تفتتح الكلمة سنتها الجديدة بديوان من سوريا الجريحة، حيث يحملنا الشاعر السوري الى عوالم انجراحات وانكسارات لا تكل من تمزيق الذات وجعلها تعاني الوحشة والعزلة، في زهرات هذا الديوان ما يجعلنا نفكر مليا في هذا العالم الذي وصل الى حالة من اللايقين، وانتهت كل معاني ودلالات الفرح فيه.

ديوان العدد

زهرةُ الرّمَّانِ الحزينةُ

طالب همّاش

زقزقة

صوتانِ زرقاوانِ في صمتِ الصبيحةِ

يزقوانِ على الغصونِ

فيوقظانِ صبيّةً من حلمِ جنّتها الجميلِ

ويسكرانِ صباحها بالزقزقه .

 

صوتانِ معتصرانِ من صدرِ الطفولةِ

يرفعانِ تنهّدَ قلبها الحافي على كفِّ الحفيفِ

ويجعلانِ من الأنوثةِ بركةً للسقسقه .

 

لا العندليبُ رضيعُ ماءِ العشقِ

عندلَ غارقاً بالسكرِ

والكروانُ غطَّ ليشربَ من مراضعَ

عذبةَ الغدرانِ

أوضمَّ الهزارُ صباحهُ الشمسيَّ

بين جوانحِ الأزهارِ

بل شرعوا على شبّاكها

بأداءِ سمفونيةٍ منسابةِ التغريدِ

ترحيباً بأنوارِ الشروقِ المشرقه .

 

هزّوا سواسيةً غصونَ السروِ

في حركاتها الزهريّةِ الأجراسِ

كي تتبرعمَ الأزرارُ في صلبِ الزهورِ

وكي تقطّرَ مثل حلماتِ الحليبِ

دموعها المترقرقه .

 

فاستيقظتْ من نومها الشفّافِ

وقتَ رضاعةِ الأزهارِ

تعطي البيلسانةَ مشمشَ صدرها الورديّ

والطيونَ شربةَ وردةٍ زهراءَ

من كوزِ العيونِ

وترضعُ العطرَ الغطيطَ لأصغرِ زنبقه .

 

وجهٌ كدرّاقِ الضحى الغافي

يضرّجهُ بلونِ الحمرةِ المجروحِ رمّانُ الغروبِ

فيستحيلُ سحابةً سكرى

يطيّرها النسيمُ إلى الجهاتِ العابقه .

 

مطويّةً كالغيمةِ البيضاءِ

حولَ نعومةِ القمرِ الرضيعِ

تفورُ أفواهُ النوافيرِ الصغيرةُ

في ملامحِ وجهها الليليِّ

راقصةً دوائرها كرفرفةِ القطا

ويسيلُ ماءُ الخوخ ِحول خدودها

سيلانَ خيطانِ الحليبِ الحلوِ

من خوخِ الصدورِ المشرقه .

 

تصغي لموسيقى الطبيعةِ مثل ساقيةٍ مغنّاةٍ

ويحملها الحفيف على شفاهِ الوشوشه .

 

يا للعروسِ المستحمّةِ في زلالِ النبعِ

حيث تثغثغُ الموجاتُ ثغثغةَ الإوزّةِ

حول عشِّ النوم

والغيماتُ تنهضُ من خوابيها

لتشرب َ وهي طائرةً فقاعاتِ الغديرِ المستعادةَ من صبابتها

فترتعشُ الأنوثةُ كارتعاشِ المشمشه .

 

في ذلكَ الصبحِ المبكّرِ تجلسُ امرأةٌ أمامَ البابِ

في غيبوبةٍ حيرى

وتحلمُ باتجاهِ الشمس ِ

شاخصةً بعينها إلى الغيماتِ

حيث تخيطها الوديانُ أشرعةً

لأحلامِ البعيدِ المطلقه .

 

وتجيءُ أسرابُ السنونو كي تبلَّ جراحها بالماءِ

والحسّونُ كي يبقى وحيداً

حين تنسدلُ الغيومُ ضفائراً فوق السهولِ

ووحدهُ بجعُ البحيرةِ في أسى

يصغي لموسيقى السكونِ

وسقسقاتِ الماءِ

والريحِ الجريحةِ في الغصونِ المرهقه .

 

إنَّ البحيرةَ مرتعٌ للحالمينَ

وموجها الرقراقُ

يُغرقُ في اخضرارٍ مقمرٍ

صورَ الخيالِ العاشقه .

 

 

سنة الحزن المحتضرة

شدّي أوتارَ جراحكِ ياريحُ

ونوحي في بكواتِ الليلِ

بيأسٍ ومراره !

 

شدّي أوتارَ جراحكِ يا ريحْ!

