يتناول الباحث والجامعي العراقي إشكاليات المصطلح في كل من الدراسات اللغوية والنقد الأدبي، وخاصة نقد الشعر، ويستعرض في هذا المجال بعض الجهود المختلفة في ضبط المصطلحات سواء تلك التي قام بها المنظرون في الغرب، أو الباحثون العرب في ممارساتهم النقدية أو اللغوية المختلفة.

إشكالية المصطلح في النقد الأدبي

باقر جاسم محمد

تعدُّ إشكالية المصطلح من أهم المشكلات التي ما زالت تمثل عقبة أساسية في النقد الأدبي؛ وهي ما زالت تؤثر سلبياً في شتى ضروب الممارسة النقدية الأدبية، وفي الدراسات والبحوث الأدبية سواء أكان ذلك في الحقل الأكاديمي أم في حقل الدراسات النقدية المنشورة في الدوريات المتخصصة. ونظراً لأن هذه الإشكالية لم تستنفد بعد كل فرص البحث فيها وتحديد أسبابها ناهيك عن معالجة هذه الأسباب فإنها تمثل حافزاً مهماً يغري الباحثين للعودة إليها المرة تلو الأخرى. وفضلاً عن ذلك فإن دراسة جهد أي ناقد أو باحث، أو حضور مناقشة أية رسالة أو أطروحة سيضعنا في مواجهة هذه الحقيقة الواضحة حتى باتت الشكوى المريرة من فوضى المصطلحات أمراً شائعاً. وبداية، لا بد لنا من التوكيد أن إشكالية المصطلح جزء من إشكالية أكبر هي إشكالية المنهج في الدراسات الإنسانية عامة، وفي النقد الأدبي خاصة، حتى أن بعض الباحثين يذهب إلى أن إشكالية المصطلح النقدي قد باتت "... حالة أساسية من حالات الثقافة الأدبية العربية المعاصرة وهي حالة استطاعت أن تفرض ذاتها بقوة وإلحاح علي الخريطة الثقافة والفكرية ...، [و] ثمة إجماع علي التوقف عند مشكلة المصطلح النقدي الأدبي العربي المعاصر."[1] وهذا مما قد يضطر باحثاً عربياً إلى القبول بمصطلح ما على الرغم من عدم قناعته بصلاحيته للتعبير عن المفهوم المراد فيكتب متحدثاً عن مصطلح (التفكيكية): "ليست كلمة "تفكيكية" – كما يتضح من معناها عند ديريدا – أنسب كلمة يترجم بها مصطلح Déconstruction. ولكن نظرا لتوالي استخدام الكلمة في النقد العربي أحافظ هنا على استخدامها وذلك حتى لا أضيف مزيداً من البلبلة."[2] ومن هنا فإن الحاجة ما زالت قائمة لمزيد من الدراسات التي تتناول مظاهر إشكالية المصطلح في النقد الأدبي. وفي هذا الصدد، يذهب الدكتور نجم عبد الله كاظم إلى أننا "ما عدنا نسمع عن مصطلح واحد لا يكتنفه غموض، أو يلاقي صعوبة في التقبل، أو تلازمه تداخلات واضطرابات، أو يثير جدلاً وخلافات."[3]

ينبغي لنا أن نشير إلى أهمية التفريق بين أهم مصطلحين يردان كثيراً عند مناقشة إشكالية المصطلح، وهما مصطلح (المصطلح) ومصطلح (المفهوم). فالمصطلحات، وهي ما يطلق عليه في الإنجليزية terms، والمفاهيم التي تسمى بالإنجليزية concepts هما الركنان الأساسيان لهذه الإشكالية ضمن الدراسة المنهجية لعلم المصطلح terminology. إذن، فإن المصطلح يتكون، في العادة من كلمة واحدة أو كلمتين للإشارة إلى المفهوم الذي يتحقق في الذهن نتيجة ما يفهم من المصطلح. وهذا يعني أن المفهوم شرح أو هو توضيح لما يتضمنه المصطلح أو حدٌّ أو تعريف له على وفق ما يراه واضع التعريف. فإن لم يضع له الناقد أو الباحث تعريفاً، وقع عبء الوصول إلى المفهوم الذي قصد إليه من استخدام المصطلح على القارئ الذي ينبغي عليه أن يقوم بعملية استنباطية توصله إلى المقصود من استخدام المصطلح؛ وهي عملية قد لا يحالفها التوفيق دائماً. وفي كل الأحوال فإن ترك المصطلحات من دون تعريف سيفتح الباب واسعاً لتعدد صور فهم القراء المختلفين للمصطلح نفسه وفي السياق النصي نفسه، وذلك لأن قدرات القراء على الفهم والتحليل تتفاوت كثيراً نظراً لتفاوت الخزين الثقافي والمعرفي من قارئ إلى آخر.

وقد افترض الباحثون في المصطلح أن يقع إجماع أو شبه إجماع على المصطلح وعلى المفهوم خاصته بين النقاد والباحثين، وحتى النخبة من القراء، حتى يمكن القول أن لفظاً ما له تعريف أو معنى أو مفهوم بعينه مما ينزله منزلة المصطلح المقبول، فيؤدي دور المصطلح في السياقات المعرفية المختلفة. ولكننا نقع هنا على قضيتين مهمتين، الأولى: أن المصطلح يتسم بالتكثيف والقصر لكونه تسمية لسانية لظاهرة أو شيء أو معنى ما في حين أن المفهوم المرتبط بذلك المصطلح ليس من اللسان في شيء حتى وإن تعلق بالظواهر اللسانية؛ ويشمل ذلك الظواهر الطبيعية والاجتماعية والعقلية. فالمفهوم قد يتضمن كلاماً كثيراً يغطي بضع صفحات لتوضيح طبيعة هذه الظاهرة أو الشيء أو المعنى المقصود بالمصطلح؛ والثانية: أن المصطلح قد يكون موضع أجماع أو شبه إجماع، في حين أننا نعلم أن المفهوم يكون دائماً موضع تصورات قد لا تكون موحدة لذلك فهو يثير اختلافات بين النقاد والباحثين المختلفين، أعني أنه قد يكون للمصطلح الواحد أكثر من مفهوم عند كل واحد من هؤلاء النقاد والباحثين، أو حتى عند الباحث نفسه كما سنرى لاحقاً. وما انفكت ظاهرة تعدد صور المفهوم للمصطلح الواحد واحدة من أخطر مشكلات المصطلح التي لم يجد الباحثون في علم المصطلح، أو terminology الذي استعمل أول مرة في العام 1801 حلاً ناجعاً لها حتى الآن.

فعلى سبيل المثال، لو أخذنا مصطلحاً يحظى بإجماع بين الباحثين هو (الإحصاء)، بالإنجليزية statistics، فإن وحدة هذا المصطلح الراسخة لن تعفينا من مواجهة احتمال تعدد صور المفهوم التي يشير إليها، وعلى النحو الآتي: (1) مفهوم علم الإحصاء النظري نفسه؛ (2) مفهوم يتعلق بمجموعة مدونات إحصائية مثل الإحصاء السكاني أو إحصاء الموارد الاقتصادية أو إحصاء الجرائم أو حوادث المرور في بلد ما أو مدينة ما؛ (3) مفهوم عملية الإحصاء نفسها من حيث هي مجموعة من الإجراءات الفنية والإدارية واللوجتسية اللازمة لتكوين مدونة إحصائية معينة. والسياق وحده هو الفيصل في تحديد المقصود من هذه المفاهيم الثلاثة ونسبته للمصطلح. وقد يرد المصطلح في مختلف المواضع من السياق نفسه ليتخذ حمولات مفهومية متغيرة فيشير إلى بعض أو كل المفاهيم الثلاثة بين موضع وآخر.

