مجلة الكلمة - قصائد

نفتتح العدد الجديد من (الكلمة)، العدد 192 لخريف عامها الثامن عشر، بدراسة عن أهم الكتب التي صدرت عن «طوفان الأقصى» تحليلا وتنظيرا، وأخرى لصاحب مقترب النظام العالمي كحركة معرفية تتفاعل فيها المقتربات السياسية والاقتصادية والفكرية. ومع هاتان الدراستان يضم العدد عددا من المقالات والدراسات التي تهتم بالراهن العربي، وبما يحيط بقضيته الأساسية، وهي القضية الفلسطينية التي تستقطب الاهتمام منذ طوفان الأقصى. فهناك مقالة فكريةعن شهيد هذه المعركة الأكبر، وأخرى عن التآلف مع الإبادة، وثالثة عن بهتان الأبالسة الذي يتجلى في الدفاع عن التطبيع مع العدو الصهيوني، وظهيره الأمريكي. وهناك أيضا دراسة عن العنف السياسي عند فالتر بنيامين، وأخرى عن قوات القتل في أكبر سجن على الأرض، وأكثر من دراسة ومقالة عن فلسطين باعتبارها المحور الأساسي للحظة الحضارية الراهنة، مثل البطل في الرواية الفلسطينية، ومراجعات لأكثر من كتاب عن أعمال لكتاب فلسطينيين. لكن (الكلمة) مجلة أدبية فكرية بالدرجة الأولى، ولذلك فقد تضمن العدد أكثر من دراسة أدبية، مثل يوسف إدريس وثقافة الينبوع الأول، وأماكن العقل في حياة إدوار سعيد، والشعرية في القصة القصيرة، والمرأة في الرواية العربية، وفهم التراث ومعوقات صيرورته هوية، والحنين إلى الماضي في القارة الأوروبية العجوز. وقراءة في بعض روايات إيزابيل أليندي وسيرتها، وكيف كان بورخيس معبود يوسا ثم عدوه، وبلاغة الراوي وكثافة السرد، وغيرها من الدراسات الأدبية المختلفة. كما يهتم العدد بعزاء الواقع الثقافي فيمن فقده من كتاب، بدءا من أكثر من رثاء للكاتب اللبناني إلياس خوري، والشاعر العماني زاهر الغافري والقاصة المصرية سميّة رمضان. كما يطرح العدد مجموعة من القضايا الفكرية مثل العلاقة بين الأنا والآخر، والترجمة بين الهيمنة والمثاقفة، والخلط بين النقد والنقض، أو العلاقة بين التراث والهوية. هذا إلى جانب نشر رواية كاملة كالعادة، وقد جاءت رواية هذا الشهر من اليمن، ومعها رواية قصيرة جدا جاءت من العراق، وأكثر من مجموعة شعرية. كما حفل العدد بالقصص من مختلف أرجاء العالم العربي، والقصائد الشعرية المؤلفة منها والمترجمة، هذا فضلا عن أبواب المجلة الأخرى من نقد، ومواجهات، وعلامات، ومراجعات الكتب والرسائل والتقارير.

يمزج الشاعر المصري في هذه القصائد المترعة بتوتر درامي شفيف البساطة بالحكمة، والتأملات التي تتخذ من الطير والحيوان منطلقا بعصارة التجربة الإنسانية وبصيرة الشاعر.

قصائد

خالد السنديوني

"خُلقت الحياة ليتفرج عليها الموتى، وخُلق الموت ليتفرج عليه الاحياء. أما أنا فأحمل الموت على ظهري طوال الوقت، ولا أستطيع أن أنظر اليه"
عقرب
Androctonus Crassicaud

1 ـ أسد
عندما تمنيت الطيران
قال لي الله ألا ترى الطيور تسقط أمامك
من أعالي السماء وأنت مستريح في ظل شجرة
على أية حال ً
لو نمت لك أجنحة
تعالى
وأعدك أن اطلقك الى السماء
من شرفتي الخاصة

عندما تمنيت أن أتعلم الكلام
قال لي
ليس ذلك من الحكمة
هذه مغامرة كبرى
الكلمة غير المناسبة عندما تخرج من الفم
تصبح هي الوحش وأنت الفريسة
وهذا لايليق بك
ثم أن لديك راس عظيم
ونبرة صوت ومهابة عندما تصمت
ولولا أن لك أذني قط
لاستقر تاج فوق راسك
واخترت لك ملكاً بين بني البشر

عندما تمنيت الخلود
قال كنت أعرف أنك ستطلب ذلك من نظرتك الشاردة
من عدم فرحتك باي صيد

هل تعرف ماذا يحدث للمومياء
الغارقة في الظلام والصمت
(وكثيرون لايعرفون أن الظلام والصمت خزائني الخاصة أحفظ فيهما الاشياء الثمينة)
عندما تخرج المومياء للهواء والنور
لحظتها لايمنحها الزمن فرصة
كي تقول كلمة واحدة
قبل أن تتحول الى غبار
هل تريد أن تتحول الى غبار؟
الخلود جرعة زائدة من السعادة
مثل جرعة زائدة من الحزن
لاتحتمل

ثق بي
إفعل ماكنت تفعله واصل حياتك كما أنت
امش في طريقك الذي اخترته لنفسك
ودعني أختار لك طريقك إليّ

2 ـ غراب
السماء لاتحبه
السماء تراقبه أينما ذهب
عكس ماتفعل مع الباهتين
ذاهباً الى أرض الحكايات
قادماً وحيداً
من زمن إنقطاع الأخبار
أو مارًا عبر العصور
ببطء آخر الآلام وأطولها.

من أجل نظراته التي تتجاهل السماء!
السماء لاتحبه
السماء تترصده
وساوس الليل صبغت ريشه بالسواد
عكس ماتفعل مع البشر
قبل أن يطلقه النهار في الفضاء
الفضاء الذي لم يجد بداً من التحول الى فخ
إجتمع عليه قوس المكان
وسهم الزمن المغموس في سم الفناء
فهوى من الأعالي
كنجمة محترقة

كانت الأرض الطيبة
تحمل إليه في عزلته فاكهة الموسم
وتحت جلدها عاصفة من المطر
كانت تريد أن تعرف في المقابل
وبمكر عجوز ليس لديها مايشغلها
ماذا اخفى في رماد الايام الغابرة

كانت الأرض الشجية
تستمع اليه طوال سنين صمته
وتتأمل في وقفاته
وهبوطه في مفترق الازمنة
ثم قررت أن تهبه هبة مقدسة
لم تُعْط لطائر
إذ فصلت بصيحاته الغامضة
بين حدود الأرض وظلها.

وكانت الأرض الصبورة
قد تلقته في حنان
عندما سقط من السماء
دون أن يبوح بكلمة واحدة
وظلت تدفع به في رحمها
عكس ماتفعل مع من تحب
(وإستنفرت من أجل ذلك كل مجدها البليد)
حتى وصل منتفخاً إلى معدة الخرافة!

3 ـ عصفور
صورة من صنع احلام الآخرين
أنا عصفور
خلقت من وهج الحياة
ومن ذكريات اللعب
في فمي رحيق حلو
أغصان السعادة تنادي علي
وأنا اتقلب في الهواء بخفة تقهر الزمن
ألهو مع الامواج التي تتكسر عند شاطىء قلبي
أغني لها تترك اللذة وتعود
ليست لي حاجة للاحلام ولا الامنيات
وبهجة تنتظرني
صباح كل يوم.

4 ـ عصفور النافذة
في طريقه الى هنا
قضى النهار مع قبيلة الكلمات
ذات الاصول العريقة،
وسهر الليل
مع عائلة النسيم الرقيقة
واوصل قافلة مؤمنة
الى حدود الكوكب

في طريقه الى هنا
لعب مع الاطفال الذين التفوا حول شجرة
ثم طار من بين ايديهم
وهو يقول أرجو أن تتذكروني
عندما تكبروا
وتصبحوا قادرين على إيذاء بعضكم بعضا

في طريقه الى هنا
أكل ببراءة من ثمار الحزن الخفية
وشرب من حفرة تسربت اليها
دموع الابرياء

في طريقه الى هنا
عشش في عمامة ناسك
ووضع بيضة في فم تمثال

في طريقه الى هنا
حمل سكينة بحيرة صافية
وذكريات عن ولادة أول دغل كثيف

في طريقه الى هنا
شاهد الوهج الابيض المتصاعد من الارض
وعرف أنه النهار
ونأى بنفسه الى حافة القمر
كي لا يحضر جنازة الليل الطويلة
ثم تسرب بخفة
في اللحظة الوحيدة
التي رف فيها جفن الموت
وجاء الى هنا
بابتسامة في عينيه
وطرف خيط في منقاره
دليل على أن عقدة الهذيان قد انحلت الى الابد

5 ـ عصفور صغير
(صورة تصلح لنشرات الاخبار)
عصفور صغير
صار خلفي
ملقى على الطريق بلا حراك
كان من لحظات يقفز على كتفي
قبل أن يصبح في قبضتي
بريء
بريء بشكل مضحك
كان يظن أنني شجرة تمشي!

من ديوان «نمر يبتسم» سيصدر عن دار شرقيات قريبا

ISSN 2050-6856

192

العدد 192 - 2024 Oct