يتناول الباحث المغربي إحدى أهم إشكالات تعريب المصطلح العربي هنا. ويحاول الوصول الى تقعيد جديد لتعريب المصطلح المسرحي.

تعريب المصطلح المسرحي

البداية والامتداد

أحمد بلخيري

يحدد عنوان هذه الدراسة موضوع اشتغالها ومجاله. يتعلق الموضوع بالتعريب، وهي كلمة يفيد معناها الكلمة التي ليست عربية الأصل ولكن تم تعريبها لكي تصبح جارية ومتداولة في اللغة العربية. والتعريب لا يقتصر على مصطلحات علم دون آخر، لذلك فمعناه عام وشامل. هذه العمومية وهذا الشمول هما اللذان جعلا ابن منظور في "لسان العرب" يحدد التعريب بقوله "تعريب الاسم الأعجمي: أن تتفوه به العرب على منهاجها"(1). يتعلق الأمر إذن بالاسم الأعجمي أي غير العربي. لكن ما المقصود بالضبط من عبارة ابن منظور "على منهاجها"؟ هل يقصد بها ضرورة خضوع الاسم الأعجمي حين تعريبه إلى الميزان الصرفي العربي والاشتقاق اللغوي العربي؟ إذا تم فهم عبارة "على منهاجها" على أنها تعني ضرورة التقيد بذلك الميزان فإن النتيجة المنطقية هي حرمان اللغة العربية والفكر العربي من فضائل الانفتاح العلمي والثقافي التي تتشخص في الكلمات والمصطلحات غير العربية في الأصل. لكن لا يبدو أن الأمر كذلك، أو على الأقل لا ينبغي أن ينصرف الذهن إلى هذا المعنى لاسيما إذا تعذر إخضاع الكلمة الأعجمية، بتعبير القدماء، إلى قوالب الميزان الصرفي العربي. لهذا وجدت كلمتان تدخلان في هذا الإطار هما المعرب والدخيل(1) (مكرر). إن المعرب جرى إخضاعه لقوالب الميزان الصرفي العربي، أما الدخيل فيبقى على حاله أو تطرأ عليه تغييرات طفيفة لا تجعله مع ذلك متطابقا في تركيبه الصوتي مع مقتضيات الميزان المشار إليه سابقا. وهناك أمثلة عديدة تتعلق بكلمات أعجمية صارت متداولة في اللغة العربية والثقافة العربية، قديما وحديثا، دون أن تخضع لذلك الميزان. من تلك على سبيل المثال الكلمات التالية: الميتافيزيقا والتراجيديا والإيديولوجيا والإنتليجينسيا الخ. وعليه، فهاتان هما الحالتان اللتان بموجبهما تتغذى اللغة العربية وتواكب العصر، أي عصر، فضلا عن النحت والوضع متى وجد. الموضوع إذن محصور في الكلمات والمصطلحات غير الموضوعة باللغة العربية في الأصل.

أما مجال الاشتغال فهو علم المسرح. وهو علم متشعب ومركب نتيجة انتمائه المزدوج. فهو ينتمي إلى الأدب من جهة النص الدرامي؛وينتمي إلى فنون العرض من جهة العرض المسرحي. ولأنه كذلك، فالمصطلح المسرحي بدوره فيه متشعب ومركب. غير أن الموضوع هنا ليس هو دراسة تحديدات المصطلحات المسرحية ولكن الموضوع هو جرد عدد من المصطلحات المسرحية التي استعملت وتستعمل في الثقافة المسرحية العربية التي لم توضع أصلا باللغة العربية، علما بأن أغلب المصطلحات المسرحية المتداولة اليوم في الثقافة المسرحية العربية هيي من أصل غربي ومنه الثقافة المسرحية الإغريقية. أما كلمتا البداية والامتداد فتتعلقان بالزمن أي بالتاريخ.

