يكتب الناقد الاردني أن هذه الرواية في مجملها رؤية مثقف شديد الحساسية، للأيام التي سبقت الحرب لإخراج العراق من الكويت سنة 1990، وهي أيام انتظار وترقب وقلق. وترصد الرواية ردود فعل وسلوكيات عينة من المواطنين والمقيمين في الرياض، وهم يترقبون الحرب، ويتوقعونها في كل لحظة، فنذرها واضحة، والتهديدات متبادلة، وأسلحة الدمار تفغر فاها في انتظار ساعة الصفر.

مقصلة الانتظار في «الرياض - نوفمبر 90»

قراءة في رواية سعد الدوسري

موسى إبراهيم أبو رياش

يصف الروائي عبده خال رواية "الرياض-نوفمبر90" لسعد الدوسري، بقوله: :"هناك أعمال تجذبك وأنت تقرأها، وبعد أن تنتهي من قراءتها، لا تعرف تحديداً سر جمالها. تبقي في داخلك كجمرة تتدفأ قربها، أو كوردة تلوح بها في انتظار حبيبة غائبة". وهي بحق رواية ممتعة جداً، كتبت بأسلوب مشوق جذاب، ولغة سلسلة رائقة، وحساسية عالية.

حول عنوان الرواية "الرياض-نوفمبر90" يقول الدوسري: "إنه حاول الاجتهاد، ونقل ما يدونه عادة الكاتب في ختام كتاباته، أي المكان والتاريخ، إلى أول الكتابة، أي العنوان، وذلك من أجل أن يفهم القارئ أن الرواية تسرد ما حصل في الرياض عام 1990." فالرواية تسرد يوميات من 1 إلى 16 نوفمبر 1990. وعلى الأغلب فإنها يوميات الكاتب نفسه، وتجربته الشخصية في أيام الترقب والانتظار، لحرب تدق الأبواب بعنف، فوقودها متوفر جاهز، ولم يبق إلا أن تطلق الشرارة، ليعم الخراب.

وعلى الرغم من أن الرواية كتبت سنة 1992، ولم تنشر إلا سنة 2011، إلا إنها احتفظت بوهجها وقيمتها. ولعل تأخر النشر، أفاد في إلقاء نظرة من بُعد على ما حدث، دون تأثر عاطفي أو لحظي تحت ضغط الحدث. وهذا يمنح الرواية المصداقية والموضوعية.

الرواية في مجملها رؤية مثقف شديد الحساسية، للأيام التي سبقت الحرب لإخراج العراق من الكويت سنة 1990، وهي أيام انتظار وترقب وقلق، واستعداد في كافة المجالات والقطاعات، وخاصة القطاعين العسكري والطبي. حيث يعمل الراوي المثقف في مستشفى طبي متخصص، وكان على اطلاع وتماس مباشر مع التحضيرات لحالة الطوارئ الطبية، وقام بالإشراف على تدريب متطوعات بعد مغادرة بعض المقيمين خوفاً من حرب قادمة.

ترصد الرواية ردود فعل وسلوكيات عينة من المواطنين والمقيمين في الرياض، وهم يترقبون الحرب، ويتوقعونها في كل لحظة، فنذرها واضحة، والتهديدات متبادلة، وأسلحة الدمار تفغر فاها في انتظار ساعة الصفر.

هذه الحالة غير مسبوقة في الرياض ومعظم المدن السعودية، فالحرب كانت دوماً بعيدة، عند الآخرين، ولكنها الآن توشك أن تهدد الرياض، وتضعها في دائرة اللهب، والخوف كان من الأسلحة الكيميائية التي بحوزة العراق: "الحرب الآن تدق بابنا المباشر. لن نرثي الشهيد كما كنا نفعل دائماً، بل سنتلقى الشظية. لن نعدَّ حقائب الهجرة، بل سنخيط الكفن."(15-16)، فقد كانت الحرب من قبل خبراً، ولكنها توشك أن تكون واقعاً معاشاً. والعاقل من يتوقع كل شيء، فما داهم جارك قد يداهمك، فالمخاطر والكوارث، معدية، لا أمان لها.

حالة الترقب والانتظار صعبة للغاية ومرهقة جداً، فانتظار الحرب أشد مرارة وخطورة من الحرب نفسها. فكل لحظة انتظار هي حرب بذاتها. وهذه الحالة من الترقب تغير كثيراً من الأمور، وتكسر بعضاً من الحواجز، وتكشف عن معادن الناس وطباعهم، وتمزق أقنعتهم.

