رسالة المغرب
سؤال القراءة وشعرية الفضاء والصورة، إضاءات من المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء وندوة الصحراء والسينما
. سؤال القراءة والمقروئية نظمت وزارة الثقافة المغربية بتعاون مع مكتب معارض الدار البيضاء، المعرض الدولي الرابع عشر للنشر والكتاب من 8 إلى 17 فبراير 2008 بالدار البيضاء. وذلك تحت شعار "احتفال القراءة". وقد كانت فرنسا ضيف الشرف خلال هذه الدورة، فحضرت بأهم دور النشر الفرنسية. كما وصل عدد الدول المشاركة 46 وهي: الإمارات العربية المتحدة، الأردن، مصر، لبنان، سوريا، المغرب، العربية السعودية، فرنسا، موناكو، بلجيكا، أيطاليا، اسبانيا، سويسرا، أمريكا، ليبيا، سلطنة عمان، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، إيران، اليونان، المكسيك، البيرو، الأرجنتين، الشيلي، فنزويلا،البرازيل، كندا، روسيا، البرتغال، ألمانيا، موريتانيا، السنغال، المملكة المتحدة، قطر، البحرين، العراق، جزر موريس، الكامرون، الغابون، كوت ديفوار، بوركينافاسو، غانا، الهند وماليزيا. وكان عدد العارضين 590 ناشرا، بينهم 190 عارضا مباشرا و400 ممثلين. كما تميزت هذه الدورة ببرنامج ثقافي مواز توزع على ثلاث قاعات، فضلا عن فضاءات مفتوحة احتضنت أنشطة ثقافية إضافية. وشكلت العروض الموسيقية والغنائية والمسرحية الأكثر جماهيرية إضافة نوعية إلى هذه الدورة بحثا عن جمهور آخر ليست له عادة القراءة أو مصاحبة الكتاب. وهكذا بلغ عدد المدعوين المغاربة 150 كاتبا ومبدعا وفنانا، وعدد المدعوين من الأشقاء والأصدقاء العرب والأجانب 84 ضيفا شاركوا في 71 لقاء وفي 18 عرضا فنيا، 6 منها داخل فضاء المعرض و12 في فضاءات أخرى بالدار البيضاء. أما جمهور الأطفال فقد خصصت له 5 عروض فنية. وللإشارة، فقد بلغت المساحة الإجمالية للمعرض 22772 متر مربع، منها 10000 متر مربع مساحة لعرض الكتب و2132 متر مربع مساحة للتنشيط الثقافي والفني، و1834 متر مربع فضاءات مخصصة للصلاة والاستراحة، و8806 كممرات للزوار. الدورة 14 تعتبر أولى دورات في عهد الوزيرة الفنانة ثريا جبران اقريتيف، دورة أريد لها "أن تخضع لهذا التميز". وحين تم اختيار محور "الاحتفال بالقراءة"، فلأن الإحصائيات المنشورة أخيرا أمست تهدد المغرب في مستقبله. الأرقام المخيفة جزء من معادلة أصعب، لا تتعلق فقط براهن الكتاب وتوزيعه، ولا بوضعية المثقف المغربي. ولا حتى بتصورات واستراتيجيات الجمعيات الفاعلة في المجتمع المدني. الأمر ببساطة يتعلق بإرادة الدولة في جعل الثقافة ديدنا في أي سياسة حكومية. وهو السؤال المغيب، الأمر لا يتعلق بوزارة وصية ظلت تشتكي دوما من قلة إمكاناتها، ومن تهميش مقصود لرقم ميزانيتها المخصصة. وإنما المطلوب اليوم فتح حوار وطني حقيقي يساهم فيه الجميع، لكي يستعيد الكتاب عشاقه، ويستعيد الكاتب متلقيه الافتراضي. ويمكن حينه للمغرب الثقافي أن يستعيد جسده الخصب. لا يمكن اليوم، الحديث عن أسئلة القراءة وانحسار المقروئية في ظل وضع قاتم سيرته الأمية والجهل والفقر. الفقر هنا بنوعيه الاجتماعي والفكري. وإذا كان لابد من حوار، فيجب على جميع الأطراف الانخراط فيه بمسؤولية، وعلى الدولة المغربية أن تتحمل مسؤوليتها في توفير ظروف تحقيق توصياته. لا أن يظل الجهاز القاتم، والذي تفنن في تأجيل المشاريع الكبرى التي كان على المغرب الثقافي أن ينتهي منها. وعوض تعويم جزء من الإشكالات التي تهم المغرب الثقافي اليوم، لابد للأطراف المنشغلة في هذا المجال أو التي تنخرط فيه، من تحيين أسئلة الفعل الثقافي، والانخراط في أفقه. بالشكل الذي يستطيع معه القارئ الافتراضي، والمتلقي والفاعل الثقافي عموما، تحيين انخراطه من جديد. اللافت هذه السنة في فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر، حضور فاعل للطفل. وهو الحضور المجازي في معادلة أسئلة القراءة والمقروئية. الحضور الذي انعس على عناوين الدور المشاركة. وهو ما دفع بعضها الى تخصيص أجنحتها لكتب الأطفال. الأنشطة الثقافية المركزية، والتي سهرت لجنة علمية على برمجتها، عرفت سوءا في تدبير البرمجة، وهو ما جعل البعض يطالب بإعادة إخضاع المحاصصة وفق رؤية جديدة تمكن الفاعل الثقافي من تتبع برنامج الأنشطة في كليته. 