يسعى الباحث التونسي هنا إلى التعامل مع البيان الأدبي باعتباره جنسا أدبيا يستحق التحليل والكشف عما تنطوي عليه بنيته من استراتيجيات التوجيه والسعي لاكتساب تضامن القارئ، ويخلص في تحليله لبيان قاسم حداد وأمين صالح إلى نتيجة مفادها عدم التناسب بين القيم التي يبشّر بها كاتبا البيان، واختيارهما لاستراتيجيّة التوجيه.

استراتيجية التوجيه في بيان «موت الكورس»

لـ«قاسم حدّاد وأمين صالح»

لمجد بن رمضان

تمهيد:
تتنزّل هذه الدراسة في إطار استجلاء السمات البارزة في الخطاب البياني، الذي تعلّق موضوعه بالتجارب الأدبيّة المعاصرة. وتكمن الغاية المنشودة من إنجازه، في إبراز التعالق القائم بين أهداف كاتب البيان واختيار الاستراتيجية التوجيهيّة في الخطاب كوسيلة لتحقيقها. ذلك أنّ البيان يصدر عن صاحب التجربة الإبداعيّة نفسه، متوجّها فيه برسالة إلى الجمهور الواسع للأدب يتعلّق محتواها بما ينتجه من آثار أدبيّة. يحتاج في عمليّة إقناع متلقي الأدب، إلى تتبع مسالك معيّنة تضمن التأثير فيه وتجعله يعدّل في أفق انتظاره حتى يستوعب التجربة الأدبية الجديدة. ومن ثمّة فإنّ الأديب يجد نفسه مجبرا على تصريف خطابه على نحو توجيهي لأنّ مهمة اختراق أفق انتظار المتلقي أمر فيه الكثير من العسر إذا جرى الخطاب على نحو آخر.

وقد اخترنا كمتن لهذه الدراسة، أحد أهمّ البيانات الصادرة في أعقاب الموجة الروائيّة التي تنعت بالتجريب، أنجز بصيغة مشتركة بين "قاسم حدّاد وأمين صالح" الموسوم بـ"موت الكورس".(1) دار العمل على وصف الخطاب وتتبع خصائصه حتى يتسنى لنا فيما بعد رصد الغايات الدفينة التي دفعت صاحباه إلى إصداره، وفهم الحاجة التي استوجبت لجوأهما إلى استراتيجية التوجيه. ومن ثمة قامت خطّة هذه الدراسة: بداية بضبط المفاهيم الرئيسّة المتمثّلة في مصطلح "البيان" والاستراتيجية التوجيهيّة، وانتقلنا إلى المعالجة الوصفيّة لنواة المشروع الكامن في الخطاب وتجليات التوجيه، وانتهينا إلى خلاصة نقديّة وقفنا فيها على مظاهر التناقض بين القيم المنشودة في المشروع واختيارات قاسم حدّاد وأمين صالح لصيغة الخطاب. وكان يقودنا في هذه الدراسة مجموعة من التساؤلات أهمّها: هل اختيار التوجيه كصيغة للتخاطب نابع من طبيعة "البيان" وشكله؟ أم من إكراهات السياق؟ ما مدى فاعليّة الاستراتيجية التوجيهيّة في تحقيق المشروع المنشود؟

1. ضبط المفاهيم :
يقوم هذا القسم من الدراسة على تحقيق مقصدين: أوّلهما ضبط مفهوم البيان في الحقل الأدبي وتحديد منزلته وحدوده كخطاب بين أجناس الخطاب القريبة منه. ثانيا تحديد المقصود بالاستراتيجية التوجيهية كوسيلة يتوخّاها مرسل الخطاب في البيان في سعيه إلى إقناع المتلقي.

  1. مفهوم البيان:
    إنّ العتبة الأولى التي تعترض الباحث الساعي إلى فهم خطاب "البيان" هي هويّة الملفوظ. والمقصود بهويّته جنسه وحدوده في خارطة الملفوظات. فلا يمكن لكاتبه أن يضعه خارج أي معيار أجناسي (norme générique). "فكلّ رسالة لا توجد خارج السنن التداولية (convocations pragmatiques) الأساسيّة التي تدير التبادلات الخطابية (échange discursifs) وتقتضيها سنن النظام اللساني (conventions du code linguistique)"(2). وبنفس الدرجة لا يتسنى لمتلقي هذا الخطاب فهم مقاصده دون تحديد جنسه حسب ما يمتلكه من معايير تصنيفيّة كامنة في ذهنه بصفة ما قبليّة. ذلك أنّ إطلاق صفة البيان على أيّ نصّ يحيل إلى جملة من التصوّرات العالقة بالتسمية، والتي ألفها المتلقي في مجالات أخرى وصارت جزء من البنية اللاّ شعوريّة لثقافته. وهي تصوّرات ترتبط خاصّة بتاريخ استعمال المصطلح. فهو يشير عادة إلى الخطابات التي تلي الانقلابات العسكريّة أو "الثورات" التي "تقودها الجيوش". ومما لا شكّ فيه أنّ البيان في مجال الأدب قد حافظ على بعض السمات الأجناسيّة والطاقة التفسيريّة التي علقت به في المجال السياسي. فهو خطاب يرد في المقام الثاني بعد الفعل سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الأدب. ويأتي كتبرير للخطوة التي أقدم عليها صاحب المشروع بالقوّة، تحدي السلطة السياسية القائمة أو السلطة الأدبية المهيمنة على الثقافة والذوق العام. ويمكن أن نتبيّن ذلك من خلال إلقاء نظرة سريعة على تاريخ المصطلح.

فقد ارتبط لفظ "البيان" في الثقافة العربيّة بالقاموس السياسي والعسكري على وجه التحديد وعلى الأرجح تمّ نقله من ثقافات أخرى. حيث لم نجد في المعاجم العربيّة القديمة تعريفا يتعدّى "الإيضاح للشيء"(3). وتشير المعاجم المختصّة في المصطلحات الأدبيّة، أنّ المفهوم الحديث للبيان "ظهر في إيطاليا «manifesto» في القرن السادس عشر وانتشر استعماله على نطاق واسع خاصّة في فرنسا «manifeste»، "ودلّ أوّل الأمر على تصريح مكتوب تبرر فيه شخصية ما أو جماعة سياسية أفعالها أو تعرض برنامجها. ومع الأيام اتسع معنى الكلمة بحيث بات يحوي جميع الممارسات المعلنة بما في ذلك تلك الخاصّة بالكتّاب ومن أمثلته بيان "ربّة الفنّ الفرنسيّة 1824"، بيان "ضدّ الأدب السهل" (1833)"(4). ومن شان هذا التوسيع لمعنى الكلمة أن يشمل إلى جانب الخطاب السياسي جملة التصريحات العامة للجماعات أو الأفراد الذين يعلنون عن مواقف تعبر عن نظرة جديدة سواء في الثقافة أو الأدب أو الفنّ. ولكن على عكس البيان السياسي الذي يرد صريحا، يظهر البيان في الأدب متخفّيا فلا يتسنى التعرّف إليه إلاّ من خلال خطابه.