 

فاليومَ تصيحُ بصوتِ أساكِ المسلوبِ

قلوبُ الناسِ الظمآى

ويلوذُ بترجيعكِ ألفُ جريحْ !

 

واليومَ تئنُّ كمنجاتُ الضجرِ السوداءِ

على جثمانِ الغربةِ

ناعيةً سنةَ الحزنِ المحتضره ..

ويغورُ القمرُ المرهقُ

في أعماقِ ضريحْ !

 

شدّي أوتارَ جراحكِ يا ريحْ !

 

وعلى تذرافِ العبراتِ انتحبي

كنواعيرِ قرانا المجروحةِ

شجواً وأنينا !

 

شدّي أوتارَ الحسراتِ

وغنّي باكيةً في الدارِ على إيقاعِ ( بكاوينا) !

 

كلُّ العالمِ يبكي يا أمَّ الأعشاشِ الحلوةِ

كلُّ العالمِ يبكي فينا !

 

لا إيقاعُ أغانيكِ المتعبُ

يغسلُ بالدمعِ تجاويفَ العينِ العطشى

أو ترجيعُكِ ذو الصوتِ المبحوحِ

يعزّي أيتامَ القلبِ

ولا قمرُ المغربِ يُغرقُ بالإشراقِ أماسينا .

 

كمْ كانَ حزينا

أن تصعدَ أصواتٌ مؤلمةٌ من مقبرةِ الوادي

وتحلّقَ تحتَ سماءِ الحسرةِ

أصواتُ ( نعاوينا ) !

 

كمْ كانَ حزينا

أن نتأمّلَ تحتَ القمرِ الغاربِ

صورَ الأصحابِ الرحّلِ

والأفكارَ الليليّةَ وهي تهاجرُ من شبّاكِ ليالينا !

 

كم كانَ حزينا !

 

احترقت كلُّ الغيتاراتِ على أنغامِ

عزائكَ يا ليلُ

وما سكنتْ بعدُ كمنجاتُ الغربةِ عن تجريحِ

كمنجاتِ بواكينا !

 

كم كانَ حزينا !

أن يصرخَ مجروحٌ صرخةَ يأسٍ

ويجاوبهُ في جنباتِ الليلِ جريحْ !

 

وتصيحُ بصحراءِ الوحشةِ روحٌ باكيةٌ :

رُحْمَاكِ يا ريحْ !

 

رحماكِ حين تفيضُ بكائيّاتٌ موجعةٌ

في ليلاتِ الحزنِ المهدورِ

وتنتصبُ الفزّاعاتُ بهيئاتٍ مفزعةٍ

لتدقَّ أياديها الصلبةُ

أعناقَ أغانينا !

 

رُحْمَاكِ ...

حين يشرّعُ موتُ الشاعرِ

تحتَ سماءٍ موحشةِ الغيمِ

جناحيهِ

ويسقطُ في عرضِ البحرِ

سقوطَ الصرخةِ في أعماقِ ضريحْ

 

رُحْمَاكِ يا ريحْ !

 

نحنُ بكينا عندَ مغيبِ الشمسِ

فراقَ أعزّاءِ الناسِ

ولكن حينَ نفارقُ أنفسنا

في الليلِ الموحشِ من يبكينا ؟

 

رحلَ الناسُ وراءَ رحيلِ الناسِ

وظلّتْ كخرائبَ خاليةٍ في الأرضِ

مأوينا !

 

فجلستُ وحيداً أبكي عندَ مطالعَ هذا الليلِ الضائعِ

لا الراقدُ في بئرِ الدارِ المهجورةِ

يسمعني الآنَ

ولا الحجرُ الواقفُ في هيئةِ نُسْكٍ راهبةٍ

يقرأُ في كتبِ الصحراءِ قفاره .

 

كُلُّ الوحشةِ أنَّ القلبَ يموتُ وحيداً

كالغصّةِ فوق جبالِ المغربِ

والطرقاتُ الجبليّةُ من دونِ مصابيحْ !

 

كلُّ الوحشةِ أنَّ الكلماتِ المكتوبة بالعبراتِ

تسيلُ على صفحاتِ الحزنِ أسىً وخساره !

 

شدّي أوتاركِ وابكي بجميعِ جراحكِ يا ريحْ !

فاليومَ ستشربكِ الأفواهُ الظمآى

من إبريقِ الدمعِ

وتلعقُ دمعكِ ألسنةُ الندمِ العطشى

وشفاهُ المزمارِ المترعِ بالدمْ !

 

واليومَ يخيّمُ ظلُّ المأساةِ على أرواحِ المحتضرينَ

وينهضُ من أعماقِ العزلةِ عشرونَ عدمْ .

