تجليات ما بعد الحداثة في الرواية العربية المعاصرة

تشريح الذات والناس والوطن في رواية «قلاع ضامرة»

مصطفى عطية جمعة

يدرس الباحث المصري هذه الرواية السورية من منطلق استخدامها لاستراتيجيات ما بعد الحداثة في بنيتها السردية وأدواتها التعبيرية وفضاءاتها الدلالية، وكيف أن تشريح الذات فيها يفضي في نهاية المطاف إلى تشريح للوطن.

تستفز هذه الرواية ـ «قلاع ضامرة» للروائي السوري: عبد الرحمن حلاق(1) ـ المتلقي، استفزاز المكان، والزمن، والشخصيات، فتجعل المتلقي لاهثًا كي يجمع النثيرات، ليعيد ترتيبها، وتصنيفها، ومن ثم يجد نفسه أمام بناءً روائيا قاعدته: التمزيق وقمته: الترتيب. وليس التشريح مترادفًا للفوضى، بل هو مثل تمزيق الطبيب ثنايا الجرح علّه يصل موضع الألم فيمنع أسبابه، ويوقف نزفه. إن المبدع حين يراجع المسلمات النظرية في ضوء الممارسات الشخصية لأصحابها، ليختبر مدى ترسّخها في الواقع المعاش، ومدى تعاركها مع الأهواء الشخصية، والنزعات الإثنية، هو مثل الطبيب، ولكنه ينبش جروح الذات والوطن، يتعمقها، ويتعرف كنه الجرح، بدلاً من البكاء فقط على أطلالها. إن هذه الرواية تنتمي لأدب ما بعد الحداثة حيث: الفقدان الشديد لليقين المنطقي والوجودي الذي يتجلى في تقنية الهدم واللاحسم والذاتية، وفي نفس الوقت تسعى الذات إلى إعادة البناء والتركيب رمزيًا(2) لعلها تظفر بيقين جديد، يقنع النفس، ويعمّق الانتماء والرضا. إن ما بعد الحداثي: "يبحث عن تقديمات جديدة، لا لكي يستمتع بها، بل لكي ينقل حسًا أقوى بما لا يقبل التقديم. إن الفنان ما بعد الحداثي في وضع الفيلسوف، فالنص الذي يكتبه والعمل الذي ينتجه لا تحكمهما ـ من حيث المبدأ ـ قواعد راسخة سلفًا، ولا يمكن الحكم عليهما طبقًا لحكم قاطع عن طريق مقولات مألوفة عن النص أو العمل..."(3). أي أن المتلقي ـ في منظور ما بعد الحداثة ـ يتلقى العمل الإبداعي دون شكل وقناعة مسبقة لديه، بل هو متهيأ للمفاجأة: مفاجأة الشكل الذي هو غير مستقر، ومفاجأة النقاش ـ وبالأدق التفجير ـ للمسلمات الفكرية. فهذه: "القواعد والمقولات هي ما يفتش عنه العمل الفني ذاته. الفنان والكاتب ـ إذن ـ يعملان دون قواعد لكي يصوغا قواعد ما تم عمله فعلاً"(4).

في هذه الرواية، نرى البطل "جمال" يعمل معلمًا مؤقتًا في قرية تقع بالقرب من الحدود السورية التركية، من جبال زاجروس، فأهلها من أصول كردية، بينما البطل ـ وهو طالب جامعي في كلية الآداب في السنة الثالثة ـ جاء يعلّم اللغة العربية التي يعشقها، واستطاع أن يحبب الطلاب والطالبات فيها، ومن ثم نظّم حصص تقوية مجانية في الفترة المسائية، فازداد حب الطلاب له، بينما عانى من بغض المعلمين الذين يتربحون من الدروس الخصوصية، والذين راحوا يذمونه ويشنعون عليه في البلدة، فيما لم يهتم البطل بهم، واستمر في منهجه، فتتعمق علاقاته بطلابه، وتحبه طالباته، ويتزينّ له، بينما يبدو هو ـ بداية ـ حريصًا على عدم التورط في علاقات غرامية معهن. تستوقفنا علاقة المعلم بطالبة شديدة الجمال "ملكة"، تعاني من سقوط أمها في الدعارة مع أكابر القرية، حيث تمتنع الفتاة عن هذا الطريق، رغم تحريض أمها لها، فيما تنخرط في علاقة حب مع "جمال" تنتهي بعناق حار في غرفته، اشتد تآمر الناس عليه، وقد جاءه شيخ القرية "مستو" يبرر له ضرورة المغادرة خوفًا عليه، وطاعة لولي الأمر (المختار أوالعمدة) ومنعًا من الصراعات في المدرسة وبين الأهالي، خاصة أن هناك تقارير كتبت ضده، فيقرر البطل ترك القرية والعودة إلى حلب مدينة مولده ونشأته وجامعته، لمواصلة دراسته الجامعية، ولقاء رفاقه، وهم شعراء ومنظّرون ومنظّمون، حيث يفاجأ بانضمام مجموعة من الفتيات إلى الشلة، وانغماس البعض في علاقات حب، فيما يخشى البعض الآخر أن تكون الفتيات مندسات من جهاز المخابرات، الذي نشط أفراده في هذه الفترة ـ 1985 ـ حيث مرّ عامان على مذابح الإخوان المسلمين في صراعهم مع السلطة، والتي أدت إلى الهجوم على مدينة حلب، وتدمير ثلث المدينة القديمة، ناهيك عن الاغتصاب والقتل والسرقة، وتكوين جيش من المخبرين والعملاء من سكان المدينة، وفيما توهمت السلطة أنها قضت على الإخوان، راحت تصفي باقي التنظيمات السرية، الاشتراكية والقومية، فتعقبت أعضاءها، ومن هذه التنظيمات الاتحاد الاشتراكي الذي ينتمي إليه البطل.