بداية، يصفعنا الطفل هزيع ببراءته، يسأل أباه: "بابا، لماذا لا تأكل الكويت سبانخاً وتقتل صدام حسين؟!"(8). هذا التساؤل على بساطته، يحمل إدانة صارخة لكل الضعفاء، لم لا يأخذون بأسباب القوة والمنعة، وهم يملكون المال والرجال، وبإمكانهم أن يفعلوا إن أرادوا. فالسبانخ متوفرة لمن شاء أن يأكل!

ولكل حرب تجارها الذين لا يشبعون، ويحولون حاجة الناس إلى مكاسب ومغانم: "بمجرد أن أشاع بعض التجار أن الحرب ستتسبب بنقص المواد الغذائية الأولية، اصطف الناس في طوابير لشراء أكياس الرز والسكر والشاي والمعلبات."(39). وهذه للأسف طبيعة كثير من التجار في كل مكان وزمان، يحركهم الطمع والجشع، دون رادع من دين أو خلق أو ضمير. ولا يدركون أن "الحرب حين تقوم، ستهلكنا جميعاً."(40)

الرجل البدين الذي يلتقيه السارد في مصعد المستشفى، ولعله أحد المسؤولين الكبار، يقول: "صدام يتصور نفسه إلهاً. لقد نسي أنه كان مجرد كلب، وأننا نحن الذين أطعمناه. وها هو ينقلب علينا ليعض لحمنا."(40). هذا البدين يفتقر إلى الحكمة، فلا ينفع الشتم أو التحقير، فالوقت وقت فعل وتدبير، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وما أُطعم صدام إلا لالتقاء المصالح، فلما انتهت، دبَّ الخصام، وحان وقت الحساب والردح، وهذه طبيعة الأشياء إن لم تعالج بذكاء ودهاء.

يذكر الراوي بعضاً من مواقف الجنود الأمريكان، فهم على أحر من الجمر أن ينتهي الأمر ويعودوا إلى ديارهم، فالسعودية بلاد لا تطاق، وأهلها لا يحبونهم. بل ويعتبرون أنفسهم أصحاب فضل وتضحية: "لقد تركنا أطفالنا وزوجاتنا وحبيباتنا وصديقاتنا، لكي نحميهم."(42)، وهم من أجل ذلك "جاءوا من أمريكا بكامل عتادهم. أسلحتهم، ملابسهم، أغذيتهم، أشرطة أغانيهم، صور حبيباتهم، حتى بمستشفياتهم المتنقلة."(214). وهم من باب الغطرسة، والعلو، لا يرون إلا أنفسهم، يريدون إخلاء كل أدوار مبنى الأورام في المستشفى لجرحاهم. فمن حق القوي أن يفرض شروطه، وما على الطرف الضعيف المحتاج المضطر إلا أن يلبي.

رأي الناس بالأمريكان يكاد يجمع على أنهم المنقذ، ولكنهم لم يأتوا لسواد عيون السعوديين: "لقد صحونا خميساً لنجد حدود خريطتنا تنزف مدرعات ومجنزرات عربية. حين فغرنا أفواهنا دهشة، تسابقت طائرات النجدة الأمريكية في تحطيم أسناننا. كبرنا ألف سنة. تجعدت جلودنا، وظللنا على عكازات الكهولة المفاجئة، نجتر عواصم يحلق الحمام مطمئناً على حواجزها الملغاة."(137)

يعترف عثمان زوج هيلة بحقيقة مرة، مخاطباً الراوي شقيق زوجته: "أتمنى أن يكون لأمريكا قواعد عسكرية. نحن لا نجيد إلا النوم والثرثرة. أما هم فكل شيء عندهم بدقة. أتتوقع أننا قادرون على مواجهة ابن الخراء صدام حسين. أمريكا هي التي ستركل مؤخرته بعيداً عنا كي نعود إلى نومنا هانئين."(213)

