تكشف هذه الدراسة مدى تردي الوضع السياسي العربي، وما تعتريه من انقلابات تطيح بالثوابت العربية التاريخية في التعامل مع القضية الفلسطينية، ومع دولة الاستيطان الصهيوني الغاصبة لأرض فلسطين وغيرها من الأراضي العربية، وكيف أن وصول ترامب للحكم في اميركا يصل بهذا التردي إلى حضيض غير مسبوق.

مصر بين الثوابت الوطنية والمكايدة السياسية

محمد سيف الدولة

صرح وزير الدفاع الصهيوني أفيغدور ليبرمان ان (اسرائيل) قد قامت بقصف داعش في سيناء، فانطلق البعض يتباكى على سيادة مصر الوطنية التى أهدرتها ودنستها الطائرة الاسرائيلية، وانطلق البعض الآخر لينكر الخبر ويتفاخر بوطنية السيسى ومؤسساته ونظامه الذين لا يمكن ان يسمحوا بأي انتهاك للسيادة الوطنية.

منذ سنوات عديدة ونحن نلعب معاً لعبة الوطنية الزائفة في كل ما يتعلق بـ(اسرائيل)، رغم ما نعلمه جميعا من عمق الهيمنة والتحكم الإسرائيلي في كل ما يدور في سيناء، وكثير مما يدور فى مصر، منذ عام 1979، بموجب الاتفاقيات المصرية الاسرائيلية المشهورة باسم كامب ديفيد. ولكننا كثيرا ما نتجاهل أو نتجنب الاقتراب من المشكلة الرئيسية، ونتمسك بالصغائر من باب المكايدة السياسية.

ولمن نسى أو تناسى حقيقة القيود المفروضة علينا فى سيناء، نذكره بها فيما يلى:
1. قيود على اعداد القوات وتسليحها وتوزيعها، بما يجرد مصر من المقدرة على الدفاع عن سيناء فى مواجهة أى عدوان صهيونى جديد مماثل لعدوانى 1956 و 1967.
2. ضرورة استئذان (اسرائيل) وموافقتها على أي زيادة فى القوات من حيث اعدادها وتسليحها ومناطق تمركزها وطبيعة مهماتها ومواعيد انسحابها.
3. يبلغ العدد المسموح به لمصر بموجب الاتفاقية 26000 فى منطقتى (أ) و (ب) بالإضافة الى شرطة فقط و 750 جندي حرس حدود في المنطقة (ج) وفقا لاتفاقية فيلادلفيا 2005 . فى حين ان تأمين سيناء يحتاج لما يزيد عن عشرة أضعاف هذه القوات.

4. صرح السيسي مؤخرا فى اتصال هاتفي مع برنامج عمرو اديب ان اعداد القوات المصرية فى سيناء يتراوح بين 20 و 25 ألف. وهو ما يعنى انه لا زيادة فى الاعداد التي أذنت بها (اسرائيل) لمصر! وانما اقتصر إذنها فقط على اعادة توزيع القوات بين المناطق الثلاث.

5. وجود قوات أجنبية فى سيناء لمراقبة القوات المصرية، لا تخضع للأمم المتحدة، وانما تتبع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، وليس من حق مصر المطالبة بانسحابها الا بعد موافقة اسرائيل.

6. بالإضافة الى اكراه الدولة المصرية على الاعتراف بشرعية دولة (اسرائيل)، والتطبيع معها والحفاظ على امنها، ومحاكمة كل من يهدد امنها او يحرض ضدها من الأراضي المصرية.( المواد الثانية والثالثة من المعاهدة.)

7. مصادرة وتأميم السياسة الخارجية المصرية لصالح اسرائيل، فللمعاهدة المصرية الاسرائيلية أولوية عن اتفاقيات الدفاع العربي المشترك وكل ما يماثلها، كما انه ليس من حق الدولة المصرية الدخول فى اتفاقيات لاحقة، تناقض الالتزامات الواردة فى كامب ديفيد (المادة السادسة من الاتفاقية.)