وكان ظهور النظرية العامة للمصطلح، كما يقول كابريه كاستيفالني (2000)، وهو أحد المتخصصين بدراسة نظرية المصطلح، "استجابة لحاجة التقنيين والعلماء لتوحيد المفاهيم والمصطلحات في موضوعاتهم التخصصية لتسهيل التواصل الاحترافي ونقل المعرفة."[4] وإذا كان الوضع التاريخي في العلوم الصرفة والمعارف التقنية قد أظهر الحاجة الماسة إلى حقل علمي متخصص في دراسة المصطلح في تلك الحقول التي تتعامل مع ظواهر وقضايا موضوعية وملموسة وواضحة المعالم، فإن الحاجة إلى دراسة المصطلح ومشكلاته في العلوم الإنسانية وفي حقل النقد الأدبي تغدو أشد إلحاحاً وأعظم أهمية لأن هذه المعارف الأخيرة، وبخاصة في النقد الأدبي، تختص بدراسة ظواهر وقضايا ذات طبيعة ذاتية وخلافية إلى حدٍّ بعيد، وهي ظواهر لها علاقات متشابكة: نفسية واجتماعية وثقافية وأيديولوجية وثيقة الصلة بالشخص الذي يدرسها مما يظهر مدى التعقيد الذي يكتنف إشكالية المصطلح في النقد الأدبي.

ولكن، ما حدود النظرية المصطلحية؟ يحدد الدكتور علي القاسمي، وهو أحد المتخصصين العرب في علم المصطلح، حدود النظرية المصطلحية إنها "تبحث في المفاهيم والمصطلحات التي تعبر عنها، وتستخدم نتائج البحوث في هذه النظرية كأساس لتطوير المبادئ المعجمية المصطلحية وتوحيدها على النطاق العالمي. ومن أهم موضوعات البحث في النظرية العامة لعلم المصطلح هو: طبيعة المفاهيم، وتكوينها وخصائصها، والعلاقات فيما بينها، وطبيعة العلاقة بين المفهوم والشيء المخصوص، وتعريفات المفهوم، وكيفية تخصيص المصطلح للمفهوم وبالعكس وطبيعة المصطلحات ووضعها."[5]

ومرة أخرى، نجد أن محور كلام الدكتور علي القاسمي يدور حول المصطلح في العلوم الصرفة مثل الفيزياء والكيمياء، وما يجاورها من علوم تطبيقية مثل الهندسة والطب وعلوم الحياة. وفي تصوري، أن إشكالية المصطلح تكون ذات طبيعة مختلفة وأكثر خطراً على نحو كبير في العلوم الإنسانية مثل التاريخ والاجتماع، والأكثر من هذا أنها تزداد حدة وتعقيداً في الفلسفة والأدب لما لهذه الحقول المعرفية من طبيعة خاصة. ومن المهم الإشارة إلى أن شروط ابتكار المصطلح وشيوع استعماله بين الباحثين وعلاقته بالمفهوم أو المفاهيم المرتبطة به والمفسرة لمعناه هي من المشكلات الأساسية التي يبحثها علم المصطلح عموماً. وفي التحليل والاستقراء الوظيفي لتاريخ استخدام مصطلح ما، نجد أن المصطلح والمفهوم المرتبط به، معاً، يمثلان أداتين أساسيتين لتحقيق الأهداف الآتية:

  1. توحيد اللغة الاصطلاحية المتخصصة، أو ما يسمى بالإنجليزية jargon أو register، في كل حقل من حقول العلم وذلك من خلال بناء جهاز من المقولات الاصطلاحية المتخصصة لكل حقل على حدة. وقد تختلف كل مقولة من هذه المقولات الاصطلاحية عن الاستعمال الدلالي اليومي والمألوف لها في الحياة العادية من جهة، ويختلف المصطلح الواحد نفسه من حقل علمي او معرفي إلى آخر من جهة أخرى لأن المصطلحات، كما ترى باحثة متخصصة في علم المصطلح، "وحدات معجمية ينظر إلى معناها ضمن أطار مجال متخصص."[6] والمثال على ذلك أن كلمة relief التي تعني (راحة) أو (نجدة) في الكلام اليومي، فإنها تحوز، من الناحية الاصطلاحية، دلالات مختلفة من حقل معرفي لآخر، فهي تعني في حقل العلوم الطبية العلاجية (تخفيف الألم)، وتعني في فن النحت (النحت البارز أو الغائر)، وفي علم الأرض geology (تضاريس الأرض).
  2. القضاء، أو محاولة القضاء، على كل صور الغموض والإبهام في الكلام العلمي من خلال اعتماد مصطلحات تتسم بدرجة عالية من الوضوح ومن ثبات المضامين أو المفاهيم التي تعبر عنها هذه المصطلحات من البدء حتى المنتهى وفي مختلف الأبحاث. ونلاحظ هنا أن هذا الهدف المهم لا يتحقق بمجرد استعمال الباحث للمصطلحات استعمالاً سليماً، وإنما يجب أن يكون الخطاب العلمي نفسه مصوغاً صوغاً نحوياً ودلالياً سليماً.[7]
  3. العمل على تقليل درجة الذاتية وتعظيم درجة الموضوعية في الكلام في الخطاب العلمي، فلا مجال للكلام الإنشائي أو المجازي إلا في أضيق الحدود حتى لا يؤدي مثل هذا الكلام إلى فتح باب التأويل على مصراعيه لأن الكلام المجازي يؤدي بالضرورة إلى تقليص الجانب الموضوعي وحفز الجانب الذاتي والتأويلي على البروز بقوة في الخطاب العلمي أو في سواه من الخطابات.
  4. ترسيخ الدقة في الكلام في القضايا والموضوعات والحقول المعرفية المتداخلة، أو ما يطلق عليه interdisciplinary، التي يجري البحث فيها حيث تكون دقة استخدام المصطلحات وعدم تعدد المفاهيم المرتبطة بكل منها مفتاحين أساسيين لتحقيق أكبر درجة درجات التفاهم بين الباحثين أنفسهم من جهة وبينهم وقراء العلم من المتخصصين وغير المتخصصين من جهة أخرى.

ولذلك نقول إن إشكالية المصطلح لا تقتصر على الجوانب الاشتقاقية أو الدلالية أو المعجمية حسب، كما قد يبدو لبعض الباحثين، وإنما هي إشكالية معقدة ومتعددة الجوانب، فهي إشكالية منهجية وتعليمية (بيداغوجية) وأيديولوجية وإدراكية وثقافية ومعرفية وإعلامية ومؤسسية في آن واحد. ويترتب على مثل هذا الفهم لأبعاد إشكالية المصطلح التوكيد على أن من ينجز صوغ مصطلح جديد عليه أن يكون ذا بصيرة معرفية شاملة بهذه الأبعاد من جهة، ومعرفة وخبرة ممتازين في الحقل الذي يروم استخدام المصطلح فيه من جهة ثانية، هذا فضلاً عن شرط مهم آخر لا بد منه ألا وهو وجود الحاجة الموضوعية للمصطلح الجديد التي تستلزم ابتكاره أو تبنيه. وتتمثل هذه الحاجة الموضوعية بوجود ظاهرة بارزة ومضطردة في النص الأدبي مما لم يصطلح عليه باسم بعد، فيجتهد الباحث ويقترح المصطلح الجديد ليكون تعبيراً عن هذه الظاهرة. ومن خلال مراجعة تاريخ المصطلحات، نجد المصطلح الجديد يخضع عادة لنوع من النقد والتقويم والغربلة من الهيئات العلمية المتخصصة والباحثين المتمرسين حتى يكتسب وجاهته المعرفية والمنهجية، فيستقر في الاستعمال وتتبناه المؤسسات العلمية والأكاديمية.

من هذا نخلص إلى القول إن الظاهرة الموصوفة في وجودها المادي أو العقلي خارج اللسان تتمثل بالمفهوم، أما الجانب اللساني المتمثل باللفظ المعين الذي يطلق عليها فهو المصطلح. ومن المؤكد أن علاقة المصطلح الواحد بالمفهوم الواحد من أرفع صور تحقق المصطلح بكافة أبعاده. وهي حالة على درجة عالية الندرة من حالات تجسد تحقق علاقة المصطلح الواحد بالمفهوم الواحد. ونشير هنا إلى أنها أكثر تحققاً في العلوم الطبيعية الصرفة، وأقل تحققاً إلى حد بعيد في العلوم الإنسانية، بل قد نقول أنها أبعد ما تكون عن التحقق. فقد تحظى ظاهرة ما بمصطلحين أو أكثر. ثم يتألق أحدهما في الاستعمال ويسود بينما يخفت بريق المصطلح الآخر فيموت.