لا يعود انفتاح الثقافة العربية على المصطلح المسرحي الإغريقي إلى العصر الحديث، ولكن هذا الانفتاح، انطلاقا من النصوص، يعود إلى العصر العباسي، العصر الذي نشطت فيه حركة الترجمة التي أسس من أجلها "بيت الحكمة". لقد واجه متى بن يونس القنائي المنطقي(2) والفارابي وابن سينا وابن رشد المصطلح المسرحي اليوناني من خلال كتاب "فن الشعر"(3) لأرسطو. هذا المصطلح لم تكن تعرفه الثقافة العربية من قبل. لذلك اجتهد شراح أرسطو العرب القدماء حين تعاملهم مع ذلك المصطلح واجتهدوا كذلك في فهم محتواه رغم خلو الثقافة العربية في عصرهم من الثقافة المسرحية. ومع ذلك اتهم أولئك بقصورهم عن فهم المصطلح المسرحي. لكن الموضوع هنا لا يتعلق بمادة المصطلح ومحتواه المعرفي وكيفية تمثلهم له، فقد سبق لي أن درست ذلك في كتاب "المصطلح المسرحي عند العرب"(4). إن الموضوع محصور هنا في المصطلح المسرحي نفسه. وعلى هذا الأساس، سأدرج في جدول المصطلح المسرحي حسب وروده في شروح العرب القدماء لكتاب "فن الشعر"، ثم أضع مقابله المصطلح المسرحي المستعمل في الثقافة المسرحية العربية المعاصرة، فالمقابل لهما باللغة الفرنسية. هذا علما بأن الأصل اليوناني للمصطلح الأرسطي موجود في معاجم فرنسية خاصة بالمصطلح المسرحي.

المصطلح المسرحي في شروح العرب القدماء المصطلح المسرحي في الثقافة العربية المعاصرة المصطلح المسرحي باللغة الفرنسية
الطراغوذيا ـ صناعة المديح التراجيديا ـ المأساة La tragédie
القوموذيا ـ صناعة الهجاء  الكوميديا ـ الملهاة La comédie
الدراماطا الدراما Le drame
الوجه القناع Le masque
حسن الوجه السينوغرافيا La scénographie
المسكن الخشبةـالركح La scéne
الخوف والرحمة الخوف والرحمة La crainte et la pitié
الحل حل العقدة  Le dénouement
الحكاية الحكاية La fable
المدخل  المقدمةـالبرولوغ  Le prologue
المخرج الخروج L'éxodos
صناعة النفاق  الإخراج المسرحي  La mise en scéne
دائرة شمسية واحدة وحدة الزمن L unité de temps
نمط واحد وحدة الفعل L unité d'action
الخاتمة الخاتمة L'épilogue
اللعب اللعب / التمثيل Le jeu
ثيطرا الجمهور Le publique
المنافق ـ المحدثون والقصاص  الممثل ـ الممثلون L'acteur ـ les acteurs
الملحنون الجوقةـالكورس Le ch ur
التخييل التخييل L'imaginaire
التنظيف التطهير La catharsis
المحاكاة المحاكاة La mimésis
المبدأ ـ المجاز الاستهلال Parodos
الوسط الوسط Le milieu
اللذة اللذة Le plaisir
الارتجال الارتجال L'improvisation
القوانين القواعد Les lois
الشعرية الشعرية La poétique
ديثرمبى الديثرامب Le dithyrambe
الإدارة التحول La péripétie
العمل ـ الفعل الفعل L'action
الخرافة الخرافة La fable
المنافق الممثل L'acteur


يتضمن العمود الأول في الجدول مصطلحات مسرحية استعملها شارحو الشعرية الأرسطية العرب القدماء. ويتضمن العمود الثاني مصطلحات مسرحية تستعمل في الثقافة العربية المعاصرة. أما العمود الثالث فيتضمن مقابل هذه المصطلحات باللغة الفرنسية. يتبدى من خلال التدقيق في مصطلحات العمود الأول أنها كلها لا ترتبط بالشعرية العربية القديمة ومصطلحاتها، وليست مستخرجة من قراءة الشعر العربي القديم. إنها كلها مرتبطة بالشعرية الأرسطية.

