يكشف الناقد التونسي في هذه الدراسة التحليلية الشيقة، لنص (كليلة ودمنة) التراثي والريادي معا، كيف أن جدة هذا النص غير المسبوق في تراثنا العربي، لا تنفصل عن بنيته ورؤاه، ولا عن مغامرته في خوض معمعة نقد السلطان، واجتراح المحرم السياسي، وتأسيس مجال تعبيري جديد، وخطاب أدبي مغاير، يقوم فيه المفكر بنقد الفكر السياسي، وتعرية آليات العلاقات الأساسية التي تنهض عليها مؤسسة الحكم العربية.

المفكّر ونقد السلطان

مصطفى القلعي

1.  وجوه المغامرة الثلاثة:

للمفكّر العربيّ القديم تحدّياته ورهاناته التي تطلّبتها لحظته التاريخيّة بشروطها الثقافيّة والسياسيّة المخصوصة. أو لعلّها فرضتها. وقد واجه المفكّر العربيّ أدواره الفكريّة التاريخيّة مدفوعا بوعيه الذي كان قد حمله إلى حتفه، في أحيان كثيرة، لا شيء معه سوى أفكاره. ويعدّ مُـنجز عبد الله بن المقفّع (106ﻫ ـ 142ﻫ) باستلهام كتاب كليلة ودمنة(1) وإدراجه في الثقافة العربيّة في أواخر الثلث الأوّل من القرن الثاني للهجرة مغامرة فكريّة شجاعة لا تخلو من مخاطر. ولها وجوه ثلاثة: وجه ثقافيّ، ووجه سياسيّ، ووجه ثقافيّ سياسيّ.

وجه المغامرة الأوّل مداره ذائقة العرب الجماليّة الميّالة إلى الشعر، فالشعر هو النشاط الإبداعيّ السّائد في الساحة الثقافيّة العربيّة، منذ ما قبل الإسلام إلى العصر الذي شهد ظهور كتاب كليلة ودمنة. فهذا الكتاب سار على غير مثال، إذ لم يكن مسبوقا برصيد سرديّ يهدي خطاه، ذلك أنّ المعروف، الآن، أنّ العلوم والآداب العربيّة لم تستقرّ وتتمايز إلاّ ابتداء من النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة خلال عصر التدوين المرتبط بانتشار الكتابة(2). وقبل ذلك كان الشعر. فهذا الكتاب نبت في الثقافة العربيّة وهي في مرحلة المخاض. ولذلك فإنّ له فيها منزلة الرّائد المؤسّس. ولذلك جاء هذا الكتاب يتحسّس مسارب غير مسلوكة في الثقافة العربيّة. ويفتتح فيها دروبا في الكتابة بكرا. وينهض لمزاحمة الشعر منزلته الجماليّة والثقافيّة. وليس من الهيّن زحزحة الشعر عن مكانته في ذائقة العرب الجماليّة أو مشاركته المرتبة نفسها على الأقلّ(3). ولذلك فإنّ منافسة الشعر تـتطلّب إمكانيّات فنيّة عالية، لاستمالة المتلقّي وفتح ذائقته لاستيعاب خطاب أدبيّ مغاير للخطاب الشعريّ. ورهان كتاب كليلة ودمنة يصبح رهانا مضاعفا بما أنّه يقصد إلى منافسة الشعر، بأدوات لم تألفها الذائقة الجماليّة أي بغير أنظمة النظم والإيقاع. ويتوجّه إلى إغواء المتلقّي بغير ما ألِف .. إنّها المغامرة.

والوجه الثاني يتّصل بالوضع السياسيّ العربيّ الذي صادف ظهور الكتاب. ﻓ «لقد نشأ ابن المقفّع في عصر اضطراب وهلع خلَف عصر هدوء واطمئنان»(4). ومن غرائب الصدف أن يشاء له عمره المختزل أن يحيا زمنين ويعاصر دولتين؛ إذ شاهد أفول الدولة الأمويّة وارتماءها في عتمة النسيان. وشهد نشأة الدولة العباسيّة على أنقاضها، تصفّي خصومها، وتمشّط ماضيهم، وتجنّد طاقاتها لنشر إديولوجيّتها وتثبيت حكمها. والكتابة كانت مهنة ابن المقفّع، وهي مهنة نخبويّة عزيزة راقية لا يُرضي كبرياءَ أهلها إلاّ البلاط. ولذلك، امتزجت حياة ابن المقفّع بالحياة السياسيّة. ولعلّه ممّا لا يخلو من الدلالة أنّ ابن المقفّع كتب للدولة الأمويّة، حتى قبل أن يُسلم، كتب ليزيد بن عمر بن أبي هبيرة والي العراق أيّام مروان بن محمّد (127ﻫ - 132ﻫ). كما كان كاتبا لبعض عمّال الخليفة المنصور بعد قيام الدولة العباسيّة، ومنهم عيسى بن علي والي الأهواز بغربيّ فارس وسليمان بالبصرة(5).

