يشكل الخط المغربي الصحراوي خزانا إضافيا للخط المغربي والعربي في تجلياته الجمالية والإبداعية الى جانب استلهامه المخزون الثقافي والتراث اللامادي للجنوب، هنا ورقة تلخص مداخلة أحد الفنانين المغاربة والتي خبر عن قرب جماليات هذا الخط وأبعاده وأثاره المباشرة على الخط المغربي اليوم الذي أمسى يشكل مرجعا مهما وحضورا لافتا في الكاليغرافيا العربية والدولية.

الإسهامات الإبداعية للخط المغربي الصحراوي

أثار الدكتور محمد البندوري قضية توفر الخط المغربي الصحراوي على قدرة فائقة في التعبير بكل الأشكال والرسوم، ويمتلك كذلك دلالات كثيرة ترتبط بالثقافة الحروفية المغربية عموما. حيث شكلت العمليات الإبداعية التي رافقته طيلة مسيرته الأدبية والفنية مزيدا من الجمال وتوليد الأشكال خصوصا وأن له ارتباطات بالطابع الديني والروحي والوجداني الذي تولدت عنه مجموعة من النصوص التراثية ذات الصفات الجمالية المغربية، وذات القيم الفنية والجمالية والتعبيرية.

وأضاف البندوري بأن الخط المغربي الصحراوي يشكل في المنظومة الحروفية المغربية أسا جماليا، تفاعل مع المختارات النصية التي تحتوي علــى الأشعار المتنوعة المضامين لتيسير الفهم الجمالي، وتيسير التواصل وتيسير مجالات الإبداع المختلفة. وقد تم كل ذلك وفق نسق من الحروف ذات الأشكال الجميلة المبنية على العلم والمعرفة والجمال.

 وشدد على أن لهذا الخط المغربي نفس التقنيات التي تميز الأنواع المغربية الأخرى، وله قلمه المغربي الصحراوي المتجانس مع الأقلام المغربية الأخرى. خصوصا وأنه موسوم بصور ورسوم وأشكال جمالية تضرب بجذورها في أعماق الحضارة المغربية أسست لأسلوب فني اخترق المجالات الأدبية والفنية، استطاعت من خلاله أن تنتج دلالات جديدة سواء في النصوص الشعرية أو النثرية بطرق إبداعية ثابتة. وتعتبر مختلف الجماليات التي رافقت هذا الخط في مسيرته، هي سمات الجمال في الأعمال الإبداعية الفنية والأدبية المقاربة بين حروف هذا الخط وبين القارئ المتذوق. وعليه فكل الجماليات التي تلتبس بالحروف تعتبر الأساس الذي تنبني عليه العمليات الإبداعية التي تولد القيم والمعاني والدلالات. وهي تتبدى في أشكال الحروف التي صممت بعناية فائقة ومقاييس دقيقة وهندسة محكمة. ومن هنا نجد أن هذا الخط مترابط مع مختلف العناصر التي تغذيه بسمة الجمال والذوق الرفيع والبهاء في كل المناحي الفنية المغربية.

كما أن المجال الثقافي للخط المغربي الصحراوي - طيلة مسيرته- قد أنتج مجموعة من الإسهامات في عملية التوجيه وتشكيل جمالية النصوص الأدبية والفنية.

وإن التفاعل مع هذا الخط بالنظر إلى كل مكوناته، وقياسا بجمالياته المتعددة، وأساليبه المتنوعة، هو في حد ذاته تفاعل مع موروث حضاري مغربي تستوجب الأمانة العلمية إنجاز أقصى ما يمكن إنجازه من تقعيد وضبط في نطاق ما يتناسب مع قيمه الجمالية ومقوماته التاريخية والحضارية والثقافية، لفتح الطريق إلى المزيد من المعرفة بمكنوناته، وأيضا إلى المزيد من التعمق في الأبحاث العلمية المرتبطة به. فهو يعبر عن الذات المغربية والثقافة المغربية العريقة. ويمارس أدوارا تواصلية وعلمية ومعرفية من خلال مجموعة من الممارسات، حيث استعمل في كتابة الرسائل وكتابة المستنسخات وأمهات الكتب، والعناوين البارزة للكتب والوثائق السياسية، واستعمل في كتابة عقود البيوع والشراء والمواثيق والعهود وفي كل أنواع المعاملات اليومية والتقاييد الشخصية والمراسلات الخاصة. وللقلم المغربي الصحراوي أهمية خاصة داخل المنظومة الخطية المغربية في ارتباطه بهذه الاستعمالات من جهة وفي ارتباطه بالمهام الجمالية للكتابة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من جهة أخرى، فهو الذي وجه مجال الخط نحو الوجهة الجمالية في مختلف النصوص طيلة مسيرته الأدبية والفنية من خلال قطعة القطة التي يحدثها الخطاط أو المبدع.

  وقد شكل وسيلة مهمة في عملية الكتابة، حتى ترقت جودة الخط وتبدت جمالياته في النصوص على اختلاف أشكالها وأنواعها. ولذلك فصل النقاد العرب والمثقفون المسلمون منذ البدايات الأولى في القلم وخصائصه، فخصصوا له مساحات كبيرة في كتبهم وأولوا عناية وأهمية للقلم حين تعرضهم لضوابط الخط ومواصفات الخط الحسن، ففصلوا في الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها القلم رغبة منهم جميعا في الحسن والجودة والإتقان والضبط، وإضفاء الجمالية على الخط.

  ويعد القلم المغربي الصحراوي أحد أهم الأقلام المغربية التي وجهت عملية الابداع في النصوص الأدبية والفنية لأنها محكومة بالبيئة الطبيعية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتقنية فأنتجت نصوصا فنية بديعة، وعددا من الأشكال الرائعة تجلت أساسا في الحروف التي تميزت بكثرة الاستدارات ومنحت الخط المغربي جماليات غير مألوفة.