يؤكد الجار مالك، أن الخلاص بيد أمريكا، ولكنه ليس مجاناً: "لماذا تعطي أمريكا الفرصة لصدام ليطلق علينا صواريخه الكيميائية؟! إنها تملك أقوى الجيوش. فلماذا لا تضربه ضربة ساحقة ونرتاح منه؟!"(287). ويضيف :"كل الذي يحدث، هو مقدمة لحرب ستقوم بالفعل. أمريكا تريد حقلاً لتجرب فيه اكتشافاتها العسكرية المتطورة. لا تصدق كلام الجرايد من أن أمريكا تريد أن تضرب صداماً لأنه يهدد النظام العالمي الجديد. أمريكا ... ستغنم من هذه الحرب ملايين لا يمكن تخيلها. الأمريكان تجار حرب، لا تنفع معهم قضايا السلام والاستقرار، التي يركض وراءها جورباتشوف."(287-288)

حتى البائع الباكستاني، يعتقد أن: "أمريكا هي التي تعين الرؤساء وهي التي تسقطهم."(371). أما البائع الفلبيني في مطعم الوجبات السريعة فيتكلم مع الجنديين الأمريكيين بلغة إنجليزية مهذبة: "كيف أستطيع أن أخدمكما أيها المحترمان؟!"(42)

فالأمريكي هو المخلص، وبيده كل شيء. وهي قناعة فرضتها ظروف حرب لم تكن بالحسبان، من طرف لم يتخيل يوماً أن يفعلها، ولكن كل شيء يحدث في النهاية.

الثقة بالجيش والأمن من أهم عوامل النصر والشعور بالأمن والأمان، في هذه الرواية نجد ابن العم، خائفاً، فهو تطوع في الجيش ليتعلم حمل السلاح، ليدافع عن نفسه وأطفاله، ولما يخبره الراوي أن هذه مهمة قوات الأمن. يرد: "الحرب محك غامض. نحن لا نعرف إذا كانوا سيفعلون ذلك. أنا لا أثق بأنهم سيكونون في مستوى الكارثة. قل لي ما هي تجربتهم؟!" (150). وعلى العكس من ذلك فإن الفني الأمريكي الذي يعمل في المستشفى يؤكد: "ما دامت القوات الأمريكية على بعد حجر مني، فلماذا لا أطمئن؟! حمايتي مسؤوليتهم. وأنا كمواطن أمريكي أثق بهم كثيراً."(174). وهي مفارقة سوداء تتحدث عن نفسها، ولا تحتاج إلى مزيد من التوضيح.

ويعيب الراوي على من تركوا الوطن وهربوا بأموالهم: "أي ماء سنطفئ به الحريق، حين تشتعل البلاد يا أصحاب الأموال الهاربة؟! بشقائنا، صنعتم ثرواتكم، وها أنتميأأأي

تلفونها بعباءاتكم المقصبة وتطيرونها خارج البلاد التي مسحت الجدب عن وعثاء ترحالكم."(34). فأي عري وخسران ونذالة أكبر ممن ينجو بنفسه وماله، ويخسر وطنه؟!

بدرية الأخت بالرضاعة، تعيش أوضاعاً بائسة مع زوجها، ولذا فهي ترى في الحرب الخلاص مما هي فيه: "لا يمكن لإنسان أن يحتمل كل هذا. إنكم تعيشون ذعراً من الحرب. أما أنا فأتمنى أن تقوم لتفنينا جميعاً. لا يصلح لنا إلا الفناء."(151) . أما الزوجة فاطمة فقد حاول في إحدى الجلسات الهادئة، أن يحدثها عن خلفيات الاجتياح العراقي، فقطعت عليه الطريق قائلة: "اتركنا من السياسة. إن لم يكن لديك ما يشغلك، فدعنا نذهب إلى محل الفيديو، لنجلب الجزء الثاني من مسلسل ليالي الحلمية."(314) . عادل الموظف الشيعي في المستشفى أعلن عن تشفيه، فها هو صدام الذي دعموه لمحاربة إيران ينقلب عليهم. أحد مرضى القلب من المنطقة الشرقية يبدو حزيناً جداً، وهو على سرير الشفاء "لديه حالة فوبيا. خوف وهلع شديدان من الحرب."(397). عثمان يصف حالة زوجته هيلة: "منذ الاجتياح ونومها غير مستقر. تصحو من النوم ووجهها يتصبب عرقاً، ثم تتعوذ من إبليس. وتقول إن الكوابيس تطاردها."(213). وهذه مواقف متضاربة تدل على تشظي الموقف الشعبي، وهي بشكل أو بآخر هزيمة نفسية، وهذا بحد ذاته خطر كبير، وفي حالة الحرب، يكون أخطر من الأسلحة الفتاكة.