يعلم "جمال" أن صديقًا موسيقيًا (خالد) له متعَقَبًا من قبل أجهزة الأمن، فيسعى لمساعدته، فلا يجد مكانًا يخبئه فيه إلا بيت ملكة وأمها في القرية، ينزل البطل من السيارة أمام بيت ملكة، فتتلقاه الأخيرة بشوق، وتوافق على استضافة "خالد" في بيتها، وتقترح ملكة على أمها الثائرة أن تقول في القرية إن "خالدًا" زوج الأم، توافق الأم على مضض، ويتطور الأمر إلى إعجاب متبادل بين خالد الرفيق والأم، ثم عشق ووله، فقد أعاد خالد الأم إلى شبابها، وذكّرها بأبي ملكة، الذي كان ماركسيًا مثاليًا، اختفى فجأة، وترك الأم وابنتها تقاسيان شظف العيش. كانت "ملكة" قد صوّرت خمسة من كبار رجال القرية في أوضاع مخلة مع أمها، ومنهم المختار والشيخ، من أجل تهديدهم، إذا حاولوا اغتصابها، وتظل تحمل في قلبها حبًا لا آخر له لجمال. ويستطيع "خالد" أن يقنع ملكة بفكره الاشتراكي، قبل مغادرته ثانية إلى حلب، خوفًا أن يشي به أحد في القرية ويضر ملكة وأمها، وشوقًا إلى الموسيقى والوتر، فيعود ويظل يعاني من المطاردة ثم يسقط في الاعتقال والتعذيب، فيتحمل حتى يضيق به المحقق ثم يطلق سراحه.

تتقاطع الأحداث مع شخصية "طوني" هذا الرفيق الذي يصادق فتاة تدعى "جوليا"، شديدة الجمال، وفي نفس الوقت ذات أزمة أسرية خاصة، فقد طلّق أبوها أمها، لأنها سقطت في غرام صديق له، كان فنانًا تشكيليًا أراد أن يرسم الأم الجميلة، وبدأ يختلي بها في المنزل، وبطبيعة الأمور تطورت العلاقة إلى عشق ومن ثم طلاق من الزوج، لتجد "جوليا" نفسها ضائعة بين والدين، كل منهما كوّن حياة زوجية جديدة، فاستجابت جوليا لطوني، الذي عرض عليها أن تمارس الإغواء مع شلة الرفاق، ليرى مدى انجذابهم للجنس الناعم، ومدى استعدادهم للتخلي عن ثوابتهم الإيديلوجية، وبالفعل تسللت جوليا للشلة، وسقط في غرامها العديدون مثل: فريد وحسن، واستغل طوني رغبتها الجارفة أن تكون شاعرة وسياسية، وخلال سنة ـ وهي لم تنضج بعد ـ تصدر جوليا ديوانها الأول، وبه العديد من قصائد "حسن" وقد عرفها رفاقه من أسلوبه الشعري، وبدا اسمها يتردد في الجرائد. وفوق ذلك، صارت عميلة للمخابرات، بعدما ورّطها طوني في إسقاط الرفاق.

ضمن التقاطعات السردية: نرى ملكة، الفتاة المتحرقة شوقًا لجمال، تذهب له في "حلب"، وتقص عليه كيف أنها تعاني من تربص ابن المختار بها، وهو بالمناسبة أحد عملاء الأمن، وكيف أنه يهددها بأنها له، فزرعت البيت كله سكاكين حتى إذا هاجمها تقتله، تقضي اليوم ـ عشقًا ـ مع جمال لتقدم بكارتها ـ بمحض إرادتها مع حبيبها ـ كيلا تفقدها اغتصابًا، ثم تعود للقرية، يقرر جمال العودة ثانية للقرية، حيث غرفته وطلابه ورغبته في التفرغ للاستذكار للسنة النهائية، فقد مر عام على تتابع هذه الأحداث، وعندما يعود يفاجأ بخبر العثور على ملكة مقتولة في بيتها بطلق ناري، وابن المختار مقتول معها بسكين في صدره، والأم ميتة خنقًا بشريط لاصق على فمها، والغريب أن البيت كان مغلقًا من الداخل، وتتابع الأحداث حيث يجد البطل أن الصور التي صورتها "ملكة" لكبار رجال القرية وضعت على المقابر، ومن ثم انتشرت في البلد لتدوي فضائح لا آخر لها للشيخ والمختار ورئيس المخفر. فيرحل الشيخ عن القرية، فيما يكتشف جمال أن هناك شخصًا كان وراء القتل، وهو "آزاد" أحد أصدقاء "جمال" في القرية، الذي يصارحه أن ملكة أوصته أن يقوم بتوزيع الصور على المقابر لو تعرضت للقتل، ويعترف له أنه دخل المنزل، حيث وعد "ملكة" أن يقوم بحراستها يوميًا، وبالفعل دخل ليلاً فوجد ابن المختار يحاول اغتصابها، فضربه على رأسه فأطلق المغتصب النار على ملكة وقتلها، ثم سقط على الأرض مضرجًا بدمائه، فأسرع آزاد بغرس السكين في صدره. وهنا ينصح جمال آزاد أن يكتم هذا الأمر، وتم تقييد الحادث ضد مجهول.

