المعنى والاستدلال عند اتحاد اللسانيين المغاربة

ذ.عبد العزيز المطاد

في يوم الأربعاء 27/02/2008 وفي إطار الجلسات العلمية التي ينظمها اتحاد اللسانيين المغاربة افتتح الاتحاد جلساته بلقاء علمي مع د.أحمد العلوي رئيس الاتحاد. وفي تقديمه لهذا النشاط العلمي توجه د.محمد الحساوي بخالص الشكر لأعضاء الاتحاد على هذه البادرة الطيبة كما شكر د.أحمد العلوي على قبوله افتتاح أنشطة الاتحاد بعرض يحمل عنوان المعنى والاستدلال.
تحدث العرض عن الكيفية التي يجب أن يمارس بها الاستدلال والدلالة ؛لأن مشكل الممارسة الدلالية و التفسيرية في التراث الإسلامي أنها انطلقت من بدهيات معجمية ولغوية للوصول إلى المعنى، وأصبحت المعاجم منبعا للفهم لدى كثير من المفسرين،علما أن الاتفاق حول دلالات الألفاظ محال.
فتفسير النص بالمعجم يحيل إلى أطلقية المعجم ويوحي بكماله الدلالي بينما المعجم ما هو إلا نص قد حكمته ثقافة قبلية معينة؛ فهو فرع عنها يحاكيها وتحاكيه، وبطل بذلك القول بخلود المعجم.وتفسير النصوص لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال متوقفا على المعاني التي يقدمها المعجم القاموسي.هذا الأخير كانت له آثار سيئة في تأويل بعض النصوص لدرجة يمكن معها القول إن سيئات ظهور المعاجم قد فاقت حسناتها.
لذلك يرى د.أحمد العلوي أن الإخراج المعجمي للنصوص لازم للفهم وإزالة الغموض، والمقصود بالإخراج المعجمي عنده- تحويل النصوص إلى معاجم؛فكل نص هو قابل لأن يحول إلى معجم(معجم النص)يوصل إلى المعنى المقصود.وقد يكون المعنى كله يحوم حول كلمة واحدة نحو كلمة النظم في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني.
وهناك نصوص أساسية وهي القرآن الكريم و الحديث النبوي الشريف- تشتمل على كلمات أولى- كالإيمان والتقوى والهدى...إلخ لم يسبق الاتفاق مع واضعها عليها، لذا يتعذر فهمها بالرجوع إلى المعجم؛ لأنها موضوعة قبلا في اللغة الإنسانية وسابقة بذلك على وجود المعجم، فكيف له أن يفسرها وهي تفسر(بكسر السين وتشديدها) ولا تفسر(بفتح السين وتشديدها)،وتعرف(بكسر الراء وتشديدها) ولا تعرف (بفتح الراء وتشديدها) .
إن التعامل مع النصوص من الناحية التفسيرية والدلالية لابد أن يراعى فيه التمييز بين نوعين من المعجم : معجم شائع ومعجم ممكن ؛ فلما كان الشائع من المعجم قاصرا على سبر أغوار النص فإن استخراج أو إخراج معجم ممكن مستوحى من داخل النص قد يؤدي إلى استقامة المعنى في الأذهان. وقد ضرب د.أحمد العلوي مثالا لهذين المعجمين وأثرهما في فهم معنى النص من خلال حديث رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وأورده المقدسي (ق7ه) في عقد الذرر، وهو نص يتحدث عن ظهور الدجال. قد يبدو عند البعض حديث عن وقائع غيبية خرافية منافية للعقلانية السائدة والسبب في ذلك راجع إلى اعتمادهم على المعاجم الشائعة في الفهم مما يسيء إلى المعنى الحقيقي للنص ويحوله إلى أسطورة أو خرافة تحكي قصة شاب أعور وأشعت (الدجال) يأمر الطبيعة والكون فيمتثلان لأوامره ...
ويقترح د.العلوي قراءة جديدة للنص اعتمادا على إخراج معجمي جديد ممكن ييسر التجول في النص ويفك غياباته ويجعل معانيه مرتبطة بالمرض المعرفي الذي يصيب الإنسان ويحوله إلى كائن جاهل .فهو نص يسمي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم المعاني بأسماء الأشخاص : فالجهل دجال أعور أشعت ،والمسيح علم يطارد الخرافة ويدرك الجهل فيقتله، وبأسماء الأماكن : فالحلة و الشام و العراق ألفاظ جغرافية استخذمها الرسول صلى الله عليه وسلم للحديث عن النفس وأمراضها والجهل وخصائصه ....
وخلص د. العلوي إلى القول :إن النصوص الأولى (القرآن والحديث) لايستقيم فيها تفسير خارج معجم هذه النصوص التي تتضمن كلمات أولى لا يمكن للمعجم تفسير معانيها عل سبيل التمام،وخارج كشف الترابط المنطقي الدلالي بين الآيات ومن هنا تأتي أهمية السور القصار في القرآن الكريم ؛لأنها تسلط الضوء على نوع الترابط الدلالي المنطقي في السور الطوال.