العالم الآن هو عالم امريكي بامتياز، عالم يسوده الزمن الاميركي، عالم اميركا فيه هي الأعظم بقوة اقتصادها، وبشركاتها العملاقة التي تعمل في كل المجالات بكل مكان في الدنيا، وبمؤسساتها المالية، وبجبروتها العسكري، وبمخابراتها التي لا تغادر شيئاً، وبماكينة اعلامية ضخمة، وبثقافة عميقة يغذيها مفكرون كبار، وبتقدم علمي غير مسبوق يقوده علماء افذاذ، وبنظام حكم يقال أنه الاكثر ديمقراطية في العالم، وبأشياء اخرى عديدة.
الشعوب المغلوب على أمرها تتمنى ان تعيش الحلم الاميركي المتمظهر في تلك الحياة المخملية المترفة المرفهة، حتى ان تلك الشعوب تصاب بشعور زائف بالحبور وكأنها تعيش ذلك الحلم بمجرد ان تُفتح في مدنها مطاعم "ماكدولاند " او "كونتاكي" للوجبات السريعة، او يفتتح فيها مصانع "البيبسي كولا" أو "الكوكاكولا" للمشروبات الغازية، حتى صارت هذه المطاعم والمصانع رمزاً من رموز الثقافة الاميركية. في هذا الخضم الشكلي والموضوعي كان من الطبيعي ان يتسمر الناس في هذا الكوكب مرة كل اربع سنوات امام شاشات التلفزيون يتابعون تطورات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ليتعرفوا على الرئيس الجديد لهذه الدولة الذي يتبدى وكأنه رئيساً للعالم برمته. النخب في كافة المجتمعات، تتابع الانتخابات لمعرفة الرئيس الاميركي القادم، فهي تشرع في استقراء خلفياته ومتابعة تصريحاته، ولا تغادر شاردة ولا واردة مما تنشره وسائل الاعلام عنه الا وتلتهمها، ومن ثم تنتقل الى التحليل واستشراف كيفية اداء الرئيس الآتي وتفاعله مع شتى القضايا وفي اطار خطوط عريضة لاستراتيجية محددة، وكل نخبة عاكفة على مايهم مجتمعها. بيد ان النخب في الدول الأقل نمواً، والتي من بينها بطبيعة الحال النخب العربية، تهرع وراء الاعلام الأميركي فهي ترى ما يرى وتقول ما يقول، في تبعية مشينة وبائسة، بل ان تلك النخب الزائفة في كثير من الاحيان تتمسك بترهات تجعلها مقدمات وتخلص في النهاية الى استنتاجات خاطئة. مثلما ابتهجت تلك النخب بنجاح "أوباما" الرجل الاسود، نجل المهاجر الكيني المسلم "ابو عمامة"، حيث صورت تلك النخب "أوباما" بأنه المخلص المقدس الذي سيعيد الامور الى نصابها، ولعل اهمها نصرة العرب والمسلمين وفك أسر المسجد الاقصى. واذا بأوباما اسوء للعرب والمسلمين من السيد "ليندون جونسون".
في الانتخابات الرئاسية الاميركية الأخيرة، كل النخب في العالم، بل حتى النخبة الاميركية نفسها كانت واثقة من فوز السيدة "هليري كلينتون"، رُغم أن الاخيرة لم تستطع تنحية الاشواك التي تعترض طريقها الى البيت الابيض، والتي من بينها حادثة السفارة الاميركية في بنغازي، واتصالاتها الرسمية عبر بريدها الخاص، والمغامرات الجنسية لزوجها مع المتدربة في البيت الابيض "لوينسكي"، و تدخل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي بالإعلان عن اعادة التحقيق مع السيدة كلينتون قبيل بدء الانتخابات، وغير ذلك من نقاط سلبية.
