تكتب الشاعرة المصرية هنا تجربة الفقد والصداقة في بنية تتنادي فيها القصائد وتتكامل، وكأننا بإزاء قصيدة واحدة كلما اشتكى منها جزء تداعت له سائر الأجزاء بالدلالات.

أنا شاهد قبرك (ديوان)

فاطمة قنديل

 

                   إلى وعن سها عصفور

الموت

المتشرد، الهائم، المغرور

وقع أخيرا في قبضتي

لم يعد سوى كشاف كهربائي

أوقده

لأرى

أين تخفي أيامي فخاخها

يفرّج الموت ما بين أصابعه

ليريني

بقايا من أحببتهم

خمسة أصابع متقلصة على منضدة

وخمس أوراق

تطّيرها الجذور

وماتبقى لنا كي نهرب

يحكِّم التصاقنا

فينبجس من الحواف

صمغً زائد

يصيدنا

ينشٍف بنا

ولا يبقى سوى

ساعي بريد مرتبك

يجهد أن يفكّ

شفرة العنوان

و هل كتبت شعراَ؟

بماذا أسمي ذلك اللهاث وراء الكلمات.

وهي تتقافز كالفئران من السلال؟

لاأعرف كم من السلال الفارغة

تركت ورائي

سأقف هنا قليلا

قبل أن ألتفت

سأقف حتى تفرغ الفئران

من قضم حدقتّي

قطرات العرق

التي تتدفق مني الآن

شظايا مرآة

تحدق أشياء حجرتي في صورها

و تحكّم عيناي

ضبط مساقط الضوء

سأجاري من يقولون بالتناسخ

لكنني سأضع شروطي

لن أقبل مرة أخرى

أن أسكن بيتاَ من ورق

اتركوني معّلقةَ في الهواء

كمشنقة

تتأرجح منتشية

بعد أن فرغتُ

هل تذكرين ذلك الباب

الذي خشيت أن تدخلي منه

في قصيدة البيت؟

هاهوذا يطفو أمام عينيك

لقد تنكر في غفلة منك

في شكل قارب

لابد أن البيت قد تنكر هو أيضا

في شكل بحر و أعماق

حذار

لن تجدي هناك أحدا

لن تجدي سوى

حذاء فرجينيا وولف

و لكنني منذ جاريت القائلين بالتناسخ

كففت عن ضرب قطي.

وهاهو للمرة الأولى

يخمشني

هنا

في زاوية الحجرة

فخ

اعتدت الوقوع فيه

سأسلط عليه الضوء

على التوّ

ألم يزل حقا هناك؟

و ماذا لو تحركت تلك اليد المتقلصة على المنضدة

و ضغطت مفتاح النور؟

أستقفين في وسط الحجرة.

بكشاف كهربائي

وضوء أعزل؟

بتعويذة تخصني

سرقتها من مسخ الكائنات لأوفيد

 مسخت نفسي ذبابة

تقف فوق هذه اليد

لأتمكن من الطيران إذا تحركت

لو أجرؤ فقط

أن أأتنس في جلستي هذي

بشئ من الطنين؟‍‍‍

أدركت الآن... الآن فقط... كم هو ثمن الخروج من الزمن، تجاهله، التكبر على جريانه، الاغترار

بتلك اللحظات المفعمة بالأزمنة أو الخاوية منها على حد سواء.

                                                          آني آرنو "الحدث"

هذه الليلة

أحب أن أنام في شئ من الضوء

لقد عشت حياتى كلها أتأكد كل ليلة

أن الظلام محكم حولي

لأتمكن من التسلل من بوابات الظلمة

إلى أرض الأحلام الرخوّة

لست خائفة

وأعرف

أن الضوء لن يعينني على الخوف

و لا أشعر أيضا.

