من جديد يخص الشاعر العراقي الكبير (الكلمة) بأحدث قصائده التي يواصل فيها رقش الشعر في أديم الحياة اليومية وتسجيل موقفه الصلب الذي لايتزعزع مع الإنسان وقضاياه العادلة برغم التباسات الواقع وتصاريفه المزرية.

ثلاث قصائد

سعدي يوسف

بَدْلةُ العاملِ الزرقاءُ
على مقاسي كانت البدلةُ!
حتى أنني لم أختبِرْها لحظةً في غرفةِ التجريبِ...
كانت بَدلتي حقّاً...
وها أنا أرتديها؛
لا أفارقُ قُطْنَها المُزْرَقَّ حتى في الفراشِ!
تقولُ صديقتي:
ما أنتَ؟
عُمّالُ المدينةِ لم يعودوا يلبسونَ البدلةَ الزرقاءَ...
عمّالُ المدينةِ لم يعودوا يَدَّعونَ بأنّهم يُدْعَونَ عمّالَ المدينةِ!
أيها المجنونُ
حتى في الفراشِ، البدلةُ الزرقاءُ؟
هل تُصْغِي إليّ!

لندن 19 / 5 / 2008


يومٌ مُشْمِسٌ
ألْصِقْ ظَهرَكَ بالأرضِ، ودَعْ معطفَكَ الصوفَ يفارقْكَ...
ربيعٌ في الأرضِ
العشبُ نديٌّ من أمطارِ الليلِ
وبين الأشجارِ نسيمٌ وروائحُ أزهارٍ وطعامٌ للنحلِ
وظَهرُكَ ملتصقٌ بالأرضِ...
غيومٌ بِيضٌ، جُزُرٌ تتحرّكُ، هادئةً، في بحرٍ أزرقَ.
ظَهْرُكَ ملتصقٌ بالأرضِ...
الشمسُ الباردةُ اختارتْ أن تتدفّأَ:
ألصِقْ ظَهرَكَ بالأرضِ...
لقد كنتَ، قديماً، تُلصِقُ ظَهرَكَ بالحائطِ
خوفَ رصاصاتٍ.
خوفَ بلادٍ ما.
خوفَ مخالبَ.
أمّا اليومَ...

لندن 4 / 6 / 2008


نهارُ أحدٍ ملتبسٌ
منذ انتصافِ الليلِ
بين الريحِ والمطرِ المُقَعْقِعِ والسريعِ
وبين زائرةٍ مهفهَفةٍ بأحلامي وأخرى
كان هذا اليومُ يأخذُ شكلَه، ليصيرَ ملتبساً
رحلتْ إلى ما لستُ أدري، جارتي
وتَجَنّبَ العصفورُ نافذتي
وتَحَصَّنَ السنجابُ عبرَ السورِ
لا مطرٌ
ولا صحْوٌ
سماءٌ ترتدي الأسمالَ من قُزَعِ السحابِ الأبيضِ المُرْمَدِّ
والأشجارُ صامتةٌ
سأنتظرُ التي قالتْ: سآتي اليومَ حتماً
غيرَ أن اليومَ ملتبسٌ
ورُبَّتَما أرادتْ واحداً غيري يُضاجِعُها نهاراً



إنّ هذا اليومَ ملتبسٌ!

لندن 22 / 6 / 2003