«جَــدِّي مـن حـائـل، وجئتُ أبحثُ عن آثاره»
(الجميلات الثلاث، 289)
.
1 ــــ تحديدات وافتراضات أولية:
فوزية شويش السالم كاتبة كويتية معاصرة، تؤلِّفُ في أجناس أدبية مختلفة (المسرح، الشعر، الرواية)؛ ومن بداية التسعينيات إلى اليوم، أصدرت أكثر من خمسة عشر عملا إبداعيا، وما يُــقاربُ نصف هذه الأعمال هو في جنس الرواية. ولا تدعي هذه المحاولة الإحاطة بأعمالها الأدبية في مجموعها، لكنها تركز على رواياتها، وبالأخص روايتها التي صدرت سنة 2017 تحت عنوان: الجميلات الثلاث[1]، منطلقةً من افتراضين أساسين:
- الافتراض الأول، أنَّ الأدب الروائي العربي بدأ يشهد، منذ أواخر القرن السابق إلى اليوم، نشوءَ محكيٍّ نوعيٍّ نسمٍّــيه: محكيّ الانتساب العائلي[2]؛ وفي افتراضنا، تؤدي رواياتُ فوزية شويش السالم دورًا مهمّــــًا في بروز أسئلته وخصائصه التي تجعله متميِّــزًا عن أنواع المحكي السابقة[3]. وهكذا، فمن البدايات الأولى إلى النصف الثاني من القرن العشرين، تميزت الرواية العربية (وخاصة من خلال بعض نماذجها: قنديل أم هاشم للكاتب المصري يحيى حقي، موسم الهجرة إلى الشمال للكاتب السوداني الطيب صالح، الحي اللاتيني للكاتب اللبناني سهيل إدريس، في الطفولة للكاتب المغربي عبد المجيد بنجلون) بخصائص من أهمها: أولا، هذا الصراع بين عالمين: عالم عائلي أصلي وعالم عائلي جديد؛ وثانيا، هذه الذات الساردة/ الكاتبة التي تبقى منقسمة في الغالب بين عوالمها العائلية الأصلية (في القرية أو المدينة العربية) والعوالم العائلية الجديدة (في المدن الأوروبية الكبرى من مثل باريس ولندن)؛ وثالثا، هذا المجهود الذي تبذله الذات الساردة/ الكاتبة من أجل أن تجعل قارئها يستوعب الصعوبات التي يطرحها الانفصال عن العوالم العائلية الأصلية والانتماء إلى هذه العوالم العائلية الجديدة، الغريبة والمجهولة، العجيبة والمدهشة. لكنه ابتداءً من أواخر القرن العشرين إلى بدايات الألفية الجديدة، بدأ الأدب الروائي العربي يستبدل تلك الخصائص بأخرى مغايرة، منها بالأساس: أولا، لم تعد الذات الساردة/ الكاتبة تبحث عن استبدال عالمها العائلي الأصلي بعالم عائلي جديد؛ وثانيا، لم يعد الأمر يتعلق بذاتٍ تسعى إلى مواجهة عنصر من عناصر هذا العالم العائلي الأصليِّ، ولا بذاتٍ تبقى منقسمة بين هذين العالمين، بل نحن أمام ذاتٍ ساردةٍ/ كاتبةٍ تتأسس بطريقةٍ مغايرةٍ في محكيات الانتساب العائلي؛ وثالثا، نحن أمام ذاتٍ ساردةٍ/ كاتبةٍ تطرح مسائل جديدة: مسألة العودة إلى الأصول، والحفر عميقـًا في الماضي العائلي، ومساءلة الذات لإرثها الإشكالي، وإعادة بناء معناها للهوية .. وهناك بالتأكيد نصوص روائية عربية أخرى شاركت، من زوايا مختلفة وبأشكال سردية متنوعة، في تأسيس محكيٍّ بهذه الخصائص الجديدة (ومنها: حفريات في الذاكرة، من بعيد للكاتب المغربي محمد عابد الجابري؛ أشواق درعية: العودة إلى الحارة للكاتب المغربي محمد العمري؛ والد وما ولد للكاتب المغربي أحمد التوفيق؛ أطفال بورقيبة للكاتب التونسي حسن بن عثمان؛ جيرترود للكاتب المغربي حسن نجمي؛ ساق البامبو للكاتب الكويتي سعود السنعوسي؛ موت مختلف للكاتب المغربي محمد برادة).
- الافتراض الثاني، أن سؤالَ الهوية هو بلا شك سؤالٌ مركزيٌّ في أشكال المحكي السابقة كلها (الرواية؛ الأوتوبيوغرافيا؛ التخييل الذاتي)، لكننا نفترض أن هذا السؤالُ يُعالَـج في محكي الانتساب العائلي بطرائق مغايرة: من جهةٍ أولى، لأنه على عكس المحكي الأوتوبيوغرافي التقليدي الذي يتمركز حول الأنا، منطلقـــًا من ميلادها في اتجاه نضجها أو حتى شيخوختها، خاضعا للتتابع الكرونولوجي للأحداث والأنشطة المتعلقة بهذه الأنا، وفي الغالب تحت سيطرة ضمير المتكلم؛ فإننا نجد محكي الانتساب العائلي في رواية: الجميلات الثلاث يسائل المرجعيات والأصول، ويعود إلى ما قبل ميلاد الأنا، أي إلى الآباء والأجداد، وعيــــًا منه بأن الذات ليست كائنـًا مستقلا، وليست كائنـًا من دون محدِّدات، وأن دورَ المحكي هو أن يسائل هذه الذات من خلال العنصر العائلي الذي يؤسِّـسها، ومن خلال الأصول التي تكوِّنها، وأن يكشف كيف تقول هذه الذات هذه الحكاية العائلية، وكيفَ تسائل إرثها العائلي الإشكالي، وكيف تحلم فتكسِّـر أو تعيد بناء ما يربطها بهذه الحكاية/ التاريخ histoire / Histoire. ومن أجل ذلك كله، فهو محكيٌّ يتحرر من سلطة الضمير الواحد المهيمن، ومن هيمنة السارد الواحد الوحيد، خالقا نوعــًا من التناوب بين الضمائر (ضمير المتكلم، ضمير المخاطب، ضمير الغائب)؛ وهو لا ينطلق من الماضي في اتجاه الحاضر، كما في المحكي الأتوبيوغرافي التقليدي، بل إنه ينطلق من الحاضر في اتجاه ماضٍ أبعد من ذلك الذي تعود إليه الأوتوبيوغرافيات التقليدية، فــرواية: الجميلات الثلاث تنطلق من 2016 لتعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، متنقلة بين سنواتٍ شديدة الدلالة عبر ثلاثة قرون، مكسِّرةً تلك السردية الكرونولوجية التقليدية التي لا تسلط ما يكفي من الضوء على سنوات هي علاماتٌ قويةٌ على تحولاتٍ كبرى في تاريخ الشخصية كما في تاريخ العائلة .ـ. ومن جهةٍ ثانيةٍ، فإن محكيُّ الانتساب العائلي، كما يتأسس في رواية: الجميلات الثلاث، كما في رواياتٍ أخرى بلا شك، يبدو بـعـيـدًا عـن تـلـك الأنـــا التي تتـأسس من الأدبيِّ بطريقةٍ خالصة، والتي يمكن أن نسميها: أنا الأدب ’ego littérature L "، هذه التي غرق فيها ما يُـسمَّــى بــالتخييل الذاتي، ذلك لأن محكيَّ الانتساب العائلي لا يتبنى تلك الأنا التي يطغى التخييلُ في صنعها وإنتاجها، ولا يُلغي ما للأزمنة (من أواخر القرن التاسع عشر إلى بدايات الألفية الجديدة، كما أشرنا أعلاه)، وما للأمكنة وللأوطان (استانبول؛ حائل؛ الكويت؛ دمشق؛ البحرين؛ مصر) من تأثيرٍ في بناء الذات وتشكيل هويتها. وبعبارةٍ أخرى، فمحكي الانتساب العائلي يختلف عن التخييل الذاتي الذي يُحبُّ أن تسبحَ أناه في مياه التخييل، لأنه يُـفضِّــل أن يستخدم هذا التخييل باعتبار وظيفته في السؤالِ والتحليلِ والتوضيح[4]Fonction élucidante ، واعيــــًا بأن السؤالَ الإشكاليَّ الأساسَ هو: كيف للذاتِ أن تستردَّ ذاتَــها؟ ومن جهةٍ ثالثةٍ، وبالنظر إلى جنس الرواية، فإن محكي الانتساب العائلي يقترح أن نقرأه، في وقتٍ واحدٍ وبشكلٍ متزامنٍ، بوصفه أوتوبيوغرافيةً وبوصفه روايةً (ومن هنا التناوب بين مختلف الضمائر: المتكلم/ المخاطب/ الغائب؛ ومن هنا ذلك التقطيع المزدوج الذي تبنته رواية الجميلات الثلاث: تتوزع الرواية إلى عشر مجزوءاتٍ، ولكلِّ مجزوءةٍ عنوانٌ بأبعادٍ موضوعاتية؛ لكنها تتوزع كذلك إلى مقاطع ــــ أو لنقل إن أغلب مجزوءاتها تتألف من مقاطع، ويتصدر كلَّ مقطعٍ توثيقٌ زمانيٌّ ــــ مكانيٌّ، كما الأمر في أدب اليوميات والمذكرات: استانبول 1913؛ حائل 1920؛ الكويت 1968؛ حائل 1875؛ برج مشرفة 2016). وبعبارةٍ واحدةٍ، فإن سؤالَ الهُوية في محكي الانتساب العائلي مطروحٌ بطريقةٍ مغايرةٍ لِــمَــا كان مألوفا في أشكال المحكي السابقة، وذلك لأنه يعيدُ مقاربةَ هذا السؤالَ الإشكاليَّ ـــــــ الذي ظلَّ مركزيّــــًا في الأدب الروائي العربي ـــــــ من زاوية نظر مغايرة: أليس السردُ هو هذا البحث الدائم عن الأصل؟ ألا يبدو وكأن الرواية لا يكون ميلادها إلا من داخل متخيَّــلٍ عائليٍّ؟ ألا يبدو وكأن الروايةَ لا تُـعيد في كل مرةٍ إلا بناء أو ابتكار محكيِّ انتسابٍ عائليٍّ؟ أليست الرغبة في الانتساب العائلي هي ما يُـحَــرِّك فعلَ السرد ومحكــيَّــه؟ وهل الوجودُ ممكنٌ من دون نَسَبٍ عائليٍّ، أو من دون انتسابٍ إلى عائلةٍ ما؟ وهل الوجود ممكن من دون "رواية عائلية" تَسنِـدُ هذا الوجودَ نفسه؟ وكيف يمكن أن نتحمل الوجود من دون نَسَبٍ، من دون تخييلٍ عائلي، من دون هُـوية، من دون رواية؟
انطلاقـــًا من هذين الافتراضين، سنحاول أن نواصلَ استكشاف بعض خصائص محكي الانتساب العائلي، كما تتجسد في الرواية الأخيرة للكاتبة الكويتية فوزية شويش السالم: الجميلات الثلاث( 2017).
2 ـــــ مَــنْ أنا بالنسبة إلى نفسي؟ مَــنْ أنا بالنسبة إلى الآخرين؟
هذان سؤالان رئيسان في رواية: الجميلات الثلاث، بل إنهما محور المجزوءة الأولى من الرواية، وعنوانها: عصفورٌ يتخبَّــطُ في قفصها: فالساردة توناي عثمان كانت تظن أن الصورةَ التي تبنيها عن نفسها، وهي الطالبة التي التحقت قبل سنة بإحدى مدارس الكويت، هي نفسُها صورتُــها عند الآخرين: طالبة متفوقة، علاماتها ممتازة، وعلاقاتها مع مدرساتها يسودها الاحترام، وليست بطالبة مشاغبة أو ممن لهن مغامرات خارج بوابة المدرسة، لم تتشاجر طوال السنة مع أيٍّ كان في مدرستها، ولم تُستدعَ أبدًا إلى مكتب الناظرة أو الوكيلة أو المدرسات، بل إن لها دورًا متميِّـزًا في لوحات المشاركات الفنية لمسابقات وزارة التعليم. لكن سيحدث ما يجعلها تكتشف أنْ مِـن الممكن أن يكون هناك عدم التطابق بين هُـويتك بالنسبة إلى ذاتك وهُـويتك بالنسبة إلى الغير، وذلك عندما حدثَ ما لم يكن مُنتظَــرًا ولا متوقَّــعـــًا: "على الطالبة توناي عثمان التوجه إلى مكتب الناظرة في الحال."[5]؛ والسؤالُ الذي شغل الطالبة كما زميلاتها: ما الذي قد تكون فعلته الطالبة توناي لتُستدعَى إلى مكتب الناظرة الذي لا يُحبُّ أحدٌ أن يُستدعَى إليه؟
في مكتب الناظرة، ستكتشف الطالبة أن الأمر يتعلق بما تقرؤه من كتب، فقد استعارت ديوان الشاعر امرئ القيس منذ يومين من المكتبة، ووجدت نفسها أمام كلمة غامضة، فسألت عنها الأستاذة أبله لولوة التي لم تشرح لها معناها، بل أخذت منها الكتاب ووضعته في حقيبتها، إلى أن حدثَ استدعاؤها إلى مكتب الناظرة؛ وإذا كانت أمينة المكتبة أبله ميرفيت تشهد بأن "توناي قارئة ممتازة مثالٌ للطالبة المحبة للقراءة"[6]، فإن هذه الصورة التي تريدها الطالبة لنفسها ويشهد بها الآخرون، ليست بكافية بالنسبة إلى ناظرة المدرسة التي تَــعتَــبر هذا الشاعر داعرًا وقصيدَه فاحشــًا، وتُــقرِّر أنَّ مثل هذه الكتب هي التي تخرِّب مستقبل الطالبة. ولأن هذه الأخيرة حاولت أن توضح للناظرة أن الشاعر حاضرٌ في المقرر الدراسي، وأنها تحبُّ شعره، وأنه أفضل مَــنْ وَصف حركة الفرس في الشعر، وأنها هي الطالبة قد استوحتْ بعض لوحاتها الفنية المعلقة في قاعة الاحتفالات من وصف الشاعر للفرس، فإن الناظرة ستحول أسئلتها نحو هُـوية الطالبة العائلية والاجتماعية .. وهكذا، فإذا كانت الطالبة قد حاولت أن توضح أن الشاعر امرئ القيس هو مكون من مكونات هويتها الشخصية (قراءة شعره، استيحاء لوحات فنية من وصفه الشعري للفرس)، بل إنه جزء من الهُوية الثقافية الجماعية (حضوره في المقرر الذي وضعته المدرسة نفسها)، فإن الناظرة ستنقل أسئلتها الموجَّهة إلى الطالبة نحو ما يتصل بالآباء والأصول. ومن خلال هذه الأسئلة، ستكتشف الطالبة اليتيمة الأمِّ أنَّ هُـــويتها الشخصية والعائلية التي لا تشكِّل أيَّ مشكلةٍ بالنسبة إليها، هي بالذات ما تَعتبره الناظرة مشكلا كبيرًا: فزوجة أب هذه الطالبة لبنانية الأصل، وأبوها وإن كان كويتيّــــًا (ولنتأمل بشكلٍ جيِّدٍ سؤال الناظرة للطالبة: أنت متأكدة أبوك كويتي؟)، فإن أمَّــه تركية الأصل؛ بل إن اسم الساردة نفسه هو شيء يستدعي السؤال: " ـــــ لحظة توناي، شنو معنى اسمك؟ ـــــــ قمر الليل، ست حصة"[7] (توناي اسم غير عربي، وفوق ذلك له أبعاد شعرية ورومانسية!).
خرجت الطالبة من مكتب الناظرة "في حالة توهان وعدم استيعاب لما حدث"، صَدمَتها كل تلك الاتهامات التي خلخلت الإدراك وتركت الوعي مضطربا: لم تستوعب الطالبة كيف لكلمةٍ واحدةٍ في ديوانٍ شعريٍّ أن تؤدي إلى "كلِّ هذا التعصب والغضب، وتهيج الذعر بعقولهن. كلمة واحدة أرعبت الناظرة ووكيلتها ومدرسة اللغة العربية وأمينة المكتبة. هزت قلوبهن وأطقت الخوف من مكمنه. أحدثت خلخلة ورجة في كيان مسؤولية التعليم."[8]. لكن الشيء الأكيد أن أسئلة الناظرة واتهاماتها قد أحدثت زلزالا في إدراك الطالبة ووعيها، فبعد أن كانت مطمئنةً إلى اختياراتها في القراءة والدراسة، وبعد أن كانت في "رقادٍ هادئ" داخل بيتها العائلي، داخل هُــويتها الشخصية، أصبح داخلها الآن يغلي بطوفان من الأسئلة، والشيء الأكيد بعد هذا الحدث الضخم هو ما عبَّرَتْ عنه الطالبة الساردة بلسانها، موضحة أن شيئا ما في هُــويتها قد اضطرب وتزلزل، وأن تلك الهوية التي كانت تظنها متطابقة وموحَّدة ومنسجمة لم تعد هي نفسها بعد ما وقع في مكتب الناظرة: "أنا لن أكونَ أنا اليوم بعد هذا اليوم"[9].
وإجمالا، فإن ما نكتشفه مع الساردة/ الطالبة في هذه المجزوءة الأولى من الرواية أن هناك تعارضا بين هُــوية الفرد، كما تشكلت اجتماعيا وتاريخيا، أو كما يبنيها باختياراته الحرة، وهُــويته كما يريدها الآخرون، أو كما ترسمها المؤسسات التربوية والسوسيوثقافية: أي أن صورة الذات بالنسبة إلى ذاتها ليست هي بالضرورة صورة الذات بالنسبة إلى الآخرين، وأنَّ هذا إشكالٌ أساسٌ يظلُّ حاضرًا على طول الرواية، ولنتأمل هذا الحوار بين توناي عثمان ـــ التي كبرت ولم تعد مجرد طالبة ــــ وبين أحدهم، لنكتشف هذا التعارض بين صورة الآخرين وصورة الذات:
" ــــ تفضلي يا حفيدة جنكيز خان؛
ــــ لستُ بحفيدة جنكيز خان، جدي من حائل."[10]
ولكن أوجه هذا التعارض بين الصورتين تأتي أكثر وضوحـــًا في المجزوءة الأولى من الرواية، ومنها:
- أن صورة الطالبة توناي داخل بيتها العائلي هي صورة الفتاة الحرة، فهي وحدها تختار ما تقرأه، ولا أحد في البيت يمارس عليها الوصاية والرقابة؛ في حين أن الصورة التي تريدها الناظرة للطالبة داخل المدرسة الكويتية هي أشبه بصورة ذلك العصفور في مكتب الناظرة: "عصفورٌ محبوسٌ في مدرسةٍ وفي قفصٍ"[11]؛ وليس من دون دلالة أن يكون عنوان هذه المجزوءة الأولى بصورة هذا العصفور ذات الأبعاد الشعرية والرمزية: عصفورٌ يتخبَّط في قفصها، أي في قفص الناظرة والمدرسة: فبعد أن اكتشفت الطالبة توناي هذا التفاوت الكبير بين الصورة التي لها عن ذاتها والصورة التي تريدها لها المدرسة والناظرة، صارت أشبه بهذا العصفور الذي يتخبط داخل القفص.
- أن هناك تراثا أدبيا ثقافيا مشتركا (شعر امرئ القيس) تحبُّ الذاتُ أن تنتسب إليه، لأنه لابدَّ لكلِّ ذاتٍ من انتسابٍ عائليٍّ رمزيٍّ (أدبيٍّ وثقافيٍّ)، وهذا ما لا تتجاهله المؤسسات التربوية والسوسيو ثقافية (فامرؤ القيس حاضرٌ في الكتب المدرسية)؛ لكنَّ هناك تعارضا بين ما تريده الذات من هذا التراث المشترك ليكون مكونا من مكونات هويتها التي هي قيد التشكل، وما تريده المؤسسة التربوية من هذا التراث ليكون جزءًا من هوية تلك الذات؛ حتى إن امرئ القيس يتقدم بصورتين متعارضتين: هناك صورة الشاعر التي اكتشفتها الطالبة من خلال قراءاتها، وهذه بالنسبة إلى الناظرة هي صورة الشاعر الماجن الداعر الفاحش التي ترفضها المدرسة؛ وهناك صورة الشاعر كما هي في المقررات الدراسية: أبيات "تصف حصان وما فيها شيء يخجل .. ومقرركم العربي فيه مقتطفات محترمة من شعره غير الماجن."[12] والسؤالُ الذي يفرضُ نفسه هنا: ماذا عن انتسابنا العائليِّ الرمزيِّ؟ هل ننتسب ثقافيا إلى التراث نفسه؟ هل نملك الصورة نفسها عن ذلك الإرث الثقافيِّ الرمزيِّ الذي يُعتبَر جزءًا من هويتنا الجماعية المشتركة؟
- أن الطالبة توناي تنشأ في بيت عائلي هُــويته العائلية متعددة ومركَّبة، فزوجة الأب لبنانية الأصل، والأبُ كويتي لكن أمَّــه تركية الأصل؛ ولاشك في أن هذه الخصائص هي التي تقف وراء نشوء الطالبة في مناخ من الحرية والحق في الاختيار، بل إن ذلك ما يقف بلا شك وراء تفوق هذه الطالبة وتميزها، إلى حد أن مسؤولة بإدارة المدرسة تعتبرها طالبة مثالية. لكن المسؤولتين بالمدرسة (الناظرة والوكيلة) تنتميان إلى العائلات الكويتية الثرية المتمسكة بالأصول والتقاليد؛ والأبُ، في نظرهما، ليس بمن "يسمح لنا بكل ما نحبه ونريده"[13]؛ ولأن أبَ هذه الطالبة، العربي الأب والتركي الأمّ، يسمح لها بما تحب وتريد، فإن ذلك ـــــ في نظر الناظرة ــــ راجع بلا شك إلى "مصيبة الأعراق المختلطة "[14]، وهذا ما دعمته الوكيلة باستعارات توضح مخاطر اختلاط الأعراق: "أي والله ست حصة، عرق الجينات دساس .. يلبد تحت الجلد مليون سنة خبرة، لازم يبخ أثره في السلالات"[15]. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الهوية التي تريدها الذات لذاتها، وما الهوية التي يريدها الآخرون لها؟ أهي تلك الهوية الجامدة المنغلقة المحافظة المحبوسة داخل قفص المؤسسات السوسيوثقافية؟ أهي تلك الهوية التي تتأسس على التعصب وإلغاء الآخر، وتؤمن بنقاء الأعراق وصفائها بعيدًا عن أيِّ تفاعلٍ أو اختلاط؟ أم أنها الهويةُ المتحولة المنفتحة المتحررة التي ترى في اختلاط الأعراق والأجناس والثقافات ثروة مهمة ورهانٌ أساسٌ من أجل مواجهة المستقبل؟
- أن الكلمة/ القصيدة التي رأت فيها الناظرة شيئا داعرًا وفاحشا وماجنــًا هي نفسها التي سترى فيها الطالبة شيئا ذا خطورة يستحق من الآن الاهتمام، ولابد أن يحتل مكانة خاصة في حياتها: "سنواتُ عمري القادمة ستتغير .. سيكون للكلمة الدور الأول في حياتي، بل ستكون الكلمة لساني، وحال تعبيري بطريقي الذي سأسلكه في الكتابة"[16]. وبعبارةٍ أخرى، فبعد أن اكتشفت الساردة هذا التفاوت الكبير الموجود بين الصورة التي لذاتها عن ذاتها وصورة الآخرين عنها، فإنها اكتشفت أن الكلمة يمكن أن يكون لها دورٌ فعَّــالٌ في معالجة هذا التفاوت، وفي مقاربة سؤال الهُــوية. وبهذا المعنى، فالساردة/ الكاتبة تُدرِك أنَّ الكتابةَ قادرةٌ على تشييد هُــويةٍ مقبولةٍ قادرةٍ على ردم تلك الهوة الفاصلة بين صورة الذات عن ذاتها وصورة الآخرين عنها، وذلك إذا قام هذا التشييد على أساسٍ مما يسميه فيليب مالريو[17] بـــــ "جَدَل التحول/ المحافظة".
3 ـــ جدلُ التحول/ المحافظة:
3 ــــ 1 ـــــ من الجَدِّ الكبير (غطفان)، إلى الجدِّ الصغير (عبد القادر)، إلى الأب (عثمان)، وصولا إلى الأبناء والأحفاد (الجميلات الثلاث: الساردة وأختيها)، وعلى مساحة زمانية تمتد من النصف الثاني في القرن التاسع عشر إلى حدود 2016 من الألفية الجديدة (مع أخذ السياقات التاريخية والأحداث السياسية الكبرى بعين الاعتبار: أيام حُـكم العثمانيين؛ سقوط الإمبراطورية العثمانية؛ الحروب العالمية الكبرى؛ غزو العراق للكويت؛ تحرير الكويت)، وعبر أمكنةٍ متعددة ومتنوعة (وإن كان هنالك ما هو مشتركٌ، فإن لكل مكانٍ هُويته الجغرافية واللغوية والسوسيوثقافية والحضارية: من حائل بالسعودية إلى استانبول بتركيا، وصولا إلى الكويت، مرورًا بدمشق ومصر والسعودية والبحرين[18])، سنلاحظ أن هويةَ الشخصيات المركزية في رواية: الجميلات الثلاث تتميز بهذا الجدل بين التحول والمحافظة.
وهكذا، فالرواية تعود إلى الجدِّ الكبير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لأنه الشخصية العربية الأصيلة التي عرفت هُـويتها تحولا كبيرًا كانت له نتائجه على هويات الأبناء والأحفاد: هو غطفان بن عمير بن حارث الجبران، من أبناء حائل بالجزيرة العربية، "وريث فروسية والده"[19]، فقد "وُلِــد فارسا منذ طفولته. هيأته الطبيعة ومكنته من أدوات فروسيته. منحته بنية قوية وطولا باهيا لا يضاهيه أحد، ولا يقاس بمقياس أهله وعشيرته وخلانه."[20] وفوق ذلك، فقد تعلم الطب البيطري، بل صار طبيبا بارعا ومشهورًا، وهذا كان أحد الأسباب وراء التحول الذي ستعرفه هذه الشخصية في مستقبلها وحياتها وهُويتها:
"غطفان بن عمير بن حارث الجبران استُـدعيَ إلى اسطنبول عاصمة الخلافة بطلبٍ من السلطان عبد الحميد مرسل إلى حكومة ابن الرشيد في حائل، بعد أن رشحه كأفضل طبيب بيطري لديهم .. أخذ أولاده الصبيان: طلال وعساف وغازي وعبد القادر، وزوجته الأخيرة، وترك بناته مع أمهاتهن لحين عودته إليهن. لكنه لم يعد إلى حائل أبدًا. سيعيش في اسطنبول طبيبا لخيول السلطان، ومدرِّسا في المدرسة الحميدية للبيطرة عندما تفتح أبوابها. سيعمر ويتجاوز عمره المائة بأربع سنوات أخر. سيتزوج أكثر من مرة ويخلف بنينا وبناتٍ، ويموت ليدفنَ في أرض غير أرضه، كتركيٍّ أصيلٍ."[21].
وهكذا، فمع غطفان نكون أمام أول أو أكبر تحول في هوية سلالةٍ عربيةٍ أصليةٍ وأصيلةٍ، ذلك لأنه استبدلَ هويته العربية بهويةٍ تركيةٍ، لكن يمكن أن نعتبر نقله لهذا الإرث العربي الأصيل (الفروسية، الطب البيطري) نوعا من المحافظة على شيءٍ هو جزء أساسٌ من هويته الأصلية.
أبناء غطفان سيعودون إلى أرضهم الأصلية، باستثناء عبد القادر الذي سيعود هو الآخر، لكن متأخرًا عن باقي إخوانه؛ وهم جميعا إذ يعودون، فإنهم يمارسون لعبة التحول والمحافظة بطريقة معقدة، إلى حد أنه يمكننا أن نتساءل: ما الذي يتحول في الشخصية، وما الذي تحافظ عليه؟ والسؤال يهمُّ أساسًا ابن غطفان، أي عبد القادر، الذي تأخر كثيرًا في العودة: "عبد القادر أصغر ألأولاد، تعلم ودرس وعمل وتزوج هنا (في اسطنبول). لم يفكر في العودة بالرغم من عودة إخوته إلى جذورهم. وحده بقي مستقرًا إلى جانب والده الكبير، بات طاعنا في السن وتجاوز عمره مائة عام. لم يفكر بالعودة مرة أخرى إلى منبته، حتى بعد دفن رفاته في مقبرة اسطنبول كتركي المنبت والهوية"[22]؛ لكنه سيقرر العودة بعد أن "جاءه طلب من حاكم إمارة جبل شمر بالعودة إلى البلاد، خاصة بعد إزاحة عبد الحميد عن الحكم، وبداية ظهور تغيرات كبرى قادمة ستحل على الدولة العثمانية"[23] وانتظر سقوط الإمبراطورية العثمانية من أجل أن يُنجِز تحولا يعاكس التحول الذي أحدثه أبوه غطفان، وأن يقوم برحلةٍ معاكسة من اسطنبول في اتجاه حائل، أو بعبارة الرواية نفسها: "العودة إلى منبت الجذور"[24].
والسؤالُ يعني شخصية عبد القادر بالأساس، لأنه هو الذي سيعمل على تحقق التحول الثاني الأكثر أهمية في هويته الشخصية وفي تاريخ العائلة: هويته مزدوجة تركية/ عربية، لكنه انتصر للنصف الثاني عندما قرر العودة إلى أرض آبائه وأجداده العرب، ولم يكن قراره من دون تأثيراتٍ سلبيةٍ على وحدة العائلة بتركيا، ومن دون أن يثير نقاشا، وخاصة مع الزوجة التركية؛ لكنه وإن كان يعترف بأن اسطنبول هي نصف القلب، وأن حائل هي النصف الثاني، وأنه سيقسم الحياة بين النصفين، فيقضي الشتاء هناك والصيف هنا، فإنه كان قد اتخذ قراره النهائي عندما واجه زوجته التركية بالقول: "أنا لن أقطع شجرة النسب"[25].
وهذا القرار النهائي لا يعني شخصية عبد القادر فقط، وأهميته لا تتجلى في التحول الذي ستشهده حياته بعد العودة إلى أرض الآباء والأجداد فحسب، بل إنه يهمُّ بالأخص أبناءه، ومصيرهم ومستقبلهم، ومنهم عثمان: وهو أبُ الساردة الكاتبة توناي، وهو نفسه سارد بعض أجزاء الرواية. لنستمع إلى ما تقوله الزوجة التركية لزوجها العربي عبد القادر بن غطفان: "حياتك هنا وعملك كطبيب بيطري في القصر يعطيك معاشا كبيرًا، واستقرارًا مع العائلة، خاصة أن ابنك يوسف سيصبح ضابطا كبيرًا في جيش الدولة العثمانية، ونوربانو ستمنحك حفيدك الأول عن قريب .. شهاب وعثمان يجب أن يكملا الدراسة مثل أخيهم يوسف في الكلية الحربية ليضمنوا مستقبلا وحياة شريفة في اسطنبول المدينة العظيمة، ليس في صحاري العرب الفقيرة الجاهلة."[26]
وإذا كان واضحـــًا أن الزوجة التركية تميل إلى المحافظة وترفض التحول، فإن عبد القادر كان قد اتخذ قرار التحول، لكنه التحول الذي يريد أن يستعيد به جزءًا من هويته يريد أن يُحافظَ عليه، ويريد لأبنائه الذين ولدوا بتركيا ونشأوا فيها أن يستعيدوا تلك الهوية اللغوية الثقافية الأصلية، وأن يحافظوا عليها، فمصيرهم ــــ في نظره ــــ أشدُّ ارتباطا بهويتهم العربية الأصلية، وكلماته واضحة بخصوص هذا القرار: "نحن هنا أتراك وبذات الوقت نحن عربٌ لا نعرفُ عن عروبتنا شيئا .. الأولاد لا يتكلمون إلا التركية ولا يعرفون اللغة العربية. حتى أنا لا أجيد التكلم بها مثل باقي أشقائي في حائل. يجب العودة لنتعلم عربية الجدود (...) صحاري فيها بيت الله، وأصول العائلة وبيت والدنا وجدنا وجد جدنا الأكبر والإخوة والأخوات والأعمام والعمات، وشجرة نسب الأسلاف بأصولها وفروعها ومصير أولادنا مربوطٌ بها."[27].
وبالنظر إلى لعبة التحول والمحافظة هاته، لابد أن نقف قليلا عند ابن عبد القادر، أي شخصية عثمان: فهو مثل أبيه، ففي سن الثامنة، ستشهد حياة كلِّ واحدٍ منهما تحولا كبيرًا، لكن إذا كان أبوه ــــ في تلك السن ــــ قد غادر حائل في اتجاه اسطنبول، فهو سيغادر اسطنبول ـــ في السنِّ نفسها ـــ في اتجاه حائل. ولا يمكن أن نكوِّنَ فكرة واضحة عن حياته وهويته إذا لم نأخذ بعين الاعتبار لعبة التحول والمحافظة: فهو تركيُّ الولادة، وسعوديُّ الأصل والمنشأ، لكن الشيء الجديد أنه سيختار الاستقرار بالكويت في عشرينيات القرن العشرين، وسيحصل على الجنسية الكويتية.
وإجمالا، فهذا الجدل بين التحول والمحافظة سيبقى حاضرًا عند بنات عثمان، الجميلات الثلاث، وخاصة عند ابنته توناي، الساردة الكاتبة التي ستقرر لاحقا الكتابة والبحث في هذا الإرث الإشكالي الذي تتألف منه هويتها الشخصية والعائلية؛ وشخصيتها نفسها، وهويتها ذاتها، لن تسلم من هذا الجدل بين التحول والمحافظة، خاصة بعد أن قررت، وهي الكويتية الجنسية، أن تعود إلى أرض حائل، وأن تحفر عميقا بحثا في الأصول والأجداد.
3 ــــ 2 ـــــــ أمام هذا الجدل بين التحول والمحافظة، نكون إما أمام هويةٍ تشكلت، لكنها تتحول بفعل هوية أخرى: فالجد غطفان تشكلت هويته الأولى (العربية) في حائل، لكن هوية أخرى (التركية) ستحلُّ محلَّها، أو على الأقل ستتشكل فوق تلك الهوية الأصلية؛ وإما أمام هوية في طريق التكون والتشكل، لكن هوية أخرى هي التي تستكمل بناءها (عبد القادر في سن الثامنة يغادر حائل مع أبيه في اتجاه اسطنبول/ عثمان في سن الثامنة يغادر اسطنبول في اتجاه حائل). والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي تحافظ عليه الشخصية من الهوية الأولى إذا تبنَّــت الثانية؟ وهل التحول إنكارٌ أم اعتراف؟
بالنظر إلى الجد الكبير، غطفان، فقد تبنى الهوية التركية، ولم يحتفظ إلا بعنصر واحد يرتبط بالشخصية العربية (الفروسية، طب البيطرة)، لكن يمكن أن نفهم ما حصل معه من تحولٍ على أنه مؤسَّسٌ على الإنكار، إنكار الهوية الأصلية الأولى. والعكسُ تماما هو ما سيحدث مع ابنه عبد القادر، فعلى الرغم من استقراره لمدة طويلة بتركيا إلى أن أصبح من الأتراك، إلا أنه في النهاية سيقرر العودة إلى حائل، معترِفًا بهويته العربية الأصلية التي غيَّــبها أبوه، وممارِســًا الإنكار تجاه هويته التركية الجديدة التي كانت لها الأفضلية عند والده. لكن الشخصية الأكثر لفتا للنظر بخصوص لعبة الاعتراف/ الإنكار التي يتأسس عليها جدل التحول/ المحافظة هي شخصية عثمان، فهي تتقدم في صورتين على الأقل:
- شخصية عجيبة ومدهشة، يبدو كأنها تخلق نوعا من التوازن بين كل روافد هويتها، وتحتفظ لكل هوية من هوياتها بعنصر يرمز إليها، بطريقةٍ حيَّرت الساردة الكاتبة، ابنته توناي: "الكويت هي حياته الحقيقية وموطنه. حيرتني كلمة موطنه. ما هو موطنه الحقيقي في تعدد البلاد وهوياتها ولغاتها؟ أيهما كان موطنه الأصلي فيها؟ هل أراهن على حائل كمقياس لمواطنته .. حيث عاش ومات بلسان لهجتها؟ لم يتحدث باللهجة الكويتية، على رغم أنها كانت موطن إقامته الأطول عمرًا، واحتفظ بلهجته الحائلية حتى آخر نفس في حياته. أم هل رهاني سيكون على اسطنبول .. المغروسة في قلبه مثل زهرة العمر الجميل .. وكانت آخر ما طلب قبل وفاته (...) ماذا سأستخلص من قراره وتفضيله الموت على أرض الكويت ورفضه الخروج منها عندما غزاها صدام حسين (...) حيرتني هويته وانتماؤه في حياته ومماته .. أيهما أنت يا أبي؟ هل أنت التركي المتشبعة روحه بالحضارة العثمانية (...) أم أنت البدوي المقاتل بشراسة (...) وكم في المائة من تكوينك يكمن المدنيُّ التاجر ابن المدينة؟"[28].
- شخصية غريبة ومقلقة تتنقل بين شخصيات متناقضة، تقبل الشيءَ بشخصيةٍ معينةٍ، وهو الشيء نفسه الذي ترفضه عند انتقالها إلى شخصية من شخصياتها الأخرى. وما يوضح هذا الأمر هو ما وقع لشخصية عثمان مع ابنته توناي: بشخصيته التركية شجعها على الرسم وفنون التشكيل، لكنها لما قررت السفر إلى إيطاليا من أجل متابعة دراساتها العليا في الموطن الأصلي للفنون، أيقظ شخصيته السعودية الحائلية، رافضا ما اقترحته ابنته التي تعبِّر عن ذلك، فتقول: "والدي التركي هو من أحضر مدرس الرسم " التاي " ليعلمني أصول ومقومات الفنون التشكيلية. الشخصية التركية فيه شعرت وأدركت موهبتي في الرسم، وأحضرت مدرِّسا تركيا ليعلمني أصوله. شخصية كانت فخورة برسوماتي الخاصة بالمناسبات الوطنية أو الدعائية التي تعلق بالشارع أو في المعارض المدرسية. وشخصية التركي هذي أيضا خصصت لي غرفة على سطح المنزل لتكون مرسما لي (...) وظهرتْ شخصية والدي الحائلي السعودي، وأطلت برأسها وفرضت شخصيتها على شخصية التركي. حينما أنهيت دراستي الثانوية بتفوق، ونلت بعثة لدراسة الفنون الجميلة في إيطاليا .. بزغت واستأسدت شخصية السعودي المحافظ ورفضت البعثة والسفر لتعلم الفن في الخارج (...) شخصية والدي السعودي غيرت مصير حياتي.."[29].
وبعبارةٍ واحدةٍ، فإن هوية الشخصيات في رواية: الجميلات الثلاث لم تكن أبدًا مستقرة بشكلٍ نهائيٍّ، ويحكمها باستمرار جدل التحول/ المحافظة، وهو جدلٌ مؤسَّسٌ على لعبة الاعتراف/ الإنكار؛ وبعبارةٍ أخرى، فالهُوية هي دوما في تحولٍ وصيرورة، مُــرَكَّـبَـة ومتعددة، متحولة ومحافظة، معترفة وناكرة، لكنها ليست أبدًا مستقرة وجامدة، فهي تخضع لتأثيراتٍ متعددةٍ، وهذا ما يفسِّر كيف تتطابق بعض الشخصيات (الأب عثمان) مع أشياء قديمة (نزعة المحافظة في الشخصية السعودية)، وكيف تتطابق في الوقت نفسه مع أشياء جديدة (نزعة الانفتاح في شخصيته التركية)، وكأن ما يميز الشخصية هو هذا التوتر بين القديم والجديد، وهذا الجدل بين التحول والمحافظة.
4 ــــ رحلة البحث في الأصول والجذور:
ليس من دون دلالةٍ أن تُفتتَحَ رواية: الجميلات الثلاث وأن تُختتَم بهذين العنصرين: في الافتتاح، هناك صدمةٌ نفسيةٌ أصابت شخصية توناي عندما كانت طالبةً بالمدرسة الكويتية خلال سبعينيات القرن العشرين، جعلتها تكتشف غيابَ الوحدة والانسجام في كينونتها وهويتها بعدَ أن ذكَّرَتها ناظرةُ المدرسة بأصولها العائلية المختلطة غير الصافية؛ وفي الاختتام، هناك صدمةُ غزو الكويت من قبل صدام حسين، وهي الصدمة التي كانت وراء قرار الكاتبة توناي ـــــ وهي الساردة المركزية في هذه الرواية ـــــــ القيام برحلةٍ إلى أرض حائل، وخاصة بعد أن توفي أبوها السعودي الأصل الذي رفض مغادرة الكويت بعد أن تعرضت للغزو، وكأيِّ كويتي كان جازما في أمر البقاء .. وذلك كله كان وراء حيرة ابنته توناي إزاء هوية أبيها ومعناه هو للهوية، فقررت القيام برحلة إلى حائل، رحلةُ بحثٍ في هذا الإرث الإشكالي، رحلةُ بحثٍ عن حقيقة هويتها، رحلةُ بحثٍ في الأصول والجذور: "جدي من حائل، وجئتُ أبحثُ عن آثاره"[30].
من الكويت، انطلقت الساردة الكاتبة، توناي، في رحلة بحثٍ وتحقيقٍ في اتجاه أرض الآباء والأجداد، حائل: "توناي، وهي أنا الآتية وحدي من الكويت لأبحث عن بيت جد والدي، وبيت جدي وآثار جذوري.. النابتة والنابعة والممتدة من هنا حتى الكويت.. تتبعت آثار خطواتهم ووجودهم في كل الأمكنة التي ذكرها أبي وسردها لي."[31] وهكذا، فالبحث في الهوية يتقدَّم مجسَّــداً من خلال هذه الرحلة "الواقعية" التي أنجزتها شخصية توناي بالتنقل إلى حائل حيث الآباء والأجداد الأولون، لكنه يتقدَّم كذلك مجسَّدًا من خلال رحلةٍ "تخييليةٍ" تعتمد على ما كان يسرده الأب لابنته. وفي الرحلتين معـــًا، هناك هذا البحثُ في هوية الآباء والأجداد (من الجد الكبير إلى الأب مرورًا بالجد الصغير)، وهو بحثٌ يتجسَّد من خلال السير داخل متاهةٍ زمانيةٍ (تمتد من القرن 19، إلى القرن 20، لتصل إلى القرن 21)، وداخل متاهةٍ مكانيةٍ (حائل؛ الكويت؛ اسطنبول؛ دمشق؛ القاهرة؛ المدينة المنورة؛ البحرين)، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار شيئين أساسين: الأول، تلك الاختيارات الصعبة التي كان على كل شخصية من تلك الشخصيات السابقة أن تتخذها (كيف اختار الجد الكبير الاستقرار نهائيا باسطنبول؛ وكيف اختار الجد الأصغر عبد القادر العودة نهائيا إلى حائل، وكيف اختار الأب عثمان الاستقرار نهائيا بالكويت.) والثاني، تلك الطرائق التي واجهت بها كل شخصية تلك التحديات التي واجهتها في حياتها الشخصية والعائلية (كيف واجه الجد الأصغر عبد القادر زوجته التركية وأهلها بعد أن قرر العودة إلى بلاده العربية؛ وكيف اختار الأب عثمان البقاء بالكويت بعد غزوها على الرغم من امتلاكه إمكانية الانتقال إلى بلده الأصل).
وبصفةٍ عامةٍ، فالرحلة التي قامت بها الساردة/ الكاتبة إلى حائل كانت اختيارًا ضروريا أيضا، بعد أن اقتنعتْ بأن الهُوية ليست شيئا مسلَّــمـــًا به، بل إنها سؤالٌ إشكاليٌّ يفرض نوعا من العمل والاشتغال، ونوعا من البحث والاستكشاف. ومن هنا نفترض أن سؤالَ الهُــوية في محكيِّ الانتساب العائلي يأتي مؤطَّرًا داخل محكيِّ البحث والاستكشاف.
والشيءُ الأساسُ الذي خلصت إليه رحلةُ البحث هاته هو أن العودة إلى الأصول والجذور شيءٌ ضروريٌّ، ذلك لأن مَــنْ لا أصلَ له لا حكايةَ له، وليس من دون دلالةٍ أن تنتهي الرواية بهذه الكلمات: "آه.. يا أبي .. كم أحببتُ بلادك هذي المسماة حائل. تلك الكمأة السوداء النادرة الغالية"[32]. لكن ها هنا لابد من توضيح: فأن تعود الساردة/ الكاتبة إلى أرض الآباء والأجداد، وأن تحتفي بأصولها وجذورها، ليس معناه أنها تنزع إلى المحافظة والانغلاق داخل هويتها العربية الأصلية، بل الأصح أنها تدعونا إلى أن نتبنى جدل المحافظة والتحول عندما يتعلق الأمر ببناء الهوية وإعادة تركيبها، وتدعونا إلى أن ندرك أن الأمر يتعلق بإرثٍ عائليٍّ إشكاليٍّ يستدعي أن تمارسَ الذاتُ، وهي تستردُّ ذاتَــها، التركيب وإعادةَ التركيب: هناك الأصول (العربية) التي لابد من استعادتها، لكن هناك هذه التحولات والتأثيرات الكبرى (التركية والكويتية) التي لا يمكن إنكارها وتغييبها، ذلك لأن الغيرية عنصرٌ أساسٌ في بناء الهوية: فالساردة/ الكاتبة هي سعودية الأصل، لكنها تركية وكويتية أيضا؛ وفوق ذلك، فالأمر لا يتعلق بالانتساب العائلي بحصر المعنى (الانتماء الجغرافي والعرقي والبيولوجي)، بل إنه يتعلق بذلك الانتساب العائلي الرمزي الذي يتقدم في صورتين: الأولى في صورة ذلك الانتساب اللغوي والثقافي والحضاري المتعدد (اللهجة السعودية واللهجة الكويتية واللغة التركية كلها حاضرة إلى هذا الحد أو ذاك داخل الرواية[33]؛ وتأثيرات الثقافة التركية أو الثقافة الكويتية حاضرة أيضا)؛ والصورة الثانية تتجلى في ذلك الذي يسميه الناقد الفرنسي المعاصر دومينيك فيار بـــالانتساب العائلي الأدبي[34] عند الساردة توناي، الفنانة الرسامة الكاتبة التي لابد أن نلاحظ كيف كانت تستحضر أسماء كُــتَّــابٍ من الآداب الغربية (دوستويفسكي، شكسبير، فولكنر)، وكيف كانت هي الصبية المولعة بالقراءة تتقمص شخصيات الروايات الغربية (شخصية راسكولينكوف عند دوستويفسكي)، وكيف كانت تنتسب إلى عائلات هذه الشخصيات التخييلية: "لا أدري ما الذي جمعني بعائلة الإخوة كرامازوف، وورطني بعلاقات الخير والشر معهم، والحب والكراهية، والكفر والإيمان، والعنف والتسلط والهذيانات المريرة"[35] وكيف كانت تشبِّه عائلتها بعائلة الملك لير عند شكسبير: "لا {ري لماذا أربط دائما بين بنات الملك لير وبيننا؟ أقصد أنا وأختيَّ والملك لير والدنا"[36].
5 ـــــ خلاصاتٌ أولية:
انطلاقا مما تقدم، يمكن أن نخلص إلى خلاصتين مركزيتين:
- أن الكتابةُ عند الساردة كما عند الكاتبة في رواية: الجميلات الثلاث هي تلك التي تثير سؤال الهوية في علاقته بهذا الإرث الإشكالي؛ وهي من خلال ذلك تطرح مسألةَ رئيسة نسميها بـــ: مسألة توصيلِ الموروثِ وتبليغِــه إلى الأجيالِ الجديدة، وإلا لماذا تستردُّ الذاتُ ذاتها، ولأيِّ غايةٍ تفعلُ ذلك؟ والأمر لا يعني هذه الرواية فحسب، لأنه من الممكن أن نتساءل: ألا تبدو نصوص فوزية شويش السالم الروائية (وقد تحدثنا أعلاه عن روايتها: حجر على حجر) وكأنها تحاول "إنقاذَ" ماضٍ ما، موروثٍ ما، وإيصالَــه إلى الأبناءِ والأجيالِ الجديدة؟ ألا يعني ذلك أن هذه النصوصَ تستجيبُ لضرورةٍ حيويةٍ وملحاحة؟ ألا يبدو وكأن السؤالَ الإشكاليَّ هو: كيف نُـعيدُ تركيبَ ذلك الماضي، كيف نُـعيد تأويلَ ذلك الموروث، بالطريقة التي تُدرَكُ بها الأهميةُ الرمزيةُ لِـمَا يُنـقَــلُ ويُــعطى، أي الأهميةُ الرمزيةُ لهذه الأشياءِ التي لابد أن تبقى حيَّـــةً، بعبورها من يدٍ إلى يدٍ، من أبٍ إلى ابن، من جيلٍ إلى جيل؟
- أن يكون محكيُّ الانتساب العائلي، في رواية: الجميلات الثلاث، مكرَّسًا للوجوه العائلية، والأبوية بالأساس[37]، وأن يعود إلى طرح مسألةِ الهُــويةِ والأصلِ والانتساب، فإن ذلك لا يعني محافظةً أو انغلاقـــًا أو تراجعـــًا أو ارتدادًا، ذلك لأن الكتابةَ تُدرَك هنا ــــ عند الساردة كما عند الكاتبة ــــ بوصفها مبدءًا أساسا في بناء هويةٍ موحدةٍ ومنسجمة، لكنها الوحدة المؤسَّسة على إرثٍ إشكاليٍّ يتألف من مكوناتٍ متعددة ومتنوعة: مكانية وزمانية، لغوية وأدبية، وثقافية وحضارية، ويقوم على أساسٍ من قيم التعدد والتنوع والاختلاف لا قيم الانغلاق والتطابق والإقصاء والإلغاء .. وبعبارةٍ أخرى، فالكتابة عندما تتبنى محكي الانتساب العائلي، بهذا المعنى، فذلك لأنها في العمق تريد أن تتقدَّمَ كأنها نوعٌ من التغريب[38] Défamiliarisation، أي أنها هي هذا السؤالُ الإشكاليُّ، وهي هذا العبورُ النقديُّ لكل الخطاباتِ والمعتقداتِ والموروثاتِ الفرديةِ والجماعيةِ المشتركة، وهي هذا الإنصاتُ إلى ذلك الشيءِ غيرِ المسموع (الأصول التركية)، وهي هذا الإصغاء إلى تلك القطعةِ المفقودةِ أو المغَــيَّــبةِ (حائل)، وهي هذا الخروج من العائليِّ المألوف في اتجاه تلك الغرابةِ المقلقةِ في هذا الإرث العائلي الإشكالي (وخاصة تلك التركيبة الغريبة في هوية الأب عثمان): أن نكتبَ يعني أن نُـعيدَ تركيبَ كلَّ تلك الأصول والتحولات والتأثيرات المتعددة والمتنوعة من أجل أن نُــولَــدَ من جديدٍ، من أجل أن ننطلقَ من جديدٍ، ذلك لأن الكتابةَ، في أقصى عنفها التحليليِّ، تريد أن تواجهَ قيم الانغلاق والإقصاء والإلغاء، وأن تحتفي بقيم التعدد والانفتاح والاختلاف، وأن تَعتبر الآخر عنصرًا جوهريا في بناء هُـوية الذات.
أكاديمي، ناقد ومترجم/ المغرب
الـمـصادر والـمراجع:
1 ــ العربية:
- السالم، فوزية شويش:
- الجميلات الثلاث، دار العين، القاهرة، 2017.
- سلالم النهار، دار العين، القاهرة، 2012.
- حجر على حجر، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 2003.
- المودن، حسن:
- " محكي الانتساب العائلي في الكتابة الروائية المعاصرة، رواية: سلالم النهار نموذجا "، ضمن مؤلَّـفٍ جماعي بعنوان: الأدب الكويتي الحديث بأقلام مغربية، إعداد: عبد الرحيم العلام، منشورات مؤسسة منتدى أصيلة، المغرب، ص87 ـــــ 96.
2 ـــ الفرنسية:
- Barraband, Mathilde : « Héritage et exemplarité dans : Demain je meurs : L’œuvre de dé- familiarisation de Christian Prigent », Etudes françaises, Vol.45, N3, 2009.
- Malrieu, Phillipe : « Genèse des conduites d’identité », in : Identité individuelle et personnalisation, Sous direction de : Pierre Tap, Privat, Toulouse, 1986.
- Viart, Dominique :
- Filiations littéraires, in : Jan Baetens et Dominique Viart(sous direction) : Etats du roman contemporain, Ecritures contemporaines2, Lettres modernes Minard, Paris, 1999, pp 115 - 139.
- « L’archéologie de soi dans la littérature française », in : Vies en récit, Formes littéraires et médiatiques de la biographie et de l’autobiographie, éd. Nota Bene, Québec, 2007 p 107 – 137.
[1] ــــ فوزية شويش السالم: الجميلات الثلاث، دار العين للنشر، القاهرة، 2017.
[2] ـــ محكي الانتساب العائلي مصطلح ابتكره دومينيك فيار سنة 1996 في مداخلة شارك بها في ملتقى حول: " وضعيات الرواية المعاصرة "(6
ــ 13 يوليوز 1996)، ونشرت هذه المداخلة في شكل نص تحت عنوان: " انتسابات أدبية " في كتاب جماعي: Dominique Viart : Filiations littéraires, in : Jan Baetens et Dominique Viart(direction) : Etats du roman contemporain, Ecritures contemporaines2, Lettres modernes Minard, Paris, 1999, pp 115 - 139. ومحكي الانتساب العائلي شكل أدبي جديد ازدهر في الرواية الفرنسية منذ الثمانينيات، وهو قد أتى ليحلّ محلّ الأشكال الكرونولوجية للأتوبيوغرافيا والتخييل الذاتي، وليتقدم في شكل بحث أركيولوجي في أنساب الذات، من أجل استكشاف الماضي العائلي، ومن أجل بناء معرفة بالذات انطلاقا من الوجوه العائلية: الآباء والأجداد..
[3] ـــ وضحنا بعض خصائص هذا المحكي في دراسةٍ سابقةٍ للرواية ما قبل الأخيرة عند فوزية شويش السالم؛ يُـنظر: حسن المودن: " محكي الانتساب العائلي في الكتابة الروائية المعاصرة، رواية: سلالم النهار نموذجا "، ضمن مؤلَّـفٍ جماعي بعنوان: الأدب الكويتي الحديث بأقلام مغربية، إعداد: عبد الرحيم العلام، منشورات مؤسسة منتدى أصيلة، المغرب، ص87 ـــــ 96.
[4] ـــ يُـنظر: Dominique Viart : « L’archéologie de soi dans la littérature française », in : Vies en
récit, Formes littéraires et médiatiques de la biographie et de l’autobiographie, ed. Nota Bene, Québec, 2007 p 107 – 137.
[5] ــــ فوزية شويش السالم: الجميلات الثلاث، ص8.
[6] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 24.
[7] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص27.
[8] ـــ نفسه، ص 28.
[9] ــــ نفسه، ص 29.
[10] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 289.
[11] ـــ نفسه، ص 18.
[12] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 25.
[13] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 26.
[14] ـــ نفسه، ص 27.
[15] ـــ نفسه.
[16] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 30.
[17] - Philippe Malrieu : « Genèse des conduites d’identité », in : Identité individuelle et personnalisation, Sous direction de : Pierre Tap, Privat, Toulouse, 1986, p 41.
[18] ــــ الملاحَظ أن لتعدد الأمكنة والأزمنة حضورًا لافتا في روايات فوزية شويش السالم، وقد يكفي أن نستحضر روايتها الصادرة سنة 2003: حجر على حجر التي تغطي أحداثها خمسمائة سنة، وتتنقل شخصياتها بين أمكنةٍ عديدةٍ،أهمها الأندلس وأرض اليمن..
[19] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 282.
[20] ــــ فوزية شويش السالم نفسه، ص 279.
[21] ـــ نفسه، ص 285.
[22] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 44.
[23] ـــ نفسه، ص 45.
[24] ـــ نفسه، ص60.
[25] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص50.
[26] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 49.
[27] ـــ نفسه، ص 49 ــــ 50.
[28] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 256 ــــ 258.
[29] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 135.
[30] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص289.
[31] ـــ نفسه، ص 319.
[32] ــــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 324.
[33] ـــ مسألة اللغة مطروحة بقوة في هذه الرواية، إدراكا منها بالعلاقات المعقدة بين سؤال اللغة وسؤال الهوية: هناك مجزوءة مستقلة في الرواية بعنوان: موت اللغة.. وإشاراتٌ عديدة تطرح مسألة اللغة، فالجد الصغير عبد القادر قرر العودة إلى بلاد العرب لأن أبناءه يتكلمون التركية فقط، وهو نفسه لم يعد يتحدث بالعربية؛ والأب عثمان على الرغم من استقراره النهائي مع عائلته بالكويت، فلم يكن يتكلم لا اللهجة الكويتية ولا اللغة التركية، بل لهجة حائل...
[34] - Dominique Viart : Filiations littéraires, in : écritures contemporaines2, lettres modernes Minard, Paris – Caen,1999.
[35] ـــ فوزية شويش السالم: نفسه، ص 126.
[36] ـــ نفسه، ص 229.
[37] ـــ الساردة توناي يتيمة الأمِّ، وسؤال الأمِّ تطرحه هذه الساردة بطريقةٍ لافتة، لكن علاقتها، هي وأختاها، بالأب شديدة ووثيقة أيضا. وفي الأحوال كلها، فالاحتفاء بالآباء والأجداد هو شيءٌ لافتٌ عند فوزية شويش السالم، وكأننا أمام خصائص جديدة في الرواية النسائية العربية..
[38] - Mathilde Barraband : « Héritage et exemplarité dans : Demain je meurs : L’œuvre de dé- familiarisation de Christian Prigent », Etudes françaises, Vol.45, N3, 2009, p58.