بأية علاقة تربطني بهذا الضوء

الذي لا يكف عن التثاؤب

على حوائط غرفتي

لم أستطع في حياتي كلها أن أستوعب

لماذا يربط الناس بين الظلمة و الموت

كما أنني أثق

أن أمي قد نظفت البيت من الأشباح قبل موتها

واستراحت ـ منهكة ـ في الصور

لأنها

كانت كثيرا ما تنظف جسدي المبتل بالكوابيس

بماء الكولونيا

و تختصر رعدتي

في بسملة

أو همهمة

لم أسألها عن معناها قط

أنا واثقة أيضا

أن ليست هناك علاقة بين الظلمة والأشباح

وأن الضوء

الضوء وحده

ينشر الأشباح ذرات نتنشقها

و لكنني لا أخاف الضوء أيضا

لقد كان الموت دائما بالنسبة لي

مثل رأس تطلع من الماء و تعاود الغطس

رافعة قدمين فوق الماء

ولقد تحدثت طويلا عن الموت فيما كتبت

ولكنني لم أتحدث سوى

عن استعارة طرفها الموت

و طرفها الآخر

أشياء كثيرة صغيرة و لامعة

كنت أشبك فيها الموت في قصائدي

فيلتف على نفسه حتى يكمن وحيدا

في نواة الخيوط

صلبا

ويمكنني أن أمد يدي لأقبض عليه

وأتأكد أنه هناك

دائما هناك

ينتظر يدي المرتجفة

التي تمسك به

فيتصلب ارتجافها

لم تكن الحياة عندي أيضا

هي تلك التي يتحدث عنها الشعراء

لم تكن مجيدة

و لم تكن عبثا

لكنها

 كانت دائما أميبا

تشغل المساحات بحركة أذرعها العمياء

و كانت الحركة

تبعث في عقلي الخدر

ذلك الشيء الوحيد

الذي بإمكانه أن يقترب من الموت و يضاحكه

وكل ليلة

كنت أنصت إلى صوت الموت الآتي من جوف خيوطي

كمارد الحكايا في القمقم

و هو يستجدي ذلك الخدر

أن يمسح الغبار عن خيوطه

لعل هذا

هو الضوء الذي أحببت أن أنام فيه هذه الليلة

حين ابتدأتَ الحكاية

لم يعد ضروريا

لقد أكلت ذلك الضوء

لقمة فلقمة

و هأنذا

أتمدد الآن

بسيجارة في فمي

وبطن منتفخ

بتخمة الضوء.

خذ الكلمات و لاتشر بها لأي أحد أو لأي شئ ... اغرقها في الورق الأبيض ثم ابتلعها

مباشرة، لا تمضغها طويلا و اترك المرق يسيل على حافتي فمك، بهذا وحده تختفي

و لن يتعرف عليك الآخرون بعد الآن.

قلبي

بوابة جسدي

رغيف بدأ في التعفن

يتفتت و يساقط حفنة فحفنة

في رحمي

حيث الرغبة

لاشئ سوى دغدغة أقدام العناكب

تروح و تجئ

مترقبة

ذبابة الجسد الخضراء

وما الذي سممنا؟

ألم نكن نعرف أن أحشاءنا

محض حيات تتلوى؟

ألم نكن نعرف أن الصباح

حين يدق أبوابنا

لا يريد سوى أن يسأل

أين مضى الليل؟

ألم نكن نعرف أننا محض شئ قد لفظة شئ

فتيتمنا؟

سأتسلى بقراءة اللافتات في عبوري

و ستبقى اللافتات متكئة

على قراءتي العابرة

سدّت شرايين قلبي

أليس هذا جميلا؟

ألاّ يجد الإنسان منفذا

يضخ فيه أيامه

سوى أصابعه؟

لم أمت بعد على أني الآن لست حيا؟ منزلقا وعائما، أكون وسيطا، شبحيا، صامتا و رائيا؟ شبيها بالمركب الذي يحوم بأشرعته البيضاء فوق البحر، كفراشة عملاقة، آه، أن نحلق فوق الكائنات كلها! هو ذاك، هو ذاك ما يلزم!