 

واليومَ تهزُّ الأمُّ الثكلى

بيدِ الرحمةِ سبعةَ أطفالٍ

يلتفّونَ بقمصانِ الليلِ

وسبعَ مراجيحْ...

 

ويغنّي شعراءُ العالمِ بقلوبٍ داميةٍ

ونفوسٍ شبهَ محطّمةٍ :

شدّي أوتارَ جراحكِ

وابكي كلَّ بكائكِ يا ريحْ!

 

 

سهر الشاعر

في هذي الغيبوبةِ من ساعاتِ السكرِ الأولى

والشمسُ على بابِ المغرب ِ

ترتفعُ الأرواحُ كرفِّ حمامٍ فوق الوادي

ويطلُّ القمرُ الحلو ودوداً وحنونْ

 

يا جارُ تعالَ لنسهرَ قبل الليلِ

وبعدَ الليلِ

وطيّبْ نفسَكَ بالإصغاءِ إلى صوتِ الحسونْ !

 

يا جارُ تعالَ

ورقّقْ روحكَ بالموسيقى

لتكونَ رقيقاً وصديقا..

وتعالَ ولا تأتي

إلا من جهةِ الليمونْ !

 

شفَّ جمالُ الزهرةِ في الكأسِ

وشفَّ سوادُ العتمةِ في ماءِ الكأسِ

شفافيةً تسكرُ ماءَ القلبِ أسى وسكونْ !

 

فالنسماتُ ثمالى

وتهرهرُ أزهارُ الصفصاف ِ

الشتويّةُ فوق كراسينا

وأريجُ الخمرةِ يملأ ُهذا الكونْ .

 

فاسلكْ دربَ النهرِ

ولا تسلك دربَ الوعرِ

لعلكَ تسبحُ في مائيّةِ ليلٍ زرقاءَ

وتغسلُ قلبكَ قبل مجيئكَ

في ماءِ الضوءِ ..

لعلّكَ تقطفُ زهرةَ نيلوفرَ بيضاءَ

وسوسنةً لجمالِ الأبيض ِ

في سهرتنا

وكخاطرةِ الحالمِ بالحلمِ

تعالَ مع اللونِ الأزرقْ !

 

فأنا رتّبتُ كراسينا في دائرةٍ حولَ البركةِ

وسقيتُ أصيصَ الحبقِ العطريِّ

بماءِ الوردِ ..

وفوّارةُ ماءٍ تترقرقْ

 

يا جاري الطيبَ كالطيّونةِ

والموجعَ كالزيتونةِ

ما أمتعَ أن تهتزَّ طروباً

منشرحَ الصدرِ

لصدحةِ عصفورِ الدارِ

وأن يتقطّر قلبُكَ كالريحانة ِ

حتى تتحرّرَ روحكَ

وتحلقَ في نشوتها كفقاعةِ صابونْ !

 

ما أمتعَ أن تجلسَ جنبَ الرمّانةِ ،

وتذوبَ بصوتِ الحسونْ !

 

فتعالَ وضيّعْ نفسَكَ في ليليّةِ هذا الليلِ

فشأنكَ شأن العاشقِ

أن تسهرَ سهرتكَ الورديّةَ

بين الجرّةِ والنهرِ

وتصغي للريحِ الحاملةِ الموسيقى

من قلبٍ مكسورٍ ليتامةِ قلبٍ مكسورْ !

 

وتدوّرَ في مجرى الليلِ مصابيحَ الدورْ

 

.. شأنكَ شأنُ الناسكِ

أن تسهرَ منتظراً طاووسَ الصبحِ على السورْ

 

أن تشهدَ كيف يصيرُ القمرُ الطالعُ

من عشِّ الغيمةِ بعد الخمرة ِ

طائرَ نورْ .

 

ما حانَ أوانُ الغفوةِ بعدُ

فأمهلْ نفسكَ حتى تُسقى سقياها ،

والخمرةَ حتى تجري في بهجةِ روحكَ مجراها

واجلسْ كي نسمعَ حبّاتِ المشمشِ

تسّاقطُ في الماءِ العذبِ

ونسمعَ في منبلجِ الفجرِ الصافي

صفراتِ العصفورْ !

 

سبعُ إوزّاتٍ حطّتْ فوق كؤوسِ السهرةِ

واهتزَّ هزارُ النشوةِ في الأوتارِ

فوتّرْ نفسَكَ كالقوسِ ،

وأطلقْ سهمَكَ في نقطةِ عينِ العقلِ المخمورْ !

 

فسماءُ الأمسيّة هادئةٌ

والكونُ مصلّى

ومسيحُ الليل يرشُّ على السهرةِ

حفنةَ نورْ ..