أمّا الوجه الثالث الذي سمّيناه ثقافيّا سياسيّا فنعني به هذا الجدل بين الخطابين الإبداعيّ والسياسيّ. ولا تجوز الغفلة في هذا السياق عن البعد السياسيّ للدين. فمنذ نشأة الإسلام انبثق الصراع بين الخطابين الشعريّ، وهو الخطاب الإبداعيّ الوحيد المتوفّر حينذاك، والدينيّ. صراعا على السيادة والزعامة كان. إذ الشعر كان، كما لاحظنا، الخطاب السيّد السائد الذي يغطّي حاجات عصره الجماليّة والثقافيّة والاجتماعيّة وحتى الإيديولوجيّة، بشيء من التجوّز مثلما يؤدّي لنا، نحن أبناء العصر الحاضر حاجاتنا التاريخيّة إلى تملّك خصائص تلك اللحظة وأحوالها، فضلا عن أنّه لازال قادرا على إسعاف حاجاتنا الجماليّة، أيضا. بل إنّه كثيرا ما يفعل فينا. ويساهم في تشكيل رؤيـتـنا للعالم. ولم يكن مناص أمام الخطاب الدينيّ من أن يستهدف مكانة الشعر هذه حتى يستقرّ ليسود، لاسيّما أنّه خطابُ دينٍ توحيديّ لن يتحقّق في التاريخ، ما لم يضمن الحدّ الأقصى من الوحدة والانسجام في التشريعات والتنظيمات. وهو ما تطلّب حدّا أقصى، أيضا، من الطاعة والامتثال عند المؤمنين لن يكون ما لم تتمّ إزاحة الخطاب المنافس أي الخطاب الإبداعيّ الشعريّ. ولذلك كان الصدام بين الخطابين عنيفا؛ بين خطاب سيّد متمكّن في أوج ازدهاره وبين خطاب طالع ذي طموح جامح نحو السيادة، طامع في مكانة الشعر. وقصّة الشاعر كعب بن زهير مع النبيّ أحد مظاهر ذاك الصراع الجليّة(6).

2.  المأسسة والتحوّل:

ومع مأْسسة الدين وتمظهره في شكل سلطة سياسيّة، ومع انبثاق ذلك التحالف التاريخيّ بين مؤسّستي الخلافة والفقه في المدينة الإسلاميّة الناشئة، اتّخذ الجدل بين الخطابين الإبداعيّ والسياسيّ شكلا أشدّ راديكاليّة خاليا من التسامح والتنازل والحوار، وخاصّة من جهة المؤسّستين السياسيّة والفقهيّة. فعملتا على إفراد الشعر وتحجيم دوره وإجباره على التنازل عن منزلته السياديّة، وتخييره بين أحد اختيارين لا يضمن كلاهما له سوى كوّة في الهامش؛ إمّا أن ينخرط في منظومة قيم المدينة المكرّسة للحقّ الإلهيّ في السلطة، سياسيّا، والمختَصرة في مقولة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، اجتماعيّا، وإمّا أن يصمت. فكان أن انقسم الخطاب الشعريّ قسمين كبيرين. القسم الأوّل هو الذي رضي بدوره الذي قسمته له المدينة. فانخرط في تكريس شعريّة تؤدّي دورا اجتماعيّا يتمثّل في إعلاء قيم الجماعة المعلاة وذمّ القيم المذمومة، مطيّتُه في ذلك الغرضيّة. وهنا، ابتعد الشاعر عن مكانته السياديّة في أعلى الهرم الاجتماعيّ، ليرتدّ إلى كائن منافق مهان منتجٍ خطابًا يفتقر إلى الصدق والحرارة والإحساس والوعي. إذ تحوّل إلى مدّاحة هجّاء بالأجرة أو باللقمة. وكان للمؤسّسة البلاغيّة الدور الحاسم في فرض هذا القسم الأوّل، وترويجه والتنظير له. وهي مؤسّسة ذات أصول فقهيّة. فهي سليلة المؤسّسة الفقهيّة حليفة المؤسّسة السياسيّة وخادمتها.