في المقابل لم تتوقع كل النخب في العالم وصول السيد "دونالد ترامب" الى البيت الابيض، بل انها توقعت له خروجاً مبكراً من مضمار التنافس، واذ به يسفه كل توقعات الوسائل التقليدية للاعلام - تلفزيون، صحف ورقية، راديو - والمؤسسات المعنية باستطلاع الرأي، وكل خبراء استشراف المستقبل الذين لم يراودهم ادنى شك في فوز السيدة "كلينتون"، حتى انهم من فرط تأكدهم من النتيجة، انخرطوا في مناقشة تفاصيل تسليم السلطة لأول امرأة ترأس الولايات المتحدة، حيث وصل بهم الجدل الى البحث في المركز القانوني للسيد "بيل كلينتون" زوج الرئيس، بحكم كون ذلك شأن غير مسبوق. حاصل القول ان فوز السيد "ترامب" كان امراً غير وارد ابداً. للمرة الأولى تخيب توقعات وسائل الاعلام و نتائج استطلاع الرأي بهذا الشكل المذهل والصادم! ونجح "ترامب"، وما ان تلاشت الصدمة، بدأ الكل يبحث عن موطن الخطأ الذي قادهم الى هذه النتيجة المُضللة. والسؤال هو :- هل تبين هذا الخطأ؟
مثلهم كمثل الذي يفتش عن مجموعة من الأبر في كوم من القش، عليه ان يزيح القش قشة قشة لكي يصل الى مبتغاه، هكذا انهمك الكل في البحث عن السبب او الاسباب التي قادتهم الى هذا الاستنتاج الخاطئ، سيستمر البحث والتقصي عدة سنوات، لكن البحاث جاءوا مبدئياً بحزمة من الاسباب، لعل سبب منها او اكثر يقف وراء ذلك الاستنتاج المعيب، ولا يمر يوم الا ويضاف الى تلك الحزمة سبب جديد، وقد ضمت الحزمة حتى الآن اسباباً للخطأ، ابتداءً من عدم ايلاء حملة السيدة "كلينتون" اهتماماً بمشكلة البطالة، وتدني الاجور للعمالة البيضاء وهم من يسميهم البعض بشريحة "الذين لم يتخرجوا في الجامعات"، وعدم الاهتمام بالمحاربين القدماء. واحتمال قيام الروس باختراق منظومة الانتخابات الاميركية، وضجر الناخب الاميركي من النمطية المتواترة لشخصيات المرشحين للرئاسة وبرامجهم التي ليست متشابهة فحسب، بل انها مشتبهه، برامج مكررة لا سيما في الشأن الداخلي الى حد تكاد ان تكون فيه مستنسخة.
هذه الحزمة من الاسباب لهذا الانقلاب المذهل في وتيرة ونمطية الانتخابات الرئاسية الاميركية، لعلها تكون اسباباً موضوعية وملموسة، غير ان المرء ينبغي الا يوسم بالشطط اذا ما نحى منحاً آخراً يستند على استقراء مغاير بحثاً عن سبب او اسباب اكثر موضوعية قد تكون خلفياتها تعود في مجملها الى "الرغبة في التغيير"، رغبة الناخب الاميركي في التجديد، لا سيما وان الميل الى التجديد هي سمة من سمات المجتمع الاميركي، فضلاً عن ان تطور المفاهيم المجتمعية في عصر ثورة المعلومات والاتصالات تستدعي الانتقال الى نمط جديد من السياسة والسياسيين، ولعل ثورة الاتصالات تكون سبباً واداة للتغير في آن.
قبل الحديث عن ثورتي الاتصالات والمعلومات وانعكاساتهما على الاعلام، الذي دأب المحللون على تسميته بالسلطة الرابعة، لابد من الاشارة الى ان ارهاصات سلطة الاعلام في الولايات المتحدة ليست وليدة اللحظة، بل قد تكون قبل حتى اكتشاف الصحفي الضليع "بوب وودورد" واقعة تجسس الرئيس "ريتشارد نيكسون" على الحزب الديمقراطي، تلك الواقعة التي عرفت ب "الووتر قيت"، وهو اسم المبني الذي يتخذ منه الحزب الديمقراطي مقراً له، وهو المبني الذي تمت فيه واقعة التجسس ذائعة الصيت.
