ندوة عن كتاب جيلنا

في أول نشاط للمركز القومي للترجمة دعت الكاتبة الجنوب افريقية زبيدة جعفر إلى إنهاء كافة أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق في العالم وقالت حان الوقت لأن نتعاون ونتقارب وهذا هو التحدي الرئيس الذي علينا أن نعمل على مواجهته من أجل الانسانية. وأشارت جعفر إلى خطورة حالة الاستقطاب التي يعيشها العالم حاليا وقالت في الندوة التي أقيمت يوم ( الأحد ) الأول من ديسمبر في افتتاح الموسم الثقافي للمركز القومي للترجمة وخصصت لمناقشة الترجمة العربية التي أصدرها المركز لكتابها الذي يحمل عنوان جيلنا : بالقياس على تجربتي اتصور أن علي أن أؤكد من جديد أننا بحاجة إلى التضامن لتعزيز موقف مناهضي التمييز لنصل إلى وسيلة لفهم المجتمعات المختلفة الأعراق والأديان وزبيدة جعفر كاتبة وصحفية من مواليد كيب تاون في العام 1958، درست القانون والصحافة واللغات الإفريقية في بلادها ثم سافرت إلى أمريكا بعد سقوط النظام العنصري ودرست الصحافة مرة أخري في جامعة كولومبيا كما تم اختيارها مفوضة للجنة المستقلة للإعلام بعد أول انتخابات ديمقراطية في بلادها . وكانت واحدة من بين سبعة أشخاص في مجال الإعلام تم اختيارها لتأسيس لجنة إدارة الانتخابات في العام 1994. وفي ديسمبر 1994 حصلت على جائزة خاصة من مجلة وجهات نظر الإسلام وهي أول جريدة يصدرها المجتمع المسلم في نيويورك ثم حصلت على جائزة اتحاد الصحافة من نيويورك ونشرت عدة كتب ودراسات منها : قصة بيبي داوود، ومن أجل حرية بناتنا والنضال من أجل قانون الحريات، العدالة في مرحلة انتقالية

وكانت الندوة التي أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة قد شهدت حضورا جماهيريا مكثفا ضم نخبة من الكتاب والمثقفين وتحدث فيها الكاتب حلمي شعراوي خبير الشئون الافريقية المعروف والشاعر زين العابدين فؤاد مراجع الترجمة العربية للكتاب والكاتبة الصحفية الكبيرة عايدة العزب موسى المتخصصة في الشئون الافريقية بالإضافة إلى ربيع وهبة مترجم الكتاب . وبدأت الندوة بكلمة للدكتور عماد ابو غازي المشرف على الشعب واللجان الثقافية بالمجلس رحب فيها بالحضورمعلنا بدء نشاطات المركز القومي للترجمة الذي أسس بقرار جمهوري في بداية العام الجاري.

ومن جهته قال الشاعر زين العابدين فؤاد مراجع الترجمة العربية للكتاب: أعتقد أننا في حالة احتفال رغم الظروف السيئة التي تمر بها المنطقة، وهذا الاحتفال يؤكد معنى التواصل الحضاري الذي هو جوهر عملية الترجمة، مشيرا إلى أهمية الكتاب والكاتبة وتابعت: تعرفت عليها بعد قراءة كتاب الشاعرة الافريقية أنتى كروخ الذي يحمل عنوان وطن في جمجمتي ويكشف دور زبيدة جعفر النضالي هي وغيرها وبدورها اعتبرت الكاتبة الصحفية عايدة العزب موسى أن الكتاب من أفضل
كتب السيرة الذاتية التي كتبتها المناضلات الإفريقيات. وآثرت تناول موضوع الوجود الهندي في جنوب إفريقيا, وأوضحت أن العادة قد جرت على اختزال موضوع النضال في جنوب افريقيا في شخص نيلسون مانديلا وحده وحزب المؤتمر الوطني وهو الأمر الذي غيب أدوار لعبتها أسماء وجماعات أخرى . وشرحت موسى دور من ينتمون الى جنسيات اخرى وركزت على دور المرأة المناضلة في فلسطين وجنوب افريقيا بالتحديد وذكرت ان الادب النسائي سجل تلك الادوار مشيرة في هذا السياق الى كتابات نادين جوديمر الحائزة على نوبل في الآداب وشبهتها بتجربة زبيدة جعفر المدونة في الكتاب المكتوب على حد قولها بـ شفافية وأسلوب أدبي رفيع واستشهدت المتحدثة بواقعة واحدة في الكتاب تكشف فيها الكاتبة عن مشاعرها وقت القبض عليها لأول مرة وحقنها بمادة مخدرة فضلا عن تعرضها للتهديد بالحقن بمواد كيماوية خلال فترة حملها . وتابعت موسى : الكتاب يسجل دور الجماعات الملونة في حركة النضال الافريقي واستعرضت الظروف التاريخية التي حكمت حركة الاستعمار الاوربي وشرحت الكيفية التي استقر من خلالها الهنود في منطقة أفريقيا لا سيما في الساحل الشرقي واشارت الى الضرورات
الاقتصادية التي جعلت الهند تزود المستعمرات ببعض الرجال لزراعة قصب السكر . ولفتت النظر إلى القوانين التي سنها المستعمرون للتمييز في المعاملة بين الهنود وسكان المستمعرات الافرقيقية وأبرزها قانون المناطق المعزولة الذي وجه بالأساس إلى الهنود للحد من نفوذهم التجاري. وأكدت موسى أن الهنود كانوا شركاء للأفارقة من السكان الأصليين في حركة النضال إذ أنهم واجهوا مختلف أشكال العنصرية والتمييز. وعاد زين العابدين فؤاد للحديث وقدم لمداخلة حلمي شعراوي مؤكدا أنه يعرف إفريقيا أكثر مما يعرف أصابعه وقال رجل فتح لنا الكثير من النوافذ لمعرفة هذه المنطقة المهمة من العالم.

وفي مداخلته أمام الندوة عبر شعراوي عن شكره للمركز القومي للترجمة وقال: من حسن الحظ أن يكون الحديث عن افريقيا أول أنشطة المركز وشدد على ان الكاتبة زبيدة جعفر لها تجربة ممتازة يعكسها الكتاب الذي غير من الكثير من قناعاته عن المنطقة التي يعرفها منذ نصف قرن، واكد ان الكتاب كشف عن موهبة أدبية وصحفية فريدة ويعرض لسيرة كاتبة نشأت في وسط ثقافي واجتماعي متنوع لها خصوصيته في جنوب افريقيا حيث لم ينجح الاستعمار هناك في استغلال جماعات الملونيين والأسيويين ودفعهم للتناحر مع أبناء البلاد الأصليين. لافتا إلى أن حزب المؤتمر الهندي هو النواة الملهمة لحزب المؤتمر الوطني الذي تزعمه مانديلا وخاض تجربته النضالية المعروفة . واستعرض شعراوي السياسات النضالية التي خاضتها الاحزاب الوطنية هناك والتي كانت الموضوع الرئيس الذي تناولته زبيدة جعفر في كتابها، ولا سيما تجربة النضال خارج سياسة العنف وتناول شعراوي مفهوم ومعنى كلمة كيب تاون رابطا بين السياقات اللغوية المرتبطة بالاسم وخطط الاستعمار لتقسيم المنطقة مشيرا الى مشروع كيب كايرو الذي كان من المقرر اقامته ابان الاستعمار الانجليزي لمصر بهدف ربط مصر بجنوب افريقيا بخط حديدي. و ذكر شعراوي ان الكتاب الذي يجرى تناوله في الندوة يعكس الجمال الانساني في المدينة والتواترات الدائمة التي كانت موجودة فيها بين الاستيطان العنصري والحركة الوطنية التي نجحت في تعبئة طاقات الشباب والربط بين الجناح العسكري للشباب ونشاطات جماعات المرأة .

وأضاف ان الكتاب يعكس قلقا واضحا على مستقبل البلاد بعد نهاية التفرقة العنصرية لافتا الى ان المناضلين هناك ظلوا متتشكين في امكانية الوصول الى حل تفاوضي ينتصر لتجربة المقاومة بدلا من المساومة على هذا الحق وقال شعراوي : من يريد التعرف على معنى نضالي حقيقي عليه ان يقرأ سيرة مانديلا والياته التفاوضية ليتعلم كيف يمكن المطالبة بالحقوق دون تفريط وذكر أن المؤلفة لم ترغب في أن تعلن عن نفسها كأمرأة بصيغة نسوية وانما قدمت نصا وطنيا دافئا لا يفرق بين الجنسين في النضال لكنها ايضا كتبت لتبصيرنا بدور النساء في المؤتمر الوطني الافريقي . وهو أمر ضروري بعد اختزال هذا الدور في شخص ويني مانديلا وانتهى شعراوي إلى القول بأن هذا الدور النسوي مكن المرأة من الحصول على 130 مقعد من بين 400 مقعد في البرلمان .

