تمهيد
وجد الحزب الشيوعي السوداني نفسه منذ بداية القرن العشرين عبورا بما بين الحربين وموت ستالين حتى انعقاد المؤتمرالسوفيتى العشرين في اكتوبر 1956 وقد حاصرته تداعيات عديدة متكافلة ومتناقضة وغامضة ولا سبيل الى تعريف بعضها او-و تحريم تعريف البعص الاخر مما سوف اتعرض له بالاسم في محاولة تحليل مناخ انعقاد المؤتمر السوفيتى العشرين. ومن تلك التدعيات التى هي مفردات مدلسة في افضل الشروط وانصاف حقائق واكاذيب في اسوأئها:
الصهيونية القبلية واندلاع ثم هيمنة الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية بصورة غير مسبوقة جراء تداعيات الحربين ومغبة مكافحة النازية التى لم يكشف عنها تماما بعد بوصفها كانت واحدة من احابيل الصهيونية العالمية والقبلية للتعميش على اجندة الحرب العالمية الثانية مثلها مثل الحرب على الارهاب مع تحريم تعريف الارهاب بدوره وكذا الفاشية التى يبقى محرم تعريفها حتى اليوم مثلها بدورها مثل المفردات التى بقيت وما تبرح غامضة وممنوع تعريفها مثل كل مفهوم "جديد" او مفهوم "مابعد" الذي سبقه وصولا الى ما بعد الحقيقة. وقياسا فقد قضت النيوليبرالية التى لم تعرف بعد بدورها على زمان اليمين واليسار اللذان كنا نعرفهما. فتلك جميعا وغيرها مفردات تطالب بالتعريف اجرائيا Operationally في سياق كل ما استجد من الاحداث ومن الكتابات الجديدة مثل كتابات الروسي اسكندر دوغان واليوناني يانيس فيريفياكيس وزير مالية اليونان .
وقد نشأت مفردة الشعوبية Populism تتفيها واستهجانا بالحركات الشعبية التى لا تستحبها الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية والقبلية فيما تصف الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية الثورات المضادة في عداد "الثورات" وتدعي ان الاخيرة "معتدلة وتدرب الاخيرات وتمولها وتستبعث لها خطاب تنزيعه وتزوق لها اجندات قيامية افانجلية انجلوامريكية صهيونية عالمية وقبلية وصهيونية وهابية وصهوينة عثمانية وصهيونية عبرية. وبالمقابل وصمت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية جماعة اسكندر دوغان صاحب فكرة الطابور الخامس ونشوء النظرية الرابعة واليورواسيوية السياسة النشوئية للنظرية السياسية الرابعة Eurasianism & the Political Evolution to the Fourth Political Theory بالقيامية. وكان الحزب الشيوعي السوفييتى قد اخترق باكرا بمغبة الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية عبر جماعات ليون تروتسكي الانجليزية والامريكية عن طريق ودور ليون تروتسكي الذي يتكشف تباعا زيادة على دور وافريتتى بافلوفيتش بريا الذي لم يتكشف بصورة كافية تماما بعد.
ويمكن اضافة دور كل من بوريس يلتسين واسرته وجورباتشيف واسرته بدورها زيادة على دور أعراب الشتات الروس الاشكنازي في الفيدرالية الروسية الذين الفوا 7 من مجموع ثمانية اوليجاركيين روس عشية نشوء أو نكوص الاتحاد السوفيتى الى الفيدرالية الروسية. وكان نشوء مدارس الماركسية الاوربية وقد تحورت الى تنويعات على الرأسمالية المالية او-و اخترقت الاخيرة في كل مكان وقد احل شرط تدمير الماركسية الاوربية الغربية لنفسها مرة زيادة على ما حاق بالحزب الشيوعى السوفييتى بمغبة البيروسترويكا والجلاستنوست مرة اخرى. وكنا قد قلنا في الجزء الرابع ان الاتحاد السوفيتى كان قد نجح في انشاء علاقات جيدة بين المجتمعات العربية كالسودان ومصر. وقياسا حرص السوفيت منذ 1920 على خلق اسباب التواصل مع الشرق الاوسط بغاية تنشيط الثورة وتشجيع حكومات الشرق الاوسط على استعداء الشعوب العربية في مصر وسوريا والعراق والسودان على القوى الغربية. فقد كانت علاقة الاتحاد السوفيتى بالمنطقة العربية قد اتسمت بالتبادل الواسع. وقد لقي ذلك ترحيبا من قبل الاسرة السعودية المالكة وكان الاتحاد السوفيتى اول من اعترف في 1926 بالمملكة السعودية الناشئة فسبق في ذلك كل من انجلترا والمانيا وفرنسا. وقياسا فمن المفيد تذكر ان الاتحاد السوفيتى كان وقتها يسعى الى توحيد العرب في نفس الوقت الذى كان فيه ابن سعود يسعي الى نفس الشئ تحت سيطرة المملكة السعودية؛ رغم خشيته من مواضعات سايكس بيكو زيادة على ادراكه ضعف موقفه الاقتصادي وذلك قبل اكتشاف النفط.
ولم تلبث امريكا ان نجحت في التنقيب عن النفط فيما بقيت انجلترا تتردد معتقدة ان ليس ثمة نفظ فى الحجار ليأتي روزفيلت ويجزم بوجود النفط تحت رمال الجزيرة، وينجح في استخراجه” ويكاد يحتكره -مقابل حماية المملكة حسبما ذكرنا في حلقة سابقة - الى درجة ان تقارير ما تبرح تؤكد ان اسهم شركة اراكمو ARAMCO المملوكة بنسبة عالية منها لراس المال الامريكي مما يظهر اليوم تباعا في مناخ خصخصة نفط المملكة جراء ازمة انتاح النفط العربي في كل مكان في المقياس المدرج. ذلك انه فيما كان الانجليز يطمحون في ملكية كل شئ The English wanted to have all – from Arabs they wanted concessions for their support of a single Arab state, from the Rothschilds they sought compensation for their stance towards the Zionist project. In the final score they lost everything, the trust of Arabs, including King Abdelaziz, and came into conflict with the Zionist movement. They got only what they got – territories with the Sykes-Picot lines and Iraqi oil. الا ان الذي حدث هو ان الامريكان نقبوا عن النفط واخذوا في المحصلة النهائية معظم اسهمه.
المهم فورا هو انه مع تعالق كل من صهينة مسيرة المجتمع السوداني وبزوغ الرأسمالية المالية وتدهور العلاقات السوفيتية العربية والحرب العالمية الثانية واختراق الحزب الشيوعى السوفيتى وفي مناخ البيئة العالمية للحركة الشيوعية ونهاية المنظومة الاشتراكية فقد تدهورت العلاقة بين الاحزاب الشيوعية التى كانت تنادي بالصراع الطبقى وديكتاتورية البروليتاريا والتحرر الوطنى المسلح. واجادل ان ينبغي ان يقرا ذلك جميعا في سياق اعادة قراءة سيرة كل من ليون تروتسكي وبافلوفيتش بريا وانقلاب الحزب الشيوعى السوفيتى على حكومة ليبرمنتوف ومنع المؤتمر العشرين السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني من القاء كلمته في المؤتمر العشرين مما نشات معه تداعيات ما حاق بالحزب من انقسامات لم تنتهِ حتى بعد اعدام عبد الخالق محجوب عقب انقلاب 1971. ولعل قراءة ذلك السياق بإمعان يؤدي الى التعرف على/ وفهم حقيقية كيف شهد على/ عبد الخالق محجوب بعض الانقساميين امام المحكمة العسكرية؛ ولماذا اختفى الشريط المسجل لمحاكمته الذي كان لدى طه حسين الكيد. فقد كان طه حسين الكيد - وهو ابن عمة عبد الخالق محجوب الذى اختفى عنده عبد الخالق ابان الليالي التى سبقت اعتقاله ثم محاكمته- كان طة حسين الكيد قد حصل علي الشريط واخفاه في حقيبة من الحديد تحت ارض حوش بيتهم بابي روف –امدرمان- بمعرفة ربيهم الشاب حامد الذى كان يكاد يكون ابنا متبن لاسرة حسين الكيد.
هل اشرع المؤتمر العشرون نهاية الاتحاد السوفيتى مع بداية العولمة؟
انعقد مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتى العشرون في شباط فبراير 1956 اي بعد الحرب العالمية الثانية، وقد راحت الرأسمالية المالية تشعل بوادر ما بات يسمى العولمة والعولميون يسيطرون على التحولات التى ما انفكت ان قيضت ما حاق بالعالم تباعا، في الوقت الذي لم يكن معظمنا ملما بسيرورة العولمة، ولا من هم العولميون، ناهيك عن النيوليبراليين، ولا حتى الرأسمالية المالية ونظيرتها الصهيونية العالمية. وقياسا فقد فات علينا ما تعين من التحولات التى بادرت بها الاخيرة فكريا وتنظيميا فيما يتصل بالاقتصاد العالمى وفي قلبه التجربة الاشتراكية اي الاتحاد السوفيتى ومنظومة الجمهوريات الاشتراكية الاخرى ومايتصل بالصين وبكوبا وكيرالا وبالاقتصاد المخطط الخ وخاصة بالراسمالية التجارية والسلعية والصناعية في هوامش الامبراطوريات الاوربية الغربية السابقة وخاصة ما مايتصل بحركات التحرر المسلح في افريقيا واسيا وامريكا الجنوبية.
انعقد المؤتمر العشرون، بوصفه أول مؤتمر بعد رحيل ستالين، وكان معروفا منذ ايام المؤتمر الاولي "ان التقرير الذي سوف يرفعه خروتشوف الى المؤتمر سيكون حدثاً مهماً، وان لم يكن احد ينتظر منه ان يكون حدثاً حاسماً وعنيفاً الى تلك الدرجة التى تمخض عنها. فقد تحدث نكيتا خروتشوف امام 1424 مندوباً يمثلون خمسة وخمسين جمهورية، وأمام ضيوف أتوا من شتى انحاء العالم، طوال سبع ساعات تقريباً فقال بكل بساطة ان جردة الحساب للعهد الستاليني ليست ايجابية بأي حال من الاحوال، وقال ان التعايش الايجابي مع الغرب بات ضرورياً على عكس ما كان ينادي ستالين به، من ان قيام حرب جديدة امر محتم، غير ان هذا لم يكن شيئاً امام الهجوم الذي شنه خروتشوف ضد عبادة الشخصية". او عبادة الفرد The cult of the individual. ليس ذلك وحسب بل قال ان التعايش الايجابي مع الغرب بات ضرورياً وان نهاية حزب الطبقة العاملة والصراع الطبقي وديكتاتورية البروليتريا الخ ضروريات لذلك التعايش الايجابي مع الغرب، اي مع الرأسمالية المالية. الامر الذي لم يذكره خروتشوف بالحرف وانما كان واضحا لكل باحث ومؤرخ وكل اقتصادي سياسي مطلع من حيث ان الحرب العالمية الثانية كانت تتمة للحرب العالمية الاولي التى كانت اجدتها غير المعلنة هي القضاء على الرأسمالية السلعية لحساب الرأسمالية المالية بلا انتقاء.
ذلك ان ما بدى من الانفتاح بعد وفاة ستالين بصورة غير مسبوقة في كلمة افتتاح المؤتمر العشرين التى القاها في موسكو خروتشوف الامين العام الجديد للحزب الشيوعي السوفيتى في التعبير عنه صراحة وكذا منع الوصاية وترك ابوية الاخ الاكبر الاورويلية تلك على بقية الاحزاب الشيوعية جانبا. ومن المفيد تذكر ان تلك الوصاية الابوية لحساب الرأسمالية المالية ومعها وديكتاتورية البروليتاريا. وكانت الوصاية تلك تعبر منذ الثلاثينات وتباعاعن نفسها بصورة خطيرة في تعامل الشيوعية السوفيتية مع انقسام الحزب الشيوعي الايطالي بين تولياتى وجرامشي من ناحية، وتعامل الاستخبارات العالمية مع مشارفة صعود العمال الايطاليين الى السلطة من ناحية اخرى.
فقد قاد تولياتى انقلابا لحساب الفئة المنساقة الى فكرة نهاية الصراع الطبقي وعزل جرامشى ونفاه الى روسيا جراء دفاعه عن حركة العمال الايطاليين في احتكار المصانع وادارتها، وصولا الى سلطة البروليتاريا، خصما على سلطة البرجوازية الصناعية التى كانت قد صارت تلفظ آخر انفاسها, وقد عبر خور البرجوازية الصناعية الايطالية عن نفسه في فشل البرجوازية الصناعية وعجرها عن اعادة انتاج المجتمع الايطالي لحساب الرأسمالية في مواجهة الطبقة العاملة واستباق الانقلاب العسكري لجانب الطبقة العاملة الايطالية. وقياسا فقد كان واضحا ان ما كان يملك صلاحية اعادة انتاج المجتمع الجديد اي لم يكن سوى راس المالي المالي مهيمنا بامتياز. ومن المفيد تذكر ان فزع راس المال المالي هو الذي دفع الاخير الى احباط سلطة الطبقة العاملة التى كانت بسبيل خلق دولة البروليتاريا بحق وحقيق بنضال الطبقة العاملة الايطالية، خصما على طبقة البرجوازية الصناعية. الا ان راس المال المالي راح يعبر عن نفسه في الواقع لحسابه هو، خصما على كل من الطبقة العاملة الايطالية والبرجوازية الصناعية الايطالية، وقد تعينت قوات الاستخبارات العالمية والقوات العسكرية (الدولية) على أحباط اول حكومة للعمال الاوربيين بانقلاب عسكري ايطالي عام 1976.
المهم فورا لم تذكر كلمة خروتشوف في المؤتمر العشرين في الرابع عشر من شهر شباط فبراير 1956 حقيقة ان الحزب الشيوعي السوفيتى كان حريا بان يجأر بنهاية الصراع الطبقي وخاصة بان التجربة الاشتراكية السوفيتية كانت قمينة بان تعلن بداية نهايتها امام هجمة الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية عبورا الى القبلية بمغبة الحرب العالمية الاولي فالثانية. ويقول حسقيل قوجمان "الحقيقة ان احداً في ذلك اليوم لم يكن يتوقع ان يدخل ذلك المؤتمر التاريخ، بعد ذلك، من بابه العريض، بوصفه اول مؤتمر يدق أول اسفين في جسد الحكم السوفياتي. ولم يكن احد يتوقع تلك القنبلة التي فجرها خروتشوف وبدت يومها مثل كرة الثلج كلما راحت تتدحرج، راحت تزداد حجماً وقوة، ففاجأت العالم كله، آخذة معها كل الرفاق، في كافة انحاء العالم، على حين غرة ولعله كان طبيعيا ان تؤخذ اوروبا الغربية بذلك التسونامي الفكري والتنظيمي. المهم سنبدأ بالعلاقات العرببية السوفيتية على عهد لينين مما قد يمهد لما باتت عليه بعد ستالين. وكاننا كنا امام تنويع على سقوط حائط برلين بليل معلنا انهيار الاتحاد السوفيتى والمنظومة الاشتراكية جميعا.
