يمثل كتاب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا والموسوم بـ(صيدلية افلاطون) أحد ابرز المحاولات الفلسفية التي سعت الى إعادة تأويل جينالوجيا الكتابة والكلام في تاريخ الفلسفة الغربية عامة والميتافيزيقا خاصة. وفيه حاول دريدا تسليط الضوء على إشكالية اللغة والكلام، او الكتابة والكلام مستعينا بمحاورات افلاطون الفلسفية التي برزت من خلالها هذه الإشكالية بوصفها تشكل الإرث التقليدي في تاريخ الانطولوجيا للفلسفة الغربية.
لكن اهم ما يمكن ملاحظته في نص دريدا، هو انه لم يطرح إشكالية البلاغة بين افلاطون وسقراط والسفسطائيين، باعتبارها من اهم الإشكالات التي كونت وشكلت تاريخ الفلسفة الغربية عامة، وفلسفة اللغة والبلاغة خاصة. بقدر ما كان مهتماً بتأويل جينالوجيا الأسطورة عند كل من افلاطون وسقراط، خاصة اسطورة الكتابة والكلام. مما جعل من طروحات دريدا وتأويلاته الفلسفية لهذه الأسطورة محددة وضيقة وارثوذكسية في بعض الأحيان، حتى انه تجاوز على قراءة كثير من الابعاد اللسانية والاناسية الى جانب السياسية التي كانت تمثل بمجملها "ميتافيزيقا الحضور" المتمركزة حول ثنائية اللغة والكلام والكتابة. واللافت في الامر، ان نسخة الترجمة العربية للكتاب المذكور أعلاه. اتبعت الخط الافلاطوني الحرفي لـدريدا في قراءة وتأويل اسطورة الشفاهية والكلام، ولم يأخذ المترجم د. كاظم جهاد على عاتقه مهمة طرح هذه الإشكالية التي طالما سكت عنها تاريخ الفلسفة، وأعني بها "إشكالية الصراع الثقافي والايديولوجي بين الفلسفة الافلاطونية المجردة والبلاغة السفسطائية النسبية المشخصة".
وهذا ما جعل من مقدمة الطبعة العربية من الكتاب تنطق بروح دريدا واطيافه الافلاطونية سيما في تمركزها الحرفي على نقد الكتابة والكاتب والنص المكتوب وتجاوزها على النص الشفاهي المنطوق. وهذا ما عبر عنه بالقول، إن: «النقد السقراطي للكتابة والكتاب يستهدف اولا "اللوغراف"، وهو بصريح العبارة ،وفي البدء، "الكاتب العمومي" الذي كان يهيئ للمترافعين خطابات يتلونها في المحاكم دفاعا عن انفسهم. كان سقراط يتهم هؤلاء الكتاب بالغش: ينشؤون خطابات في قضايا لم يعيشوها بأنفسهم، ويصدرون خطابا لن يقرؤه او يدعموه هم انفسهم. ومن نقد هؤلاء يتوسع الى نقد الكتاب او أصحاب القلم بعامة، والخطابيين والسفسطائيين. يرى انهم، جميعا، وسواء بسواء يقيمون خطابات تداعب وتغوي روح الكائن، تقتاده الى الجوانب السفلى من الوجود، الى العالم الحسي، وتمنعه من تأمل المعقول او المثال، هذا التأمل الذي ينبغي ان تكون الروح الإنسانية حققته في حياتها السابقة ضمن مبدأ التناسخ، او ينبغي ان تحققه في حياتها الحالية. وبه، أي بتأمل المعقول، وحده، تثبت الروح قربها من الآلهة او بالعكس انحطاطها الى مرتبة الحيوان. كما كان يتهمهم (أي الكتاب والخطابيين والخطباء والسفسطائيين) باللا-جدية، بالعبث، واللعب: يشبه نشاط الفيلسوف-المعلم بعمل الزارع اللبيب، يبذر في النفوس بذورا يتعهدها بالعناية لآجال طويلة، على حين يشبه نشاط الكتاب والخطباء والسفسطائيين بالممارسة اللاعبة الخرقاء ... هذا كله سعى الفكر السقراطي الى مقابلته ومضادته بفن الجدل (الديالكتيك) فن تقسيم الأشياء والبواعث والافعال في مراتب معقولة، يتبسط الذهن الجدلي في فهمها ويتدرج في القبض عليها واحالتها الى نسق من المسلمات، بما يتمخض عن درجة قصوى من المعقولية يتعهد بها فن الخطاب على نحو لا تقتدر عليه لا الكتابة ولا الخطابة ولا السفسطائية، هذه الممارسات التي يجمعها هذا الفكر بالسحر والشعوذة، وفي احسن الأحوال ، وكما اسلفنا في القول باللعب الطفولي غير المسؤول».(جاك دريدا: صيدلية افلاطون، ترجمة كاظم جهاد، دار الجنوب للنشر – تونس الطبعة الأولى،1998، ص ص 6،7).
ثمة إشكالات فلسفية وتاريخية يطرحها علينا النص أعلاه. فعلى ما يبدو ان المترجم وضع مقدمة فلسفية تقليدية، الى الدرجة التي لا يمكن لها ان ترقى فيها الى الطرح الفلسفي والمنطقي المحكم، الذي يعيد لنا تحليل بنية الصراع والاختلاف اللساني والأبستمولوجي بين كل من السفسطائيين وافلاطون وسقراط. فلسنا بحاجة الى من يذكرنا بربوبية الفلسفة الافلاطونية وحسية/ وحيوانية الفلسفات السفسطائية والشكية؛ وبالجدل الافلاطوني الصاعد دوما والجدل السفسطائي النسبي دوما. فمثل هذه القضايا أصبحت تمثل معيار المعايير الثابتة لكل من يحاول معرفة عظمة الافلاطونية وانحطاط السفسطائية. وكان الأولى بالمترجم ان يضع مقدمة منطقية واخلاقية وسوسيولسانية واصطلاحية، يسعى فيها الى اعادة قراءة وتأويل إشكالية الكتابة/ والشفاهية في تاريخ الفلسفة اليونانية عامة والافلاطونية والسفسطائية خاصة. بدل تلك المقدمة التي جردت تاريخ "الإشكالية" من كافة ابعادها القيمية والقانونية والأخلاقية والتواصلية والنظرية التي بنيت عليها مسألة الشفاهية والكتابة. ليكتفي -أي المترجم- بالسرد التاريخي لميثولوجيا الكتابة والشفاهية كما تمثلها دريدا:
«في الدراسة المترجمة ههنا يرينا دريدا ان جميع هذه المسائل ليست بالبساطة او بالحسم الذي توهمه سقراط والميتافيزيقيا بعامة. في حركة أولى، يرينا ان الفلسفة ليست مؤكدة الانفصال عن نقيضها المزعوم، المتمثل في السفسطائية، ولا الجدل عن الخطابة او الكتابة...نلاحظ ان الاسطورتين اللتين صاغهما سقراط لتفسير نشأة الكتابة ليستا بالأصالة المزعومة، ما دمنا نجد لدى المصريين القدامى صيغة مماثلة او مقاربة للأهم بينهما. وفي حركة ثانية، يرينا ان ما كان يقلق الميتافيزيقا في الكتابة لم يكن فحسب اقتراب الاخيرة في نظرها من اللعب والسحر. بل يقلقها خصوصا تهديد الكتابة بتفتيت وحدة العائلة، اذ تتقدم الكتابة كاللقيط التائه او حتى القاتل للاب، وكذلك، وكما يكشف عنه دريدا لدى تأمل كتابة افلاطون، كنقش متدرج وخفي للوجه، المهمش عادة، وجه الأم، وذلك عبر صورة البوتقة التي ينخط كل شيء فيها وعنها يصدر. انطلاقا من هذا الابراز لصورة الام، المعتم عليها من دون ان يعترض أحد، في كامل تاريخ الميتافيزيقا، يبرز دريدا الطبيعة البنيوية للكتابة.» (المصدر نفسه ص ص 6،7)
أشار النص أعلاه الى جملة من القضايا الأساسية، التي من المفترض أن دريدا سوف يتطرق اليها اثناء تجواله في دهاليز وجينالوجيا اسطورة الكتابة والشفاهية في تاريخ الفلسفة اليونانية. ربما أهمها: عدم الانفصال بين الفلسفة والسفسطائية والجدل عن الخطابة او الكتابة. وهذا ما سوف يقود دريدا الى اماطة اللثام عن تاريخ العلاقات الجينالوجية بين مركزية الميتافيزيقا الغربية وتعرية المنطق المتحكم في انتاج/ واعادة انتاج النظم الأخلاقية المعيارية المطلقة. وبالتالي، الى كشف وتوضيح كيف ان ظهور الكتابة كان يمثل الإعلان الرسمي لبداية تهديد الهوية ومركزية الذات واللوجوس والنفس وإشاعة الرعب والقلق في لغة الوجود ونظامها الدلالي المتعالي على الخطاب.
