على وقع الدمار في حرب صعدة، يستدعي الشاعر تواريخ الدمار وتجلياته الممتدة في الذاكرة العربية من بيروت إلى بغداد ومن غزّة إلى سوات، في انشودته التهكمية لإله الحرب إريس الذي لم يشبع بعد من الوحشية والدمار. وفي الوقت التي تهزنا عبر تراكب الصور في القصيدة صور الدمار الوحشية، ورياح التسليع والعولمة. تأتي هذه الدعوة الشعرية البليغة من الشاعر اليمني للتسامح والى عالم بقيم تنتصر للحياة.

إِريْـس.. ولا نَعْلَمُ مَـاذا بَعْـد؟!

عبدالوهاب العودي

إِريْس(1)

يا إلـهَ الحَرْبِ،

وشَهْوَةِ الدَّمِ،

والقَتْلِ الوحشيِّ،

والدَّمَار

ماذا تَفْعَلُ في صَعْدَةَ هذا المساءَ؟

بَعْدَمَا مَرَرْتَ بِبَيْروْتَ ذاتَ صَبَاحٍ صيفيٍّ

حَفَرْتَ فيهِ بَصَمَاتِكَ الشَّوْهَاءَ

على خدُوْدِ أَبنِيَتِهَا النّاعِمَة

ودوَّنْتَ ـ في أَلْوَاحِ قُلُوْبِهَا وأَرْوَاحِهَا،

 ذِكْرَيَاتِكَ السّودَاء،

وقُبَلَكَ الحَارِقَةَ والخَبيْثَةَ

بِحبرٍ لَنْ يَستَطِيعَ عَلى مْحوِهِ الزَّمَان

فيما نَصَبْتَ خِيَامَكَ، وبَيَارِقَكَ,

وأنزلْتَ جُندَكَ المُدرَّبينَ للقَتْلِ،

وعُدَّتَكَ، وعَتَادَكَ؛

لإِقَامَةِ حَفْلِكَ الدّمَوِّيِّ الطَّوِيْل

في غزَّةَ، وبَغْدَادَ، وكابُولَ، ووَادي سُوَاتْ؟

مَاذا تَفْعَلُ

عِنْدَمَا تغْرُبُ الشّمسُ

على أطفَالِ القُرى الهَاجِعَةِ على قممِ الجبالِ،

أو الرابِضَةِ في بطونِ الوديَانِ والسّهول؟

ومَا فِعلُكَ بأُمَّهَاتِهم

اللائي هجَرَهُنَّ أزواجُهنَّ بَحْثَاً عَنْكَ،

وسمْعَاً وطَاْعَةً لدَعْوَتِك؟

مَاذا تَفْعَلُ في سُويْعَاتِ الفَجرِ الأولى

والكَائِنَاتُ هاجِعَةٌ في نومٍ غَالبٍ؟

وكَيْفَ تَرَى العَالَمَ، تلكَ اللحظةَ،

والمُؤَذِّنُ يدعو النّائِمينَ إلى الصّلاة؟

إِريْس

كيفَ يكونُ شعورُكَ؟

وأَنْتَ تَرَى المآذنَ ترتَعِشُ،

والبيوتَ تَهْوي على رؤوسِ سَاكِنيهَا؛

النّائِمِينَ على جُوعِهم، وحُزنِهم، وخَوفِهم

أولئِكَ المتبقِّينَ عَمَّنْ هَجَرَتْهُم أرواحُهُم،

أو هَجَّرْتَهُم، أَنْتَ،

 ففرّوا منكَ إلى الملاجئِ؛

الفَارِغَةِ من كُلِّ شَيءٍ

إلاّ مِنْك.

وكيفَ يكونُ شعورُكَ؟

وأنتَ تَسْمَعُ الأَشْجَارَ تحترِقُ وتترنَّحُ

والأَحْجَارَ تَبْكي وتَرْتَعِدُ

والأَنْهَارَ تَتَيَبَّسُ وتموتُ

والضّوءَ يختنقُ ويتلاَشَى

والقمرَ يذبلُ ويمتَقِعُ

والنّجُومَ تهوي وتَسَّاقَطُ

والشّمْسَ تَنزِفُ، وتَئِنّ.