ومادام شارحو تلك الشعرية العرب القدماء قد وضعوا هذه المصطلحات بوصفها ترجمة للمصطلح المسرحي الأرسطي فهذا دليل واضح على أنهم لم يخلطوا بينها وبين المصطلح الشعري العربي القديم. ليس هذا فحسب، ذلك أن التحديدات المتعلقة بكل مصطلح على حدة، كما تبين من النصوص أي الشروحات، لا علاقة لها بالتحديدات البلاغية العربية القديمة. وهذا دليل نصي ثاني يؤكد أن أولئك الشارحين كانوا يدركون تمام الإدراك بأنهم أمام مصطلح جديد وشعرية جديدة بالنسبة للثقافة العربية في ذلك العصر. ولم يعتبروا الطراغوذيا (التراجيديا) هي المديح، والقوموذيا (الكوميديا) هي الهجاء. لقد استعملوا صناعة المديح وليس المديح بالمعنى الشعري العربي المعروف. ولهذا جاء في شرح متى بن يونس، على سبيل المثال، أن"من غير العمل لا تكون صناعة المديح"(5) . والعمل هو الفعل في الاستعمال العربي المعاصر. وقد تم التمييز في الاستعمال العربي القديم بين الفعل البسيط والفعل المركب وسبب الاختلاف بينهما. واستعملوا لهذا الغرض مصطلحين مختلفين عن المصطلحين المستعملين في الثقافة المسرحية العربية المعاصرة هما الإدارة (مصطلح يقابل الاشتمال عند ابن سينا) والاستدلال. والإدارة بمصطلحات اليوم هي التحول مثل تحول أوديب من السعادة إلى الشقاء، والاستدلال هو التعرف مثل تعرف أوديب على الحقيقة.

بناء على ما سبق، ماهي علاقة المديح الشعري العربي بالعمل أي الفعل باعتباره مصطلحا مسرحيا؟ وما علاقته كذلك بالدورة الشمسية الواحدة وسائر مصطلحات العمود الأول؟. ليست هناك أية علاقة. وعلى هذا الأساس، فالمديح ليس هو صناعة المديح. تماما مثلما أن صناعة الهجاء ليست هي الهجاء بالمعنى الشعري العربي المعروف أيضا. وقد سبق لي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أن درست هذه التحديدات في كتاب "المصطلح المسرحي عند العرب". لذلك لا أريد أن أعود إليها هنا لأن هذا سيكون من قبيل التكرار. هذه المصطلحات منها العربي الفصيح مثل التنظيف (التطهير) والوجه (القناع) والخوف والرحمة وحسن الوجه (السينوغرافيا) والوسط والتخييل واللعب والمحاكاة والخرافة، لكن محتوياتها والمعاني الثاوية فيها لا تتعلق بالشعرية العربية القديمة وعمود الشعر. وهنا نتساءل ما علاقة عمود الشعر بالوجه أي القناع والتنظيف أي التطهير على سبيل المثال؟ لا وجود لعلاقة بين هذا العمود وسائر مصطلحات العمود الأول في الجدول. ومنها ما حافظ على تركيبه الصوتي اليوناني، حسب فهمهم، مثل الطراغوذيا والقوموذيا والدراماطا وديثرمبى. وعليه، فإن المصطلح المسرحي الأرسطي دخل إلى الثقافة العربية القديمة، من حيث اللغة، من هاتين الجهتين بالضبط. الجهة الأولى هي استعمال كلمات عربية فصيحة مقابل مصطلحات مسرحية أرسطية. والجهة الثانية تتعلق بالكلمات اليونانية المكتوبة بحروف عربية والتي تندرج ضمن الدخيل. وهذا يحدث تماما في الثقافة المسرحية العربية المعاصرة. فقد توجد الكلمة العربية الفصيحة التي يمكن أن تكون مقابلا للمصطلح المسرحي الغربي مثل التبئير التي توضع مقابل الكلمة الفرنسية La focalisation. وقد يبقى المصطلح على صورته الأولى إذا تعذر إيجاد مقابل فصيح في اللغة العربية، مثال ذلك الهامارثيا (مع زيادة أداة التعريف في اللغة العربية) التي هي Hamartia اليونانية الأصل. وقد يكون للمصطلح الغربي الواحد مثل Le montage مقابل عربي فصيح هو التركيب ومقابل دخيل هو المونطاج.