2. لقاء مع عزمي بشارة إذا كانت لديك صياغات جمالية للواقع وتعبيرات لغوية فإنك تنتج أدبا رفيعا: شكل اللقاء المفتوح الذي نظم بقاعة محمد بنعمارة بالمعرض الدولي للكتاب، الخاص بالمناضل والمفكر الفلسطيني عزمي بشارة، حدث انطلاق فعاليات هذه الأنشطة الثقافية والفكرية. اللقاء عرف حضورا جماهيريا لافتا، تشي بمكانة الرجل في المخيال الجمعي، لا عند المثقفين والإعلاميين لوحدهم. وقد كان المفكر الفلسطيني جريئا كعادته في طرح القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، وقضية العرب الأولى فلسطين. اللقاء أداره الباحث المغربي عبدالاله بلقزيز. تطرق عزمي بشارة في طرحه لتجربته الإنسانية والنضالية والسياسية بفلسطين في مواجهة غطرسة الإستبداد الصهيوني، من موقعه كواحد من أبناء فلسطينيي 48. وكان اللقاء مناسبة لتطارح أفكار فلسفية وأدبية وسياسية، تؤطر مسار عزمي بشارة، الذي أكد أنه "ليس ناقدا، ولا روائيا، ولا حتى قارئا محترفا" وإنما تتملكه الرغبة الجامحة في تشكيل صياغات جمالية للواقع. لأنه كما قال "إذا كانت لديك صياغات جمالية للواقع وتعبيرات لغوية فإنك تنتج أدبا رفيعا". ومن جهته أكد عبد الإله بلقزيز أن "اللقاء مع عزمي بشارة هو لقاء معه كمفكر وكمبدع، كناية عن حوار مفتوح مع المناضل والقائد الوطني والسياسي، وأيضا الأديب والمفكر الذي لم يذهل وهو في خضم الممارسة السياسية والنضالية عن واجب وطن نفسه عن أن يقدمه هو الإنتاج الفكري والتعبير الرمزي الجمالي والفكري". وقال إن هذا المفكر الفلسطيني استطاع أن ينتج "موضوعات اجتهادية ستظل مثار مناقشة خصبة في الحقل الفكري العربي". 3. نينار إسبير: صورة أدونيس المركبة من جهة ثانية، استضاف بيت الشعر في المغرب، ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب، الفنانة التشكيلية نينار إسبر (ابنة الشاعر أدونيس) لتقدم في لقاء حضره نقاد وشعراء مغاربة، صورة أخرى عن أدونيس، الشاعر والإنسان والأب، من خلال كتابها "حوارت مع أدونيس، والدي". وأكد جل المتدخلين الذين شاركوا في تأطير هذا اللقاء، وقدموا قراءات من زوايا متعددة لمضامين الكتاب، أن هذا المؤلف يطرح مجموعة من الأسئلة والقضايا والإشكالات المرتبطة بعلاقة اسبر بوالدها الشاعر الكبير أدونيس في مختلف تجلياته. وأكدت إسبر إنه من الصعب اكتشاف أدونيس من خلال بحث واحد فهو يحتاج إلى كتب ومؤلفات، سواء كأب أو كشاعر، مضيفة أن شعر أدونيس يخلق لديها باستمرار نوعا من الدهشة حيث تحاول من خلال هذا الشعر أن تجد القاسم المشترك بين "أدونيس الشاعر" و"أدونيس الأب". وأكدت إسبر، في مقدمة الكتاب أنها أرادت "عمل هذه المقابلة مع أبي أدونيس لأنني كنت أحتاج لمعرفته وخصوصا لقضاء وقت معه. أردت أن يحكي لي أشياء، أن يجيب على أسئلتي، أسئلة ابنته". 4. الإبداع والحرية مع واسيني الأعرج وبول شاوول ورشيد بوجدرة وبيير أبي صعب وناقشت ندوة "الإبداع والحرية.. كيف نكتب ونفكر في اللحظة العربية الراهنة" أسئلة تتعلق بمفهوم الحرية والكتابة ودور المثقف وعلاقته بالسلطة والمجتمع. الندوة التي شارك فيها الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، أكد في مداخلته خلال هذه الندوة، إلى أنه بات من الضروري مراجعة كل المفاهيم التي بنيت عليها مقولة الحرية والمسلمات السابقة عن قدرة المثقف على مواجهة الواقع بل والتعامل معها وفق رؤية نقدية تسائل مدى صلاحية هذه المفاهيم والمسلمات للحظة العربية الراهنة. وتساءل، في هذا السياق، عن إمكانية تأمل الحرية، كمفهوم، من خلال اللحظة العربية الراهنة وعن نجاعة الآليات المفاهيمية المستعملة في هذا التحليل، مشيرا إلى أنه صار من الصعب استعمال الآليات ذاتها في لحظة تعرف انقلابا كبيرا في كل المفاهيم السابقة كمفهومي "الوطنية" و"القومية" وهو الأمر الذي قد يفضي إلى تقديم إجابات غير صحيحة عن الوضع العربي الراهن. واعتبر أن هذا الاختلال جعل المثقف العربي في حيرة من أمره بل فرض عليه واقعا يتجاوزه، مستخلصا أن "الكتابة وحدها تمنحنا القدرة على المواصلة والمقاومة والحياة"، وأن دور المثقف يتمثل أساسا في "العمل على تحرير المتخيل ليفتح مساحات أخرى جديدة" أمام العمل الإبداعي. وذهب الشاعر والمسرحي اللبناني بول شاوول إلى أن الكتابة العربية اليوم تعاني عدة أشكال من الحصار وكلها أشكال عضوية وصعبة المواجهة. فبالنسبة له، يبقى إشكال الكتابة قائما في ظل عدم وجود هوامش تتيح للمثقف أن يكتب بحرية مما يطرح إشكالا معقدا يتعلق بمعنى الكتابة في اللحظة العربية الراهنة التي يرى أنها لحظة الامتزاجات العالمية والتي يتعذر فيها الحديث عن وجود هوية عربية صرفة في ظل التجاذبات الحضارية والفكرية. وقال "إن الحصار وغياب هوامش الحرية أثر على الكاتب العربي مما جعل من الكتابة فعل مقاومة لكل صور النمذجة في الأسلوب والنمط والموضوع". وتناول الروائي والشاعر الجزائري رشيد بوجدرة علاقة المثقف بالسلطة من جهة وعلاقته بالمجتمع قائلا إن واقع الكتابة في اللحظة الراهنة يفرض الاهتمام بعلاقة المثقف بمحيطه الاجتماعي بعدما صار المثقف يعيش حالة صراع بين "الوعي الإبداعي" عند المؤلف وعند الآخرين. وفيما يشبه النقد الذاتي، أشار الكاتب الجزائري إلى أن المشهد الإبداعي العربي عرف بروز أجيال جديدة تستعمل الفن للارتقاء وإيجاد مجالات عمل جديدة وهو ما جعلها تتولى مهمة ممارسة الرقابة على المنتج الإبداعي من موقع السلطة. وفي ظل هذه التغيرات التي عرفها حقل الإبداع العربي