والقسم الثاني هو ذاك الذي رفض الانخراط في قيم المدينة وأنظمتها. وظلّ وفيّا لطابعه الانشقاقيّ متمسّكا به. ولأنّه لا يستطيع مواجهة السلطتين السياسيّة والفقهيّة لقوّتهما وسطوتهما، اضطرّ إلى سلك سبيل التحوّل والتلوّن (se métamorphoser) للإفلات من استلاب قيم الجماعة. وكان التحوّل في أحد اتّجاهين: الأوّل تمثّل في ابتكار خطاب شعريّ على سنن غير مألوفة للمتلقّين ولا للمؤسّسة النقديّة البلاغيّة، كالشعر الصوفيّ، والشعر الإباحيّ، والشعر الذاتيّ، والشعر الوجوديّ، والشعر الاجتماعيّ، والشعر السياسيّ. فتأسّست في هذه الأشكال أفانين تعبير وقيم لم تنكشف إلى اليوم، بفعل ما مارسته عليها المؤسّسات البلاغيّة والفقهيّة والسياسيّة المتحالفة من طرد وإقصاء. والاتّجاه الثاني تمثّل في إنتاج أجناس أدبيّة جديدة، كأدب العجيب، والحكاية المثليّة، وأدب الحيوان، والنادرة، والمقامة تأثّرًا بالثقافات المجاورة أو على سبيل الاستعارة منها، أو على سبيل الابتكار. والأرجح أنّ ترجمة(7) كتاب كليلة ودمنة مدرجة في هذا النوع الثاني من التحوّل.

3.  الإشكاليّة:

هذا البحث منطلقه إشكاليّة يرغب في إثارتها وتعميق النظر فيها، متّصلة بمسألة نقد السلطان باعتبارها هدفا رئيسيّا للمفكّر العربيّ القديم. ذلك أنّ نقد السلطان هذا يمكن أن يعدّ إعلانا عن الخروج المبكّر عن الغرضيّة التي كانت تنتظم الشعر العربيّ القديم. فهو معنى لم يكن موجودا. ولم يعرفه الشعر العربيّ قبل الإسلام. وهذا أمر طبيعيّ نظرا لغياب السلطة السياسيّة أصلا. فالشاعر كان يواجه السلط التي تقمعه وتحدّ من حريّته لاسيّما سلطة الطبيعة وسلطة الأعراف. وما كان معها على وفاق بحكم طبيعته التوّاقة إلى الانعتاق والانطلاق والتحدّي. ولكن متى ظهرت السلطة السياسيّة بمعناها المؤسّساتيّ التسلّطيّ الجبريّ نشأت معها أوجه مقاومتها الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة. ولذلك لم ينظّر له التفكير البلاغيّ العربيّ. وحين ظهرت الكتابات السلطانيّة، فيما بعد، لم تكن من مجال اهتمام البلاغة والنقد أصلا. ولقد رشّحنا ابن المقفّع وكتابه كليلة ودمنة لمناقشة إشكاليّة نقد السلطان(8) في الأدب العربيّ(9). ويمكن النظر في هذه المسألة من خلال جملة الأسئلة هذه؛ هل النقد السياسيّ مجرّد موضوع أدبيّ أم هو مشروع فكريّ للبناء؟ ما هي أدوات بنائه؟ هل كان نقدا سافرا أم فنيّا تخييليّا؟ هل كان مباشرا أم نوّع في أشكاله وتجلّياته؟ وسبيلنا في البحث سيكون التحليل والتأويل. نعني أنّ المادّة الأدبيّة السرديّة هي المنطلق لعمليّة التأويل واستخراج القوانين. ولكنّنا ننبّه إلى أنّ مقام النشر قد يضيق عن التوسّع والإسهاب. ولذلك نجدنا أميل إلى منهج النمذجة والتصنيف.   

لقد تحدّث جرجي زيدان عن كتاب كليلة ودمنة، فقال: «هو كتاب في إصلاح الأخلاق وتهذيب النفوس»(10). وهذا كلام صحيح. ولكنّ وجاهته لا تخفي أنّه عامّ يفتقر إلى الضبط والتدقيق. فأخلاق مَن يسعى الكتاب إلى إصلاحها؛ السلطان أم الخاصّة أم العامّة؟ وأيّة نفوس يرغب في تهذيبها؟ بل إنّي أعتقد أنّ الأهمّ الذي يجب أن يقال هو أنّه كتاب في نقد السّلطان باصطلاح القدامى، والنقد السياسيّ بلغة اليوم.

4.  تنظيم موادّ الكتاب والنقد السياسيّ:

إنّ أبوابا سبعة من بين أبواب كتاب كليلة ودمنة الستّة عشر كان موضوعها وهدفها النقد السياسيّ، وهي: (باب الأسد والثور)، (باب الفحص عن أمر دمنة)، (باب الأسد والشّغبر النّاسك)، (باب ابن الملك والطّائر فنزة)، (باب ايلاذ وبلاذ وايراخت)، (باب مهرايز ملك الجرذان) و(باب ابن الملك وأصحابه). وهو ما يساوي نسبة 43.75٪ من محتوى الكتاب (نصفه تقريبا). وهي نسبة عالية إذا قسناها بمعطيات تاريخيّة وثقافيّة. ونعني بالمعطيات التاريخيّة اللحظة التاريخيّة العاصفة التي فيها ولد الكتاب، وسبقت الإشارة إليها. وهي لحظة دمويّة كانت تفترض الصمت والخشية وإيثار السلامة على مواجهة السلطان، أو حتى التعرّض له بشكل من الأشكال. ولكنّ المفكّر لم يؤثر السلامة. ولم يسكت. بل عبّر. وكان تعبيره حلوًا مرًّا؛ حلوا من جهة جودته الفنيّة وترقّيه إلى ذرى حكائيّة عالية، ومرّا من جهة حدّة النقد السياسيّ الماثل فيه. أمّا المعطيات الثقافيّة فنقصد بها ما سبقت الإشارة إليه من أصالة النقد السياسيّ موضوعا أدبيّا ومسألة جداليّة. فالكتاب من هذه الناحية لم يكن خجولا ولا خائفا من فتح المسالك الجديدة وطرقها بثبات.

إنّ الناظر في تسمية أبواب الكتاب لا يفوته أن يلاحظ أنّ خمسة من سبعة منها تواتر فيها معجم السلطان (الأسد (x 2)، الملك (x 1)، ابن الملك (x 2). وهو ما يعادل نسبة 71.42٪ من عناوين القسم السياسيّ في الكتاب. ونحن لا نرى في الكتاب شيئا اعتباطيّا. وإنّما هي مؤشّرات وعلامات حين نجمعها ونخضعها للقراءة والتأويل فإنّها تمدّنا بقرائن تدعم ما ذهبنا إليه من أنّ النقد السياسيّ في الكتاب عمل قصديّ واع. وهو اختيار مال إليه المفكّر. واشتغل عليه اشتغالا. ولم يكن صدفة ولا اتّفاقا. وهذا يعني أنّ النقد السياسيّ ليس معنى عرضيّا في كتاب كليلة ودمنة، بل هو معنى مركزيّ واع مقصود إليه قصدا. وكلّ ما في الكتاب موظّف نحو تحقيق هذه الغاية. والكتاب مُغرٍ بكرمه. فهو يمنح الباحث مداخل لا تحصى للتنافذ معه. بقي أنّنا سنختصر هذه المداخل في واحد هو مدخل الشخصيّات. ولا يمنعنا عن البقيّة سوى الرغبة في تجنّب الإطالة والإسهاب، اللذين لا يستجيبان للمقام.

5.  الشخصيات والنقد السياسيّ في كتاب كليلة ودمنة:

النظر في الشخصيّات صفاتِها وأحوالها وأعمالها وخوافيها وظواهرها وجدناه مفيدا في مقاربة مسألة النقد السياسيّ في كتاب كليلة ودمنة. وسنأخذ الباب الأوّل؛ (باب الأسد والثور) نموذجا لذلك. ولابدّ من الإشارة إلى أنّ مدار القصّة في هذا الباب حول صفتي القوّة والعقل في السلطان والحاشية والرعيّة. ولذلك سنتولّى قراءة شخصيّات الباب الثلاث الرئيسيّة الأسد ودمنة والثور متوسّلين بجدول يساعدنا في مقاربة صفتي القوّة والعقل فيهما ونتيجتهما المتحقّقة في القصّة. ثمّ سنجمع الملاحظات التي يمدّنا بها الجدول لنتأوّل الدلالة:

الصفتان

القوّة

العقل

النتيجة الحاصلة

المعادلة المنشودة

الشخصيّات

الأسد

+

-

الغفلة والاستبداد

القوّة + العقل = العدالة والرفاه والعمران

دمنة

-

+

الخيانة فالهلاك

الثور

-

-

الغفلة فالهلاك

المفاجأة أنّ الجدول لا يجيب، بل يسأل. هل شخصيّة دمنة مذنبة أم صاحبة حقّ؟ لقد كان دمنة منتدبا عونا مستشارا في خدمة الملك. من عطاياه يعيش. وعلى موائده يقتات. والمقابل النصح والاستعداد لفداء وليّ نعمته. وهو بالضبط ما فعله حين كان الأسد يرتجف ذعرا من صوت خوار الثور. فغامر. وذهب. واستطلع. بل جلب صاحب الصوت المخيف صاغرا للملك طائعا. فكان المقابل أن خسر وظيفته. وجاع. وتشرّد. فهل التشرّد هو نتيجة الوفاء للسلطان والتفاني في خدمته؟ أمّا شخصيّة الأسد فتبدو شخصيّة غافلة، والغفلة لا يجب أن تكون في صفات الملوك لأنّ وظيفتهم سيادة النّاس وسياستهم وحماية رقابهم. والأسد يبدو في الحكاية شخصيّة مجادلة. ولكنّها كانت ضعيفة الحجّة، حججها طبيعيّة ردّها دمنة بسرعة. كما تبدو مصدّقة دمنةَ. فوقع في نفسها كلامه عن الثور بسرعة لأنّه تمكّن من إخافتها على عرشها.

إنّ هاتين الشخصيّتين مصنوعتان صناعة محكمة. فدمنة شخصيّة إشكاليّة يتعارض باطنها مع ظاهرها. لها القدرة على إظهار غير ما تخفي وإخفاء ما تبطن إخفاء كاملا. ولهذه الشخصيّة تمكّن من الأنفس تقدر على إغوائها وإثارتها وقيادتها إلى حيث تريد، إذ لم يستعص عليها أمر الثور فقادته إلى الأسد سريعا. ولم يأخذ أمر الأسد منها جهدا فقلبته على خليله وصفيّه سريعا، أيضا. وكلٌّ تحدّثه بالخطاب الأشدّ فعلا فيه والأمضى أثرا. والأسد شخصيّة دراميّة لأنّها تضطرّ إلى أن تقصي أو تقتل من تحبّ. وتدني من تخشاه ولا تأمن جانبه. إنّها شخصيّة غير سويّة باعتبار أنّها محرومة من التوازن الذي تنعم به العامّة. وهي محرومة حتى من النوم. إنّها تنام مفتوحة العين ومخالبها مشحوذة. وحين تتيقّظ لا تسمع أذناها سوى خطاب الدسائس والمؤامرات. وحين تأكل تخشى من الغدر في الطعام. وهوسها بأجمتها يزداد. ويتحوّل مع الزمن إلى ضرورة بعد أن كان رغبة. ممّا يجعلها متنمّرة مستعدّة للانقلاب من حال إلى نقيضها بالسرعة القصوى. ويبقى ابن آوى والأسد من ذوات المخلب. ووجودهما معا طبيعيّ.

لكن ما الذي تفعله شخصيّة الثور في أجمة الأسد وهي لا تمتلك مخالب ولا أنياب؟ لا أحد يدخل إلى ذلك المكان دونها. كما أنّ مجرّد تواجدها هناك مخالف لقوانين الطبيعة. والأديب المفكّر يعرف أنّه لابدّ من احترام القوانين الطبيعيّة. فإمّا أن تستنبت مخالب وأنيابا وإمّا أن تتمرّن على الرّكض بسرعة. هذا هو قانون الطبيعة. أمّا أن تتعايش ذوات الناب والمخلب مع الحيوانات المسالمة فلا.

6.   الجريمة السياسيّة وسؤال القيم:

ثمّة جريمة وقعت ودم أريق، إذن. والسؤال، الآن، من هي الشخصيّة المذنبة؛ أشخصيّة دمنة (الحاشية) لأنّها حبكت المكيدة التي أدّت إلى مقتل الثور؟ أم شخصيّة الأسد (السلطان) لأنّها لم تتحرّ فيما بلغها من أنباء، ولم تجر محاكمة عادلة للمتّهم، بل اقتصّت بنفسها من المتّهم قبل أن تثبت إدانته؟ أم شخصيّة الثور (الرعيّة) لأنّها تساهلت في أمرها، ولم تحافظ على حياتها، ومنحت نفسها هديّة لعدوّها، ووثقت في من شيمته الغدر؟ أم الشخصيّات ثلاثتها مذنبة؟ أم ثلاثتها ضحيّة الإخلال بالنظام في المدينة الإسلاميّة المتثائبة؟

هكذا تستدرجنا لذّة الحكاية إلى إثارة سؤال القيم؛ القوّة والعقل/ القوّة والسلام/ العقل والسلام/ القوّة والعدل/ السلطة والعدل. فهل تاريخ القيم الاجتماعيّة تاريخ صراع، كما أنّ تاريخ الحيوان تاريخ صراع؟ هل إمكانيّة تعايش قيم السلام مع قيم القوّة والعنف أمر في حكم المعدوم، لأنّه مناقض لقوانين الطبيعة؟ هل يمكن أن يستقيم الوجود بالقوّة وحدها أو بالسلام وحده؟ هل تحتاج القوّة السلامَ؟ وهل يحتاج السلام قوّة؟ وهل يحتاج العدل إلى القوّة ليقام؟ وهل يمكن أن يكون السلطان عادلا؟ ما الذي يحتاجه ليكونه؛ القوّة أم العقل أم يحتاج الإثنين؟ لماذا لا يتيقّظ ضمير السلطان (شخصيّة أمّ الأسد في الحكاية) إلاّ بعد وقوع المحظور؟ لماذا لم يتدخّل هذا الضمير إلاّ لنجدة السلطان وتنقيته من تهمة قتل الثور غدرا؟ ألم يكن أحرى بالأسد أن يتقدّم للمحاكمة لتورّطه في دم الثور (الرعيّة)؟ ألم يكن مذنبا بقدر ذنب دمنة بل بذنب أكبر؟ إنّ شخصيّات كتاب كليلة ودمنة ليست حيوانات متصارعة، إذن. وإنّما تحتمل أكثر من تأويل. فهي قيم (valeurs) متصارعة ليست الغاية منها الإضحاك والإطراف والترفيه فقط. وإنّما الغاية العميقة هي مجادلة السلطان ونقده، وتحفيز العقول على التفكير في المسألة السياسيّة عبر استدراجها بواسطة التخييل والتشويق والإمتاع.