 

لا تتعجّلْ بالشرب ِ

ولا تسكرْ من كأسٍ واحدةٍ

كأساً كأساً يتصفّى في عينيكَ زلالُ الحزنِ

وأسكرْ بين ذراعيكَ الجرّةَ ،

دوّرها بين يديك

المرّةَ تلو المرّه

لتدورَ نجومُ الليلِ برأسكَ

مثل كراتِ الرمّانْ !

 

بالكأسِ الأولى

ستشفُّ لكَ الرؤيا كسحابةِ صيفٍ شهباءَ ببركةِ ماء ْ ...

 

وبثانيةِ الكأسِ

ستبصرُ قلبَكَ يسبحُ داخلَ صدركَ

في ماءِ الصعداءْ ..

 

وبثالثةِ الكأسِ

سيصمتُ في عينيكَ الكونُ

كقديسٍ سكرانْ !

 

يا جارُ تعالَ إلى داري

ما أجملَ حُبّ الجيرانْ !

 

قلبي كروانٌ أزرقُ

مملوءٌ بغناءٍ شفّافِ

الرجعِ

وقلبكَ عصفورٌ

يتعلّمُ بالشرب ِ جمالَ الطيرانْ !

 

فأنا أجلسُ منتظراً أن تأتي

كي نسبحَ في نهريّة موسيقى

ونعلّقَ صوتَ الشحرورِ الراهبِ

والكروانِ القديسِ على غصنِ الدالية السهران ْ .

 

وأنا كلّ مساءٍ

أسهرُ كالقنديلِ الخائف ِ قدّامَ الأيقونةِ

منتظراً أن يأتي الألاّفُ

فلا يأتونَ سوى أطيافْ !

يا جاري المضيافْ !

 

إسهرْ حتى الفجرِ

لتسترخي الريحُ على راحتكَ المفتوحةِ

ويرين الصمتُ الشفّافْ !

 

همساتُ الموسيقى تسكرُ روحكَ في الأريافْ ..

 

ما آنَ أوانُ الغفوةِ بعدُ

وصوتُكَ في الليلِ جميلٌ يا جارُ

فغنِّ بأشجانكَ

يا ذا الصوت الطيّب حتّى أغفو

فأنا في الليلِ الوحشيِّ أخافْ !

 

لا أغفو إلا وأنا أسمعُ

أصواتَ الأضيافْ .

 

 

يا رقراق دموعك

(إلى عبد الرحمن )

لم يبقَ سوى صوتِ الريحِ

على شبّاك الليلِ ،

وآخرِ أغنيةٍ تهتزُّ على إيقاعِ

الحزنِ النائمِ في ( حُزْنيَّةِ )

ريحٍ رقراقه !

 

لم يبقَ سوى رجعِ الريحِ

ووجهِكَ مجروحاً يتراءى

في المطرِ الضائعِ

يارقراقَ عيونِكَ

ما رقرقتَ لغربتنا غيرَ الدمعِ ..

هجرناكَ وأتعبناكَ

وعلمناكَ تدبُّ على دربِ البردِ

فسافرتَ كلحنِ وداعٍ مكسورٍ

يُشقيكَ فراقُ الدارِ وتشتاقهْ !

 

لم يبقَ سوى روحٍ مترعةٍ

بمراراتِ الغربة ِ

تكتبُ بالدمعِ على سطرِ الحسراتِ

المهدورِ

مراثي مثخنةً بالأشجانِ

وأوجاعَ قلوبٍ مشتاقهْ !

 

يا رقراقَ دموعكَ

تشتوكَ الرخرخةُ المنغومةُ للمطرِ البردانِ

فينسابُ أساكَ سخيّاً

بين الحسرةِ و الإشفاقه !

 

سافرتَ بعيداً وتركناكَ

تبيعُ الأشعارَ المجروحةَ

في أسواقِ الغربةِ

آهٍ يا بنَ حفافي الحنطة ِ

كيفَ الشوقُ بعيداً عن وطنِ الأعشاشِ يُعاشْ ؟

 

كانَ ينامُ على تسريحةِ شعركَ

عصفورُ الشمسِ الأشقرُ

مغموراً بالدفءِ

ووشوشةِ الشجنِ النائمِ في الأعشاشْ ..

والآنَ تهيمُ وحيداً في صحراءِ الوحشةِ

يا همّاشْ !

 

ربّيناكَ كشتلةِ ريحانٍ

في أحواضِ الدارِ

ومرجحناكَ كفرخِ الطيرِ

مع الأشجارِ

فحلّقتَ بعيداً ..

آهٍ يا طيرانَ الهدهدِ في الواحاتِ

ألم يشجيكَ حفيفُ الريحِ

الراحلُ في حقلِ نخيلْ ؟

 

وثقيلٌ قلبكَ في ميزانِ الحزنِ ثقيلْ !