واقعة "الووتر قيت" هذه اطاحت بالرئيس نيكسون قبل ان ينهي فترة رئاسته الثانية، وسلم المنصب لنائبه "جيرالد فورد"، وكاد ان يتعرض الرئيس "نيكسون" للمحاكمة وربما للعقاب لولا ان الرئيس "فورد" اصدر عفواً رئاسياً عنه، وكان ذلك مشهداً ديمقراطياً مذهلاً شهدته الساحة السياسة الاميركية عام 1974. ذهب فيه الرئيس "نيكسون" مع الريح، وبقى الصحفي اللامع "بوب وودوورد " يمارس الصحافة حتى يومنا هذا ولم يمسه اي سوء.
واقعة اخرى كادت ان تسقط الرئيس "رونالد ريغان" من منصبه خلال رئاسته الثانية في ثمانينيات القرن العشرين، والغريب ان هذه الواقعة لم تنل سبق اكتشافها وسائل الاعلام الاميركية! حيث انه - ولسبب مجهول - جرى تسريبها الى مجلة مغمورة تصدر في لبنان باللغة العربية اسمها "الشراع". ومختزل هذه الواقعة: ان وكالة المخابرات المركزية كانت تبحث عن تمويل مالي لجماعة "الكونترا" من خارج الميزانية لأن "الكونغرس" لم يوافق على دعم هذه الجماعة، وجماعة "الكونترا" هي جماعة يمينية مسلحة معارضة لحكم "الساندنيتسا" اليساري في "نيكارغوا"، وفي سبيل توفير المال لجماعة "الكونترا" هذه؛ انخرطت وكالة المخابرات الاميركية في صفقة مشبوهة لبيع اسلحة اميركية الى ايران. وهي الدولة المحظور تزويدها بالأسلحة منذ وصول الملالي الى السلطة فيها عام 1979، ويفترض في تلك الصفقة ان تقوم اسرائيل ببيع الاسلحة موضوع الصفقة، التي هي مباعة اصلاً الى اسرائيل، إلى إيران، ويتم تقاسم الارباح بين اطراف الصفقة التي شاركت فيها فضلاً عن وكالة الاستخبارات، اسرائيل وبعض الاثرياء العرب "الخاشوقجي من الاثرياء السعوديين".
وعندما نشرت مجلة "الشراع" تفاصيل الواقعة كانت الصفقة قد تمت واستلم كل طرف حصته من الارباح، وتم تحويل حصة وكالة الاستخبارات المركزية الى جماعة "الكونترا"، وكادت الفضيحة ان تعصف بالرئيس "ريغان" لولا ان رجال وكالة المخابرات المركزية نفوا نفياً قاطعاً علم الرئيس بالصفقة، فنجى الرئيس من التبعات، وتحمل رجال وكالة الاستخبارات المركزية المسؤولية، وتعرض من عاش منهم للعقاب رغم ان التحقيق لم يسفر عن اي اتهام لرجال الوكالة باستفادتهم على المستوى الشخصي بأي دولار من تلك الصفقة، وكانت التهمة هي الالتفاف على قرار "الكونغرس" بعدم دعم "الكونترا". والملفت للنظر ان الواقعة عرفت بإسم "ايران قيت" تناغماً مع واقعة "ووتر قيت".
لاشك ان اكتشاف الواقعتين يضفي قدراً من البهاء على صورة سلطة الاعلام "السلطة الرابعة"، لكن ثمة وجه آخر لسلطة الاعلام يزيح كثيراً من ذلك الألق لتحل محله عتمة كئيبة، ولعل هذا الوجه يتبدى في الواقعة التالية يقال :- ان الملياردير الاميركي "شيلدون أديلسون" الذي يملك العديد من اندية القمار، اثناء مثوله امام محكمة اميركية، رفض الاجابة عن بعض الاسئلة الروتينية، وتشاجر مع رئيسة المحكمة القاضية "اليزبيث غونزاليس"، وبعد ذلك اشترى "اديلسون" كبرى الصحف في ولاية نيفادا، وفور اتمام اجراءات نقل الملكية صدرت تعليمات الى الصحفيين في تلك الصحيفة بترك المهام المكلفين بها، والبدء في متابعة نشاط ثلاثة قضاة من بينهم القاضية "غوانزليس".
