يتناول الكاتب والروائي الليبي هنا إشكاليات ترجمة الأدب الليبي، واعتماد كثير من الترجمات على الاعتباطية والشللية والارتجال، وصدورها عن جهل بحقيقة المشهد الأدبي الليبي بصورة تدفعه لمناشدة مثل هذه الترجمات بعدم تضمين أعماله فيها.

ترجمة الأدب الليبي

إشكاليات الاعتباط والشللية وعدم التمثيل

محمد الأصفر

علمت أن مجلة بانيبال التي تعني بترجمة الأدب العربي عاكفة الآن على إعداد ملف عن الأدب الليبي من خلاله ستعرض نصوصا شعرية وقصصية وروائية ونقدية كمساهمة منها في التعريف بالأدب الليبي ونقله إلى ضفاف لغوية أخرى وقد سبق لهذه المجلة أن نشرت ملفات عديدة عن الأدب في سوريا ومصر والمغرب.. والحقيقة أن إعداد ملف عن الأدب الليبي وترجمته لن يكون بالأمر الهيّن وستكون هناك مجاملات كثيرة وستغيب نصوص مهمة عن هذا الملف وتتسلل أيضا نصوصا رديئة لا يمكن أن يسمح بها عاقل أن تمثل الأدب الليبي وستعتمد المجلة في إعدادها لهذا الملف على نصوص قديمة تمت ترجمتها وذلك بجمعها من أرشيفات الصحف والمجلات والكتب مع بعض النصوص الجديدة التي عرفت طريقها إلى الترجمة مؤخرا بواسطة تسويق نفسها بطريقة أو بأخرى.

وأنا هنا لست متشائما من هذه التجربة التي ستساهم في نشر بعض النماذج الجيدة للأدب الليبي وتقديمها إلى القارئ باللغة الإنجليزية لكن أتساءل فقط ـ وهذا من حقي ككاتب ـ كيف سيتم اختيار النصوص التي ستترجم.. تقول إحدى الكاتبات أنّ الأستاذ صامويل شمعون محرر المجلة اتصل بي وأبلغني أنهم عاكفون على ترجمة فصل من إحدى رواياتي (روايات الكاتبة)، وربما يكون الأستاذ شمعون قد أتصل بالكثير من الكتاب والكاتبات، وتم انتقاء بعض النصوص وبالطبع مع بعض البهارات الضرورية: الكوني والفقيه والنيهوم... ولكن إعداد ملف عن الأدب الليبي كي يقدم مشهدا حقيقيا يحتاج إلى جهد كبير ومنافسة شديدة بين النصوص في مجالات الإبداع كافة. وعلى الرغم أنّ بعض قصصي قد تمت ترجمتها من قبل، وقد تكون من ضمن الملف إلا أنني أعترض على هذا الملف وقبل أن ينشر، لأنه لن يقدم ما يجب أن يقدم من إبداع، وسيكون مثل الأنطلوجيات الشعرية والقصصية وغيرها التي نشرت من قبل وتعرضت للانتقاد الشديد من قبل المثقفين، وذلك لوجود نسبة كبيرة فيها من الشللية والمجاملة والردح الرخيص.

حتى أن كتاب في جريدة منح إذنا لشاعر تونسي ليقوم بإعداد ملف عن الشعر الليبي وضع فيه جماعته وتجاهل العديد من الشعراء الحقيقيين كالشاعر عبد السلام العجيلي وبهذه المناسبة أحب أن أسأل عن قسم الترجمة في مؤسسات الثقافة الليبية، وهل لديها دور في تقديم النصوص الليبية للترجمة؟ وهل فكر في ترجمة الأدب الليبي بواسطة مترجمين جيدين معترف بهم إبداعيا وأكاديميا؟ ولماذا لا تكون لدينا كتب إبداعية عالمية تترجم مثل ما يحدث في الكويت ومصر مثلا؟ ومن خلال قراءتي لبعض الكتب الأدبية التي ترجمها مترجمون ليبيون وجدت أن ترجماتهم جيدة، ولا يقل مستواها عن ما يترجمه لنا إخوتنا السوريين والمصريين والعراقيين. بل أستطيع أن أقول أن ترجمات الليبي فرج الترهوني أرفع مستوى. وعموما سنقول لزملائنا المبدعين الليبيين مبروك الترجمة مقدما، ونقدم تحية عطرة من القلب لصديقنا محرر المجلة صامويل شمعون الذي التفت أخيرا إلى الأدب الليبي، ورضي أن يقدمه مترجما للغرب. مع العلم أن المجلة من قبل أصدرت كتابا قصصيا عن القصة في شمال إفريقيا خلا منه اسم ليبيا الجميل، ولهذا السبب بالذات أنا سأقاطع هذا الملف، وأرفض ترجمة سطر واحد من كتاباتي وتضمينه في هذا الملف، حتى يتم الاعتذار عن هذا التجاهل، وحتى يعاد طباعة كتاب القصة في شمال إفريقيا بشكل موضوعي، ويضمنون فيه نصوصا قصصية ليبية. ونأمل من محرر المجلة حذف قصصي من الملف إن وجدت فيه، وأتمنى أن تعتني أمانة الثقافة بترجمة الأدب الليبي وذلك بالتعاقد مع مترجمين مشهود لهم بالكفاءة، وعدم ترك هذا الأمر يحدث بواسطة اجتهاد المبدعين عبر علاقاتهم وسفراتهم وتنازلاتهم أيضا التي نعرفها جميعا.

وفي ليبيا توجد كفاءات جيدة في مجال الترجمة، تستعين بهم العديد من المؤسسات الثقافية المعروفة في الخارج، ولا يحتاجون منا إلا قليل من التقدير والتشجيع والدعم المالي البسيط الذي يمكنهم من اقتناء أحدث الكتب، والسفر إلى أماكن أحداث الروايات أو النصوص الأخرى المختلفة، وهذه الميزات هي متوفرة لهم من قبل المؤسسات الثقافية وصناديق دعم الثقافة والفنون العربية والدولية، لكني أحب أن يكون هذا التشجيع والدعم ليبيا خالصا ومن القلب، حتى نغيّر المقولة المأثورة زامر الحي لا يطرب ونجعله يطرب فعلا.