وتغير المواقع، صار من الضروري، بالنسبة لرشيد بوجدرة، التساؤل بجدية عمن يستحق فعلا لقب "مبدع". وخلص إلى أن "الخطر في داخلنا نحن المثقفين والمبدعين" وأن المثقف العربي بدوره يعيش حالة "تخلف" تفرض عليه ممارسة نوع من النقد الذاتي لتجاوز هذه الحالة. وأكد الصحفي والكاتب اللبناني بيير أبي صعب أن اللحظة العربية الراهنة هي " لحظة إفلاس ولحظة هزيمة، علينا أن نتقبل ونعترف بهذه الهزيمة". ورأى أنه يجب الانطلاق من الهزيمة من أجل بناء مشروع نهضوي جديد ومن أجل بناء مفاهيم مغايرة عن تلك التي كانت سائدة فيما قبل مع تحديد الأسباب الحقيقية التي جعلت المجتمعات العربية تعيش حالة الانتكاس الراهنة. ودعا في هذا الإطار إلى أن نكون أكثر شجاعة في التعامل مع الظواهر والأسباب التي أدت إلى بروز تيارات متطرفة داخل المجتمعات العربية، معتبرا أن هذه المجتمعات تعاني من التشتت والتناحر فيما بينها مما جعل من الصعب انتقال المنتج الثقافي بينها. وشدد على أن هذا الواقع يفرض "إعادة اقتراح المقاومة والاستفادة من الأخطاء السابقة" وكذا البحث عن قنوات للحوار مع التيارات المتطرفة للجمع بين التيارين السائدين الآن داخل الوطن العربي وهما التيار الليبرالي والتيار الراديكالي. وقال إن من شأن هذا الحوار أن يصل إلى بلورة خطاب معقد لكنه يجمع بين الاثنين من أجل الدفاع عن الهويات الوطنية أمام زحف المصالح الاستراتيجة للدول العظمى بالمنطقة. 5. التنوع الثقافي مع بنسالم حميش، كمال عبداللطيف، عبدالحي المودن وعبدالله ساعف تناولت ندوة «قضايا التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات»، أهم المعيقات والصعوبات التي تحول دون نجاح أي حوار بين الثقافات والحضارات. وطرح المشاركون في هذه الندوة سؤالا إشكاليا عن الأسباب الحقيقية التي جعلت من قضية الحوار موضوعة تنشغل بها المنتديات والمنظمات دون الوصول إلى أرضية متفق بشأنها يكون بوسعها أن تشكل أرضية لانطلاق حوار حقيقي بين كافة القوى الثقافية والحضارية في العالم. وفي هذا الإطار عزا الكاتب والأديب بن سالم حميش انسداد أفق الحوار إلى كون المقاربة التي ينظر من خلالها إلى الأطراف المتحاورة تجعل منها كتلا ومعسكرات مدعوة إما إلى الحرب أو إلى السلم وأن كل كتلة متراصة والحال ليس كذلك. وأكد أنه لا يمكن لأي حوار أن يتم ما لم يزل منطق القوة وتتم تصفية بؤر الصراع والنزاع والتهوين من القطبية والفكر الواحيدي المهيمن الذي يفرض نفسه, والاعتراف للشعوب بحقوقها، وفي هذه الحالة فقط، يقول حميش، نكون قد دخلنا مرحلة أخرى يمكن فيها البناء لحوار منتج وفعال. وفي انتظار الوصول إلى هذه المرحلة من الحوار المنتج والفعال، يرى الكاتب أنه «علينا ألا نتحول إلى دعاة، بل علينا أن نرصد الصعوبات التي تحول دون حوار حقيقي بين الأنداد، وليس حوارا مصطنعا للواجهات والاستهلاك».واعتبر أن من بين أهم المعيقات التي تجعل من العسير الحديث عن تقدم في مسار الحوار، وجود خلط في المفاهيم وتعويمها مما يتطلب تحديد الترسانة المفاهيمية وضبط القاموس السائد الذي يصنع في بعض الأوساط الأوروبية الوزانة والقوية. وحذر هنا من الاستعمال السائد اللامراقب معرفيا» لعدد من المفاهيم المتداولة على الصعيد العالمي ك الدول المارقة، والإرهاب، وامبراطورية الشر ومحور الشر والاحتواء. وفي مقاربة سوسيولوجية للحوار الثقافي، أكد الباحث عبد الحي المودن أن الحديث عن هذا النوع من الحوار غالبا ما يتم انطلاقا من زاوية إيديولوجية تركز على الصراع أو المواجهة و تاريخ من التعايش السلمي، وهي مفاهيم إيديلوجية دون سياق تاريخي أو معرفي زمني، في تغييب كامل للبعد السيوسيولوجي والسوسيو اقتصادي. فحوار الثقافات، يضيف الباحث، هو شكل من أشكال التعامل بين أفراد من ذوي انتماءات إقليمية وجغرافية متعددة مشددا في الوقت نفسه على أن المبادلات الاقتصادية وباعتبارها تتم بين شعوب لها انتماءات دينية ولغوية مختلفة، هي تواصل يومي، مع الآخر وهي صورة من صورالتواصل الثقافي الذي لم يخضع بعد للدراسة الأكاديمية. وأبرز أن الحوار في شقه السوسيولوجي له أهمية قصوى في الدفع بحوار من نوع آخر تعطى فيه الأولية للتعددية الثقافية الداخلية كوحدة متجانسة في مقابل الآخر. ولاحظ بهذا الصدد أنه من الضروري التفكير في خلق حوار ثقافي داخلي يتم فيه الاعتراف بالتعددية الثقافية والانتقال من التوجس إلى التفاعل، والبحث عن وسائل لحوارات متعددة، والتعرف على بعضنا البعض مما سيؤهلنا إلى الحديث عن حوار على مستوى ثقافي عالمي. قدم الباحث عبد الله ساعف مجموعة من المحددات المنهجية التي اعتبر أنها ضرورية لتصويب الهدف من الحوار والابتعاد عن التعميمات في المفاهيم والأحكام واعتماد مقاربة تتجاوز المعيقات الثقافية الذاتية. وقال إن التمييز بين الكتل سياسيا واقتصاديا وثقافيا يتطلب تغليب وتفعيل الإطار