التجربة الاشتراكية السودانية بين ما يسمى الستالينية والعولمة المتسارره والصهيونية القبلية والماركسيات الاوربية:
يقول حسقيل قوجمان في مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار بتاريخ 2004 / 1 / 29 كانت بقايا الرأسمالية الروسية تتخذ من "المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي" منصة لاتهام ستالين بالتركيز على نفي الصراع الطبقي في مجتمع زعموا انه لم يبق فيه ضرورة للصراع الطبقي. ولكن الصراع الطبقي كان في الواقع ساري المفعول لانه قانون طبيعي لا يستطيع الانسان الغاءه او تغييره". واجادل ان الرأسمالية الروسية التى لم تكن قد طورت نفسها بداية القرن العشرين لتغدو رأسمالية صناعية بمعنى سلعية بحيث تمأسست الثورة البلشفية اكثر ما فعلت فوق التعاونيات؛ الا ان تلك الرأسمالية لم تنفك ان تحورت الى راسمالية مالية، فبات يضيرها الصراع الطبقى ودولة البروليتاريا، فراحت تلصق التهم بستالين بعد موته وليس ثمة من يدافع عنه. فقد تحالفت الرأسمالية المالية الروسية مع نظيرتها الاوروبية والامريكية الغربية، وقد تماسست هاتيك جميعا فوق الديمقراطية ما بعد الليبرالية او الليبرالية الجديدة .خصما على الديمقراطية البرلمانية.
ذلك ان ديمقراطية ألرأسمالية المالية لم تزد منذ ذلك الحين على اجندة المحافظين الجدد الباكرة وقد استبدلت الاممية الشيوعية The Communist International باممية المحافظين الجدد Neo-Conservatives InternationalismاوInternational a conservatism بتنويعاتها الانجلو امريكية والانجلو ساكسونية. وتتعين الاخيرتان على اجتياح فمحو الحدود القومية بغاية القضاء على الدولة والقطاع العام، فافقار الشعوب المضيفة للمال واصحاب المال الضيف فكريا وتنظيما. ويعتقد البعض ان الامركة -العولمة- الادارة الامريكية الـ43 أوحتى الادارة41 وحدهما قد تدنيتا بمفاهيم الغرب "التنويرية" -بوصف التنوير تنويع بروتستانتي على داعيش من حيث ان الاخيرة مشروع تدمير المسيحية الغربية. ولا يرى النيوليبراليون احفاد البروتستانت تخاتل تاريخ الغرب الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية وصولا الى الادارة 44 فيما يتصل بمفهوم الحرية والديمقراطية الخ الخ الخ. وقد بقى قلق قوات التحالف على ما يسمى الجيش الحر وجبهة النصرة بالضرورة والخوذات البيضاء (التى انتعلت احذية القبعات السورية البيضاء وراحت تختلق اساطير عنف القوات السورية والروسية) مثلما بقي قلق امريكا تتزايد طوال حرب الشيشان- تعبير عن قلق المحافظين الامريكان الجدد لتقلص هوامش حركة الاقلية العددية الاغلبية الاقتصادية - او اللا اقتصادية- ان شئت- اي رأسمالية اعراب الشتات الروس الاشكنازي في الفيدرالية الروسية. ذلك ان الاخيرين تألفوا من 7 من مجموع 8 اوليجاركيين روس، وامتلك 7 من هؤلاء الأوليجاركيين الثمانية - أمثال بوريس بيريزوفسكى وميخاييل فريدمان وفلاديمير جوزينسكى وبيوتر آفون Pyotr Aven وميخاييل خودوركفسكى ورومان ابرهاموفيتش- ما بلغ 80% من ثروة روسيا. فقد كان اؤلئك الاشكنازي على استعداد لخصخصة القطاع العام السوفيتي، فاشتروا القطاع العام بتراب القروش صبيحة سقوط الاتحاد السوفيتى.
ويبدو مثول تلك الجماعة منذ عشية المؤتمر العشرين وتباعا بقوتهم التنظيمية والمادية والسياسية واضحا من العون اللوجيستى والتنظيمى والسياسي الذي قدمه الاتحاد السوفيتى جراء حض تلك الجماعة لستالين بعد الحرب العالمية الثانية من اجل مساعدة بن جوريون ورفاقه في بناء دولة اسرائيل. فقد سمح ستالين لليهود السوفيت رغم رفض الاخيرين في المؤتمر العشرين لمسألة التحرر الوطنى، وقضية الصراع الطبقى مظهريا، في مواجهة ستالين- سمح لهؤلاء الرجال العمل في بناء الدولة العبرية مرة والاشتراك في حرب 1948 ضد العرب. ومن المفيد تذكر ان ستالين كان أول من اعترف بدولة اسرائيل. لعل الاخير كان مدركا لتوجه اؤلئك السوفيت رغم ان ستالين كان قد استعصى ما بين الحربين على فكرة انشاء دولة يهودية فى القرم. الا انه ينغى تذكر ان ستالين لم يكن معاديا لليهود وانما للصهيونية. فقد سمح في 1928 ستالين لليهود باقامة جمهورية شارفت مجتمع مستقل غرب الاتحاد السوفيتى من جهة الصين. وما يبرح ذلك المجتمع قائما على نحو ما فى روسيا الفيدرالية المرسملة حتى اليوم.
هل انهى المؤتمر العشرون السلطة السوفيتية كما كنا نعرفها مرة واحدة والى الابد؟ وهل يفسر ذلك منع عبد الخالق محجوب من القاء كلمته؟
يبدو ان الامر الذين لا يعلمه كثيرون هو ان عبد الخالق محجوب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني منع من القاء كلمته في المؤتمر العشرين في الرابع عشر من شهر شباط فبراير 1956. فقد قرأها بعضهم فتصور انها أُلقيت. وكان عبد الخالق سيلقيها ولكنه ظهر انها تختلف مع الاتجاه العام للفكر السوفيتى للمؤتمر. فرغم ان المؤتمر كان يعتقد انه قيض تغلب الشيوعيين السوفيت على الستالينية من حيث ان التروتسكيين صوروا ستالين وكأنه، منذ عام 1924 - عندما صاغ للمرة الأولى نظريته- ان ستالين كان يضع الاشتراكية في بلد واحد، كمقابل لانتشار الثورة إلى بلدان أخرى من جهة. ومن جهة أخرى بقي السوفيت بل ما يزال المؤرخون السوفياتيون يصورون معارضة تروتسكي لنظرية ستالين كمعارضة التصنيع الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي وكدفاع عن تصدير الثورة بقوة السلاح. ويقول آلان وودز وتيد غرانت "إن كلا الموقفين خاطئين" والى ذلك فقد صور التروتسكيون ان الستالينية كانت تكرس غلبة الهيمنة السوفيتيية على كافة الاحزاب الشيوعية العالمية بخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب اي الرأسمالية التى كانت قد باتت مالية بامتياز في غفلة من معظم المفكرين والفلاسفه الماركسيولولجيين وقتها.
ولعل هيمنة الحزب الشيوعى السوفيتى كانت حرية بان تبدو واضحة من بعض مواقف وتحليلات الحزب الشيوعي السوداني بعد اعدام السكرتير العام في 1971 والحزب الشيوعي الانجليزى بقيادة السكرتارية المركزية التى كانت تهيمن على جريدة الحزب نجمة الصباح (1)Morning Star. الا ان ذلك لم يمنع رواسب ما يسمى الهيمنة السوفيتية الستالينية من ان تعبر عن نفسها وقتها في التاثير على غيرهما من الحزبين اعلاه فما تبرح بعض الاحزاب الشيوعية العربية مثلا وغيرها تتعاطى بعض اعراض ذلك التوجه في عبادة الفرد. واجادل ان ينبغى اعادة قراءة المؤتمر والستالينه جيدا. فلعل ستالين لم يكن مجنونا ذلك ان "الديكتاتورية الستالينية" لفقها الخصوم لستالين كما العادة مثلما كتب الاخيرون مجمل تاريخ البشرية حتى الان. ولا ادافع عن "فظائع" الستالينيه ان كانت قد حدثت كما ليس لدي ما اقوله امام معسكرات العمل والتعذيب ومن كان ورائها. وانما ادعو الى قراءة تاريخ كل من ليون تروتسكي ولفرينتى بافلوفيتش بريا Lavrentiy Pavlovich Beria الجورجي السوفيتى الصغير. فمن هو ليو برونشتاين -تروتسكي؟ ومن هو افريتتى بافلوفيتش بريا؟
ليون تروتسكي
كان ليو برونشتاين – ليون تروتسكي صاحب نظرية الثورة الدائمة، وتعود الى المجتمعات غير المصنعة بصورة كافية. وتوكد الوثائق التى تم الحصول عليها وتحليلها من قبل بعض الباحثين ومنهم الدكتورة يلينا تشافتشافادزة رئيسة ادارة الثقافة في صندوق الثقافة الروسية على قناة في برنامج "رحلة في الذاكرة" يوم 20 نوفمبر 2016 "ان تروسكي كان زعيم حركة تخطط بالثورة البلشفية الى تقسم روسيا". فقد كانت الفكرة الاساسية للذين كانوا وراء اعادة انتاج مستقبل روسيا عشية الحرب العالمية الاولى:
1. تحريض روسيا على الاشتراك في الحرب بغاية انهاكها حتى يسهل اقتحامها
2. ضرورة القضاء على القيصر حتى لا تشترك امريكا في الحرب
3. والاهم هو خلق شرط اندلاع ثورة ملونة بحيث تنتهي الى تقسيم روسيا الى اربعة اقسام لاعتقاد الغرب/ الرأسمالية المالية/ ان تقسيم روسيا بهذا الوصف سوف يجعل العالم (الحر) اكثر امنا.
هذا و"يعد ليو برونشتاين – تروتسكي من أكثر الشخصيات السياسية تأثيرا وغموضا في التاريخ الحديث. فبعد الخلاف المعروف الذي نشب بينه وبين ستالين عقب وفاة لينين وبعد نفيه لاحقا إلى الخارج أتلف العديد من الملفات المتعلقة به وبالتالي يجد الباحثون صعوبة كبيرة في دراسة سيرته ونشاطه من خلال الأرشيف الحزبي الروسي خصوصا فيما يتعلق بدوره في أحداث أكتوبر من عام 1917. ولكن السبب الأهم في إتلاف العديد من الوثائق المتعلقة بالبلاشفة بشكل عام، يكمن في الرغبة بقطع الخيوط الخفية التي كانت تربط تروتسكي وجماعته بمن كان يقف وراءهم ويدعمهم ماديا وإعلاميا أثناء تواجدهم في المنفى. إذن، من كان يقف وراء تروتسكي ويدعمه طوال مسيرته الثورية منذ عام 1905؟ كيف استطاع الهروب بكل سهولة من المعتقل والفرار خارج البلاد إلى أوروبا؟ من أغدق عليه الأموال بكل سخاء ليعيش حياة الرفاهية في مختلف العواصم الأوروبية ومن ثم في الولايات المتحدة حيث تم استقباله بكل حفاوة من طرف نخبة من رجال المال اليهود المتنفذين؟ والأهم لماذا وقع الاختيار على تروتسكي تحديدا ودفع به إلى واجهة الثورة الروسية؟ من كانت له مصلحة في ذلك وكيف كان عليه أن يرد الجميل بعد إتمام المهمة؟"
ومن المفيد تذكر ان اليهود الروس لم يكونوا شعبا اصليا بهذا المعنى في روسيا بين الاقليات المعروفة بهذا الوصف اذ كانوا يقيمون على عهد ياكاترينا العظيمة – رغم جرجوري ميتكين اليهودي مستشار الامبراطورة الاول والاقرب والاهم كان الحاكم بامره – كانوا يقيمون فيما يسمى "حدود اقامة اليهود" وهم الذي كانوا يحرصون على بقائهم منعزلين بالاقامة داخل تلك الحدود فلا يختلطون بغيرهم. وكانت للهيود مدارس تخصهم تنظمها جماعات بعينها للشاب الروسي اليهودي وقد تعلم تروتسكي بواحدة من تلك المدارس اليهودية التى كانت تدرب الاولاد على بعض المعارف واجادة الجدال وفن الخطابة في سن المراهقة. إلا ان تروتسكي لم ينفك ان انضم الى حلقة ماركسية كانت تعم الامبراطورية الروسية. ولم يلبث تروسكى ابان اخفاقات الحرب الروسية اليابانية التى انتهت بثورة 1905 ان بات متحمسا للثورة. ولما كانت لتروتسكي ملكة خطابية وتنظيمية منحته القدرة على اجتذاب الناس وخاصة الفلاحين فيما كان يترصد النبلاء والضباط والجنود الروس الذين راح يحرض لينين بخطبه الرنانة عليهم في زمان الحرب العالمية الاولى التى كانت على ابواب روسيا في ذلك الوقت. ومن المفيد تذكر ان معظم اليهود الروس كانوا يكرهون الروس ويقول مايك بيليت انهم قتلوا الاف الروس ابان الثورة البلشفية .
هذا ولم تنفك منظومة من الجمعيات الراديكالية الغربية ان التقتطه فبدأت رحلته التى كان اساسها الكتابة عن تخلف روسيا بعرض صورة قاتمة لروسيا بدءأ بالقيصر. وتقول يلينا تشافتشافادزة "ان تروسكي بقى اجنبيا يحمل روحا عدوانية لروسيا وللروس". وتقول يلينا ايضا ان ذلك هو الذى جعل تلك الجماعة من رجال الاعمال والمصرفيين والمفكرين الاوربيين والامريكان من ممولي ومفكرى ومنظري يهود روسيا لان يضعوا رهانهم على تروتسكي دون سواه .ولم يلبث تروتسكى ان باتت له علاقات واسعة في اوروبا ثم في امريكا مع رجال اعمال والبنوك وكبار الشخصيات اليهودية الاوربية والامريكية فراح يتنقل بين البيوت الفاخرة في العواصم الاوربية ويدخل انباءة المدارس المعتبرة. ذلك ان تروتسكي بات له رعاة وممولين كبار من امريكا النمسا وانجلترا وفرنسا-رغم ان فرنسا كانت حليفة لروسيا وقتها- بين الذين لهم مصالح في حركة الدولار، وقياسا كانوا معادين للحدود القومية التى تقف في وجه حركة المال من كل مكان الى كل مكان. ولعله من المهم تذكر ان اؤلئك الافراد والجماعات كانت لهم مبادرة هامة عبرت عن نفسها في تنويع وإنشاء المجموعة الاوربية منذ ذلك الوقت. وقياسا غدت لتروسكي الذى كان ينادي بالثورة حتى النهاية وبالجناح الليبرالي للثورة صلة وثيقة بحركة راس المال. مما خلق لتروتسكي اهمية بالغة في روسيا بهذا الوصف من وراء ظهر البلاشفية. والى تروتسكي فقد كان بافولوفيتش بريا يواظب بدوره في المثابرة على النيل من روسيا لحساب خصومها.
فمن هو بافولوفيتش بريا.