وقد يكون المفهوم الخاص بالمصطلح متعدد الوجوه لأنه عرضة لشروح مختلفة بهذه الدرجة أو تلك، بمعنى أن للمصطلح نفسه أكثر من مفهوم. وقد لاحظ الباحثون هذه الظاهرة وتوصلوا إلى إجماع على أنها من مشكلات المصطلح الأدبي والبلاغي قديماً وحديثاً. والأكثر من ذلك أن المصطلح نفسه قد يكون عرضة لتفاوت صور المفهوم المرتبط به عند الباحث نفسه وفي بحث بعينه. فعلى سبيل المثال، يورد الدكتور سيد البحراوي مفهومين مختلفين لمصطلح واحد هو المنهج في صفحتين متواليتين من مقدمة كتابه المهم "البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث". فهو يتحدث عن كون رؤيته في كتابه هذا "تنطلق من مفهوم خاص للمنهج،" ثم يعرف المنهج بأنه ما "يتطلب أعلى درجة من درجات الاتساق في داخل هذا المنهج، لأنه لا يرى فيها [أي شروط الاتساق] شروط العلمية فحسب، وإنما شروط الفاعلية أيضاً."[8]

وهذه الصورة الأولى لمفهوم المنهج تركز على الجانب المعرفي الأبستمولوجي للمنهج حين تؤكد على مسألة الاتساق الداخلي للمنهج بالارتباط مع كونها تحقق غايتين أساسيتين هما السمة العلمية وسمة الفاعلية. ويشير تقديم العلمية على الفاعلية على أن الأولى أعظم أهمية فضلاً عن كونها شرط لتحقق الثانية. وفي موضع آخر يقول: "سبق أن اقترحنا تعريفاً للمنهج يحدده كـ ’طريقة في التعامل مع الظاهرة موضوع الدراسة، تعتمد على أسس نظرية ذات أبعاد فلسفية، وأيديولوجية بالضرورة."[9] وهنا انتقل التوكيد إلى الأسس النظرية ذات الأبعاد فلسفية والأيديولوجية لطريقة أو آليات البحث المنهجي.

والحقيقة أن حضور الأبعاد الأيديولوجية، في الصورة الثانية لمفهوم المنهج عند الباحث يمثل نقضاً لمفهوم العلمية المشار إليه في التعريف الأول؛ فالأيديولوجيا، كما نعلم، من المفاهيم ذات الأبعاد الخلافية. وهي ذات جوهر مضاد للسمة العلمية إذ أن من تعريفات الأيديولوجيا أنها ما لم يتوافق مع شروط العلم لأنها تخضع الظاهرة لما هو عقدي و/ أو ذاتي. والحقيقة أن قضية وجود البعد الأيديولوجي في صوغ المصطلح بحاجة إلى بحث وإضاءة كافيين من لدن الباحث نفسه لتحديد أبعادها وتجلياتها والشروط التي تجعل من حضور البعد الأيديولوجي في المصطلح لا يتناقض مع علمية المنهج، وهو الأمر الذي كان مقدراً له أن يبعد شبهة التناقض عنه.

وقد يقع في الخطأ للاصطلاحي بعض من كبار الباحثين، فعلى سبيل المثال، يشير إلى الدكتور تمام حسان إلى ما يسميه ’أوضح‘ ما جاء به علم اللغة الحديث من أفكار وأصول منهجية، فيحصرها في خمس نقاط. ولا نعثر بين هذه النقاط الخمس على ذلك التفريق الشهير الذي أقامه دي سوسير بين الدراسة التاريخية diachronic study والدراسة التزامنية synchronic study للغة. ولعل من حق الباحث أن لا يعد ذلك التفريق مهماً لو لم يقع الباحث نفسه في الخلط بين هذه الثنائية وثنائية سوسيرية أخرى هي ثنائية المحورين الرأسي والأفقي كما سنوضح ذلك لاحقاً وإن كان هذا الحق لا يعفيه من مهمة بيان الأسباب التي دعته إلى ذلك.

ولنعد إلى نص البحث الذي هو حجتنا فيما نزعم، فنلاحظ أنه يشرح، في النقطة الثالثة، المكرسة لما يندرج من مفهوم تحت ثنائية المحورين الرأسي والأفقي شرحاً سليماً ومتوافقاً مع الدرس اللساني السوسيري، فيقول:

"3- يمكن دراسة اللغة على أحد محورين:

  • المحور الرأسي الذي ترتب البدائل فيه بحسبه بعضها تحت بعض؛ ويمكن أن نسميه محور المعاقبة أو محور الاختيار، أو أي تسمية تدل على عرض البدائل واختيار أحدها.
  • المحور الأفقي الذي تتوالى فيه العناصر اللغوية أفقياً على السطر أو تعاقبياً في النطق في صورة جملة أو نص كامل تترابط أجزاؤه وصولاً إلى الإفادة؛ ويمكن أن نسميه محور التركيب أو أي تسمية أخرى تصفه."[10]

ونلاحظ هنا أن الباحث الكريم قد وقع في بعض المشكلات الاصطلاحية، فهو بعد أن يتحدث عن التفريق بين اللغة والكلام في النقطة الأولى، يعود ليتحدث عن دراسة اللغة في محورين، فيحصر القول على دراسة الكلام وليس اللغة لأن ما يفيد معنى إنما هو الكلام وليس اللغة، فاللغة نظام والكلام معان. والدليل على ذلك أن الباحث نفسه يشير إلى ما هو متحقق "... في النطق في صورة جملة أو نص كامل..." وهذه صور للكلام وليس للغة، فكيف أجاز لنفسه، في المقالة نفسها، أن يتبنى التفريق بين مصطلحي اللغة والكلام نظرياً وأن يستخدم مصطلح اللغة بمعنى الكلام فعلياً؟ والحقيقة أن الإشكالية الاصطلاحية لا تقتصر على الخلط بين مصطلحي أو مفهومي اللغة والكلام، كما أوضحنا، وإنما تتعدى ذلك إلى اللبس الذي اكتنف كلامه حين تحدث عن المحور الرأسي والمحور الأفقي ظاناً أنهما يطابقان مفهومي الدراسة التاريخية للغة أو diachronic study، والدراسة التزامنية أو synchronic study.

وليس في قولنا هذا أي تجن على الباحث، فهو سيكتب بعد ذلك، وفي المقالة نفسها، ما نصه: "واعترف علم الأسلوب بالمحورين الرأسي diachronic والأفقي synchronic فانتفع بهما في تقرير حقائقه. فلقد كان التفريق بينهما في علم اللغة ينسب إلى علائق المقابلة الصوتية الاستبدالية وظيفة التفريق بين الوحدات الصوتية ..." وبهذا يغدو واضحاً أن مفهوم الباحث للمحور الرأسي، وهو ما يصطلح عليه في اللسانيات بـ paradigmatic axis، قد اختلط لدى الباحث بمفهوم الدراسة التاريخية للغة diachronic study، أما مصطلح المحور الأفقي، وهو ما يقابل syntagmatic Axis، فقد تحول لدى الباحث إلى synchronic study وهو ما يقابل الدراسة التزامنية للغة. وشتان ما بين مفهومي هاتين الثنائيتين.