بعد إقرار ذلك، نقارن بين مصطلحات العمود الأول ومصطلحات العمود الثاني. يتضح من خلال هذه المقارنة أن هناك أحيانا تطابقا بين الاستعمال العربي القديم والاستعمال العربي المعاصر أو شبه تطابق. وقد يكون الاختلاف قائما بينهما، حيث قد يستعمل الشارحون العرب القدماء مصطلحا يتضمن نفس محتوى المصطلح المستعمل اليوم مثل الإدارة/ التحول. ولتبيان ذلك سيتم اعتماد أزواج اصطلاحية. الشق الأول من كل زوج اصطلاحي يتعلق بالاستعمال العربي القديم، والشق الثاني منه يتعلق بالاستعمال العربي المعاصر. هذه الأزواج هي:

الخوف والرحمة/ الخوف والرحمة، الحل/ حل العقدة، الحكاية/ الحكاية، المدخل/ المقدمة ـ البرولوغ، المخرج/ الخروج، دائرة شمسية واحدة/ وحدة الزمن، نمط واحد/ وحدة الفعل، الوسط/ الوسط، التنظيف/ التطهير، الإدارة/ التحول، ديثرمبى / ديثرمبوس ـ الديثرامب.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن المصطلحات المسرحية الأرسطية تم استخراجها من الشعرية الأرسطية من قبل مفسري هذه الشعرية وشارحيها الغربيين منذ عصر النهضة. هذه المصطلحات الأخيرة كانت موجودة في شروحات العرب القدماء المعنيين قبل اطلاع مفسري وشارحي ومستنبطي القواعد والمصطلحات المسرحية الغربيين من تلك الشعرية. أخضعها هؤلاء للشرح والتقعيد مع النهضة الأوروبية. وقبلها لم يكن أرسطو يذكر في العصور الوسطى عند الغربيين، والذي دلهم على الشعرية الأرسطية هو ابن رشد. في هذا السياق يقول ألاردس نيكول في كتابه "علم المسرحية":"لم يكن لأرسطو نصيب من الذكر في خلال العصور الوسطى كلها؛ ولم يكن أحد يعرف عنه إلا قليلا من نسخة عربية قام بها ابن رشد، ترجمها عنه بدوره إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر العلامة هرمان Hermann. ولم يعرف العالم أرسطو معرفة حقيقية إلا حينما اكتشف مرة أخرى المخطوط الكلاسي في القرن الخامس عشر؛ بل كان الناس حتى في ذلك الوقت يتعثرون في محاولاتهم تفسير عباراته؛ ثم جاءت في سنة 1498 تلك الترجمة اللاتينية غير الوافية التي قام بها جيورجيو ?ـ اللا، وقد كان لهذه الترجمة الفضل في تنبيه الأذهان إلى أعمال الفيلسوف، كما ضمنت قدرا من النجاح لأول مرجع يوناني نشره ألدوس Aldus سنة 1508، وللترجمات الكثيرة باللغتين اللاتينية والدارجة، وللأبحاث التي لا عدد لها التي بناها أصحابها على أقواله"(6).

لقد نشطت حركة الترجمة حينئذ من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية بفضل "رئيس أساقفة طليطلة مونسينيور دريموند"(7). وكان هذا الأخير قد أنشأ دائرة للترجمة في طليطلة من سنة 1130 إلى سنة 1150 من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية. وقد "كان عالم الأدب الأوروبي متصلا يومئذ من جهتين. الأولى من جهة الأندلس وعلى الخصوص طليطلة التي تقدم ذكرها. والثانية من جهة صقلية ومملكة نابولي. وكان المترجمون يترجمون الكتب العربية في هاتين الجهتين. وكانت دائرة الترجمة مؤلفة دائما من اليهود وأحيانا من بعض المسلمين الأندلسيين المنضمين إلى الأوروبيين وفيها الرئيس من الرهبان لمراقبة صحة الألفاظ اللاتينية. وكانوا في القرن الثاني عشر والثالث عشر يترجمون من العربية إلى اللاتينية مباشرة إلا أنهم بعد هذا الزمن صاروا يترجمون الكتب العربية من العبرانية"(8).