اشتهر بريا 1899-1953 المولود في جورجيا بانه من اطول من خدم البوليس السرى للجييش الاحمر على الاطلاق خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. ومن تاريخه ان كان بريا باكرا منشفيك ومثله مثل تروتسكي معاد للبلاشفية. فعندما احتل الجيش الاحمر باكو كان بريا منشفيكيا وقياسا كان حريا بان يعدم لولا عدم توفر الوقت. بل لم يلبث بريا ان عمل مع التشيكا Checka اي البوليس السري البلشفى. وكذلك عمل في قسم مكافحة النازية في الجبهة الشرقية كما ادار معسكرا الجولاج – المنفيين والمبعدين جراء تهم تتصل بمعاداة او العمل ضد البلشفيك والحزب الشيوعي السوفيتى والخيانة العظمى. وقياسا فقد تسلق بافولوفيتش بريا مراتب السلطة تباعا وكانه في ماراثون لا يشترك فيه سواه ليصل الى مارشال في الاتحاد السوفيتى ومدير امن وضابط في الشرطة السرية ابان الحرب العالمية الثانية تحت إمرة جوزيف ستالين ونائب رئيس الشرطة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانيةMarshal of the Soviet Union and state security administrator, chief of the Soviet security and secret police apparatus (NKVD) under Joseph Stalin during World War II, and Deputy Premier in the post-war years (1946–53) .
هذا وقد فاز بريا بجوائز وميداليات من كل نوع مثل جائزة او ميدالية بطل الاتحاد السوفيتى Hero of the Soviet Union Medal وحامل ميدالية ستالين وجائزة الاتحاد السوفيتى العليا وجائزة لينين ودرجة الشريط الاحمر Stalin Prize.png Medal Stalin Prize.png Badge Supreme Soviet of the Soviet Union.jpg Order of Lenin ribbon bar.png Order of Lenin ribbon bar.png bar.png مثله مثل من يحصدوا الجوائز تحت "ذل" وتواطئا مع واذعانا لجميع الانظمة كان كل ذلك حريا بان يثير التساؤل الا ان شيئا من ذلك لم يحدث بصورة كافية بعد. والاحرى ان بريا قاد بعد موت ستالين حملة التطبيع، ثم بات عضوا في الترويكا الحاكمة مع كل من مالينكوف وفاتسلاف مولوتوف. ولم يلبث اعتداد بريا بنفسه وثقته الفائقة بها ان دفعته الى تجاوز البوليت بيروPolit Bureau عشية انقلاب نيكيتا خرتشوف وجيورجي زوكوف الحزبي.
ويعود الانقلاب الحزبي الى ان بريا كان وراء وعد المانيا الشرقية باستقلال وطنى على غرار استونيا وليتوانيا ولاتفيا بغاية توحيد الالمانيتين مما كان حريا بان يثير مزيدا من غموض نشاط بريا من حيث ان توحيد الالمانيتين لم تكن الغاية منه سوى ارضاء الغرب. فكانت النتيجة ان اعتقل بريا واعدم عام 1953. وقياسا اجادل ان ينبغى اعادة كتابة تاريخ الاتحاد السوفييتى مجددا، وتاريخ الجمهوريات الاشتراكية بدورها، مثلما ينبغى اعادة كتابة تاريخ المنطفة العربية وتاريخ اوربا الغربية، مما يقيض قراءة صحيحة لغيرها. هل كان المؤتمر العشرين تنويعا باكرا على البيروسترويكا وعلى الجلاستنوست؟
تنويعات الماركسية الاوربية الغربية والشرقية غب المؤتمر العشرين:
من المفيد تذكر ان لم تكن ثمة ماركسية اوربية غربية واحدة مثل ذلك مثلما لم تكن هناك ماركسية شرقية وذلك جراء ما احاق بالاخيرة نفسها بين الاتحاد السوفييتى والصين وداخل المنظومة الاشتراكية بالنظر الى كل من اشتراكية بولندا مثلا واشتراكية يوغسلافيا. وبالنظر الى الماركسية الغربية. ذلك انه في زمان التنافس العنيف بين النظريات الكبرى عشية ذيوع الاطر الفكرية او البراديجمات المشبوهة تلك فقد انتشرت كما تذكرون براديجما الوجودية وبراديجما ما بعد الحداثة والبراديجما البنائية وبراديجما النسوية الغربية المغالية بل الاصولية منذ 1967– النسووقراط - التى تعينت على استباق الصراع الطبقي بالحرب بين الجنسين. وقياسا تلوثت بعض نظريات الماركسية الاوربية بفيروسات كل من ما بعد الحداثة وبالبنائية وبالوجودية وبالنسوية الغربية المغالية Analytical Budapest School Classical De Leonist Frankfurt School Instrumental Left communist Leninist Libertarian Feminist Humanist Neo-Marxism Open Orthodox Post-Marxism Structural Western مما يعبر عنه ذلك الكم من المنظرين من كافة اوربا من مدرسة بودابست لليسار الوسائلياتى Instrumental الى الليبراليتارية لشيوعية اللينينية والماركسية الجديدة للنسوية الغربية الانسانوية الى البنائية ما بعد الماركسية الاورثوذكسية الجديدة . وعليه يجادل البعض بان الماركسية الغربية تعبرعن نفسها في جسم نظريات ومنظري اوربا الوسطى من الماركسيين الذين يمأسسون انفسهم في مواجهة ومقارنة مع فلسفة الاتحاد السوفيتى. Western Marxism is a body of various Marxist theoreticians based in Western and Central Europe, in contrast with philosophy in the Soviet Union
وقياسا فثمة كتاب جيورجي لوكاش1885 -1971 التاريخ والوعي الطبقى" (وكان قد صودر عندما لقيته في بودابست في صيف 1977) وكتاب ماركس والفلسفة لكارل كورش الذي نشر لاول مرة في 1923 وكان كارل كورش قد اعتبر اول من اشرع تيار ذلك الفكر فيما كان موريس ميرلوبونتى هو الذى نحت مفردة الماركسية الغربية في 1953 كما كان انطونيو جرامشى من اهم من اثر في هذا الفكر رغم ان معظم مؤلفاته فيما عدى كراسة السجن لم تنشر او- ولم تترجم الى الانجليزية حتى سبعينات القرن العشرين.(2) وينبغى تذكر ان نظريات قيامية ما فتأت ان عبرت عن نفسها في اتجاهين يكادان يتواجهان ما بين قيامية الافانجلية الانجلوامريكية الصهيونية العالمية والقبلية وقيامية جماعة اسكندر دوغان صاحب فكرة الطابور الخامس ونشوء النظرية الرابعة واليورواسيوية السياسة النشوئية للنظرية السياسية الرابعة Eurasianism & the Political Evolution to the Fourth Political Theory. ويقول البعض ان الماركسية الاوربية تصدر عن البحث عن بدائل لمعالجة فشل المسالة الوطنية التى عبرت عن نفسها في قلب الوحدة الاوربية. ويجادل اندريه زيفوكوفيتش في نقد الماركسية الاوربية ان هذه المعضلة هي عرض من اعراض قضايا اليسار السياسية في الايديولوجية الاوربية الناتجة عن محاولة تحوير النقد الاقتصادي السياسي لياخذ بالنقد السياسى للسوق وقد تحور الى الايديولوجية السائدة للسوق.
ويقول زيفوكوفيتس ان حاصل جمع هذه الايديولوجية بات نقدا سياسيا محضا للسوق. وكانت المدرسة النمساوية الماركسية قد بادرت بما يسمى الماركسية الاوربية وتتصف تلك المدرسة بالاعتقاد في خاصية التقدم في التوليفة العظيمة للاقتصاد التى توحد بين الجمع العمالي وفصل الامة عن الدولة والثقافة عن السياسة. وتاخذ الماركسية الاوربية عما وصلت اليه ايديولوجية ما بعد التنويع اليوغسلافي من حيث اقصاء المسالة الوطنية وتجاهل الهيمنة الامبريالية مما لا يبقى معه في التحليل الاجتماعي للثورة ان بقي ما يسمى ذلك سوى النقد غير السياسي للمجتمع. الاهم هو ان الماركسية الاوربية كانت تصدر عن مؤسسات الوحدة الاوربية بوصفها غير قابلة للاستغناء عنها. ذلك ان الماركسيولوجية الاوربية كانت ترى ان المستوى المتميز للاصلاح غير موجود بحيث راحت الليبرالية الجديدة التى باتت جزءا لا يتجزأ من ترسانة او قلعة مؤسسات الوحدة الاوربية راحت تجد الفكرة التى كان تروتسكى وجماعته قد انشاؤوها باكرا قمينة بان تستمر وتتسع ليس فى اوربا الغربية وحدها وانما في غيرها تباعا.
وقياسا لم تعد الاخيرة بحيث تترك مكانا لاي تمثيل (شعبي) ديمقراطي. Since neo-liberalism is hardwired into an institutional fortress beyond all spaces of democratic representation. وقياسا فان نظرية النقد تسلم نفسها الى تشعب بين اليوتوبا وهي مفهوم فاشي وبين تبنى الكانطية الجديدة في الايديوليوجية الاوربية. As a result, critical theory bifurcates in the direction both of utopianism and of neo-Kantian adaptation to the European ideology. ذلك ان نقطه البدء في تعريف والاصطلاح على مفهومات الاستراتيجية الديالكيتية السياسية بهذا الوصف هي النقطة الوحيدة والمحورية من حيث يمكن طرح السؤال حول تقرير المصير الوطنى وتحول العلاقات الاقتصادية في اوربا عموما. وبالمقابل يرى الماركسيون الاوربيون ان الدولة القومية رابط ضعيف في كثافة ومفصلة وابعاد التناقض في المراكمة الراسمالية المالية التى باتت ما بين الحربين وخاصة الحرب العالمية الثانية مالية بامتياز اي تنويع لا متهاود على الصهيونية العالمية والقبلية كما بات الناس يلاحظون اليوم في كل مكان- داخل الامبراطورية الاوربية.
تطور ونكوص الشيوعية العالمية ومغبة ذلك على ما عداها:
لعله من المفيد تذكر ان الشيوعية العالمية مرت بمراحل وتطورات وتداعيات منها ما حاق بالقائمين على العلاقات السوفيتية العربية مابين القرن التاسع عشر الى نهاية القرن العشرين. فقد كانت الفترة بين الاستعمار ومرحلة سايكس بيكو قد حفلت بوجود شخصيات كان لها اثر هام في المنطقة العربية من حيث ان لينين والحزب السوفيتى حرصا وقتها على التبادل بين الدول والاحزاب والمنظمات الشعبية العربية وبخاصة المملكة السعودية والاحزاب السياسية المصرية والحركات العمالية السودانية مما ذكرنا طرفا منه وجيزا في حلقة سابقة. وفيما كانت فترة لينين ليبرالية فقد كان اهم ما تعينت عليه الستالينية هو ان الانموذج السوفياتي قيض التمسك بصرامة الاسس الينينية وبالصراع الطبقي وديكتاتورية البروليتاريا، وان ليس ثمة انتصار بدون ثورة مسلحة من اجل التحرر الوطنى. هذا وينبغى ألا ننسى الفترة التى كانت فيها للحركة العمالية السودانية على علاقة مباشرة مع القنصل السوفيتى عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف ابان عهد لينين من تاثير على الحركة العمالية والحزب الشيوعي السوداني كما لا ننسى ما حاق بتلك العلاقة فيما بعد عهد ستالين، وصولا الى المؤتمر العشرين الذى كان له اثر سالب بصورة كبيرة على الحركة الاشتراكية السودانية وغيرها تباعا. فلقد كان لتلك العلاقات ايجابياتها وسلبياتها رغم ان الحركة الشيوعية السودانية تاثرت اكثر ما تاثرت بالحركة المصرية وبالحزب السوفيتى.
العلاقات السوفيتيه العربية ما بين المناخ اللينينى الليبرالي والستالينى المسمى متشدد الى الانفتاح على السوق:
كان الاتحاد السوفيتى على عهد لينين ليبراليا مما قيض ظهور نماذج مثل كريم عبد اللطيف حكيموف على مسرح الديبلوماسية السوفيتية بكل زخم العلاقات الرفاقية بين السوفيت والعرب مثلا عشية وصبيحة الثورة الاشتراكية مما عبر عن نفسه في الجزيرة العربية على ايام العاهل عبد العزيز ال سعود وفي السودان ومصر. وكان ذلك العهد حريا بان يوسع حركة السياسة وحتى الاقتصاد بين الاتحاد السوفيتي والمملكة الناشئة في عشرينات القرن العشرين. وكان مناخ العهد اللينينى قد قيض لكريم حكيموف التصرف بحرية في توطيد علاقات البلدين السوفيتى والعربي وكان العرب يقبلون على السوفيت خصما على الانجليز في مواجهة جراء مناخ سايكس بيكو. ويقول النيوليبراليين البازغون وقتها ان وصول ستالين ومعه جماعات بعينها الى السلطة السوفيتية لم ينفك ان خلق شرط انغلاق الاتحاد السوفيتى على نفسه وان ذلك كان بمغبة مبدأ ستالين او ما نسب اليه من الميل نحو فكرة الثورة في بلد واحد قبل ان تنتشر في غيره. فكيف توصل ستالين إلى صياغة "منظوره العام" الذي أكده التاريخ بشكل باهر؟ في فبراير 1924، مما لخص ستالين في كتابه "أسس اللينينية"، لخص ستالين وجهة نظر لينين حول بناء الاشتراكية بهذه الكلمات:
إن إسقاط سلطة البرجوازية وإقامة سلطة البروليتاريا في بلاد واحدة لا يعني بعد ضمان انتصار الاشتراكية انتصاراً كاملاً. إن مهمة الاشتراكية الرئيسية – تنظيم الإنتاج الاشتراكي – ما تزال قضية مستقبل. فهل يمكن حل هذه القضية، هل يمكن الوصول إلى انتصار الاشتراكية انتصاراً نهائياً في بلاد واحدة بدون جهود مشتركة يبذلها بروليتاريو عدة بلدان متقدمة؟ كلا هذا مستحيل. فلإسقاط البرجوازية تكفي جهود بلد واحد – وهذا ما يؤكده لنا تاريخ ثورتنا؛ أما لانتصار الاشتراكية انتصاراً نهائياً، لتنظيم الإنتاج الاشتراكي، فإن جهود بلد واحد، ولاسيما في بلد فلاحين كروسيا، لا تكفي. لذلك لا بد من تضافر جهود بروليتاريا عدة بلدان متقدمة". وهذه، على العموم هي السمات المميزة للنظرية اللينينية عن الثورة البروليتارية". وقياسا ف"إلى حدود النصف الأول من سنة 1924 لم يكن هناك أي خلاف حول أن تلك هي "السمات المميزة للنظرية اللينينية عن الثورة البروليتارية". لقد أكدها لينين مرارا وتكرارا في مئات الخطب والمقالات والوثائق منذ عام 1905. وقد سبق لنا أن اقتطفنا ما يكفي من الاستشهادات على ذلك؛ ويمكن أن نقتطف منها بقدر ما نشاء. لكن قبيل نهاية عام 1924، تمت مراجعة كتاب ستالين، ووضع مكانها الموقف المعاكس تماما.