 

ماتَ كثيرٌ من حزنكَ

بين منافي الليلِ

ولم يبقَ سوى عصفورٍ

يبكي قربَ مخدّةِ دمعكَ

من جعلَ الترحالَ بعيداً

وطريقَ الهجرةِ يا ليلُ طويلْ ؟

 

ضيّعتَ طريقَ العودةِ كالغرباءِ

وأوغلتَ عميقاً في الغيبِ

ولكنكَ آخرَ ساعاتِ الليلِ

تعودُ لتنقرَ شبّاكَ البيتِ

وتخطرُ في البالِ كموّالِ هديلْ .

 

يا ما أحببتُ رجوعَكَ للدارِ

ولو أغنية تملأُ شبّاكَ العشقِ مواويلْ !

 

يا ما أحببتُ رجوعكَ

يا زهرَ الحنطةِ في الصيف

لتملأَ بالزيتِ فوانيسَ السهراتِ

وتوقظَ بالضحكات فضاء الليلْ ..

 

وتُشَوّقَ بابَ البيتِ بأجملِ إشراقه .

 

يا رقراقَ عيونكَ

والدمعُ الهاطلُ يا رَقْرَاقَهْ !

يا رقراقَ عيونكَ بين الغربةِ والأغرابْ !

 

علّمناكَ زراعةَ بستانِ الحزن ِ

وشتلاتِ اللوزِ على ترعِ الدمعِ

فلم تعقدْ أزهاركَ باللوزِ

لماذا لم تعقدْ يا شجرَ الأحبابْ ؟

 

كغريبٍ تجلسُ قدّامَ البحرِ

وتسألُ عن أسبابِ رحيلكَ

لكنكَ لستَ تُجابْ !

 

كلُّ عذاباتِ الناسِ لها أسبابٌ

إلا أسبابُ عذابكَ

ليسَ لها يا مهجورُ جوابْ !

 

آهِ على عنّاتِ حنينٍ

من مزمارٍ مبحوحٍ يا زريابْ !

لكأنّي أسمعُ صوتكَ في هدآتِ الليلِ

يرنُّ وراءَ البابْ !

 

.. يا ما أحببتُ رجوعكَ

مثل أغاني العودةِ من بابِ الدارِ

المفتوحِ على الغيّابْ !

 

ورسمتُ على شمسِ المغربِ اسمك بالسكّينِ

فسالَ دمُ المغربِ

ممزوجاً بالنرجس والعنّابْ .

 

كمْ أغنية تشتاقُ إلى صوتكَ

ياذا الصوت الطيبِ

كمْ تنهيدة ليلٍ تتنهنهُ بين شفاهكَ

يا بنَ الخضرةِ والأعشاشْ ؟

 

يا همّاشُ رحلتَ وراءَ نعوشِ الليلِ

وشيعناكَ بعيداً في الغربةِ

والغربةُ ليسَ تُعاش ْ !

وتظلُّ تهيمُ وحيداً في صحراءِ العزلةِ

يا همّاشْ !

 

في الغربةِ من يطرقُ بابكَ

حينَ تُطيلُ سآمةُ ساعاتِ الليلِ

عذابَكْ ؟

من يؤنسُ روحكَ

حين يحينُ مواتُ الأحلامِ

ويرحلُ آخرُ أصحابكَ ..

من يحرسُ يا قرّةَ عينِ الباكينَ

غيابَكْ ؟

 

من يشتاقُ أواخرَ أوقاتِ المغربِ

حين يؤوبُ الناسُ

إلى ضمّكَ بالقلبِ

سوى أمّكَ ..

من يشتاقكَ كي يسقيكَ

بكأسِ العينِ شرابَكْ ؟

 

يا نهرّيةَ ريحٍ تترعرعُ بين حقولِ الحنطةِ

كمْ أغنية تشتاقُ إلى صوتكَ

كم نسمة صبحٍ تعتلّ إذا هزّتْ

فوق حبال الصيف ثيابكْ ؟

 

أما الآنَ فوجهكَ مصلوبٌ

في المطرِ المذروفِ

وروحكَ روحُ غريبٍ

ينعى في النأي فراقهْ !

لم يبقَ سواكَ على شبّاكِ الليلِ

ولحنُ وداعٍ مبحوحٍ

ينعى في الليلِ الضائعِ

غربتَهُ ورفاقه !

 

يا رقراقَ عيونكَ والدمعُ الهاطلُ يا رقراقه !

 

حمّلتَ متاعكَ في نعشِ الليلِ

وشيّعناكَ بعيداً عن وطنِ الأعشاشْ ..

 

وظللتَ تهيمُ وحيداً

في صحراءِ العزلةِ

يا همّاشْ .

 

ساعات السآمة الليليّة

 

يا ليلَ الشاعرِ أرخِ سدولكَ

فوقَ كآبة ِهذي الروحِ

كقمصانِ الأيتامِ

وعانقْ بسكينتكَ السوداءِ

مساءاتِ العزلةِ

حين تعزُّ عليها الدمعةُ

فالقلبُ حزينٌ ، جدُّ حزينْ !

 

إنَّ مرارةَ هذي الروحِ

تريقُ عصارتها المرّةَ في قدحِ السمِّ

وتلعقهُ كأفاعي العتماتِ الجوعى

ألسنةُ العطشِ العنينْ .

 

يا ليلَ الشاعرِ في ذيّاكَ الحينْ ..

 

حينَ تغيبُ شموسُ الوحشةِ خاشعةً

كشموعِ الرهبانِ

ويهبطُ قلبكَ في بئرِ الدارِ المهجورةِ

كالقمرِ الميتِ

فتمتصُّ دموعكَ ديدانُ الطينْ !

 

حينَ تفيضُ عيونُ جراحكَ

حتى تملأَ صدركَ بالحسراتِ

وتبصرُّ كالمخمورِ تعاسةَ نفسكَ

في نظراتِ السكرانينْ .

 

يا ليلَ الشاعرِ

حينَ تكلُّ حياتُكَ في ساعاتِ سآمتها

الليليّةِ

كالبندولِ الضجرانِ

ويغرقُ عمرك َكالمستنقعِ في سأمِ الخمسينْ !

 

يتجوَّلُ حطّابُ الأحلامِ المكسورة ِ

في الظلماتِ الغسقيّةِ

كأميرِ عزاءٍ مهزومْ !

 

يتجوّلُ منفيَّ العقلِ على أرصفةِ الطرقاتِ

الليليّةِ

طوّافاً في أحلامِ الناسِ التعساءِ

وبينَ كوابيسِ الناسِ السعداءِ

كحمّالِ همومْ !

 

يتجوّلُ جوّاباً غيرانَ الفقراءِ الراضينَ

ومقبرةَ القمرِ القفراءَ كمأمورٍ أعمى

وينادي بالصوتِ الظمآنِ عليك ْ :

ستمرُّ غريباً يا طالبُ بين ضياعِ الليلِ

لتسألَ عن طفلكَ يا ابنَ أبيكَ النائي

وستسمعُ في بكواتِ الريحِ الأسيانةِ

ترجيعَ نواعيركَ ينعي ترجيعَ نواعيكْ !

 

ستمرُّ غريباً في الحاراتِ المتروكةِ

بعدَ مغيبِ الشمسِ

وحزنكَ كالمغلوبِ يجرُّ وراءكَ

نهرَ الحسراتِ الميتِ

على الطرقاتِ العطشى

ويبللكَ المطرُ الساخنُ من رأسكَ

حتى أخمص قدميكْ !

 

وستأخذكَ الدنيا الليليّةُ

كالمخمورِ لتبكي بين خراباتِ الليلِ

على ما هوَ مجروحٌ فيكْ !

 

فاليومَ ستجعلكَ الأغنيّةُ

تبكي فوق كمنجاتكَ من فرطِ مراثيكْ !

 

واليومَ تهجّركَ الريحُ

ولا ترجعكَ الريحُ

فترحلُ مغلوباً وتكرُّ جريحاً

ومحاريثُ الوحشةِ

تحرثُ في حقلِ الآهاتِ المكسورةِ قبراً لتواريكْ !

 

تبكي روحكَ في مطراتِ الليلِ

ترقرقَ هذي العبراتِ

المذروفةِ يا محزونُ

فمن يعرفُ أن المطرَ المذروفَ

غزيراً يترقرقُ بين مآقيكْ !

 

من يعرفُ أن البكوةَ نطقُ دموعِ العينِ

وأن الآهةَ نطقُ شفاهِ الروحِ

وأن الحسراتِ المكسورةَ

نطقُ قلوبِ الباكينْ ؟

 

يا ليلَ الشاعر أرخِ سدولكَ

فوق كآبةِ هذي الروحِ كأكفانِ الأيتامِ

وعانق بسكينتك السوداءِ

مساءات العزلةِ

حين تعزُّ عليها الدمعةُ

فالقلبُ حزينٌ ، جدُّ حزينْ .

 

 

وتسافرُ يا طيرُ وحيداً بين دروبِ التينْ .

يا طيرَ الحزنِ البردانَ على أطرافِ التينْ !

 

ليسَ لكَ الآنَ سوى التغريدِ

بصوتٍ مكسورٍ وحزينْ !