المؤسساتي.. مشيرا إلى أن هذه الخطوة مرتبطة بتحديد الاتجاهات والأهداف الأساسية في كل شكل من أشكال الحوار. وفي سياق حديثه عن الغايات المرجوة من وراء أي فعل حواري مع الآخر، أشار ساعف إلى أن الهدف الأساسي من وراء أي مبادرة حوارية يتمثل في الوصول إلى «الحرية» وهي قيمة أساسية لا تنتج بالضرورة عن الحوار الثقافي أو الحضاري بل هي منتوج سياسات إصلاحية تنزع إلى الدمقرطة ولا يتنافى مع الخصوصيات. وأضاف في معرض معالجته للمقاربات المختلفة لفعل الحوار، أنه صار من الواجب تدقيق المفاهيم وضبطها والتمييز بين الكتل الفكرية بعيدا عن التعميمات التي تسحب مفهوما واحدا على كتل متعددة ومتبانية. رفض الأفكار المسبقة لدى أطراف الحوار، والبناءات المفاهيمية المنمقة، وتشويه الواقع وتجريم الآخر، يضيف عبد الله ساعف، تعد من المعيقات الرئيسية لأي حوار مطالبا في الوقت نفسه بالقيام بمساءلة الذات والعمل على تأهيلها من أجل تحقيق الاندماج في إطار تحالف حضاري. ويرى أنه بات من اللازم عند هذا المستوى من الحديث عن مبادرة لها أهميتها مثل تحالف الحضارات، تغليب أفق الاندماج في التنوع وإعادة النظر في مفهوم الحضارات كفاعل دبلومسي حضاري وإعطاء الأولوية لقيم التفاعل التداخلي والإدماجي. ومحاولة منه للإجابة عن السؤال المركزي لهذه الندوة، شدد الكاتب كمال عبد اللطيف، على ضرورة التخلص من ثقل المرجعية السياسية من خلال الابتعاد عن الحوار في لحظات حرب قائمة ضاغطة على الجميع وفي ظل الصراعات الداخلية والخارجية. 6. الصحراء والسينما: شعرية الفضاء والصورة نظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب، بشراكة وتعاون مع مجلس جهة مكناس ـ تافيلالت، وبدعم من عمالة إقليم الرشيدية والمجلس البلدي لأرفود. ندوة في موضوع: الصحراء والسينما شعرية الفضاء والصورة. وذلك يومي السبت 2 و3 فبراير 2008 بمدينة أرفود، بمشاركة: محمد كلاوي، حمادي كيروم، محمد صوف، عبد اللطيف البازي، ادريس اشويكة، عمر بلخمار، حسن بحراوي، عبد الحق بديار، نوفل براوي، إدريس الخوري، خالد الخضري، بشير القمري، عبد الرحيم العلام، مصطفى النحال، حسن مخافي، حميد اتباتو، عز الدين الخطابي، مبارك حسني، حفيظ العيساوي، مهدي لمراني، موحى صواك، سعيد كريمي. وقد أقيمت الندوة تنفيذا لاتفاقية الشراكة بين مجلس جهة مكناس ـ تافيلالت واتحاد كتاب المغرب، حول دعم تنظيم الأنشطة الفكرية والثقافية بجهة مكناس ـ تافيلالت. وحول سؤال لماذا هذه الندوة يؤكد الأستاذ عبدالحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب، أن هناك "أكثر من اعتبار حفزنا في المكتب المركزي علي اختيار «الصحراء والسينما» موضوعا لهذه الندوة بأرفود". اعتبارات ثلاث تحكمت في انعقاد الندوة. الاعتبار الأول وطني صرف، إن اتحاد كتاب المغرب على امتداد تاريخه، اتخذ من المغرب، كل المغرب أفقا لتفكيره، ولإشعاعه الثقافي. الغاية بالطبع هي الإسهام في دمقرطة الحق في التثقيف وفي فضاءات الحوار والتواصل عبر الثقافة، حيث لا فرق بين «مركز و محيط». الاعتبار الثاني ثقافي، "فانفتاح البرنامج الثقافي للاتحاد علي مجال الفنون، ليس بالأمر العارض أو الطارئ". يضاف الى ذلك الأّهمية تتعاظم لثقافة الصورة وللسينما ودورهما في إغناء الوجدان وشحذ الفكر وطاقة التخييل في عالم اليوم. وتتلخص أهداف الندوة في: إبراز أهمية الصحراء وإمكاناتها المجالية والقيمية والرمزية من حيث هي فضاء أغوى ويغوي العديد من المخرجين والمنتجين السينمائيين بالعالم. مقاربة دور الصحراء في إغناء ثقافة الصورة وتجديدها ومنحها قيمة مضافة، فالصحراء منبع وغنى للإبداع والتخيل، ألهم فضلا عن الشعراء والرحالة والروائيين، العديد من السينمائيين: من المخرجين والمنتجين وكتاب السيناريو. تحليل نماذج من أفلام الصحراء في ثقافات العالم، في محاولة لإبراز شعرية الفضاء والصورة، والقيمة المضافة المتأتية من هذا الاقتران الإبداعي بين عالمي الصحراء والسينما. إلقاء أضواء نقدية على الفيلموغرافيا المغربية من زاوية هذه العلاقة بين الصحراء والسينما، وبأفق كوني تتميز فيه مقاربة التجارب المغربية على حدوديتها، بالتجارب المغاربية والعربية، ولم لا الكونية. فالخصوصيات مهما تكن لا تأخذ معناها إلا بوصفها تجليا أو مغايرا من مغايرات الكونية. شكلت ندوة "الصحراء والسينما: شعرية الفضاء والصورة"، محطة نقدية بامتياز. وفرصة "للحوار ولتجديد النظر، وتعميق الرؤى. إنها فرصة كذلك لتقويم الذات المبدعة والذات المتلقية للسينما بمغرب اليوم". كما تشكل تطورا ملموسا في تعاطي اتحاد كتاب المغرب مع الخطاب السينمائي، الذي أمسى يتبوأ مكانته الأساسية في مشروع الدرس النقدي. ولعله انفتاح نابع من الانخراط الواعي للنقاد السينمائيين المغاربة في تشكيل صورة الخطاب النقدي، وفي الانخراط الواعي في المشهد الثقافي بكل أسئلته.