وقد انتشر استعمال البيان في الآداب العالميّة بشكل واسع. وفرض نفسه في الحياة الأدبيّة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. حيث بات من الوسائل الضروريّة التي يلجأ إليها الكتاب أفرادا أو جماعات تنضوي تحت مدارس بغية توضيح نشاطهم الفنّي للجمهور، ولأنّه يمثّل الشكل الأمثل لإعلان الموقف وتبيانها. فقد نشر "موريبا "بيان الرمزية" (1886)، وفي سنة 1897 أطلق سان جورج دي بوهيلييه بيان "الطليعة"، ونشر مارتنيه سنة 1897 "بيان المستقبليّة" وفي سنة 1918 نشر تزارا بيان "دادا" وبريتون في سنة 1924 بيان السرياليّة وسنة 1948 نشر بورديا "الرفض الشامل" بيان التلقائيين الذي أرسى الحداثة الجذريّة في كيبيك (Québec). وقد اتخذت البيانات في النصف الثاني من القرن العشرين طابعا أكثر عنفا. وباتت أقرب إلى شكل البيانات المضادّة مثل بيانات ال»ـOuli Po )1973 « ((5).

ومن المؤكّد أنّ الكتّاب العرب استفادوا بشكل كبير من هذا التراث العالمي المتعلّق بكتابة البيان. حيث مثّل وسيلة ناجعة لإعلان المشاريع الجديدة خاصّة تلك التي تحاول الخروج عن السلطة الثقافيّة والسلطة السياسيّة. واستفادت أيضا من طرق الإفلات من الرقابة التي ابتدعها الكتاب في العالم. فـ"قد يتّخذ البيان أشكال عديدة، مقدّمة، منشور، مقال، كتاب"(6).

ولعلّ أهمّ البيانات العربيّة في هذا الصدد مقدّمة "تلك الرائحة" للروائي المصري "صنع الله إبراهيم" (1966)، وهي تتخذ شكل البيان من خلال خطابها الذي أعلن فيه الكاتب عن تمرّده عن التقاليد المتبعة في كتابة الرواية، وكتاب "الأدب التجريبي" للروائي التونسي"عزّ الدين المدني" (1972) الذي تضمّن ثلاث بيانات" إلى جانب بعض أفكاره النقديّة النظريّة والتطبيقيّة. و"بيان الكتابة"، لـ"محمد بنيس"، بيان الحداثة للشاعر السوري "أدونيس"، "موت الكورس" لـ"أمين صالح وقاسم حدّاد" التي صدرت في مناسبات متفرّقة ثمّ جمعها وقدّم لها "محمد لطفي اليوسفي" في كتاب وسمه بـ"البيانات".

تتميّز هذه "البيانات" بخطابها الذي يقيم علاقة مضادّة مع المؤسّسة الأدبيّة: فهو "خطاب يتعارض مع الممارسات المشرعنة من جهة، و من جهة ثانية يسعى إلى الاعتراف بكتّاب مبتدئين ويعبّر عن رغبة في استبدال الجماعات المكرّسة. بجماعات جديدة تحمل قيم مغايرة"(7). أمّا من ناحية الشكل فإنّ البيان خطاب مقتضب ومركّز، لا يتجاوز صفحات معيّنة مرسومة بدقّة. لأنّ الغاية المرجوّة منه هي شدّ انتباه السامع أو القارئ ثمّ تبليغه رسالة ما. وهو يحمل أيضا سمات الإشهار لما فيه من غايات نفعيّة ومحاولات حثيثة لاستمالة المتلقيّ وتوجيه بالقوّة إلى خيار واحد وهو في موضوع الحال النصّ الروائي الجديد، وذلك عبر وساطة اللّغة. كما يستعمل طرق "تخطيب محدّدة، تعليميّة تارة، احترابية تارة أخرى، ويندرج دائما في إستراتيجية القطع والإقناع التي تفرض شيئا من المسرحة واللجوء إلى استخدام العديد من المراجع المعتمدة، وتأثيرات الإيعاز، والدهشة والإثارة"(8). ويرتبط البيان شديد الارتباط بالنصّ الأدبي ويعتبر جزء منه ومكمّل له. فهو من هذه الناحية يدخل في دائرة النصوص الموازية (para texte)التي أشار إليها "جيرار جنيت"(9). فهو ليس نصّا إبداعيّا ، ولا يمكن كذلك اعتباره نصّا نقديّا لضعف مقوّمات الخطاب النقدي فيه فهو ليس قراءة تتضمّن تشريحا للنصّ. وبالتالي يمكن اعتبار "البيان" من الناحية الأجناسيّة خطابا واقعا على التخوم بين الإبداع والنقد والإشهار. ونظرا لضعف الحجّة فيه وغياب البراهين العقليّة المنطقيّة التي تتميّز بها خطابات أخرى فإنّ البيان يلجأ إلى تتبع مسالك متعدّدة لإقناع المتلقي من بينها الاستراتيجيّة التوجيهيّة.

2.1. مفهوم الاستراتيجيّة التوجيهيّة:
نشير بداية إلى أنّ مفهوم الاستراتيجيّة في الخطاب مثله مثل مفهوم البيان ينحدر من المجال السياسي والعسكري خاصّة. ويشير "إلى فنّ قيادة عمليّات الجيش في ميدان القتال وهو يقابل مصطلح خطّة (tactique)[...] وقد انتهى الأمر بهذا المفهوم إلى اكتساب معنى أعم يفيد كلّ عمل يتمّ القيام به بصفة منسّقة لبلوغ هدف ما"(10). وبات للمصطلح استعمالات في شتّى المجالات. وقد بيّن "هشام القلفاط، أنّ "مفهوم الاستراتيجية يقوم على ثلاث محدّدات كبرى مؤدّاها السعي إلى تحقيق جملة من المقاصد المنشودة باستعمال منظومة وسائل في مقام احتراب صريح أو ضمني"(11). ويصدق هذا –حسب رأيه- على إنشاء الخطاب. حيث يعمد المتلفّظ برسالة كلاميّة ما إلى تصريف العبارة على نحو يضمن له تحقيق هدف الإقناع. أمّا أصناف الاستراتيجيّات الخطابيّة فهي تفوق الحصر. ويختلف استعمال الاستراتيجية الواحدة من متكّلم إلى آخر. لكنّ بعض الخطابات المتشابهة من الناحية الأجناسيّة وفي مستوى انتظارات أصحابها، يمكن أن تلجأ إلى نفس الاستراتيجية. مع اختلاف بسيط في طرق توظيفها. ففي حالة البيانات نجد شبه إجماع على اختيار التوجيه كاستراتيجية للخطاب.

