين ما قال ماكس فيبر وشكل من أشكال التحليل النفسي بالإضافة الى الاستفادة من بعض الإنتاج الماركسي عن الطبقات والاستغلال الاقتصادي لبعض الطبقات، هشام شرابي يؤكد المفكر عبدالله حمودي يأخذ كل هذا ويبدأ في تحليل المجتمع العربي، مما يجعله في موقع الإسقاط بحكم أنه يتعاطى مع المجتمع العربي بطريقة انتقائية واختزالية ويأخذ من واقع هذا المجتمع ما يخدم فرضيته فقط، ولعله نفس التعميم الإسقاطي في مقولة عبدالكبير الخطيبي إن الفكر السائد في العالم العربي كله "تيولوجي/ديني" مما لا يساعد على قراءة الواقع والتاريخ بطريقة دينامية كلية والوقوف على ديناميات جزئياتها، إن بعض الباحثين العرب يؤكد المفكر حمودي كثيرا ما يقعون تحت تأثير النظريات عوض أن يتحكموا هم في النظريات.

أدوار المثقف:

 في مقاربته لوضع المثقف المغربي، يشير المفكر عبدالله حمودي الى أن المغرب عرف نوعان من العقلانية، الأولى اعتمدت الماركسية واليسارية عموما، والثانية كانت عقلاني تكنوقراطية، وكان لانتشار وطغيان المنحى النفعي والبرغماتي في الحياة السياسية والاجتماعية أثر في اتجاه امتصاص وإضعاف العقلانية اليسارية وعموم العقلانيات غير اليمينية، بل إنها تعرضت لعملية احتواء كبيرة حيث تمت "قولبتها" في أنماط مختلفة حيث يتم ترويضها داخل اللعبة السياسية. عزلة النخب المثقفة في علاقتها بالمجتمع مضافا إليها بروز حركات اجتماعية جديدة وفاعلين سياسيين جدد هي التي أفرزت لنا وضعا جديدا، لكن السؤال يظل عند المفكر عبدالله حمودي هو كيف يمكن للمجتمع السياسي أو المدني أن يعيد النظر في ممارسته في اتجاه عقلنتها حتى تصبح مطابقة لخطابه العقلاني ؟؟ وإذا ما قرر المثقف أن يشتغل بالثقافة وأن يمارس المعرفة التي تساعده على بلورت توجهات وأهداف سياسية قادرة على تغيير الواقع، لكن شرط أن يعطي قيمة مستحقة للمعرفة دون توظيفها لصالح نوع من السياسية ودون السعي الى منصب سياسي، إنهما شرطي رفع العزلة عن المثقف.الذي يتمتع بسلطة معرفية ورمزية بل إن سلطته لا سلطة فوقها تفوقها، إذ إنها هي من يقوم السلط الأخرى ولو بشكل نسبي.

الحركات الأصولية والمجتمع المدني:

ينبني المجتمع المدني حسب المفكر عبدالله حمودي على أهداف محدودة في الزمان والمكان تتحدد وظائفه في تحقيقها دون تبني منظورا ايديولوجيا محددا رغم وعيه به وبطبيعة أجوبته على مشاكله. وهو في نفس الوقت ليس حزبا عقائديا أو منظمة سياسية متجانسة، باستطاعة المجتمع المدني حسب هذا المنظور خرق الحدود الايديولوجية، والدفع في اتجاه التحالف حول أهداف محددة، ومادام مفهوم الحرية ملازم للمجتمع المدني، فإنه يكتسب استقلاليته عن المجتمع السياسي، من هنا تنبع الدعوة الى التفكير في وسائل جديدة لتحصين مؤسسات المجتمع المدني من إبعاد الأطراف الحزبية ليس في اتجاه القطيعة ولكن في أفق بناء حوار بناء بين الطرفين. وبالإشارة الى الأحزاب يؤكد المفكر عبدالله حمودي على أن ظاهرة عدم التسييس راجع الى الروابط الهشة القائمة بين المؤسسات والأحزاب السياسية وأفراد المجتمع، ولعل هذا الابتعاد نابع من نقد ضمني صريح للممارسة السياسية وللمجتمع السياسي.

وفي إعادة الترتيب للرؤية الشاملة للمجتمع المرغوب، المأمول والملموس وليس النظري، وعلاقة بالخطاب الأصولي يركز المفكر عبدالله حمودي على فكرة النضال من أجل استنباط أنماط ثقافية ومادية تلائم موارد البلاد ومكوناتها وتحد من الانفصام لكن بخلاف الأصوليين يتم الإلحاح على ضرورة الحرية التامة في مجال الممارسات والتفكير والعقيدة. لكن، المفكر حمودي يعتبر –دون حكم مطلق- بحكم معرفته بتصورات الأصوليين وطرقهم ومناهجهم، أن التعايش يستحيل مع هكذا فكر يعاكس فكر آخرا يؤمن بالنسبية والحوار والتفاوض والتعاقد في إدارة السياسة والمجتمع والأخلاق بشكل تعددي، لكن هذا لا يمنع، أن الأمور موكولة في نهاية المطاف لجدلية المجتمع ومسارات تطوره، وسواء بقي الأصوليون في المعارضة أو كانوا في الحكومة فسيكون مفروضا عليهم وبقوة المجتمع وليس السلطة فقط التأقلم مع الآخر، ومع احترام التعددية والأقلية. ويعمق المفكر حمودي هذا الطرح بحديثه عن الظاهرة الاصولية إذ ليست بالضرورة النمط الوحيد للرجوع الى الدين، إذ تعتبر الأصولية منظمات عصرية ولدت في زمن متأزم فاختارت تنظيما ونهجا للفكر هو نهج التنظيمات التي تكون في طريقها لكسب الهيمنة في المجتمع.

وينبه المفكر عبدالله حمودي الى أن الطريق لبناء الهوية من خلال العودة لاستعمال الدين يكمن في الكيفية، وهنا تكمن فشل هذا الاستخدام سابقا بالاحتماء بالماضي والتاريخ والأصل، ثمة أكثر من طريقة لبناء هذه الهوية التي يمكن أن نقويها حتى تصبح لها الكلمة في بناء المستقبل. أما الرجوع الى شيء يؤوله البشر ويسميه الدين الأصل أو الفهم الأصل. ويمكن الوقوف عند تجارب عديدة تفند هذا الزعم بالرجوع الى الأصل مع خنق حرية التفكير في ما هو الدين وما هي وظيفته في المجتع، وكيف تقارن وظائفه ووظائف أخرى، خنق هذا التفكير بزعم الرجوع الأصل، هذا وقع مرارا في المجتمعات الإسلامية وأدى الى الخراب..إن بناء الهوية والمكانة في المستقبل يمر عبر مناخ الحرية والتعددية وليس في فضاء مغلق.

النقد الثقافي وضرورة الأنتروبولوجية:

 نقد الانقسامية كمنهج تفكير، يؤكد المفكر عبدالله حمودي أن "البنية" وحدها لا تكفي كتفسير، والتصور والبناء النظري يختلف طبعا، حسب المجتمعات والفئات والعقول، ولا يصح تفسير عمل الإنسان بنيويا. فكل عمل إنساني يأتي مبنيا على نظرة وتأويل لمحيطه. لذلك اهتم المفكر عبدالله حمودي في البداية بالفلسفة واهتم كثيرا بعدها خلال الستينات بمحاولة التأليف بين الماركسية و الفينومينولوجيا <الظاهرية> تم تكون في الأنتروبولوجية والسوسيولوجيا. وعكس النظرة الانقسامية التي ترى الناس محكومين بالتقليد الأعمى فقد عاش المفكر في العالم القروي، ليتفرغ للدراسات الميدانية، ليفاجئ بحضور وأهمية الذاكرة التاريخية الشفوية والمكتوبة. هذه الذاكرة التي تجاهلتها نظرة أنتروبولوجي لا علم له بالتاريخ. بالتالي يؤكد المفكر حمودي حينما يتجاهل الباحث ذاكرة المجموعة البشرية يستحيل عليه رصد نظراتها الى مستقبلها.