                                       نيتشه- العلم المرح

 حين ينخرطون في أحاديث جانبية

فتمتلئ القاعة بالأزيز

بينما الجرسونات يلمون الأطباق  على عجل

يتحدثون عن الحلوى المتاحة

سيبدأ أحدهم في الدندنة

بلحن تعرفينه

يكون مع نفسه تماما

يدق بملعقة على أطراف الطبق الفارغ

بالرفق اللازم كي لا يلتفتوا إليه

لكن آخرين متفرقين في القاعة

سيلتقطون خيط الأغنية

 مرهفين أسماعهم

كل إلى آخر بعيد

يمررون اللحن من تحت المناضد

و تبدو أقدامهم و هي تضبط الإيقاع

حنونة

حتى إنك تخشى لو لمستها

أن يجهشوا بالبكاء

شيئا فشيئا

تعلو أصواتهم

كظلال مصباح يهتز

يجازف أحدهم بالرقص

فيحتد الوميض

تحتل دائرتهم كل الفراغات بين المناضد

فجأة

تنقطع الأحاديث الجانبية

و يتأملهم الجالسون بابتسامة

حقيقية و ساخرة

ساعتها

توقنين أن الحلقة المائجةهناك

تشير إليك

و أن هؤلاء الفرحين

ليس غيرهم

يذكرونك بالموت

الموت الذي يسقط على القاعة كخيمة

ينشّّد قلبك على حبالها.

لا يمكن ليوكيو ميشيما أن يبرهن على أنه يتذكر بالفعل لحظة ميلاده. أنا شخصيا لم أصدقه حين ذكر أنه يتذكر جدار الحوض الذي غسلوه فيه للمرة الأولى، حتى لو أقسم لي بكل أنبيائه اليابانيين، ثم ماذا يهم في تذكر حوض غسل فيه الإنسان للمرة الأولى طالما أنه لن يمكنه مطلقا أن يتذكر رائحة الكولونيا الرخيصة التي غسلوا بها جسده الميت؟! أن تتذكر في الموت أهم بكثير من أن تصف جدران حوض تنعمت فيه بحمامك الأول. لكن الاعتراف سيد الأدلة.

القاهرة في 9\7\1995

حبيبتي

لكن الملاءات البيضاء و السرير الذي يرتفع ثم تطلبين مني أن أضبط ظهره تماما حتى يتقوس كظهرك المتعب لايزال نائما في سريري..و في ليلة كان وجهك شاحبا و عيناك متعبتين و فمك مفتوح تماما قلت هكذا سأراها حين تموت.. كنت قد احتفظت ببروفة لوجهك عند الموت..لكنك فاجئتني بوجه آخر.

.ليس ماكتبت في "صمت قطنة مبتلة" بالضبط

كنت تصمتين أنت أيضا ... صمت الجسر الذى يطقطق لأن آخرين قد ارتدوا ثياب العوم وشرعوا في القفز ... تذكرت يدي الصغيرة و هي تبحث عن كفك الكبيرة المخبوءة في جيب البالطو و تذكرت جيب البالطو الحريري الذي كان قماشه قد اهترأ ... بكيتك ليلتها قبل أن تموتي، أأكون قد تذكرت ملمس الرحم الذي احتواني؟ أأصدق يوكيو ميشيما؟!

مطلوب أحيانا أن يترنح الإنسان، ألا يمس تلك الشعرة الدقيقة بين الترنح و الرقص و ألا يخاف من أعضائه. عليه أن يطوح بها يمينا و يسارا و سيجدها في النهاية في أماكنها كما كانت دائما... الضجر وحده سيبقي الإنسان رائقا كصومعة.