ومفهوم "الاستراتيجية التوجيهيّة" حدّدها الباحثون في تحليل الخطاب من خلال الاستراتيجية التي تقابلها "الاستراتيجيّة التضامنيّة". ومن خلال العلاقة بين طرفي الخطاب والهدف وأفعال القول. فالمتكلّم وفق الاستراتيجيّة التضامنيّة يسوق خطابه بشكل فيه الكثير من التأدّب والتخلّق. وذلك "إمّا مراعاة لعلاقته الحسنة مع المرسل إليه، وإمّا بقصد تأسيسه معه بالخطاب"(12). وبالتالي فإنّ العلاقة الجامعة بين طرفي الخطاب تقوم على تفعيل مبدأ التعاون. في حين تمثّل الاستراتيجيّة التوجيهية نوعا من ممارسة القوّة في الخطاب. وتظهر عند "خرق قواعد التأدّب" التي جعلها "ليتش" المبدأ الأوّل عند التلفّظ بالخطاب(13).حيث يسوق المتلفظ خطابه بشكل فيه الكثير من الضغط والتدخّل في توجيه المرسل إليه. ويترك المرسل جانبا كلّ أساليب تهذيب الخطاب. وقد حدّد "سيرل" الأفعال التوجيهيّة في الخطاب بأنّها "كلّ المحاولات الخطابيّة التي يقوم بها المرسل، بدرجات مختلفة للتأثير على المرسل إليه، ليقوم بعمل معيّن في المستقبل"(14). وهذه الأفعال تتدرّج في مستوى ممارسة القوّة على المرسل إليه من "درجة التواضع واللين، بوصفها مجرّد محاولات، مثل الاقتراح، الدعوة لعمل شيء ما، حتى تصل التوجيهات إلى درجة الإكراه"(15). بحيث يمكن أن تتحوّل هذه الأفعال إلى ممارسة الوصاية على المرسل إليه خاصّة في الخطاب البياني الذي يدفع متلقي الأدب نحو قبول التأويلات التي يتبنّاها منشئ الخطاب، ويحذّره في المقابل من تتبع مسالك أخرى في فهم العمل الأدبي وتأويله. وقد نضيف في هذا الصدد مسألة الصورة ودورها في توجيه المتقبّل. فقد تلعب الاستعارة دورا هامّا في عمليّة الإقناع وتوجيه اختيارات المرسل إليه، من خلال "فتح إمكانات جديدة في الفهم وبناء المعنى"(16).

وقد حدّد الباحثون في مجال تحليل الخطاب عدّة مسوّغات لاستعمال هذه الاستراتيجيّة. من بينها العلاقة غير المتكافئة بين طرفي الخطاب. من قبيل التفاوت في المستوى الثقافي أو في المركز الاجتماعي أو المهني أو رغبة المرسل في الاستعلاء، أو أي شكل من العلاقات التي تسمح للمرسل أن يوجّه أفعال المرسل إليه. "فاستعمال الاستراتيجية التوجيهيّة نابع من علاقة سلطويّة بين طرفي الخطاب"(17). وكذلك السياق الذي يفرض على المرسل استعمال أفعال التوجيه كالتحذير من خطر داهم. ولعلّ أهمّ المسوّغات تلك التي ترتبط بالهدف، من قبيل إصرار المرسل على تبليغ رسالته بأي شكل من الأشكال دون مراعاة للعلاقة بين طرفي الخطاب. حيث يبدو له الهدف أسمى من العلاقة. ومن هذه الناحية تبدو الاستراتيجيّة التوجيهّية صالحة في مقامات الاحتراب. حيث تكون العلاقة بين أطراف الخطاب سلطويّة أي أنّ للمرسل حقّ فرض سيطرته على المرسل إليه. وبالتالي فرض رؤيته ومشروعه، ولا يبقى للطرف الآخر سوى القبول والتسليم.

2. نواة المشروع في "موت الكورس":
يقوم هذا القسم على فهم المشروع الذي أُنشِئ من أجله البيان. وذلك بالنظر في المقاصد المباشرة الظاهرة في البيان المتمثّلة أساسا في بلورة نصّ أدبي جديد بجماليّات مغايرة. والمقاصد البعيدة المسكوت عنها في ظاهر الخطاب.

1.2. المشروع المعلن.
إنّ أوّل ما يعترض المتلقي عنوان "البيان" "موت الكورس". وهو يبدو للوهلة الأولى غريب على مسامع القارئ العربي ودخيل على اللغة العربيّة. فلا نجد في المعاجم المختصّة في اللغة العربيّة قديمها وحديثها لفظ "الكورس". ففيما يبدو أنّه مستمدّ من المعاجم الغربيّة في شكل تعريب حرفي. وقد يتبادر للذهن أنّ المقصود هو الكلمة الفرنسية «cours»، وهي الكلمة الأقرب من الناحية الصوتيّة. لكنّ من ناحية المعنى فهي مستبعدة عن المجال الذي نحن بصدده. فهي تدلّ على معاني متعدّدة، فالمعنى الأوّلي هو الجريان المتواصل للماء وتقابل التيار. وتعني في العموم التسابق في مختلف المجالات كالرياضة أو العلم أو التسلّح. أي: التنافس بين طرفين(18). ولذلك فالأقرب  أن المقصود هو كلمة «chorus» التي تعني "الجوقة" في ميدان الموسيقى. ويبدو أنّ صاحبا البيان تعمّدا وضع العنوان بهذا الشكل المبهم والمثير للكثير من التساؤلات لخدمة غرض التوجيه. فقد استعمل صاحبا البيان لفظ "الكورس" كاستعارة لنعت مجموعة الكتاب المقلّدين. فالمقصود "بموت الكورس" هو "موت الجوقة" الذي يعني "موت المدرسة التقليديّة في الأدب". ويصبح بالتالي العنوان إعلانا عن هذا الحدث. وحدث آخر يليه هو ولادة تيار جديد في الأدب.  فكأنّ البيان، من هذه الناحية، يحمل نعي أو رثاء لهذا الميّت وتبشير بمولود جديد.

فالناظر في "بيان موت الكورس" يلاحظ بوضوح سعي المؤلّفين إلى بلورة مشروع أدبي جديد يقوم على أنقاض التجربة القديمة. والمقصود بالتجربة القديمة ما يوصف لدى العديد من النقاد بالأدب التقليدي أو الكلاسيكي. وهو جلّ التراث الأدبي العربي الممتدّ من منتصف القرن العشرين رجوعا إلى لحظات التأسيس الأولى في الجاهليّة. والذي وصل ذروة التكلّس مع مدارس الواقعيّة. وقد سمّاه صاحبا البيان بـ"النصّ الأوّل"(19). فيبدو جليّا أنّ المشروع هو بناء نصّ أدبي جديد بأدوات جديدة وطرق تعبير مغايرة لما كان سائدا طوال قرون. وهذا التجديد يمرّ عبر دحض القديم أي قراءته ومخالفته. وقد أكّدا ذلك من خلال قول: "ضدّ النصّ الأوّل هذا هو الهاجس المتأجّج في التجربة الطالعة، ليس النصّ الأوّل نموذجا، ولا سطوة له على المخيّلة، إن لم تستطع هذه المخيّلة أن تبدع نصوصها الجديدة بشروط جديدة فمن الأجدى أن تنتحر، إذ لا رغبة لدينا في إعادة إنتاج النصّ الأوّل، أو التنويع على شكلانيّته وجاهزيّته"(20). نفهم من خلال هذا التصريح أنّ الهاجس الأوّل هو التجاوز بأي شكل من الأشكال. ويمرّ هذا من خلال هدم المشروع القديم وجماليّاته الراسخة في الثقافة والذائقة الجماعيّة، ثمّ إحلال البديل.

