جماليات الخط المغربي في التراث المغربي

صدر حديثا عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال وبدعم من وزارة الثقافة المغربية كتاب: جمالية الخط المغربي في التراث المغربي – دراسة سيميائية.  للدكتور محمد البندوري. يتكون الكتاب من 380 صفحة من الحجم الكبير، يعالج مجموعة من الإشكالات والقضايا التي تخص الخط المغربي.

 حيث تفاعل الكاتب مع عدد من النصوص الجمالية المؤطرة بجماليات الخط المغربي. وقد تعرض لأهم الإسهامات النظرية التي تناولت الخط العربي عموما والخط المغربي خاصة، ورصد أبعاده الجمالية في انفتاح على المجالات والفنون الأدبية الأخرى، وذلك للوقوف على البعد الجمالي للخط المغربي ودوره في تحريك عملية الإبداع وقلب المفهوم السائد.

فوضح جهود العلماء المشارقة والمغاربة التي رامت كل أشكال الخطوط والقنوات التواصلية، مما أسهم في التحولات التي عرفها مجال الخط المغربي، وأنتجت أبعادا جمالية مما تزخر به نظرياتهم التي تبلورت أساسا في الصيغ الجمالية والسبل المظهرية الإقناعية.

وقد ركز محمد البندوري على إسهامات المنظرين المغاربة لجمال الخط المغربي. باعتبار أن النقاد المغاربة كان لديهم وعي بأهمية الخط المغربي، حين أدركوا أولا خصائص لغته، ثم رسموا له ثانيا من خلال إسهاماتهم النظرية الطريق القويم، فوضعوا له جهازه المفاهيمي لبعث الجمال والبلاغة وارتياد عوالم التجديد في النصوص الشعرية والنثرية وغيرها.

وفي تنظيره للخط المغربي وجه محمد البندوري العلاقة بين جمالية الخط وجمالية النص التي تشكل أحد المياسم التي طبعت الثقافة المغربية والتراث المغربي، حيث ظلت مختلف النصوص تمثل أمام القارئ في صيغ جمالية تنطوي على تساؤلات نقدية وبلاغية، وتستبطن مختلف المعاني والدلالات، على غرار ما يشكله الأسلوب الفني للخط المغربي في النصوص باعتباره أحد الركائز الهامة لإنشاء مساحة نقدية جمالية وبلاغية، وأحد المظاهر الفنية البصرية في التراث المغربي.

   إن موضوع هذه الدراسة بكل ما لفها من قيم تعبيرية وفنية وجمالية للخط المغربي قد ساهمت في إخراج بعض النصوص السياسية والأدبية والفنية إلى الواجهة الجمالية من منظور أكثر إفادة ونفعا، فتم الكشف عن عوالم جديدة، وتم التوصل إلى نتائج فريدة، جديرة بالقراءة والتحليل والمتابعة.

  فمن خلال جمالية الحروف المغربية وبنياتها وغاياتها التداولية وما تختزنه من مقومات فنية دقيقة تشكلت في كل عناصر التراث المغربي، فإن الكاتب قد رصد مجموعة من النصوص الجمالية في المخطوطات المشحونة بالألغاز والرموز والإشارات والعلامات المخزونة في أشكال الحروف، فوقف من خلالها على ما شكلته من جماليات.

وهو ما سهل له الكشف عن مواطن الابتداع وتقصي بعض المجاهل، منها جمالية الخط المغربي في المصاحف الشريفة، ومنها النصوص بالخط المسند المغربي وبالخط المغربي المبسوط وبالخط المغربي المجوهر وبخط الثلث المغربي، ومنها بعض النصوص الأدبية المرتبطة بالتشكيل، ومنها بعض النصوص الأدبية التجريدية..

    ويبدو أيضا بأن التفاعل لأول مرة مع نصوص نثرية من نوع المسند المغربي، له أهمية كبرى، خصوصا وأن هذا الخط له طقوس خاصة، وحروفه تصل حد الطلسمية. وقد شكلت الرسوم والزخارف المكتوبة في النصوص شكلا تركيبيا جماليا دالا على معاني. وهو ينبني على ارتقاء مجال الكتابة فنيا إلى مستوى التشكل بحرية في الفضاء.

وتعد النماذج التي وظفها الكاتب في الخط المغربي المجوهر والمبسوط والمسند أسلوبا خطيا جماليا حرا في التعبير، فكل رسم أو خط مغربي أو رمز، له دلالة خاصة في النصوص، كما أن كل العناصر تؤدي في حالة تركيبها معاني دقيقة، باعتبار أن حروف الخط المغربي تؤدي وظيفة عمل تجريدي وفق معنى وغرض معين. كما أن الأشكال الخطية الزخرفية تعد أنموذجا مغربيا فنيا جماليا تحكمه سلسلة من العلائق المتناغمة والروابط العميقة بين الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية.

وقد شكلت العمليات التداخلية بين جمالية الخط والنص حلقة هامة لاستجلاء جمالية الخط المغربي الصحراوي، في نطاق الحدود السياسية المغربية، من خلال الوثائق والشواهد الفنية والمراسلات السياسية الموسومة بالخط المغربي الصحراوي التي كتبت بأنامل المبدعين الصحراويين المغاربة. تبدى فيها مجموعة من التطابقات، من حيث الجماليات، ومن حيث الخط، ومن حيث الشكل، تفصح عن علاقة التداخل بين الخط المغربي المجوهر والخط المغربي الصحراوي مما يدل على الوحدة الثقافية والسياسية المغربية.

تكمن أهمية هذه الأطروحة في استكشاف بعض العوالم التي ظلت مجهولة لدى الدارسين والباحثين، وتبيان وظائف ذات قيمة أدبية ونقدية أداها الخط المغربي بمساهمة الخطاطين والأدباء والكتاب والنقاد المغاربة منذ القديم وحتى العهد الحديث.

ويتشكل هذا المؤلف من مدخل وثلاثة فصول وستة مباحث، وقائمة ثرية ومتنوعة من المصادر والمراجع المكتوبة والمخطوطة، بالإضافة إلى عدد كبير من الصور والنقوش والأشكال الخطية النادرة، التي استطاع الباحث توثيقها وتجميعها في هذا المصنف بحكم انغماسه وارتباطه واشتغاله بكل قضايا الخط العربي.

كما يعد هذا المؤلف تتويجا لمسار حافل بالتأليف والدراسات في مجال الخط العربي أصدرها المؤلف خلال السنوات الماضية، إضافة إلى رصيد غني باللوحات الفنية التي أبدعها المؤلف، وهي تؤثث اليوم أهم قاعات العرض التي تعنى بالخط العربي.