في ثلاثة نصوص قصيرة يكثف القاص المصري ثلاثة مفاصل أو حالات في الحياة، الأول أحلام الجندي الحارس وهو يحلم في خضم المهمة بهدوء البيت والحبيبة والطعام والفراش الدافئ، وفي الثانية ملل الحياة الروتينية الرتيبة وثقلها، وفي الثالثة يجعل القارئ يتأمل معنى الحياة وهو يضفي على جثة رجل ميت بقارعة الطريق أبعادا لحياة أخرى مختلفة لا تمت للمشهد الموصوف بصلة.

ثلاث قصص

مصطفى جاد الكريم

الموكب
مرت الآن عشر ساعات..ولم يصل الموكب بعد..يقف هو وعشرات الجنود على جانبى الطريق ناظرين إلى الرصيف لعل أحدا يفكر أن يعكر الموكب..أقدامه لم تتعبه فهو شاب رياضى.. أمضى الوقت يفكر فى الإجازة القادمة..سيرى سعاد فى البلد..وستبتسم له كما تفعل..وستعد له أمه طعاما دسما..وسيرى أباه العامل فى الحقول راضيا وهو يدخل المسجد ليصلى العشاء..بقيت له سنة وينتهى تجنيده..ويعود ليعمل بجانب أبيه..ويدخر ليتزوج سعاد..
لم يشعر بالوقت..انتبه على وكز زميله : هيا لقد مر الموكب

 

شكوى
مضت ساعتان فقط..مازال أمامه خمس ساعات لينتهي يومه الوظيفي.. لقد استنفد أذونات الانصراف المسموح بها شهريا..ورئيسه المتعنت لن يسمح له بالانصراف مبكرا كأنه في مأمورية..وحتى لا توجد مهام يقوم بها ليقطع الوقت..أنفق مع زملائه ساعة على تناول الإفطار..وتبادلوا النكات والاغتيابات..وما زال اليوم طويلا..كأنه لن ينتهي..وحتى لو انتهى..باقي يومه معروف..فقرة فقرة..يحلم بالتغيير..منذ حوالي ..لا يذكر..يقبع في سجن الأمان..يرى أضواء بعيدة خارجه..قد يطل برأسه ..ثم يسحبها سريعا..ويستسلم للشكوى..من الملل.

 

الجثة
تبرع بعض الحاضرين بجرائدهم..وتم فرد الجرائد لتغطى الجثة..كأن هذه الجرائد كانت هي العازل الأخير بين ذلك الميت وبين عالمنا..لقد أنهت بذلك العزل أحلاما كانت تداعبه..ومخاوف كانت تطارده..ومشوارا كان في طريقه إليه..وأطفالا كانوا ينتظرونه..وأعداء كانوا يكيدون له..كل ذلك صار تحت الجرائد..وحتى الأخبار التي ظهرت فوق الصفحات المفرودة..لم يعد لها أي علاقة بما تغطيه..إنها تغطى كائنا من عالَم آخر..أو صار من عالَم آخر.. في لحظة اختفى عالَم..وظهر عالَم..ضجيج فوق الجرائد..تزاحم وصوت سيارة الإسعاف..وسكون كامل تحتها