فقد رسم البيان عدّة أهداف للمشروع. من بينها تغيير مفهوم الأدب ومهمّته، وصورة الأديب. فالنصّ الجديد يصوغ الواقع دون محاكاة ساذجة لمعطياته "نستمدّ مصادرنا لكنّنا لا نعكسه ولا نحاكيه"(21). بمعنى أنه أدب يسعى إلى كتابة الواقع بمنظور مختلف عن المدارس السابقة من قبيل "الاشتراكيّة الواقعيّة". فالكاتبان يعتبران هذه المدرسة قد نقلت صورة مزيّفة عن الواقع بدليل قولهما: "ما نراه لا يمثّل حقيقة الواقع، بل صورة مصغّرة، ناقصة، وغالبا ما تكون زائفة ومشوّهة"(22). ويتقاطعان في هذا الموقف مع عدّة أدباء لعلّ أهمّهم "إدوارد الخرّاط" الذي كان لديه موقف من إنجازات الواقعيّة الاشتراكيّة أو "الحساسيّة التقليديّة" بعبارته الخاصّة. فعلى حدّ قوله: لم يكن لأصحابها ما يقدّموه "إلاّ الفصحى ذات الرنين والوطأة حاملة شعارات تعوزها الروح الصادقة العفويّة، ومرتبطة ارتباطا مباشرا بالرطانة الأيديولوجيّة السائدة"(23). فمهمّة الأدب بالنسبة إلى هؤلاء ومن تبعهم من الأدباء والنقاد أيضا تكمن في تبوّء موقع طلائعي، والمساهمة في تغيير الواقع. وتحرير العقول من سلطة النموذج في الأدب وفي الحياة العامة كذلك. فالإبداع بالنسبة إليهم ليس استسلاما للموجود بل، مساءلة دائمة له وتشكيك مستمرّ في معطياته.

يستمدّ هذا النصّ جماليّاته من التجريب. فهو لا يستجيب إلاّ لمنطقه الداخلي الخاص ويمكن أن يضمّ في نسيجه كلّ الأشكال الفنيّة المجاورة له. يقول صاحبا البيان: "نقدر أنّ نستحضر كافّة منجزات الإبداع البشري وصهرها في موقدنا، وإنضاجها بلهبنا، نزعم ذلك بكلّ وقاحة، نزعم أيضا أنّنا نقدر أن نكتب تجربتنا بشروطنا وعناصرنا الذاتيّة"(24). ومن جماليّات الفوضى والغموض، فهو نصّ لا يراعي قواعد الشفافيّة والوضوح التي كانت تمثّل قاعدة الكتابة في عصر الواقعيّة.

ومن بين الأهداف كانت أيضا تغيير صورة الأديب. فالبيان يرسم ملامح المبدع المنخرط في هذه التجربة الجديدة. وهي صورة الثائر المتحدّي لكلّ القيود الأخلاقيّة والسياسيّة والثقافيّة القائمة. الكاتب المتحرّر من النماذج والمدارس وكلّ ما يمكن أن يعتبر تقليدا. وقد عبّر قاسم حدّاد وأمين صالح عن ذلك في قولهما :"نقف خارج دائرة التيارات والمدارس لا نتبع راية [...] الكاتب ليس عبدا للأشكال، بل خالقا وخائنا لها في آن [...] جئنا لنلهو بالأشكال نبتكر شكلا لنحطّمه في اليوم التالي [...] نسعى إلى شكل يكون بديلا، أو عدوا لما سبق ابتكاره وترسيخه"(25).

الواضح في خطاب قاسم حدّاد وأمين صالح أنهما يصدران عن توجّه ثوري، يسعى إلى التخلّص من كلّ أشكال السلطة. سلطة القديم في الأدب، والنقد والأيديولوجيّات التي كانت سببا في إنتاجه وترسيخه. فهما لم يخفيا انزعاجهما الشديد من "الوعي الجمالي" السائد. فإلى جانب رفضهما للأدب القائم على النظام وأحادية المعنى و"التراكمات البلاغيّة"، رفضا كذلك ما يسمّيانه "معقولية الشارع التي كانت تستر نفسها بالمنطق والوعظ والخطب"(26). والمقصود هنا بمعقوليّة الشارع الأيديولوجيات التي كانت مسؤولة عن إنتاج الأدب وتقبّله. "نعلن موت الكورس وبأنّنا ضدّ الإرهاب الذي يمارسه القارئ (والكاتب والناشر وبقيّة المؤسّسات) حين بفرض تصوّرا أو مفهوما، محدّدا وثابتا، ويطلب من كل كتابة أن تخضع له"(27). ومن بين الأهداف المعلنة في المشروع تغيير ذائقة القارئ. فقد أعلنا صراحة أنهما "ضدّ القارئ المستهلك... مع القارئ الفاعل"(28). فهما يهدفان إلى تحفيز وعيه ودفعه إلى أن يساهم في إنتاج النصّ الجديد. من خلال التفاعل الإيجابي مع التجربة المطروحة. فهو يظلّ في كلّ الأحوال الطرف الذي يحقّق الوجود الفعلي للنصّ على النحو الذي ينشدانه.

2.2. المشروع المبطّن:
إنّ خطاب البيان شأنه شأن أي خطاب يظهر أشياء ويخفي أخرى. ويبدو أنّ المسكوت عنه في "موت الكورس" هو سبب إنشاء الخطاب. فالتجربة التي يطمح أصحابها إلى توضيح ملامحها من خلال البيان تعاني من أزمة هي أساسا أزمة القراءة والتلقي. أو في أحسن الأحوال التلقي السلبي الذي استقبلت به من طرف النقاد. فما يظهر في سطح الخطاب توضيح ما ورد غامضا في النصّ الأدبي، أو تدعيم له حتى يتمكن جمهور الأدب من فكّ شفرته واكتشاف المعنى الذي أودعه صاحبه فيه. بينما نكتشف في العمق أنّ الغاية تتجاوز حدود التوضيح للتجربة الإبداعية. لتصل إلى حلّ أزمة التواصل التي تنشأ نتيجة للتباين بين ما يطرحه الكاتب عبر نصّه وانتظارات القارئ في لحظة زمنية ما. فقد أشار "ياوس" إلى أنّ النصّ الأدبي لحظة ظهوره قد يتعارض مع انتظارات القرّاء، وينتج عن هذا التعارض إمّا تغيير في أفق انتظار القارئ أو رفض التجربة واستبعادها(29).

فالنصّ الأدبي الذي تطلّب إرفاقه ببيان، غير قادر بمفرده على احتلال مكانة في ذائقة المتقبل، وعاجز عن تحقيق مشروع المبدع. والواضح أنّ التجربة الجديدة سقطت في أوّل اختبار لقيمتها الجماليّة. مما دفع الكاتبان إلى إصدار البيان، بغرض الوصول إلى القارئ وربط الصلة معه قصد دفعه إلى تقبل النصّ الروائي على الوجه الذي يطمحان إليه. فلا يمكن للتجربة الروائيّة الجديدة أن تنجح في غياب القراءة التي تحقّقها. ولا يمكن للقراءة أن تتمّ بدورها في غياب أرضيّة للتفاهم بين صاحب النصّ والقارئ، أو ما يسمّيه "سعيد يقطين "الخلفيّة النصيّة المشتركة"(30). فالمسكوت عنه في البيان هو الفجوة الواسعة بين النصّ الجديد وقرّائه لحظة ظهوره. لذلك فإنّ هدف البيان الرئيسي يتمثّل في تجسير تلك الفجوة وتحقيق مقروئيّة النصّ الجديد وبالتالي تحقيق الكاتب لوجوده من خلال نزع اعتراف الآخر به كمبدع. فالمشروع هو الوجود من خلال الآخر(31). ومتى كان هذا الوجود مرهون بتفاعل الغير فإنّ قيمته في الخطاب تزداد أهمّية.