لَقَد مرَّتِ السّنةُ الأولى،

بعْدَ أنْ تَرَكَتْنَا دماراً وغُبَارَاً،

ويَتَامَى، وثَكَالى، ومُنتَقِمِينَ

وما لبِثتَ أنْ خَلَّفْتَنَا ورَاءَكَ

جُروْحَاً لا تندَمِلُ،

وأمراضاً لا تَبْرأُ،

بعد أنْ حَسَبْنَاكَ راحِلاً عنَّا، وبلا رَجْعَةٍ

حتّى عُدتَ أَسْرَعَ مِنْ ذي قَبْل

وأكثرَ نَهَماً ووَحْشِيَّةً

وهَا أنتَ ذا للمرّة الثانيةِ،

فالثّالثَةِ، والرَّابعَةِ،

والخامسَةِ، والسّادِسَة

و.. لا نَعْلَمُ مـَاذا بَعْـد؟!

فلِمَ، أيُّها الإلهُ المَقِيْت؟

لماذا تَذْهَبُ مُتأَخِّرَاً، وتَعُوْدُ سَريْعَاً؟

أَفِيْ مِزَقِ الرُّضَّعِ مَا يَفْتَحُ شَهيَّتَكَ؟

وأَثْدَاءِ الأُمَّهَاتِ المُمَزَّقَةِ ـ

وحَلِيْبُهَا ما يَزالُ حَارَّاً في عروْقِهَا،

ما يُغْرِيكَ على البَقَاء؟

أيُّها الإلهُ الوَحش

لقد شَبِعَتِ النّسُوْرُ والسِّبَاعُ

من فروْجِ العَذَارَى المَنْهُوْشَةِ،

ونهودِهنَّ المَبْقُوْرَةِ،

وأردافِهنَّ المعْجُوْنَةِ بِلُعَابِ القَذَائفِ الجَائِعَة

وأَنْفَاسِهَا المُذِيْبَةِ

فهَلاّ تَشْبَع؟!

أيُّها الإلهُ المَرِيْضُ

لَقَد امتلأَتِ الأَنْحَاءُ بجسُومِ الفتيانِ الطَّرِيَّةِ،

والمُخَيَّمَاتُ بأَعضَائِهِم السّقِيْمَةِ،

وأمراضِكَ الفَتَّاكَةِ والمُتَنَاسِخَة

فهَلاَّ تمتَلِئ؟!

وهَا قَد ازدَحَمتِ الحقُوْلُ، والوديَانُ

بِجُثَثِ أَشْجَارِ البُرتقَالِ، والتفّاحِ،

وأَشَلاَءِ التّينِ، والخُوخِ، والعِنَب

فمتى سنرَاكَ، أَنْتَ، جُثَّةً هَامِدَة؟

تَنْخرُ الدّوْدُ في تجاويفِهَا

وتَعْزِفُ فِيْهَا ريَاحُ الخِصْبِ

موسِيْقَى الفَرَحِ والخلودِ

للكَائِنَاتِ الأُخرَى

الأَجدَرِ مِنْكَ بالحَيَاة!

  

إِريْس

يا مَعْبودَ القَتَلَةِ والحَاقِديْن

لَقَد مرَّ شَهْرُ رمضَانَ، هَذا العَامَ،

كغَيْرِ العَادَة!

إذْ صُمْنَا بهِ عَلَيْكَ،

ونَهمْتَ فيْنَا، وبأَشْيَائِنَا.

وجاءَ عيدُ الفطرِ

ففطرتَ بإخوانيَ الأَطْفَالِ،

الّذينَ حَسَبوا الرّصَاصَ وأخواتهُنَّ

أَلعَـاباً نـَاريَّةً، وبالونَاتٍ مُلوَّنةً

تزيّنُ السّماءَ فَرْحَةً بالعيدِ،

دونَما شَفَقَةٍ، ولا رَحْمَة!

