في نوع من التأمل الشجيّ الأقرب إلى الشهادة الشخصية أو شذرات الشجن الشعرية التي تتقمص البوح الذاتي، يقدم لنا الناقد المسرحي الجزائري هنا صورة قلمية للمسرحي الجزائري المرموق ترسم لنا مسيرته الطويلة، وتتناول منهجه في التعامل مع المسرح، ومع الشخصية على السواء.

اسمي عزالدين مجوبي .. فصيلة دمي «T» مسرح

عبدالناصر خلاف

"كان عز الدين مجوبي عندنا. كنا سعداء بوجوده معنا. ولكنه كفنان ملتزم لم يحتمل البقاء خارج الوطن طويلا. ذات صباح اخبرنا انه قرر العودة. حاولت بإصرار كبير ان اثنيه عن قراره لكنه لم يقبل. اخيرا عاد و كان ما كان!"

اريان موشكين – في حديث مع الدكتورة لميس العماري

 

اسمي عزالدين مجوبي .. وهناك من يناديني مدجوبي .. نعم مدجوبي ..

مسقط روحي مدينة عزابة سنة 1945- ولاية سكيكدة –( شرق الجزائر)..

امي الجزائر

تزوجت امينة ..

تسألونني كيف حدث هذا الزواج؟

تلك حكاية طويلة اسألوا "مينا "..

تزوجنا سنة ‍1972، وانجبنا طفلين جميلين: خيرالدين خجول مثلي وعاشق للموسيقى؛

وبدرالدين يعشق الحيوانات ... امنيته ان يكون بيطريا .. لا ادري هل تحققت امنيته؟

تزوجت الخشبة، فأنجبت نفسي،" انا متزوج من المسرح اكثر من العائلة "منحت للمسرح من كل اعماقي قلبي و جسدي و روحي وصوتي"

وانجبت ابناء آخرين:

- الصمود ( تركيب شعري من اجل فلسطين ) المسرح الوطني الجزائري 1975

- غابوا لفكار المسرح الوطني الجزائري 1986

- آخر المساجين مسرح القلعة 1990

- قالوا العرب قالو مقتبس ومستشار فني المسرح الوطني الجزائري 1983

- عالم البعوش المسرح الجهوي باتنة 1993

- الحوينة المسرح الجهوي بجاية 1993 وهي آخر ابنائي

بعد انتقال عائلتي الى الجزائر العاصمة، بحكم عمل الوالد، شغفت بالمسرح والتحقت بالمعهد البلدي للموسيقى والمسرح لمدينة الجزائر وحصلت على شهادتين:

الأولى بتاريخ 12 جوان 1963 كممثل باللغة العربية

والثانية يوم 22 جوان 1964 تحصلت فيه على الجائزة الثانية في قسم التمثيل باللغة العربية

بعدها شاركت في مسرحية "حالة النساء" سنة 1964 ،

التحقت بالمسرح الوطني الجزائري كممثل مسرحي سنة 1966 وشاركت في اول عمل لي بعنوان مسرحية عنبسة المقتبسة عن مسرحية روبلاس لفيكتور هيجو، من اخراج: مصطفى كاتب، وشاركت الى جانب سيد أحمد أقومي – العربي زكال – محمد بن قطاف–عبد القادر بوقاسي- وهيبة – فلة ... واذكر بان اول عمل مسرحي شاركت فيه في حياتي – كان عبر امواج الاذاعة - روبلاس لفيكتور هيجو ..

تركت مؤسسة المسرح الوطني الجزائري واتجهت للعمل كممثل معد للنصوص المسرحية بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الجزائري (1966-1973).. وفي نفس الفترة اسست فرقة "المسرح والثقافة" التابعة للاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية من 1965-1968 التي يوجد مقرها في شارع موقادور رفقة كل من :"رضا خريس-بن حصير –بوزيدة- كريمو بابا عيسى وأخرون .. "وقدمنا مسرحية الفرس سنة 1965 بالمسرح الصغير –الموقادور. ذهبت الى سعيدة واسست فرقة cult-prolet1973 ومنها الى وهران التحقت بمسرحها الجهوي .. من 1 جانفي 1973 الى غاية 10 مارس 1974 شاركت في مسرحية "المايدة" من اخراج عبدالقادر علولة .. عدت مجددا الى مؤسسة المسرح الوطني الجزائري حيث عملت فيه كممثل ومساعد مخرج 1974- 1989 حيث وزعت في كل ريبرتوراه : المقبرة–الصمود (تركيب شعري) -المولد- النقود الذهبية - زعيط ومعيط ونقاز الحيط- باب الفتوح - أه يا حسان- سي بونوار وجماعته- الدهاليز - الانسان الطيب من سيشوان - قالوا العرب قالوا - جحا باع حماره - عقد الجوهر - العلق- قف - يا ستار ارفع الستار - فين كنت البارح - حافلة تسير 1- أغنية الغابة - الشهداء يعودون هذا الأسبوع.

أسست مع مجموعة من الاصدقاء: زياني شريف عياد – أمحد بن قطاف – صونيا - سيد علي عياشي - بلعورة مسرح القلعة سنة 1989 وهكذا دخلنا مغامرة المسرح المستقل ولقد كانت هذه الفرقة في الأساس تابعة للجنة الحفلات لمدينة الجزائر " تجربتي في مسرح القلعة فيها الكثير من الكلام ، فأنا عضو مؤسس، والحديث عن مجموعة ارادت التجديد وتكوين اطار معين لهدف معين، لكن ظهرت فيما بعد حسابات اخرى لا داعي للدخول في تفاصيلها." وفي مسرح القلعة شاركت في: العيطة – حافة تسير 2 - آخر المساجين. كما شاركت في مسرحية حصارستان لصالح المسرح الصغير لرياض الفتح 1992.