7.  مفهوم نقد السلطان عند ابن المقفّع:

شخصيّات كتاب كليلة ودمنة ثريّة ثراء يجعلها قابلة لقراءات كثيرة إذ يمكن أن نقرأ شخصيّات (باب الأسد والثور) الثلاث على أنّها ترمز إلى فئات المجتمع الثلاث التي حولها تدور عمليّة الحكم. فالأسد يرمز إلى الحاكم، ودمنة إلى الحاشية، والثور إلى الرعيّة. ولقد كشفت القراءة التأويليّة المسائلة التي حاولنا ممارستها أنّ مسار حكاية (باب الأسد والثور) وتطوّر أحداثها لا يدعو إلى اتّهام شخصيّة من الشخصيّات الثلاث بنفس الدرجة. بل رأينا أنّ كلّ شخصيّة متّهمة بقدر. والقراءة التبسيطيّة الشائعة تجعل شخصيّة دمنة المذنبة. وتبرّئ شخصيّتي الأسد والثور. وتبرّر للأسد جريمته على اعتبار أنّه تعرّض للخديعة. أمّا الثور فضحيّة تراه. لكنّ قراءتنا التأويليّة المعتمدة على آليّات النقد السياسيّ كشفت لنا أنّ شخصيّة الأسد هي الأشدّ تورّطا. فإن كان دمنة قد تسبّب في قطع علاقة ناجحة نامية وفي مقتل الثور وفي خسارة الأسد خلاّ نصوحا، فإنّ الأسد ارتكب جرائم صريحة. منها قتله الثور بيديه، وتجويع أعوانه وخدمه، وسوء اختيار مستشاريه وخلّصه، وعقد المحاكمات التآمريّة التي تعمد إلى التستّر على جرائمه والبحث عن أكباش فداء.

ولقد كان دمنة على وعي تامّ بتورّط الأسد الورطة الكبرى وبأنّ ذنبه هيّن قياسا إلى ذنب مولاه. ولذلك رأيناه في موقف قوّة أمام قاض مأمور أثناء محاكمة(11) تقف خلف ستارها أمّ الأسد. وتتحكّم في تحريك خيوطها بما يضمن تبرئة ساحة ابنها وتوريط مستشاره. فلا ضير في التضحية بمستشار أو خادم من أجل إنقاذ السلطان من الكدر. ألا يتقاضى الأعوان أجورهم لحماية السلطان؟ ألا يُـقسمون على طاعته وفدائه بأرواحهم؟ فلتكن قتْلتا الثور شتربة والمستشار دمنة أدخل في مهنتيهما اللتين أقسما عليهما، إذن؛ أي الموت بدلا عن الأسد. وفي النهاية، ستنجب الأمّة الكثير من الرعايا المحكومين والأعوان والمستشارين. ولكنّها لا تجود دائما بالسلاطين والحكّام. هكذا تحلّل كبيرة المستشارين وضمير الأمّة أمّ الأسد، وتبرّر لجرائم السيّد الحاكم ابنها. ولقد أحسسنا في دفاع دمنة بأنّه كان متيقّنا تماما من أنّه وقع محلّ تآمر، وبأنّه مقضيّ عليه لا محالة. فهو مقتول مقتول. وقتْلته لا تختلف في المضمون عن قتْلة الثور، رغم اختلافهما في الشكل لأنّ محاكمته صوريّة ليست غايتها تحقيق العدالة، بل تكريس ظلم الأسد وحماية أجمته، وضمان إطالة عمر سيادته. ولكنّ دمنة لم يبد عليه الرضا بأداء دور الضحيّة لأنّه لم يختره. بل أجبر عليه جبرا.    