انظر الى "الاولغارشية" وهي تستغل المال لشراء سلطة الاعلام وتسخر وسيلة من وسائل الاعلام التقليدية في تهديد ممثلي السلطة القضائية، وذلك لأغراض انانية محضة، صورة مشينة لما يمكن ان يلحقه المال من ضرر فادح بالديمقراطية الأولى في العالم، ويفقدها الألق الذي تضفيه عليها تلك المبادئ المثالية التي ترتكز عليها، بل ان الشك قد يطال الومضات الديمقراطية التي حققتها وسائل الاعلام باكتشافها واقعتي "الووتر قيت" و "ايران قيت"، وتتهاوى مصداقية الهدف من وراءها، باحتمال ان يكون المال ورجاله من وراء اكتشاف او ربما حتى اختلاق مثل هكذا وقائع.
غير ان هذه المثالب وغيرها مما قد يعتري المؤسسات الاعلامية التقليدية لا سيما الصحف الورقية، والتي من شأنها ان تقدح في مصداقية السلطة الرابعة وتفقدها بالتالي قدسيتها، قد تتلاشى وتختفي مرة واحدة والى الابد مع اختفاء تلك الصحف الورقية التي يبدو ان أوان رحيلها قد أزف بعد ان زحفت عليها تقنية الصحافة الالكترونية، التي مكن رخص اسعارها الملايين من البشر من ان يصبحوا ليسوا صحفيين فحسب، بل اضحى في امكان اي فرد او مجموعة افراد ان يصدر او يصدروا صحيفة الكترونية دونما حاجة لأي اذن او ترخيص او اجراءات، وتلك مؤشرات الولوج في عصر اعلام ذو قاعدة عريضة يكون فيها الجميع صحفيين والجميع ايضاً متلقين.
انه تمظهر لانفلات شبه فوضوي لحرية ابداء الرأي، ومهما كان حجم سلبيات تلك الفوضوية فلن يقلل ذلك من الحجم الكبير لايجابياتها، فضلاً عن ان فقهاء القانون لم ولن يألوا جهداً في شأن البحث في موضوع حماية هذا التطور في مفهوم حرية التعبير الذي جاءت به ثورة الاتصالات، وكذلك في شأن حماية المجتمع من سلبيات هذا التطور، وذلك بالكشف عن مبادئ قانونية تتواءم مع مقتضيات الحال وضع الاطر النظرية التي تنظم هذا الشيوع في ممارسة حق ابداء الرأي.
إن امكانية استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي في تشكيل وانشاء رأي عام شبه موحد بين افراد مجتمع ما، و في نشر وتعميم مفاهيم تتعلق بإرهاصات التمرد على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في ذلك المجتمع في ضوء الرأي العام الموحد الذي تم انشأه. تلك الامكانية قد تم تجريبها بشكل عملي فيما عرف بـ"ثورات الربيع العربي"، فقد كانت اذ ذاك وسائل الاتصال الاجتماعي، مدعومة بالتلفزيون المعتمد على الاقمار الاصطناعية للتواصل مع ذلك الجزء من المجتمع الذي لا يزال التلفزيون هو وسيلة الاتصال معه، حيث انه لم يتأت له بعد الحصول على ادوات وسائل الاتصال الاجتماعي ولم يتعود بعد على استعمالها، هكذا شبكات التواصل الاجتماعي والتلفزيونات الفضائية تمكنت وبشكل فائق السرعة من تأليب الناس في تلك المجتمعات على حكامها، ما ادى الى انهيار انظمة حديدية في تونس ومصر وليبيا واليمن والحبل على الجرار.