 وعن أهمية النقد الثقافي الشامل، الذي يشمل تحليل التفسيرات والمفاهيم والقيم التي توجه يوميا الفعل الإنساني، وهذا المفهوم أعمق بكثير من النقد كممارسة ثقافية موروثة عن المنظور النهضوي وعن فكر الثورة الفرنسية، إذ لا تغيير بدون نقد ثقافي مستمر، ومنصب على القديم وعلى الجديد في آن واحد. وبالعودة لدمج التاريخ والأنتربولوجيا في المنهج الذي اتخذه الباحث عبدالله حمودي فقد جاء ردا على دهنيات التحريم. أما الاعتناء بالمسائل الثقافية اليومية فقد أتى كوسيلة لتلافي النظريات الشمولية التي ظلت وباسم العلم تنظر للمجتمع وديناميته في إطار إسقاطات بعيدة عن الواقع المعيش. أما القيام بالدراسات الميدانية فقد كشفت للباحث كيف يمكن فهم ما هو مركزي من زاوية المهمش وظهر المركزي في صفة جديدة إذ يمكن إعادة النظر في كل مركزية وتصورها ككيان وضعي تاريخي لا ككيان طبيعي مسلم به. إن الاهتمام بما هو مهمش يساعد على فهم المركزيات المفروضة فرضا. وفي هذا تبرز قوته التحليلية والتنظيرية، وعن علاقته بالبحث الأنتروبولوجي، يشير المفكر حمودي أن إعادة النظر واستقراء الرصيد الموروث عن الاستعمار أساسه يكمن في الأفق الفلسفي والخلقي للإنجازات العلمية، وإعادة النظر والاستقراء يتمان بتنفيذ النظرة الآلية للعلم والمجتمع، وتسجيل الفروقات كرموز وإشارات للتكامل، لا بد من التعمق فيها حتى تصبح رصيدا رمزيا للتخاطب والتقارب في إطار التعدد، المهم هو إدراك الجزئيات في الشمولي مع التأكيد أن إشكالية هذا الأخير تظل مفتوحة، ومع التأكيد أن التشخيصات والتحليلات الأنتروبولوجية قابلة للتعميم مادمنا ننظر إليها كسيرورة وكمجهود مفضوح خال من الإسقاط والمقولة التي تنفي عن التحاليل الأنتروبولوجية لا تقبل التعميم.

السجن المتبادل بين العرب والأمريكيين <7>:

 بعد عشر سنوات من التدريس بالولايات المتحدة الأمريكية يكشف المفكر عبدالله حمودي أن لدى الأمريكيين وعيا غامضا بأن شيئا ما ليس على ما يرام، ثمة خطاب الرضى عن الذات والتبرير الذاتي، لكن في ظل ازدواجية هذا الخطاب ومفارقاته، تظهر وسائل الإعلام الأمريكية أن العرب كائنات غير معرفة وتنتمي الى عالم البؤساء، ويتم إخفاء أو تناسي تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع أنظمة ضد الديمقراطية والدور التاريخي للمخابرات الأمريكية. علما أن الإستيهامات والكليشيهات توجد لدى الطرفين معا، رغم أن الأنتلجنسيا الأمريكية تتصرف كما لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة كل البعد عن أية مؤاخذات لأنها بلد ديمقراطي وهذا ما يسميه المفكر عبدالله حمودي "بمركب أعراض أثينا" وهكذا تتحول الديمقراطية الى نقيضها بمجرد ما تتعدى حدودها، بالتالي تصبح "الديمقراطية الإسرائيلية" الوحيد بالشرق الأوسط حجة لتبرير احتلال الأراضي الفلسطينية، وتصبح الديمقراطية الأمريكية شهادة على وعي سعيد للدفاع عن المصالح الأمريكية بالخارج، إنها ترجمة / استعادة معاصرة للقيم الهيمنية الكولينيانية.