 الواضح أنّ كُتَّابًا أمثال "قاسم حدّاد وأمين صالح" على وعي تام بهذه المسائل. فقد عملا أثناء صياغتهما لبيانهما على تحليل السياق ثمّ اختيار صياغة لغوية خاصّة، حتى يضمنا نجاح العمليّة التخاطبيّة، التي ستمكّنهما من إقناع جمهور الأدب بتقبّل التجربة الروائيّة الجديدة(32). فهذا البيان كتب بلغته "عنيفة" ونبرة حادّة وألفاظ تنتمي أغلبها إلى معجم حربي من قبيل "السلاح الأشدّ سطوعا، رعب الواقع، شهوة النار، اقتحام الباطن، الاحتماء والتحصن، نواجه، نكسر، نفضح." وهي لغة إلى حدّ ما لا تراعي السياق الداخلي للخطاب الذي يتناول موضوعا أدبيا جماليا يفترض أن له معجما خاصّ. لكنّ السياق الخارجي الذي كتبا فيه البيان يبدو مناسبا. لأنّ الفترة التاريخيّة مشحونة بالصراعات السياسيّة الداخليّة والخارجيّة. والتنافس الحادّ بين "الحساسيّة التقليديّة" في الأدب و"الحساسيّة الجديدة"(33). وكانت الاستراتيجية المعتمدة نابعة من تأثير السياق.

3. مظاهر التوجيه في "موت الكورس":
مثّلت الاستراتيجيّة التوجيهيّة أبرز الوسائل المعتمدة في "تخطيب" البيان وفي احتواء القارئ. فقد استعان الكاتبان بكلّ ما يمكنهما من الرأس مال اللغوي وتوظيفه ضمن هذه الاستراتيجيّة. فجلّ المظاهر اللغويّة الواردة في الخطاب كانت تخدم غرض التوجيه بصفة مباشرة أو غير مباشرة. بدءا من العلاقة بين طرفي الخطاب، والتصوير عن طريق الاستعارة.

1.3. التوجيه الصريح المباشر:
يظهر التوجيه من خلال العلاقة التي ينسجها الخطاب بين المرسل والمرسل إليه والأفعال اللغويّة. فالذات المتكلّمة في الخطاب متضخّمة ومتعالية بقدر كبير. ويظهر ذلك من خلال الإحالات المتكرّرة على الذات باستعمال ضمير المتكلّم الجمع من قبيل: "سنهب للأشباح خطيئة الحضور"(34). ذلك أنّ استعمال ضمير "نحن" في الخطاب ليس بريئا. فهو يحيل على أنّ المرسل ينطق باسم جماعة وبالتالي فإنّه موقعه قويّ يستند إلى مذهب أو اتجاه أو مجموعة من الكتاب، خاصّة في قوله "نحن المخبولون بالكتابة"(35). وهذا الموقع الذي يحتلّه المرسل يجعله صاحب سلطة على الطرف الآخر ويجعل عمليّة التوجيه ممكنة. خاصّة إذا تفحّصنا موقع المرسل إليه. فهو طرف غائب عن الخطاب أو مفترض. وليس له وجود أمام تضخّم الذات المتكلّمة. فهو متقبّل سلبي يكتفي بتلقي الخطاب دون أن يتدخّل. فالعلاقة بين الطرفين غير متكافئة وهذا من أبرز مظاهر التوجيه. أمّا محتوى الرسالة فيرتبط بتغيير مفاجئ في مجال الأدب. نصّ روائي يخرق كلّ ما كان متعارفا عليه في مجال الإبداع. ومن هذه الناحية يبدو الموضوع معلوما بالنسبة للمرسل ومجهولا بالنسبة إلى المرسل إليه.

وقد استعمل الخطاب عدّة صيغ للتوجيه من قبيل "الإشارة": "ضدّ النصّ الأوّل، هذا هو الهاجس المتأجّج في التجربة"(36). فالإشارة في هذا السياق هدفها الظاهر الإيضاح وفي الباطن الحدّ من التأويلات التي قد تنشأ في ذهن المرسل إليه وهو يتعرّف إلى التجربة الجديدة. ومن الظواهر الدالة على التوجيه في الخطاب "التحذير"، من قبيل: "لسنا جنودا ينبغي توضيح ذلك"(37). وهو يعمل في الخطاب أيضا للحدّ من التأويلات الخاطئة التي قد يبديها المرسل إليه تجاه المرسل. فهو يحاول أن يمحى الصورة العالقة في ذهن المرسل إليه التي تربط بين "البيان" والانقلاب العسكري" وهي صورة سبق وتبيّنا أنّها متأتية من ذكرى الاستعمالات الأولى لمصطلح "بيان".

ومن أكثر الصيغ المستعملة للتوجيه، "الإثبات بعد النفي". وهي صيغة في التلفّظ تنسحب على كامل الخطاب تقريبا، من قبيل: "لا نبحث في السطح، بل نحاول اقتحام الباطن"(38). كان من الممكن للخطاب أن يكتفي بالجملة الثانية، "نحاول اقتحام الباطن"، فهي قادرة على إفهام المرسل إليه مغزى الملفوظ. ولكنّ المرسل يُسبقها بالنفي حتى يفهم من كلامه أنّه يتجاوز البحث في السطح أي ما يبدو سهل المنال ومكشوف لكلّ كاتب، ويتركه خلفه ويتحوّل مباشرة إلى الباطن أي أعماق الظواهر الاجتماعيّة والفكريّة. وبذلك يتحقّق الفهم على النحو الذي يسعى إليه. ومن الأمثلة الأخرى على التوجيه بهذه الصيغة كذلك قوله: "لا نكتفي بالمعطيات والنتائج، إنّما نغزو الموقع الذي منه تتشكّل العلاقات والحالات"(39). لكنّ الإثبات هنا لا ينبني على ما تمّ نفيه بل إضافة عليه مع الحفاظ على نفس الغاية المراد تبليغها وهي التجاوز الذي يحمله المشروع. فهو يثبت بهذه الصيغة أنّه ينطلق من نفس الموقع الذي انطلق منه الكاتب التقليدي. لكنّه لا يقف معه في نفس المنتهى، إذ يتجاوزه إلى أبعد الحدود.

ومن الصيغ التوجيهيّة كذلك نجد إخراج الملفوظ في شكل "وصيّة"، "علينا أن نكسر هذا الصوت ونعلن أنّ كلّ كتابة خاضعة لشهوة النار. للكاتب حقّه في صياغة الحاضر مثلما كان للأسلاف حقّهم في صياغة الماضي. هكذا ننجز شيء ليس وثنا، مرشّحا للتحول والتجديد.."(40). فظاهر القول يدلّ على أنّ الخطاب موجّه إلى الذات أي المتكلّم وجماعته. ولكنّ ما سعى إليه المرسل هو ضمّ المرسل إليه من خلال ضمير المتكلّم الجمع. وبالتالي يصبح هو المعني بالفائدة الحاصلة من العمل بالوصيّة.

2.3. التوجيه غير المباشر:
قام التوجيه غير المباشر في خطاب البيان على استثمار الصور البلاغيّة خاصّة "الاستعارة" لما لها من طاقة تصويرية، ولقيمتها في بناء المعنى. وقد وظّفت لاستهواء المتقبّل وشدّ انتباهه إلى المشروع الروائي الجديد من ناحية، وتنفيره من المشروع الروائي التقليدي من ناحية أخرى. إذ ركّز المتكلّم على بناء صور متقابلة بين الرواية الجديدة والرواية التقليدية، الأديب الجديد والأديب التقليدي، والقارئ الجديد والقارئ التقليدي. وقبل ذلك عمل على رسم صورة للسياق.