وفضلاً عن ذلك فإنه، وهنا لا ينبغي أن ننسى أنه يكتب مقالة عنوانها "المصطلح البلاغي القديم في ضوء البلاغة الحديثة"، لا يحسم مسألة اختيار وصف اصطلاحي أو مصطلح بعينه تاركاً المسألة معلقة تدور بين عدد من المصطلحات؛ فهو يقرر أن (المحور الرأسي) "يمكن أن نسميه محور المعاقبة أو محور الاختيار، أو أي تسمية تدل على عرض البدائل واختيار أحدها." فهل هو المحور الرأسي، أو أنه محور المعاقبة، (وهنا يختلط الأمر أكثر بخصوص مصطلح المعاقبة الذي جاء به بديلاً لمصطلح التعاقب) أو أنه محور الاختيار؟ أو أنه "أية تسمية [أخرى] تدل على عرض البدائل واختيار أحدها." ولن ننسى هنا أن نشير إلى أن لفظة (التسمية)، في هذا السياق، تعني أي مصطلح آخر مما يفتح الباب واسعاً لكل الباحثين والنقاد أن يقترحوا ما يشاءون من مصطلحات. ونؤكد هنا أن من مهمات كبار الباحثين التصدي للقضايا الخلافية في مجال علم المصطلح ومحاولة حسمها من خلال الترجيح العلمي لأحدها، وبيان أسباب مثل هذا الترجيح، فإن لم يفعلوا ذلك فهم قد تخلوا عن إحدى مهماتهم الأساسية؛ ولست أدري من غيرهم يمكن أن يفعل ذلك!

وفي نطاق مصطلحات البلاغة العربية، وهي مما يكثر استخدامه في نقد الشعر، نجد الاختلاف واقعاً بخصوص وحدة مصطلح ’تجاهل العارف‘، فيتضح من دراسة الدكتور وليد محمود خالص لهذا المصطلح الشائع في معجمين بلاغيين هما: "معجم البلاغة العربية" للدكتور بدوي طبانة،[11] و"معجم المصطلحات البلاغية وتطورها "للدكتور أحمد مطلوب،[12] أنه يفتقر إلى وجود مفهوم واحد، وإنما قد يعبر عنه بمصطلحين أو أكثر وقد يتعدد مفهوم المصطلح بين باحث وآخر، على سبيل المثال، قوله " وسمّاه العسكري: "تجاهل العارف ومزج الشك باليقين" وقال: "وهو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزيد بذلك تأكيداً". ومنه قول العرجي:

باللــــه يا ظبيــــاتِ القــــاع قلـــن لنـــا ليلايَ منكـــــنَّ أمْ ليلــــى من البشـــــر

وقول الآخر:

أيا شبْه ليلى ما لليلى مريضةٌ

وأنت صحيحٌ إنّ ذا لمحالُ

أقولُ لظبيٍ مرَّ بي وهو راتع

أأنت أخو ليلى؟ فقال يُقالُ

ورجع ابن منقذ إلى ما ذكره العسكري وأضاف إليه أمثلة كثيرة، ولم يعرّفه الرازي، ومثّل له بقوله تعالى: ﴿وإنَّا وإيَّاكُم لَعَلى هُدًى أو في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، وقول المتنبي:

أريقُك أم ماءُ الغمامة أم خمرُ بِفِيَّ بَرودٌ وهو في كبدي جَمْرُ

وتحدّث السكاكي عنه في تنكير المسند إليه وذكر التجاهل في البلاغة، ومثّــل له بقول الخارجية:

أيا شجرَ الخابور مالَك مُورِقاً كأنّك لم تَجْزَعْ على ابْنِ طَريفِ

ثمّ أدخله بعد ذلك في التحسين المعنوي وسمّاه "سوق المعلوم مساق غيره" وقال: "ولا أحب تسميته بالتجاهل"، ومثّــل له بقول الخارجية: "أيا شجرَ الخابور..."، وبالآية السابقة. ولعلّ الدافع إلى ذلك هو تعظيم كتاب الله واحترامه، وقد أشار ابن الأثير الحلبي إلى ذلك حينما تكلّم على هذا الفنّ، وقال: "وهذا الباب له اسمان: أحدهما: تجاهل العارف، والآخر: يقال له الإعنات، فأمّا الأول فيطلق على ما يأتي من نوعه في النظم والنثر، وأمّا الثاني فيطلق على ما يأتي من هذا النّوع في الكتاب العزيز أدباً مع الآيات الكريمة إذ لا يصح إطلاق تسمية "تجاهل العارف" على شيء من آيات الكتاب العزيز"، وتسمية السكاكي أدق وأكثر أدباً من الإعنات الذي هو لزوم ما لا يلزم عند كثير من البلاغيين كما تقدّم."[13] وهكذا، نجد أن مصطلح ’تجاهل العارف‘ قد يعبر عنه بمصطلح ’سوق المعلوم مساق غيره‘ أو بمصطلح ’الإعنات‘ تأدباً في حضرة النص المقدس، وليس دلالة على مفهوم آخر؛ ولكن الإعنات مصطلح ثنائي المفهوم في حقل علمي واحد هو البلاغة العربية فهو يكافئ مصطلح ’لزوم ما لا يلزم‘ في دلالته على بذل الجهد في ما لا حاجة تقتضيه. ومن الواضح أن لا وجود لما يوحد بين المفهومين المرتبطين بمصطلح الإعنات نفسه.

ويذكر سعيد الغانمي أن ابن المعتز قد أستعمل مصطلح (الالتفات) للإشارة إلى ظاهرة بلاغية هي "انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك. ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر." أما ابن وهب فقد اطلق على هذه الظاهرة مصطلح (الصرف) وشرحها بالقول "إنهم يصرفون القول من المخاطب إلى الغائب، ومن الواحد إلى الجماعة." أما الشريف الجرجاني فيقصر مفهوم الالتفات على "العدول عن الغيبة إلى الخطاب أو التكلم وبالعكس."2 وهكذا نرى في هذا المقتبس أن المصطلح قد لا يكون موحداً فيكون لدينا لفظان للدلالة على الظاهرة الواحدة، وإن كان أحدهما، وهو مصطلح (الالتفات) قد كتبت له السيادة؛ أما مصطلح (الصرف) الذي اقترحه ابن وهب، فإنه اندثر لأنه يختلط مع مصطلح لغوي آخر هو (الصرف) أو (التصريف).

كما يكشف هذا المقتبس أن مفهوم المصطلح الواحد أو تعريفه قد لا يكون موحداً أيضاً فتتعدد تصورات الباحثين للمفهوم كل حسب ما يراه كما هو واضح من اختلاف ابن المعتز وابن وهب والشريف الجرجاني في تعريف الظاهرة المشار إليها. وقد ذهب ابن قتيبة الدينوري (من علماء القرن الهجري الثالث، ت. 276) في تعريفه لمصطلح المجاز إلى الآتي: "و للعرب المجازات في الكلام ومعناها طرق القول ومآخذه ففيها: الاستعارة والتمثيل، والقلب، والتقديم والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح. ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، ومخاطبة خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الأثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص، مع أشياء كثيرة سنراها في أبواب المجاز ..."[14]

وحين نحلل هذا الكلام نجده يضع مفهوماً لمصطلح المجاز قد يكافئ في شموله مصطلح البلاغة الذي يكون مصطلح المجاز جزءاً منه، ونلاحظ أن التقديم والتأخير اللذين وردا في التعريف ليسا من المجاز في شيء، ونلاحظ أيضاً أن قول ابن قتيبة أن المجاز يشمل "مخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، ومخاطبة خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الأثنين، ..." إنما يحيل إلى شيء مما يقع تحت مصطلح (الالتفات) الذي لم يكن قد ظهر في الاستخدام البلاغي بعد. وعلى أية حال، فإن مما ينبغي الانتباه له حين نتحدث عن مصطلح ما عند كاتب ما، تنزيل المصطلح بالمفهوم الذي أراده الكاتب في سياق تعريفه له. وفي حال لم يورد الكاتب تعريفاً أو مفهوماً للمصطلح فإننا ملزمون بالنظر في السياق لاستنباط المفهوم الذي قصد إليه الكاتب مع مقارنته مع صور المفهوم لدى الباحثين الآخرين وتحديد المفهوم الأكثر شيوعاُ وتواتراً.

ولو طبقنا مجموعة المعايير الآنفة الذكر على كثير من المصطلحات لرأينا أن بعضاً منها يولد ثم سرعان ما يموت، ربما في البحث أو في الكتاب نفسه، لأنها مصطلحات لا تتوفر على كل أو معظم شروط نشوء المصطلح وشيوع استخدامه بين الباحثين. فعلى سبيل المثال: استعملت نازك الملائكة مصطلح (الشعر الحر)، أو free verse، في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" وقد كتب لهذا المصطلح الذيوع لفترة تقارب العقدين من الزمن إلا أنه كان عرضة للنقد والتقويم والمراجعة مما أدى إلى أن يهجره النقاد والباحثون وأن يستعملوا مصطلحاً آخر بديلاً عنه هو مصطلح "شعر التفعيلة" وذلك ضمن عملية فحص وتدقيق لمجموعة من المصطلحات تشكل ضفيرة واحدة في دراسة البنية الإيقاعية في الشعر ونقدها. وكان لذلك سببان: الأول أن مصطلح (الشعر الحر) لم يكن دقيقاً في وصف الظاهرة التي أنتدب للتعبير عنها؛ فهو مصطلح منقول عن ثقافة أخر ولغة أخرى هي الإنجليزية حيث استخدم للإشارة إلى نمط من الشعر يخلو من الأوزان الشعرية الغربية تماماً[15]، وأبرز مثال له مجموعة (أوراق العشب) للشاعر الأمريكي والت ويتمان (1819-1992)، بينما يمتاز الشعر المشار إليه بهذا المصطلح في الثقافة العربية في العقدين الخمسيني والستيني بأنه شعر موزون بحسب الأوزان الخليلية، لكنه يخضع لصياغات متمردة على الصيغة التقليدية لشعر الشطرين.

فليس هناك من أبيات وأشطر وعدد محدد من التفعيلات في كل بيت مقسوم بالتساوي على شطري البيت الشعري، وإنما هناك سطور شعرية يتفاوت عدد تفعيلاتها من سطر إلى آخر، وقد يكون في السطر الواحد عدد معين من التفعيلات مع جزء من تفعيلة في نهاية السطر الشعري يجري إتمامها في بداية السطر الشعري التالي، وهو مما يعرف اصطلاحاً بالتدوير. ولعل هذا الوصف للمسار التاريخي يظهر مقدار دقة مصطلح شعر التفعيلة في التعبير عن الظاهرة المدروسة؛ ولذلك فقد كتبت له السيادة بينما تحركت دلالة مصطلح الشعر الحر لتكون دالة على نمط من الكتابة الشعرية مماثل لقصيدة النثر دون أن يحظى بالقبول المناسب في دلالته المفهومية الجديدة في ثقافتنا وفي الثقافة التي استعير منها.

وفي كتابها (الصومعة والشرفة الحمراء)، استعملت نازك مصطلحات معينة مثل (الهيكل) و(التفاصيل) في تحليل ونقد شعر علي محمود طه، لكن لم يكتب لهذين المصطلحين أي نجاح يذكر، فلم يتبناهما باحثون ونقاد آخرون. فهذان المصطلحان لا يذكران إلى عند الحديث عن كتاب نازك الملائكة عن علي محمود طه، وكأن هذين المصطلحين قد ولدا وماتا في الكتاب نفسه.[16] ولعل ذلك يعود إلى حقيقة أن تجليات إشكالية المصطلح في العلوم الإنسانية، مثل التاريخ والاجتماع والنفس والأدب والفن، أكثر وضوحاً وحدة وتجذراً منها في العلوم الصرفة مثل الفيزياء والكيمياء أو في العلوم التطبيقية مثل الطب والهندسة. ويرى الدكتور فؤاد زكريا أن العلوم الإنسانية لم تنضج بما يكفي لاستعمال اللغة الكمية المستخدمة في العلوم الصرفة بدلاً من اعتمادها على اللغة الكيفية التي ما زالت سائدة في العلوم الإنسانية. إذن، فإن من أهم أسباب هذا الاختلاف في اللغة الاصطلاحية يكمن في أن لغة العلوم الإنسانية، والمصطلحات جزء مهم منها، ما زالت بعيدة عن تحقيق درجة متقدمة من الموضوعية تماثل، أو حتى تقارب، تلك الموضوعية التي حققتها المصطلحات والمفاهيم في لغة العلوم الصرفة والتطبيقية.

والآن، ترى ما أهم الأسباب الأخرى في إشكالية المصطلح في نقد الشعر في الثقافة العربية المعاصرة؟ قد نتحرى بعض الأسباب في تعدد العلوم الإنسانية التي تستثمر في دراسة الشعر، أو في تعدد مصادر المثاقفة مع الآخرين الذين تمثل كتاباتهم المادة الأساسية في المهاد النظري في النقد الأدبي، مما يعني تعدد النظم الاصطلاحية التي يعتمدها الناقد في عمله. وعلى أية حال، ينبغي أن نكف عن النظر إلى استخدام النقاد والباحثون الغربيون على أنهم يصدرون عن رأي واحد بشأن المصطلحات ناهيك من النظر إليهم على أنهم يستخدمون مصطلحات موحدة. فالآخرون يمثلون ثقافات متعددة ذات اجتهادات متعددة، ولهم، مثلما لنا، مشكلاتهم الخاصة بثقافاتهم ومنها فيما يخص مسألة وحدة المصطلح واستقراره على مفهوم واحد. وينبغي إعادة توكيد حقيقة أن المصطلح النقدي نفسه غير مستقر أو موضع إجماع من الباحثين والنقاد؛ وما ذلك إلا لأن من طبيعة الشعر أنه لا يخضع لعملية القياس المنطقي أو التجريب الذي يمكنه أن يحصر الظواهر الشعرية على نحو يجعل كل ما يكتب من شعر مندرجاً تحتها. وقد نضيف إلى ما سبق تداخل الأبعاد المفهومية لبعض المصطلحات تداخلاً لا يكشف عنه سوى البحث في الفروق الدقيقة بين هذا المصطلح أو ذاك، فضلاً كون المصطلح الجديد قد لا يعبر عن حاجة علمية يفرضها تطور الشعر نفسه، كل هذه الأمور تمثل تحدياً خطيراً لقضية ضرورة استقرار المصطلح ووحدته في الاستعمال. وفي كل الأحوال فإن أكثر مصطلحات النقد الأدبي، ونقد الشعر على وجه الخصوص، هي مما يتفق الباحثون على تسميتها بالمصطلحات الخلافية لأن وحدة المصطلح لا تمنع من تعدد صور فهمه بين ناقد وآخر كما سبق القول. فلا صحة لقول بعضهم أن المصطلح العلمي "لفظ اتفق عليه العلماء لاتخاذه للتعبير عن معنى من المعاني العلمية."[17] وخصوصاً في حقل النقد الأدبي. فالتجربة الفعلية تثبت أن الاتفاق على مصطلح ما، وهو اتفاق قد لا يحدث دائماً، لا يستلزم بالضرورة اتفاق الباحثين والنقاد على ما يعبر عنه ذلك المصطلح من مفهوم، وهو أمر يحدث دائماً.

نعود إلى إشكالية المصطلح في دراسة الشعر ونقده فنقول أن هناك إشكالية أخرى كبرى تتمثل في عدم إدراك البعض لحقيقة وجود عددٍ من الأجهزة الاصطلاحية المختلفة والمتداخلة التي تستعمل في نقد الشعر ودراسته في آن واحد. وهذه الاجهزة الاصطلاحية مستمدة من علوم لسانية مختلفة، وهو ما يسمى بالإنجليزية systematic terminologies التي يكون كل منها مكرس عادة لعلم بعينه. وهكذا نجد أن المصطلح قد يكون لسانياً نحوياً أو صرفياً، بوصف أن الشعر من اللغة، مثل مصطلحات المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول والصفات المشبهة بالفاعل وسواها، أو أن يكون بلاغياً بوصف أن الشعر يمثل أحد أهم تجليات البلاغة التقليدية التي تنقسم إلى ثلاثة علوم هي البيان والبديع والمعاني، وما تتفرع إليه هذه الأقسام من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز وجناس وطباق وإيجاز وإطناب ومفارقة والتفات وسواها. أو قد يكون عروضياً باعتبار أن الشعر العربي قد تميز ببنية إيقاعية خاصة، فنجد مصطلحات مثل بحور الشعر المختلفة والتفعيلة بأنواعها والضرب والحشو والسبب الخفيف والسبب الثقيل والوتد المفروق والوتد المجموع وغيرها، وهناك مصطلحات أخرى ترتبط بكيفية تصرف الشاعر بالتفعيلة مثل الزحاف والعلة والقبض والخبن والقطع وغيرها كثير. وهناك عدد أخر من المصطلحات الثقافية والفنية القديمة فضلاً عن المصطلحات الجديدة التي ظهرت في القرن العشرين مثل: الشعر الحر وشعر التفعيلة والصورة الشعرية والأسلوب والبناء الفني والنمو العضوي وسواها. وبعض هذه المصطلحات من النوع الخلافي؛ فإذا ما استثنينا المصطلحات اللسانية والعروضية، وهي من المصطلحات التي يقل الخلاف بشأن مدلولاتها أو ما يرتبط بها من مفاهيم، فإن كل المصطلحات الأخرى ذات جوهر خلافي بهذا القدر أو ذاك، إذ أن لكل منها أكثر من مفهوم بحسب الباحث أو الناقد. ويمكن القول إن السبب الأساس في أن المصطلحات اللسانية والعروضية أكثر ثباتاً وتعبيراً عن مبدأ وحدة المصطلح والمفهوم يكمن في أن نحو اللغة وعلم العروض يشتغلان في حقل ظواهر لغوية موضوعية إلى حد بعيد؛ فالبنيتان النحوية والصرفية للغة العربية من جهة، وظواهر العروض من جهة ثانية، هما من قبيل الحقائق التي لا تثير اختلافاً كبيراً في التعريف، ومع ذلك فإن مصطلحاً لسانياً مثل الفاعل قد يكون له تعريفات أو مفاهيم مختلفة، ولكن هذه الاختلافات لا تقع في الصلب من عملية النقد الأدبي لأنها تدور على الاختلافات في الفكر النحوي من حيث هو، أما المصطلحات العروضية فإنها تحظى بما يشبه الإجماع على ما تعبر عنه من مفاهيم، فعلى سبيل المثال، ليس ثمة اختلاف في فهم مصطلحات التفعيلة أو بحور الشعر الستة عشر أو القافية أو الصدر والعجز. أما المصطلحات البلاغية التقليدية والمصطلحات الفنية الجديدة فإنها عرضة للاختلاف في الفهم والتفسير إلى حد بعيد لأنها مرتبطة على نحو وثيق بالاجتهادات الفكرية والفلسفية والتصورات الخاصة بالفن والأدب التي يحملها كل باحث أو ناقد. ولذا فإنها لا تكاد تتوفر على شرط وحدة المصطلح والمفهوم المرتبط به.

إذن، فإن مصطلحات نقد الشعر ليست على حال واحدة من حيث مديات الخلاف بشأنها لأنها تتدرج في ما تثيره من اختلاف تبعاً للجانب الذي يختص به كل نوع من المصطلحات. فالمصطلحات العروضية واللغوية أكثر ثباتاً من المصطلحات البلاغية والفنية الأخرى. فأنت قد لا تجد من يختلف معك كثيراً في فهم مصطلحات العروض أو اللغة، ولكن تجليات الاختلاف في المصطلح وصوره تظهر على نحو أكثر وضوحاً وحدة حين نتحدث عن الصورة الشعرية،[18] فهل هي مصطلح واحد أم عدة مصطلحات. وقد نسأل، أهي نفسها الاستعارة والمجاز أم هما شيئان مختلفان؟ وترى ريتا عوض أن مقارنة النقاد العرب المحدثين لمفهوم الصورة الشعرية عند النقاد العرب القدامى مع مفهومها في النقد الغربي الحديث قد وصلت إلى نتائج متناقضة لأن المقارنة نفسها منتحلة من الأساس ولا ترتكز على قواعد منهجية سليمة."[19] والحقيقة أننا إذا فحصنا مصطلح الصورة والمفهوم المرتبط به في النقد العربي الحديث لرأينا أنه بعيد جداً عن تحقيق وحدة المصطلح ناهيك عن وحدة المفهوم.

قد نتحدث عن مصطلحات أخرى مثل: الشعرية أو التفكيك[20] أو التأويل أو التداولية على الرغم من كون بعض هذه المصطلحات مقترض من حقل اللسانيات التي تختص بدراسة الجوانب اللغوية المختلفة من الخطاب لكنها صارت موضع خلاف حين انتقلت من حقل اللسانيات إلى حقل النقد الأدبي. وفي تقديري أن الأمر منوط بالباحثين أنفسهم لتلافي صور الإبهام أو الاختلاف في فهم خطاب الآخر بسبب من اختلاف المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بها وذلك من خلال إجراءات منهجية دقيقة يحددها جون لوك (1632-1704) بخمس نقاط ليرى أن تصلح لمعالجة آفة الاختلال اللساني للخطاب العلمي على النحو الآتي:

  1. لا تستعمل كلمة دون أن تعرف أية فكرة ستجعل من تلك الكلمة رمزا ً لها.
  2. تثبت من أن أفكارك واضحة، ومتميزة عن بعضها بعضا ً وحاسمة؛ وإذا كانت أفكارا ً حول الجواهر، فينبغي أن تكون قابلة للمطابقة مع الأشياء الواقعية.
  3. حيثما أمكن، اتبع الاستعمال الشائع، وبخاصة استعمال هؤلاء الكتاب الذين يبدو خطابهم متضمنا ً أوضح الأفكار.
  4. حيثما أمكن، صرِّح بمعاني كلماتك ( وبخاصة قـُم بتعريفها).
  5. لا تقدم على تغيير المعاني التي تعطيها للكلمات.[21]

و نجد من الضروري أن نؤكد أن النقطة (3) تتعلق بضرورة اعتماد ما استقر من مصطلحات ومفاهيم، وبخاصة عند الكتاب الذين يتسم خطابهم حتى وإن لم تجر الإشارة إليهما صراحة في نص لوك. ونلاحظ أيضاً أنه على الرغم من مرور ما يقارب أربعة قرون على دعوة لوك لتطبيق نقاطه الخمس المهمة هذه إلا أن قضية المصطلح لم تزل واحدة من المشكلات الجوهرية في النقد الأدبي وفي سواه من الدراسات الإنسانية. وهي إشكالية تنعكس سلباً على نتائج الدرس النقدي وعلى درجة موضوعية النتائج التي يتم التوصل إليها. ومن هنا فإن الحاجة ما تزال قائمة لمزيد من البحث في أسباب عدم التوصل إلى حل جذري لهذه الإشكالية.

و اعتماداً على ما عرضنا له، يمكننا توكيد الضرورة القصوى للإجراءات المنهجية الآتية:

  • الالتزام بالنقاط الخمس التي دعا إليها لوك بدقة متناهية وجعلها من الضرورات المهمة في أيما مقالة أو بحث أو دراسة حتى يمكن تقليل درجة التشوش والاضطراب في الاستخدام الشائع للمصطلحات.
  • تحري الدقة في استعمال المصطلح مع الحرص على تعريفه أو تقديم مفهومنا الخاص، وذلك تجنباً لتكليف القارئ مهمة تحديد المفهوم من خلال القراءة المحكمة للمقالة أو البحث الذي نكتبه وما قد يؤدي إليه ذلك من احتمال الفهم المغاير لمقاصد كاتب البحث أو النقد.
  • ضرورة الالتزام بالدلالة المفهومية للمصطلح في كل ما نكتب. وفي حال تغير مفهوم المصطلح من موضع إلى آخر من البحث أو في بحوث مختلفة للناقد نفسه، فينبغي بيان ذلك على نحو لا لبس فيه.
  • اتباع إجراء منهجي ملزم يتمثل في رصد المصطلحات والمعاني أو المفاهيم كما انعكست في نصوص الآخرين النقدية لإظهار مقدار اتفاقنا أو اختلافنا معها، مع بيان أسباب الاتفاق أو الاختلاف، فلا يكفي أن يقول الناقد أو الباحث أنه يتفق مع الناقد (س) ويختلف مع الناقد (ص) في مفهومه لمصطلح ما من دون بيان الأسباب التي ستكون من ضمن الأسانيد المعرفية التي تمكننا من فهم المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بها لدى الباحث نفسه، فقد يكون المصطلح لدى الناقد (س) أو الناقد (ص) غير ثابت الدلالة فلا نتمكن من تحديد دلالة مصطلح أو مفهومه بدقة لدى الباحث الذي تبناه. وهذا اجراء مهم أيضاً لأنه سيكون واحداً من أكثر الأدلة أهمية على مقدار ما بذله الباحث أو الناقد من جهد علمي أو معرفي.[22]
  • و نظراً لأهمية الدقة في استخدام المصطلحات والمفاهيم في إرساء المعارف الإنسانية على أسس علمية وموضوعية، ولخصوصيتها المميزة في البحوث والدراسات الأدبية الأكاديمية من حيث البعد الفكري والثقافي والمعرفي، نجد من الضروري فصل دراستها عن مادة المنهج البحث حتى تكون موضع فهم وتدبر مخصوص من الباحثين ومن أساتذتهم. وخير طريقة لتنفيذ هذا المطلب المهم يكون بتخصيص مادة علمية مكرسة لدراسة النظرية المصطلحية، وتكليف من هو كفؤ لتدريسها.

و ختاماً، يمكننا الزعم أنه باتباع مثل هذه الاجراءات المنهجية يمكن التخفيف، ولا أقول التخلص نهائياً، من الآثار السلبية للإشكالية المزمنة في التعامل الدقيق مع المصطلحات والمفاهيم الأدبية والفنية في الشعر وفي سواه من ضروب الإبداع، وجعل البحوث والدراسات أكثر انسجاماً مع المعايير العلمية العامة وتعظيم الجانب الموضوعي فيها.

 

كلية التربية الأساسية - جامعة بابل

 

المصادر:

  1. أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري، "تأويل مشكل القرآن" ط2. تحقيق أحمد صقر. دار التراث، القاهرة. 1973.
  2. د. أحمد مطلوب، "معجم المصطلحات البلاغية وتطورها" مطبوعات المجمع العلمي العراقي، بغداد. 1983م، ثلاثة أجزاء.
  3. د. بدوي طبانة، "معجم البلاغة العربية" ط1. منشورات جامعة طرابلس. كلية التربية. طرابلس 1975م، جزءان.
  4. د. تمام حسان، "المصطلح البلاغي القديم في ضوء البلاغة الحديثة" مجلة (فصول)، العددان الثالث والرابع المكرسان لقضايا المصطلح الأدبي، المجلد السابع، أبريل – سبتمبر 1987، الصفحات 21-36.
  5. د. جميل حمداوي، "بلاغة السرد أو الصورة البلاغية الموسعة" في موقع دروب الألكتروني

http://www.doroob.com/?p=24881، تاريخ الزيارة، 10/12/2013.

  1. د. ريتا عوض، "بنية القصيدة الجاهلية: الصورة الشعرية لدى إمرئ القيس" دار الآداب. ط2. بيروت، 2008.
  2. سعيد الغانمي، "الالتفات، النداء، الشعر: من يخاطب من؟" مجلة الأقلام، دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد. العدد 11، السنة الرابعة والعشرون (1989) (الصفحات 50-57).
  3. د. سيد البحراوي، "البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث". ط1. دار شرقيات، القاهرة. 1993. ص. 8.
  4. د. عبد الإله الصائغ في كتابه "الصورة الفنية معياراً نقدياً"، دار الشؤون الثقافية. 1987.
  5. د. على القاسمي، "مقدمة في علم المصطلح" دار الحرية للطباعة. بغداد، 1985.
  6. جون أي. جوزيف وتالبوت جي. تايلر، "الأيديولوجيا واللغة" ترجمة باقر جاسم محمد. دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد، 2008.
  7. د. محمد أديب السلاوي، "قضية المصطلح العلمي في العربية" موقع وزارة الثقافة في المملكة المغربية

http://www.minculture.gov.ma/. تاريخ الزيارة 22/8/2013.

  1. ماري – كلود لوم "علم المصطلح: مبادئ وتقنيات" ترجمة. ريما بركة. المنظمة العربية للترجمة. بيروت، 2012.
  2. Cabré Castellví, M.T. (2000a) “Elements for a theory of terminology: Towards an alternative paradigm”. Terminology 6 (1). pp. 35-57.
  3. د. نجم عبد الله كاظم، "مقدمات في المصطلح النقدي" دار المأمون، بغداد. 2013.
  4. أنظر: د. وجيه فانوس، "إشكاليات في الإنتاج المعرفي والدلالي للمصطلح النقدي الأدبي العربي المعاصر" موقع (شذرات) على الشبكة الدولية http://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=9361 ، تاريخ زيارة الموقع 1/2/2014.
  5. د. وليد محمود خالص، "مصطلحات البلاغة العربية بين معجمين" موقع مجمع اللغة العربية الأردني على الشبكة الدولية http://www.majma.org.jo/majma/index.php/2009-02-10-09-36-00/532-52-2.html تاريخ الزيارة 22/4/2013.
  6. انظر: د. يوسف وغليسي، "إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد" ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت، منشورات الاختلاف، 2008.
 

[1] أنظر: د. وجيه فانوس، "إشكاليات في الإنتاج المعرفي والدلالي للمصطلح النقدي الأدبي العربي المعاصر" موقع (شذرات) على الشبكة الدولية http://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=9361 ، تاريخ زيارة الموقع 1/2/2014.

[2] انظر: د. يوسف وغليسي، "إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد" ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت، منشورات الاختلاف، 2008، ص 344.

[3] د. نجم عبد الله كاظم، "مقدمات في المصطلح النقدي" دار المأمون، بغداد. 2013. ص. 11.

[4] أنظر: Cabré Castellví, M.T. (2000a) “Elements for a theory of terminology: Towards an alternative paradigm”. Terminology 6 (1). pp. 35-57.

[5] على القاسمي، "مقدمة في علم المصطلح" دار الحرية للطباعة. بغداد، 1985. ص. 20-21.

[6] ماري – كلود لوم "علم المصطلح: مبادئ وتقنيات" تر. ريما بركة. المنظمة العربية للترجمة. بيروت، 2012. ص. 42.

[7] لعل من المناسب أن نشير هنا إلى أن لفظ (القضاء) الذي ابتدأنا به الكلام في هذه الفقرة قد يكون مصطلحاً قانونياً متعدد المفاهيم إذا ورد في سياق الخطاب القانوني، وقد يعني إنهاء فرض ديني هو الصلاة في غير وقته المحدد شرعاً إذا ورد في سياق الخطاب الديني الإسلامي؛ أما المعنى الذي استخدمنا فيه المصطلح فإنه يعني محو وإنهاء وجود الظاهرة موضع الكلام في البحث.

[8] د. سيد البحراوي، "البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث". ط1. دار شرقيات، القاهرة. 1993. ص. 8.

[9] م. ن. ص. 9.

[10] د. تمام حسان، "المصطلح البلاغي القديم في ضوء البلاغة الحديثة" مجلة (فصول)، العددان الثالث والرابع المكرسان لقضايا المصطلح الأدبي، المجلد السابع، أبريل – سبتمبر 1987، ص. 22.

[11] د. بدوي طبانة، "معجم البلاغة العربية" ط1. منشورات جامعة طرابلس. كلية التربية. طرابلس 1975م، جزءان.

[12] د. أحمد مطلوب، "معجم المصطلحات البلاغية وتطورها" مطبوعات المجمع العلمي العراقي، بغداد. 1983م، ثلاثة أجزاء.

[13] د. وليد محمود خالص، "مصطلحات البلاغة العربية بين معجمين" موقع مجمع اللغة العربية الأردني على الشبكة الدولية http://www.majma.org.jo/majma/index.php/2009-02-10-09-36-00/532-52-2.html تاريخ الزيارة 22/4/2013.

[14] ابن قتيبة الدينوري، "تأويل مشكل القرآن" ط2. تحقيق أحمد صقر. دار التراث، القاهرة. 1973، ص. 20.

[15] لا بد من الإشارة إلى أن الوزن في الشعر الغربي يعتمد على حساب توالي المقاطع المنبورة والمقاطع غير المنبورة. وبصورة عامة فإن الأوزان الشعرية الأساسية في الشعر الغربي، ومنه الشعر الإنجليزي، خمسة، ثلاثة منها ثنائية التفعيلة تعتمد في تعريفها على النبر أساساً، وهي: الأيامب Iambic ويتكون من مقطع منبور يليه مقطع غير منبور، (و سنمثل للمنبور بالبنط الغامق بينما يكون غير المنبور بالبنط الفاتح) كما في السطر الآتي من السوناتا 73 لشكسبير: That time of year thou mayst in me behold، والتروكي Trochaic الذي يتألف من مقطع منبور يليه مقطع غير منبور كما في السطر الآتي من قصيدة (مزمور الحياة) للشاعر هنري لونجفلو: Tell me not in mournful numbers، والسبوندي Spondaicالذي يتألف من توالي مقطعين منبورين كما في السطر الآتي من قصيدة (تحطم، تحطم، تحطم) للشاعر تنيسون: Break, break, break/ On thy cold gray stones, O Sea!، وأثنان منها ثلاثية التفعيلة، وهي: الأنابست Anapestic الذي يتألف من مقطعين غير منبورين يليهما مقطع منبور، كما في السطر الآتي من المقطع الثالث من قصيدة تنسيون نفسها: And the sound of a voice that is still، الداكتيل Dactylic الذي يتألف من مقطعين منبورين يليهما مقطع منبور، كما في السطر الآتي للشاعر لونجفلو: This is the forest primeval, the murmuring pines and the hemlock مع ملاحظة أن التفعيلة الأخيرة من التروكي. وموضع الشاهد أننا لو ترجمنا بحثاً عن الأوزان في الشعر الإنجليزي فإن ذلك يستلزم توضيح اختلاف مفهومي المصطلحين (البحر) و(التفعيلة) بين الثقافتين العربية والإنجليزية.

[16] من المناسب أن نشير هنا إلى أننا نقصد بـ(موت المصطلح) هجر الباحثين والنقاد له وانصرافهم عنه إلى مصطلح سواه للإشارة إلى المفهوم نفسه. وهنا تتبدد فاعلية المصطلح المهجور، ولكنه في الوقت نفسه ينتقل إلى تاريخ الأدب والنقد.

[17] محمد أديب السلاوي، "قضية المصطلح العلمي في العربية" موقع وزارة الثقافة في المملكة المغربية. تاريخ الزيارة 22/8/2013.

[18] هناك عدد من المصطلحات المتداولة في الإشارة إلى الصورة في الشعر والأدب منها: (الصورة الشعرية) و(الصورة الأدبية) و(الصورة الفنية) الذي قد يتحول بالاختزال إلى (الصوفنية) عند الدكتور عبد الإله الصائغ في كتابه "الصورة الفنية معياراً نقدياً" الصادر عن دار الشؤون الثقافية في بغداد في العام 1987. وفي نص قصير مقتبس من دراسة مهمة للدكتور جميل حمداوي يتحول المصطلح إلى ‘الصورة البلاغية‘، ثم لا يلبث أن يتحول إلى صيغ أخرى، فنقرأ " تحتل الصورة البلاغية مكانة هامة في الدراسات الأدبية والنقدية واللغوية؛ لأن الصورة هي جوهر الأدب، وبؤرته الفنية والجمالية. كما أن الأدب فن تصويري يسخر الصورة للتبليغ والتوصيل من جهة، والتأثير على المتلقي سلبا أو إيجابا من جهة أخرى. لكن الأدب ليس هو الفن الوحيد الذي يستثمر الصورة في التعبير والتشكيل والبناء، بل تشاركه في ذلك مجموعة من الأجناس الأدبية والفنية، كالرواية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، والقصة الشذرية، والمسرح، والسينما، والتشكيل…ويعني هذا أن الصورة لم تعد حكرا على الأدب فحسب، بل لها نطاق رحب وواسع. ولم تعد تحتكم فقط إلى مقاييس البلاغة التقليدية، سواء أكانت عربية أم غربية، بل تطورت هذه الصورة البلاغية ، وتوسعت مفاهيمها ، وتنوعت آلياتها الفنية والجمالية، وتعددت معاييرها الإنتاجية والجمالية والوصفية. ولم يتحقق ذلك إلا مع تطور العلوم والمعارف ، بما فيها الفلسفة، وعلم الجمال، والبلاغة، واللسانيات، والسيميوطيقا، والشعرية، والمنطق، والتداوليات…والآتي، أن الصورة أصبحت قاسما مشتركا بين هذه الحقول المعرفية والعلمية؛ إذ كل تخصص يدرس الصورة في ضوء رؤية معينة، يفرضها منطق التخصص المعرفي، وتستوجبه آلياته المنهجية والتحليلية في الفهم والتوصيف والتفسير." وهنا نواجه إشكالية وحدة مصطلح الصورة في أجلى صورها، فهو مرة يطلق عليها الصورة البلاغية، ومرة يطلق عليها الصورة، وقد يبتكر مصطلحاً جديداً هو (الصورة السردية) ثم لا يلبث حتى يعدل عنه إلى مصطلح (الصورة الروائية). وبالنسبة للمصطلح الأخير، لا نعرف كيف سيتصرف الناقد إذا شاء استخدامه في نقد القصة القصيرة! للمزيد بخصوص مصطلح الصور، أنظر: د. جميل حمداوي، "بلاغة السرد أو الصورة البلاغية الموسعة" في موقع دروب الألكتروني

http://www.doroob.com/?p=24881، تاريخ الزيارة 10/12/2013.

[19] ريتا عوض، "بنية القصيدة الجاهلية: الصورة الشعرية لدى أمرئ القيس" دار الآداب. ط2. 2008. ص. 65.

[20] لقد كان جهد الدكتور عبد الله الغذامي في التعريف بمصطلح ’التفكيك‘ الذي ترجمه إلى ’التشريح‘ في كتابه "الخطيئة والتكفير" مثالاً للترجمة التي تحرف دلالة المصطلح عن صورة مفهومه عند جاك دريدا وفي حاضنته الثقافية والفكرية الأصلية. فالكتاب يظهر أن الغذامي يفهم ’التشريح‘ على أنه يعني التحليل. والفرق شاسع بين هذا وذاك. وفي هذا الصدد، يقول أحد الباحثين: "أن التفكيكية في روحها وفلسفتها جاءت لزعزعة وخلخلة المفاهيم التي تمكّنت من الثقافة الغربية وأصبحت في حكم المسلّمات، بهدف بيان زيفها وتقويضها في النهاية، كما فعلت مع "مفهوم الحضور" و"المراكز المبجّلة" و"مركزية العقل" و"مركزية اللغة"، وحلت الرباط الوثيق المقدس والساذج في الوقت نفسه بين "الدال" و"المدلول"، وفي ما يتعلق بالنصوص حاولت التفكيكية أن تخلخلها بالكشف عن التماسك الزائف الذي تحاول أن تظهر به، وعن وهم استقرار المعنى الذي تحاول أن توحي به." وهذا يظهر الاختلاف الجسيم بين مفهوم "التفكيك" في أصوله عند ديريدا وما فهمه الغذامي من المصطلح. أنظر: "خطيئة الغذامي من يكفر عنها؟ أو المسافة البعيدة بين "تشريحية" الغذامي و"تفكيكية" ديريدا"، عبد الكريم شرفي. موقع رابطة أدباء الشام.

http://www.odabasham.net/show.php?sid=45609، تاريخ الزيارة 20/3/2014.

[21] جون أي. جوزيف وتالبوت جَي. تايلر، "الأيديولوجيا واللغة" ترجمة باقر جاسم محمد. دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد. 2008. ص. 29.

[22] من المهم أن نشير إلى أن إنجاز الباحث أو الناقد لمرحلة نقد المصطلحات والمفاهيم التي يتناولها في ثنايا البحث بنجاعة سيكون، من بين أمور أخرى، أمراً دالاً على بلوغه مرحلة متقدمة في مسيرته العلمية التي تفضي إلى تحقيقه إضافات معرفية مهمة وراسخة علمياً في حقل النقد الأدبي.