نظمت جامعة الملك خالد، ممثلةً في قسم اللغة العربية بكلية العلوم الإنسانية، مؤتمر "اللغة العربية والنص الأدبي على الشبكة العالمية"، في مدينة أبها، خلال الفترة من 17 إلى 19 جمادى الأولى 1438هـ، الموافق 14 - 16 فبراير 2017م ، واشتمل برنامج المؤتمر على محاضرات، وورش عمل، وبحوث علمية، موزعة على فترة انعقاده لمدة 3 أيام.
وشارك بفعالية في المؤتمر اتحاد كتاب الإنترنت العرب من خلال عدد كبير من أعضائه الذين قدموا أوراق عمل بحثية مهمة تستشرف آفاق المستقبل، وتعمل على اجتراح نظرية أدبية جديدة تتسق مع روح العصر الرقمي وتأثيراته المختلفة على نظرية الأدب.
وأوضح رئيس اللجنة العلمية الأستاذ الدكتور يحيى بن عبد الله حسن الشريف أن أهمية المؤتمر تنبع من كونه يعالج قضية اللغة العربية والتقنية ، وهما مكونان لحركة الفكر والثقافة، وأشار إلى أن المؤتمر يهدف إلى استجلاء واقع اللغة العربية على شبكة المعلومات العالمية، ووضع الحلول العلمية النظرية والتقنية لمعالجة مواطن الضعف اللغوي على الشبكة العالمية، ومعرفة الإمكانات التي تتيحها الشبكة لخدمة اللغة العربية وآفاقها المستقبلية، والإلمام بالأبعاد الفنية التي أضافها المحتوى التقني على النص الأدبي، وتشجيع البحوث التقنية الخاصة بخدمة اللغة العربية على الشبكة العالمية، ورصد تحولات النص والفوارق الأدبية التي تحيط به في حوامله المختلفة (تويتر – فيس بوك – واتس أب ...) وغيرها.
وحث المؤسسات التقنية على توجيه أدواتها باتجاه حفظ متطور للنص الأدبي الرقمي (الشعر والنثر)، كما هو على الشبكة العلمية، وإتاحته للباحثين، واستنهاض همم النقاد العرب وغيرهم لمواجهة النص الأدبي على الشبكة بوصفه جزءًا من حركة النص المعاصر.
وأضاف الشريف أن المؤتمر عرف مشاركة نخبة من العلماء المختصين في اللغة العربية ، ويتكون من عدة محاور، الأول: اللغة العربية على الشبكة العالمية في ضوء الدرس اللغوي الحديث ، ويتضمن مستويات اللغة العربية على الشبكة العالمية وصلتها بالفصحى، والسمات الصوتية والصرفية والتركيبية (النحوية) والدلالية للغة العربية على الشبكة العالمية، ومشكلات اللغة العربية على الشبكة العالمية.
والمحور الثاني: اللغة العربية والإتاحات التقنية، ويتضمن دور وسائل التقنية الحديثة في تشكيل اللغة المعاصرة ، والفهرسة الإلكترونية ، والكتابة العربية (الإملاء) والحرف العربي على الشبكة العالمية ، والانفتاح اللغوي ، وهجنة اللغة ، ووسائل التقنية الحديثة وإسهاماتها في حفظ أمثل للنص الأدبي الرقمي (شعرًا ونثرًا)، كما هو على الشبكة، وإتاحته للباحثين، والمحور الثالث: النص الأدبي وتشكلاته في الشبكة العالمية (دراسات نقدية)، ويتضمن تشكلات النص الأدبي في المدونات والمواقع الشبكية المتنوعة، وتشكلات النص الأدبي في مواقع التواصل الاجتماعي، وأثر الحاضن التقني على النص الأدبي.