. سؤال القراءة والمقروئية نظمت وزارة الثقافة المغربية بتعاون مع مكتب معارض الدار البيضاء، المعرض الدولي الرابع عشر للنشر والكتاب من 8 إلى 17 فبراير 2008 بالدار البيضاء. وذلك تحت شعار "احتفال القراءة". وقد كانت فرنسا ضيف الشرف خلال هذه الدورة، فحضرت بأهم دور النشر الفرنسية. كما وصل عدد الدول المشاركة 46 وهي: الإمارات العربية المتحدة، الأردن، مصر، لبنان، سوريا، المغرب، العربية السعودية، فرنسا، موناكو، بلجيكا، أيطاليا، اسبانيا، سويسرا، أمريكا، ليبيا، سلطنة عمان، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، إيران، اليونان، المكسيك، البيرو، الأرجنتين، الشيلي، فنزويلا،البرازيل، كندا، روسيا، البرتغال، ألمانيا، موريتانيا، السنغال، المملكة المتحدة، قطر، البحرين، العراق، جزر موريس، الكامرون، الغابون، كوت ديفوار، بوركينافاسو، غانا، الهند وماليزيا. وكان عدد العارضين 590 ناشرا، بينهم 190 عارضا مباشرا و400 ممثلين.
كما تميزت هذه الدورة ببرنامج ثقافي مواز توزع على ثلاث قاعات، فضلا عن فضاءات مفتوحة احتضنت أنشطة ثقافية إضافية. وشكلت العروض الموسيقية والغنائية والمسرحية الأكثر جماهيرية إضافة نوعية إلى هذه الدورة بحثا عن جمهور آخر ليست له عادة القراءة أو مصاحبة الكتاب. وهكذا بلغ عدد المدعوين المغاربة 150 كاتبا ومبدعا وفنانا، وعدد المدعوين من الأشقاء والأصدقاء العرب والأجانب 84 ضيفا شاركوا في 71 لقاء وفي 18 عرضا فنيا، 6 منها داخل فضاء المعرض و12 في فضاءات أخرى بالدار البيضاء. أما جمهور الأطفال فقد خصصت له 5 عروض فنية. وللإشارة، فقد بلغت المساحة الإجمالية للمعرض 22772 متر مربع، منها 10000 متر مربع مساحة لعرض الكتب و2132 متر مربع مساحة للتنشيط الثقافي والفني، و1834 متر مربع فضاءات مخصصة للصلاة والاستراحة، و8806 كممرات للزوار.
الدورة 14 تعتبر أولى دورات في عهد الوزيرة الفنانة ثريا جبران اقريتيف، دورة أريد لها "أن تخضع لهذا التميز". وحين تم اختيار محور "الاحتفال بالقراءة"، فلأن الإحصائيات المنشورة أخيرا أمست تهدد المغرب في مستقبله. الأرقام المخيفة جزء من معادلة أصعب، لا تتعلق فقط براهن الكتاب وتوزيعه، ولا بوضعية المثقف المغربي. ولا حتى بتصورات واستراتيجيات الجمعيات الفاعلة في المجتمع المدني. الأمر ببساطة يتعلق بإرادة الدولة في جعل الثقافة ديدنا في أي سياسة حكومية. وهو السؤال المغيب، الأمر لا يتعلق بوزارة وصية ظلت تشتكي دوما من قلة إمكاناتها، ومن تهميش مقصود لرقم ميزانيتها المخصصة. وإنما المطلوب اليوم فتح حوار وطني حقيقي يساهم فيه الجميع، لكي يستعيد الكتاب عشاقه، ويستعيد الكاتب متلقيه الافتراضي. ويمكن حينه للمغرب الثقافي أن يستعيد جسده الخصب.
لا يمكن اليوم، الحديث عن أسئلة القراءة وانحسار المقروئية في ظل وضع قاتم سيرته الأمية والجهل والفقر. الفقر هنا بنوعيه الاجتماعي والفكري. وإذا كان لابد من حوار، فيجب على جميع الأطراف الانخراط فيه بمسؤولية، وعلى الدولة المغربية أن تتحمل مسؤوليتها في توفير ظروف تحقيق توصياته. لا أن يظل الجهاز القاتم، والذي تفنن في تأجيل المشاريع الكبرى التي كان على المغرب الثقافي أن ينتهي منها. وعوض تعويم جزء من الإشكالات التي تهم المغرب الثقافي اليوم، لابد للأطراف المنشغلة في هذا المجال أو التي تنخرط فيه، من تحيين أسئلة الفعل الثقافي، والانخراط في أفقه. بالشكل الذي يستطيع معه القارئ الافتراضي، والمتلقي والفاعل الثقافي عموما، تحيين انخراطه من جديد.
اللافت هذه السنة في فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر، حضور فاعل للطفل. وهو الحضور المجازي في معادلة أسئلة القراءة والمقروئية. الحضور الذي انعس على عناوين الدور المشاركة. وهو ما دفع بعضها الى تخصيص أجنحتها لكتب الأطفال. الأنشطة الثقافية المركزية، والتي سهرت لجنة علمية على برمجتها، عرفت سوءا في تدبير البرمجة، وهو ما جعل البعض يطالب بإعادة إخضاع المحاصصة وفق رؤية جديدة تمكن الفاعل الثقافي من تتبع برنامج الأنشطة في كليته.
2. لقاء مع عزمي بشارة إذا كانت لديك صياغات جمالية للواقع وتعبيرات لغوية فإنك تنتج أدبا رفيعا: شكل اللقاء المفتوح الذي نظم بقاعة محمد بنعمارة بالمعرض الدولي للكتاب، الخاص بالمناضل والمفكر الفلسطيني عزمي بشارة، حدث انطلاق فعاليات هذه الأنشطة الثقافية والفكرية. اللقاء عرف حضورا جماهيريا لافتا، تشي بمكانة الرجل في المخيال الجمعي، لا عند المثقفين والإعلاميين لوحدهم. وقد كان المفكر الفلسطيني جريئا كعادته في طرح القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، وقضية العرب الأولى فلسطين. اللقاء أداره الباحث المغربي عبدالاله بلقزيز.