يتقابل جمال مع رفيقة مناضلة، حسنة الأخلاق "أسينة"، حيث يلتقيان فكريًا في الاتفاق على مأساة الوطن، وروحيًا بحب ناضج يتوج بالمشاركة في الحياة وتكون هذه خاتمة الرواية. إن العرض المتقدم، هو تجميع للمتشظي، ناتج من القراءة الأولى والثانية، ويظل هذا التجميع عرضة للتعديل، مع كل قراءة فاعلة، وتتفاعل القراءة أكثر، إذا عدنا إلى تحليل النثيرات السردية، في محاولة لتقديم تجميع جديد، وفقًا لعناصر وجماليات سردية يكون التأويل مفتاحًا لتناسقها، وتجميع المتشظي المنفلت بها.  

البناء السردي:
جاء البناء السردي في الرواية قائمًا على عناصر عدة:

أولها: التعدد الصوتي حيث نجد رواة متعددين بضمائر المتكلم، وإن كانت الغلبة الروائية للبطل "جمال" حيث استهل الرواية بذكر ما حدث له في القرية، ثم عودته لحلب ولقائه رفاقه، وكذلك ختمت الرواية بالزواج بين جمال وأسينة. فجمال هو الشخصية المحورية التي تتقاطع معها وحولها سائر الشخصيات. وتأتي شخصية "ملكة" التي تعرض علاقتها بجمال في القرية ثم سفرها له إلى حلب، وتطور علاقتها به، من حب إلى معاشرة كاملة ذات صبغة رومانسية دافقة. وتأتي شخصية "خالد" المناضل المثقف وهو يروي مأساته في السجن، ثم علاقته مع أم ملكة، ثم نجد شخصية جوليا وعلاقتها مع طوني، وكلاهما يحكي بضمير المتكلم، عن تجربته في الحياة، وأبعادها الفكرية والعملية.

ثانيها: لا تروي كل شخصية الأحداث من وجهة نظرها، بل هي تروي أحداثًا تكمل بها أحداثًا أخرى سابقة لها، وبالتالي تقوم كل شخصية بتنمية الحدث الروائي وفقًا لدورها، فلم نجد أنها تتناول حدثًا مركزيًا واحدًا تحكيه من وجهة نظرها، بل تتجاوز هذه التقنية كي تساهم في تتابع الأحداث وتنميتها، وتعميق الشخصيات الأخرى عبر الكشف عن ماضيها الأسري أو الإبداعي أو السياسي. وكما رأينا فيما ترويه "ملكة" فقد انبرى صوتها الروائي يكمل ما ذكره جمال، ثم يطور الحدث عبر إخبارها عما حدث في القرية ولها ولأمها بعد رحيل جمال، ثم عندما حضر مع زميله "خالد"، وسفرها لجمال في حلب. ونفس الأمر ما ترويه "جوليا" عن مشاكلها الأسرية بين أبيها وأمها والفنان عشيق الأم، ثم علاقتها بطوني الذي يحاول دفعها للشلة، ثم تورطها في العمالة المخابراتية ونصحبها وهي فرحة بصدور أول ديوان لها، نصف قصائده كتبها الشاعر الرفيق "حسن"، ونتقابل مع شخصيات أخرى مثل فراس وفؤاد رفيقي جمال في التدريب العسكري في الجامعة، وعقيل الطالب المدسوس عليهم من قبل أجهزة الأمن، ونتعرف عليها من خلال ضمير الغائب.

ثالثها: إن هذه التقنية لها آثارها التشويقية، حيث تحدث زلزلة للمتلقي حين يجد أن السرد بضمير المتكلم انتقل به إلى شخصية أخرى، فيجهد للتعرف عليها، ويجهد أكثر حينما يكتشف أن السارد المتكلم يكمل أحداثًا سابقة زمنيًا، ومكانيًا. بجانب أنها تقيم لونًا من الرؤية الموضوعية في السرد، كيلا يكون "جمال" هو الراوي الوحيد المهيمن في السرد والحدث، وهذا يشكّل مصادرة على دور الآخرين في بناء الأحداث، وعرض وجهات نظرهم بشأن المواقف التي اتخذوها في هذه الأحداث.