ويزعم البعض ان ذلك كان حريا بان يخلق خلافا عميقا بين ستالين وماوتسي تونج مما اثر بدوره على علاقة روسيا والصين لوقت طويل وصولا كما ثابر البعض على القول تباعا الى انقسام المعسكر الاشتراكي بين اول واكبر مجتمعين اشتراكين وقتها. والى ذلك اتهم الحزب السوفيتى الستاليني بالحرص على املاء موقفه الايديولوجي على كل حزب حليف بصورة قيدت كثيرا من الحركة الفكرية والوطنية لتلك الاحزاب وصولا الى ما شارف الهيمنة شبه الكاملة على احزاب اوربا الشرقية وربما غيرها من الاحزاب الاوريبة الغربية واحزاب المجتمعات العربية بدورها. وقياسا فقد راح البعض يشيع ان ذلك شارف الحجر اوالرقابة على الافكار المغايرة للفكر السوفيتى بمغبة الستالينة تحت اشراف برياLavrentiy Pavlovich Beria 29 March 1899-December 1953 ان اهم ما اتهمت به الستالينية هو ان الانموذج السوفياتي قيض التمسك بصرامة الاسس اللينينية بالاقتصارعلى فكر ثورة البلد الواحد لحماية الثورة قبل انتشار الثورة ومن أن ليس ثمة انتصار بدون ثورة مسلحة من اجل التحرر الوطنى بوصفها القضايا المحورية للحركة الشيوعية العالمية زيادة على الرقابة والمصادر الفكرية والتنظيمية في الداخل والخارج.
حصار الأمركة للتجربة الديمقراطية السودانية باكرا:
قدم السودان باكرا لممارسات الامركة فى كل من مفهوم الحزبين الكبيرين اللذان ينازلان بعضهما كما المصارعين فى حلبة المصارعة الرومانية وفى مفهوم الحكومة الرئاسية. فقد كانت الاخيرة هي الانموذج الاول الذى عرفه السودان باقحام ما اطلق عليه حكومة السودان Sudan Government وكانت عبارة عن الحاكم العام واربعة سكرتيرين على غرار الادارة الامريكية تماما: السكرتير الاداري والمالي والتعليمى والعدلي. وكانت تلك الحكومة بالضرورة رئاسية. والى ذلك فقد صدرت التنمية الاستعمارية عن علاقات الانتاج والملكية التى تشارف المفهوم الامريكى. كما ادخل اسلوب الانتاج بالوقت والحركة الفوردي والتيلور Fordism and Taylorism time and motion piece production باكرا في مدن صناعات السكة الحديد كمدينة عطبرة السودانية التى كانت في بداياتها الزاهرة تضاهي مدينة ديترويت، بوصف عطبرة كانت ايضا عاصمة الديموقراطية وقد اتصلت الى ذلك بصناعة السيارات والسكة الحديد. وقد لقيت مصير ديترويت بدورها مع حلول الرأسمالية المالية خصما على الرأسمالية السلعية السودانية.
والى ذلك فقد بقيت الملكية مثل نظيرتها الامريكية اعتبارية ولم تسجل الاراضى كملكية خاصة لا فى السودان ولا فى امريكا الا حديثا؛ مما قد اذكره فى مكان اخر. ولم تزد الديمقراطية ما بعد الليبرالية وقد بقيت غير قابلة للزيادة عن واجهة مظهرية لما لا وجود حقيقى له. ورغم ان الامركة بالوصف اعلاه كانت قد جربت على نموذج التنمية الاستعمارية فى السودان فى غفلة من التاريخ والزمان سوى انه من المفيد تذكر ان التعليم الاستعمارى الكلاسيكى كان حريا بان يتناقض عشية اجتياح الامركة-الرأسمالية ما بعد الصناعية-اي المالية للبرجوازية السلعية والصناعية منذ بداية الحرب العالمية الأولى الى ما بين الحربين وتباعا . ويصدر ذلك التناقض عن طبع البرجوازية الصناعية على اوخر ايامها عندما تتحور فتتشوه فتطلق العنان لادعاءاتها الليبرالية عشية اجتياح الرأسمالية المالية. فكأنما باتت البرجوازية الصناعية كالنبع يفيض على نحو عزيز قبل ان يغيض.
هذا وكان ادب السياسة ليبرالى واشتراكى وحتى ماركسى يصل مكتبات السودان مثل سودان بوكشوب، وكانت الصحف الكبرى تصل بصورة منتظمة ليس للخرطوم وحسب وانما الى المديريات وكان زعماء القبائل ونظار الخط من خريجى كلية غوردون يقرأونها حتى مقتل السردار فى 1925. (لقاء مع الشيخ علي ابو سن فى لندن في 1978.) وقد فتحت تلك المنابر الغربية كوى غير مسبوقة امام الساسة ونظار القبائل وخاصة بين الشاب السودانى المتعطش للمعرفة. وفيما كان السودانيون - فى مقابل المناهج والمقررات المحافظة فى كلية غوردون - يقرأون الادب الماركسى فقد ظهرت بعض الحلقات الماركسية بين طلاب وخريجى كلية غوردون باكرا منذ الحرب العالمية الأولى فى امدرمان والخرطوم وواد مدنى. وكان المستر ستورى Storrie وهو ايرلندى من ضباط البوليس الحربى Police Constabulary او-و قوة دفاع السودان وغيره "يعقدون الندوات ويتبادلون الحوار مع المتعلمين غربيا من الشباب السوداني حول الادب الماركسى". وكان المدرسون المصريون يقدمون بدورهم طلبة كلية غوردون للافكار الثورية اثناء الحرب. ومن المفيد تذكر ان بعض اعضاء حكومة السودان من المصريين كان منفيا جراء اشتراكه فى ثورة عرابي، أوجراء عضوية حزب الامة المصرى. وكان الامير المصرى عمر طوسون عمل بالسودان وكان على صلة باعضاء الجناح المؤلف لاقصى يسار حزب الوفد امثال امين الشاهد وحمدى سيف النصر وعبد الرحمن فهمى.
وكان عمر طوسون -رغم انه ساهم فى تيسير عملية تجنيد سودانيين فى وقاد بالفعل حملة على ثورة المكسيك نيابة عن فرنسا نابليون الثالث- ابن عم نابليون بونابارت - فى 1854 كان عمر طوسون متعاطفا مع السودان. فقد اتهم عمر طوسون بتسريب اخبار حركة الوفد - التى وصمها الانجليز بالماركسية - الى السودان كما تزيين تجليات الوفد قياسا على الاستعمار الانجليزي للسوادنيين. هذا فان كانت مصر تصدر للسودان اتجاهات "غير مرغوبة" من الشمال فقد كان الاتحاد السوفيتى يحاول اختراق الدول العربية والقارة الافريقية عبر البحر الاحمر من السعودية. وكانت الاستخبارات السودانية قد عثرت على نسخة من برنامج الحزب الشيوعى المصرى-و يزعم الانجليز ان مؤلفه كان رجلا انجليزيا- من "المتورطين فى حركة اللواء الابيض". ويعزو معظم المؤرخين نشوء الفكر والتنظيم المتقدم بمعنى الذى ملك تجاوز القبيلة والعرق والجهوية اي ذلك الفكر الذى كان حريا بان يشارف الفكر الثورى لاول مرة فى السودان الى كل من مصر والاتحاد السوفيتى.
وقد عبر ذلك الفكر عن نفسه فى قدرة السودانيين المعتبرة على تنظيم حركة اللواء الابيض وصولا الى ثورة 1924 رغم انه اصدر مع ذلك عن عوامل ومؤثرات اقل ثورية احيانا. وربما لم تكن تلك العوامل والمؤثرات بعيدة عن نظائرها فى مصر. وقد نسبت بعض تلك المؤثرات الى النشاط الذى كان العمال السودانيون يقومون به فى عطبرة باكرا متأثرين بنشاط القنصل السوفيتى عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف فى الحجاز. فقد عثرت الاستخبارات السودانية أو ادعت انها عثرت على ما ينسب حزب العمال السودانى الى علاقة متصلة ومثابرة بين على احمد صالح وكريم حكيموف القنصل السوفياتى فى جدة بالحجاز. فقد كان لينين قد حرص على تعيين التتري المسلم كريم حكيموف الذي كنا قد ذكرناه وجيزا في حلقة سابقة الملقب بالقنصل الاحمر بالحجاز في عشرينات القرن العشرين.و قد اطلق على حكيموف لقب الاحمر استهجانا.
ففيما كان اللون الاحمر قد اصبح لدى الثوريين لون بيارق الثورة والامال العريضة في حياة افضل فقد كانت الثورة المضادة تنسبه الى القتل والعنف. المهم كان عبد الكريم عبد الرؤوف حكيموف (1890-1938) أول مبعوث سوفييتي الى المملكة العربية السعودية في العام 1926، وهو المعتمد السوفيتى المسلم من بلاد التتار الذي كان قد التحق بالبلاشفة ولم ينفك لينين ان عينه ملحقا دبلوماسيا. وبالمقابل كان جون فيلبي John Philby- والد كيم فيلبيى Kim Philby العميل الانجليزي الذي عمل فى السودان، ثم هرب الى الاتحاد السوفيتى - كان جون قد اسلم “و تزوج من جارية سعودية واسس اسرة في الحجاز وبقي فيها يعمل لحسابه ولحساب راس المال الامريكى. فقد كان جون فيلبي يبيع السيارات الفورد ويدبر لدخول شركة ستادارد اويل الامريكية التى تنبهت على وجود النفط الى السعودية.
المهم ففيما حاول حكيموف تكريس علاقة بلاده بالمملكة العربية السعودية، إلا ان العلاقة كانت حرية بألا تدوم طويلا، اذ انتهى حكيموف ومعه ارث العلاقات الروسية العربية الذي كان قد نجح حكيموف في ارسائه، باعتقاله في اكتوبر 1932 واستدعائه الى موسكو حيث اعدم في أقبية أجهزة الـ”كي. جي .بي عام 1938” اواخر عهد ستالين وعشية الحرب العالمية الثانية، التى كانت امتدادا لحرب الرأسمالية المالية على الرأسمالية السلعية بصورة قاضية. هذا وقد تعينت الاستخبارات السودانية "الانجليزية" فى نفس الوقت على التعرف على وجود حزب العمال وعلى على احمد صالح مؤسس والامين العام للحزب. وكان حزب العمال السوداني ماركسى بنتيجة صلته بكريم حيكموف فكان حريا بان يؤلف بالضرورة مصدر تهديد لحكومة السودان. ورغم ان حزب العمال السوداني فاق حركة اللواء الابيض خطورة ما حدى بحكومة السودان من بعد بملاحقه احمد صالح نجح فى تحويل على احمد صالح –تكاذبا- الى شاهد ملك على ثوار 1924م ومقتل السردار عام 1925م. الا ان حكومة السودان لم تصم حزب العمال وحده بالبلشفية بل زعمت ان حركة اللواء الابيض بدورها حركة بلشفية، وليست وحسب محصلة تحريض الجناح اليسارى المتطرف فى حزب الوفد المصرى.
وقد سجلت جريدة التايمز عام 1925م تطير بريطانيا مما كان يدور فى السودان ومصر في يوميات متتالية على مر اعوام 1914-1925م بوصف ان ما يدور في السودان وظيفة ما عرف يومها باختراق البلاشفة لمصر والسودان. هذا وينغى ذكر ان تيارات فكرية متقدمة مشابهة تحدرت من سوريا ولبنان وفلسطين الى عصبة اللواء الابيض السودانى مما كان من شأنه ان يغدو اكثر تركيبا مما اعتبر البعض انه اعلي بكثير مما ملك السودانيون التعين عليه منفردين وقتها. ومع ذلك فقد كانت حركة 1924م التى قادها اللواء الابيض قد عبرت عن نفسها وقتها والى وقت طويل بوصفها اكثر الحركات السودانية تطورا فى تاريخ السودان. ذلك ان حركة اللواء الابيض تعينت على المطالبة بحقوق تقدمية واسعة فاستقطبت جماهير لا متجانسة من كل مكان من ضباط قوة دفاع السودان ومهنيين وطلاب وفلاحين وبقالين وعمال بل اعيان بعض الطوائف مثل طائفة العرطيين بابي حراز- بجزيرة النيل الازرق وبعض القبائل مثل قادة قبيلة الجموعية اللذين كانوا يجمعون التبرعات للحركة. فقد كان محمد الخليفة عبد الله الجموعابى يجند الناس للحركة فى منطقة النيل الابيض وفى مديرية النيل الازرق بين العركيين . وقد بقيت الطريقة العركية تكافح الاستعمار تباعا وقد اتهمها الانجليز بالتشيع تشويها لسمعتها بين اتباعها واعتقلوا 300 من قادتها فى الجزيرة.
تحدي التجربة الديمقراطية والشيوعية السودانية الماثل لمصر الدولة:
بقيت الدولة المصرية على حساسية عالية تجاه التجربة الديمقراطية والشيوعية السودانية بمغبة نشاط المخابرت المصرية في السودان. وكانت تلك المخابرات تدرك قدرات قادة الحركة الديمقراطية وقادة الحركة الشيوعية السودانية. فان كان عبد الخالق متفردا ومتقدما على كثيرين ممن عداه وكان مثقفا قارئا للفلسفة والادب والفن ومحبا للموسيقى ولبول ربسون ولام كلثوم خاصة مثله مثل السودانيين الذين عاشوا شبابا بمصر فقد كان عبد الخالق اديبا يواظب على قراءة شيكسبير وموليير وبيرنارد شو وهوجو وديكينز وتنيسون وتولستوي وتشيكوف وجوركي وديستويفسكي الخ؛ الى فلاسفة الاشتراكية من كل مكان زيادة على كتابات اصدقائه الادباء المصريين اصحاب دار الهنا والشعراء كالخميسي الخ. وكانت لعبد الخالق محجوب بوصفه مناضلا حقيقيا وصارما ومحبا للادب والشعر كانت له لغة عميقة بليغة سلسة حيث تتداخل عنده "أبعاد الإبداع والنضال اليومي بجانب الجماهير الشعبية والتوجه الكوني جميعاً في سياق جدلي باستمرار" كما يقول المستعرب الاسباني بدرو مارتينث مونتابث. وكان عبد الخالق يردد انه كان يوما يحلم بان يكون اديبا. وقد لاحظ كل من هنري كوريل وروزا كوريل تلك المواهب في عبد الخالق الشاب فشبه تبنياه. ولست على يقين من ذاكرتى لأقول انه اقام معهما في مرحلة من حياته بالقاهرة.
هذا وفي فترة ما من حياته كان عبد الخالق يصرح برغبته في العمل الثقافي. كان ذلك التصريح يتردد اكثر من اي وقت اخر إبان ما حاق بالحزب من انقسامات وصراع فكري مظهري عبر عن نفسه في صراعات مشخصنة اكثر منها فكرية. لم ينفك بعضها ان تحور نحو تنازع حول مفهوم العلاقات الشخصية . فان لم يتخلص الصراع من ارجل القش التى كان يمشى عليها الا انه "كان في إمكانه أن يركن إلى موقفه المريح المعهود "في المنتصف بين طرفين". (فالمفترض أن مثل هذه "الموضوعية" المريحة تؤلف عند البعض "جوهر المنهج الماركسي"(3). وقياسا فان لحقت مغبة سوء التفاهم الذي لم يملك ان يرقى الى صراع فكري فقد ضاق عبد الخالق بما حوله خاصة مع اتساع الانقسامات المشخصنة ومغبة تضيق بعضهم الخناق عليه في مرحلة حاسمة من تاريخ قيادته للحزب. وقياسا فقد اخذ عبد الخالق يفكر في فترة من حياته جديا في الاقامة ببورتسودان والتفرغ للعمل الثقافي والفكري وهو يعلم كم كان العمل التنظيمي الحزبي في خطر على ايام الحكم العسكري الثاني. والاهم هو ان ادراك عبد الخالق للتداعيات المرحلية على المنطقة بما في ذلك العربية والافريقية فقد كان حريا بان يقلق عبد الخالق ما راح يحيق بالحزب وبحركة التحرر.