وبعدَهُ بأيّامٍ، لم نَسْتَطِعْ عَدَّهَا؛

مِنْ هَوْلِ القَصْفِ والدَّمَارِ،

جَاْءَ عيدُ الأَضْحَى

فضحّيتَ بمَنْ تبقَّى مِنَّا

وبالجنودِ المدفوعينَ إلى الحَرْبِ كُرْهَاً

بينما حَبِيْبَاتُهُم تَنْتَظِرُ عودَتَهُم،

مع غروبِ شَمْسِ النّهَارِ

الّذي يضيعُ في زحمةِ الطّرِيْقِ

وأَطفَالُهم يُعَدِّدُوْنَ الهَدَايَا، المَوْعُوْدِيْنَ بِهَا،

 لِدُمَاهُمُ الأَنيسَةِ،

وأَبنَاءِ الجيرَان.

إِريْس

أيُّها الإلهُ المُرْعِبُ

لقد وزَّعتَ المآتمَ،

ونشرتَ الغُبَارَ والبَارودَ،

والرّوائِحَ العَفِنَةَ

عَلَى البيُوتِ كَافَّةً،

في رُبوْعِ بَلَدِي السَّقيْم

بدلاً عن التباشيرِ والبخورِ.

وفتَحْتَ المجالسَ للعَزَاءِ

بدلاً عن مجالسِ الأَفْرَاح.

ودشّنْتَ خَرِيْفَ الدّموْعِ والدِّماءِ

فلَمْ يجِدْ النّاسُ من الكَلامِ

ما يعتِّق أَلسِنَتَهُم من شدّةِ الحُزنِ والألمِ

سوى تَرْديدِ الأَحَاديثِ والأَخْبَارِ المُرعِبَةِ

الّتي تنقلُها إِليْهِم ريَاحُكَ السّودَاءُ والجَافَّة.

إِريْس

أيُّهَا الإلهُ النّذلُ

إذَا كانَ اللهُ الخِالقُ

ربُّ الكَونِ

ووَاهِبُ الحَيَاةِ

قد مَنَحَنَا نِعْمَةَ الوجُوْدِ

والأَشْهُرَ الحُرُم

فمَنْ تكونُ أنتَ؟

لتنتهِكَ فيها قدَاسَةَ الله

وتُمارِسَ وحشِيَّتَكَ على العَصَافيرِ

والأَزهَارِ، والبراعمِ البازغةِ لتوِّهَا،

والأَطْفَال؟

أيُّ عيدٍ سيَكُوْنُ ذلِكَ العيدُ القَادمُ؟

وقد سَبِقْتَهُ إليْنَا،

وأَخَذْتَ أَحِبتَنَا، دُونْمَا إذنٍ مِنَّا،

إلى كهُوْفٍ لا يصلُهَا الأحيَاء.

وكيفَ يكونُ العيدُ جميلاً؟

وقد غيّرت اسمَهُ إلى:

«مَوْتٍ، ويُتمٍ وخَرَابْ»!

إِريْس

أيُّها الإلهُ اللعينُ والملعونُ

لقد مَلأتَ بلادي بالخوفِ والحُزْنِ والدَّمَار

وفَتَحْتَ حدُوْدَهَا لجيوشٍ غَرِيْبَةٍ،

يَكِيْلونَ عليْنَا الموْتَ والجَحِيْمَ

بآلاَتٍ تُحارِبُ المُسْتَقْبَلَ والأَوْهَامَ،

وتقتِلُنَا نَحْن.

إِريْس

أيُّها الإلهُ النّكِرَةُ

لقد وسّعْتَ الهُوَّةَ بينَنَا وبينَ السّماء

وجَعلْتَ الآلهةَ الأُخرَى عَدِيْمَةَ الفَائِدَة

فما مَعْنَى أنْ يخلُقَنَا اللهُ

لِنَمُوْتَ على أَيدي جنودِكَ

الفَسَقةِ، والمُجرمين؟

لا لشيءٍ، سِوَى استِجَابَةٍ

لِشَهَوَاتِكَ العَارِمَةِ

التي لم يخمدْهَا فَرْجُ أفروديتْ،

ولا مَفَاتِنُهَا البَاذِخَة.