فالقارئ يجد نفسه منذ مفتتح الخطاب في ساحة حرب ضروس، تستعمل فيها كلّ الوسائل: الأسلحة والجنس والإيديولوجيا والدين .. وهذه الصورة نتبيّنها من خلال المعجم الذي تتداخل فيه مفردات، الحرب من قبيل: "رعب الواقع، شهوة الاقتحام، الخرائب، نكسر، نحاول اقتحام، مسلّحا، السلاح الأشدّ سطوعا، في الهدم اكتشاف." ومصطلحات، الدين من قبيل: "الخطيئة، الفتح، ألهتك المغلولون يهتفون للعبودية، القداسة" مصطلحات الجنس: "الرغبة، أسر اللذة، ننتهك أسرّتهم، ربما رأينا في الكلمات ذكورة وفي الحرف أنوثة."

إنّ الناظر إلى مفردات هذا المعجم يجد أنّ السياق العام هو سياق حرب قذرة تُوظّف فيها كلّ الوسائل المشروعة والغير مشروعة. والواضح أنّ المتكلّم تعمّد المزج بين الدين والجنس والسياسة ... لأنّه يعلم مسبقا أنّ هذه المصطلحات تحيل المتلقي إلى مفاهيم محرّمة لا يمكن الخوض فيها لأسباب ثقافيّة عقائديّة وخاصّة سياسيّة. وقد قام منشئ الخطاب بإدراجها جنبا إلى بهدف بثّ الحيرة لدى المتلقيّ وتهيئته لتقبّل محتوى الخطاب ومن ثمّة توجيه اختياراته وموقفه من المشاريع الأدبية المتنافسة. فقد كانت الصورة المرسومة للنصّ التقليدي مشوّهة مخالفة لصورته الماثلة في الثقافة والوعي الجمالي للقارئ العربي. تقابلها صورة ناصعة جميلة للنصّ للمشروع الجديد.

حيث جعل النصّ "الأوّل" بمثابة "الوثن". وقد اختار صاحب البيان هذه الصورة بعناية فائقة. فهي تحيل المتقبّل إلى طقوس دينيّة جاهليّة تجاوزتها الإنسانية منذ قرون طويلة. وتجعله يستحضر ما يرتبط بالوثن من جهل وكفر وعبوديّة .. وهي صورة صادمة، منفّرة تبعث على الاشمئزاز والاحتقار. في المقابل يوصف النصّ الجديد بالرسالة النبيلة التي تشبه إلى حدّ ما الرسائل السماويّة التي نزلت على الأنبياء لتحرير الإنسان مما أصابه في جاهليّته. ويبدو أنّ المرسل يعوّل على مخيال المرسل إليه في تأويل الصورة وبالتالي اختيار المشروع الجديد لأنّ الصورة المرسومة له في الخطاب تنسجم مع انتظاراته العقائديّة. "هكذا ننجز شيئا ليس وثنا، مرشّحا للتحول والتجدد."(41)

وقام الخطاب برسم عدّة صور مشينة لأصحاب "النصّ الأوّل" وصور أخرى مقابلة لها تخصّ أصحاب التجربة الجديدة. حيث وصف أصحاب التجربة "القديمة" بالجمود والتكلّس والنوم والرضا عن الواقع. فهم أناس لا يحلمون منغلقون عن ذواتهم يعبدون الأصنام. ووصفوا أيضا بالجوقة التي لا تعرف غير المديح. فهؤلاء الكتاب "ينظرون في اتجاه واحد يكتبون بطريقة واحدة"(42). بمعنى أنّهم مرتهنون للنموذج الواحد عاجزون عن التنويع والتجديد. وبالتالي فهم مقلّدون تقليدا سلبيّا يرفضون كلّ جديد خارج عن الحدود المرسومة سلفا. وهذا التقليد وصف بأنّه نوع من الديكتاتوريّة والإرهاب والقمع. "لا بدّ للمقلّد لكي يفرض حضوره أن يقمع وأن يصادر حريّة الآخر الذي لا يقلّد إرهاب فكريّ نحاربه بالإفراط في التجريب"(43). في المقابل نجد صورة نيّرة لأصحاب التجربة الجديدة، حاول الخطاب رسمها من خلال نفي ما لحق بها من نعوت من قبيل قوله: "لسنا جنودا ينبغي توضيح ذلك"(44). وذلك بغية نزع صفة الشرّ التي قد تعلق في ذهن المتقبّل حول الكاتب المجرّب خاصّة من خلال السياق الذي رسمه الخطاب. أمّا الصفات التي حاول الخطاب تثبيتها فهي متعدّدة ومتنوّعة. فمن الناحية العقائديّة يبدو أصحاب النصّ الجديد أكثر إيمانا بتعاليم الدين الإسلامي، يدفعهم إيمانهم إلى حدّ "الجهاد ضدّ الوثنيّة" يسعون إلى الفتح عن طريق الكتابة. "نحاول مع آخرين هنا وهناك أن نفتح نافذة لنطلّ من خلالها على الأفق الشاسع... أفق الكتابة ويقينا ثمّة نوافذ كثيرة مغلقة، ترجو فتحها"(45). وقد أدرج في هذا المقطع من الخطاب لفظ "الفتح" لارتباطه في الثقافة العربيّة الإسلاميّة بزمن القوّة والسيطرة والتحكّم في العالم بعد قيام الدعوة المحمّدية في شبه الجزيرة العربيّة. وهو مصطلح قد يعيد إلى ذاكرة متلقي الخطاب أيام المجد والتفوّق على الآخر في شتى المجالات حتى وإن كان هذا الفتح المزعوم في البيان يتعلّق بالكتابة الأدبيّة.

كما نسب الخطاب لأصحاب التجربة الجديدة صفة "المغامرة" وهي من الصفات النوعيّة للتجديد. فالكاتب الجديد "يبتكر ما يمكن توقّعه، ولا يمتثل لمنظومات الفكر والكتابة السائدة"(46). أي أنّه يكتب على غير منوال سابق ليس له مرجع في التراث المحلّي أو الأجنبي. "نقف خارج التيارات والمدارس، لا نتبع راية"(47). وهذه الصفة طالما تغنى بها كلّ مجدّد في التاريخ الحديث.

وقد حاول الخطاب رسم صورتان متقابلتان الأولى للقارئ التقليدي المتذوّق للتجربة القديمة والثانية للقارئ المتذوّق للتجربة الجديدة مستعيرا صورة العجوز والطفل. فالأوّل مغلول وأسير لما يراه المؤلّف، عاجز عن فكّ شفرة أي نصّ دون العودة إلى صاحبه."لا يعنينا القارئ الذي مثل الأعمى، يسألنا بعد كلّ خطوة عن المعنى والمغزى. هذا القارئ سنأخذه برفق وفي صمت إلى أقرب مأوى للعجزة"(48). والمقصود هنا بأنّ القارئ الذي ينظر بإعجاب إلى التجربة القديمة قد تحوّل إلى متقبّل سلبي للأدب. لا يمكنه أن يمتلك مفاتيح النصّ مهما حاول ذلك. لأنّه تعوّد على السطحيّة والتفسير الساذج الذي يضعه بين أيديه كاتب النصّ. وهو بالتالي "قارئ مستهلك... يبحث عن الحلول والتغيير في كتاب لينام رائق الذهن على سرير مريح"(49). صورته مثل صورة العجوز الذي لا يقدر على قضاء مختلف حاجاته دون الاستعانة بالآخرين.