رابعها: لجأت "ملكة" في سردها إلى تقنية الخطابات المرسلة للحبيب جمال، وهي تقنية تتلاءم مع بعد الساردة المكاني عن حلب، وتعبر عن الصلة المستمرة بين ملكة وجمال عبر الرسائل ذات البوح الصريح، ولم تأخذ الرسالة شكل الخطاب التقليدي، بل جاءت سردًا مرويًا بضمير المتكلم، مع وجود جمل ذات خطاب مباشر، تنقلنا لطريقة الرسالة. والأغرب أن تتقاطع الرسالة مع الحدث، بطريقة خفية لا نستشعرها إلا بالتأمل الدقيق، حيث تختلط الرسالة بالحدث، فالرسالة ذات أسلوب تقريري نهايته نهاية الفقرة. ثم نفاجأ بالحدث: حوار وحركة وشخصيات، ويعود السرد بنا إلى الرسالة ثانية، في تداخل فريد، لا يعنى بمدى الالتزام السردي بين الحكي والخطاب المرسل، بقدر ما يعنى بتنمية الحدث. فهذه ملكة تخبرنا من رسالتها أنها قدمت "حلب" للقاء حبيبها جمال، مقررة أنها صارت له: قلبًا وجسدًا (هكذا الرسالة)، ثم نفاجأ بالحدث أنها تتصل بجمال في بيته، ويتقابلان، ويقضيان يومًا ممتعًا، وتعود إلى قريتها، ونعود معها لأجواء الرسالة التي تنقل معاناة ملكة مع ابن المختار.

خامسها: لم تقتصر الرواية على ضمير المتكلم، بل اشتملت ضمائر: الغائب والمخاطب، مثلما يخاطب جمال الطبيعة الجميلة في القرية وخطابه لحلب حين يقدم إليها، وفي كلا الموقفين: يتناسب ضمير المخاطب مع البنية القصصية دون تشتت سردي، كما جاء ضمير الغائب ليكمل الحدث، ويعبر عن القفزات الزمنية التي اقتضاها السرد، فيربط بين المتشظي السردي، حيث علمنا به ما حدث في حلب للإخوان المسلمين ولغيرهم من الجماعات السياسية، وهي أحداث رويت موجزة، في تخط زمني ومكاني في السرد، لا يناسبها بأي حال ضمير المتكلم، وإلا احتاج مجلدات ضخمة، بل تحتاج ضمير الغائب الذي يعرض الأحداث التاريخية بشكل مجمل.

سادسها: جاءت الرواية في هيئة فصول مرقمة، يشكل كل فصل وحدة زمنية ومكانية وشخصانية، مع ارتدادات ماضية لتعميق الأحداث وربطها منطقيًا وسرديًا بالرواية، وإن كنتُ أقترح أن تتخذ الفصول عنونة باسم السارد المتكلم من أجل تمييز الشخصية عن غيرها، فبعض الفصول تتداخل أحداثها وشخصياتها، مما يسقط المتلقي في تيه ـ أحيانًاـ فلا يعرف السارد لهذا الفصل أو ذاك.

سابعها: لجأ المؤلف الضمني إلى التقطيع الزمني والمكاني بطريقة ممنهجة، استهدفت تعميق التصعيد الدرامي، وتعرية الواقع السياسي والاجتماعي والفردي، وكان الأنسب هذه التقنية المقطعة في فصول مرقمة، والتقاطعية في الأحداث تتناسب مع طبيعة الرواية الكاشفة خبايا القهر السياسي للتجمعات اليسارية والقومية والشعبية.  

الشخصيات:
لو تمعنا في الشخصيات التي وردت في الرواية نلاحظ أنها جاءت معبرة عن نماذج بعينها من واقع المجتمع الثقافي والسياسي، واستطاعت بحركتها في الفضاء السردي أن تنقل لنا عمق الأزمة المجتمعية، فقد توزعت أنماط الشخصيات معبرة عن جو الأزمة: فـ "جمال": طالب جامعي، مثقف يساري (يبدو أنه ذو فكر ماركسي)، يتعامل مع السياسة بنظرية مثالية، ثم انكسرت النظرة في احتكاكاته الواقعية في القرية وفي المدينة "حلب"، حيث وجد أن حجم الفساد والعمالة والأنانية يغلف المجتمع نخبةً وشعبًا، واكتشف أن الكثير من الشعارات المثالية تتحطم على أيدي رافعيها، بفعل خضوعهم لنزواتهم الشخصية، وعدم صمودهم أمام أجهزة الأمن، وسرعة التخلي عن المبدأ لصالح المنافع الذاتية، وهو في الوقت نفسه شخص إيجابي، ابتعد عن المتاجرة بالطلاب في المدرسة عبر عمل فصول تقوية مسائية مجانية لهم، واستطاع أن يجتذب ـ وهو معلم اللغة العربية ـ مجموعة منهم في عالم الأدب: ثلاثة شعراء وقاصَّيَنِ، كما تصرف بشكل سريع في إنقاذ زميله "خالد" وتخبئته عند أم ملكة، وكان فطنًا مع رفاقه لمحاولات المخابرات في معسكر التدريب العسكري مع الطالب عقيل العميل، فاستطاعوا الإفلات منه، وفي النهاية يتزوج من رفيقة مناضلة، جمعهما الحب والفهم المشترك، فهو يمثل النموذج الناجح الذي يرومه المؤلف الضمني، وإن كان يجنح إلى الذاتية في تصرفاته وأحكامه، وهذا ما اتضح من إدانته للأفراد الشهوانيين، والتنظيم الذي لا يعبأ بالمشاعر الإنسانية ولا القدرات الإبداعية للرفاق، واختلافه المستمر معهم، وكونه لم يقر أنه منخرط في تنظيم الاتحاد الاشتراكي بشكل كامل على نحو ما نجد لدى رفيقه خالد.