فماذا أَنْتَ فاعِلٌ،

وقد أصْبَحَتْ بناتُنَا ونساؤنَا

رهنَ رغباتِكَ المريْضَةِ؟

وأَصْبَحنَا نحنُ، القتلةَ والمقتولينَ،

عَبيْدَكَ الخانِعين؟

أيُّها الإلهُ الجَشِع

الّذي أَدمَنْ قَتْلَنَا،

ويَحْيَا على مَوتِنَا الكَثيرِ

ألمْ يحُنِ الوَقْتُ، بَعْد

لوَقْفِ الحُرُوْبِ والدَّمَار؟

أَمْ أنَّكَ عبدٌ، أنتَ أيضاً،

لشهواتِكَ الحمراءِ،

المُميتَةِ والمُعْدِيَة؟

أيُّها الإلهُ القَبِيْح

أرجُوْكَ، اترُكْنَا! بحقِّ السّماءِ!

فلم يعُدْ ثمَّةَ مُستَقْبَلٌ نُخطِّطُ لهُ

ولا ورودٌ نشتَمُّ عبيرَهَا

ولا مَسَاءٌ نحلمُ بهِ، ونجتَمِعُ على مائدتِهِ

ولا ليلٌ، نَهْجَعُ فيهِ من هجيرِ نِهَارِكَ الطّويلِ

الّذي احترقتْ فيهِ شمسُنَا بقصفٍ مُكثَّفٍ

من طائراتٍ تتغوّطُ فسفوراً أبيضَ

وكُتلاً مِنْ نَار.

لم تعُدْ ثمَّةَ سماءٌ في الأفقِ

نتأمّلُ نجومَهَا وكواكبَهَا

أو نتغزّلُ بقمرِهَا، وإنْ كانَ بعيداً وحزيناً،

بعْدَ ما أَسْقَطَتْهَا الرصاصُ،

وغيَّمَتْ بِهَا الأرواحُ المُتصَاعِدَة.

إِريْس

لم يعُدْ ثمَّةَ جارٌ نستأمنُ بهِ،

ولا بحرٌ نلتجئُ إليهِ

وقد حاصَرَتْهُ الوحوشُ الحديديّةُ

بقَتَلَةٍ مأجُورِينَ

وفاضَ بهِ القَرَاصِنَةُ،

والمُسُوْخُ، والغَرْقَى

مِنْ كُلِّ جنسٍ، وعِرْقٍ، ولَوْن.

لَقَد أُغلِقتْ عليْنَا الأَنْحَاءُ كُلَّهَا

فمِنْ الشِّمَالِ

 تُحاصِرُنَا ذاتُ وحشيّتِكَ

بإخوتِنَا مِنكَ، في العِرَاقِ وفلسطين.

ومِنْ الجَنُوْبِ

أبناؤكَ المشرّدونَ والتائهونَ

ونِسَاؤكَ الهَارِبَاتُ مِنْ خَوفِهنّ

إلى فَكِّ البَحر.

ومِنْ الشَّرقِ

 إخوةٌ لنَا في أفغانستانَ وباكستانَ

يغرَقونَ بإغراءاتِك المجْنُونَةِ،

وتفيضُ بهم لَعَنَاتُكَ وغَضَبُك.

 ومِنْ الغَرْبِ

إخوَتُنَا السّودانيّوْنَ

الّذينَ يتصارعونَ على الأَحْلامِ

ويتركونَ وداعتَهُم نهْبَاً للرياحِ،

وقلوبَهُم، بطيبتِهِا ودفئِهَا،

مَجَارٍ لقَاذوْرَاتِكَ الدَّافِقَة.