خطيب الجمعة، كعادة معظم الخطباء دائماً يعيش خارج الزمن: "دعاهم إلى محاربة الاختلاط والتلفزيون والمجلات المستوردة. نهاهم عن استقدام الخادمات والسائقين والسفر إلى الخارج والتعامل مع البنوك واستخدام سيارات الليموزين وإقامة حفلات أعياد الميلاد والمبالغة في الأعراس."(154)، مع أن الأولى أن يتحدث عن الحرب المنتظرة، وتقوية الروح المعنوية عند الناس، وأن يتكاتفوا ويتوحدوا لرد العدوان.

في هذه الأجواء المشحونة، واستغلالاً لوسائل الإعلام الموجودة، وبتواطئ من بعض الجهات في الدولة، نظمت مجموعة من النساء، مظاهرة احتجاجية ضد منعهن من قيادة السيارات، وتحدين المنع بقيادة السيارات، فتم اعتقالهن، ثم أطلق سراحهن بعد تعهدهن بعدم العودة إلى ذلك. اللافت في الأمر هذه الحملة الشرسة ضد هؤلاء النسوة، في كافة المنابر، وكأنهن ارتكبن كبيرة من الكبائر عياناً بياناً، وكان الأولى أن توضع القضية في سياقها الموضوعي دون إقحام للشرع والدين والأمن فيها.

باب التطوع، فتح في أكثر من مجال، ففي مجال الخدمات الطبية، فتحت الأبواب للمتطوعات، فنظمت الدورات التي أشرف عليها الراوي، والتي انضمت إليها فتيات بعد مقابلات لاختيار الأفضل، ومنهن خمس فتيات من آل سعود، ومن ثم فتاتين من الأسرة الحاكمة الكويتية. هذا التطوع الذي سخر منه الصحفي المتمرد عبدالعزيز: "أي هراء هذا الذي أنت فيه؟! ستهرب متطوعاتكم المترفات خارج الرياض، بمجرد أن تبدأ الحرب. وستجد نفسك وحيداً، تندب حظك على الوقت والجهد اللذين أضعتهما."(345)

كما فتح باب التجنيد الطوعي، فوجد فيه بعض الشباب فرصة لا تعوض، وكان معظمهم "ينظرون إلى الحملة على أساس أنها فسحة، لم يعتادوا على إثارتها. وصار التطوع مجالاً للتفاخر في المجالس."(149). وكان من ضمنهم زوج بدرية السكير الفاسد، تقول بدرية: "لم أر رجلاً مدعياً مثله. لقد انضم للتجنيد الطوعي، ليجد في البدلة العسكرية وسيلة لاضطهاد الآخرين وكأنه يسدد معهم ديناً أثقل كاهله. يبهدل الناس الذين يوقفهم في الشوارع ليلاً ليفحص هويتهم. وعندما يعود للبيت يتفاخر بما عمله."(149)

الراوي المثقف، متعب، مثقل بالهموم، حساس لدرجة المرض الذي يضغط على صدره باستمرار، بالإضافة إلى حموضة المعدة، والصداع، تعبر المتطوعة هيفاء عن حالته بقولها: "أحس أنك تريد أن تدفع الحرب بيديك العاريتين. أن تصنع من جسدك مظلة تقينا قنابل المعركة."(137). أما زوجته فاطمة فتقارن بين تأثره بالأزمات العربية السابقة مثل أزمة الخليج الأولى ولبنان وفلسطين، وتأثره بالأزمة الحالية: "كنت في كل واحدة لا تنام إلا بالمهدئات. تنتهي الأزمة، فتعود تقرأ الكتب وتكتب في دفاتر الليل بطوله. لقد لاحظت أن هذه الأزمة تختلف عن غيرها. كأن حزنك بسببها سيقضي عليك. كنت حين أنهض لصلاة الفجر، أتنصت عليك وأنت نائم وحيداً في غرفة الضيوف. سمعت ذات فجر نشيجاً يصدر منك. هرعت إليك، لكني وجدتك نائماً، الدموع تملأ خديك، وإبهامك تضغط على صدرك."(197). ويعاني من جراء ذلك من الكوابيس الذي تطارده في أثناء نومه، لتكشف مرارة النفس وأوهاقها. وعندما يقع مغمياً عليه من شدة المرض تطارده الكوابيس: "أرى في الأفق البعيد جداً، طيوراً غريبة تحلق في الجو، وتقذف من جسدها بيضاً أسود، وبمجرد أن يصل الأرض يتفجر، وتتحول الأرض إلى حريق هائل."(415)، وعندما يستيقظ من الإغماء يكون أول كلامه: "هل قامت الحرب؟!"(416)