في حين يبدو القارئ المنشود أكثر ذكاء وأكثر فعلا، قادر على بناء تفسيره الخاص متحرّر من القيود والمكبّلات التي تعيق فكره. ولا يستسلم بسهولة إلى الأحكام المسبقة ولا يضنيه البحث في ما هو عصيّ عن الفهم. "يعنينا القارئ الذي يستجوب العالم ويستنطق الأشياء، انطلاقا من الصور الغامضة التي نقدّمها إليه بين الحين والآخر تماما مثل الطفل الذي لمح وميضا في السماء، فيفجّر أسئلة لا تحصى في وجه من يحيط به"(50). فالقارئ الجديد صورته مثل الطفل الذي يحاول اكتشاف العالم انطلاقا من ذاكرته البريئة. يتعامل مع الظواهر بعفويّة ويحرج غيره بأسئلة غير متوقّعة وبالتالي فهو "القارئ الفاعل"(51).

لقد حاول مرسل الخطاب الاستعانة بالصورة لدفع المرسل إليه إلى اختيار المشروع الجديد. فقد قدّم بطريقة غير موضوعيّة مقصودة صور متقابلة للنصّ الجديد والنصّ القديم والكاتب التقليدي والكاتب الجديد والقارئ التقليدي والقارئ الجديد. وترك في الظاهر حريّة للمرسل إليه في الاختيار. لكنّها في الباطن توجيه نحو وجهة معيّنة. فإذا ربط القارئ بين النصّ القديم كاتبه ووضع نفسه موضع قارئه تبيّن له أزمة حادّة وتخلّف وعجز عن الفعل. في حين يجد في المقابل نصّا متجدّدا وكاتبا متحرّرا يستوي معه في مرتبة الفهم والعلم. فكان لزاما على المتلقّي قبول التجربة الجديدة والانخراط فيها. لما فيها من إمكانيات جديدة للرقي نحو الأفضل وتحقيق أحلامه بالتقدّم والحريّة. هذا ما يعوّل عليه الخطاب من خلال الصورة. لكنّ تحقيق ذلك بالفعل يبدو مرهونا بقدرة المتلقي على تأويل الصورة على النحو الذي أراده المرسل.

4. حدود الاستراتيجية التوجيهيّة في البيان:
لقد كان اختيار التوجيه كاستراتيجية لتحقيق المشروع في وجهيه المعلن والمضمر، نابع من إكراهات السياق الخارجي من ناحية، ومن ناحية أخرى نابع من تأثير الهدف. بالإضافة إلى ضعف الحجّة لدى المتكلّم. فقد كان الخطاب خاليا من أي قيمة علميّة أو أفكار نظريّة قادرة على إقناع المتلقي. لكن السؤال المطروح هل من الممكن أن يتحقّق مقصد الخطاب في ظلّ هكذا استراتيجية؟ وهل كان اختيارها صائبا من طرف المتكلّم؟

فالواضح أنّ المشروع الذي تبيّنا ملامحه في ما سبق يرتكز أساسا على إطلاق حريّة المبدع والمتلقي على حدّ سواء. فهو من المشاريع الأدبية الطلائعيّة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين. وكانت تنادي بالتخلّص من كافة أشكال السلطة، سلطة القديم، السلطة السياسيّة، سلطة النقاد، سلطة النموذج ... فقد حاول أمين صالح وقاسم حدّاد في ظاهر الخطاب دفع المتلقي إلى الانخراط في هذا الحراك الداعي إلى التحرّر الجذري. فحاولا الربط بين تطلّعات الإنسان العربي في فترة حرجة من تاريخه وأهداف المشروع الذي يطرحانه في البيان. وحاولا من ناحية أخرى أن يعقدا الصلة بين حالة التخلّف التي يعيشها هذا الإنسان وبين الأشكال الأدبيّة السابقة التي أطلقا عليها تسمية "النصّ الأوّل". وجعلا الأدب في كلتا الحالتين عنصرا فاعلا في التاريخ لا مجرّد ملحق سطحي به. لكنّ قدرته على الفعل تتغيّر بمدى فهم المبدع والمتلقي لوظيفته وبمدى وعيهما معا بقدرته كخطاب جمالي على التغيير. فمتى كان الأدب خاضعا لنظام سياسي ما ونظريات ما قبليّة تسيّره أصابه التكلّس وساهم بذلك في تخلّف المجتمع الذي يتلقاه كحالة "الواقعيّة الاشتراكيّة" وما سبقها. أمّا إذا كان متحرّرا من كل أشكال السلطة فهو قادر على تجاوز الأزمات، وتقديم الحلول لقرّائه عبر دفعهم إلى التفكير مثل "الأدب التجريبي".

لكنّ باطن الخطاب يخبرنا بوجود أزمة من نوع آخر نشأ من أجلها "بيان موت الكورس". فإلحاح الكاتبين على ضرورة تقبّل التجربة الجديدة يشير صراحة إلى أنّ هذه التجربة واقعة في أزمة تواصل بينها وبين قرّائها. ولئن تحرّج هذا البيان من ذكرها صراحة فإنّ بيانات أخرى في نفس السياق عبّرت عن وجود هذه الأزمة بصريح العبارة. فقد ذكر "إلياس خوري" -وهو من بين أبرز الكتاب الذين ركبوا هذه الموجة- في أحد مقالاته: "إذا كان موضوع كون الإبداع يسبق نقده تجد تفسيرها في كون الممارسة تسبق النظرية دائما. فإنّ غياب النقد أي غياب الجانب الآخر من العلاقة حول تأثير النظرية على الممارسة، ينقل الموضوع إلى إطار أكثر دقة وخطورة، إلى طرح أسئلة حول الإبداع نفسه"(52). حيث عبّر هذا الأخير عن وجود قطيعة بين النصّ الجديد وقرّائه خاصّة فئة النقّاد. وحمّل المسؤوليّة إلى المبدع. في حين ألقى قاسم حدّاد وأمين صالح باللاّئمة على عاتق الثقافة والقارئ والسلطة السياسيّة والمدارس الأدبيّة الكلاسيكيّة. وكان خطابهما بمثابة الحرب المعلنة ضدّ كلّ من يقف في وجه التجربة الجديدة في شكلها المطروح. فضمّ الخطاب ممارسات واضحة للقوّة. فقد سعى الكاتبان إلى التدخّل السافر في ذوق المتلقّي. فلم يتركا له مجالا فعليّا للاختيار، وعملا على توجيه سلوكه في ما يخصّ تأويل التجربة الجديدة ودفعه إلى مراجعة تصوّراته السابقة للأدب. فقد شدّدا على ضرورة التجرّد من القراءات السابقة لفهم النصّ الجديد حتى لا يتركا مجالا للمقارنة، وزعما أنّ ذلك ممارسة للحريّة ومظهر من مظاهر التخلّص من السلطة. وكان البيان يُساق كوصاية على العقول، لا يخلو من نبرة استعلاء واضحة شبيهة بنبرة الخطابات السياسيّة. فهو خطاب يسير في اتجاه واحد، توجيه المتلقي نحو هدف معيّن.