أمّا مَنْ وَرَاءَهُم وفوقَهُم

 فأَبنَاؤكَ المُرتَزَقَةُ الأَقويَاءُ

أولئكُ الّذين اخترعوا، لخدمتِكَ، البَارُوْدَ

وطوَّعوا لهُ النَّارَ والحَدِيْدَ

ومن ثَمّ جَاءوا بأَقنِعَةٍ مَاكِرَةٍ

وأَردِيَةٍ مُغرِيَةٍ

وكلامٍ معسولٍ؛

وما بينَ الحقيْقَةِ والزَّيْفِ

تَكمنُ مَعَانٍ أُخرَى للكَلامِ

ووجوهٌ مختلفةٌ للفِعْلِ:

اغتِصَابٌ وقتلٌ

ونَهبٌ وسَحْلٌ

وتَفَنُّنٌ في الفَتْنِ

وفنونٌ في التدميرِ،

والعَبَثْ..

وهَا نَحْنُ اليومَ

مُسوْخاً، نَمْلأُ الأَرْضَ

مُتطرّفينَ ومَعتُوْهِينَ

ومُستَبدِّينَ ومَظلومينَ

وانتِحَاريّينَ وشَهْوانيّينَ

وكَفَرَةً وتكفِيْريِّينَ

وجَهَلَةً ومُتخلِّفينَ

وفَجَرَةً ومُجرِمِيْنَ

وقراصِنَةً ومَنْهوبينَ

وقُطَّاعَ طُرقٍ ومجانينَ

ومُرتزقةً ومَأجورِيْنَ

وفَسَقَةً وتائِهينَ

وعَبِيْدَاً مَلاعينَ

وقتلةً ومَقْتولينَ

وضَائِعِينَ ومُضِيْعِينَ

وأَهْدَرَ دَمَاً

وأَرْخَصَ لَحماً   

وأَكْثَرَ مَنْ يُعْبَثُ بهِم

على وَجْهِ هذا الكَوكبِ

الّذي باتَ يضيقُ بنَا،

وبأسمائِنا الكثيرةِ؛

الفائضةِ عن سجلاّتِ المفقودينَ:

سحلاً، وذَبْحَاً، وحَرْقاً،

ومَقَابِرَ جَمَاعيَّةً،

وقتلاً بالهُوِيَّةِ،

وعلى الهِوَايَةِ والهَوَى

وبأدخِنتِهم، ونِيرَانِهم،

ووحشيّتِهم، وإرْهَابِهم،

وكراهيّتِهم، وشهوَاتِهِم

الّتي لم تتوقّفْ عند أجسَادِنا فحَسب

بل تَعَدَّتْهَا إلى الماءِ

والهواءِ،

فأَسْماكِ القرشِ،

ونُمورِ الغَابَاتِ

وسُكَّانِ البحارِ الأصليّينَ

وسَنابلِ القَمحِ

والكواكبِ البعيدةِ

 وأطرافِ الأَرض

وكلّما أُتِيْحَتْ لنا فرصَةٌ للحياةِ

أو الهُروْبِ مِنْهُم إليهم

طَارَدوْنَا بمُبرِّرِ الحَرْبِ على الإرهَابِ

ودواعي حمَايةِ الفَضِيْلةِ، والأَخْلاَقِ

وأخرَجُوْنَا مطرودِيْنَ، منبوذينَ

إنْ لم يقتلوْنَا بتُهمَةِ الحُبِّ،

ولعْنَةِ السَّلام!.

إلهي!

لم يعُدْ ثمَّةَ من سَبَبٍ يَدْعُوْنَا للتَّفَاؤلِ

ولا فَرَحٍ مُؤجَّلٍ نحلمُ بهِ

ونحنُ على هذا الحال!

وليسَ ثمَّةَ مِنْ مَكَانٍ

يُمكنُنا الذّهَابُ إليهِ،

أو يُسْمَحُ لنا بمُجرَّدِ عبورِهِ كَحُلْم

وقد أُغْلِقَتْ بوجُوهِنَا الأبوابُ،

وانعَدَمَتِ الأَسْبَابُ،

واختَنَقَتْ بنَا الملاجئُ،

والمَنَافي، والأَسْفَار.

