كعادته يخص الشاعر العراقي الكبير (الكلمة) بأحدث قصائده التي يواصل فيها ألاعيب الذات والتناص والذاكرة وخلق جمالياته الشعرية الجديدة، في اشتباكها مع التباسات الواقع وتصاريفه.

استقالةُ الشيوعيّ الأخير

سعدي يوسف


قال الشيوعيُّ الأخيرُ:
سأستقيلُ اليومَ
لا حزبٌ شــيوعيٌّ ، ولا هُم يحزَنون !
أنا ابنُ أرصفةٍ
وأتربةٍ
ومدرستي الشوارعُ
والهتافُ
ولَـسْــعةُ البارودِ إذ يغدو شــميماً ...
لم أعُدْ أرضى المبيتَ بمنزلِ الأشباحِ ،
حيثُ ســتائرُ الكتّانِ مُـسْــدَلةٌ
وحيثُ الماءُ يَـأْسَــنُ في الجِرارِ ،
وتفقدُ الصوَرُ المؤطَّرةُ ، الملامحَ ...
.........................
.........................
.........................
أستقيلُ
وأبتَني في خيمةِ العمّالِ
مطبعةً
ورُكناً ...
سوف أرفعُ رايتي خفاقةً في ريحِ أيلولٍ
مع الرعدِ البعيدِ ، ومَـدْفَقِ الأمطارِ ،
أرفعُها
ولن أُدْعَى الشــيوعيَّ الأخـــير !
......................
......................
......................
الليلُ يأتي .
لندنُ الكبرى تنامُ كعهدها، ملتفّةً بالمعطفِ المبلولِ
أمّا في الضواحي (ولأَقُلْ هَـيْـرْفِـيلْــد) حيثُ يقيمُ صاحبُنا الشيوعيُّ الأخيرُ
فقد أقامتْ ربّةُ الأمطارِ منزلَها عميقاً في العظامِ ...
اللعنةُ!
انتفضَ الشيوعيُّ الأخيرُ:
إن استقلتُ
فأين أذهبُ؟
إنّ ثمّتَ منزلاً لي،
فيه عنواني المسجَّــلُ ...
ولْـيَكُنْ بيتاً لأشباحٍ !
سأسكنُه
وأسكنُهُ
لكي أُدْعى الشيوعيَّ الأخير!

لندن 02.09.200