هكذا نرى تشكّل مفهوم مخصوص للنقد السياسيّ عند ابن المقفّع. فنقده السلطانَ لا يعني نقد الحاكم. وإنّما نقد السلطان موجّه إلى الأطراف التي تدور حولها عمليّة الحكم، وهي مؤسّسة الحكم من جهة، والمحكومين من جهة ثانية. ولذلك لم تبرّئ حكاية (الأسد والثور) أيّا من الشخصيّات الثلاث. بل بيّن التحليل أنّ ثلاثتها متورّطة، وإن بتفاوت. وما الجريمة التي وقعت في الأجمة إلاّ حجّة واضحة على خلل طال النظام الذي يتشكّل من كلّ الأطراف والفئات والطبقات. ولكلّ فئة دور. ولكلّ طرف مهمّة. ولكلّ شخصيّة نصيب في الدماء المُراقة. فابن المقفّع يبدو واعيا بأنّ الحاكم لا يكون صالحا أو فاسدا، إلاّ بالنظر إلى من حوله من حاشية ورعيّة. ولذلك، فمن التبسيط، عند ابن المقفّع أن يختزل مفهوم نقد السلطان في الحاكم. فالحاكم ليس إلاّ فردا في مؤسّسة شاسعة جدّا، تختزل في سلطات ثلاث في العصر الحاضر، هي السلطة التنفيذيّة، والتشريعيّة، والقضائيّة. وصلاحه لا يضمن، وحده، صلاح النظام ولا صلاح الدولة. أمّا فساده فخطير يؤدّي حتما إلى فساد النظام والدولة. ولذلك ليس للحاكم أن يحيد عن الصلاح. ففساد أيّ طرف من أطراف النظام يمكن تلافيه. أمّا انحراف السلطان فكارثيّ لا علاج له. ولذلك فإنّه من غير المسموح للسلطان بأن يخطئ، أو ينحرف، أو يحيد عن العدل بأيّ شكل من الأشكال. فهذا قدره. لكن مع ذلك نقد السلطان، عند ابن المقفّع، هو نقد نظام الدولة الذي يمثّل فيه الحاكم مجرّد طرف له دور.

لقد ابتكر ابن المقفّع مبكّرا الشخصيّة القيمة أو الشخصيّة الرمز دون تجريب. واشتقّ مفهوم نقد السلطان في الأدب والفكر العربيّين. وصاغ أدواته الفنيّة الخاصّة الكفيلة بإثارة هذه المسألة. لقد اختار ابن المقفّع الدرب العسير غير المسلوك. وتقدّم. فأنتج حكاية ممتعة فنيّا، مسائلة قيميّا وسياسيّا. ومات غيلةً. فهل كان يعرف ما سيفعله السلطان به؟ نعم!

الإحالات:

(1) كتاب كليلة و دمنة، تأليف الفيلسوف الهنديّ بيدبا، نقله من الفهلويّة إلى العربيّة عبد الّله بن المقفّع، المكتبة الثقافيّة، بيروت، د. ت.

(2) انظر، مثلا، ه. أ. ر. جب: خواطر في الأدب العربيّ، 1: بدء التأليف النثري، ضمن كتاب المنتقى من دراسات المستشرقين، دراسات مختلفة جمعها ونقلها إلى العربيّة وعلّق عليها: د.صلاح الدّين المنجد، مطبعة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1955، ج1، ص 129. يقول، في شأن الكتابة والتدوين: " لقد انتشرت الكتابة بسهولة بين عامّة الأفراد لأوّل مرّة عقب اختراع الورق المصنوع من الخرق. ومن الثّابت حدوث هذا في أواسط القرن الثاني. وقد أُسّس أوّل مصنع للورق في بغداد في عهد هارون الرّشيد [ 170ه – 193ه]. وما حلّ أواخر القرن الثاني حتّى وُجِد الورق بوفرة ورخُص في الثّمن." نقلا عن د. محمد القاضي، الخبر في الأدب العربيّ: دراسة في السرديّة العربيّة، منشورات كليّة الآداب منّوبة، تونس، 1998، ص 150.

(3) وأكبر شاهد على مكانة الشعر القديم الراسخة في العقول والأفئدة إلى اليوم وعلى صعوبة افتكاك حيّز إلى جانبه ما تعانيه المحاولات الشعريّة العربيّة المعاصرة من عسر في الاستمرار والرواج والارتقاء إلى مستوى التجربة، فكيف بالسرد القديم؟ وقد نعود إلى إثارة موضوع صعوبات الشعر المعاصر في أبحاث أخرى.

(4) جرجي زيدان، مقدّمة الكتاب، الطبعة المذكورة أعلاه، ص 25.

(5) نفسه، ص 25 وما بعدها.

(6) هذا الرّأي أقنعنا به تحليل الأستاذ محمد لطفي اليوسفي، انظر مشروعه: فتنة المتخيّل (ثلاثة أجزاء)، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2002.

(7) نحن لا نعتمد مصطلح الترجمة، في هذا السياق، بمعناه المضبوط له اليوم. بل إنّنا نميل إلى اعتبار النسخة العربيّة لكتاب كليلة ودمنة أقرب إلى الاستلهام منها إلى الترجمة.

(8) لاحظ التقارب الصوتيّ والمعجميّ بين لفظي: السُّلْطَ(ﺔ)/ السُّلْطَ(ان). إنّهما يكادان يتماثلان.