و "خالد": المثقف المثالي، طالب جامعي يدرس الموسيقى، يمارس أنشطة سياسية عملية، تستهدف التحرك وسط الناس بعيدًا عن التنظيرات السياسية على المقاهي، فهو يمثل الجانب الإيجابي التنظيمي، في مواجهة الفئة المتكلمة الشهوانية، وكان صموده في المعتقل حافزًا لثبات رفيقه جمال. وكلا الشخصيتين ينتصر لهما المؤلف الضمني فالأول يمثل النجاح في الحياة الاجتماعية والأدبية والثاني يمثل الثبات الفكري والتنظيمي. وهذا لا يمنع من سقوط كلتا الشخصيتين في خضم العلاقة الجنسية غير المشروعة (جمال مع ملكة، وخالد مع أمها) ولكنه سقوط النزوة المؤقتة.

طوني: مؤدلج مدع، يتخذ السياسة والأدب وسيلة لاجتذاب الفتيات والظهور في المنتديات، وسعى إلى تزييف وعي جوليا بإغرائها بنشر ديوان شعر، من خلال تنمية علاقتها مع أفراد المجموعة، بل وإسقاط المثاليين منهم مثل: جمال، الذي أبى متفهمًا دوافعها، وفطن لزيف تجربتها الشعرية المسروقة. ويبدو أن طوني كان على علاقة واضحة بالمخابرات، وجرّ جوليا إلى العمالة أيضًا.

وجوليا: فتاة تتسول بجمالها شهرة أدبية في مجتمع الجامعة، وتحاول أن تعوّض جوانب النقص المتولدة عن أزمتها الأسرية، ولا مانع لديها من العلاقات غير الشرعية، وفتنة الشباب المناضل من خلال عمالتها للأمن، وتأتي عمالتها مبررة في ظل معاناتها من افتقادها القدوة الأسرية والمجتمعية، فأرادت الانتقام بطريقتها بوصفها أنثى.

ملكة: المراهقة العاشقة، إحدى ثمرات نشاط جمال في القرية، تقف متضادة مع جوليا، فملكة لم تنحدر مثل أمها في الدعارة، وتشربت فكر جمال، وكانت علاقتها الجنسية معه ذات دلالة رمزية، فهو المستحق ـ في نظرها ـ لفض بكارتها الجسدية والقلبية، وكان صمودها أمام محاولات ابن المختار ـ عميل المخابراتـ لاغتصابها، حتى تقتله، قبل أن يقتلها. إنها فتاة إيجابية رغم صغر سنها، وتوحش ظروفها.

وتتقاطع على مسرح الرواية شخصيات على النقيضين: شخصيات تمثل السقوط المجتمعي في أبشع صوره، تظهر في نخبة القرية: المختار، وابنه، وشيخ القرية، ومدير المدرسة محرر التقارير الأمنية، ورئيس المخفر. وشخصيات تمثل ضحايا عنف السلطة: الباحث الذي حرر رسالة ماجستير تتناول إحدى المشكلات الاجتماعية، وبفعل تقرير من عميل جاهل، يتم القبض عليه، ليمضي ساعات طويلة يقنع المحقق بأن عمله مشروع وليس ضد الدولة ولا النظام. حتى يقتنع الضابط، وينكر تصرفات المخبر الغبي. وشخصية الأب الحلبي الميسور ماديًا، الذي اغتصبت ابنته أمام عينيه من قبل جنود الجيش، في أحداث حلب مع الإخوان المسلمين، ولم تعش الفتاة طويلاً حيث ماتت كمدًا، فخسر الرجل ابنته الوحيدة، وثروته، وأصيب الرجل بحالة نفسية دفعته إلى التبرع بالدم بصفة مستمرة كلما تملكه الحزن الشديد. التبرع بالدم يعادل موضوعيًا تفريغ الكبت، فالرجل لا يعلم من يقاضي، ولا كيف ينتقم، وهو فرد من الشعب لا علاقة له بالسياسة ولكنه أحد ضحاياها، فهو يشكل مع الباحث نموذجين دالين على عنف السلطة ضد البحث العلمي النزيه، ونهب ثروات المواطنين وأعراضهم. وتأتي شخصية أم ملكة الزوجة السابقة لأحد الماركسيين المناضلين، ولكنه تسقط وتمعن في السقوط، وكما تذكر ابنتها في خطاب لها لجمال، أن أكثر من خمسين فردًا من أهل القرية ضاجعوا أمها، ولكن علاقتها مع خالد المناضل يكشف عن شخصية طيبة وفية، حمت خالدًا، وعشقته حتى الثمالة، وامتنعت طيلة فترة بقائه معهم عن استقبال الرجال، لقد ظهر معدن الأم حينما رأت نموذجًا من الشباب المثقف (خالد)، الأم رمز للأرض: قد تخضع للمحتل، ولكنها تحافظ على بقائها، وتنبت من أعماقها من يقاتل المحتل، سواء كان محتلاً أجنبيًا، أو محتلاً من أبناء الأرض نفسها، يمارس قهره وتسلطه. 