ومثلما تعثر الغربيون في "محاولاتهم تفسير عباراته" فقد تعثر ابن رشد حينما استشهد بأمثلة وشواهد شعرية عربية ليست من التراجيديا. لكن يبقى مع ذلك الجهاز الاصطلاحي الذي استعمله الشارحون العرب القدماء مرتبطا ارتباطا وثيقا بالشعرية المسرحية الأرسطية وليس بالشعر العربي.

أولئك الشارحون العرب القدماء، ومنهم ابن رشد، هم رواد تعريب المصطلح المسرحي. هذا النوع من التعريب المرتبط بهذا الفرع المعرفي والعلمي جرى استئنافه في أواسط القرن التاسع عشر ومازال مستمرا إلى يومنا هذا. في أواسط ذلك القرن استعمل مارون النقاش كلمة المرسح وجمعها مراسح، عوض كلمة مسرح المستعملة اليوم، بعد مشاهدته له حين سفره إلى إيطاليا. منذ ذلك الحين إلى اليوم اقتحمت المجال الثقافي العربي مصطلحات مسرحية عديدة جدا نتيجة الانفتاح الثقافي، نجدها مبثوثة في النصوص الدرامية والكتب والمقالات والدراسات. ليس هذا فحسب، ذلك أنه تم تأليف أو إعداد معاجم مسرحية باللغة العربية مخصصة للمصطلح المسرحي. وقد كان إبراهيم حمادة رائدا في هذا المجال المعرفي من خلال كتابه "معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية"(9). ثم تلته محاولات أخرى منها "المعجم المسرحي"(10) لماري إلياس وحنان قصاب حسن، و"معجم المصطلحات المسرحية"(11) لأحمد بلخيري.

أثناء إعدادي لهذا المعجم وجدت أن هناك مصطلحات مسرحية عديدة من السهولة بمكان تعريبها لأنها أصبحت متداولة وشائعة. لكن بالمقابل اعترضنني صعوبات أحيانا بسبب وجود مصطلحات جديدة لا وجود لمقابل عربي لها. في هذا السياق أذكر اقتراحي تعريب مصطلح Gestus بالحرككة (بكافين وليس كافا واحدا) في "معجم المصطلحات المسرحية" المشار إليه سابقا. ورد في هذا الأخير بخصوص المصطلح المذكور:"لقد اقترحت ترجمة Gestus بالحرككة للأسباب التالية:

1ـ للتمييز بين الحركة، وهي فردية، والحرككة التي من المفترض هنا أن تكون جماعية، تتعلق بالعرض المسرحي والتفاعل الحركي بين الممثلين.

2ـ أن الحرككة مشتقة من الحركة. لذلك وردت في مادة (حرك) في لسان العرب لابن منظور. وقد حدد معناها اللغوي فقال إن: "الحرككة: الحرقفة، و الجمع الحراكك والحراكيك، وهي رؤوس الوركين، ويقال أطراف الوركين بما يلي الأرض إذا قعدت" (دار صادر. ج/ 10. 411).

3ـ أن الحركة والحرككة تشتركان في عدد من الأصوات، وكذلك الشأن بالنسبة لـ Geste و Gestus .

وعليه، يمكن ترجمة Gestus بالحرككة، التي يصير لها، انطلاقا من هذا الاستعمال الجديد، معنيان. معنى لغوي حدد ابن منظور، وقد سبقت الإشارة إليه. ومعنى اصطلاحي هو المتعلق بتحديد Gestus في معجم بافيس. لقد قمت هنا إذن بإحياء كلمة عربية قديمة مع إضفاء معنى اصطلاحي جديد عليها في اللغة العربية"(12) .

