يقدم محرر (الكلمة) هنا تقريرا مبدأيا عن افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي في الجزائر، ويكشف عن دلالات انعقاده، وكيف تتحول به الجزائر إلى موعد سنوي للإبداع الدرامي في العالم العربي، وعن دور المسرح في الحفاظ على جذوة الثقافة العربية ومحاربة كل أعداء العقل والاستنارة.

الشهداء يعودون الى خشبة المسرح

ضمن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي

عبدالحق ميفراني

الجزائر: الشاعر عزالدين ميهوبي، وزير الثقافة الجزائري، والمخرج المسرحي فوزي بن ابراهيم أعادا معا حكاية عشق تراثية الى خشبة المسرح في حفل افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي، والتي تلتئم في الجزائر، دورة عزالدين مجوبي، والذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح بالشارقة بتعاون مثمر مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام وبإشراف من وزارة الثقافة و وزيرها الشاعر عز الدين ميهوبي وبدعم كبير من واليي ولايتي وهران ومستغانم. المهرجان، الذي تحول الى موعد سنوي، يلتقي خلاله المسرحيون العرب كي يناقشوا راهن المسرح العربي وطموحاته، مآل الممارسة المسرحية في بلدان تعرف العديد من التحولات، ويحاول جاهدا المسرح أن يكون صدى مباشر لما يروم داخل هذه المجتمعات من أسئلة. 

عرض "حيزية" للمخرج فوزي بن إبراهيم، والذي قدم على خشبة القاعة الكبرى بفندق "الميريديان" بمحافظة وهران في حفل افتتاح الدورة التاسعة هو عبارة عن أوبيريت غنائي، يستعيد قصة عشق درامية وقعت في أواسط القرن الماضي في أحد المناطق الصحراوية.

فبعد القاهرة عام 2009، وتونس عام 2010، وبيروت عام 2011 وعمّان عام 2012 والدوحة عام 2013 والشارقة عام 2014 والرباط عام 2015، والكويت عام 2017، ها هي الجزائر تتحول الى خيمة للمسرحيين والنقاد والإعلاميين والمهتمين والخبراء والمتدربين والأطر المتمرسة في مجالها كي ينقلوا الفرجة الى ولايتي وهران و مستغانم.

تكريم فرقة جبهة التحرير الجزائرية وحيزية بطاقة حب جزائرية الى العرب
الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي، والتي تعرف حضورا لافتا للعديد من المسرحيين العرب، في أضخم تجمع سنوي يروم قراءة الحصاد المسرحي السنوي، ويعطي الانطلاقة في آن لبداية الموسم المسرحي في جميع الدول العربية ببرنامج عمل متنوع ومتعدد يضم العروض والندوات الفكرية والورشات واللقاءات والحلقات والتوقيعات والعديد من الفقرات التي ترتبط بالمسرح العربي وبواقعه.

ولعل توالي دورات المهرجان وانتظامها، بدأ يؤسس لمستقبل خاص لهوية المهرجان بما يتلاءم والأسئلة الجديدة التي يشهدها المشهد المسرحي العربي. ولعل المؤتمر الفكري، والذي تعرفه كل دورة ويعرف مشاركة فعلية للعديد من النقاد والخبراء والباحثين المرموقين العرب يؤسس لمعنى فعلي لتوطين المسرح في فضائه الآثيري في منظومة المجتمع العربي. خصوصا أن كل دورة أضحت تشكل مادة دسمة للباحثين كي يقاربوا بعضا من الإشكالات الكبرى التي ترتبط بالممارسة المسرحية في العالم العربي وبأفقها وبرهاناتها.

الدورة التاسعة (دورة عز الدين مجوبي) للمهرجان العربي للمسرح، تمثل أضخم وأوسع برنامج يشهده  المهرجان، وتتقاسم كل من ولايتي وهران ومستغانم فعالياته. وكما أكد في كلمة الافتتاح الأمين العام للهيئة العربية للمسرح الأستاذ اسماعيل عبد الله، الحفل الذي تزامن مع الاحتفاء باليوم العربي للمسرح والذي يصادف كل سنة ال10 من يناير، "المسرحيون يقفون على أرض الجزائر اليوم ليرسموا حلمهم، و تصدح أصواتهم بنشيد الحرية، في الدورة التاسعة من مهرجان المسرح العربي/ دورة عز الدين مجوبي، الأمر الذي يؤشر إلى وعي كبير بدور المسرح في التنمية المجتمعية، و دوره في ترقية الفعل الثقافي و الإبداعي، بدوره في التغيير..". واعتبر الأمين العام أن المسرحيين العرب هم "صناع الحدث"، ليخاطبهم قائلا: "أنتم الذين ركبتم صهوات الحياة و وفدتم من كل فج بعيد، و طويتم بالمحبة المسافات، حاملين شهد إبداعكم، لتضعوه سائغاً مغلفاً بالحب للمسرح العربي و الجزائر، فهذه ساحكم، و هذا بلدكم و هذه مسارحكم، فمن مثلكم اليوم و أنتم تدرأون الظلام بنور الجمال؟ من مثلكم و أنتم ترفعون رايات الحب في وجه عواصف الكراهية التي تجتاح العالم؟ من مثلكم بكل هذا الإقدام في غناء المحبة بينما تعلو لغة الغلو و التطرف و الجنون؟ من مثلكم و أنتم تحجون إلى وطن يكبر بكم وتكبرون فيه".