تطرق عزمي بشارة في طرحه لتجربته الإنسانية والنضالية والسياسية بفلسطين في مواجهة غطرسة الإستبداد الصهيوني، من موقعه كواحد من أبناء فلسطينيي 48. وكان اللقاء مناسبة لتطارح أفكار فلسفية وأدبية وسياسية، تؤطر مسار عزمي بشارة، الذي أكد أنه "ليس ناقدا، ولا روائيا، ولا حتى قارئا محترفا" وإنما تتملكه الرغبة الجامحة في تشكيل صياغات جمالية للواقع. لأنه كما قال "إذا كانت لديك صياغات جمالية للواقع وتعبيرات لغوية فإنك تنتج أدبا رفيعا". ومن جهته أكد عبد الإله بلقزيز أن "اللقاء مع عزمي بشارة هو لقاء معه كمفكر وكمبدع، كناية عن حوار مفتوح مع المناضل والقائد الوطني والسياسي، وأيضا الأديب والمفكر الذي لم يذهل وهو في خضم الممارسة السياسية والنضالية عن واجب وطن نفسه عن أن يقدمه هو الإنتاج الفكري والتعبير الرمزي الجمالي والفكري". وقال إن هذا المفكر الفلسطيني استطاع أن ينتج "موضوعات اجتهادية ستظل مثار مناقشة خصبة في الحقل الفكري العربي".
3. نينار إسبير: صورة أدونيس المركبة من جهة ثانية، استضاف بيت الشعر في المغرب، ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب، الفنانة التشكيلية نينار إسبر (ابنة الشاعر أدونيس) لتقدم في لقاء حضره نقاد وشعراء مغاربة، صورة أخرى عن أدونيس، الشاعر والإنسان والأب، من خلال كتابها "حوارت مع أدونيس، والدي". وأكد جل المتدخلين الذين شاركوا في تأطير هذا اللقاء، وقدموا قراءات من زوايا متعددة لمضامين الكتاب، أن هذا المؤلف يطرح مجموعة من الأسئلة والقضايا والإشكالات المرتبطة بعلاقة اسبر بوالدها الشاعر الكبير أدونيس في مختلف تجلياته. وأكدت إسبر إنه من الصعب اكتشاف أدونيس من خلال بحث واحد فهو يحتاج إلى كتب ومؤلفات، سواء كأب أو كشاعر، مضيفة أن شعر أدونيس يخلق لديها باستمرار نوعا من الدهشة حيث تحاول من خلال هذا الشعر أن تجد القاسم المشترك بين "أدونيس الشاعر" و"أدونيس الأب". وأكدت إسبر، في مقدمة الكتاب أنها أرادت "عمل هذه المقابلة مع أبي أدونيس لأنني كنت أحتاج لمعرفته وخصوصا لقضاء وقت معه. أردت أن يحكي لي أشياء، أن يجيب على أسئلتي، أسئلة ابنته".
4. الإبداع والحرية مع واسيني الأعرج وبول شاوول ورشيد بوجدرة وبيير أبي صعب وناقشت ندوة "الإبداع والحرية.. كيف نكتب ونفكر في اللحظة العربية الراهنة" أسئلة تتعلق بمفهوم الحرية والكتابة ودور المثقف وعلاقته بالسلطة والمجتمع. الندوة التي شارك فيها الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، أكد في مداخلته خلال هذه الندوة، إلى أنه بات من الضروري مراجعة كل المفاهيم التي بنيت عليها مقولة الحرية والمسلمات السابقة عن قدرة المثقف على مواجهة الواقع بل والتعامل معها وفق رؤية نقدية تسائل مدى صلاحية هذه المفاهيم والمسلمات للحظة العربية الراهنة. وتساءل، في هذا السياق، عن إمكانية تأمل الحرية، كمفهوم، من خلال اللحظة العربية الراهنة وعن نجاعة الآليات المفاهيمية المستعملة في هذا التحليل، مشيرا إلى أنه صار من الصعب استعمال الآليات ذاتها في لحظة تعرف انقلابا كبيرا في كل المفاهيم السابقة كمفهومي "الوطنية" و"القومية" وهو الأمر الذي قد يفضي إلى تقديم إجابات غير صحيحة عن الوضع العربي الراهن. واعتبر أن هذا الاختلال جعل المثقف العربي في حيرة من أمره بل فرض عليه واقعا يتجاوزه، مستخلصا أن "الكتابة وحدها تمنحنا القدرة على المواصلة والمقاومة والحياة"، وأن دور المثقف يتمثل أساسا في "العمل على تحرير المتخيل ليفتح مساحات أخرى جديدة" أمام العمل الإبداعي.
وذهب الشاعر والمسرحي اللبناني بول شاوول إلى أن الكتابة العربية اليوم تعاني عدة أشكال من الحصار وكلها أشكال عضوية وصعبة المواجهة. فبالنسبة له، يبقى إشكال الكتابة قائما في ظل عدم وجود هوامش تتيح للمثقف أن يكتب بحرية مما يطرح إشكالا معقدا يتعلق بمعنى الكتابة في اللحظة العربية الراهنة التي يرى أنها لحظة الامتزاجات العالمية والتي يتعذر فيها الحديث عن وجود هوية عربية صرفة في ظل التجاذبات الحضارية والفكرية. وقال "إن الحصار وغياب هوامش الحرية أثر على الكاتب العربي مما جعل من الكتابة فعل مقاومة لكل صور النمذجة في الأسلوب والنمط والموضوع".
وتناول الروائي والشاعر الجزائري رشيد بوجدرة علاقة المثقف بالسلطة من جهة وعلاقته بالمجتمع قائلا إن واقع الكتابة في اللحظة الراهنة يفرض الاهتمام بعلاقة المثقف بمحيطه الاجتماعي بعدما صار المثقف يعيش حالة صراع بين "الوعي الإبداعي" عند المؤلف وعند الآخرين. وفيما يشبه النقد الذاتي، أشار الكاتب الجزائري إلى أن المشهد الإبداعي العربي عرف بروز أجيال جديدة تستعمل الفن للارتقاء وإيجاد مجالات عمل جديدة وهو ما جعلها تتولى مهمة ممارسة الرقابة على المنتج الإبداعي من موقع السلطة. وفي ظل هذه التغيرات التي عرفها حقل الإبداع العربي وتغير المواقع، صار من الضروري، بالنسبة لرشيد بوجدرة، التساؤل بجدية عمن يستحق فعلا لقب "مبدع". وخلص إلى أن "الخطر في داخلنا نحن المثقفين والمبدعين" وأن المثقف العربي بدوره يعيش حالة "تخلف" تفرض عليه ممارسة نوع من النقد الذاتي لتجاوز هذه الحالة.
