حظيت ورشات التكوين المسرحي، ضمن مشروع التوطين لفرقة المدينة الصغيرة بالمركب الثقافي بتطوان، إحدى أهم الفقرات التي استطاعت أن تبلور جزء من فلسفة التوطين ومستقبله، في تأثير مباشر على الحقل المسرحي بالمدينة. فمن خلال سلسلة ورشات التكوين التي لامست بعضا من تقنيات المسرح، سواء الكتابة المسرحية أو السينوغرافيا أو التشخيص أو الإخراج، استطاعت فرقة المدينة الصغيرة أن تقعد لانتظام فعلي للتنشيط السوسيو ثقافي بالمدينة.
وعلى اعتبار أن مدينة تطوان تزخر بالعديد من الطاقات في مجال المسرح، والى جانب البرمجة التي حظي بها التكوين على امتداد فترات زمنية معقولة ومهنية، وصلت أحيانا ما بين 5 الى 10 أيام على مرحلتين، سمح هذا المعطى للمؤطرين، والذين يشهدوا لهم بالكفاءة والخبرة في مجالهم (عصام اليوسفي، طارق ربح، محمود الشاهدي..)، بأن يقدموا الكثير مما اكتسبوه من خبرات الى المشاركين والمشاركات على امتداد أيام التكوين.
ولعل الإصدار الذي ستقدمه فرقة المدينة الصغيرة، ضمن حفل ينظم يوم 29 من الشهر الجاري في حفل تتويج المشاركين، يشكل أحد رهانات هذا المسار الطويل من برنامج غني وحافل بالعديد من الفقرات الفنية. لا يمثل العرض المسرحي "الرحيق الأخير" ولا الندوات ولا التوقيعات لإصدارات إلا أحد وجوهها، ليبقى ورش التكوين في المسرح أحد أعمدة هذا البرنامج الطموح والذي أنهى هذه السنة موسمه الأول. ومن ضمن الوجوه التي شاركت فعليا في ترسيخ هذا العمق الاحترافي، للتكوين في المسرح، المسرحي الدكتور عصام اليوسفي، والذي كان لنا معه هذا الحوار لتقريبنا من خلاصات التكوين في الكتابة الدرامية والتي كان من أبرز نتائجها صدور كتاب جماعي لنصوص مقتبسة ومونودرامية.
الشغف والرغبة لدى جميع المستفيدين لتطوير قدراتهم الفنية وتملك أدوات مهنية
تسمح لهم بتطوير عملهم المسرحي واقتسامه
عن سؤال كيف عايش المسرحي عصام اليوسفي هذه التجربة في أبعادها التربوية والفنية، يقول: "في البداية لابد من التنويه بهذه المبادرة من طرف فرقة المدينة الصغيرة و التي خصصت جزءا مهما من برنامج التوطين للتكوين المسرحي سواء تعلق الأمر بتكوين الممثل أو الإخراج أو السينوغرافيا أو الكتابة. التكوين و الاستثمار في الإنسان هو أساسي و يشكل بالنسبة لي العمود الفقري لكل تطور في أي ميدان و مهن المسرح معنية بهذا الإختيار بشكل أدق. فيما يخص ورشة الكتابة والتي قمت بتأطيرها فقد تمت برمجتها فى مرحلتين - أسبوع في كل مرحلة – و كانت تجربة جد مثمرة وجد غنية على مستوى اقتسام الخبرة و الاستفادة و أيضا على مستوى إنساني لنسج علاقات محفزة للبحث والإبداع في أفق مشاريع مقبلة.
وعن طبيعة وخصوصية الفئات المستهدفة من هذه الورشة في الكتابة الدرامية، يشير المسرحي عصام اليوسفي، الى أن المجموعة التي تابعت الورشة التكوينية تم انتقائها بشكل دقيق وجل أفرادها لهم تجربة في الممارسة المسرحية ويشتغلون بشكل شبه احترافي في ميدان المسرح بمدينة تطوان والمدن المجاورة. هؤلاء الفنانين الشباب يحملون وعيا كبيرا بخصوصية المهنة و لهم انتظارات مهنية جد محددة. من خلال إشرافي على هذه الورشة لاحظت مدى الشغف والرغبة لدى جميع المستفيدين لتطوير قدراتهم الفنية وتملك أدوات مهنية تسمح لهم بتطوير عملهم المسرحي واقتسامه أيضا مع زملائهم في الفرق التي يشتغلون فيها. أنا شخصيا استفدت من هذا اللقاء التربوي و الإنساني ومن تجربة كل فرد من المجموعة والتي تدفعنا للانفتاح على أسئلة جديدة وجدية و الانخراط في البحث عن عناصر أجوبة آنية أو مستقبلية.
تم الاشتغال على أساليب الاقتباس أو الإعداد الدراماتورجي مع الاعتماد على نماذج تطبيقية
لتحويل حكايات روائية سردية إلى مسرحيات
أما عن أهداف هذه الورشة التكوينية، فيحددها المسرحي اليوسفي في تنوعها وتفاعلها، في هذا اللقاء التكويني تم اقتراح على المجموعة المستفيدة إطارا للبحث و التجريب والإبداع انطلاقا من منهجية دقيقة تسمح بالاندماج في عملية إنتاج حكايات ونصوص درامية مصغرة. كما تم الاشتغال في هذه الورشة على أساليب الاقتباس أو الإعداد الدراماتورجي مع الاعتماد على نماذج تطبيقية لتحويل حكايات روائية سردية إلى مسرحيات... وفي مرحلة موالية تم اقتراح صياغة وكتابة نصوص فردية على شكل مونولوج أو مسرحية للممثل الواحد... الأهداف العامة للورشة تتلخص في خلق وعي بتقنيات السرد و تركيب الحكاية في الكتابة المسرحية وأيضا كيفية العمل على خلق الشخصية من خلال الموقف والحوار والفضاء و الأداة. الورشة تهدف بالأساس تطوير القدرة على الملاحظة و الإحساس بالسلوك الإنساني والإقتراب من شروط الإبداع من خلال تجربة الكتابة الذاتية و الجماعية.
تم إنتاج مجموعة من المسرحيات يمكن أن تشكل مادة للركح والإنجاز
كما سيتم نشر النصوص في مؤلف جماعي
ويختم الدكتور عصام اليوسفي الحصيلة بالتأكيد على أنه تم إنتاج نصوص مسرحية و هذا في حد ذاته أساسي ومهم ، شخصيا أنطلق في عملية التكوين من مبدأ و رؤية شخصية واضحة : نعمل و نفعل لكي نفهم و ليس العكس نفهم و بعد ذلك نفعل... هذه المقاربة هي قاعدة العمل و من خلالها تم الإشتغال مع المجموعة و دفعها لكتابة حكايات و نصوص متنوعة... إنطلاقا من تجربة الكتابة يمكن تملك وعي دقيقا و عملي بتقنيات الحكي و الدراما... الخطأ و التجريب يولد الفهم و الإدراك و التطور. ولقد حصل بالفعل تطور جد مهم بالنسبة لجميع أعضاء المجموعة في علاقتهم بقراءة النصوص أو نسج حكايات، كل واحد تطور و اكتسب خبرة حسب إحساسه و رؤيته للعالم وأيضا حسب رغبته واختياراته الفنية. الحصيلة كانت جد إيجابية إذ تم إنتاج مجموعة من المسرحيات يمكن أن تشكل مادة للركح والإنجاز كما سيتم نشر النصوص في مؤلف جماعي يوزع على المهتمين وأهل المهنة والجمهور الواسع.