من جهته أوضح رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة الدكتور عبدالرحمن بن حسن المحسني أن فكرة مؤتمر اللغة العربية والنص الأدبي على الشبكة العالمية جاءت استجابة لنداء نشط لحركة اللغة العربية على وسائط التقنية المعاصرة، مما حدا بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية العلوم الإنسانية بجامعة الملك خالد إلى اقتراح موضوع هذا المؤتمر الذي حظي باهتمام عالمي حيث حرّك هجسا لدى الباحثين تمثّل في هذه الأبحاث التي تقدمت للمؤتمر من غرب العالم العربي وشرقه ومن أمريكا، التي أحسب أن كثيراً منها يؤسس لمناطق بحثية على درجة كبيرة من الأهمية، تصوّر التحدي الحقيقي الذي يقف أمام المتخصصين في علم العربية في زمن تجددت فيه حوامل المعرفة لتتجاوز الطرس والقلم إلى مواقع متخصصة للغة العربية ومعاجم افتراضية على الشبكة العالمية وإلى دواوين وأعمال سردية تستكن في عمق التقنية تحتاج لمواجهة شجاعة وصعبة، تتفهم التقنية من جهة وتواجه تقري النص من جهة أخرى بمعطيات ومناهج ربما جديدة بالكلية.
وقد فرض المتلقي المعاصر من جهته على المبدع استجابات جديدة من التلقي؛ فلم تعد المشافهة أو التحرير الكتابي للنص هي مصادر تلقي الأعمال اللغوية والأدبية عنده، كما أن الأدباء في هذا العصر قد تعاطوا مع التقنية إلى أقصى مدى ممكن؛ تشهد على ذلك دواوينهم الشعرية وأعمالهم السردية التي تزخر بمعطيات التقنية في موضوعاتها وفي بنائها اللغوي والصوري بما يشكل ظاهرة جديرة بالتوقف والنظر لتقريها وتقديمها كشاهد على العصر وعلى مكوناته المعرفية والثقافية، حيث نجد حضور معطيات التقنية في التجربة بدءاً من الأدوات الحياتية التي يمارسها المبدع بصورة مألوفة إلى حوامل المعرفة كأشرطة الكاسيت مثلاً، وإلى الكمبيوتر بتطبيقاته المختلفة كوسائط الماسنجر واليوتيوب والفيس بوك وتويتر وغيرها، والجوال برسائله القصيرةsms، ورسائل الوسائط المتعددة mms، ورسائل واتس آب.
وكان قمناً أن تُجبرَ تلك الوسائط الحاضرة الباحث أن يجدَّ البحث عن تلك المعطيات الجديدة في هذه الأعمال عبر نوافذ وقنوات من التلقي المختلفة إلا أنه من أسف غاب أكثرهم عن ذلك المشهد المتجدد وعن تلك الحركة النشطة في تعامل المبدع المعاصر مع التقنية، ربما رهبة من الدخول في تلك المجالات التي تحتاج إلى آليات وقدرات قد لا يمتلكها الكثير، فلا يملكون إلا أن يحيِّدوها أو يقللوا من تأثيرها، وتلك -من وجهة نظري- مثلبة في حق المتخصصين وجناية ربما لا يغفرها التاريخ، إذ من حق اللغة المنتجَة على الشبكة العالمية أن تُقرأ في سياق معطياتها الحضارية ومن مصادرها، وتقوّم وتقدم إلى مشرحة الحق المعرفي، وأحسب أنها ستشكل إضافة حسنة تمثل عصرها وتضيف بعداً مهماً للتجربة العربية والإنسانية.
إن التقنية توشك أن تكون صانعة للنص المعاصر بدءاً من تكوينه الذهني، وصولاً إلى آلياته التدوينية التي تؤثر في صنع النص بعد ولادته الأولى، وأؤكد كثيراً على صنع النص بعد مرحلته الفكرية من خلال الإتاحة التفاعلية الحرة؛ إذ التقنية الحاملة للنص ليست مجرد حامل جاهل، ولكنها تتلقى النص فتغير من ملامحه بشكل كبير وتسهم في صناعته وتقديمه للمتلقي بشكل يتباين من تطبيق لآخر.
ونحن بمثل هذه الأعمال التي يدشنها هذا المؤتمر في طور مشروع عمل مؤسسي تحظى به اللغة العربية على الشبكة العالمية، آملاً أن يكون هذا العمل فاتحة طيبة.
من جانبة توجه محمد سناجلة رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب بالشكر الجزيل لجامعة الملك خالد ممثلة بقسم اللغة العربية بكلية العلوم الإنسانية على جهودها الكبيرة في تنظيم هذا المؤتمر ووعيها الكبير لأهمية اللحظة التاريخية التي تمر بها لغتنا العربية وثقافتنا في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في الزمن الرقمي، وعملها الجاد على تجسير الفجوة الرقمية بيننا وبين العالم.