تلقينا في المكتب الفيدرالي للائتلاف المغربي للملكية الفكرية نبأ وفاة الفنان والكاتب المسرحي والمقتدر،الأستاذ محمد حسن الجندي، تغمده الله بواسع الرحمة والغفران وأسكنه فسيح جنانه. وإثر هذا المصاب، أتقدم باسمي الخاص وبالنيابة عن كافة أعضاء المكتب الفيدرالي وكل فعاليات الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، إلى أسرة وأهل الفقيد، وكذا إلى الأسرة الثقافية والفنية الكبيرة ببلادنا، وإلى كل أقاربه وأصدقائه ومحبيه داخل الوطن وخارجه، بأبلغ مشاعر المواساة والعزاء، راجين من العلي القدير أن يلهمهم جميل الصبر والسلوان وأن يتقبل الراحل ضمن الشهداء والأبرار.
لقد شكل مايسترو "ثلاثية الأثير، الركح والشاشة" الأستاذ المسرحي محمد حسن الجندي أحد قامات الفن والثقافة ضمن جيل رواد المسرح المغاربة المميزين. وبعد مسار نضالي ومهني وفني زاخر بالتألق والبذل والإشعاع، يفارقنا اليوم في هدوء مسلما الروح لبارئها عز وجل،.. من مواليد مدينة مراكش عام 1938 ، لأسرة أمازيغية مغربية، وكان والده من شيوخ الزاوية "التيجانية، انبثقت بدايات تنشئته التربوية والتعليمية من الكتّاب القرآني وبعدها بمدرسة ابن يوسف التاريخية، كما اهتم بالشريعة وعلوم الدين بعدما .اعتقد والده أن الدراسة في المدارس العصرية انسلاخ عن الشخصية الوطنية فمنعه من الالتحاق بها، وبعد مدة سمح له بالذهاب إليها شريطة ألا يلتحق بمدرسة تدرّس اللغة الفرنسية،
التحق الفنان الراحل بالمدرسة الحسنية عام 1946 التي كان يديرها أحد الزعماء الوطنيين، وهناك تعرف على المسرح لأول مرة. وهو متزوج من الفنانة فاطمة بنمزيان الممثلة الإذاعية، وله ثلاثة أولاد. الوظائف والمهام اشتغل أساسا بالفن والتمثيل والإخراج، وعمل في السبعينيات في هيئة الإذاعة البريطانية بلندن معدّا ومقدما لبرنامج "كشكول المغرب". ترأس مندوبية الثقافة الجهوية في مراكش خلال الفترة 1992-1999، وهو مؤلفو ومخرج وممثل إذاعي ومسرحي وتلفزي ، أحد أهم أعمدة المسرح المغربي وأحد رواد الحركة الفنية والثقافية في المغرب. بدأت مسيرته الفنية من مسرح الهواة بمراكش في فرقة "الوحدة" ثم فرقة "الأمل" عام 1957، حيث جمع أفضل الممثلين المراكشيين، والتحق بعدها عام 1958 بالإذاعة الوطنية بالرباط. نحت مكانته في عالم الفن نحتا وتميز في الأعمال الفنية التي شارك فيها وطنيا وعربيا، مستفيدا في ذلك من مؤهلاته الإبداعية الكبيرة.
أسس بفنه، إلى جانب نخبة من المثقفين والمبدعين من جيله، لبناء جسر للحوار والتبادل الثقافي والفني بين المغرب والمشرق،، وقد تألق الراحل فنا وحضورا وانتشارا من خلال أدائه وبصمته المتميزة في فيلمي الرسالة والقادسية. وصف بأنه "ملك الشاشة المغربية"، ووصفه مصطفى العقاد بـ"الوحش"، وطلب منه الملك الراحل الحسن الثاني أن يسجل "ألف ليلة وليلة" بصوته، كما عمل محاضرا في مادة الإلقاء بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي بالرباط. وترأس شركة جندي للإنتاج الفني التي أنتجت أعمالا فنية متعددة، منها مسرحيات: شاعر الحمراء، والمتنبي في جامع الفنا، وسلسلة غضبة، وفيلم ثعلب أصيلة. يُعدُّ محمد حسن الجندي مثقفا أصيلا ومحافظا، عشق اللغة العربية وناهض تمييع الفن، وقال "أجد نفسي حيثما كان هناك فن نبيل يحترم الذوق ومشاعر الناس. أنا لست من أولئك الذين يسفّهون العمل الفني، ويغرقون الإبداع في الإباحيات".
هكذا، يمكن القول بكل موضوعية أن الفنان المقتدر محمد حسن الجندي يعتبر حالة إبداعية ثقافية وفنية متفردة في مسار الثقافة المغربية الأصيلة والمتجددة. ولعل ما اتسمت به إسهاماته كأحد الرواد البارزين في سماء الفنون المسرحية والتمثيل طيلة عقود من البذل والإمتاع والعطاء، من غنى وتنوع وبلاغة وروعة في الابتكار والأداء، وما خلفه الفقيد من أعمال ومساهمات قيمة، أثرت وأثثت بكل رونق وجمالية وإبداع مشهدنا الفني عموما والمسرح المغربي من قيم راقية وتمثلات مجتمعية بديعة،..كلها أعمال ستظل خالدة في فكر ووجدان الأجيال المتلاحقة من أهل الثقافة والفن ونبراسا يحتدى به.
لقد غادرنا المسرحي المقتدر محمد حسن الجندي وقد خلف وراءه منجزات قيمة تتمثل في ريبتواره الفني الباذخ مثالا لجمالية وعمق وعبقرية الشخصية المغربية المنتجة، وبذلك نكون قد ودعنا بأسى بليغ منارة فنية مشعة بالقيم الإنسانية وبالبذل والسخاء،
رحم الله الفقيد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد الحكيم قرمان
رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية