هنا نماذج لكتابة نسائية تؤسس أفقها الخاص، وتكرس من خلال منجزها الشعري تجاربها في خريطة وجغرافيات الشعرية العربية، نماذج من المغرب والعراق ومصر لشاعرات يحفرن بأسلوبهن الخاص بعضا من ملامح القصيدة "النسائية" اليوم بالعالم العربي، حيث صوت الشاعر المفعم بالكثير من درجات الإحساس المرهف بمجازات الكلمة وقدرتها على الحفر بعيدا في أخدود وعوالم الشعر، هي تجارب نسائية مصغرة على تجربة عميقة اليوم في مشهدنا الشعري العربي.

ديوان قصير

إطلالات شعرية

إعداد: حسن النجار

(يعد مستقبل الشعر هائلا، إذ أن جسنا البشري سوف يجد في الشعر– من حيث هو جدير بمهمته السامية سندا يزداد رسوخا علي مر الأيام -وليس ثمة عقيدة إلا اهتز كيانها ، ولا تقليد مأثور إلا تهدده الفناء والتحلل.

أما الشعر فالفكرة هي كل شيئ بالنسبة له، وأما الباقي فهو عالم من الوهم . ولما كان الشعر نقدا للحياة مشروطا بقانون الصدق والجمال الشعريين، فإن روح جنسنا البشري سوف يجد فيه نعم السلوان والسند علي مر الدهر..)" ماثيو أرنولد "

 

كنت أتصور في بداية تعاملي مع الشاعرات العرب الجدد من خلال موقعي ( ملتقى الشاعر المصري حسن النجار) أن الشعر العربي النسائي يقف عند حدود نازك الملائكة ولا يتخطاه، وتمنيت أن ترقي واحدة منهن علي الأقل الي المستوي الذي وصلت إليه نازك.

لكني فوجئت ببعضهن يتفوقن علي نازك من حيث اللغة والصورة الشعرية وفنية السرد والرؤيا الإبداعية. وكيفية استخدام مفردات اللغة بمهارة عالية، فقد استفدن من كل تلك التجارب والتجارب الأخرى من الأدب الغربي خاصة الفرنسي. وهضمن كل ذلك وأخرجن الشعر من بطون الأمهات .

ونماذج ذلك كثيرة :

 

عند الشاعرة المغربية / سعاد بازي

(أنا غائمة جدا

غائمة فوق المعتاد

لن أنثر وردا على حافة الطرقات التي تشتكي تسكعي

لن أنثر ياسمينا بعين السماء التي

لم تضع ختما بجواز جنوني

لن أهجع لمقعد بذلك القلب الذي

يرفض سهوي

يتبرم من صمتي
غائمة أنا دون أن امطر
سأمطر قطنا
أضعه بأذني
أريدني بتهوفن
في هذا الزمن النشاز
تنسكب من وريدي قطرات
تختار تربة تنبت أغنيات
تنبت نخلات وسنبلات
عناقيد وابتسامات
لن تختار تربة صلبة بلون سبورة
تمسح الأعذار
غائمة أنا ألوك حروف عتاب أبله
لبس كسوة أقسى من احتمالي
شجرة احتمالي لن تورق بعده
غصيناتها مثقلة بتمائم بحروف النداء
وعلامات استفهام من عوانس البلد
نسيت ان تخضب أكفها بالحناء
نسيت ان تمنطق خصرها
بحزام عيد دون غصة
غائمة أنا
لأني أحب عتابا برشات عطر اشتياق
على معطف الحنين
سيبقى قيد انتظار
على شماعة مكشوفة
يسدل أهداب حب مغشي عليه
غائمة فوق المعتاد انا
لأني نسيت أن أقول لك
أني لست مطيعة
وأني حين أعتذر
أكون قد أحببت كثيرا
أو كرهت أكثر)

 

وعند الشاعرة المصرية إيمان عبد العزيز :

(أرسلتْ لي في بريد القراء تلعنُه :
ليتني ما عرفته ..
ليتني اخترت معطفا / حبيبا
ينثر فراؤه
ما شئت من عواصم
و متاجر و صالات للساونا و الرشاقة
و صناديق قمامة ؛
متخمةً بسعراتٍ حراريةٍ
تكفي نصفها لشطر الشمس لألف نجم جديد ..
أي حماقةٍ دفعتني لأن أهوى أبلهاً ؛
يلقم صغار السنابل البشارة ..
و يصدق أن متعة العشق في انتظار أن أتقن صنع عجينة البيتزا
و لم يخرق قط أي إشارةٍ حمراء !
لماذا لم أعاقِبْهُ بالحبس دهراُ
عندما اكتشفت إغفاله
تاريخ عيد زواجنا
و نوع الأيس كريم الذي أحبه .؟!
لو أنني طالبته تعويضا
بعشر حقائب " كالفين كلاين "
و عقدا من اللازورد
و مقراً دائما لقصيدتي في كل الصحف الثقافية
لما وجد وقتاً لهذه الخيانة !
لن أسامحهُ يا الله
فقد أراد إنعاش الزهور
و إعداد الفطور للإصيص العجوز الصامد في شرفتنا
و الترفيه عن ليلةٍ - حديثة التخرج -
لتعدل عن رغبتها في رجم النائمين
الذين أهملوها بالكوابيس ...
لن أسامحهُ
فقد أقنعته و مندوب الدعاية
باستثمار " القرشين "
لرأب التَّصدُّع في الجدار .
و إرسال ولي العهد / الصفر
لمدرسة " انترناشيونال "
تُعلِّمْهُ كيف يغدوا أميرا
إذا ما تقلب ذات اليمين و ذات الشمال ..!
كلُّ ما هنالك أنه تعثَّر في سداد الأقساط
لمتعهدي الأمن و الاستقرار
كتب على حائط الفيس بوك :
"
مُغْلَقٌ للإصلاحات .."
فكتبوا على لوحه المحفوظ
معلَّقٌ للشهادة .

 

إيمان عبد العزيز عرفتها من حديث طال بيننا ذات ليلة دون ان اعرف انها شاعرة بهذا المستوي من الإتقان الشديد .وفي نفس الليلة بعد ان ذهبت إلي النوم فوجئت بسيل منهمر من شعرها الراقي يطالعني علي صفحة الفيس بوك تقرأها كأنك تطالع جريدة يومية ، لكن خلف السطور يحتويك مشهد إنساني لاقبل لك بتحمله من أول وهلة .مفردات يومية نستعملها في حياتنا لكن يبرز لمعانها وضوء إشعاعاتها في التناول الذكي المثير .

 

ونفس الأداء السحري كذلك عند (نقاء محسن) الشاعرة العراقية المسكونة بعشق العراق ورائحة خبز العراق وبحضارة العراق المنتهكة .

 

(حبي لك يشبه
معلقة بابلية
معتقة بالجنون
لاتكفيه ارض واحدة
ولامصابيح كونية
انا نعش ونشيد ،عابر
وهذا شعري جائع، مكنون
فرائحة الخبز في حكايتنا
مثل شعر قديم،
ليس له حدود انية
وانت لا تصنع الامنيات
ولا تكتب القصيدة
ولا تعزف المزمار مثل تموز
وانا عشتار الحبيبة المنسية
على ارض بابل
وبين سلاسل القبيلة
رسمت كل الاستدارات
الممكنة ، كي اضيع فيها
ولكنني بقيت بين استفهام واخر
حتى علمت ان تموز قد رحل
منذ اعوام ، وان عشتار فوق الأرض
تقدم الطاعات للأمهات ،
والاباء ،للطفولة الباذخة
في الأرض الأسطورية ).


وعند الشاعرة (أسماء الحميداوي) من العراق أيضا، نجد هذا الهاجس المتوثب في قصيدة (المجئ ) تذكرنا برحلة المتنبي إلي مصر ، وهي عازمة الآن ان تخطو الخطوة نفسها " بالراحلة العمياء " لتقودها إلي عالم المومياء ..في رحلة ربما كانت الأولي لا لتطلب ولاية كما طلب المتنبي ، بل إلي مزارات العشق الجميل :

 

(المجيئ ..)
 

أسماء الحميداوي (العراق)

سأركب راحلتي العمياء
لتقودني إلي درب الرجاء
لأبلغ أمنياتي
وأحاكي عشبا يابسا
لأرى ضلوعا قد أنهشتها الذئاب
لتحث قدميَّ علي المسير
لأركن خلف بئر الصمت
وخرير الماء تساقط في أذنيَّ
لألجم صوتي
يختفي وسط تلك المتاهات!
لأصل إلي عالم المومياء
لابد من دابتي !
لابد أن اقطع دروب الشوك
لأبلغ المزار!