الفضاء السردي:
تنحصر حركة الشخصيات بين مكانين: القرية، والمدينة "حلب"، ورغم انتماء البطل إلى حلب، مولدًا ونشأة وعلمًا، إلا أنه يتعاطف مع القرية المكان، فيحكي عنها: "حين وصلت البلدة للمرة الأولى أمضيت أسبوعًا كاملاً أتجول حولها، أتنقل بين شوارعها المتربة، أشتم روائحها، وأغسل رئتي بهوائها..."، ثم يقول على لسان حصاة حادثها في سفح جبل: "ابتدأت قدسية التراب، وتوراثها أبناء البلاد، لهذا عبر ظهري مئات الغزاة، وبقي أبناء هذه الأرض ممن شربوا دماء الخابية بقربي..."(5)، تقع القرية بين حدود تركيا وسورية ولواء الأسنكدرونة(6). هذه هي القرية، أما المدينة "حلب" فقد: "تراءت لي... كاعبًا، يضيء وجهها سفوح طوروس، وسهول البادية، لا يطمع من يعشقها بأكثر من التبتل لجدرانها المكسوة بغبار التاريخ، وجه صبية لا تملك إلا إطالة النظر فيه طمعًا بجرعة جمال وألق فقط..."، والبطل ذهب إلى القرية هروبًا من حلب القاسية، يقول: "أتيت لأعيد لروحي وجهها، أتيت لأن ثمة من دفعني للمجئ أردت هواء نقيًا، فقد خنقتني مدينة أبي فراس الحمداني، ورمت عاشقها عند جبال طوروس"(7)، وحين يترك "جمال" القرية عائدًا إلى حلب، يقول: "شعرت وأنا أطل على حلب كم أنا وحيد وبلا زاد، شعرت للحظة أني فقدت أشياء عزيزة، كنت في البلدة محط اهتمام لملكة والتلاميذ والشيخ مستو والمختار والمدرسين، وها أنا أدخل حلب عائدًا كأي متسلل..."(8).

فالمدينة حلب منظر دون جوهر، ظاهرها العطف، وباطنها الحدة، وربما يعود هذا إلى أنه غادر حلب بعد مواجهات السلطة الغاشمة بالأهالي الثائرة، مواجهات كان ضحيتها النخبة المفكرة وعامة الشعب. وربما يكون هذا الشعور استباقيًا في السرد، لأن الأحداث التالية له بررت سبب العداء العاطفي للبطل مع حلب، صراع الرفاق، وعملاء الأمن، وفساد التنظيمات، وتآمر الفتيات. ويقول واصفًا شعوره وهو يدخل حلب: "تستقبلك حلب كما تستقبل الآلاف يوميًا وتودعهم بمثل ما استقبلتهم به، بالحياد نفسه، وربما باللامبالاة نفسها، فالمدن لا تسلس قيادها لأي عابر"(9). فالمدينة رحبة بناسها وأمكنتها، عميقة في تاريخها، فليس من السهل أن يتعايش معها الفرد، والغريب أن البطل ابن لها، وحتى هذه اللحظة لم تسلم قيادها له. وحين تموت ملكة قتلاً برصاصة من ابن المختار، يرثيها جمال بقوله: "يا ه يا ملكة، ستشبهين حلب كثيرًا في موتك، الفارق بينكما فقط أن المدائن تنهض من رمادها، أما أنت فلا رماد لك"(10). فيقر أن حلب ميتة بعدما تم وأد التيارات السياسية، والأبحاث العلمية، والمبدعين الشباب، هكذا تموت المدن، وتحيا عندما يخرج جيل جديد، يدرك معنى الحرية، وينافح من أجلها، ويقدّم المبدعين والمبتكرين، وتكتسب لفظة "رماد" انحرافًا دلاليًا، فهي ـ معجميًا ـ تعطي معنى المتبقَّى من حرق النار ولا يصلح أن تُشعَل النار في الرماد من جديد، بينما أعطت في سياقها ـ مع المدائن ـ دلالة النمو من جديد كأنها بذرة تنبت، وفي نفس الوقت حملت دلالة عن حرق حلب في مذابح الإخوان، وليس المقصود بالرماد الجانب المادي فقط، بل بقايا البيوت وبقايا البشر والحضارة.