ليْسَ هَذَا فَحَسْب

بَلْ لم يعُدْ ثمَّةَ مِنْ دَارٍ لعبَادَتِكَ

أَنْتَ، وَحْدَكَ؛

نتضرّعُ فِيْهِ إليْكَ

ونتقَرَّبُ مِنْكَ

ولا مُستَشْفَىً نُطبِّبُ بهِ جراحَاتِنَا

ولا مَدرَسَةٍ نتعلّمُ فيْهَا معنى الحُبِّ والحياةِ

ولا وقتٍ للتأمُّلِ،

أو حتّى البُكَاءِ

وقَدْ أَتَتِ الحروْبُ على ما نَمْلِكُ

وصَارَتْ كُلَّ ما نَمْلِكْ!

إلهي

لقد كثُرَتْ عَلَيْنَا الأَسْئِلةُ

وانعدَمَتِ الإجَابَاتُ

فماذا نَفْعَلُ؟

وإلى أينَ نذهبُ؟

وكيفَ نرْوِي مآسِيْنَا،

الّتي ضَاقَتْ فينا

وبأَشيَائِنَا

حتّى ذهبَتْ بأَلْسِنَتِنَا وعُقولِنَا

مِنْ هَولِ بشَاعتِهَا،

ووَقْعِ حُروْفِهَا الجارِحَة؟

إلهي

ماذا أَبْقَيْتَ لنَا مِنْ رَحمتِكَ؟

وهَا نَحْنُ نقتِلُ بعضنا بعضاً

بِدَعْوَى الدّفَاعِ عَنِ النّفْس

ونريقُ دمَاءَنَا في الأَشْهُرِ الحُرُمِ

 دونَما خَوْفٍ مِنْكَ،

أو تَقْوَى.

وماذا سَتَفْعَلُ لنَا، ومِن أَجْلِنَا؟

بَعْدَ أَنْ قلَّتْ حِيْلَتُنَا،

وغَدوْنَا مخلوقَاتٍ حائِرَةً

تمضي الحَيَاةَ بلا قِيمَةٍ،

أو هَدَف.

إلهي!

لقد بِعْنَا أنفُسَنَا لإِريْس

وهَا نَحْنُ اليَوْمَ،

نَبْحَثُ عن إلهٍ أَرْحَمَ

يحرِّرُنَا مِنْ هذهِ اللعْنَةِ

وهَذا العَبَثِ والضّيَاع.

فحرِّرْنَا ثانيةً

واستَعِدْنَا مِنّا، إليْك

رحمةً برُوْحِكَ الّتي تتعَذَّبُ فيْنَا

وتختنقُ بشرورِنَا وأخطَائِنَا

وعَطْفَاً على مخلوقاتِكَ البريئةِ

الوَدِيْعَةِ، والمُسَالِمَة

تلك الّتي تملأُ الأرضَ جَمَالاً وسَلَامَا

لولا أنَّهَا قَد تنقَرِضُ بنَفْخَةٍ

مِنْ فَمِ إِريْس النَّتِن،

أو تَغْرَقُ بِشَهَواتِهِ الّتي تَفِيْضُ

عن فرُوْجِ نِسَائِنَا المُغتَصَبَاتِ

وأَشْدَاقِ رِجَالِهِ المُتَوحِّشِينَ

وحُدوْدِ هذا الكَوْكَبِ الحَزيْنِ

الّذي لَم يَمْضِ عَلَيْهِ نَهَارٌ هَادِئٌ

مِنْذُ أنْ خَلَقْتَ الكَوْنَ

وجَلسْتَ تَنْظرُ إليهِ

وتترقَّبُ مَصِيرَهُ الأَخِيْرَ؛

المَكتُوْبَ بأَنْفُسِنَا،

وأَقدَامِنَا،

وعَلَى أَيدِيْنَا.


(1) إِريْس (Ares) في الأسطورة: هو إله الحرب، وشهوة الدم، والقتل الوحشي عند قدامى الإغريق.

(2) شاعر ومترجم من اليمن.