ومن هذه الناحية يمكن القول أنّ "موت الكورس" كان متناقضا في خطابه بين ما يعرضه من قيم، وما يمارسه في الخطاب. فهو خطاب عاجز عن منح الحريّة التي وعد بها المتلقي. ذلك أنّ الاستراتيجيّة التوجيهيّة لا تدع مجالا لحريّة الاختيار. وقد تكون كاستراتيجيّة صالحة لبناء خطاب بياني في وجهه الإشهاري، ولكنّها عاجزة عن تحقيق أهداف كالتي يطمح إلى تحقيقها قاسم حدّاد وأمين صالح. لأنّها تبقي في النهاية استراتيجية فرض سلطة تحتمل الفشل أكثر من النجاح. ولا يمكن أن يشكّل هكذا خطاب أفقا لفهم النصّ الجديد.

وبالتالي فإنّ هذا البيان لا يمكن أن يشكّل قانونا صارما يوجّه عمل القارئ، خاصّة الناقد. فهو وإن بلغ درجة كبيرة من الأهميّة يظلّ جزء من التأويلات الموجّهة للعمل الأدبي. يبرز المؤلّف كمتلقي لتجربته الإبداعيّة في لحظة تاريخيّة ما، ويستوي في ذلك مع القارئ. فهما يقفان على نفس المسافة من العمل. فلا يمكن للبيان أن يشكّل حدّا للتفسير يعطي للعمل ماهيّته الأخيرة أو حقيقته المطلقة.

الخاتمة:
تمثّل المقصد الظاهر في البيان توضيح ملامح النصّ الأدبي الجديد. وقد دار الخطاب في نسبة كبيرة منه على تصوير هذا النصّ من حيث شكله وأهدافه والجماليّات التي يبشّر بها. كما اهتمّ الخطاب برسم صورة لكتّاب هذا النصّ الجديد وقارئه المنشود. وفي ذات الوقت كان الخطاب يرسم صورة للنصّ المراد تجاوزه بهدف بيان وجوه الاختلاف بينه وبين النصّ الجديد. ومن ثمّة تبيّنا المشروع المتخفّي بين السطور، وهو تحقيق انتظارات المبدع نفسه. وقد استعان لتحقيق مقصده باستراتيجيّة توجيهيّة فرضها السياق الخارجي والداخلي من ناحية والهدف من ناحية أخرى. وخلصنا إلى نتيجة هامّة مفادها عدم التناسب بين القيم التي يبشّر بها كاتبا البيان واختيارهما لاستراتيجيّة التوجيه.

 

باحث بكليّة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بتونس

 

*الهوامش.
1- قاسم حدّاد وأمين صالح، "موت الكورس،" ضمن، البينات، جمع وتقديم محمد لطفي اليوسفي، دار سراس للنشر، تونس، ط1، 1995.

2- انظر، مقال جان ماري شافير، ترجمة الأمين مبروك، ضمن، "الأجناس الأدبية من الضبط إلى العبور"، مكتبة علاء الدين صفاقس، الطبعة الأولى، 2008. ص14.

3- انظر لسان العرب لابن منظور، مادّة بين.

4- بول آرون وآخرون، "معجم المصطلحات الأدبيّة"، ترجمة محمد حمود، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2012، مادة "بيان"، ص 274.

5- المرجع السابق ص، 275.

6- المرجع السابق، ص275

7- المرجع السابق، ص275.

8- المرجع السابق، ص، 275.

9- Gérard Genette, «Seuils», éd, Seuil, Paris, 1987.

10- معجم تحليل الخطاب، ص532.

 11- انظر: هشام القلفاط، "استراتيجيّات الحجاج التصويري في خطاب الجرجاني"، حوليّات الجامعة التونسيّة، عدد 58، 2013.

12- انظر، عبد القادر بن ظافر الشهري، "استراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية"، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ص322.

13- المرجع السابق، ص332.

14- المرجع السابق، ص336.

15- المرجع السابق، ص336

16- بول.ب. آرمسترونغ، "القراءات المتصارعة التنوّع والمصداقيّة في التأويل"، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ط1، 2009، ص105.

17- المرجع السابق، ص325.

18- Le Nouveau Petit Robert de la langue française 2008.

19- "البيانات"، ص127.

20- "البيانات"، ص127

21-"البيانات"، ص127.

22- "البيانات"، ص127.

23- انظر إدوارد الخرّاط، "أصوات الحداثة"، دار الآداب بيروت، لبنان، ط1، 1999، ص14.

24- "البيانات"، ص130.

25- "البيانات"، ص131.

26- "البيانات"، ص129.

27- "البيانات"، ص132.

28- "البانات"، ص132

29- Hans Robert Jauss, «Pour une esthétique de la réception», Traduit de l’allemand par Claude Maillard, éd, Gallimard, Paris, 1978.

30- سعيد يقطين، "القراءة والتجربة حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب"، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1985، ص19. يشير الناقد المغربي إلى أنّ أهمّ ما يضمن عملية التواصل بين القارئ والنصّ الأدبي هو وجود خلفيّة نصيّة مشتركة بينهما.

31- يؤكّد علماء التأويليّة أنّ " المشروع هو الجسر الذي يعبر من فوقه الموجود في حياته اليوميّة ليكون موجودا، فهو وسيلته لتحقيق الوجود". انظر، روبرت ماجليولا، "التناول الظاهراتي للأدب نظرياته ومناهجه"، ،ترجمة عبد الفتاح الديدى، مجلة فصول مجلد 1عدد 3 سنة 1981

ص182.

32- تشير الأبحاث في تحليل الخطاب إلى أنّ المرسل عند التلفظ بخطابه يحلل السياق ويحاول الاستعداد ذهنيّاذ، بما في ذلك اختيار العلامة اللغوية الملائمة حتى يضمن تحقيق منفعته الذاتية. فيوظّف كفاءته للنجاح في نقل أفكاره إلى الطرف المقابل بتنوعات مختلفة.

انظر، عبد القادر بن ظافر الشهري، "استراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية"، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ص1، ص45.

33- انظر: إدوارد الخرّاط، "أصوات الحداثة"، ص17. يقسّم الخرّاط الاتجاهات الأدبية المعاصرة تقسيما ثنائيا: حساسيّة قديمة وحساسيّة جديدة وهما اتجاهان متنافسان بقوّة نتيجة لاختلاف الأهداف وطرق التعبير والخلفيّة الأيديولوجيّة.

34- "البيانات"، ص، 126

35-"البيانات"، ص، 126.

36-"البيانات"، ص127.

37- "البيانات"، ص129.

38- "البيانات"، ص128.

39-"البيانات"، ص128.

40- "البيانات"، ص127.

41- "البيانات"، ص127.

42- "البيانات"، ص130.

43- "البيانات"، ص131.

44- "البيانات"، ص129.

45- "البيانات"، ص127.

46- "البيانات"، ص126.

47- "البيانات"، ص131.

48- "البيانات"، ص132.

49- "البيانات"، ص132.

50- "البيانات"، ص132.

51- "البيانات"، ص132.

52- إلياس خوري، "الذاكرة المفقودة: دراسة نقدية"، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى، 1982، ص12.