والسؤال المطروح: هل حلب تضاد القرية؟ أرى أن الإجابة بالنفي، فتأويليًا: كلاهما من الوطن، ولكن القرية تمثل الوطن في بكارته: قد تلوَّث بعض الشيء ولكن من السهل إصلاحها، أما حلب فهي مثل العجوز، الذي يحمل التاريخ على ظهره لا يستطيع التخلص منها، وفي نفس الوقت غير قادر على إصلاح ما فيه سابقًا وحاليًا. وقد تميزت الرواية بنأيها عن العاصمة، وعرض صدى الأفكار في الأقاليم، التي تجد هي صراع وانعكاس لما يجري في العاصمة، ولكنه انعكاس ذو نكهة خاصة، مصطبغة بخصيصة حلب الإقليم، إنها موطن التقاء عدة مذاهب دينية، وإرث قبلي، وقوميات.  

هامش الإيديلوجيا:
على هامش النص نلتقي بمجموعة من التيارات المتصارعة التي تبحث عن مكان لها، إنها أفكار تحت الأرض، في أعماق الصدور. أول هذه التيارات: فكر الإخوان المسلمين، فلم نجد إدانة واحدة من المؤلف الضمني لفكر الإخوان، بالرغم من أن الرواية تحتفي باليسار، وتشرّح مجتمعهم، ولكنه يفسح المجال في رؤاه للإخوان المسلمين الذين انتفضوا ضد سلطة غاشمة، فكان رد السلطة ضد الجميع. يقول البطل في حوار مع أحد أفراد السلطة: "ها قد مرت أزمة الإخوان، ومنذ سنتين تقريبًا لم نسمع طلقة، لقد هدأت أحوال البلد"، ويفترض أن تعود الأمور إلى نصابها، ليس معقولاً أن يكون الناس بالمجمل مشبوهين. ويرد عليه رجل الأمن: "... إن كنت تظن أن الإخوان قد انتهى أمرهم، فاسمح لي أن أخالفك الرأي فما زال منهم الهارب والمتخفي..."(11).

فمنظور "جمال" أحقية كل فرد في الحضور والتواجد، ومنظور رجل الأمن: التعقب لأفراد الجماعة مادامت السلطة غاضبة عليهم، فغضبها دائم، وتم تشريعه بقانون يعدم كل من ينتمي لهذه الجماعة حتى الآن. وثاني هذه التيارات: الأكراد، الذين التقاهم في القرية، مجبرون على تلقي العلم باللغة العربية، وتغييب اللغة والثقافة الكردية. يسأل أحد الطلاب بعفوية: "أستاذ، لماذا لا يكون تعليمنا باللغة الكردية، أنت قلت أن التعبير هو المحصلة النهائية للتحصيل الدراسي. كيف سنستطيع التحصيل بلغة لم نستطع تعلمها بشكل جيد؟ علمونا بلغتنا ولتكن اللغة العربية لغة أساسية. غمرتني موجة أسى، وأنا أستمع إليه، لم أستطع أن أجيبه بأكثر من" أنت محق "شارحًا له أهمية التأقلم في هذه المرحلة مع الواقع الذي نعيش، هذا الواقع الذي كثيرًا ما يضغط على صدري"(12). وقد رفع تقرير ضد البطل ـ من مدير المدرسة ـ بأنه يحرض الطلاب على المطالبة بفتحة مدارس كردية(13). ونلاحظ اعترافًا بحقوق القومية الكردية، ثقافة ولغة، وهذا يضاد أطروحات القوميين العرب، وما يزعمه الحزب السوري القومي الذي نادي بسورية الكبرى.

وثالث هذه التيارات: الإرث القبلي والتعصب له، الذي يكمن في النفس، وهو محصلة التربية والثقافة المحلية، وقد رأينا أحد عوامل تحلل اليسار، صراع المثقف بين إرثه القبلي والعائلي، وبين أفكاره الأممية، حيث أقرت الأحداث بانتصار القبلي على الأممي من خلال شخصية أحد الرفاق الذي عشق رفيقة معه، ودخل معها في علاقة غير شرعية وهو يقر إقرارًا تامًا أنه غير قادر على الزواج منها بسبب ارتباطه بخطبة عائلية لابنة عمه منذ الصغر، وقد اضطر لإتمام الزواج بها، وهو كاره لها، وطالب رفيقته أن تستمر العلاقة بينهما حتى يجد فرصة سانحة لطلاق الزوجة. وبالطبع لم يحدث هذا، فضغط العائلة أكبر بكثير من القناعات النظرية الأممية. وهذا ما عبر عنه البطل في حواره مع خالد، حيث يقول: "هل مرت مفاهيم البداوة من هنا"؟ أم مازلنا نحمل القبيلة في صدورنا؟ هل نقف على يسار ماركس وعلى يمين محمد وفي قلب القبيلة في آن واحد؟(14).