انتقلت الى المسرح الجهوي باتنة كمكون ومخرج حيث كانت مسرحية عالم البعوش اول اخراج لي خارج الجزائر العاصمة وقدمنا عرضها الشرفي يوم28 جانفي 1993 وهي تجربة متميزة خضتها مع فرقة شابة فتحت عيني على امور لم اكن اعرفها من قبل؛ ففي الفن المسرحي يجب على الانسان ان يختار وانا اخترت الواجب والمسرح مالم يخدم المجتمع، فأنا لا اعلم من سيخدم ؟ وفي هذه المسرحية التي توجت في مهرجان قرطاج المسرحي في طبعتها السادسة سنة 1993 بأحسن دور رجالي للممثل جمال طيار (شخصية سي حسان) "قدمت كل ما عندي من امكانيات تقنية وفنية".

في الحقيقة لم اكن متكونا في فن الاخراج و "ارفض ان يتكلم عني الناس كمخرج" انا ممثل بالدرجة الأولى .. هل تصدقون بدأت رحلتي الفنية كممثل درجة ثانية بالمسرح الوطني الجزائري (1969-1973). اقول هذا للشباب، ارجو ان لا يصدمهم هذا التصريح، لكن صدقوني "لا يوجد دور صغير او دور كبير بل يوجد ممثل صغير أو كبير .. لا يوجد ممثل قديم – او ممثل شاب .. بل يوجد الاخلاص للخشبة .. توجد الكفاءة والمهنية .. فالخشبة هي "بيتي الأول" وهي اختصار لكون جمالي .. الخشبة تخاطب الفكر .. الخشبة تعانق الروح". وبفضل هذا الاخلاص صرت ممثلا من الدرجة الأولى بل مساعد مخرج لعديد الأعمال، وصنعت مجد المسرح الجزائري .. اجد نفسي كما قال احد المتخصصين عني "في الشخصيات التي يوحي بها الواقع الجزائري" صراحة إمكانياتي الفنية وطاقتي كممثل لم تستغل كما يجب" اذ لم يدخل معي المخرجون في تلك المغامرة لاستكناه عمقي الثري واكتفوا بإعطائي نفس الشخصيات النمطية سواء في المسرح او في التلفزيون ... اكتفوا بإعطائي تلك الادوار النمطية لشخصية الانسان العاقل المتزن الهادئ لدرجة البلادة احيانا"

بقيت ممثلا في الدرجة الثانية لأن ليس من اخلاقي ان اطلب "من المخرجيين ادورا معينة" كان يجب ان انتظر الى غاية 1985، حيث قدمت مسرحية حافة تسير؛ وفيها انفجرت طاقتي وقدمت اكثر من 220 عرض ثم مسرحية الشهداء يعودون هذا الأسبوع، واخيرا العيطة ..لم "اتفوق على ذاتي" كما كتب علاوة جروة وهبي، بل عدت الى ذاتي .. الى ينابيعي الأولى .. الكل يذكر ذلك النشيد الطفولي في مسرحية حافلة تسير "نوارة بنتي" نوارة لم تكن ابنة عزالدين مجوبي، ولم تكن ابنة الشريف الزوالي، كانت ابنة بوبكر مخوخ. لأنه لم ينجب اطفالا .. بوب الملتحي .. بوب الطفل ..انجب نصوصا مسرحية ووجع الوطن ثم رحل في صمت ..

التحقت بالمسرح الجهوي بجاية واخرجت مسرحية الحوينتة .. وحين استقال مخلوف بوكروح استدعوني لأكون مديرا لهذه المؤسسة التي منحتها كل شيئ ..وهذا بقرار امضاه وزير الثقافة سليمان الشيخ وهذا في شهر ديسمبر 1994. لم آت للمسرح الوطني لكي أعطي "أوامر أو تعليمات وأنا جالس وراء المكتب، بل جئت لمشاركة الجميع في العمل المسرحي من خلال تصورات وأفكار ونصائح وتوجيهات". وتنصيبي على رأس هذه المؤسسة "مهمة مؤقتة لا اريدها ان تطول". وجدت المسرح في حالة مزرية تخبط في مشاكل عدة .. لذا بدأت اشتغل في صمت ولكن بالتشاور مع الفنانين والاداريين والممثلين والاعلاميين.

موقفي دائما هو "عدم البوح بما احضره ". لا احب استباق الأحداث ، بل "افضل الافصاح عن كل شيىء في اوانه". شيء ما حدث لي اللحظة وانا اخرج في 13 فيفري 1995 من الباب الخلفي لمؤسسة المسرح الوطني، بعد جلسة عمل حول اعادة مسرحية للأطفال دمنة .. وفجأة من حيث لا ادري يلهبني شيء لا اسميه، ولا اعرف كيف اسميه .. شيء اقوى من اقدامي التي حملتني على الخشبة. شيء اقوى من صوتي البركاني الذي دوى في العيطة وحافلة تسير والشهداء يعودون هذا الاسبوع. لكن هذا الشيء لم يستطع سرقة بسمتي. لا املك سوى دمي و بسمتي كي اواجه هذا. ها هو دمي .. فصيلة دمي T (مسرح) اسمع جلبة كبيرة وامرأة تصرخ باكية: سلم على علولة يا عزالدين .. سلم على علولة يا عزالدين

ها انا ابتسم اللحظة. لأنني سأكون في بيت علولة خلال المهرجان العربي للمسرح الدورة التاسعة بوهران .

 

  • عبدالناصر خلاف ناقد وباحث جزائري في الفنون المسرحية، وهو منسق المؤتمر الفكري لمهرجان الهيئة العربية بدورته التاسعة بالجزائر.