لكن اللافت في الموضوع، انه على الرغم من ان استراتيجية التفكيك عند دريدا كانت تهدف الى تقويض أسس الفلسفة الأخلاقية وممارساتها الارثوذكسية والدوغمائية في تاريخ الفكر الغربي. الا انه من الملاحظ على دريدا، ورغم تبنيه لمفهوم اللعب، عوضا عن مفهوم البايديا في الخطاب السفسطائي - وسنأتي على مناقشة هذه النقطة في الفقرة القادمة- هو عدم مقاربته لمفهوم اللعب المعاصر، مع مفهوم انطولوجيا الاخلاق النسبية عند السفسطائيين. لاسيما وان وظيفة اللعب تماثل وظيفة نقد المتعاليات في الفلسفة والأخلاق والابداع الفلسفي كما تمثل في الفلسفة السفسطائية، فاذا كانت هذه الفلسفة جعلت نقطة البدء في تفكيرها خلخلة الأسس الافلاطونية في الوجود والقيم والمنطق واللغة، فإن الفكر التفكيكي ومفهوم اللعب جعلا نقطة البدء:
«من تفكيك ما اقامه تاريخ الفكر الغربي من قيم وانساق ومفاهيم منطقية واخلاقية، عدت،الى وقت قريب، بمثابة جوهر الفكر الانساني وحاضره الذي لا يغيب في انفتاحه الجذري على الماضي والمستقبل. وليس من شك في ان المراوغة او الالتواء في قلب "اللوجوس" كما يمارسها فيلسوف على شاكلة دريدا، لا يخرجان عن اطار اللعب وذلك لما يفترضه هذا اللعب من قيام عالم متخم ومجتمع يقوم على الفائض الاستهلاكي، وما يقتضيه من اصطناع لغة وظيفية- او عدمية- وفقا لتعبيرات بلانشو- تعمل على تحويل الابداع الى ضروب من التشكيلات الخيالية التي لا يناط بها غور نفسي او وصف حقيقة واقعة، اذ لم يعد هناك من متاح، بعد تفتت ابعاد الشخصية وتقلص الواقع الفعلي او المرجعي الى مرتبة اثرمن آثار النص».(محمد علي الكردي، مفهوم "الكتابة" عند جاك دريدا.. الكتابة والتفكيك، مجلة فصول المصرية، المجلد الرابع عشر العدد الثاني، صيف 1995، ص، 127)
جدلية الكتابة واللعب والغموض الاستراتيجي الاصطلاحي
ان الإشكالية الأساسية التي نسعى الى طرحها هنا، تكمن في إعادة فهم وتأويل مصطلح "اللعب" الذي استعمله دريدا بوصفه يعبر عن مفهوم الكتابة عند افلاطون في محاورة فايدروس. حيث سنلاحظ كيف ان معنى اللعب سوف يمثل البديل الرسمي لمفهوم البايديا وان كان قد اتخذ مواضع متباينة شابها الكثير من الغموض وعدم الوضوح من حيث المعنى والتطبيق، فمثلا يقول دريدا واذا: «ما أسهبنا (في الكلام) مدفوعين بقوة اللعب. اي، بالتالي، إذا ما كتبنا قليلا عن افلاطون، الذي قال في "الفايدروس" إن الكتابة لا يسعها الا ان تكرر (وتتكرر) انها "تدل. دائما على الشيء نفسه"، وأنها (كناية عن) لعب «Paidia (صيدلية افلاطون، المصدر نفسه، ص 15 (
فعن أي مفهوم للعب تحدث دريدا؟ وكيف تبدو العلاقة بين كل من: اللعب؛ الكتابة، في محاورة الفايدروس؟ وكيف اصبح مفهوم اللعب بديلا لمفهوم البايديا؟ ولماذا لم يذكر دريدا مفهوم البايديا مع مفهوم اللعب؟ فهل لعب دريدا هنا على التقارب اللغوي والتركيبي بين كل من: اللعب Paidia والبايدياpaideia ؟ وهل اتبع دريدا استراتيجية التفكيك ام استراتيجية الغموض الاصطلاحي في معالجة محاورة الفايدروس لأفلاطون؟ يتركنا نص دريدا المذكور أعلاه، إزاء جملة من القضايا الفلسفية والاصطلاحية الهامة للغاية، التي يجب التوقف عندها لمعرفة موقف دريدا من حقيقة الخطاب السفسطائي من جهة ومفهوم "البايديا" الثقافي والتعليمي الذي تم تدشينه مع هذه الفلسفة والفلسفات القديمة من جهة أخرى.
وربما ان جدلية اللعب Paidia والكتابة وتكرار الشيء نفسه، تمثل احدى اهم استراتيجيات الغموض الاستراتيجي التي اتبعها دريدا في فهم وتأويل جينالوجيا الكتابة والشفاهية في تاريخ الفلسفة الغربية عامة والسفسطائية خاصة. وعندما نستعمل هنا مفهوم الغموض الاستراتيجي/ الاصطلاحي عند دريدا فأننا نشير في الواقع الى "بنية الغموض" الحاصل بين الأزواج التالية: السم/ الترياق؛ الكتابة/ الكلام؛ البيديا paidia اللعب/ البايديا paideiaالتربية؛ التعليم؛ التثقيف عند السفسطائية. لقد شكلت هذه الأزواج ما يعرف بميتافيزيقيا الغموض الاصطلاحي عند دريدا، خاصة في قراءته لمفهوم الكتابة والكلام عند افلاطون. وعلى الرغم من انتقاد دريدا لاستراتيجيات الغموض الاصطلاحي عند المترجمين لأعمال ومحاورات افلاطون خاصة للثنائيات المذكورة أعلاه، الا ان دريدا وقع في دائرة الغموض والالتباس ذاتها:
«ففي قراءته لمحاورة افلاطون فايدروس على سبيل المثال لا الحصر، اتبع دريدا الغموض الاصطلاحي لمعنى الفارماكون pharmakon(علم الادوية/ الصيدلة) الذي اتبعه افلاطون في وصف الكتابة ذاتها. فأذا كان الفارماكون يعني السم والترياق فما الذي يعنيه لمفهوم الكتابة بوصفها فارماكون؟ وكما لفت الانتباه دريدا، الى ان مترجمي اعمال افلاطون قد حافظوا على هذه الكلمة من خلال اختيارهم لتفضيل جانب واحد او آخر لهذا الغموض بحسب السياق. وقد ظلوا في تبعية مستمرة لهذا الغموض لجعله قار وثابت وقابل للتداول الرسمي» Frank Lentricchia and Thomas McLaughlin, Critical Terms for Literary Study, Chicago,1990,p,46))
من النص أعلاه، يتضح لنا كيف ان دريدا لم يعتمد على تلك الترجمات التقليدية لمحاورات افلاطون، وذلك لأنها حافظت على الأسس اللغوية واللسانية التي لا تسمح بإنتاج أي خلخلة في بنية هذا الفكر ونظامه الفلسفي والانطولوجي، في حين ان دريدا سعى الى بث "منطق الخلخلة" «في قلب الخطاب الفلسفي الغربي التقليدي، تمس قواعده الأساسية وآلياته المحورية التي يقوم عليها ، وذلك بقدر ما يقوم أي خطاب عقلاني- مثالي (وحتى مادي عن طريق القلب) على نوع من المركزية الصوتية phonocentrisme، من جهة، وعلى نموذج عقلي – لغوي Logos ضمني او قبلي يوجهه ويرسم له اطره وحدوده التي لا يستطيع تجاوزها من جهة أخرى.» (محمد علي الكردي، المصدر نفسه، ص،231 )
ولكي يتجاوز دريدا هذه "المركزية الصوتية" التي تمثل المقدمة الطبيعية للفكر التجريدي والعقلاني المتعالي، نراه قد أعاد قراءة وصياغة الافلاطونية برمتها، حيث ان موقف دريدا هنا يختلف تماما عن موقف الشراح والمترجمين التقليديين لمحاورات افلاطون. ذلك لان موقف دريدا «من افلاطون يقوم على الالتباس والمراوغة؛ اذ انه لا يعالج حواراته او نصوصه وفقا لمصطلحاتها الظاهرة او باعتبارها تقدم لنا مجموعة من المبادئ التي يجدر بنا تمثلها وتفهمها بطريقة مسلم بها. على نقيض ذلك، انه يستغل صورة الجذر اللغوي الذي يرد لفظة النص الى معنى "النسيج" وليحاول فك نص "فايدروس" بوجه خاص، وليحاول ان يقنعنا بأن ما توصل الى كشفه قد استمر قرونا عدة مطويا او خبيئا في طياته وثناياه. ويبدو ان دريدا قد وجد ضالته في مفهوم" العقار" (Pharmakon) الذي يلعب في النص الافلاطوني دورا محوريا ولكنه بالغ في التناقض والالتباس... ولكن ما العلاقة التي تربط بين العقار او (الفارماكون) وحوار فايدروس؟ في الواقع، ان ذكر العقار، بالرغم من أهميته المركزية في نسيج الفكر الافلاطوني سوف يأتي بطريقة عارضة من خلال الانزلاقات الكلامية التي تضفي نوعا من الجدلية الحيوية على الحوار. ذلك ان (فايدروس) يبدأ قائلا ان الاحرار من الرجال يأبون ان يخلفوا ورائهم كتابات مدونة على شاكلة ما يفعله الكتبة والسفسطائيون، الذين لا يعبرون عن أفكارهم بقدر ما ينقلون أفكار الاخرين.» (محمد علي الكردي، المصدر نفسه، ص، 232)
من هنا، يتضح لنا، كيف ان العلاقة بين مفهوم الكتابة والفارماكون وسياسة تفكيك أيديولوجيا الحضور في اللغة والمعنى والخطاب عند دريدا، ظلت علاقة إشكالية وشابها الكثير من الغموض والالتباس. وربما هذا يعود في احد اهم أسبابه، الى تجاهل دريدا الى دراسة تحولات اللغة والخطاب والمعنى منذ الفلسفة الايونية القديمة مرورا بالفلسفة السفسطائية التي تحول معها مفهوم اللوغوس/ اللغة الى مثاقفة كتابية/ تواصلية، حيث يتم استحضار واستنطاق الثالث المرفوع من ثنائية الكلام/ الكتابة واعني به هنا (القارئ). هذا الأخير الذي لطالما تم اهماله واستبعاده في حفريات وتأويلات دريدا لمحاورة "الفايدروس" على الرغم من أهمية تحليلاته الفلسفية واللغوية واللسانية، إلا نها ظلت محددة في النسق الافلاطوني والسقراطي. لهذا، نرى كيف ان العلاقة بين مفهوم اللعب/ والبايديا لم يتم تسليط الضوء عليها بالشكل الكافي، وإعادة تأويلها، وبما ينسجم وتحولات الخطاب السفسطائي وفق كل جيل من أجيال الفكر السفسطائي التي لم يأخذها دريدا بعين الاعتبار ضمن تأويلاته ومقارباته في إشكالية اللغة والكتابة والكلام.
وعليه، يمكننا القول، ان فلسفة (البايديا) شكلت ثورة كوبرنيكية في تاريخ الكتابة والقراءة في الفكر اليوناني. فقد اصبح مفهوم النحو Grammar يعني معرفة كيفية (قراءة وتأويل النص المكتوب). في حين انه كان يعني في ظل سيطرة اللغة الافلاطو-ارسطية و السقراطية انتاج المفاهيم المجردة على نحو متسق وملائم. (للمزيد ينظر:Steven Roger Fischer, history of Reading,Reaktonion Books,London,2003)
وبطبيعة الحال، ان بنية تلك اللغة هي التي شكلت النظام المفاهيمي والاصطلاحي واللساني لمحاورة الفايدروس، وهو «ما افسح المجال لسيطرة (اللغة الصوتية). ومن المعروف ان الخطاب الفلسفي لم ينشأ ولم يتبلور عند اليونانيين القدماء الا بقيام اللغة الصوتية التي تعتمد على النظام الابجدي في الكتابة، ولان الفكر الميتافيزيقي المجرد لم يستطع ان يتضوع ويتألق الا بالقدر الذي اتاحته اللغة الصوتية من تحليق وتجاوز للصور المادية المباشرة.» (محمد علي الكردي، المصدر نفسه، ص، 231)
ربما هذا ما جعل دريدا، يعمل جاهدا على نقد وتفكيك "أيديولوجيا اللغة الصوتية" التي بقيت مسيطرة على تاريخ الانطولوجيا والفلسفة في الفكر الغربي. وهنا، يأتي دور الغراماتولوجيا Grammatologie التي تمثل الإعلان الرسمي لولادة مفهوم "الانطولوجيا الراديكالي"، بعدما سيطرت الانطولوجيا الدوغمائية والتقليدية على تاريخ الوجود والكتابة. وعليه، «فليس من شك في ان نقد الأسس الصوتية للخطاب الفلسفي الغربي، وإبراز وظائفه الأيديولوجية الكامنة، عملية لا تتم عند دريدا من غير تضخيم واع، بل استفزازي، للمكونات الكتابية للفكر، وهو الامر الذي يدفعه الى محاولة تأسيس نوع من الكتابية او (الجراماتولوجيا) الجذرية.» (المصدر نفسه، ص، 231)
لكن من الضروري الإشارة هنا، الى ان مفهوم الغراماتولوجيا عند دريدا، ظل محدداً ضمن مفاهيم "الدلالة المتعالية"، وقضايا قلب الفكر الميتافيزيقي الغربي، من خلال تفكيك ظاهرة اسبقية الصوت المتمثلة في سيطرة مفهوم الشفاهية بشكل عام. وهنا، لابد من التمييز بين مفهوم الشفاهية بوصفها تعبر عن ظاهرة اسبقية الصوت من حيث علاقته بالكتابة؛ وبين مفهوم الشفاهية بوصفه يعبر عن ميتافيزيقا الثقافة التقليدية من حيث علاقتها بمفهوم القراءة/والقارئ. وعلى الرغم من ان نقد اسبقية الصوت عند دريدا يمثل «التشكيك في احدى مسلمات الفكر الدوجماطيقي بعامة، وذلك بقدر ما يقوم الفكر على مطابقة اليقين او الشعور لواقع عملية التصور، وبقدر ما تشكل هذه المطابقة استغراقا للشعور او حضورا كاملا للحقيقة فيه، الى درجة تمحى فيها كل مسافة بينه وبين العالم، ويتقلص فيها كل امكان للشك او التساؤل المنهجي الذي يحرر الفكر ويطلق اساره من قيد الوجود.» (محمد علي الكردي، المصدر نفسه، ص،231)
الا اننا نلاحظ، ان نقد مسلمات الفكر الدوجماطيقي عبر تفكيك ظاهرة اسبقية الصوت في الفكر الغربي، لم يتحول الى ممارسة راديكالية تزعزع أسس التطابق والتماهي في كينونة (الثقافة الشفاهية). خاصة عندما تتحول هذه الثقافة الى سلسلة من عمليات القراءة والتواصل مع النص المكتوب. هنا، يتضح لنا طبيعة المنعرجات الحاصلة في مفهوم الكتابة والقراءة في فلسفة (البايديا او فن طرق تشكيل المعرفة واسس التعلم والتعليم والادراك من خلال الثقافة ورموزها الاناسية). وعليه، لابد من إعادة تأويل قراءة دريدا لمفهوم "البايديا" خاصة ضمن ادبيات ومحاورات افلاطون وسقراط والخطاب السفسطائي، والبحث في بنية الدواعي التي جعلته يستعمل مفهوم (اللعب) عوضا عن مفهوم (البايديا)من دون ان يوضح الابعاد الاستراتيجية والفلسفية والنظرية لهذا الاستبدال. (للوقوف على مجمل تحولات هذا المفهوم ينظر: la direction de Barbara Cassin; Vocabulaire europen des philosophies, seuil, Le Robert,2004,pp 195-204)
دريدا: جدل اللعب والتفكيك والابستمولوجيا:
يجد المتتبع لفكر وفلسفة دريدا، كيف ان مفهوم (اللعب) شغل مساحات كبيرة بين مجمل مفاهيمه، ربما أهمها الكتابة؛ الاختلاف؛ الغراماتولوجيا؛ العلامة؛ البنية؛ الدلالة؛ اللغة .. الخ. وقد نشر حول ذلك الموضوع مقالاً تحت عنوان: البنية، العلامة واللعبStructure, Sign, and play. وربما اهم ما جاء في هذه الدراسة هو ان مصطلح Free-play يعمل كفضاء استراتيجي بين المجال وتفاعل الدلالة. بمعنى، ان دريدا سوف يجعل من مفهوم اللعب بمثابة العقل النقدي الذي يحد من تعالي الدلالة/ والدلالة المتعالية، ليشكل بذلك مدخلاً اولياً لتقويض ميتافيزيقيا الحضور، وقد قال ذات مرة في الغراماتولوجيا: «ان غياب المدلول المتعالي بوصفه لعب لا حدّ له، يمثل تفكيكاً لكل من: الاونطو-ثيولوجي وميتافيزيقا الحضور». (Frank Lentricchia, After The New Criticism, Chicago, 1980, p.186)
يبدو ان مفاهيم اللغة واللسانيات والعلامة، حملت أعباء الإرث التقليدي للانطولوجيا في بنية تاريخ الفكر الغربي. وهذا ما جعل دريدا يفكك الأساس الانطولوجي للعلامة، ليحررها من أعباء الوجود التقليدي وميتافيزيقا الحضور. لهذا، اصبح «تاريخ السيمولوجيا الكلاسيكي في الفكر الغربي، هو دائما يعمل في خدمة الميتافيزيقيا، التي تحتاج الحضور presence ، لتركب العلامة بوصفها تَمَثَّلَ في الحضور" في غيابه".» (Ibid,170)
من هنا، يتضح لنا كيف ان استراتيجية الفلسفة التفكيكية عند دريدا، كانت تسعى للتخلص مما يعرف بـ" الوجود- الحضور being-present". بمعنى آخر، لا يمكن تفكيك هذا الوجود-الحضور، ما لم يتم تفكيك النظام الابستمولوجي والمنطقي المتمثل بسيطرة البراديمات التجريبية والمثالية، وهنا تبرز النزعة الشكية Skepticism عند دريدا وهي تهدف الى: «تفكيك النزعة المركزية logocentrism المتزامن في وقت واحد مع تفكيك المثالية وكذلك التجريبية.» (Art Berman ,From The New Criticism To Deconstruction, The Reception Of Structuralism And post-Structuralism,Chicago,1988,p 200)
ان البحث في جينالوجيا الخطاب الابستمولوجي والمنطقي لاستراتيجيات التفكيك عند دريدا، إنما يعني في واقع الامر، بحث وتحري inquiry في نقد نموذج لسانيات سوسير، وتجاوز نظامها البنيوي الحتمي الذي يمثل ميتافيزيقا الحضور للعلامة واللغة في العالم. لهذا، فأن لسنيات دريدا البديلة لا تمر بالنموذج البنيوي/ التقليدي، بل انها لسانيات تستند على المنهجي النقدي The linguistic-based Critical Methodology. وعليه، فأن نقد ميتافيزيقيا الحضور لا يمكن حصره فقط في نقد تاريخ الانطولوجيا التقليدي فحسب، بل انه يمثل عند دريدا المدخل الأساسي لنقد فلسفة اللغة واللسانيات الحتمية ومجمل اشكال الثقافة وأنظمة التواصل اليومية. وبالتالي، هو نقد كافة اشكال تمثلات الوعي والذات المستندة الى نظام لغوي قطعي مغلق على ذاته، وذلك لان اللغة عند دريدا لا تشكل بنية الفكر او الذهن فحسب، بل انها «اختلاف ونظام مادي بذاته لا يمكن ابدا ان ينغلق او يتحول الى مبدأ كلي Total او مطلق». (P. Bürger: Theory Of The Avant-Garde…Theory and History of Literature, Vol 4).
ان دريدا لا يريد العودة باللغة الى المرحلة البنيوية حيث تتحول اللغة الى مجرد بنية او سلسلة من الدوال Structure of the signifiers. وحتى تعمل اللغة بطريقة عكسية من النزعة المركزية وميتافيزيقيا الحضور كان لزاما عليها ان تتخطى مركزية اللسانيات العابرة للذات A trance -Subjective linguistic حيث تتحول اللغة هنا من التمركز الادراكي المحض Cognition الى الادراك الخطابي discursive cognition. بهذه الطريقة يكون دريدا قد عمل على زعزعة هيمنة الذات بوصفها تمثل المركزية الابستمولوجية epistemological center في الفلسفة واللغة.
ان مشروع نقد التمركز الابستمولوجي عند دريدا، لم ينفصل عن نقد تاريخ الانطولوجيا وميتافيزيقيا الحضور في الفكر الغربي. ذلك لان ديريدا كان يدرك جيدا ان الانتقال من نقد مملكة الأبستمولوجيا Realm of epistemology يمهد الطريق للوصول الى مملكة البلاغة Realm of Rhetoric. وهنا، نلمح ثمة تقارب بين مشروع دريدا التفكيكي ومشروع شاييم بيرلمان الحجاجي/ البلاغي، فكلاهما عملا على تجاوز ما يُعرف بـ" نظرية الأدراك المثالية Idealistic cognition theories، إضافة الى انهماكهما في تقويض سلطة المثال الوضعي positive Ideal المؤسسة في بنية اللغة والوجود والممارسات القانونية والثقافية الى جانب الحياة اليومية. لقد غيرت مجمل هذه المنعرجات بنية الفلسفة، فلم تعد مجرد انعكاس نظري Theoretical reflection للمطلق والكلي، هذا الانعكاس هو الذي قاد اللغة والقانون والحجاج الى "الانغلاق الميتافيزيقي Metaphysical Closures مما أدى الى تنميط اللغة وتحولها الى تكرار توتولوجي لا يحيل الى شيء. هذا يعني «أن الإحالة في الدلالة يجب ان تكون مثالا – والمثالية هنا هي الجهة التي تؤكد سلطة التكرار-من اجل ان تحيل الى الشيء نفسه في كل زمن.» (المصدر نفسه)
ولهذا، تشكل مع بيرلمان ودريدا شكل من اشكال الابستمولوجيا تعمل بمعزل عن منطق القضايا الصادقة والكاذبة، انها "ابستمولوجيا المراجعة" التي لا تنفصل عن سلطة المناهج والعلوم السائدة والمسيطرة في كل عصر، ذلك لأنها هي التي سوف تقرر طبيعة الدال/ والمدلول في السياق الثقافي. ربما هذا ما جعل «دريدا يقرأ باستمرار اعمال المفكرين المختلفين بأسلوب نقدي، ليختبر في هذه الاعمال وعلى نحو مميز التأسيس القمعي لصور استلام الدال. هذا القمع يقود ابستمولوجياً نحو الافتراضات التجريدية للذات، بوصفها تمثل مركز الإرادة والمعرفة، ونحو ترسيخ مزاعم المعرفة الموضوعانية المسستمة في شكل التمركز او الانغلاق الميتافزيقي». (المصدر نفسه)
يتضح وبشكل جلي، كيف ان مفهوم الذاتية المتعالية Transcendental subjectivity هو الذي يسمح للذات بأن تكون "ذات- حضور Self-present. ويمكن ان يؤسس ذلك لشكل من اشكال اللغة الخاصة private language. في هذه المقاربة نجد أيضا، ان مشروع الغراماتولوجيا عند دريدا يتماثل مع مشروع الأبحاث الفلسفية philosophical Investigation لفتغنشتاين في المرحلة المتأخرة. (للاطلاع بشكل موسع حول هذه النقطة، ينظر: Henry McDonald, Crossroads of skepticism; Wittgenstein, derrida, and ostensive definition, the philosophical forum a quarterly, spring 1990,p 261.)
حيث نلاحظ كيف ان ميتافيزيقا الحضور في فلسفة فتغنشتاين تتحول الى سؤال العلاقة بين القواعد والقوانين واللغة الخاصة. فأذا كان دريدا مارس الشك حول إمكانية تشكيل الوعي القصدي في فينومينولوجيا هوسرل المثالية، خاصة في مؤلفه الأساسي " أبحاث منطقية". فأن فتغنشتاين سوف يذهب الى ما هو ابعد من ذلك بكثير، خاصة عندما تجاوز مرحلة الاغتراب المبكرة في فلسفته المتمثلة في نظرية التراكتتاوس الوضعية المنطقية. لذا، فأن فتغنشتاين، مثل دريدا، عمد الى تشكيل ما يعرف بمنطق "المفارقة الشكية"، خاصة عندما انطلق من لسانيات سوسير، نافيا بأن يكون للعلامة مضمون وضعي positive content.
لكن، بعد كل هذه المقاربات الابستمولوجية المسهبة في فكر وفلسفة دريدا، يتبادر الى ذهننا مجموعة من الأسئلة حول مسألة فيما اذا كان التقويض/ التفكيك عند دريدا ممارسة لسانية/ مادية في الفلسفة؟ وهل نجح التفكيك الجمع بين ما هو فلسفي وبراكسيس ثقافي واجتماعي؟ وهل كان التفكيك ممارسة praxis أم تجريد ابستمولوجي؟ وإذا كان التفكيك نجح في ان ينتقل الى الفضاء الثقافي العام وتأويل مفهوم الممارسة الثقافية، فلماذا لا نجد له ثمة حضور في قراءة مفاهيم اللغة والبلاغة في الفلسفة السفسطائية؟ ولماذا ارجأ دريدا العمل بمفاهيم التفكيك عندما تناول إشكالية الكتابة والكلام بين كل من الفلسفات الافلاطونية والسقراطيه والسفسطائية؟ لماذا تم تضييق مفاهيم: التفكيك؛ الغراماتولوجيا؛ ميتافيزيقيا الحضور، في كتابه "صيدلية افلاطون"؟
مجمل هذه الاسئلة تصب في اشكاليتنا الأساسية والرئيسية. ونعني بها هنا، إشكالية البايديا/ واللعب التي تناولها كتاب (صيدلية افلاطون)، فالواقع ان دريدا، ادخلنا بأكثر من إشكالية عندما استبدل مفهوم البايديا بمفهوم اللعب، دون ان يوضح لنا الدواعي الاصطلاحية التي دعته الى مثل هذا الاستبدال، ناهيك انه لم يوضح أيضا طبيعة "التمرحل التاريخي" الذي مر به مفهوم اللعب. والسؤال فيما اذا كان يمثل المرحلة المبكرة للبايديا ام المتأخرة؟ مرحلة سيطرة الفكر الروماني ام اليوناني، اغلب هذه التحولات لم يأخذها دريدا بنظر الاعتبار، لا لشيء الا من اجل المحافظة على الصور النمطية والتقليدية التي شرعها افلاطون حول حقيقة فلسفة وبلاغة السفسطائية، والا كيف يمكننا ان نفسر القراءة التقليدية التي قدمها دريدا لهذه الفلسفة، في كتابه المذكور أعلاه؟ مثل هذه الإشكالات، تتطلب العودة من جديد الى تراث الفكر السفسطائي. وذلك، من اجل إزالة اللبس الاصطلاحي والمفاهيمي والابستمولوجي الحاصل في صيدلية افلاطون لدريدا.
صيدلية دريدا..جدلية البايديا و ميتافيزيقيا الحضور:
ذكرنا سابقا، ان مفهوم اللعب الذي ادخله دريدا، لم يحل إشكالية الخطاب السفسطائي، بقدر ما زاده تعقيدا. ذلك لان دريدا، لم يوضح ويحدد علاقة هذا المفهوم بالبايديا من جهة؛ والسؤال فيما إذا كان هذا المفهوم يرتبط بسفسطائية الجيل الأول First Sophistic، ام سفسطائية الجيل الثاني Second Sophistic، حتى يتسنى لنا معرفة راهن المنعرجات الثقافية والفلسفية التي طرأت على هذا المفهوم، وبالتالي إعادة تأويل وتثوير العلاقة بين كل من: اللغة والبلاغة واللسانيات. وقبل ان نشرع في تأويل مفهوم البايديا التعليمي، علينا ان نوضح معنى سفسطائية الجيل الأول والثاني. فقد ارتبط مفهوم سفسطائية الجيل الأول بتكوين بلاغة النخب الثقافية للفترة الذهبية في اليونان في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد. (للمزيد ينظر: Graham Anderson, The Second Sophistic, cultural Phenomenon in The Roman Empire, Routledge 1993 ,p13.)
في هذه الفترة، تشكلت مجمل الاشكال الثقافية النخبوية Elitism، التي كانت منسجمة وهرمونية مع الخطاب السياسي السائد، وقد اثرت هذه الهرمونية على طبيعة اللغة والبلاغة المسيطرة. بمعنى انها "بلاغة ميتافيزيقيا الحضور Orator" التي تعمل على سستمة المعرفة واللغة. أي، ان سيادة هذا البارادايم افرز مفهوما وضعيا للبايديا، يتطابق دائما مع نموذج الابستمولوجيا المثالية المتعالية. اما مفهوم سفسطائية الجيل الثاني، فأول من صكه هو مؤرخ حياة وتاريخ السفسطائيين Philostatus حيث أوضح الى ان هذا المفهوم يشير الى ظهور جماعات فاعلة متمرسة في فن اللغة والكلام، بدأوا رحلتهم الفلسفية في القرن الرابع قبل الميلاد. (المصدرنفسه،13) والسؤال الذي نطرحه هنا، أي شكل من اشكال البايديا سوف يتشكل مع مفهوم سفسطائية الجيل الثاني؟
ان شكل البايديا مع هذا الجيل، هو ما أطلقنا عليه بـ" البايديا ما بعد ميتافيزيقيا الحضور" الذي يواجه "المنطق التراتبي" المتكون من قبل سفسطائية الجيل الأول الاغريقي/الروماني، انها بايديا ضد المنطقanti-logic الذي يؤسس لأيديولوجيا تكرار ازمنة السلطة وسلطة الأزمنة. لهذا، نرى ان مفهوم "البايديا" في سفسطائية الجيل الثاني، ليس هو نفسه كما ظهر في سفسطائية الجيل الأول، ذلك لان هذا الجيل كان يعني بمصطلح البايديا paideiaكونها تشير الى مجمل: «الممارسات والتقنيات والمناهج التي تسمح بتربية النشئ جسديا وعقليا، واتسع هذا المعنى بعد ذلك وبصورة متواصلة في القرن الرابع وفي العصور الهلنستية والامبراطورية الرومانية ، واصبح ينسب منذ ذلك الحين وللمرة الأولى على حد سواء الى areté التي تعتبر المثال/ النموذج الاسمى الذي يصبو اليه الانسان :وعند استعماله فإنما من اجل الإشارة عن مجمل حالات التكامل المثالية للجسد والروح ... بعبارة أخرى، انه مفهوم يتضمن بوضوح على ثقافة ذهنية وروحية حقيقية.)). (Jaeger Werner: Paideia… La formation de l'homme grec, Gallimard,1964,p. 333)
هنا، لابد من الإشارة الى ان تضمين الجيل الأول في الثاني، لا يعني تضمن في الفلسفة والمنهج بينهما. فكما هو واضح في النص أعلاه، ان انموذج البايديا المشار اليه، يعبر عن "بلاغة ميتافيزيقيا الحضور" فكل شيء مقنن ومسستم ويخضع لنظام كلي ومطلق، يحول عمليات التربية والتعليم الى سلسلة من القوانين الثابتة. أي انها اشبه بسلسة المدلول chain of the signified المقيدة مسبقا؛ وسلسة الدوال chain of the signifiers. لهذا، فأن البايديا هنا تحيلنا الى منطق "الانغلاق الميتافيزيقي" الذي فككه دريدا. وبالتالي، فأنها بايديا ما قبل مفهوم الممارسة الاجتماعية Social praxis. فكيف يمكننا ان نتصور طبيعة التعليم والتربية في ظل هذا الانغلاق الميتافيزيقي الأرثوذكسي؟ لذلك، نرى كيف ان فيلسوف سفسطائية الجيل الثاني بروتوجوراس سعى الى تأميم علوم اللغة والبلاغة والتعليم من سيطرة النخب الميتافزيقية والثابتة والمتكررة في كل حقبة زمنية خاصة في التربية التعليم والسياسة. ربما هذه إحدى مفاهيم النسبية التي طالما اسيء فهمها وتأويلها من قبل شراح الفلسفة عندنا.
من هنا، فأن فهم البايديا في سفسطائية الجيل الثاني لا يمكن له ان يستقيم، دون إعادة تفعيل مفهوم النسبية في الثقافة والسياسة والتعليم. لذا، فهو في هذا الموضع «لم يأت على وصف التعليم الخاص، وانما عنى بالتعليم/ التربية الذي ينتفع به في اعلى درجاته جميع الأثينيين ليكون متاحا لهم بعد ما كان محتكرا للمدارس الخاصة. كان هذا التعليم هو الملهم للسفسطائيين وقد عملوا على تطويره سيما فيما يخص الحقول الرسمية التي تأسس لمجمل نظام التعليم لديهم. فقبل السفسطائيين، لم نكن نعرف حديثا عن قواعد علم النحو عن البلاغة وعن الجدل، فهم بالأحرى من كان لهم الفضل في ابتكارها جميعا. وذلك من خلال تعليمهم بدأ من تدريس شكل اللغة، وشكل فن الكلام/البلاغة وشكل التفكير.» (المصدر نفسه، ص 363)
من هنا، تأتي أهمية التمييز بين مفهومين طالما جرى الخلط بينهما، ونعني بهما: النزعة الاحترافية professionalism وهي التي تميزت بها بلاغة Oratory الجيل الأول؛ والإدارة الاحترافية للبلاغة (الخطاب/ الخطابية) التي تميز بها الجيل الثاني من السفسطائية، حيث لم تعد فلسفتهم متمركزة على مفهوم Oratory «الذي يغطي المقولة العامة لما هو خاص ومحدد في البلاغة. في حين ان السفسطائيين كانوا أكثر من عمل على تهذيب مفهوم oratory، الذي يعني سابقا المؤدي المشهور الذي له القدرة على انتاج الامر والسيطرة على اكبر عدد ممكن من الجمهور. وفي مواضع خاصة أخرى، على الرغم من تمييز السفسطائيين للأساس الذي يجذب الطلاب، بينما ظل الخطباء Orators يتكلمون بطريقة احترافية.» (Tim Whitmarsh, The Second Sophistic,Oxford,2005,p.18) هذا يعني ان الخطيب ليس هو السفسطائي، ذلك لأنه مع السفسطائية – خاصة الجيل الثاني- «تم صك مفهوم البلاغة، ووضع الأساس النظري لذهنية التواصل خاصة في العالم اليوناني.» (FEE-ALEXANDRA HAASE, Rhetoric and the concept of the origin, Net,p28.)
هذا، يعني ان مفهوم البلاغة شهد مع الجيل الثاني جملة من المنعرجات والانعطافات الثقافية والمنطقية والفلسفية، فلم يعد بالإمكان التعامل مع مصطلح "البلاغة" باعتباره منفصلا عن منطق القطائع التاريخية والابستمولوجية. لهذا، تجدنا محافظين «على استعمال اللغة المعاصرة العامة لكلمة البلاغة، كونها مجرد انعكاس لكلمة تبقى تمثل في تقليد العصور القديمة فن الكلام والكتابة بشكل فعال و اكثر كفاءة والذي من نتائجه اقناع المستمع؛ او الفن الذي يستتبع القواعد لكيفية انتاج الكلام البلاغي.» (المصدر نفسه ص ص 28-29) وعليه، يتوجب الانتقال بمفهوم البلاغة من: "البلاغة التقنية" الى "البلاغة البينية" التي يمكن ايجازها بما يأتي:
»أولا- تعبر عن مستوى من الميل بين الافراد المتشاركين في الفعل الخطابي Rhetorical act . ثانيا- تعبر عن القوة في شكل من الجاذبية او بنية القوة. ثالثا- تعبر عن مسافة، اما بين الافراد او المجتمع، والتي تفصل بين المعنيين. وتتضمن الابعاد السلوكية أولئك الذين لديهم ميول تؤثر على الاستجابة نحو الموقف البلاغي، بما فيه الاتجاهات او المواقف نحو مركز فكرة التواصل والتقلبات الأيديولوجية التي تؤثر على الفعل البلاغي او الخطابي. ومن اهم هذه المؤثرات: الادعاءات اللاشعورية؛ المعايير والقيم للمستمعين او القراء؛ الاتجاهات الأخلاقية؛ الافتراضات الفلسفية حول طبيعة الانسان. وأخيرا، فأن الفعل البلاغي يتأثر بالأبعاد الظرفية مثل: البنية/الشكل؛ والقنوات المستعملة في التواصل؛ ووظائف التواصل؛ منهج التواصل المستعمل؛ وسياقات الزمن والمكان» (المصدر نفسه، ص 30)
مما سبق، يتضح لنا كيف ان مفهوم البلاغة بدأ يتخارج من تبعيته في التمركز حول البلاغة المقننة والمسستمة التي تحدد القواعد المحكمة للكلام. لتتحول البلاغة الى سؤال لإعادة قراءة "الفعل البلاغي" في اشكال الثقافة والتواصل السوسيو-سياسي والقيمي اليومي. فالبلاغة هنا أصبحت تعبر عن: «مفهوم تطبيقي في التواصل اللساني linguistic communication ذو صلة بالنظم السميائية semiotic systems منذ ان أصبحت النظم السميائية الأخرى قادرة على نقل المضامين الاقناعية.» (المصدر نفسه، ص 38)
من كل ما سبق، يتضح كيف ان إشكالية الجيل الأول والثاني للخطاب السفسطائي، هي إشكالية تعكس تحولات ميتافيزيقيا الحضور في اللغة والتواصل والكلام والكتابة- كما مر بنا سابقا-. هذه الميتافيزيقيا التي شكلت بنية "الفعل البلاغي" المحاط بسلسلة من الحتميات الثقافية والأيديولوجية والأخلاقية التي تتحكم في مساره. انها شبيهة بسلسلة دريدا للدال/والمدلول. لذلك، فان مفهوم "الانغلاق الميتافزيقي" بعدما أسس لمفهوم الانطولوجيا التقليدية في تاريخ الفكر الغربي، سوف يؤسس لمفهوم الامتياز الانطولوجي Ontologically privileged وتتكون هذه الانطولوجيا من خاصة الخاصة من فلاسفة وحكماء وسياسيين، يكوّنون ما يعرف بالعلاقات الشخصية المنغلقة Relationship Marketing . وسوف يشكل خطاب هؤلاء الوجود-الحضور Being-Present بل وشكل من اشكال الممارسة الاجتماعية الخطاب Discourse.
ازاء حالة تكاثر تقنيات الانغلاق أعلاه، والتي تشابه صعود الطبقة النخبوية في اللغة والبلاغة والمنطق عند سفسطائية الجيل الأول، يمثل ظهور سفسطائية الجيل الثاني ولادة فلسفة الإدارة Management philosophy التي اخذت على عاتقها، تفكيك بلاغة الجيل الأول، المتألفة من: «الجماعات المسستمة التي تضمنت على ما هو احترافي وما هو اداري، وقد تم تحديد هذا منذ زمن بعيد بوصفه يعبر عن مشكلة سوسيولوجية.» (Cherry Combes, David Grant ,To keenoy ,Cliff Oswic, Organizational Discourse; Artefacts, Archettypes and Architexts,London 2004,p45.)
لكن اين هو مكمن الإشكالية السوسيولوجية؟ انها تكمن في إدارة الثقافة، وصناعة النصوص؛ وانتاجها وإعادة انتاجها. ومن ثمة، في طريقة اعدادها من اجل الاستهلاك الأيديولوجي، واخضاع هذه العملية الى أنظمة الابستمولوجية التقليدية التي تعمل حسب المنطق الاستقرائي inductive والاستدلالي deductive. فمن خلال هذا المنطق، يمكننا ان نعيد اختبار مفاهيم العقلنة والعقلانية، والحفر في طبقاتها الميثية بهدف إعادة تفكيك نصوصها الميتافزيقية. وذلك، لان الاستقراء هنا هو النص الذي يحث على انتاج الخطاب Managerial Discourse الإداري لهيمنة البلاغة والسيطرة، التي من شأنها ان تكون الخطاب الاستقرائي الكلي القادر على سستمة الذهن بالأجمال Totalizing systems of Thought. لكن، ما هو شكل النصوص المتكون هنا؟ بطبيعة الحال، ان حراك النصوص اللغوي واللساني، لا يمكن له ان ينفصل عن عمليات القراءة/ والكتابة، وهذا يعني ان «الانعراج المنطقي في الدراسات السوسيو-تنظيمية عادة ما يتجه نحو اظهار (الكلام الشفاهي والكتابة او حتى الايقونة) والنصوص تنتج من قبل الأعضاء بطريقة كثيرا ما تبدو ومترابطة منطقيا فيما يتعلق بمساءلة صلتها بعلاقات القوة؛ الفاعلية، او السيطرة.» (المصدر نفسه، ص 49)
ان النص في السياق أعلاه، يحيلنا الى إشكالية مهمة واساسية في البلاغة والحجاج، الا وهي الترابط البنيوي والتاريخي بين جهة انتاج النص؛ وجهة استقباله واستهلاكه. ويمكن التعبير عن هذه العلاقة بمصطلح agency of organization Texts أي العقد الأيديولوجي بين الوكالة/ القوة السوسيو- تنظيمية لإنتاج النص؛ وبين المجتمع – السوسيو تنظيمي الصنعي Organizational artefacts الذي يتحول الى مجرد مستهلك للنصوص على طريقة الوجبات السريعة. بمعنى آخر، ان هذه النصوص لا تعكس تجربة "الوجود الاجتماعي" بقدر ما تعمل على تشكيله/ وتصنيعه وإعادة تصنيعه بمناهج وضعية وامبيريقية لتحوله في نهاية المطاف الى قوانين طبيعية مستقلة تماما عن وجود الذات في العالم.
من هنا، يتضح ان، تكنولوجيا انتاج النصوص في ظل سيطرة Agency تختلف تماما عن مفهوم النص: Archetexts «وهو مصطلح يشير الى الفرد او الوجود الإنساني الجماعي وتجاربه الذاتية المنبثقة من الممارسة.» (المصدر السابق، ص26) والسؤال المطروح هنا، ما الذي يمكن ان تقدمه لنا تلك المقاربات حول اللغة والأبستمولوجيا وسياسة النص/ ونص السياسة؟ وهل هناك علاقة بين هذه المقاربات ومفاهيم البايديا؛ سفسطائية الجيل الأول؛ والثاني؛ جدلية الكتابة والكلام والشفاهية الخ...؟
ان إشكالية "البايديا" التي جئنا على طرحها، من خلال نموذج كتاب دريدا (صيدلية افلاطون) تمثل في واقع الامر إشكالية بناء آليات وطرق التواصل بين، الطبقات التي تستحوذ على شروط المعرفة وإنتاج الثقافة وتكوين اللغة وإنتاج النصوص. وقد اتضح بعد المقاربات النقدية التي قدمناها، ان هذه الطبقة تمثل خطاب البايديا (عند سفسطائية الجيل الأول) التي تمثل كل من افلاطون وسقراط وارسطو مبادئها وفلسفاتها النظرية عامة؛ واللغوية خاصة، ولم تكن البلاغة- أي البلاغة بشكلها اللساني والتواصلي- هي السائدة في تعاليم هذا الجيل، وانما فن الخطابة Oratory التي تمثل خاصة الخاصة في البلاغة. وبالتالي، فأن علاقتها بالكتابة والكلام تبقى محصورة ومحددة ضمن القواعد المحكمة لأجل اظهار الكلام بحسب النظام التقليدي. وهنا يبقى تعريف البلاغة بوصفها: فن الكلام والكتابة على نحو فعال ومؤثر.
وعند البحث في جينالوجيا تعاليم هذا الجيل، خاصة تلك التي تشكلت في البايديا، والتي مثلت بارادايم التعليم واصول التربية والثقافة، نجد ان هذه التعاليم شكلت ما يعرف بـ: "امبريالية الكتاب او كتاب النخبة " وظيفتهم الأساسية مأسسة المجتمع بنصوص صنعية مغلقة. ومن ثمة، فأن هذه النصوص تكون هي المسؤولة على تحديد شكل الخطاب القيمي والأخلاقي الذي يخضع الجميع لنظامه القسري والالزامي. وهو ما يعني، أن هذا الخطاب يتحول الى "ميتافيزيقيا الحضور" الوجود- حضور.
في حين ان مفهوم (البايديا في سفسطائية الجيل الثاني) يمثل ما بعد ميتافيزيقا الحضور/ ومصادر النخبة Elite Sources في أصول الثقافة والتربية والتعليم وإنتاج اللغة والكلام. ذلك لان مع هذا الجيل حصلت الانعراجات التالية: فمن النصوص الصنعية؛ الى النصوص النسبية؛ ومن كتاب النخبة Elite Writers الى polycentric knowledge group جماعة المعرفة متعددة المراكز؛ من اللغة الخاصة الى اللغة العامة؛ من النص الى الخطاب؛ من البايديا بوصفها مفهوم "قوموي" ضيق، الى البايديا الاناسية/ الانتروبولوجية، من الابستمولوجيا المعيارية؛ الى الابستمولوجيا التأويلية؛ من ميتافيزيقيا الحضور الى التفكيك السفسطائي.
خاتمة القسم الأول والثاني:
أولا: لم يقدم دريدا قراءة تاريخية لأجيال الخطاب السفسطائي، في كتابه صيدلية افلاطون.
ثانيا: اعتمد دريدا على الرؤية الافلاطونية/ السقراطية الأرسطية، في بناء مقارباته حول مفاهيم اللغة؛ البلاغة؛ الكتابة؛ الكلام، عند السفسطائية.
ثالثا: مفهوم اللعب الذي استعمله دريدا في كتابه، لم يكن واضحا بما يكفي لمقاربته مع مفهوم البايديا في الفلسفة اليونانية عامة والسفسطائية خاصة.
رابعا: جاء تركيز دريدا على جينالوجيا الكتابة والكلام من حيث صلتها بالفكر الميثولوجي من جهة وتاريخ الانطولوجيا الغربية من جهة أخرى، مما أدى الى استبعاد المقاربات اللسانية والتواصلية لعملية الكتابة والتواصل الشفاهي.
خامسا: اغلب مقاربات وفرضيات دريدا في صيدلية افلاطون، وقعت في فخ "الانغلاق الميتافزيقي" وذلك، بسبب انغلاق فكر دريدا الفلسفي الذي يخرج من دائرة المصادر الفرنسية، مما جعله يتجاوز على طروحات وكشوفات مما سبقوه في "مدرسة بروكسل" للدراسات الحجاجية والبلاغية، خاصة تلك المتمثل منها، بمؤلفات دوبرييل حول تاريخ الفلسفة السفسطائية والسقراطية؛ وشاييم بيرلمان حول جينالوجيا المنطق المعياري والخطاب الحجاجي من ارسطو الى يومنا.
سادسا: لم يوفق مترجم الكتاب الى العربية كاظم جهاد، في وضع مقدمة فلسفية و ابستمولوجية ولسانية، توضح للمتلقي الدواعي التي جعلت دريدا يستبدل مفهوم اللعب بمفهوم البايديا، لهذا، لم يشر لا من بعيد او قريب الى مقال دريدا "البنية؛ العلامة؛ اللعب" ورود مثل هذه الإشارة في الترجمة، ضروري وذلك لفهم العلاقة الإشكالية بين مفهوم اللعب والعلامة والبا يديا عند دريدا. واللافت، ان المترجم سار على خطى دريدا في اهمال وعدم ذكر مفهوم "البايديا" في مسرد المصطلحات والمراجع.
يتبع بالقسم الثالث والاخير
*باحث من العراق، متخصص في فلسفة الدراسات الثقافية/ وما بعدها