بصرف النظر عمن خطط ونفذ استعمال شبكات الاتصال الاجتماعي في ثورات الربيع العربي، وعن هدفه ومبتغاه لكون ذلك غير مستهدف في هذه المقالة، لأن المبتغى هنا هو الكشف عن كيفية التنسيق وادارة شبكة الاتصال الاجتماعي في شأن تحقيق هدف محدد مثل تأليب المجتمع ضد حاكمه، ان الامر ليس عبثاً، انه شأن في غاية التنظيم، ولابد من ان تكون من وراءه مجموعة تخطط وتوجه وتجد الحلول للعقبات وتبحث عن البدائل المتاحة. هذه الجماعة التي تتحكم في ادارة مستعملي شبكة الاتصال الاجتماعي، هي التي قد تعيب الانتشار العريض لوسائل الاتصال الاجتماعي، حيث ان ذلك يعني ان اية جماعة منظمة وينضوي تحت مظلتها عدد من الاختصاصيين يتسنى لها ان تسيطر على عقول مستعملي شبكة الاتصال الاجتماعي في مجتمع ما، وان تتحكم في تكوين اراءهم وبلورتها، وبالتالي توجههم نحو الوجهة التي تريد.
اياً مايكون من امر، فإن وسائل الاتصال الاجتماعي بقدرتها هذه شكلت انقلاباً رهيباً في المشهد السياسي ليس في دول ثورات الربيع العربي فحسب، بل في المشهد السياسي في دولة الديمقراطية الكبرى الولايات المتحدة الاميركية، وذلك وفق ما ابانت عنه الانتخابات الرئاسية الاخيرة بعد نجاح السيد "دونالد ترامب". صحيحٌ القول ان "ترامب" وصل الى البيت الابيض عبر الحزب الجمهوري، وفق خطة انتخابية محكمة، حددت منذ البدء شرائح المجتمع التي ينبغي التركيز على ضمان اصواتها في الانتخابات، وتمت دراسة واختيار الاساليب المجدية في اقناعها بالتصويت لصالح "ترامب".
من يظن ان السيد "ترامب" ابلهاً قاده الحظ الى النجاح في الانتخابات كما مكنه من قبل من تكوين ثروته، فهو واقع تحت وطأة الوهم، فالواقع ان "ترامب" كان يسير وفق بنود برنامج مدروس بعناية ومخطط له بدقة، ولابد ان يكون "ترامب" نفسه قد ساهم بقدر كبير مع الخبراء في التخطيط لحملته الانتخابية. وصحيحٌ ايضاً ان السبب الرئيس الذي حقق نجاح "ترامب" هو الزخْم الانتخابي الجماهيري الذي تمت تعبئته عبر "الانترنت" ووسائل الاتصال الاجتماعي، ولعل الجميع لاحظوا كيف ارتعدت فرائص كبار رموز الحزب الجمهوري الذين اثار فزعهم اكتساح "ترامب" لمنافسيه، وهو امر ينبئ دون شك بأن حدثاً جللاً ربما قد يكون اصاب قواعد الديمقراطية، ولم يتجلَ بعد أشر ذلك ام رشدا؟
ولعل اكثر من سقط بأيديهم هم رجال الاعلام التقليدي، الذين لم يتعافوا بعد من تبعات الصدمة التي صرعتهم في اعقاب نجاح السيد "ترامب"، حيث تبدت في تلك اللحظة "السلطة الرابعة" وكأنها لم تفقد قدرتها على الاستشراف فحسب، بل انها ستخسر بالنتيجة سلطتها "السلطة الرابعة" لصالح طرف جديد افراده اكثر عدداً من اية نخبة ومن اي "لوبي"، انها سلطة وسائل الاتصال الاجتماعي. وهكذا استعمل الأمريكان "الانترنيت" في توصيل من يريدون الى تولى السلطة، فيما نحن في ثورات الربيع العربي استعملناه لإسقاط الحكام دون ان نجهز من يتولى الحكم بدلاً لهم، ففي ربيعنا الذي أريد له الا يُزهر، إما قفز المتربصون واستولوا على السلطة في الدول التي كانت بها مؤسسات الدولة التقليدية، وتغير الحاكم ولم يتغير الحكم، او حلت الفوضى واستشرى الاقتتال في الاخرى التي انعدمت او كانت مهترئة فيها مؤسسات الدولة، فذهب الحاكم وذهب معه الحكم. وسواء تولى السلطة المتربصون أم ساد الاحتراب فان الحالتين نتيجة الاستعمال المتخلف للأشياء العصرية.