أنتروبولوجية العنف والأفق الطوباوي للمجتمعات:

 داخل حقل الدراسات الأنتربولوجية، لا تعريف محدد مفرد لكلمة عنف، إذ أننا أمام مقاربات للعنف ولسنا أمام مقاربة واحدة ووحيدة، وكل مقاربة تعكس إدراكا معينا وأسلوبا في التشخيص والاقتراح، وتبقى كل مقاربة تنطلق من موقع اجتماعي محدد، إن مسألة تعريف العنف ومقاربته مسألة مفتوحة. إذ أن كل تعريف بما هو ممارسة علمية يحيل بالضرورة على مركب من الاستخدامات يبين لنا طبيعة الاستراتيجيات العاملة في المقاربات وتتبعها ويقود الباحث الى تحليل تركيبات اجتماعية وثقافية أساسية، لكن تبقى خلاصة المفكر عبدالله حمودي في صعوبة تحديد تعريف مفرد للعنف مع التنبيه لمن يعرف؟ومتى؟وكيف؟ إذ بقدر ما يكون مفهوم العنف مركزيا في فهم الدينامية الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات، يكون ملتبسا ومحاطا برهانات التعريف.

 لقد ارتبط ميلاد الأنتربولوجيا بالعنف، عنف التسمية والتصنيف والحكم، وفي جرذ لمختلف المقاربات التي شكلت هذا المفهوم، يؤكد المفكر حمودي على أـنه لا يمكن للعنف أن يعرف إلا بعكسه، انطلاقا من خطوط وحدود فاصلة، تعمل أيضا كنقط اتصال تحرسها قواعد، ومن هنا تبدو الحاجة للتحليل الأنتربولوجي لهذه التمفصلات المولدة لمختلف أشكال العنف من العنف الباني للهوية الجماعية داخليا الى العنف المهدد لها خارجيا. ومن هنا أهمية التمييز في التحليل الأنتربولوجي بين العنف المرتبط بالداخل أي الدينامية الداخلية للجماعة، والعنف المرتبط بما هو خارج عنها وما يتعداها، وداخل هذا التعريف يقوم المفكر حمودي بنقد نظرية روني جيرار وتنظيراته للعنف من خلال استعراض معالم جدلية مفتوحة تتعدى نقد الأساس الفلسفي، وتحليلاته الأنتروبولوجية لتقوم بإقامة حوار نقدي مع الأنتربولوجية التأويلية والرمزية، إن النظرية التي يميل إليها المفكر عبدالله حمودي هي نظرية فينومينولوجية رمزية تقول بجدلية مفتوحة وقبولها يجعلها تدرك أن هناك إجراءات غير إجراء المفاهيم العقلية.

 في تناوله لليوطوبيا <المراجعة> يركز المفكر عبدالله حمودي أن لكل مجتمع يوطوبياه خاصة به أو يوطوبياته، ثمة حاجة لمراجعتها ونقدها، وهذا هو نشدان للكمال وفي نفس الآن، نقد هذا النشدان ومراقبته، ولا فصل بين ممارسة اليوطوبيا ومراقبتها وهنا يتم الحديث عن اليوطوبيا بالجمع.

على سبيل الختم:

 هذه إذن مجمل أراء المفكر المغربي والعربي عبدالله حمودي في مجموع حواراته، قدمناها بتركيز شديد، تستشعرنا الرغبة الأكيدة أنها تحتاج للتمحيص والقراءة في كليتها ومجموعها حتى يتسنى ربط نظامها، لكن مع ذلك تسمح هذه الآراء بتتبع عملية التفكير والنقد وهي تمارس على قضايا ثقافية ودينية وسياسية واجتماعية تمس المواطن في حياته اليومية وفي وجوده التاريخي.

الهوامش:

1. د/عبدالله حمودي "مصير المجتمع المغربي: رؤية أنتربولوجية لقضايا الثقافة والسياسة والدين والعنف" – حوار وإعداد:توفيق بوعشرين ومحمد زرنين – دفاتر وجهة نظر /عدد5-ط1/200.

2. حوارات كل من:توفيق بوعشرين، محمد زرنين، حسن نجمي، لحسن العسيبي.

3. ص5- نفس المرجع.

4. ص6-نفس المرجع.

5. ص7-نفس المرجع.

6. نفس الصفحة-نفس المرجع.

7.حوار أجراه سيلفان سبيل لفائدة اليومية الفرنسية "لومند" بتاريخ 8 يناير 2002 – ت/محمد زرنين.