والقيود الأمريكية:
هذا بالإضافة الى القيد الأساسي الحاضر دائما رغم انه لم يرد نصا فى المعاهدة، وهو الخضوع الكامل للإرادة الامريكية منذ 1974 حتى يومنا هذا بما يضمن الحفاظ على أمن (اسرائيل) و مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، هذا الخضوع الذى يتضمن، بالإضافة الى أمن (اسرائيل)، الشروط التالية:
1. احتكار الولايات المتحدة للتسليح المصري، بما يضمن تفوق (اسرائيل) على مصر والدول العربية مجتمعة.
2. سيطرة نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية على الاقتصاد المصري.
3. سيطرة رأس المال الأجنبي والمحلى على الثروات المصرية.
4. الالتزام بالترتيبات الامنية الاقليمية فى المنطقة وفقا للاستراتيجيات والتحالفات والاحلاف الامريكية.
5. اعطاء تسهيلات لوجستية للقوات الامريكية في قناة السويس والمجال الجوي المصري.
6. حتمية التزام مجمل النظام السياسي المصري بكافة مؤسساته بما فيها رئيس الجمهورية بهذا "الكتالوج الأمريكى."

والباقى تفاصيل.

صحيح ان السيد عبد الفتاح السيسي، فى كل مواقفه وسياساته وانحيازاته، يثبت كل يوم انه مؤمن بهذا الكتالوج ومخلص له الى حد التطرف، خاصة فى علاقته مع (اسرائيل) التي يصفها نيتنياهو انها اصبحت بمثابة التحالف الاستراتيجي، الا أن الحكاية أقدم وأعمق وأخطر من السيسي ولقاءاته السرية، ومن تصريحات ليبرمان.

بعد هذه التذكرة السريعة والضرورية بحقيقة التبعية المزدوجة لمصر؛ التبعية العامة للولايات المتحدة، والتبعية الامنية لإسرائيل فى سيناء، لا أتصور انه من المقبول أن نركز أو نكتفى بالتفاصيل والصغائر والاعراض، ونتجاهل الاساسيات والكبائر والأمراض المزمنة. انها كامب ديفيد يا سادة بتبعيتها وقيودها ونظامها وحكامها، فمن يرفضها عليه أن يبحث كيف يسقطها، أما ما دون ذلك، ففيه شبهة المكايدة السياسية بالإضافة الى ما فيه من تضليل للرأي العام.

العلاقات السرية بين مصر وإسرائيل:
"اجتمع السيسى ونتنياهو وَعَبَد الله وجون كيرى سرا فى الأردن فى فبراير ٢٠١٦." خبر نشرته جريدة هآرتس الاسرائيلية وأكده نتنياهو، قبل ان يؤكده بيان من الرئاسة المصرية، فى صياغة مراوغة. والسؤال هنا لماذا يلتقى السيسى سراً مع نتنياهو؟ ولماذا لم يلتقيا علانية وفى وضح النهار كما كان يفعل مبارك ومن قبله السادات؟ خاصة وانه بين النظام المصري و(اسرائيل) معاهدة سلام منذ ١٩٧٩، ناهيك عن الاستراتيجية المعلنة التي يتبناها ويمارسها السيسي منذ توليه مقاليد الحكم في التقارب غير المسبوق مع اسرائيل، والاشادة المتكررة بالسلام معها وبدفء العلاقات وعمق التنسيق والثقة والطمأنينة المتبادلة، بل انه دائما ما يتفاخر امام وسائل الاعلام الدولية بكثافة الاتصالات التليفونية الدورية بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي. فلماذا تَخَفى هذه المرة وذهب الى العقبة الاردنية سراً للقاء نتنياهو؟

هناك احتمالان وراء ذلك، الاحتمال الاول هو انه كان يريد لأسباب نجهلها ان يلتقى نتنياهو وجها لوجه بعيدا عن اعين ورقابة مؤسسات الدولة المصرية، تحت غطاء التشاور حول السلام والقضية الفلسطينية. وما يرجح هذا الاحتمال هو ما تم قبل هذا "الاجتماع السرى" ببضعة ايام، يوحى بانه كان يوجه دعوة مبطنة او يمهد لهذا الاجتماع؛ ففي لقائه بوفد القيادات اليهودية الامريكية بالقاهرة في 11 فبراير 2016 وصف السيسي نتنياهو بالنص ووفقا لما تداولته وكلات الانباء بأنه "زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم". بعدها بعشرة ايام، فى 21 فبراير 2016 التقى الاثنان سرا فى العقبة بالأردن بحضور الملك عبد الله وجون كيرى.