فتعلم كيف تنسى

و تعلم كيف تمحو

                   أم كلثوم

يخرج الموت يتجوّل في الصباحات حاملا سلة

يقطف تفاحة من هنا، ثمرة توت من هناك

يعد طبقا من سالاطة الفواكه أو الخضراوات الطازجة

وفي أيام الجوع

يضطر إلى تناول بعض الفواكه التي تعطنت

لأنه قد تعب من التجوال

و يريد،فحسب،

 أن يستريح ليلة في فراشه

و لأنه ليس اجتماعيا

و لم يعلمه أحد مبادئ التهذيب

يستمتع بانطلاق الغازات من بطنه

دون حرج أو تأفف من رائحتها

غير أن التراب

ذلك الخجول

الذي طالما أذعن لأقدام البشر

و تشكّل كيفما وطؤوه

يشعر بامتنان غير مبرر تجاههم

و بذنب غير مفهوم

يجعله يكرس حياته كلها

لمواراة الرائحة

ولإقناع الإنسان

بأنه خزانة أمينة

لكن التراب

شأنه شأن كل العبيد

يستمتع بلحظات انتقام خفية

لايخبر بها أحدا

فلاشئ يصل بين ذراته المتناثرة

سوى اللون الرملي*

الذي كرس حياته أيضا

ليسوقه كجيش من النمل

يسد به إحساسه بالنقص أمام امتداد السماء

لقد استبسل في أن يصنع أرضا

تجعل السماء تبدو و كأنها محض سقيفة

و فتح أبواب خيامه للبشر

فدخلوها

و أنصتوا

لكل الدسائس التي دسها بينهم و بين الموت

و صدقوه

فات الوقت

لاشئ يصلح بينهما الآن:

الإنسان

و الموت.

حين يستريح الموت في فراشه يظل مؤرقا لأنه يفكر طويلا في عمل الغد: كيف ينفذ ما بين ضوء و جناح فراشة، أو يقطر السمّ في عيني قط، أو كيف ينفذ من بين كل أولئك الذين يحيطون بفراش ما دون أن تمسهم أنفاسه.. كيف يكمن في إطار سيارة أو يقتحم تلك اللحظة مابين تثاؤب و آخر.....إلخ. بينما لا يستعين التراب سوى ب يد2 كب أ4. كنت أنصت إليه و أقبض بكفي على حفن التراب.. أدسها في حلقه ليتقيأ.

                                      عن سها عصفور

عشية مالي حيلة غير أنني           بلقط الحصى و الخط في الترب مولع

                    ذو الرّمة

بموتك

تجعلين الوحدة عنقود عنب

والحداد فنارا

ما الذى يصنعه الحزين

 إذا اكتمل حزنه هكذا ؟
أيرتدى الأسود

كى يعرى جوفه الخاوى؟

أيتوهم أنه قديس يتلقىالإشارات؟

أم يجلس؟

يجلس فحسب

لا كلاقط الحصى

لقد فعل هذا من قبل كثيرا

و إنما ليفسح مكانا لروحك

كى تملأ الفضاء من حوله

ليفسح مكانا لما سيحطّ من غياب

بيتى

حيث أسكنتينى

حيث وقعت على جدرانه لأول مرة

نظراتنا

أنا و أنت

حيث زهَونا معا

بيتى

الذى قلت لك

أود لو أموت فيه

قريب من بيتك

قريب من مقبرتك

أكان عليّ أن أقطع كل هذه المسافة من بيتى القديم

كى أغترف من موتك

ما تبقى من أيامى؟

أأنا قريبة الآن من بيتك الذى يسكنه غيابك

أم قريبة من بيت جسدك

المشدوه بالموت؟

أى البيتين أزور ؟

وهل أقول

إن المسافة

كل المسافة

لم تعد سوى ذلك السطح الذى يفصل بينى و بينك

ذلك السطح الذى أكور جسدى فوقه لأناجيك؟

سامحينى

إذا لم أنظف البيت دائما كما و عدتك

سامحينى

إذا أحببت ذلك التراب فوق سطوح الزجاج

كأنه الندى

كأنه يطير من ترابك

ليحطّ أمام عينىّّ

فأقرأ كتابك

لأكتبه

Ya batata Cant help thinking of u wana a3da odam el ba7r f el 7etta beta3etna (sms-

 from Soha)

أنت تجلسين الآن على شاطئ

وأمامك يلهو "ياسين ونور"*

أنا أعرف أن الله قد منحك بحرا

بحرا لك وحدك

وموبايلا جديدا

ترسلين منه رسائل للسماوات

كترضية أولى

لأن الله يعرف

كم تحبين البحر

لكنه يعرف أيضا

أنك ستضجرين بعد قليل

و ستطلبين منه بحرا آخر

الله يعرف

أن البحار ستنفد

و أن عليه دائما

أن يخلق لك بحورا

لا تشبه بحر "مارينا"