(9) أودّ أن أوضّح أنّــني أتـبنّى الرّأي الذي لا يفصل بين الأدب والفكر، ولا بين الأديب والمفكّر. وأنّـني لا أقبل الرّأي الشائع، وخاصّة عند العرب، الذي يحاول تجريد رجل الأدب من صفة المفكّر لاسيّما أنّ وراء هذا الفصل والتجريد تكمن خلفيّة ترتيبيّة تعتبر المفكّر أعلى مرتبة من الأديب وأفيد منه للمجتمع. وهو، في اعتقادي، رأي تبسيطيّ لا يخلو من خطورة، يحصر وظيفة الأدب في الإمتاع والمؤانسة. ويقصر وظيفة النقد على رصد البلاغة والمجاز والطرافة والإثارة والتشويق، وكفى. أمّا تخوم الفكرة وأقاصيها فلأهل الحلّ والعقد والكلام والاجتهاد!!

(10) مقدّمة الكتاب، نفسه، ص 9.

(11) نستمع إلى دفاع دمنة أمام القاضي. قال الراوي: «(...) فلمّا مَثَلَ دِمنَةُ بَينَ يَديْ القاضي اِسْتَفْتَحَ سَيِّدُ المَجْلِسِ فَقال: يا دِمنَةُ، قَدْ أَنْبَأَنِي بِخَبَرِكَ الأَمِينُ الصادِقُ. وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْحَصَ عَنْ شَأْنِكَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا (...) وَقَدْ ثَبُتَ شَأْنُكَ عِنْدَنا. وَأَخْبَرَنا عَنْكَ مَنْ وَثِقْنَا بِقَوْلِهِ. إِلاَّ أنَّ سَيِّدَنا أَمَرَنا بِالعَوْدِ في أَمْرِكَ وَالفَحْصِ عَنْ شَأْنِكَ، وَإِنْ كانَ عِنْدَنا ظاهِرًا بَيِّنًا.

قال دِمْنَةُ: أَراكَ أَيُّها القاضي لَمْ تَــتَعَوَّد العَدْلَ في القضاءِ؛ وَلَيْسَ في عَدْلِ المُلُوكِ دَفْعُ المَظْلومِينَ وَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُمْ إِلى قاضٍ غَيْرِ عادِلٍ، بَلِ المُخاصَمَةُ عَنْهُمْ وَالذوْدُ. فَكَيْف َتَرَى أَنْ أُقْتَــلَ وَلَمْ أُخَاصَمْ؟

قال القاضي: إِنَّا نَجِدُ في كُتُبِ الأَوَّلِينَ: إِنّ القاضي يَنْبَغي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ عَمَلَ المُحْسِنِ وَالمُسيءِ، لِيُجازِي المُحْسِنَ بِإِحْسانِهِ والمُسيءَ بِإِساءَتِهِ. فَإذا ذَهَبَ إِلى هَذا ازْدادَ المُحْسِنُونَ حِرْصًا على الإِحْسانِ وَالمُسيئونَ اجتِنابًا لِلذُّنوبِ. والرّأيُ لَكَ، يا دِمْنَةُ، أَنْ تَنْظُرَ الذي وَقَعْتَ فِيهِ، وَتَعْتَرِفَ بِذَنْبِكَ، وَتُقِرَّ بِهِ، وَتَتُوبَ.

فَأَجابَهُ دِمْنَةُ: إِنَّ صَالِحِي القُضَاةِ لا يَقٌطَعونَ بِالظَنِّ، وَلا يَعْمَلُونَ بِهِ لا في الخاصَّةِ وَلا في العَامَّةِ. لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الظَنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيئًا. وَأنْتُمْ إِنْ ظَنَنْتُمْ أَنِّي مُجْرِمٌ فِيمَا فَعَلْتُ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْكُمْ. وَعِلْمِي بِنَفْسي يَقِينٌ لا شَكَّ فِيهِ. وَعِلْمُكُمْ بِي غايَةُ الشَكِّ. وَإِنّما قَبَّحَ أَمْرِي عِنْدَكُمْ أَنِّي سَعَيْتُ بِغَيْرِي، فَمَا عُذْرِي عِنْدَكُمْ إِذَا سَعَيْتُ بِنَفْسِي كَاذِبًا عَلَيْها فَأَسْلَمْتُها لِلْقَتْلِ وَالعَطَبِ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنِّي بِبَراءَتِي وَسَلامَتِي مِمَّا قُرِفَتْ بِه وَنَفسي أَعْظَمُ الأَنْفُسِ عَلَيَّ حُرْمَةً وأَوْجَبُها حَقًّا؟» (ابن المقفّع: كليلة ودمنة، نفسه، ص 169 ­ 170.)