وأكد الصحفي والكاتب اللبناني بيير أبي صعب أن اللحظة العربية الراهنة هي " لحظة إفلاس ولحظة هزيمة، علينا أن نتقبل ونعترف بهذه الهزيمة". ورأى أنه يجب الانطلاق من الهزيمة من أجل بناء مشروع نهضوي جديد ومن أجل بناء مفاهيم مغايرة عن تلك التي كانت سائدة فيما قبل مع تحديد الأسباب الحقيقية التي جعلت المجتمعات العربية تعيش حالة الانتكاس الراهنة. ودعا في هذا الإطار إلى أن نكون أكثر شجاعة في التعامل مع الظواهر والأسباب التي أدت إلى بروز تيارات متطرفة داخل المجتمعات العربية، معتبرا أن هذه المجتمعات تعاني من التشتت والتناحر فيما بينها مما جعل من الصعب انتقال المنتج الثقافي بينها. وشدد على أن هذا الواقع يفرض "إعادة اقتراح المقاومة والاستفادة من الأخطاء السابقة" وكذا البحث عن قنوات للحوار مع التيارات المتطرفة للجمع بين التيارين السائدين الآن داخل الوطن العربي وهما التيار الليبرالي والتيار الراديكالي. وقال إن من شأن هذا الحوار أن يصل إلى بلورة خطاب معقد لكنه يجمع بين الاثنين من أجل الدفاع عن الهويات الوطنية أمام زحف المصالح الاستراتيجة للدول العظمى بالمنطقة.
5. التنوع الثقافي مع بنسالم حميش، كمال عبداللطيف، عبدالحي المودن وعبدالله ساعف تناولت ندوة «قضايا التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات»، أهم المعيقات والصعوبات التي تحول دون نجاح أي حوار بين الثقافات والحضارات. وطرح المشاركون في هذه الندوة سؤالا إشكاليا عن الأسباب الحقيقية التي جعلت من قضية الحوار موضوعة تنشغل بها المنتديات والمنظمات دون الوصول إلى أرضية متفق بشأنها يكون بوسعها أن تشكل أرضية لانطلاق حوار حقيقي بين كافة القوى الثقافية والحضارية في العالم. وفي هذا الإطار عزا الكاتب والأديب بن سالم حميش انسداد أفق الحوار إلى كون المقاربة التي ينظر من خلالها إلى الأطراف المتحاورة تجعل منها كتلا ومعسكرات مدعوة إما إلى الحرب أو إلى السلم وأن كل كتلة متراصة والحال ليس كذلك. وأكد أنه لا يمكن لأي حوار أن يتم ما لم يزل منطق القوة وتتم تصفية بؤر الصراع والنزاع والتهوين من القطبية والفكر الواحيدي المهيمن الذي يفرض نفسه, والاعتراف للشعوب بحقوقها، وفي هذه الحالة فقط، يقول حميش، نكون قد دخلنا مرحلة أخرى يمكن فيها البناء لحوار منتج وفعال. وفي انتظار الوصول إلى هذه المرحلة من الحوار المنتج والفعال، يرى الكاتب أنه «علينا ألا نتحول إلى دعاة، بل علينا أن نرصد الصعوبات التي تحول دون حوار حقيقي بين الأنداد، وليس حوارا مصطنعا للواجهات والاستهلاك».واعتبر أن من بين أهم المعيقات التي تجعل من العسير الحديث عن تقدم في مسار الحوار، وجود خلط في المفاهيم وتعويمها مما يتطلب تحديد الترسانة المفاهيمية وضبط القاموس السائد الذي يصنع في بعض الأوساط الأوروبية الوزانة والقوية. وحذر هنا من الاستعمال السائد اللامراقب معرفيا» لعدد من المفاهيم المتداولة على الصعيد العالمي ك الدول المارقة، والإرهاب، وامبراطورية الشر ومحور الشر والاحتواء.
وفي مقاربة سوسيولوجية للحوار الثقافي، أكد الباحث عبد الحي المودن أن الحديث عن هذا النوع من الحوار غالبا ما يتم انطلاقا من زاوية إيديولوجية تركز على الصراع أو المواجهة و تاريخ من التعايش السلمي، وهي مفاهيم إيديلوجية دون سياق تاريخي أو معرفي زمني، في تغييب كامل للبعد السيوسيولوجي والسوسيو اقتصادي. فحوار الثقافات، يضيف الباحث، هو شكل من أشكال التعامل بين أفراد من ذوي انتماءات إقليمية وجغرافية متعددة مشددا في الوقت نفسه على أن المبادلات الاقتصادية وباعتبارها تتم بين شعوب لها انتماءات دينية ولغوية مختلفة، هي تواصل يومي، مع الآخر وهي صورة من صورالتواصل الثقافي الذي لم يخضع بعد للدراسة الأكاديمية. وأبرز أن الحوار في شقه السوسيولوجي له أهمية قصوى في الدفع بحوار من نوع آخر تعطى فيه الأولية للتعددية الثقافية الداخلية كوحدة متجانسة في مقابل الآخر. ولاحظ بهذا الصدد أنه من الضروري التفكير في خلق حوار ثقافي داخلي يتم فيه الاعتراف بالتعددية الثقافية والانتقال من التوجس إلى التفاعل، والبحث عن وسائل لحوارات متعددة، والتعرف على بعضنا البعض مما سيؤهلنا إلى الحديث عن حوار على مستوى ثقافي عالمي.