الذى قتلك

أنت تجلسين الآن

و الله يطلق العصافير كلها

لتجوب فى أعين من أحبوك

تلم الدموع

لتصنع لك بحرا

قبل أن يشتد ضجرك

و هأنا أبكى

أبكى بأقصى ما أستطيع

لأن ياسين و نور يتعلقان بجفنىّ

و يتعجلاننى

الله أيضا يتعجلنى

لأن وراءه أشغالا أخرى

و لأنه لايريد أن تغضبى

و لأنه لا يريد أن يندم

لأنه تعجل حين ناداك

فى لحظة

ربما كان يريد فيها أن يكمل صورة

كان منهمكا فى رسمها

منهمكا إلى حد أنه لم يدرك

أنه حين أكمل صورته بك

سال شئ من اللون

أربك الصورة

لم يكن الله وقتها يعرف

أنك تحبين البحر

و أن روحك

لم تكن سوى ريشة

يتقطر منها الماء

غير أنى لست شيخا. أنا لم أتخطى السادسة والأربعين بعد.

                                      أسامة الدناصوري (كلبي الهرم .. كلبي الحبيب)

كنت ألم حصى صغيرا

ترك جيرا على أصابعى

لم أكن أريد سوى

أن أصنع كومة صغيرة من الحصى

لأغرس فيها شمعة عيد ميلادى

التاسع و الأربعين

لكنك بدأب و عناد

كنت ترسلين الهواء ليطفئها

و نحن،بدأب و عناد، نشعلها مرة بعد أخرى

كانت النار  تلسع أصابعى

و أنا أحيط الشمعة حتى لا تنطفئ

قلتِ لشهرت أن تقول لى:

"أكملى الشمعة فى بيتك

ألم تقولى إنك تريدين أن تموتى فيه ؟"

أكملتها فى بيتى

فوق زجاج الكومودينو

بجوار صورتك

لكن نصفها الغائب

الذى ذاب فوق سطح مقبرتك

والذى حرصت أن أسويه بالبلاط

كختم..... كبصمة إصبع

كان مرتكزا ذات لحظة بزهو

و كان مرتعشا ... خجلان... ضئيلا

إذ يسترق النظر

إلى أصص الزرع الذى اخترناه بدقة

كى يتحمل العطش و الشمس

و طقطقة الليل

سطح مقبرتك

الذى بدا فى عينى

كعكة عيد ميلاد واسعة

لن يستطيع أن يقضمها أحد

سوى أنت

تعلقين البالونات على سّرة الأرض

تحايلين ياسين و نور

كى يقضما منها ... قضمة أخيرة.

أحقا يا بيير؟

أحقا يا بيير؟

أريد أن أعرف كل شئ

قل لي الحقيقة

               جاك بريفيير

أمضيت الليلة أبحث عن وجهك فى شرائط الفيديو

أمضيت الليلة فى بيتى

لأننى خفت أن أزورك فى الليل

لم أكن أخاف من ملاقاة الموتى

الذين, لاشك, يثقلون عليك بالزيارات

كنت أخاف من قطاع الطرق و حراس المقابر

و كنت أنتظر حتى يظهر نور

لكنه تأخر هذا الصباح

تصوري لم يظهر النور إلا في السادسة صباحا!

لاأعرف لماذا اختار أبوك هذه المقبرة البعيدة

في آخر طابور طويل من المقابر؟!

هل لأن الطريق إليها يتصاعد

حتى لتبدو من بعيد كأنها على ربوة؟

هل كان مطمئنا ساعتها إلى مسارات "الكريشندو"؟

أم كان يمد المسافة بأقصى ما يستطيع

ليصالح الموت؟

السادسة و النصف

و قد صحا عمال المقابر

لم أكن أرتدى الأسود

لكن أحدا لم يندهش

بل أفسحت لى إحدى عربات النقل الطريق

كان الطريق يتسع لسيارتينا

لكنه توقف على جانب الطريق

كأننى نعش يمّرّ

هل علمتهم معاشرة الموت ألا يتعجبوا من نزق الأحياء؟

أم أنهم موتى هم أيضا

ضبطتهم في لحظة لم يتوقعوا زائرين فيها فأوهموني أنهم أحياء؟

كانت المقبرة مغلقة

لكنها لم تكن محكمة الإغلاق

بقفل يبدو أن من اشتراه كان متعجلا و متورطا فى وضع

لافتة "النهاية"

فكرت في أن أكسر لونه الفضى

الذى لم يزل يلتمع

لكننى تعلقت بالباب

و استطعت أن أراك من خلل القضبان

كان من الواضح أنك أزلت الحصى

و بقايا شمعة عيد ميلادي

و أنك نائمة

لأنك تركتيني أجلس على السلم

دون أن تفتحي لي الباب

أو ربما كنت غاضبة من لون الباب الأخضر المبتذل هذا

(قلت في نفسي: يبدو أنك كنت مشغولة حين أمسكت بالفرشاة ودهنت جزءا من الباب، كان اللون لا يعجبني طبعا، لكنني تركت البقع التي تلطخ أصابعي لمدة يومين و كنت أتأملها بفخر، فخر الوحيد الذي يحمل شيئا من مقبرتك و يسير به في كل مكان، لم يلحظ هذا أحد، ربما ظنوا أنني- كعادتي- لطخت أصابعي بالحبر).

لم يكن هناك أحد

طريق طويل خال

والنملة نفسها التي شاهدتها بالأمس

قطعت نصف الطريق

بين مقبرة جيرانك و مقبرتك

تحمل شيئا، الشئ نفسه

قلت: يبدو أن جارتك زوجة الحاج....

قد تولت غسل ملابسك و "بافتات" ياسين و نور

لأنك كنت متعبة من الرحلة

قلت لك : أنا خائفة.. لو قتلوني هنا الآن لن يدري أحد

إن لم تفتحي الباب سأذهب

قلت لي: " فاكره يابطاطا لما نططتك فوق الصخور ف اسكندرية و كنت مرعوبة من البحر؟"

أنا شاهد قبرك

أصحو و أتمطى في الصباح كابتسامتك الساخرة

التي تعلقينها على جانب شفتيك

و أغسل وجهي كنظرة عينيك المندهشتين

لأن ما حدث كان،بالضبط، كما تتوقعين

أرتدي ملابسي

كغضبك ممن يستخفون بذكائك

و أرسم عيني

كي يراني الناس

و لا يروا أبي فيّ

أقفز من مكان إلى مكان

و أثير من حولي التراب و الهواء

كي لا يظنني الآخرون جسرا

لا أتوقف

إلا لأمد يديّ لعجوز تعثرت في الطريق

لا أبكي

إلا لأبلل الضحكات

و أضجر

لأصفع وجوه اللحظات المتشابهة

أجرح

لأستشعر دفء يديّ

و هي تربت على ظهر من أحبهم

أشكو

لأن أشجارا تصعد من جذوري

تميل عليّ فلا أرى الغروب

و أحب

لأن قلبي المتعب

يتوق إلى أن يتشقق كبذرة

و أحلم

كطائر يرشف رشفة من البحر ليعاود هجرته

ثم أعود لأستلقي على سطح مقبرتك

تسمعينني فصول فيفالدي الأربعة

فأسكن

حين تدقين على ال"كي بورد"

وتكتبين عليّ.

* ياسين و نور اسمان اختارتهما الفقيدة لطفليها قبل مولدهما وموتهما وموتها معا.

           ليست جنة و لا نارا

           سنحمل معنا إلى قبورنا

           سؤالا

          لم نستطع أن نصل إلى إجابته قط

          عذابا

           يشبه عذاب الله

           حين أبدع لكل أحد سؤاله.

شاعرة من مصر