إن تفاعل اللغات والثقافات فيما بينها وتأثير بعضها في بعض أمر قائم منذ القدم، دليل ذلك اللغة العربية نفسها التي تتضمن العربي والمعرب والدخيل. وعلى هذا الأساس، فقد أثرت هذه الأخيرة في غيرها من اللغات وتأثرت بغيرها أيضا. ومادام هذا التفاعل والانفتاح ليس محدودا في الزمن، فإنه ينبغي، حرصا على إغناء اللغة العربية، مراعاة أساليب وقواعد التعريب في اللغة العربية أولا حين مواجهة مصطلح جديد غير موجود في اللغة العربية. لكن إذا تعذر ذلك، وهذا هو الإجراء الثاني، يمكن المحافظة على هذا الجديد، مع إمكانية إدخال تعديلات جديدة يقتضيها البناء الصرفي ومقتضيات الصوتيات العربية. وفي هذا الإطار يندرج الدخيل.

واللغة العربية لم تتغذ بالمعرب والدخيل فقط، ولكن بالوضع أيضا أي بالإبداع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المعطيات النصية الدرامية دفعتني إلى وضع مصطلح جديد في المعجم السابق الذكر. هذا المصطلح هو "السيرة الذاتية الدرامية". هذا المصطلح يميز، من خلال تركيبه اللغوي وكذلك من خلال المعطيات النصية الدرامية التي كانت سببا في وجوده بين "السيرة الذاتية الدرامية" و"السيرة الذاتية" و"السيرة الذهنية". وكان عبد الله العروي قد استعمل "السيرة الذهنية" لعمله السردي "أوراق"، وذلك للتمييز بين هذه السيرة الأخيرة و"السيرة الذاتية".

إن علم المسرح يتشكل من المصطلحات، شأنه في ذلك شأن سائر العلوم. وينبغي حين نحت أو تعريب هذه المصطلحات مراعاة أساليب وقواعد اللغة العربية، مع أنه قد يتعذر ذلك أحيانا. دليل ذلك مصطلحا التراجيديا والكوميديا. لكن ينبغي أن تكون الأسبقية لمراعاة تلك الأساليب والقواعد.


باحث مسرحي من المغرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن منظور. لسان العرب. دار صادر. الجزء الأول. ص/ 589.
1(مكرر) ـ تستحسن العودة إلى دراسة أمية غانم أيوب وعنوانها "الألفاظ المعربة في كتاب (ديوان الأدب) للفارابي" المنشورة في موقع "ديوان العرب" يوم 4 كانون الثاني (يناير) 2008. استخرجت الباحثة فيها الألفاظ المعربة الموجودة في كتاب "ديوان الأدب" للفارابي.
2 ـ توفي سنة 940 م ببغداد.
3 ـ أرسطوطاليس. فن الشعر (مع الترجمات العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد) ترجمة وشرح وتحقيق عبد الرحمن بدوي. دار الثقافة. بيروت. لبنان. 1973.
4 ـ أحمد بلخيري. المصطلح المسرحي عند العرب. البوكيلي للطباعة. القنيطرة. المغرب. ط/ 1. 1999.
5 ـ أرسطوطاليس. فن الشعر (مع الترجمات العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد) ترجمة وشرح وتحقيق عبد الرحمن بدوي. دار الثقافة. بيروت. لبنان. ص/ 98. 1973.
6 ـ ألاردس نيكول. علم المسرحية. مكتبة الآداب. ص/ 13. ترجمة دريني خشبة.
7 ـ فرح أنطون. فلسفة ابن رشد. منتدى ابن تاشفين. مطبعة فضالة. ط/ 1. 2006. ص/51.
8 ـ نفسه. ص/ 52.
9 ـ إبراهيم حمادة. معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية. دار المعارف. القاهرة. انظر دراستي لهذا المعجم في كتابي "المصطلح المسرحي عند العرب".
10ـ ماري إلياس وحنان قصاب حسن. المعجم المسرحي. مكتبة لبنان ناشرون. ط/ 1. 1997.
11ـ أحمد بلخيري. معجم المصطلحات المسرحية. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. المغرب. ط/ 2. 2006. (إعداد). صدرت الطبعة الأولى سنة 1997.
12ـ نفسه. ص/ 74.