"ما أسهل أن تصبح المرأة -بالأخص إذا ما كانت مطلقة- عاهرة على ألسنة الناس في هذا المجتمع. تماهت الكلمة أمامي حتى صنعت منها وساماً ووضعته على صدري. لأن العهر في هذه الحالات شرف، أمام عهر حاملي دروع الشرف، مهدري شرف الشرف"
بدأت قصتي مع رواية نادية عبر موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" حيث كانت تكتب على صفحتها وتذيل كتابتها بتوقيع "في ظلال الرجال"! فشدني وأذهلني ما تكتب، وبدوري بدأت بالبحث عن الكتاب لقرائته، ولكن جهودي باءت بالفشل ولم أجده، وبت أنتظر ما ستشاركنا به نادية عبر صفحتها على الفيس بوك.
في منتصف شهر تموز وجدتها تعلن عن صدور رواية "في ظلال الرجال" وبقلمها. وتعلن عن حفل إشهار كتابها من إصدارات دار ابن رشد وتوقيعه في مركز "دال" للدراسات والأبحاث في القاهرة، مصر.
وبعد أن حصلت على نسخة من الكتاب فور عودة نادية من مصر عن طريق شقيقتها تمارا وبإيعاز من نادية، فرحت لسلوكها الذي يحترم من يحترم قلمها، بدأت بالقراءة وكلي فرح أن ضالتي أصبحت بين يدي. دار بيني وبين نادية حوارات على الخاص عن الكتاب، وكان حوارها محفز ومشوق لكل من يبحث عن الرقي والإنسانية.
وانتهى الحوار بدعوة نادية لتكون ضيفة برنامجي الإذاعي "لوين رايحين" عبر أثير إذاعة بيسان من رام الله، وكان لقاء مميز وناجح حسب رأي المستمعين وما وصل على الخاص.
رواية "في ظلال الرجال" بدءاً من الاسم وكل ما جاء في محتواها، رواية تستحق القراءة من قبل الجميع بدون استثناء، تصلح لتكون من ضمن مواد التدريب للتمكين الاجتماعي سواء للرجل أو للمرأة. تجعل القارئ يبحر بين ثناياها متأملاً كينونته وإنسانيته.
رواية تعرينا أمام مرآتنا وبتسلسل مدهش تعيشها وتشعر أنها روايتك، التي لم تتجرأ على النطق بها حتى بينك وبين نفسك، كي لا يقال عنك مجنون من ناحية، ومن ناحية أخرى تعيد للذاكرة ذكريات نرغب بدفنها لقسوتها، وقذارة من تسببوا بها عبر مسيرة حياتنا بغض النظر عن نوع العلاقة التي تربطنا بهم من قريب أو بعيد، حتى لو كانوا شركائنا في الحياة الزوجية التي ينكشف زيفها لحظة إغلاق الباب على الشريكين. رواية تكشف المستور في العلاقة الزوجية والأسرية والاجتماعية دون تزييف أو قشور، ولامست معظم قضايا وهموم المجتمع العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، من كافة الجوانب دون أي استثناء لأي منها. وتناولت بين طياتها طبيعة الصراع الطبقي والاجتماعي حتى لو أراد البعض إنكار وجوده. كتبت عن مؤسسة الزواج وتبعاتها ومخرجاتها التي باتت تثقل كاهل المجتمع وبشكل واضح، لأنها تقوم على الزيف وتبتعد كل البعد عن هدفها السامي الذي أوجدت من أجله، وتترك القارئ أمام تساؤلات، تدفعه للتفكير في هذه المنظومة وما هو الحل الأفضل لنعيد لها حيويتها ورسالتها بدل التدهور الواضح فيها.
تناولت بشكل جرئ وهادف كل ما يطلق عليه ممنوعات ومحرمات وصلت لحد القدسية، بسبب الجهل الذي تم تعزيزه بالخوف، للتمكن من السيطرة على المجتمعات العربية، لتصبح في شكلها العام أقرب التخلف والرجعية، بدل سيرها نحو التقدم والتحضر والتمدن، كما يحدث في العالم الصناعي الذي بات يسيطر على كل شيء. نادية تناولت مجريات حياة المرأة بتفاصيلها الدقيقة، بدء من العلاقة بالزوج وأسرته، الأبناء وتربيتهم بشكل عام، تحدثت عن خوف المرأة الذي يعتبر امتداداَ للتربية والمنظومة الاجتماعية، التي باتت ترسم شكل الحياة دون وعي وإدراك لماذا الله خلقنا؟ ظهر ذلك بوضوح من خلال تمكنها من طرح السؤال، الذي يحفز عقل القارئ للتفكير والتفكر في سبب وجوده وقيمته كإنسان كما أراد الله له أن يكون. عرت قداسة مقدساتنا الاجتماعية والتربوية التي تساهم وما زالت بتخلف مجتمعاتنا وبازدياد ملحوظ في ظل العولمة الحديثة، مقارنة بباقي دول العالم الذي ننعته بالكفر ومتأكدين أن الجنة خلقت لنا دون غيرنا من الأمم الأخرى.
سأسمح لنفسي بالادعاء أن رواية "في ظلال الرجال" هي رواية كل نساء الأرض من يوم أمنا "حواء" وأبونا "آدم" لغاية هذه اللحظة. مَن مِن النساء لم تعش بكفنها ولو لقليل من الوقت وتصمت وتنتظر ساعة الدفن الرسمية تحت التراب، هل يوجد امرأة لم ترى نجوم الظهر في يوم من أيام آب الحارقة!! وتلتزم الصمت لكي لا تفضح العائلة، وهذا حال كل النساء فلماذا ترفض أو تحتج!! من هي لتطالب بحياة كريمة كما أرادها الله لخلقه عندما خلقهم ولكنهم لم يفهموها، بل فسروها لخدمة وتعزيز سلطاتهم وتلاعبوا بها، ثم الصقوها بالله ليعطوها شرعية غير شرعية لا تمت لشرع الله بصلة لا من قريب أو بعيد، بل تمادوا في الفتاوى والتشريعات لدرجة تجعل الفرد يتساءل: هل هذا هو الله الذي خلقنا لنكون ورثته على الأرض دون تمييز بين ذكر وأنثى؟ من قرر كل هذه الموروثات الاجتماعية والمقدسات التربوية والصقها باسم رب العباد وتمادى بقهر وظلم عباد الله دون استثناء؟
الرواية أوقفتني أمام عدة أسئلة منها: "هل المهم أن نحيا؟ أم كيف نحيا؟ هل علينا أن نعيش في الجنة ونحن أحياء؟ أم نعيش في النار ونقول هذا هو القضاء والقدر والمكتوب؟ هل علينا القبول والصمت والعيش بسترة بدل الفضائح حسب تنشئتنا؟ هل علينا السكن في القبر مرتدين الكفن منتظرين إعلان موتنا الرسمي؟"
رواية "في ظلال الرجال" لنادية حرحش لغتها جميلة وثرية بالمعاني تروي عالمية تجربة المرأة المُطَلقة!! بالتأكيد لكل امرأة قصتها التي تعطيها التفرد ببعض المعاناة والألم عن قصة مطلقة أخرى.
شملت روايتها على رسائل تصب في معالجة قضايا اجتماعية تثقل كاهل المرأة بسبب الموروث الاجتماعي، وناقشت ذكورية الرجل ورجولته بموضوعية، كما ناقشت ازدواجية مواقف المرأة تجاه قضايا المرأة، وخاصة الموقف من المطلقة التي تعتبرها المرأة قبل غيرها من المجتمع أنها وباء ومرض معدي، يُخشى من انتشاره وعدم السيطرة عليه، وأوضحت أنَّ الطلاق من أقسى دروس الحياة التي تمر بها المطلقة في كل أنحاء الكون.
الرواية عبارة عن قصة سيدة مجهولة بدون اسم، بدأت براوية تجربتها بدءاً من طفولتها وصولا للطلاق، احتوت على عبارات تصلح لتكون ومضات تنير الطريق لكل من يبحث عن عيش الحياة بحب ومحبة والابتعاد عن الكره والحقد والبغض، ومنها:
في حديثها عن الطفولة: "لا تقلق، لم أفقد عذريتي في ذلك اليوم لقد فقدت طفولتي"
وفي حديثها عن الأب: "كم كان بعيداً في صغري من حيث وجداني، وكم صار وجودياً بين أفئدة كياني عندما كبرت.. عندما تطلقت".
وفي حديثها عن الأم: "وأحلام أمي بنا كانت تنفطر وتتبعثر شظاياها في حلم أخر بعيد كل البعد عنا، حلم الذكر، الولد، فمهما كثرت البنات وصَلُحن، فلن تعوضن وجود الولد".
وفي حديثها عن الرجل: "كيف يمكن لرجل أن يقتنع بغير ما نشأ عليه من تمحور حول ذاته فلا يكاد يرى الكون إلا من خلال ما يستطيع أن تنظر عيناه".
في حديثها عن لقمة الطعام: "في كل لقمة ندسها في فيه أبنائنا الذكور هناك استثمار نبغي منه وجودية أبدية ما. على عكس تلك اللقمة التي نضعها في فيه الإناث من بناتنا. فلقمة البنت إحسان وصدقة. نربيها لتكون هبة في يوم ما لرجل. أما الولد فنستثمر فيه ليكون امتدادنا عبر امرأة ما ستصبح جزءا من ممتلكاتنا".
وفي حديثها عن تجربة الطلاق: "يصبح الطلاق فجأة طلاقاً من المجتمع وليس من الرجل فقط".
وفي حديثها عن الأنثى: "كيف تتمتع الأنثى منا بقداسة تكون الجنة تحت أقدامها، وكيف تكون هي حطب النار والجحيم المستعر. بلحظات تمر الأنثى بهذه التقلبات وكأنها كائن يتم تحريكه وقلبه وفق أهواء المجتمع. مجتمع ذكوري تقوده أم".
وفي حديثها عن الواقع الفلسطيني: "كيف لك أن تظل متمسكاً بالحياة ولك من أسباب التخلص منها العديد والعديد. بينما تأخذ الآخرين للموت بأيديهم. كيف تملك كل هذه القدرة على إنهاء حياة الآخرين وتتمسك بحياتك؟ لما تأخذهم لموت جبان، ولا تأخذهم لتدريب على القتال مثلاً؟"
وفي النهاية أتمنى لكم قراءة ممتعة للراوية لتجدوا أن المرأة فيها شجرة زيتون وتملك سر الحياة.
(كاتبة وإعلامية فلسطينية ومدير عام راديو بيسان- رام الله)