اما الاحتمال الثاني فهو ان نتنياهو هو الذى وجه الدعوة كما صرح بذلك بنفسه فى الايام الماضية، وان السيسي لم يتمكن من رفضها، فكيف يرفض لنتنياهو طلباً؟ خاصة وان اسرائيل هي الطرف الأكثر حماسةً وترويجاً له ولنظامه على المستويين الأمريكي والدولي. ولكنه أراد أن يفعلها بدون ان يجرح الصورة الوطنية الزائفة التي يرسمها لنفسه هو وإعلامه.

ان العلاقات المصرية الاسرائيلية العلنية من سلام واتفاقيات وسفارات وتنسيقات وتطبيع وتجارة وصفقات ... الخ، تكفى وحدها لتجريد أي نظام او حاكم مصري من الشرعية الوطنية. فما بالنا بالعلاقات السرية؟ كما ان مجرد ان يكون اللقاء سرياً، أياً كان جدول أعماله، هو مصدر شك وريبة وقرينة على سوء النوايا. ان مثل هذه العلاقات والاتصالات والمفاوضات السرية التي لم تتوقف لحظة بين العرب واسرائيل منذ بدايات المشروع الصهيوني على امتداد قرن من الزمان، لم تحمل لنا سوى كافة انواع الأضرار والشرور والتآمر على شعوبنا وأوطاننا واستقلالنا، والتي كانت تنتهى دوما بمزيد من التفريط والهزائم والتنازلات.

ان العلاقات السرية بين مصر واسرائيل لم تتوقف لحظة منذ نهاية حرب 1973، ولا تزال تفاصيل كثيرة من اتفاقيات كامب ديفيد غائبة ومحجوبة عن غالبية الراي العام المصري رغم مرور ما يقرب من 40 عاما. والصندوق الاسود لهذه العلاقات لا يزال مغلقا بالضفة والمفتاح، وحين تتسرب منه أي معلومة، فانه يكون وراءها كارثة جديدة مثل حق (الاسرائيليين) في دخول سيناء والبقاء فيها 14 يوما بدون تأشيرة وفقا لاتفاقية طابا، واتفاقية فيلادلفيا 2005، وصفقة تصدير الغاز لإسرائيل، واتفاقيات الكويز، واتفاقيات تيران وصنافير ... ولكنها لا تمثل سوى قمة جبل الاسرار الذى لا نراه ويحظر علينا الاقتراب منه، ومن ذلك ملفات التنسيق الأمني والاستخباري في سيناء، وملف حصار غزة واستهداف نزع سلاحها وإخلاء المنطقة الحدودية لإقامة المنطقة العازلة ... الخ، وربما يكون أخطرها ما يصرح به نتنياهو كثيرا من ان الدول العربية و(اسرائيل) اصبحوا حلفاء وليسوا اعداء، وما ارتبط بذلك من احاديث عن مشروع لتأسيس تحالف عسكري إقليمي جديد او اتفاقية دفاع مشترك تجمع مصر والاردن والسعودية والخليج و(اسرائيل) تحت القيادة الامريكية لمواجهة ايران.

على امتداد سنوات طويلة منذ الانحياز المصري لإسرائيل في عدوانها على غزة فى صيف ٢٠١٤ ونحن نناشد رفاقنا القدامى فى معارك مواجهة (اسرائيل) وكامب ديفيد والتطبيع وشركاءنا في دعم فلسطين والمقاومة والانتفاضة وفى قوافل الاغاثة وفك الحصار .. الخ، ان يخرجوا عن صمتهم، ويعلنوا عن غضبهم ويتصدوا لسياسات نظام يسعى لبناء شرعيته الاقليمية والدولية من بوابة اسرائيل، ويزج بمصر فى مستنقع التحالف والشراكة الامنية والاستراتيجية مع عدوها الاستراتيجي.