البعد عن الرياض، هرباً من الحرب هاجس الكثيرين، فالجار مالك يقول: "لقد فكرت أن آخذ عيالي إلى الباحة، مسقط رأسي، لكي نكون في مأمن من صواريخ صدام. لكنني قلت لنفسي: الباحة قريبة من اليمن، ربما يهاجم المملكة بالصواريخ التي خبأها عند علي عبدالله صالح. قالت أم العيال: نذهب إلى جدة. فرددت عليها، بأن جدة قريبة من السودان. وفي النهاية قررنا أن نبقى في بيتنا، وأن نستخير الله في أعمارنا."(286-287). بينما نجد أهل تهاني إحدى موظفات المستشفى "يصرون أن نسافر من الرياض لأنها هدف صدام الأساسي."(311)

منيرة شريكته في صفحة الأطفال سابقاً تقول عن أهلها: "حاولوا أن يقنعوا خطيبي بالإسراع بالزواج، لكنه اعتذر. قال لهم: نحن على أبواب الحرب، فكيف تريدوننا أن نقيم عرساً؟! وأوضح لهم أنه يؤؤي في بيته ثلاث عوائل كويتية من أقاربه، وأنه غير مهيأ لإقامة هذا الفرح."(362)

الجار مالك متشائم: "غداً أو بعد غد، تقوم الحرب. ومن يدري أي أسلحة فتاكة يملكها صدام حسين؟! وكل الذي أفنينا عمرنا، نجمعه من أموال وعقارات، سيذهب في طرفة عين."(286). بينما يرى بائع الورد الأريتيري الحرب أمراً عادياً: "نحن الأريتيريين مولودون في الحرب. حياتنا كلها قتال وجوع وتشرد. إنها أصعب من حياة الفلسطينيين واللبنانيين. نحن نعيش في بلادكم داخل خرائب، ونشتغل في أقذر الوظائف. لا تتعاطفون معنا، كما تتعاطفون مع أبناء الجاليات البيضاء. تتزوجون منهم، تعطونهم الجنسية السعودية، وتشغلونهم في أرقى المناصب."(381-382)

وليد المساعد في المستشفى، ينتقد الكويتيين فيقول: "أنت تجهل الشخصية الكويتية. إنها متغطرسة. يحسبون أنفسهم أفضل شعوب الخليج. يعاملوننا كأننا بدو، ويكرهوننا كرهاً شديداً."(340). ويضيف: "سل أي مواطن سعودي عن كيفية تعامل الكويتيين النازحين إلى المملكة بعد الاحتلال العراقي لأراضيهم. المفترض أن يعتبروا أنفسهم لاجئين، وأن يحترموننا لأننا نستضيفهم. الذي حصل، أنهم يتكلمون معنا من أطراف أنوفهم، مما أفقدهم احترامنا."(340). ويعيب على الكويتيين الذين "فروا إلى لندن ومونت كارلو وباريس والقاهرة؟! هؤلاء يستلقون على الشواطئ تحت أشعة الشمس، أو يسهرون في الملاهي حتى الصباح، وكأن الأمر لا يعنيهم."(340)

وبعد، فرواية "الرياض-نوفمبر 90" لسعد الدوسري رواية متميزة، كتبت بلغة جميلة موحية، ولم تنقصها الصراحة والجرأة والكشف، وتشعبت زماناً ومكاناً، وبقيت الرياض بؤرة الحدث ونقطة الارتكاز. وهي تفتح الباب لروايات أخرى تحفر بعمق في المجتمع السعودي في كافة الجوانب، وخاصة الوسط الثقافي الذي يعاني من أمراض ثقافية، كما ألمح إلى ذلك الدوسري في ثنايا روايته، وهذا يحتاج إلى مزيد من النبش والشجاعة، بعيداً عن المجاملة.

 

mosa2x@yahoo.com