ومن ذلك فقد كان عبد الخالق على اتصال دائم بمصر حتى النهاية، حيث كان الخميسى وعبد المنعم الغزالي يهبطان في الخرطوم حتى ابان حظر هبوط الطائرات، مثلما فعلا عند انقلاب خالد الكيد وابان انقلاب 1971 وغير ذلك. وكان عبد الخالق كذلك على علاقة طيبة بالرئيس عبد الناصر ومفكرين وقادة من البلاد العربية من ناحية اخري في الوقت الذى كانت علاقته بالسوفيت تتغير بمغبة علاقة الشيوعيين الانقساميين والمغامرين بالسوفيت مما كان حريا بان يستغله الانقساميون والمغامرون. وكان عبد الخالق يهتم بافريقيا من ناحية اخرى بصورة نشطة ويستقبل زعماء حركات التحرر الافريقية. وقياسا فقد انشأ الحزب وقتها مكتبا لافريقيا بقيادة عبد الخالق وعضوية فاروق كدوده وعبد السلام الشيخ وكنت من اعضاء المكتب منذ البدء اي مع احتدام حركات التحرر الوطنى المسلح حولنا في افريقيا خاصة. ولعل ذلك المكتب كانت رديفا لمكاتب اللجوء في القاهرة للساسة العرب والافارقة المعارضين والمنفيين بحي الزمالك.
ولعل ذلك وغيره من نشاط عبد الخالق كان حريا بان يخلق من عبد الخالق نفسه قلقا للاستخبارات المصرية مثلما بات يخلق قلقا للاستخبارات البريطانية والامريكية من بعد. المهم فورا بقى بعض الشيوعيين المصريين من الضباط السابقين بالمقابل على صلة متصلة بالسودان وبقادته حتى اخر لحظة في الوقت الذى كانت فيه الدولة المصرية تثابر على اختراق الحركة الديمقراطية والشيوعية ويدعي بعض الساسة المصريين التحالف مع الاخيرين مثلما حدث ابان الانقلاب والانقلاب المضادCounter Coup لعام 1971 مثلا عن طريق الضباط الاحرار .كما كان احمد فهمي وزير الخارجية المصري يباشر عملية اسقاط طائرة فاروق حمد الله –احد قادة انقلاب هاشم العطا في 1971- من سماء ليبيا بواسطة قوات معمر القذافي وغير ذلك بمغبة ما نعرفته بالدور الذى كانت تقوم به مصر في المنطقة العربية وغيرها من الدول التى باتت في عداد الدول الاستعمارية Sub imperialist states الملحقة بآلة المراكمة الاستعمارية الرأسمالية مما ذكرته في حلقة سابقة. هذا وكان اي نقد من قبل السودان الاخ الاصغر لمصر الاخ الاكبر وما يبرح مثيرا للحساسية بل للعداوة حيث يقوم بعض المصريين بدور ابوي بالمعنى الاوريللي Orwellian وليس بالمعنى الاقطاعي Patriarchy الذي كان رحيما نسبيا، وكان الرأسماليون يبنون مساكن العمال في وسط انجلترا مثلا ويتبرعون ويحرصون على ادعاء الغيرة ويتبون المنظمات الخيرية وكان نظائرهم السودانيون امثال الشيخ مصطفى الامين وغيره غيره وسخي تجاه السودانيين في افضل تقدير او-و بالرقابة على السودانيين فيما يقولون بشان مصر وعلاقتها بالسودان نيابة عن الديمقراطية ما بعد الليبرالية النيوليبرالية الامريكية في المحل الاول وميكانزم مراكمة راس المال المالي بامتياز.
وقد عبر ذلك عن نفس عن نفسه في مشاركة الخطوط الجوية البريطانيةBritish Airways في اسقاط الطائرة التى كانت تقل بابكر النور وفاروق حمدالله وبعض قادة انقلاب 1971 كان منهم محمد محجوب عثمان شقيق عبد الخالق الاصفر. هذا وكان محمود رياض وزير الخارجية المصري يباشر عملية اسقاط طائرة بابكر النور وفاروق حمد الله من بواسطة قوات معمر القذافي وغير ذلك بمغبة ما نعرفه من الدور الى كانت تقوم به في المنطقة العربية دول باتت في عداد الدول الاستعمارية Sub imperialist states الملحقة بآلة المراكمة الاستعمارية الرأسمالية مما ذكرته في دراسات اخرى .
على انه فيما كان عبد الخالق يقول بالتجديد وليس الاصلاح منذ 1957 الا ان ذلك لم يمنع الانقسامات المشخصنة غالبا زيادة على ان اغلب ما فشل فيه الحزب جراء مناخ تلك الانقسامات كان حريا بان يعبر عن نفسه في :
- ضعف تغير الاساسيات بصورة سلسة او-و عدم تغييرها
- انغلاق سبيل الوصول الى افكار جديدة امام تصعيد افكار العناصر المترددة والعميلة
- اشكالية الصراع الفكري بالنظر الى الديمقراطية المركزية او مركزية الديمقراطية
- ضعف الصراع الفكري ومغبه تجاهل حق الاقلية في الاحتفاظ برايها بغاية التعبير عنها من اجل كسب شعبية لها بين العضوية
- انعكاس التجربة السوفيتية علينا وغيرنا. وكانت التجربة السوفيتية قد منيت باعراض ما بات يؤلف تداعيات نهايات الاتحاد السوفيتى وصولا الى انهيار التجربة. ذلك ان بعض قيادات الحزب الشيوعي السوداني المغامرة راحت تقترب من مركز الثقل والسلطة السوفيتية. وكان اؤلئك المغامرين من المتشربين بفكر الجماعة بقيت تقود تداعيات انقلاب المؤتمر العشرين-او الثورة المضادة-على الثورة البلشفية منذ البد ءعبورا بستينات القرن العشرين مما قد يعبرعن نفسه فيما يعتقد انه تدخلا من بريجنيف في مألات انتفاضة اكتوبر 1964.(4) والى ذلك يمكن يقينا اضافة تاثير الدولة المصرية والاستخبارات المصرية على الحركة الديمقراطية والاشتراكية منذ البدء حىى النهاية مما احاول التعرض له مرارا وتباعا. المهم فورا بقى بعض الشيوعيين المصريين من الضباط السابقين بالمقابل على صلة متصلة بالسودان وبقادته حتى اخر لحظة في الوقت الذى كانت فيه الدولة المصرية توالي اختراق الحركة الديمقراطية والشيوعية السودانية فيما كان بعض الساسة اليساريين وبعض الشيوعيين المصريين يدعون التحالف مع نظائرهم السودانيين مثلما حدث ابان الانقلاب على انتفاضة 1964 والانقلاب المضاد Counter-Coup عام 1971 مثلا عن طريق الضباط الاحرار وخلافه.
وربما كان من المفيد تذكر ما كان يردده البعض من ان اثنين على الاقل من أؤلئك الضباط كانت له صلة ببعض الجهات غير المصرية. هذا زيادة على نشاط الانقساميين الذين كان بعضهم يحظى باهتمام ان لم يكن يستحبه باكرا من قبل بعض قادة السوفيت. واذكر كيف ان بعض الانقساميين كان يتباهي بذلك الاستحباب خاصة وان بعضهم لم يكن قد خرج من قريته مرة حتى الى الخرطوم، ليجد نفسه محاط بمترجمين ومرافقين بعضهم اساتذة جامعيين ومرافقات من درجة ملكات الجمال بامتياز، وتحت تصرفه سيارة وسائق وبطاقات للمسارح في اي وقت يرغب من البولشوي الى الباليه إلى مسارح تشيكوف ويرتاد المتاحف من الايرميتاج الى جوباوفكا الخ. والى ذلك كان الوحد منهم يتقاضى على اي حديث او لقاء اذاعي مبالغ كبيرة بما يعادل العملة الصعبة ويصرف له زيادة على ذلك مبالغ اخرى بما يعادل العملات الصعبة ليبتاع ما يشاء من المنتجات الفاخرة التى تنتج من اجل التصدير ولا توجد سوى في محلات العملة الصعبة التى لا تتوفر للموسكوفيتش العاديين زيادة على الحياة في افخم فنادق المدن السوفيتية مثل موسكو او لينينجراد وغيرها من المدن السوفيتية زيادة على منتجعات الكتاب مثل بريديلكينا وغيرها.
ولقد جربت مثل هذه الحياة كضيفة عادية للاتحاد السوفيتى وليس كزعيمة شيوعية سوى ان ذلك لم يمنع من الاطلاع على جانب من الحياة التى تتوفر لضيوف لاتحاد السوفيتي من الزعاء الشيوعيين. ومن اماكن سكنى قادة العالم من الشيوعيين الخاصة رقم 32 وهو فندق كالمجتمع الكامل تتوفر فيه كافة الخدمات والحاجات من مسح الاحذية الى السينما والمسرح عبورا بالاسواق الخ. ولا يعرف بذلك الفندق أحد كما لا يمكن الوصول اليه الا بسيارات الحزب. فحتى سائق التاكسي الموسكوفي –اي من موسكو- لا يملك التعرف على عنوان رقم 32. كل ذلك يصعد الى رؤوس بعض محدثي النعمة، فيتصورون انهم على اهمية فائقة على من عداهم فيبدأؤون بالتصرف على اساس ما انفك ان بات مدمرا لهم وللحزب. ولا يستبعد والامر كذلك ان يستهدف الحزب.
السودان نصب عين اسرائيل:
كانت البلاد العربية كغيرها مستهدفة دائما ولو بالجوار ان لم يكن بمغبة مثابرة الاساطير العبرية لتحقيق الاجندة التوراتية القيامية. واجادل أنه ان باتت تداعيات معظم ما هو سوداني تؤكد ان السودان كان قد اصبح باكرا نصب عين اسرائيل الصهونية القبلية والصهيونية العالمية- منذ بداية القرن الماضي- فقد كان ذلك لان اسرائيل كانت قد رأت في السودان المجتمع الاكثر تهيؤا للحركات الثورية. كما ان السودان هو الاكثر اهمية من غيره جراء موقعه بين الشمال العربي وجنوب القارة الافريقية معا. فالسودان سرة القارة وسرة العالم الى ثرواته وخيراته وحجمه. فان كان من المؤكد ضلوع الاستخبارات البريطانية والفرنسية باكرا والامريكية من بعد في التآمر على السودان، فان المؤرخ الفرنسي بيير بيان Pierre Pean يجادل فيحلل ضلوع اسرائيل فى الاهتمام المتآمر على شمال السودان باكرا منذ واقعة فاشودا وصولا الى جنوب السودان ودارفور تباعا.
فقد كان تيودورهيرتزيل مؤسس الحركة الصهيونية مهتما بالسودان وافريقيا بصورة واضحة من كتاباته ورسائله بوصف السودان بوابة افريقيا، وان السودان والمجتمعات الافريقية امتداد حيوي للدولة العبرية. وكان هيرتزيل يقول سأعلم الافارقة ما علمته لقومي. وقياسا فان كانت الاستخبارات الاسرائيلية قد ورثت اهتمام حلفائها المؤقتين الاوربيين الغربيين ثم الامريكان بالسودان وافريقيا، فقد وجدت اسرائيل في فرنسا حليفا مضمونا فيما يتصل بافريقيا وبالسودان خاصة. ففرنسا لم تغفر للانجليز فقدان فاشودا في القرن التاسع عشر موطئا محوريا استراتيجيا بامتياز. وعليه فإن غدى تحالف فرنسا واسرائيل تباعا، ابعد من تحالف اسرائيل وامريكا فان اسرائيل وفرنسا تتعاونان بصورة متساررة ومتينة معا، رغم ان فرنسا كاثوليكية مما يجعلها مستهدفة لعداء الصهيونية القبلية. فان تولت الجاسوسية العبرية شان ذلك الامر الذى لا يغتفر فقد كان لشيمون بيريز جراء ذلك مكتبا شبه دائم فى وزارة الدفاع الفرنسية، وكان يتشارك الاسرار والادارة العامة الفرنسية للامن الخارجي DOSE اي لاستخبارات الفرنسية. وقد انشأت فرنسا لاسرائيل مفاعل ديمونا من وراء ظهر امريكا، وكان العمل قد بدأ به في جنوب اسرائيل منذ 1958. فاسرائيل وفرنسا تتكاتفان تسترا في مواجه عدو مشترك هو العدو الانجلو ساكسوني الانجلو امريكي المؤجل مواجهته، حسب التاكتيك العبراني القيامي. ذلك اننى أجادل تباعا وكما في كل مرة ان الصيهونية القبلية تقسم المعارك مع خصومها، فتبدأ بالعرب والمسلمين فيما تواظب على تخريب المجتمعات الاوربية الغربية والانجلو امريكية تباعا.
وفي ذلك لا تألوا الصهيونية العالمية والقبلية جهدا في خلق شرط الثورات المضادة في المجتمعات الانجلوساكسونية والانجلوامريكية، مما اكتشفه دونالد ترامب واعلنه صراحه في عداءه للصواب السياسي، وكل ما يقف وراءه من الفيمينية الاصولية –النسووقراط- التى تكرس تمكين المرأة غير العادية خصما على الرجل العادي، وحق المرأة على جسدها خصماعلى حق الطفل فى الحياة، وحقوق المثليين خصما على الناس العاديين، بمعارك القضية الواحدة single issue struggles مثل معارك وقضايا المثليين والنسووقراط وما بعد الحداثة والليبرالية الجديدة - النيوليبرالية خصما عل الليبرالية الديمقراطية البرلمانية، وتنويعات خصومة الرأسمالية المالية الى فصائل العداوة للكاثوليكية بمغبة معارك بيادق الانجليكانية التطهرية الاصولية التى لا تفتر مع الكاثوليكية كما يلاحظه الناس في كل مكان.
ومن المفيد تذكر ان كافة يهود امريكا ويهود فرنسا ليسوا من قبيلة واحدة. ذلك ان بعض الاخيرين يتنافسون وبعضهم الاخر مثل ابناء يعقوب وبعضهم مثل يعقوب وشقيقه عيسو يتقاتلون على ارث ابيهم. وبعد كل شئ والاهم هناك من يتربصون بكل من ينتقد الدولة العبرية، فيتهمونه بالعداء للسامية. وهناك من اليهود من يقفون خارج كل ذلك وينبرون للدفاع عن من عداهم مثل اؤلئك اليهود الذين يدافعون عن الفلسطينيين حتى بعد ان هجر كثيرون الدفاع عن القضية الفلسطينية. الا ان صهاينة فرنسا لا يقلون عن صهاينة امريكا وغيرهم في العداء لكل من عداهم، بدءا بالعرب والمسلمين ثم المسيحيين والكونفيوشيين والهندوس الخ. وتلاحظ(ين) ذلك في حماس فرنسا لمشروع الشرق الاوسط الجديد، مما يعبر عن نفسه فى دور فرنسا في ليبيا وفي سوريا وفي الزيارات الماكوكية للمنطقة ما بين انقرا وبغداد والرياض الخ على ما يبدو وكانه اواخر معركة سورية في 2016.