الاعتراف بالآخر وقبول الإثنيات والتعدديات الثقافية من أهم مراجعات ما بعد الحداثة حيث احتفت بمختلف الثقافات، وأقرت بحقها في التعايش، وأسقطت مركزيات الأفكار وقلاع الإيديولوجيات التي تنفي الآخر، فالديمقراطية قوامها التعايش السلمي، وقلما يخلو وطن ـ بمعنى الدولة ـ من الأقليات والثقافات والديانات الأخرى، ناهيك عن الجماعات السياسية والاحزاب، فإما التعايش وإما الاقتتال، وقد جرّبت بعض الدول قاعدة الكبت والإلغاء، ظنًا منها أن السنين كفيلة بتذويب التعدديات، فكانت المحصلة: تمزق المجتمع، وهروب المبدعين، ونشر ثقافة النفي والإلغاء والتهميش، وإرضاعها الجيل الصاعد.  

الزمن السردي:
تدور أحداث الرواية في زمن محدود، لم يتم التعبير عنه بشكل مباشر، بل تمت الحركة الزمنية عبر إشارات، فالزمن المحدد: عامان تقريبًا، عبر عنهما بذكر السنة الثالثة والرابعة من دراسة "جمال" في كلية آداب حلب، انتهت بالتحاقه بالتدريب العسكري هذا زمن السرد الروائي الداخلي، أما الزمن الخارجي فهو محدد بعامين مضيا على معارك الإخوان المسلمين في حلب وحماه (حدثت في العام 1983م). ولا شك أن الدلالة الزمنية نابعة من تقاطع زمن السرد مع الزمن الخارجي، فالزمن الخارجي يرصد مأساة وطنية، حين واجهت السلطة الشعب الساذج بكل عنف، فتركت المواجهات دماء وجروحًا في النفوس لم تندمل، وجاء الزمن السردي ممعنًا في عرض آثار هذه الجروح بعد مرور عامين، فلم تنس السلطة ما حدث ولم تتوان عن ملاحقة من تبقى من الإخوان، وفرّغت جهودها لتعقب باقي التيارات السياسية الأممية والقومية، وهذه الملاحقات ترصدها الرواية عبر دور العملاء في إسقاط المناضلين، بالنساء (جوليا) أو بالإرهاب الفكري (مع باحث الماجستير) أو بالاعتقال (لخالد). 

العنوان:
«قلاع ضامرة» هذا عنوان الرواية، وبعد التحليل المتقدم، نستطيع أن نرى القلاع ذات انحراف دلالي: فالقلاع حجرية البناء، تقوم على حماية المدن، ويتحصن فيها العسكر، وبها مخازن العتاد ومؤن الحرب(15)، أما هنا: فبناؤها الأفكار، ولبناتها البشر، ووظيفتها تحصين الذات بالفكر والثقافة، وأسندت لفظة "ضامرة" لها (على الخبرية)، بكل ما توحي به اللفظة(معجميًا) (16). من هزال وضعف في البطن والضرع أو الكائن الحي عمومًا، ولكن اكتسب هنا دلالة الضمور للمادي الحجري (القلاع). إلا أن السارد يعلن منذ البدء، وباستباقية أنه راجع كل قلاعنا الفكرية (الإيدلوجيات) على محك الواقع، واقع التطبيق الفردي، واقع العلاقة السلطوية، فوجد هزالها، وباتت غير قادرة على تقديم المزيد. إن هذه الرواية تمثّل صورة من صور المراجعات الفكرية والعقدية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لكل الأفكار المتصارعة على الساحة، وهي في المجمل لا تناقش الأفكار من جهة جدواها، بقدر ما تحمل إدانة للفرد الذي حمل الفكر وهو غير مدرك لما فيه، وإدانة التنظيمات التي تعاملت مع الفرد كترس، لا قيمة ولا مشاعر له، فكانت سهلة الاختراق من قبل السلطات، وإدانة السلطة التي تجعل القضايا السياسية والفكرية ضمن ملفاتها الأمنية، وإدانة الإرث القبلي والتعصب المذهبي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ منشورات دار حوار، اللاذقية، سورية، 2006م، والمؤلف مقيم في الكويت، له إبداعات قصصية، وهذه هي الرواية الأولى له.
(2) ـ انظر: بيتر بروك (تحرير)، الحداثة وما بعد الحداثة، ترجمة: د. عبد الوهاب علوب، منشورات المجمع الثقافي بأبوظبي، ط1، 1995م، ص31.
(3) ـ جان ـ فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي، ترجمة: أحمد حسان، دار شرقيات، القاهرة، ط1، 1994، ص 109.
(4) ـ السابق، ص 109.
(5) ـ الرواية: ص1.
(6) ـ ص14.
(7) ـ ص2
(8) ـ ص15.
(9) ـ ص14.
(10) ـ ص52.
(11) ـ ص54.
(12) ـ ص6
(13) ـ ص8.
(14) ـ ص17.
(15) ـ الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5، 1996م، ص975.
(16) ـ السابق، ص551.