 

رحلت قافلةُ الأسرابِ

ولم يبقَ سوى أشجارِ الحورِ

العريانةِ واقفة في البستانِ ،

كفزّاعاتِ الريح ِالليليّاتِ

وأشجارِ الدمعِ

كحرّاسِ الحزنِ الليليينْ !

 

آهٍ من ساعاتِ الوحدةِ

كم هيَ مؤلمةٌ للروحِ

وآهٍ من صمتِ البحرِ اليائسِ

كم هوَ يا نفسُ دفينْ !

 

الآنَ تفتّحُ ذكرى الآمالِ المرّةِ

من طيَاتِ القلبِ المتعبِ كالأشواكِ

وتسقطُ في قبري الثمراتُ الفجّةُ

من نعواتِ البكّائينْ !

 

آهٍ مما يجعلُ قلبَ العاشقِ

يبكي في ساعاتِ الغسقِ السكرانةِ

إذ تتجمّعُ كل النظرات المجروحةِ

في تجويفِ العينْ !

 

.. فالآنَ يطيرُ اللقلقُ تحت سماءٍ مقفرةٍ

ونواعيرُ الليلِ تديرُ عنينَ الأعمارِ

الرحّلِ مالئةً صحراءَ العمر عنينْ !

 

عبرَ ثقوبِ الناي السبعةِ

تبكي بأحاسيسِ الحزنِ مساءاتُ الموسيقى

وترتّلُ بين سطورِ الحسراتِ الأسيانةِ

أبياتَ وداعٍ ونداءات حنينْ

 

يا طيرَ الوحشةِ يا من تقفُ اليومَ

على بابِ الدمعِ وقوف الباكينْ !

دعني أنحت تصويرةَ روحي كالطاحونة ِ

في الصخرِ

وأنقش رقّةَ روحي كالنافورةِ في صلصالةِ طينْ !

 

دعني أنحت جرحَ المغربِ في خشبِ النعشِ

وأستغرقُ كالحالمِ في تفكيرٍ مرٍّ وحزينْ !

 

حزنُ المغربِ حزنُ قلوب ٍداميةٍ

تتلوّى من لوعتها في ندمِ الطينْ .

 

حزنُ المغربِ مثل عصارة ِقلبٍ أبيضَ

تعتصرُ الناياتُ خلاصتَهُ العذبةَ

في إبريقِ الدمعِ

وتسقيهِ كؤوسَ القديسينْ !

 

حزنُ المغربِ حزنٌ يترقرقُ

مثل شموعِ العتمةِ وهي تسيلُ

مع العبراتِ جداولُهَا المرّةُ

حافرةً مجرى العزلةِ في الأنفاقْ .

 

يا طيرَ الوحشةِ هل تعرفُ كيف

يغوصُ الشاعرُ في أنفاقِ كآبتهِ

السوداءِ

ويغمضُ عينيه على عتماتِ الأعماقْ ؟

 

هل تعرفُ كيف تصيحُ الصرخةُ

يائسةً في البئِر الموحش ِ: ما عدتُ أطاقْ ؟

 

كبرَ البستانُ وشاخَ خريفُ الوحشةِ

في شيخوخةِ حقلِ الحورِ

وأكواخِ شتاء ِالتينْ !

 

فارفع صوتكَ بعد رحيلِ الصيفِ

وزقزقْ في البستانِ المهجورِ

زقاءَ المهجورينْ !

 

وتسافرُ يا طيرُ وحيداً بين دروبِ التينْ .

 

 

طواحين الوحشة

يا بياعَ الكتبِ المنسيّةِ

بين محطّاتِ الباصاتْ !

 

كمْ صارَ الوقتُ الآنْ ؟

 

فأنا أتسكّعُ طولَ الليلِ

وإحساسي بالعالمِ إحساسٌ سكرانْ !

 

ملأَ الناسُ زجاجاتِ الدمعِ

وسافرَ كلُّ الحزنِ وحيداً

إلاّ الركابُ

لقد أخذوا ساعاتِ الوقتِ وذابوا

كالأعينِ في النظراتْ !

 

فلماذا تقفُ اليومَ بصمتٍ

تحتَ مزاريبِ الليلِ

وأمطارُ الليلِ ( حزيناتْ )؟

 

رحلَ الناسُ وما انتظروكَ ..

ولم ترجعْ بالأفراحِ زماميرُ الباصاتْ !

 

رحلَ الناسُ

وصاروا أصنامَ حزانى

واقفةً في جدرانِ الليلِ وقوفَ الصلبانْ .

 

يا بياعَ الكتبِ الجوعانْ !

 

أَوَلَا تعرفُ كيفَ ستهدأُ في أغوارِ اليأسِ

طواحينُ الوحشةِ ،

أو كيفَ سيهدأُ في تفكيرِ الليلِ

دماغُ الرجلِ الحيرانْ ؟

 

ستونَ شتاءً يا بياعُ وأنتَ

تغنّي في الحاراتِ المهجورةِ

أبياتاً لرثاءِ العمرِ

وتنسى في الحزنِ مراثيكْ !

 

كلماتُكَ أبياتٌ باكيةٌ

يكتبها الشعراءُ بحبرِ الحسراتِ المجروحِ

على صفحاتِ مآسيكْ !

 

آهٍ من حزنكَ

لا صوتُكَ في الحزنِ عميقٌ يتلجلجُ بين حناياكَ

ولا رجعكَ في الليلِ المكدودِ

كرجعِ الريحِ الحافي

ويظلُّ أساكَ يراودُ باليأسِ أماسيكْ !

 

الشمسُ تغيبُ بغصّتها المعجونةِ بالدمعِ

وراءكَ ، والقمرُ الأعمى

وتذوبُ الدمعةُ دافئةً كالخمرةِ

في رقراقِ مآقيكْ !

 

وغريباً تتلألأُ قدّامكَ أضواءُ السيّاراتِ ..

غريباً تبكي فرقةَ روحكَ في الحاراتِ ..

غريباً تسألُ عن مسقطِ رأسكَ يا بن أبيكْ !

 

يأخذكَ الليلُ إلى حقلِ الآهاتِ،

وتأخذكَ الريحُ إلى حقلِ الحسراتِ ،

وتأخذكَ الدنيا الليليّةُ مكسوراً

كالأغنيّةِ في لحنِ مراثيكْ !

 

أوقدتَ دموعكَ في فانوسِ الليلِ

ورحتَ وحيداً تتطلّعُ تطليعةَ مجروحٍ

في قمرِ المغربِ ..

تصغي يا حيرانَ الروحِ

إلى صوتِ الناعي في البئرِ

كأنَّ البئرَ يغوصُ عميقاً في عينيكْ !

 

ما من أحدٍ

سيدقُّ عليكَ البابَ سوى

الرجلُ الليليُّ الغامضُ

يأتي متشحاً بظلامِ الليلِ

ويطبقُ أجفانَ الموتِ عليكْ!

 

آهٍ يا بياعَ تعاويذِ الحزنِ المنسيةِ

آهٍ يا جدّاهْ !

 

إمّا أبصرتَ غريباً أخبرهُ

بأني مالا أبحثُ عنهُ أجدهُ

وما أرغبُ في رؤيتهِ لا ألقاهْ !

 

آهٍ يا جدّاهْ !

 

كمْ كانَ زهيداً يا جدّاهُ استمتاعكَ

بالعمرِ ..

وكم كانَ شحيحاً ما أعطتكَ الفاقةُ

تُعطى الحيرةَ والوحدةَ والفقرَ

وما تحتاجُ إليهِ طويلاً لا تُعطاهْ !

 

آهٍ آهٍ يا جدّاهْ !

آهٍ ما أوحدكَ الآنْ !

 

يسقطُ فرخُ حمامٍ من أعشاشِ الريحِ

ويغربُ في الأرضِ غناءُ الكروانْ !

يتلاقى قدحانِ على طاولةِ الليلِ

غريبينِ وينكسرانْ .

 

يتجاوبُ في الصمتِ الأسودِ صوتانِ ضريران

الأولُ باكٍ

والثاني يتنزّلُ كالدمعةِ من حدقِ السكرانْ !

 

آهٍ يا بياعَ الكتبِ المنسيّةِ

يا من تجلسُ مستاءً وعجوزاً في بابِ الدكّانْ !

 

ليسَ لكَ الآنَ سوى التحديقِ ،

ووزنِ الصمتِ الشاسعِ

والوقتِ الضائعِ بالميزانْ.

 

سافرَ كلُّ الناسِ

ونحنُ قطعنا لليلِ تذاكرنا

وملأنا بالأيّامِ حقائبنا

ورحلنا نقرأُ آثارَ الريحِ على الجدرانْ .

 

فعناوينُ الناسِ مخبّأةٌ بجيوبِ الناسِ

وحزنكَ يا بياعُ بلا عنوانْ .

 

خبّرني يا حمّالَ همومِ الناسِ

لماذا رحلَ الهرمونَ مع المغربِ

كالأشباحِ

وما عادَ مع الصبحِ أعزّاءُ الناسْ ؟

فظللنا نتبصّرُ أطيافَ مدامعهم في صمتِ الكاسْ !

 

هل شفّوا كنحوتِ الوحشةِ

في وقفاتِ الليلِ المكسورةِ

حتى ما عدنا نبصرهم إلا في سكراتْ ؟

أم صاروا كرنينٍ باكