تواصل (الكلمة) مشروعها في ترقيم المجلات الأدبية ووضعها ضمن "أسلاف الكلمة: الأرشيف الرقمي للمجلات العربية"، وهي إذ تزف إلى قرائها نبأ وضع ثلاث مجلات مغربية جديدة على موقعها، تبلغهم بأنها تعاني من لصوص الأنترنت، الذين يسطون على أرشيفها، وتهيب بهم أن يعربوا لهؤلاء اللصوص عن استهجانهم لتلك الممارسات المنحطة، حفاظا على مصداقية الفضاء الألكتروني، وحماية لمجلتهم التي اكتسبت بالجهد والجدية ثقتهم.

افتتاحية: الأرشيف الرقمي للمجلات ولصوص الإنترنت

صبري حافظ

سعت (الكلمة) منذ البداية ـ كما ذكرنا في افتتاحيتها الأولى، وكررنا بعد ذلك أكثر من مرة ـ إلى أن تجلب إلى الفضاء الالكتروني منظومة القيم الأدبية والأخلاقية التي رسختها مسيرة الثقافة العربية عبر تاريخها الحديث، وأرادت بذلك الارتقاء بهذا الفضاء الجديد، والارتفاع به إلى مستوى النشر الورقي، وتحويله إلى ساحة للجدل الثقافي والفكري الحر، وتحريره من الغثاثة والركاكة واعتباطية الهواة والمبتدئين، كما هو الحال بالنسبة للغات والثقافات الأخرى التي سبقتنا لاستخدام هذا الفضاء. وكررت (الكلمة) أكثر من مرة، أنها ليست موقعا تتراكم فيه المواد كيفما اتفق، وليست مدونة، أو ساحة لقاء مفتوحة للهواة والمبتدئين، ولكنها مجلة أدبية فكرية شهرية تجلب ميراث المجلة الأدبية الفكرية الطويل، وخبراته العريقة التي راكمها عبر العديد من المجلات الورقية إلى الفضاء الرقمي الجديد. وتأتي له بمعايير الاحتراف العالية التي توفرت للثقافة العربية عبر مسيرتها الطويلة مع المجلة الأدبية منذ (روضة المدارس) لرفاعة رافع الطهطاوي وحتى مجلتي (الآداب) البيروتية و(الكرمل) الفلسطينية. وتطرح هذا كله في فضاء الشبكة الأليكترونية مستفيدة مما توفره هذه الشبكة من إمكانيات واسعة تمكنها من عبور الحدود الجغرافية والسياسية والرقابية على السواء. كما أنها مجلة لها ـ كغيرها من المجلات التي سبقتها ـ سياستها التحريرية وأجندتها الفكرية التي تطمح إلى تحقيق استقلال الكلمة، وتحريرالفكر العقلي النقدي من التبعية بشتى أشكالها، والاحتفاء بحراس الكلمة الحرة الأمينة الصادقة، والنأي بمشروعها كله عن لغط كلاب الحراسة وتخليطهم.

وأخذت (الكلمة) مشروعها بجدية من البداية، وحرصت على أن توفر له كل إمكانيات النجاح، احتراما منها لنفسها ولعهدها مع قارئها. كما حرصت تكريسا منها لهذا الاحترام على أن تصدر في موعدها بانتظام، وهو اليوم الأول من كل شهر، في الوقت الذي تتعثر فيه كثير من المجلات التي يتوفر لها دعم دول ومؤسسات ضخمة، ولا تحترم موعدها الذي ضربته بنفسها مع القارئ. وقد استطاعت المجلة الوفاء بمواعيدها بانتظام منذ صدورها، وحتى الآن، كما استطاعت أن تكسب ثقة القراء وأن تكون جديرة بإخلاصهم لها. فقد استمر ارتفاع عدد قرائها باطراد منذ عددها الأول وحتى عددها الأخير، ولم نصدر عددا إلا وازداد به عدد القراء عما كان عليه في العدد السابق عليه، حتى اقترب عدد زوار موقعها في الشهر من نصف المليون، وهو رقم غير مسبوق بالنسبة لمجلة أدبية ثقافية من العيار الثقيل. فقد كشفت (الكلمة) عن أن قارئ الأدب والفكر الجاد بخير، وأنه يسعى إلى الكلمة الحرة المستقلة، ويلتف حولها، وأن مناخ التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وما نتج عنه من ارتفاع نسبة البطالة بين شباب المتعلمين، وانخفاض دخولهم، هو الذي أدى إلى عجز شريحة واسعة من القراء عن شراء المنتج الثقافي الجاد. فما أن وفرت لهم (الكلمة) هذا المنتج بالمجان على شبكة المعلومات، حتى اندفعوا إليه يقرأونه ويحفظون الكثير من مواده على كومبيوتراتهم للعودة إليها في فسحة من الوقت.

فشبكة المعلومات من أكثر وسائط النشر شفافية، حيث يكشف لنا التقرير الشهري عن حركة المرور في الموقع عن كل ما يقرأه القراء، وما ينزلونه من الموقع على كومبيوتراتهم. والواقع أن هذا التقرير الشهري الذي يكشف عن عدد القراء وثقتهم في المجلة، هو ما يدفعنا إلى المزيد من العمل لجذب هذا القارئ وتلبية مطالبه. فهذا هو المردود الثقافي الذي نطمح إلى تحقيقه. وهو الذي حدا بنا إلى التوسع في هذا المشروع وتطويره. لأننا نريد الوصول إلى المزيد من القراء في كل مكان تقرأ فيه اللغة العربية. ولأن (الكلمة) مشروع عقلي تنويري، يعي أهمية الذاكرة الثقافية التاريخية، فقد حرصت منذ عددها الأول على أن تخصص ضمن أبوابها بابا للذاكرة الأدبية التاريخية، هو باب «علامات». كما سارعت بعده في طرح مشروعها الطموح، وهو رقمنة أسلافها من المجلات الأدبية التي شاركت في تكوين الذاكرة الثقافية العربية، ولعبت دورا مرموقا في حيوية الحركة الثقافية العربية، وفي رفدها بالأفكار والأقلام الجديدة. وقد وضعنا حتى الآن على موقع (الكلمة) الأعداد الكاملة لمجلات (أبوللو) لأحمد زكي أبو شادي، و(الكاتب المصري) لطه حسين، و(حوار) لتوفيق صايغ، و(جاليري 68). كما شرعنا في العمل على مجلة (الكرمل) بعد أن حصلنا على حق ترقيمها من الراحل الكبير محمود درويش. وسوف نواصل التوسع في هذا الأرشيف، ونضع فيه هذا الشهر ثلاث مجلات أدبية مغربية أنتهينا للتو من ترقيمها بعد أن حصلنا على حقوق ترقيمها من أصحابها وهي: (أقلام) لمحمد ابراهيم بوعلو وأحمد السطاتي، و(الثقافة الجديدة) لمحمد بنيس، و(جسور) لعبدالحميد عقار. وجميعها من المجلات المغربية الرائدة التي شكلت محطات أساسية ومركزية في تشكل الخطاب الثقافي بالمغرب.

لكن هناك مشكلة واجهتنا أطرحها اليوم على القراء، وعلى مستخدمي هذا الفضاء الالكتروني بشكل عام. فمنذ الأعداد الأولى لاحظنا أن هناك لصوصا يسرقون بعض المواد التي تنشرها (الكلمة) وخاصة الروايات، ويضعونها على مواقعهم، وتبلغ بهم الوقاحة في بعض الأحيان إلى الإعلان عن أن المادة المسروقة منا تنشر «حصرا» (كذا) على مواقعهم. ولكننا تغاضينا عن هذه السفاهات، لأن العمل الجيد يثبت نفسه ويدعم مكانته رغم اللصوص، ولأن عواقب تشفير المجلة، أو إغلاق بعض صفحاتها، سيضر كثيرا من القراء الأمناء الذين لاذنب لهم ولا جريرة. ولأن تزايد عدد القراء بشكل مطرد كان يعوضنا عن مثل تلك الخسارات الصغيرة. لكن ما حدث الشهر الماضي، بالنسبة لأرشيف المجلات، فاق قدراتنا على تحمل تلك السخافات. حيث قامت امرأة تونسية وقحة ولاخلاق لها تدعى بلقيس، بسرقة جميع أعداد مجلة (حوار) من أرشيف (الكلمة) الرقمي، ووضعتها ضمن مدونتها المغمورة على موقع جيران، وفي الرابط التالي:

http://belkis73.jeeran.com/archive/2008/11/737069.html

وبلغت باللصّة الوقاحة أن تزعم أنها تمنح قراءها فرصة «تحميل أعداد مجلة حوار الرائعة تعنى بالأدب والدراسات الأدبية والفكرية والشعر» كذا، دون أن تبلغهم بأن ما تمنحه مسروق من الغير، وأنها كغير المأسوف عليه بلفور الذي منح فلسطين للصهاينة بوعده المشؤوم، تمنح ما لاتملك لمن لايستحق. بل إنها تسرق من موقعنا العلامة التي وضعناها بدلا من العدد الأول الناقص، ولم تكلف نفسها عناء الحصول عليه كي تداري على فعلتها النكراء، تلك العلامة التي وضعناها مكانه بأنه تحت الإنشاء، سرقتها ووضعتها على موقعها كذلك. و(الكلمة) إذ توجه هنا إنذارا قانوينا إلى اللصة التونسية بلقيس بضرورة أن تمحو الأعداد المسروقة من مدونتها على الفور، وإلا سنقاضيها، ونقاضي موقع «جيران» الذي يسمح بوضع مواد مسروقة ضمن المدونات التي يستضيفها. فلو كانت تلك البلقيس التونسية تتمتع بالحد الأدنى من الأمانة، وكانت حريصة على أن تمنح قراء مدونتها فرصة قراءة تلك المجلة الرائعة، كما تقول، فما كان عليها إلا أن تضع رابط المجلة بأرشيف (الكلمة) الرقمي، وتحيل القراء عليها. ويمكنها أن تفعل ذلك الآن انقاذا لماء وجهها، لو كان لديها بعض الحياء، ولكن لابد في جميع الأحوال من محو أعداد (حوار) المسروقة منّا من الموقع المذكور، وإلا شرعنا في اتخاذ الإجراءات القانونية. كما أننا نهيب بالقراء أن يمطروا موقع اللصة بلقيس برسائل الاستهجان، وأن يصفوه بالسرقة والسطو على جهد الآخرين، حفاظا على مصداقية الفضاء الأليكتروني ومشروعيته.

وقد دفعتنا هذه السرقة الوقحة إلى أن نضع على جميع صفحات المجلات المغربية الثلاث الجديدة علامة تقول بأن حقوق ترقيم هذه المجلات هي لمجلة (الكلمة) حتى لا تتكرر مثل تلك السرقات الوقحة. ومع أننا ندرك أن مثل هذه العلامة قد تحول دون استمتاع القارئ بقراءة تلك المجلات، والتي تقتضي التقاليد المهنية أن نعرضها عليه كما طالعها قارئها الورقي للمرة الأولى، إلا أننا اضطررنا لذلك اضطرارا، بسبب تلك اللصة التونسية. ونرجو ألا تضطرنا تلك اللصة وأمثالها من اللصوص إلى أغلاق أرشيف (الكلمة) الرقمي، الذي حرصنا على أن نبقيه مفتوحا ومجانيا للقراء. فغايتنا هي خدمة القارئ بصدق وأمانة، ولكن لصوص الإنترنت قد يحولون دوننا وتحقيق تلك الغاية، وقد يضطروننا إلى أغلاق بعض الصفحات حفاظا على جهدنا من سطو اللصوص.