فهل يغضبون؟

سلام ولكن بدون فلسطين:
سلام بدون فلسطينيين ولا دولة فلسطينية ولا انسحاب من الاراضي المحتلة فى ١٩٦٧، ولا من أي جزء منها. سلام بين العرب و(اسرائيل) من أجل "مصالح مشتركة" ليس من بينها فلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومركزية الصراع العربي الصهيوني، وكل هذا الكلام الذى عفا عليه الزمن! فإسرائيل لم تعد دولة احتلال وفصل عنصري وكيان استيطاني عنصري إرهابي دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة فى حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وانما اصبحت دولة طبيعية صديقة من دول المنطقة، تتعرض لذات التهديدات والمخاطر الارهابية التي تعانى منها دول الجوار العربي (وليس دول الطوق)، وهو ما يخلق فيما بينها مصالح مشتركة فى مواجهة هذه المخاطر.

هذه هى النسخة الحديثة من الموقف الأمريكي الإسرائيلي المصري العربي الموحد، الذى يتم التلميح به منذ فترة طويلة، الى ان تم تتويجه وإعلانه رسميا وصراحة في المؤتمر الصحفي المشترك بين ترامب ونتنياهو. ولقد كان أول من دعا الى هذه الفكرة هو عبد الفتاح السيسي فى حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، حين طالب بدمج اسرائيل في المنطقة بتوسيع السلام معها، لتشمل دولا عربية أخرى، لمكافحة الارهاب الذى يهدد الجميع. ليكون بذلك اول عربي على وجه الإطلاق يفصل بين السلام مع اسرائيل وبين انسحابها الى حدود ٤ يونيو ١٩٦٧. قبل ذلك كان الموقف الرسمي العربي الوارد فى مبادرة السلام العربية الصادرة في مارس ٢٠٠٢، هو مبدأ الأرض مقابل السلام؛ فالانسحاب الإسرائيلي وإعطاء الفلسطينيين دولة على أرض 1967، هو شرط للسلام العربي مع اسرائيل والتطبيع معها. وكان هذه هو ايضا الموقف الرسمي المصري حتى بعد معاهدة السلام. أما اليوم فالمبدأ المصري/ العربي الرسمي الجديد هو "أمن الأنظمة العربية مقابل السلام العربي الإسرائيلي."

ورغم ان الرأي العام الشعبي العربي والفلسطيني، عارض على الدوام موقف حكامه وأنظمته ورفض مبدأ الاعتراف بشرعية اسرائيل والصلح والسلام والتطبيع معها، وتمسك بكل ارض فلسطين التاريخية من النهر الى البحر، ولم ينخدع أبدا بشعارات السلام الزائفة ولم يتورط في الرهان على جدوى مسارات التسوية في اوسلو وأخواتها، الا ان سقف التنازلات المصرية الفلسطينية الاردنية العربية، لم ينخفض ابدا عن دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ عاصمتها القدس الشرقية. ولكن تصريحات السيسي وتوجهاته ومواقفه هو وغيره من الانظمة العربية في السعودية والخليج، أكدت ما كان يتردد كثيرا في أحاديث وتصريحات نتنياهو عن حلفائه من الدول العربية الكبرى، وآخرها ما ورد في مؤتمره الأخير مع ترامب حين قال بكل تفاخر أنه "لأول مرة في حياته وفى حياة اسرائيل، ينظر العرب لهم كحلفاء وليس أعداء." وهو ما أثنى عليه ترامب فورا في ذات المؤتمر، ليتفقا على ضرورة الاستفادة منه وتوظيفه والبناء عليه في المرحلة القادمة، ولم ينسيا بالطبع ان يعلنا على هامش اللقاء وبكل تعالى وتجبر واستخفاف، انهاء حل الدولتين، فأمن الدولة اليهودية لا يحتمل وجود دولة فلسطينية الى جوارها، تحمل كل هذه الكراهية لإسرائيل.

هذه التمهيدات التي أطلقها السيسي و نتنياهو وغيرهما بمباركة ورعاية وتوجيه الولايات المتحدة بإداراتها المختلفة، اصبح لها اليوم مشروعات وتفاهمات وتطبيقات وخطوات محددة على الارض: منها تلك الورقة التي أعدها الجنرال "مايكل فلين" مستشار الامن القومي المستقيل بمشاركة عدد من الشخصيات العسكرية والاستخباراتية من أعضاء مركز لندن لأبحاث السياسات في العاصمة الأمريكية واشنطن، ونشرتها جريدة الاهرام في عددها الصادر بتاريخ 20 نوفمبر 2016 ، والتي تتحدث عن تأسيس منظمة جديدة باسم «منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر» لتكون بمثابة حلف عسكري جديد تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، تحتل فيها اسرائيل صفة المراقب، وتكون لها ثلاثة أهداف محددة هي القضاء على داعش، ومواجهة ايران، والتصدي للإسلام المتطرف. وهى بمثابة اتفاقية دفاع مشترك، يكون الاعتداء على أي دولة عضوا في المعاهدة، بمثابة اعتداء على الدول الأعضاء جميعاً، كما ورد بالنص في الورقة المذكورة. ولقد نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" عرض وتحليل لهذا المشروع في عددها الصادر 15 فبراير الجاري، ونقل عنها "معهد ستراتفور الأمريكي للدراسات الاستخبارية والامنية" في منشور تقدير موقف نشره فى ذات اليوم. وعلى ذات المنوال نشرت جريدة الشروق المصرية سلسلة من المقالات لأحد الباحثين وثيقي الصِّلة بالأجهزة السيادية المصرية يدعو فيها صراحة الى شراكة مصرية اسرائيلية تحت القيادة الامريكية الجديدة! (شراكة وليس مجرد تطبيع!) ناهيك عن سيولة التصريحات والمقالات المصرية التي تحتفى بالإدارة الامريكية الجديدة، وتبشر بما سينال السيسي ونظامه من خير على يديها، الى درجة وصلت الى وصف بعضها للرئيس ترامب بالمهدى المنتظر!

ولا يزال غالبية المراقبين في مصر يفسرون لغز التفريط الرسمي المصري في جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بانه لم يكن سوى خطوة على طريق بناء تطبيع سعودي إسرائيلي برعاية مصرية من بوابة التدابير الامنية الواردة في اتفاقيات كامب ديفيد، كمقدمة ضرورية لبناء محور مصري إسرائيلي سعودي في المنطقة، وهو المحور الذى يصفه نتنياهو في تصريحات متعددة بأنه تحالف قائم بالفعل.

وهو تحالف لم يبدأ اليوم، بل قبل ذلك بعدة سنوات، ولقد ظهر فى عشرات المواقف المصرية الرسمية، بدءا بالانحياز الى اسرائيل في عدوانها على غزة 2014، ومرورا بأغلاق المعبر فوق الارض رغم هدم الانفاق تحت الارض التي رفض مبارك نفسه هدمها، وكذلك تنفيذ المطلب الإسرائيلي القديم الذى رفضه مبارك أيضا بإخلاء المنطقة الحدودية من السكان لإنشاء منطقة عازلة، بالإضافة الى شيطنة الفلسطينيين وتوصيف حركات المقاومة كمنظمات ارهابية مع رفض وصف مماثل لإسرائيل بالإرهاب، وايضا وصف السيسي لنتنياهو بانه يمتلك من مقومات القيادة ما يؤهله لتطوير المنطقة والعالم بأسره! والتفاخر بالاتصالات التليفونية الدورية بينهما، وإعراب السيسي عن تفهمه لمخاوف اسرائيل من المشروع النووي الإيراني، وحديثه عن السلام الدافئ وعمق الثقة والطمأنينة القائمة اليوم بين الطرفين الى آخر سحب الوفد المصري لقرار ادانة المستوطنات من مجلس الأمن، والقائمة تطول.

والسؤال البديهي اليوم هو عن ماهية الفوائد التي يمكن أن تجنيها مصر والدول العربية ويجنيها الأمن القومي المصري والعربي، من هذا التحالف الانتحاري مع العدو الصهيوني تحت القيادة الامريكية؟ فسيتم تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، وسيغتصب ما تبقى من الارض المحتلة، وستتوج اسرائيل عربيا كالقوة الاقليمية العظمى، وسترتكب مزيدا من المذابح لأهالينا فى فلسطين، وسيُضخ في كيانها الصهيوني الباطل دماء جديدة تطيل في عمره عقودا اضافية أخرى، وستستمر التبعية الامريكية وتتعمق، ونعود لعصر الاحلاف العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية.

وكل ذلك في مقابل أن ينال السادة من الملوك والرؤساء العرب مزيدا من الرضا والقبول والاعتراف والحماية الامريكية