ولعل اكثر ما يلاحظ دور فرنسا فيما يحيق بسوريا جراء المال الفرنسى ذاك الذي وصفه هيثم المناع بانه يأتي عن طريق الدبلوماسيين الفرنسيين الذين يقفون عند حدود تركيا وسوريا بحقائب المال، يوزعونه على كل من يعمل على اشعال الثورة المضادة (العربية المعولمة) ضد سوريا وشعبها، وعلى كل من يدعى انه في معارضة النظام السوري، وعلى القضية العربية المفصلية. ولا تختلف فرنسا فيما تنزع اليه بشأن سوريا او بشأن السودان او بشان القومية العربية عما تروم الرأسمالية المالية الصهيونية القبلية والعالمية. هذا وحيث لم يتوقف تدخل اسرائيل في السودان بعد انفصال جنوب السودان؛ فقد اتصل بغاية تحويل السودان الى قنبلة انشطارية تتفاعل ما بين منطقة البحيرات والقرن الافريقي، وبين الشمال العربي المسلم والجنوب الافريقي المسيحي او الاحيائي. فخطة اسرائيل كانت وما تبرح معلنة سواء بمحاولة تشطير السودان الى محاولات حصار مصر عن طريق بعدها استراتيجي الافريقي، بدءا بالسودان بمغبة احتكار مياه النيل بخزان النهضة الاثيوبي. زيادة علي احتواء مصر والسودان بمغبة خصم أمن البحر الاحمر لحساب اسرائيل ومشروع القرن الافريقي الكبير.
وتخلق اسرائيل-الصهيونية القبيلة والعالمية- القيامية معا الى ذلك شرط اندلاع مشاكل داخلية فى مصر والسودان بحيث تبقيان مشغولتين بانفسهما. فـ"سياسة اسرائيل- حسب بيير بيان- في افريقيا منسجمة مع محيطها الافريقي ومستقرة وطويلة النفس على مر سنين عديدة وتباعا؛ فهي ليست سياسة آنية او مؤقتة. ذلك ان اسرائيل توقن "ان افريقيا تؤلف العمق الاستراتيجي لامنها واستمرارها" ولعل اسرائيل - وقد اوشكت تيأس من التطبيع مع العرب بصورة مريحة، رغم تراضى معظم الحكام - جراء مقاومة الشعوب العربية قاطبة- تجد اسرائيل في افريقيا بعدا استراتيجيا بديلا لوجودها، فاقريقيا تؤلف بعدا وجوديا لاسرائيل بالوصف الاسطوري الذى تتطلبه اسرائيل دون غيرها من المجتمعات التى خلقها الله.
- تعريف اجرائي للصهيونية القبلية وجيزا:
لعله من المفيد تعريف الصهيوينة القبلية وجيزا. فهي صهيونية الدولة العبرية بوصف انها تصدر عن يهوا الاله القبلي الذى يتطير من كل من المشركين به بوصفهم اممين ومن الاممية لانها تتناقض مع القبلية. وتعنى الصهيونية القبلية قبل كل شئ الاقتصار على كل من يؤمن بيهوا الاله القبلي. ويغدو يهوا بذلك عدوا لكل من هو غير قبلي او أممي كما يصم يهوا الاخيرين بالامية. وتعنى كلمة الأمية فوق كل شي الجهل بـ"يهوا" القبلي أو الإلحاد فالكفر به. وترادف الامية مفردة أوصفة الاغيار-الغويمGoyem والجنتابل (Gentile) أي الاممين غير اليهود. ذلك ان الامية تعنى ايضا الجهل بيهوا وهي صفة الأمميين اي أولئك الذين يدينون بعقيدة أممية، بوصف أن اليهودية دين قبلي قاصر على اليهود (Exclusive to the Jews). ومن المفيد تمييز الصهيونية القبلية عن نظيرتها العالمية- القيامية من حيث ان احداهما - الصهيونية القبلية ترانزست Transit او تكاتيك نحو استراتيجية الاخرى اي الصهيونية العالمية - القيامية وان الاولي تصدر عن الكيان الصيهوني بوصفه متمأسس فوق يهودية قبلية. فتلك الصفة في غاية الاهمية ليهودية بعض بنى اسرائيل، التى تجعل من يهوا نبيا قبليا لشعب متجانس يتطير من الاممية. فالاممية تعبر عما وراء او ما بعد شعب واحد الى اكثر من شعب. وقياسا فان الصهيونية القبلية توفر ذريعة - متخاتلة -للدولة العبرية – الوطنية بوصفها دولة شعب متجانس واحد.
ومن المفيد تذكر ان الصهيونية القبلية الوطنية تنكر على من عداها الوطنية بهذا الوصف مثلما تخلق انتفاء شرط نشوء الرأسمالية الوطنية السلعية والبرجوازية الصناعية لحساب الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية بالنتيجة والقبلية بالضرورة والعكس صحيح بوصف ان الرأسمالية المالية تعبير عن الصهيونة العالمية استراتيجيا عبورا بالقبلية تاكتيكا. والعكس صحيح حسبما تري(ن) فالصهيونية العالمية فى المحل الاول مشروع مالي غير اقتصادي. وعليه يتطير من اسميهم اعراب الشتات من الاممية تاكتيكيا فوصولا الى استراتيجية الصهيونية العالمية اوالقيامية التى تتمأسس فوق اممية تستقطب –بدورها - تاكتيكا صهاينة من كل نوع من صهاينة عرب، وصهاينة مسيحيين وكونفيوشيين وبراهمانيين وغيرهم. ويتنافس الاخيرون في تنويعات من الخلافات (جمع خلافة) مثل الدولة او الخلافة الاسلامية فى العراق والشام (داعيش) والخلافة الوهابية وخلافة الاسلام السياسي والخلافة العبرية والخلافة العثمانية الجديدة يتنافسون على حكومة العالم. وقياسا فان ذلك التنافس او الصراع من شأنه ان يصادر نشوء شرط واستمرار الكيانات الوطنية والدولة الوطنية والحدود الوطنية (و يلاحظ ذلك في كيف منح محمد مرسي عمر البشير حلايب في زيارة للخرطوم استغرقت محض يوم ونصف يوم). كما ينتفي الصراع المذكور كل شرط لحماية السيادة الوطنية باستباق الانتفاضات الشعبية خصما على حركات التحرر الوطنى.
والى ذلك يستبق تنافس تلك الخلافات المشروع القومي بوصفه زائد عن حاجة الخلافات المذكورة كما تتطير تلك الخلافات من القومية ومن الاشتراكية اي من كل ما يمت لاعادة التوزيع اي اعادة انتاج المجاميع الزائدة عن الحاجة.فما علاقة ذلك التجرية الشيوعية السودانية؟
المهم فورا يقول بيير بيان Pierre Pean ان اسرائيل راحت تركز اهتمامها بالسودان منذ بل قبل استقلال السودان على الاقل فتعينت على تدريب وتسليح الاناينا، ثم الانيانيا وصولا الى الحرب الاهلية التى استعرت بين الجنوب والشمال لاكثر من 30 عاما. حيث بقيت اسرائيل تتدخل فى كل ما يحدث في السودان حتى انفصال الجنوب، وتباعا بان لعبت دورا محوريا فى انشاء دولة جنوب السودان منذ البدء حتى الانفصال وتباعا. فكانت اسرائيل اول دولة زارها رئيس جمهورية جنوب السودان الرئيس سيلفاكير ميريدوت بعد انقسام السودان في 2005. فقد خطط لزيارة الرئيس سيلفاكير للدولة العبرية ان تكون في القدس الامر الذي لم يجرؤ عليه حتى اي رئيس بعد. فقد قال الرئيس سليفاكير يومها بالفم المليان "لولا دعمكم لنا لما كنا نحن الان فى القدس "فدولة جنوب السودان ما كانت لولا دعمكم لتقوم او ترى النور". وهكذا ترون انهم يتضامنون مع "حركات التحرر" التى تخصم على وحدة السودان اي تخدم تقسيم السودان، مثلما يتضامنون مع جبهة النصرة بوصفها تعبيرا عن "المعارضة المعتدلة" ضد الدولة الوطنية السورية، وخصما على الاخيرة وصولا الى تقسيمها الى قوميات وهويات وعقائد وجهويات الخ، لحساب الجولة العبرية. ذلك ان ليس ثمة تناقض لدي الصهيونية مطلقا فى تشجيع انقسام وتذرير الاوطان العربية تحت راية تحريرها والاحرى راية الثورات المضادة - خصما على الشعوب بما فيها شعب جنوب السودان الذي قتل منه ملايين بعد الاستقلال - حسب تقديرات محايدة - رغم كل مواثيق الامم التحدة وانما بمغبة مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتى العشرين. فلمصلحة من ومن يقف وراء هذه المخططات؟ وخصما على اي من القوى الوطنية والاشتراكية في المجتمعات العربية تدبر تلك التضامنات المشبوهة؟
مناخ احباط تطلعات ومصالح التراكمات العددية:
في مناخ بهذا الوصف فقد يفترض البعض محقا ان يستحيل تصور شئ سوى انتفاء شرط تحقق مصالح المجاميع المنتجة للفائض والكفاف والحياة، ناهيك عن قيام ثورة شعبية لحساب التغيير، ناهيك عن بناء الاشتراكية. واجادل انه وان كان مفيدا التأريخ (بهمزة على الالف) لما مضى، خاصة باعادة قراءته بغاية تيسير مهمة استشراف المستقبل، فالفكر التنبؤي يبقى اكثر اهمية من حيث انه قمين بان ينير لنا السبيل الى ما ينبغى عمله ازاء احداث تتجدد وتتنوع بصورة سريعة وغير مسبوقة. ذلك ان الشعب لم يعد مع هيمنة الرأسمالية المالية التى تخصم تباعا وبصورة غير مسبوقة على الرأسمالية السلعية الا ما خلا مجموعة البريكس BRICS ومجموعة شانغهاي Shanghai - لم يعد الشعب يواجه حكامه وحدهم بل يواجه ما يسمى المجتمع الدولي - تكاذبا بالطبع. فالمجتمع الدولي قد لا يعدو سوى تحالف قوى الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية كما رأينا فى مواجهة كوبا وليبيا وسوريا واليمن اوكرانيا وفينيزويلا والبرازيل الخ.
ذلك انه حيث تعبر الرأسمالية المالية عن نفسها في المراكمة عابرة الحدود بصورة لا انتقائية فقد اصبح واردا منذ سبعينات القرن العشرين ان تتواطأ قوي اقليمية ودولية على شعوب بعضها البعض لحساب الرأسمالية المالية -الصهيونية العالمية وقد اسفرت عن وجهها مثلما يلاحظ الناس فى كل مكان عشية وابان وغب ما يسمى الربيع العربي. ورغم ما قد يبدو من تناقضات وصراع النظام الرأسمالي العالمي المالي القائم وقوى الثورة العالمية المضادة الا ان الصراع من اجل البقاء بين النظم الاستبدادية يعبر عن نفسه في اللحظة المناسبة وفي المحصلة النهائية في تماهي الطغاة والرأسمالية المالية الصهيوينة العالمية. وقياسا فالشعوب او الحركات الشعبية لا يترك لها من ثم فضاءا ولا قدرة على التفكير او التنظيم لامتلاك التعين على تنظيم نفسها فى حركات تضامنة عالمية الا لماما بعد لغياب التفكير والتنظيم في ذلك أو-و جراء بطء نشوء الوعي الحقيقي. الا ان ما اعرفه بالطبقة العالمية او الاممية الجديدة الاخذة بالتشكل تباعا، ما تنفك تعبر عن نفسها فيما يتنبأ البعض بانه تنويع على حركة البروليتاريا مما ينذر بما يسمى العاصفة الاتية لا محالة رغم كل ما تفعل الصهيونية العالمية والرأسمالية المالية بغاية كسر ظهر العمل الثورى لكن هيهات، فيما يبدو من الانتصارات الشعبية حتى في المجتمعات المفقرة تباعا.(5)
ذلك انه لا يبقى للتراكمات العددية لمن لا وجوه لها من المفقرين فى كل مكان سوى اللياذ بقدراتها هي الابداعية على مواجهة الطوفان القادم. فامعان النظر من شأنه ان يقيض ادراك اللا سبيل الى قارب نجاة يذكر او ينسى لخصوم المفقرين فى كل مكان انشاء الله. ذلك انه ليس ما هو اروع واكثر ابداعا من الثورة بغاية تغيير العالم والذات الفردية والجمعية. فلعل الإبداع نصف النبوة مثلما يغدو المبدع الحق نصف نبي، وإلا ما معنى أن يتساوى مبدع حقيقي أصيل ومن يكتب وينسخ كما كان عبيط ديستوفسكى الذي قال عنه جاره وقد أرهقته نقنقتة في الطابق السفلي للعمارة "إنه فأر ينسخ". ومع ذلك فقد بقيت الصهيونية القبلية تثابر على استباق تطلعات الناس في كل مكان ومنها السودان.
الصهيونية القبلية واستباق شرط نشوء السودان:
من اخطر ما تعين على استباق شرط نشوء اليسار ونضوج العملية الديمقراطية والحركة الاشتراكية السودانية خاصة كما بقي يستبق ما عدى الاخيرة في المنطقة في درجات المقياس هو اهتمام الصهيونية العالمية ثم القبلية او كلاهما المتصل بالسودان من حيث ان السودان كان قد بات منذ حادثة او ازمة فاشودا في 1898 التى انهت تنافس بريطانيا وفرنسا على افريقيا - وكان قد بدأ بمؤتمر برلين 1885 الذي اندلع به ما يسمى التدافع الاوربي نحو افريقيا - بات السودان الذى كان ما يبرح عند مشارف الخلافة العثمانية الجنوبية غب فاشودا - بات السودان بعدا استراتيجيا لنشوء وبقاء الدولة العبرية - اسرائيل. وكذا غدت الخلافة العثمانية بدورها رهينة ما بات يسمى الديون السيادية للمصارف الفرنسية والبريطانية والايطالية وصولا الى انهيار الخلافة العثمانية في تنويع على ما حاق بالاتحاد السوفيتى.(6) وقياسا فقد تعينت الدولة العبرية باكرا على خلق شرط تخلف السودان ومصر وغيرهما تباعا ونكوصه بمعدلات فلكية. ويلاحظ كيف ان المجتمع السوداني تحور ناكصا ما بين منتصف الستينيات وتباعا بما يمكن ان يزيد على 500 عاما.
ب-الصهيونية القبلية والطبقات:
1-الطبقة العاملة :
لم تعف كمياء ارتهان السودان باجندة الصهيونية القبلية اي من التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية بل ذرر المجتمع بكامله بحيث اصبح المجتمع غير قابل للتعرف عليه فقد باتت المجتمعات في كل مكان قد تحورت في المقاس المدرج حسب مشروع مارجريت ثاتشر رئيسة الوزراء المحافظين البريطانيين ما بين 1979 – 1990 بوصفها ورولاند ريجان الرئيس الامريكي كانا عرابي السوق والاوثوذكسية الاقتصادية الجديدة - الفيزيوقراط الجدد اي دعه يعمل دعه يمر –اخر معزوفات الليبرالية الجديدة "أن ليس هناك شئ اسمه المجتمع كل ما هناك هو ان ثمة رجال ونساء واسر، وان الدولة لا تملك ان تعنى بكل فرد منهم ذلك انه على الناس ان يعتنوا بانفسهم هم.(7) وفي نفس الوقت لم تترك قنوات التعبير عن السخط الشعبى الا وقد ناصبها خصوم الشعوب – اثريأء الرأسمالية المالية- الصهيونية العالمية- الصهيونية القبلية- عداءا واختراقا شبه معلن او-و تلغيم خصوم اثريا العالم وقد غدى العالم مواجهة يومية بين اثرياء ومفقرين فى كل مكان؛ فى المقياس المدرج بخاصة المفقرين الذين يعيشون عند حواف عالم المترفين الممتازين حتى في المجتمعات الغنية بل بخاصة في المجتمعات الغنية مثلما في أمريكا. فقد اخذ الاخيرون يتعينون زيادة على افقار تلك الفئات الطبقات الجماهير العاملة والمنتجة للحياة والكفاف على تنويعات غير مسبوقة من الرقابة الشاملة واساليب القمع على مواجهة السخط الشعبى العام. فقد ادركت الرأسمالية المالية الصهيونية العالمية ان السخط الشعبي العارم قادم هذه المرة لا محالة جراء:(8)
-ترويع التراكمات العددية لمن لا وجوه لها فى كل مكان وخلق شرط تضورها حتي الموت. فتلك الاغلبيات العددية مفقرة لانها غنية تجلس فوق ثروات لا متناهية. واكرر بمغبة الاملال اننا مفقرون لاننا اثرياء We are impoverished because we are rich
-محاصرة الناس العاديين فى كل مكان بأرقى تكنولوجيا التلصص عليهم ساعات الليل والنهار
-تدريب قوات الامن فى كل مكان تقريبا على حرب عصابات المدن الخ استباقا لذلك السخط القادم لا محالة لكسر ظهر العمل الثورى.
ما يحيق بمنتجي الحياة والفائض ثمنا لثراء اقلياة العالم:
يظهر مليا اليوم اكثر من اي وقت مضى كيف اصبح الملياردير والمصرفي منذ الحرب العالمية الاولي هما الاب وهما الرب؛ ليغدوان ما بين الحربين وصولا الى ما بعد الحرب العالمية الثانية وتباعا هما اللذان يتعينان على عدم خلق العمالة وانما على تدمير العمالة مثلما نشاهد على شاشات التلفاز وصفحات التواصل الاجتماعي ما حاق منتجي الحياة الكفاف في أغنى المجتمعات مثل الولايات المتحدة - في حزام الصدا وفي ديترويت وغيرها من المدن الامريكية. ذلك ان عرض المليونية او المصرفي المذكور ينتشر اليوم في مثال السير فيليب جرين Sir Philip Greenالذى راح ينهب خزينة بريتيش هوم ستورز British Home stores احد اقدم واكبر محلات تجارة القطاعي البريطانية وكانها ملكية خاصة بامتياز، فلا مصلحة للعمال ولا للدولة ولا للعمل فيها على الاطلاق. فلا حاجه لسير فيليب جرين ان يعمل لايا كان حسابا. وقياسا لم ينفك فيليب جرين ان باع المحل في 2016 بمبلغ جنيه استرليني، لفرد لا علاقة له بتجارة القطاعي، ثم اعلن افلاس المؤسسة في خريف 2016 خصما على 11 الف عامل وعاملة وفوائد ما بعد خدمتهم.
وفي السودان يستورد بعض ارباب العمل ايد عاملة من الخارج. وتاتي الصين بعمالها من المحكومين جنائيا الى السودان والجزائر وبعض الدول الافريقية، خصما على العمالة المحلية. كما ينتشر هذا المنوال في دول الخليج كما هو معلوم. ولعله من المفيد تذكر ان تنويعات تلك الظواهر عبرت عن نفسها بين اعداد العاملين في المجتمعات الاشتراكية عشية وبعد خصخصة الاقتصاد الاشتراكي بالجملة وبالقطاعي، حيث ينخرط بعض العمال الصناعيين والجنود في صناعة الترفيه عن النسووقراط في مقاهي روسيا الفيدرالية الليلية بالستربتيز Striptease على طريقة الـFull Monty(9)؛ وكلها مظاهر تكرس كل من انحطاط الطبقة العاملة السوفيتية وقد استلبت لحساب الراسماليين الماليين، غب خصخصة القطاع العام وجراء المشاكل الاقتصادية الطاحنة، مما خلق شرط تغييب الوعى الطبقي وانحسار الصراع الطبقي - مؤقتا فيما ارجو- لحساب ارباب العمل واعداء الطبقة العاملة من الراسماليين الماليين الذين يتعينون على تدمير فرص العمل، بدلا من خلق العمالة قياسا على الرأسمالية السلعية في كل مكان.
وكانت الرأسمالية المالية قد كرست مبدأ تصدير العمالة منذ مجئ مارجريت ثاتشر رئيسة الوزراء المحافظة في السبعينات على الاقل الى الخارج. وتعمل مصر وتونس وجبل علي في دبي الخ خصما على العمالة الاوربية الغربية والامريكية الماهرة والمنظمة والمسيسة. وتصدر جنوب شرقي اسيا وامريكا اللاتينية العمالة الرخيصة الى مناطق التجارة الحرة ومناطق التحويلات الصناعية الحرة الخ الى كل مكان. ذلك أن الرأسمالية المالية خاصة، رغبت عن تطوير الديمقراطية الأثينية، بغاية تكريس علاقات الإنتاج العبودي باستيراد العبيد إلى المحاور المتبربوليتانية أو/و بتصدير العمالة إلى امتدادات الرأسمالية فيما يسمى مناطق التجارة الحرة Free Trade Zones “FTZ” ومناطق التحويلات الصناعية الحرة Free industrial processing Zones “FIPZs” ومنطقة الصناعات المؤهلة الكويز QIZs. Qualified Industrial Zones، كما نشا ما يسمى عمالة ما خلف الشواطئ off shore مما يصدر العمالة الى الهند والفليبين وغيرها من دول جنوب شرقي اسيا والى البرازيل وارجنتينا وغيرها.
وفي المجتمعات الاوربية الغربية المتقدمة انحسر الانتاج السلعي كما ذكرنا في حلقة سابقة لحساب الانتاج الاستهلاكي خصما على الانتاج الاقتصادي الادخاري والانتاج الخدمي لحساب الانتاج المالي مما لم يعد معه الانتاج السلعي اقل من 20% من الناتج المحلي الاجمالي. وقياسا فقد ضعفت قوة النقابات والتنظيمات العمالية الى ادنى درجاتها في التاريخ. وقياسا انهارت مدن امريكا مثلا واحدة تلو الاخرى بمغبة تعقب السلطات للعمال المنظمين مثلما حدث لمراقبى المرور الجوي Air traffic controllers على يدي ايان ماكروجر مثلهم مثل نظائرهم عمال المناجم البريطانيين منتصف ثمانينات القرن العشرين. والى ذلك فعل تفشي العطالة فعله فى تدنى بعض اكبر المدن الصناعية فيما باتت تلك المدن وغيرها فريسة الديون من الدين العام سواء كانت ديون البلديات او ديون الولايات الفيدرالية(10). ولك ان تذكر(ي) مدينة ديترويت التى كتبت فيها مرارا انموذجا. فقد كانت ديترويت مدينة صناعة السيارات منذ بداية القرن العشرين في العالم بلا منازع، وكانت مدينة الطبقة العاملة وكانت تسمى مدينة الديمقراطية وكانت ديترويب عامرة ب 1.8 مليون نسمة الا انها وبورتوريكو وغيرهما من مدن الولايات المتحدة الصناعية تحورت كما ذكرنا في حلقة سابقه الى مدن اشباح.
فديترويت مثلا باتت تضم اقل من 700 الف نسمة، وقد تهدمت البيوت وذهبت مبانى البلدية التى كانت زاهرة، ولم يبق للناس خيار سوى الصراع من اجل البقاء People were left without any options but to try to survive. ذلك ان ديترويت باتت القلب النازف بالصدأ كما ذكرنا في الجزء الرابع. بمغبة الديون الخارجية وهجرة الطبقة المتوسطة في وجه صراع طبقى يديره الميليارديرات لصالح المراكمة المالية بلا هوادة. وقياسا لم يقيض لراس المالي السلعي المحلي انشاء صناعات محلية ناهيك عن ان تنشئ الحركات والاحزاب الاشتراكية صناعات محلية مثلما حاول الحزب الشيوعي اللبناني والفلسطينى ان يفعل في سبعينات الى ثمانينات القرن العشرين، مما لم تلبث الحرب الاهلية ان دمرته تقصدا بالطبع. ويفسِّر حاصل جمع تداعيات تلك الممارسات الاقتصادية الاجتماعية كيف تتخاتل الرأسمالية بإدِّعاء أنها تطور أي نشوء على الإقطاع، وهي التي لا تملك أن تعيش بدون علاقات العمل والإنتاج القني بل العبودي؟!
2-الطبقات الوسيطة والمتوسطة:
من المفيد ملاحظة ان الاسلام السياسي بوصفه تنويعة محلية على النيوليبرالية - خلق شرط رأسمالية مالية تراكم ببيع المال كسلعة ويخلق العمالة ولا ينتج سلعا ويتعين عليه تهريب المال الى الخارج(11). ومن اخطر ما خلق الاسلام السياسي فى المنظقة انهاك الحركات العمالية وتنظيماتها المطلبية وصولا الى نكوص الطبقات الوسيطة التى كانت بسبيل النشوء الى طبقات متوسطة في حد ذاتها classes-for-itself الى ما هو ادنى من الطبقات بما لا يقاس، مثلما فعلت الرأسمالية المالية في كل مكان فاحلت الاخيرة ما يسمي الطبقات الاجرائية operational classes او الطبقات الثرثارة Chattering classes الطبقات السياسية political classes مكان الطبقات المتوسطة في المجتمعات الغنية. ذلك ان الرأسمالية المالية تتعين على فبركة ما باتت تسميه الطبقات السياسية والطبقات الثرثارة والطبقات الاجرائية، وقد احلت الاخيرة مكان ما كان يسمى الطبقات الوسيطة والمتوسطة. ومن المفيد ملاحظة ان الطبقات المتوسطة وتنويعتها الوسيطة - وأفرق هنا بين الطبقات المتوسطة التى تتصل بالمجتمعات التى نضجت فيها الطبقات وعبرت عن نفسها فى احزاب تصدر عن مصالحها الاقتصادية والتنظيمية والفكرية (حزب العمال البريطانى) وبين ما اسميه الطبقات الوسيطة التى قد تفرزها المجتمعات التى لم تنضج فيها الطبقات بعد فبقيت الاخيرة رخوة بعد وفى حالة سيولة In a state of fluxورغم أن كل من طبقة الحكام والمحكومين قد تبدو محددة المعالم جراء استقطاب الناس بين اثرياء ومفقرين الا ان معيار التحول الى طبقة غالبا ما لا يتمثل فى حزب طبقى بهذا الوصف الا ربما فيما يتصل بالحكام وطبقاتهم.
وقد باتت طبقة الحكام تشارف ان تكون فائقة على المجتمع المعين وقد تحورت طبقة الحكام الى جزئية من او-و ذراع محلى لجماعات اوليجاركية خارجية. وتتعين الجماعات الخارجية على ارغام معظم حكام المجتمعات بلا انتقاء، فالحاقهم جراء ضعف الاخيرين وخشيتهم الدائمة من شعوبهم، بحيث يغدو كل ما يتعينون عليه هو حماية انفسهم من شعوبهم مما يرديهم مستهدفين للالحاق بالاوليجاركيات المالية، وبدائرة المراكمة الراسمالية المالية. المهم فورا فقد منيت شبه الطبقات الوسيطة التى كانت بسبيل ان تنشأ صاعدة الى طبقات وسيطة ارقى قليلا بنشوه ملحوظ ان لم يكن بتحور انهي دورها مرة واحدة والى الابد. فقد كان حظ تلك الطبقات حريا بان يتعالق بما حاق بالتعليم بكل مراحله من تدهور. وقياسا فقد بات اشد واكثر من تأثر بذلك المناخ او الكيمياء منتجو الفائض والكفاف والحياة. وفي مناخ بهذا الوصف - ناهيك عن الترصد والمراقبة والتعقب زيادة على الافقار الذي حاق بشرائح عريضة من الشعب - في مناخ بهذا الوصف فان اكثر ما يمنى بالتدهور هو قوى الثورة وفكر وتنظيم الجماهير لنفسها.
وقياسا فقد تعينت الرقابة والتعقب على الهاء الطبقات الشعبية العليا والدنيا جميعا بالسعي وراء الخبز عن كل ما عدى ذلك ولو مؤقتا فيما يخلق التضامن الاممي لتلك الجماهير ملاذا امميا للعمل الجماهيرى الواسع سعة الارض ومن عليها. وقياسا فقد باتت الثورة بدورها فائقة على المجتمع تستدعى قوى ثورة خارجية فيما تلحق بالضروية والنتيجة نفسها بقوى ثورية خارجية ايضا. ولعل من المفيد القول بان ذلك ينطبق على الثورة المضادة بالضرورة والنتيجة. فان كانت الثورة - المسماة شرقية او آسيوية على حد تعريف ماركس- لم تزد من قبل ولوقت طويل سوى ان تعيد النظام الى ما كان عليه قبل الازمة التى فجرت الثورة – ولو مع بعض التعديل فى التفاصيل - فان الذى حدث هو ان السودان بات لاكثر من خمسين عاما وقد صودر شرط نشوء الحركات الشعبية فيه صاعدة الى الثورة جراء واقع يتفاقم فيه بؤس التراكمات العددية لمن لا وجوه لهم. هذا فيما يتسارع عنف الرأسمالية المالية ضد الشعوب فى كل مكان ما بين الحربين والحرب العالمية الثانية وما بعدها وتباعا. فقد باتت قوى الثورة المضادة تقف بتدريب وتنظيم وتمويل وتسليح الرأسمالية المالية او- بمال النفط والغاز كما في ليبيا وسوريا واليمن – تقف لكل بادرة شعبية بالمرصاد.
هذا ومن المفيد تذكر ان القوات عابرة الحدود بدورها باتت قوات للانتشار السريع والتشريعات والقوانين المقيدة اللحريات قد راحت - فيما يسمى ام الديمقراطيات وبتواطؤ الرأسمالية المالية - الصهيونية العالمية القبلية - وقد راحت الاخيرة تتربض بمبادرات وقدرات الشعوب على الفكر والتنظيم بصورة سافرة او-و بغواية طموحات غير قابلة للتحق - في كل مكان في المقياس المدرج. وازعم انه ان بدى ان الكل في حرب ضد الكل فان العالم اصبح مستقطبا بين من يملكون في كل مكان، ومن لا يملكون في كل مكان. وقد راحت الرأسمالية المالية تزوق الانتفاضة الشعبية او الثورة في مفردة الحراك ذراية بالثورات الشعبية واستباقا للثورة الموضوعية، تيسيرا لسانحة ردع الشعوب بقسوة غير مسبوقة او-و الى جرها الى اجلها في طوفان من الدم والابادة كما يتضح تباعا.
ذلك انه ان ثار الشعب فانه يردع ردعا مروعا حتى لا يفكر مجددا في اقتراف تلك الخطيئة المميتة – وقد تعلمت الانظمة العربية من الكيان الصهيوني كيف تتعامل مع الشعوب وغالبا ما يكون ذلك برضى وضلوع المجتمع الدولي بتواطؤ الرأسمالية المالية الصهيونىة العالمية والقبلية على الشعوب. وقياسا فقد غدى الامر بحيث انه كلما ثار الشعب - ان فعل رغم كل ذلك - فانه ما ينفك - كما حدث ابان ما يسمى الربيع العربي - ينكص بوضع المجتمع الذى كان عليه قبل "الثورة" وبالنظام الى ما هو ادنى مما كان عليه قياسا على الثورات الشرقية التى كان الشعب يعيد بها الوضع اوالنظام الى ما كان عليه قبل الانتفاضة او-و الازمة كما ذكرنا مرارا. ويعبر ذلك المنوال اليوم عما اعرفه بتحقيق الاجندة القيامية التى تصدر كما ذكرنا منذ الحلقة الاولي في مشروع الامم البائدة وتتعين عليه الصهيونية العالمية والقبلية تباعا لان الارض لم تعد تسعنا جميعا بمعدلات استهلاك الـ 1% من سكان العالم الاثرياء.
-النيوليبرالية الامريكية:
من الضروري التعين على شرح وجيز لما يسمى الديمقراطية النيوليبرالية الامريكية. واجادل ان "مظهرية" الديمقراطية-او اللا ديمقراطية-فى شعارات حرية الفرد تفاقم استقطاب الحرية الفردية والحرية الجمعية. ذلك ان حرية الفرد تبقى مع ذلك رهينة بتوفر تسهيلات اللجوء الى والاستفادة من حكم القانون للفرد بكل من التعليم والوعى والقدرة المادية خصما على من لا يملكون الوعى على حقوقهم الاقتصادية والقانونية ومن ثم القدرة على الاستفادة من الحقوق المنصوصة. وقياسا تغدو حرية وحق الفرد حرية وحقوق من يملكون بلا رقيب. واذ تتمثل حرية الفرد فى بعض بنود الدستور الامريكي التى يجهلها معظم الامركيين مما لا يغنى الفرد الامريكى شيئا اذ لا معنى لحرية الفرد فى غياب او ضمور الديمقراطية الاقتصادية. فالقوة والثروة تتركزان فى ايد اقل مما تتركز فى اى مكان غير تلك القلة التى تقدر بمحض 1% وفى الحلم الامريكى الذى لا سبيل اليه الا ما خلا لتلك الاقلية او باللوتاراية او-و على شاشة التلفاز اوفي افلام هوليوود؛ فامريكا تبيع الوهم والحلم بالثراء والقوة اكثر مما تخلق شروط تحققهما. ويتضح الحلم الامريكى اكثر ما يتضح سوى فى مفهوم الحرية الفردية المعلى بين الامريكيين فى تنويع على مفهوم البقاء للاصلح.
فان كانت حرية الفرد تضمن- ولو نظريا- المنافسة المطلقة على كل شئ وبكل وسيلة وبلا معيارية قيمية – مفهومياتية - ما بعد وابعد من "دوركايمية"Post Durkheimian فان ذلك التنافس يزعم تحقيق الحلم الامريكى السرابى ذلك فى الوصول الى اعلى المناصب وجمع اكبر ثروة بالحراك الاجتماعى "المفتوح" نظريا بدورهما. وربما كان من الجدير بالذكر ان مفهوم اللامعيارية الدوركايمية كان قد وجد سبيله الى الفكر الاجتماعى الامريكى متمظهرا فيما كان قد تبدى باكرا مع فوضى حلول البرجوازية الصناعية الامريكية التى لم تكن سوى برجوازية غير صناعية او صناعية ضعيفة فى نهاية القرن التاسع عشر، مقارنة مع نظيرتها الاوربية الغربية، ومن ثم على درجة عالية من اللا أخلاقية واللامعيارية مثلها مثل اكتشاف العالم الجديد والكيفية التى فتح بها الغرب الامريكىHow the West was won.
اجادل ان البرجوازية الصناعية الامريكية كانت تنويعا على مشاريع العالم الجديد الذي لم يضع معيارا للتنافس الا بقدر ما تنافس المهاجرون على استلاب ما وجدوا من اراض وثروات كانت لاصحاب الارض الاصليين. ولما حل راس المال المالي علنا راح يعيد انتاج اخلاقيات او لااخلاقيات نظيرته البجوازية الصناعية الامريكية، مثلما يحدث اليوم فيما يحيق بما بقى من اراض السكان الاصليين عند بناء السدود او في التنقيب عن النفط الصخري او الحجري(12). وقياسا ففيما كان المعمار الذهنى البرجوازى الصناعى الامريكي ينادى بالموقف اللا معيارى من الظواهر وتحليل الظواهر اي بالنأي عن أي موقف قيمي معيارى من الظواهر الاجتماعية فقد سمى المبدأ تدليسا "الحيدة العلمية" Scientific neutralism التى تدعى تجنب ما يسمي "الحكم القيمى Value Judgment" تكاذبا ومظهريا طبعا. والوقع الموضوعي هو ان ليس ثمة سبيل الى الحيدة امام قضايا هي بطبعها متحزبة ضد اغلبيات الناس وتاريخهم ومجمل حياتهم المعاشة. بل ان مجمل تلك القضايا كانت قد نشات بفعل اعمال متحزبة ضد السكان الاصليين والشعوب بل ضد البشرية جمعاء؛ بالقول ان الجنس الابيض هو سيد البشرية. وقياسا فتاريخ من عدى سادة البشرية هو تاريخ طفولة البشرية التى ليس امامها - جراء منظمة التجارة العالمية التى تقصر اقوام على اعالة اقوام فاثرياء العالم يعيشون على مفقريهم وجراء استنزاف الموارد لحساب سادة البشرية، خصما على من عداهم، ليس امام طفولة البشرية سوى ان تبقى في عداد الطفولة. بل ان مفقري العالم سيبقىون - ان بقوا ولم يتم ابادتهم - في عداد طفولة البشرية الي الابد. فكيف تقيض الحيدة العلمية في البحث او في التحليل او حتى في الاستخدامات اللغوية التى تخدم قوم خصما على حساب اقوام اخرى؟
وقياسا تختلق الاساطير والاحلام لتزويق التاريخ مرة ولتخدير العامة مرة اخرى، بانتظار ما لن يحدث ابدا. وقياسا فان الديمقراطية الامريكية تبقى -ان امعنا النظر فاطلعنا على الحقائق - تبقى مهلهلة مرقعة وقد استباحتها الهجمات الكارثية الاربع على الديمقراطية او موجات اللاديمقراطية - او الثورة المضادة المتتالية - علنا وسرا - منذ الحرب العالمية الثانية بخاصة مابين الحربين حتى ادارة ريجان 1981-1989 وجورج بوش 1989-1992 وباراك اوباما. واخطر هو السؤال ماذا كان سيحدث ان فازت هيلاري كلينتون في انتخابات نوفمبر 2016؟ لك ان تتذكر(ي) علاقة هيلاري بشارع المال وبالمؤسسة السياسية وخاصة بالمركب الصناعى العسكري الامريكى وبالاعلام التجاري Corporate Media جميعا. الم يكن جي بي مورجان ينوى ان يعين لها طاقم ادارتها مثلما عين جولدمان ساكس طاقم ادارة بيل كلينتون؟ باختصار فلو ان هيلاري كلينتون فازت بالادارة الامريكية 45 لكان اول ما فعلته امرين على الاقل:
-اشعال حرب نووية في منطقة ما يسمى الشرق الاوسط بذريعة اي شئ يتعلق بايران لحساب الدولة العبرية، والمركب العسكري الصناعي- تساوي فيه معظم الدول العربية بالارض.
-تحرشت بروسيا بغاية انهاء المشروع الروسي مرة واحدة والى الابد، بذريعة تلفق على غرار اسلحة الدمار الشامل باي امر يتعلق بالقرم او-و اوكرانيا.
الاشتراكلية كانت نمط الانتاج الوحيد الذي استعصى على الربا:
أزعم انه رغم ان نمط الانتاج الوحيد الذى كان حريا بان يستعصى على فيروس الربا كان النمط الاشتراكى فى بداياته. الا ان اعراب الشتات نجحوا فى اختراق الاشتراكية مثلما فعلوا بالراسمالية السلعية بالربا. فقد هزمت الرأسمالية المالية واقتصاد السوق المنظومة الاشتراكية بفرض شرط افلاس الاتحاد السوفيتى بالديون الخارجيةK وبحرب النجوم واجبار الاتحاد السوفيتى على شراء التكونولوجيات المكهنة Obsolete وكان الاتحاد السوفيتى وبولندا مثلا قد اذعنا لغواية الديون الخارجية منذ سبعينات القرن العشرين، مما ادى الى بيع روسيا رصيدها من الذهب بما يشارف المزاد العلنى وصولا سقوط حائط برلين نهاية 1989. وصولا الى انهيارالاتحاد السوفيتى مؤقتا او مرة واحدة والى الابد حسبما تري(ن). ولعله من المفيد تذكر ان المنظومة الاشتراكية كانت كغيرها قد اخضعت بدورها منذ نهاية الستينيات لتنويعات التكييف الهيلكى الذاتى Self-Imposed Structural Adjustment Policy (SAP) المذعن ولو بتماس السوق والتبادل الاجبارى فى السوق وب "التطبيع" بالمبادلة وفى سباق التسلح بصناعة الاسلحة التقليدية حتى منتصف الخمسينات وفى صناعة الفضاء وحرب النجوم حتى نهاية السبعينات وفى شراء تكنولوجيا مكهنة من الولايات المتحدة فيما يسمى "مشروع نيكسون وكارتر" وبسقوط محاصيل قمح الاتحاد السوفيتى على مدى فصول متعاقبة فتحول الاتحاد السوفيتى الى تنويعة عالم ثالثية بالعون الغذائى المشبوه فى سيناريوهات "الامريكى القبيح" The Ugly American رغم ان الاتحاد السوفيتي رفض العون الغذائي الامريكي.
هذا فى حين كان الاتحاد السوفيتى قد حاول الاكتفاء الذاتى غذائيا في 1929 حين كانت امريكا تواجه انهيارات اسواق المال عشية الازمة الاقتصادية الكبرى. وكان ستالين يقول فى 1928 بتحويل الصحراء الى جنان لانتاج المحاصيل الغذائية فاستقطب الناس فى الجولاج لزراعة الارض، وجعل الاتحاد السوفيتى جنة البروليتاريا وكل العاملين بالاشتراكية. ففى عام 1917 كانت روسيا قد تحولت الى ديكتاتورية البروليتاريا بتجنيد كافة الشعب من اجل تحويل المجتمع الى نظام يختلف تماما عن سابقه. الا ان اقتصاد الاتحاد السوفيتى والجمهوريات الاشتركية كمنظومة بات عليه تبادل الاعتماد تباعا بمعنى ان ينضبط فى سياسات وممارسات اقتصادية- او لا اقتصادية- يشارف بعضها عصاب حصار "لحاق" مذعن ولحاق ذاتى Self-Inflicted Catching-up بالسوق زيادة على التأمر عليه مما ذكرنا في مكان اخر. ومن المفيد تذكر ان الرأسمالية بقيت تزوق نفسها فى طروحات "عقلانية" بالضرورة فغير قابلة للاثبات بالنتيجة. ومن المفيد تذكر ان نظرية نشوء وتطور الرأسمالية سواء الليبرالية او الماركسية لا تركز طويلا على دور الديون فى مراكمة الثروة ولا على اختراق مفهوم الديون للاقتصاد منذ بدء التاريخ، مما يتمثل اليوم فى الازمات الاقتصادية الدورية على مر التاريخ، وصولا الى ازمة ثلاثينات القرن العشرين وتباعا حتى ازمة صيف 2007 -2008 المتصلة.
وداعا حتى يقيض الله امرا كان مقضيا
هوامش:
(1) كنت عضوة في الحزب الشيوعي السوداني، ولما انتقلت الى بريطانيا انتظمت في الحزب الشيوعي الانجليزي المنقسم ابان حكومة مارجريت ثاتشر وصبيحة سقوط الاتحاج السوفياتي (الى الابد أو مؤقتا حسبما تشائين).
(2) György Lukács's History and Class Consciousness and Kar Korsch’s Marxism and Philosophy, first published in 1923, are often seen as the works that inaugurated this current of thought. The phrase "Western Marxism" was coined by Maurice Merleau-Ponty at a much later date, 1953.[1] Antonio Gramsci is also of great significance, though many of his writings were not translated into English until comparatively late, with "Selections from the Prison Notebooks of Antonio Gramsci" appearing in 1978 الى مايكل فوكو وغيره من البنائيين الفرنسيين والشرق اوربيين.
(3) انظر(ي)إعلان المبادئ البرنامج الانتقالي: كتب لينين وتروتسكي - ما هي مواقفهما الحقيقية الفصل الثامن - الاشتراكية في بلد واحد :بقلم آلان وودز وتيد غرانت ترجمة: جريدة الشيوعي المغربي، الصفحة 74.
(4) انظر (ي) محمد محمود البيت الذى بناه عبد الخالق محجوب في صديق الزيلعي: 2016 هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني؟
(5) Immanuel Ness: 2016: Southern Insurgency: The Coming of the Global Working Class :Pluto Press London
(6) انظر(ي) على محافظة 1985: موقت فرنسا وانجلترا وايطاليا من الوحدة العربية: 1919-1930:مركز دراسات الوحدة العربية::بيروت ص:19.
(7) )." There is no such thing as society; there are men and women and families the government cannot look after everybody. People have to look after themselves
(8) انظر(ي) Pepe Escobar: in ICH: 3.5.2016: The calm before the coming global storm
(9) هو اسم فيلم بريطاني مشهور عن مجموعة من عمال المناجم الذين أغلقت مارجريت ثاتشر مناجمهم، وعانوا من البطالة والجوع حتى تفتق ذهن أحدهم عن التحول إلى راقصي سترتيز رجال للترفيه عن النساء.
(10) انظر(ي) خديجة صفوت: خصخصة الربح وتاميم الخسارة:في مجلة الكلمة الشهرية الاليكترونية عدد اكتوبر 2011.
(11) انظر(ي) خديجة صفوت:1992: الاسلام السياسي ورأس المال الهارب:دار سينا القاهرة.
(12) شاهد(ي) على شبكة المعلومات حركة مناهضة التنقيب عن النفط الصخري التى اندلعت يوم الثلاثاء 3 مايو-ايار في مقاطعة ويلز بالمملكة المتحدة حيث تتصل حركات العصيان المدني الاممى في تاريخ حركات البيئة.و تتصل تلك الحركات في كافة البلدان لمدة 12 يوما وذلك استجابة لنداء منظمة break free2016/org