وشهد حفل الافتتاح تكريم فرقة جبهة التحرير الوطني، الفرقة التي أسسها المبدع مصطفى كاتب عام 1958، لتكون رسالة الجزائر ودعوة الى التحرر من الاستعمار، ومشتلا لتعليم قيم المواطنة وللدفاع عن القضايا الوطنية. خمسة عشر عضوا من الفرقة كرموا في حفل الافتتاح، من صفية قاسي الى مصطفى سحنون وابراهيم دري والهادي بوليفة، والطاهر ثامر وأحمد التلي وثلة من خيرة فناني الجزائر في المهاد الأول من الحركة المسرحية. كما شهدت الدورة تكريما خاصا لأحد مناضلي وشهداء الحركة المسرحية الجزائرية والعربية، الفنان شهيد المسرح عز الدين مجوبي(اغتيل في 13 فبراير/ شباط 1995 في الجزائر العاصمة).

انطلاق المسابقة الرسمية للمهرجان وندوة استعادية لشهيد المسرح مجوبي
28 عرض مسرحي، ثمانية تتنافس على جائزة القاسمي و 8 في مسار المهرجان و أربعة في المسار الثالث و 8 من العروض الجامعية، ما يقارب 11 ورشة تدريب، أربع منها مخصصة لتنمية تجارب مسرحية لافتة في بعض الدول العربية، هذه بعض من عناوين فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي.

كما تحتضن الدورة التاسعة فعاليات مهرجان للمسرح الجامعي ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي، سيشهد 105 مشاركين في المؤتمر الفكري، و33 مشاركاً في تأطير الورش و الندوات النقدية التطبيقية، ومناظرة ريادة النص المسرحي العربي تحسم في هذه الدورة بندوة محكمة الى جانب 3 ندوات محكمة لتحديد ترتيب الفائزين في مسابقات البحث و تأليف النص وورشة لإعداد القراءات النقدية للعروض قبل المهرجان يشارك بها مجموعة من الأكاديميين الجزائريين من أجل تقديم القراءات النقدية بشكل أكثر منهجية.

وشهدت قاعة المؤتمرات، عقد ندوة "شهيد المسرح الجزائري عزالدين مجوبي" وهي الندوة التي عرفت تقديم فيلما وثائقيا ووثائق وشهادات حول مسيرة أحد رجالات المسرح الجزائري. كما تواصلت عقد اللقاءات الصحفية والندوات التطبيقية للعروض المسرحية المشاركة. وقد افتتح المسرحي التونسي توفيق الجبالي بعرضه المسرحي "المجنون" والذي استلهم نصا لجبران خليل جبران، سلسلة العروض المسرحية بقاعة السعادة بوهران فيما عرفت قاعة المسرح الجهوي عبدالقادر علولة تقديم أول عرض مشارك في المسابقة الرسمية، مسرحية "الثلث الخالي" للمخرجة الجزائرية تونس آيت علي.

استراتيجية عربية للمسرح للنهوض بالثقافة المسرحية داخل المجتمعات العربية
الدورة التاسعة من عمر المهرجان، تحط الرحال بدولة عربية تعرف حراكا لافتا في مجال الممارسة المسرحية، جزائر مصطفى كاتب، وعبد القادر علولة، وامحمد بن قطاف وغيرهم. ولعل اختيار روح تسمية الدورة باسم واحد من شهداء المسرح الجزائري "عز الدين مجوبي" هو تكريس لاحترام نضالات المسرحيين و تضحياتهم و الدور الذي يلعبه المسرح في التغيير و تهيئة مناخ الحرية.

يعرف المهرجان تنظيم مؤتمر فكري كبير وسم موضوعه ب (العبور إلى المستقبل بين الريادة والقطيعة المعرفية) ويأتي  المؤتمر الفكري في هذه الدورة مكرسا للمعنى المعرفي والعلمي والذي ظل على الدوام إحدى رهانات هذه الدورات. إذ على مدار تسعة أيام سيشهد المهرجان عقد ندوتان تطبيقيتان استذكاريتان لشهيدي المسرح الجزائري عز الدين مجوبي، و عبد القادر علولة، حيث تعقد كل ندوة منهما مرتين في وهران و مستغانم. ومناظرة علمية حول ريادة النص المسرحي العربي بين مارون النقاش و ابراهيم دانينوس، حيث يقدم المتناظران د. سيد علي اسماعيل من مصر، و مخلوف بوكروح من الجزائر.

كما سيتم حسم الفائزين و ترتيبهم في ثلاث مسابقات نظمتها الهيئة عام 2016 و هي مسابقة تأليف النص المسرحر الموجه للكبار، مسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للأطفال، المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي (المخصصة للباحثين الشباب) تحت سن الخامسة والثلاثين. كما سيشهد المؤتمر الندوة التطبيقية العلمية حول فن الإيماء وندرته في المسرح العربي، حيث سيتم تطبيق التمارين مع كافة الحضور. إضافة إلى ندوات ستنظم في جامعة مستغانم حول النقد و الصور الجمالية في المسرح لفائدة طلبة كلية الآداب و الفنون و طلبة الدراسات العليا فيها.

سيشهد المهرجان ملتقى خاصاً بالمهرجانات الضيفة و توقيع تفاهمات مع الفيدرالية الدولية للتمثيل، وإعلاناً عن حزمة نشاطات تنظم بالاشتراك مع ديوان الثقافة و جهات عديدة في الجزائر على مدار العام 2017، إلى جانب اجتماع مسرحي مغاربي سينتج عنه خطة عمل مشتركة لصالح المسرح العربي.