وتحدث المترجم ربيع وهبة عن تجربته في ترجمة الكتاب و قال جاء العمل في الكتاب نتاج صدفة اللقاء مع الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية الذي أهداني نسخة الكتاب وأكد وهبة على أهميه النص كنموذج حي لنضال الحركات الاجتماعية على أرض الواقع وذكر وهبة أن الكتاب يطرح تساؤلات عن فرص التغيير في العالم مؤكدا ان الحاجة الى النضال لن تنتهي إذ لا تزال بعض السياسات التمييزية قائمة كما يشير الكتاب فضلا عما يحدث في فلسطين من سياسات تمييز وفصل عنصري واضحين . وأكد وهبة ان الكتاب لاقى في نفسه الهوى لأنه يرتبط باهتماماته كناشط في حركة حقوق الانسان داعيا الى إثارة نقاش مفتوح مناهض لاية اليات تعمل على مصادرة حقوق الرأي والتعبير التي نشهدها حاليا . واضاف ان العمل في الكتاب مثل له تحديا كبيرا اذ دفعه للتعامل مع الكتاب كنص أدبي وليس كعمل توثيقي.

وكان زين العابدين فؤاد قد أشاد بدقة الترجمة وجهد المترجم في إضافة هوامش مهمة أضافت الكثير إلى النص. وقال إن المؤلفة نموذج لذوي الشكل الخادع لأن هدوءها يخفي النار تحت الرماد فهي ناشطة وصحفية تعمل في مجال تدريس الصحافة والاعلام . وعبر فؤاد عن شكره للقاضي الذي طلب من زبيدة ان تتفرغ لكتابة سيرتها النضالية التي كشفت الكثير من المسكوت عنه في نضال الجماعات الملونة في أفريقيا. وفي حديثها وجهت الكاتبة زبيدة جعفر الشكر للحاضرين وعبرت عن سعادتها بالوجود في القاهرة بين هذه النخبة الممتازة من القراء والمهتمين وتوجهت بالشكر للمركز ومديره الدكتور جابر عصفور ولكل من ساهموا في نقل قصتها إلى هذه المنطقة من العالم و قالت : هي ليست قصة فقط وإنما تاريخ جماعات اخترت ان أرويه ليس كتاريخ ممل وإنما كواقع يعبر عن مخاطر عاشها شباب في سنوات النضج والبلوغ في مجتمع صعب حافل بكافة صور التفرقة حتى سعى هؤلاء الشباب الى تغييره . وأضافت زبيدة شعرت كصحفية وامراة أنني مطالبة بكتابة تجربة شخصية لأضفى عليها خصوصية نسوية يمكن لمن يقرأها أن يعرف كيف عاش الإنسان في تلك الفترة القلقة كما أنه بالإمكان
أيضا أن يعرف كيف تعاملنا مع العنف وتحملنا عواقب النضال لإنهائه في ظل تاريخ كان ينطق بالدم والصراع وهو تاريخ لا نزال نعاني من آثاره إلى الآن وتابعت نحن مطالبون الآن بكسر هذه الحلقة المفرغة من العنف لنعرف كيف نتخلي عن الرغبة في الانتقام من اجل ان ننجح في خلق مجتمع مؤمن ب التعايش المشترك فالعالم يشهد الان الكثير من العنف وهذه الحالة سيتوارثها اطفالنا ونحن في جنوب افريقيا نعمل بقوة لكي لا يتحمل اولادنا عبء هذ الفترة

واشارت جعفر الى الموضوع الذي تناولتها عايدة العزب موسى بشأن تاريخ الوجود الاسيوي في افريقيا وقالت : اعتبر نفسي نتاج هذا التلاقي فأنا إنسانة، صنيعة الله وفقط ولست شيئا واحدا وهذه المبادىء التي عملت من أجلها فنحن يجب أن نؤمن بمبادئ العيش المشترك. و اضافت عندما أعود بذكراتي واستعرضت تجربتي في الكتاب اجد انني لم أكترث بالعنف الذي واجهته كما لم اتصور انني سوف اجلس بينكم الان واذكر ان الشرطة حين قبضت علي كان من بين الكتب التي صادرتها الشرطة كتب مكتوبة بالعربية يقرأها الاطفال فضلا عن القران الكريم بل إنني ووالدي سعينا إلى تعلم العربية لكن الشرطة صادرت الكتاب دون أن تعرف مضمونه بل توقعوا أنه كتاب سياسي سعوا طويلا إلى فك شفرته . وقالت زبيدة ردا على سؤال من إبراهيم فتحي عما تحقق بعد هذه التجربة النضالية الفريدة فقدنا ما حاربنا من أجلها، لم نحقق التقدم الذي سعينا إليه بل وقعنا في شرك اقتصادي وبالرغم من هذا فإن كل هذه التضحيات لا يمكن أن نتصور أنها ضاعت سدى فالأمل لا يزال قائما