قدم الباحث عبد الله ساعف مجموعة من المحددات المنهجية التي اعتبر أنها ضرورية لتصويب الهدف من الحوار والابتعاد عن التعميمات في المفاهيم والأحكام واعتماد مقاربة تتجاوز المعيقات الثقافية الذاتية. وقال إن التمييز بين الكتل سياسيا واقتصاديا وثقافيا يتطلب تغليب وتفعيل الإطار المؤسساتي.. مشيرا إلى أن هذه الخطوة مرتبطة بتحديد الاتجاهات والأهداف الأساسية في كل شكل من أشكال الحوار. وفي سياق حديثه عن الغايات المرجوة من وراء أي فعل حواري مع الآخر، أشار ساعف إلى أن الهدف الأساسي من وراء أي مبادرة حوارية يتمثل في الوصول إلى «الحرية» وهي قيمة أساسية لا تنتج بالضرورة عن الحوار الثقافي أو الحضاري بل هي منتوج سياسات إصلاحية تنزع إلى الدمقرطة ولا يتنافى مع الخصوصيات. وأضاف في معرض معالجته للمقاربات المختلفة لفعل الحوار، أنه صار من الواجب تدقيق المفاهيم وضبطها والتمييز بين الكتل الفكرية بعيدا عن التعميمات التي تسحب مفهوما واحدا على كتل متعددة ومتبانية. رفض الأفكار المسبقة لدى أطراف الحوار، والبناءات المفاهيمية المنمقة، وتشويه الواقع وتجريم الآخر، يضيف عبد الله ساعف، تعد من المعيقات الرئيسية لأي حوار مطالبا في الوقت نفسه بالقيام بمساءلة الذات والعمل على تأهيلها من أجل تحقيق الاندماج في إطار تحالف حضاري. ويرى أنه بات من اللازم عند هذا المستوى من الحديث عن مبادرة لها أهميتها مثل تحالف الحضارات، تغليب أفق الاندماج في التنوع وإعادة النظر في مفهوم الحضارات كفاعل دبلومسي حضاري وإعطاء الأولوية لقيم التفاعل التداخلي والإدماجي.
ومحاولة منه للإجابة عن السؤال المركزي لهذه الندوة، شدد الكاتب كمال عبد اللطيف، على ضرورة التخلص من ثقل المرجعية السياسية من خلال الابتعاد عن الحوار في لحظات حرب قائمة ضاغطة على الجميع وفي ظل الصراعات الداخلية والخارجية.
6. الصحراء والسينما: شعرية الفضاء والصورة نظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب، بشراكة وتعاون مع مجلس جهة مكناس ـ تافيلالت، وبدعم من عمالة إقليم الرشيدية والمجلس البلدي لأرفود. ندوة في موضوع: الصحراء والسينما شعرية الفضاء والصورة. وذلك يومي السبت 2 و3 فبراير 2008 بمدينة أرفود، بمشاركة: محمد كلاوي، حمادي كيروم، محمد صوف، عبد اللطيف البازي، ادريس اشويكة، عمر بلخمار، حسن بحراوي، عبد الحق بديار، نوفل براوي، إدريس الخوري، خالد الخضري، بشير القمري، عبد الرحيم العلام، مصطفى النحال، حسن مخافي، حميد اتباتو، عز الدين الخطابي، مبارك حسني، حفيظ العيساوي، مهدي لمراني، موحى صواك، سعيد كريمي.
وقد أقيمت الندوة تنفيذا لاتفاقية الشراكة بين مجلس جهة مكناس ـ تافيلالت واتحاد كتاب المغرب، حول دعم تنظيم الأنشطة الفكرية والثقافية بجهة مكناس ـ تافيلالت. وحول سؤال لماذا هذه الندوة يؤكد الأستاذ عبدالحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب، أن هناك "أكثر من اعتبار حفزنا في المكتب المركزي علي اختيار «الصحراء والسينما» موضوعا لهذه الندوة بأرفود". اعتبارات ثلاث تحكمت في انعقاد الندوة. الاعتبار الأول وطني صرف، إن اتحاد كتاب المغرب على امتداد تاريخه، اتخذ من المغرب، كل المغرب أفقا لتفكيره، ولإشعاعه الثقافي. الغاية بالطبع هي الإسهام في دمقرطة الحق في التثقيف وفي فضاءات الحوار والتواصل عبر الثقافة، حيث لا فرق بين «مركز و محيط». الاعتبار الثاني ثقافي، "فانفتاح البرنامج الثقافي للاتحاد علي مجال الفنون، ليس بالأمر العارض أو الطارئ". يضاف الى ذلك الأّهمية تتعاظم لثقافة الصورة وللسينما ودورهما في إغناء الوجدان وشحذ الفكر وطاقة التخييل في عالم اليوم.
وتتلخص أهداف الندوة في:
إبراز أهمية الصحراء وإمكاناتها المجالية والقيمية والرمزية من حيث هي فضاء أغوى ويغوي العديد من المخرجين والمنتجين السينمائيين بالعالم.
مقاربة دور الصحراء في إغناء ثقافة الصورة وتجديدها ومنحها قيمة مضافة، فالصحراء منبع وغنى للإبداع والتخيل، ألهم فضلا عن الشعراء والرحالة والروائيين، العديد من السينمائيين: من المخرجين والمنتجين وكتاب السيناريو.
تحليل نماذج من أفلام الصحراء في ثقافات العالم، في محاولة لإبراز شعرية الفضاء والصورة، والقيمة المضافة المتأتية من هذا الاقتران الإبداعي بين عالمي الصحراء والسينما.
إلقاء أضواء نقدية على الفيلموغرافيا المغربية من زاوية هذه العلاقة بين الصحراء والسينما، وبأفق كوني تتميز فيه مقاربة التجارب المغربية على حدوديتها، بالتجارب المغاربية والعربية، ولم لا الكونية. فالخصوصيات مهما تكن لا تأخذ معناها إلا بوصفها تجليا أو مغايرا من مغايرات الكونية.
شكلت ندوة "الصحراء والسينما: شعرية الفضاء والصورة"، محطة نقدية بامتياز. وفرصة "للحوار ولتجديد النظر، وتعميق الرؤى. إنها فرصة كذلك لتقويم الذات المبدعة والذات المتلقية للسينما بمغرب اليوم". كما تشكل تطورا ملموسا في تعاطي اتحاد كتاب المغرب مع الخطاب السينمائي، الذي أمسى يتبوأ مكانته الأساسية في مشروع الدرس النقدي. ولعله انفتاح نابع من الانخراط الواعي للنقاد السينمائيين المغاربة في تشكيل صورة الخطاب النقدي، وفي الانخراط الواعي في المشهد الثقافي بكل أسئلته.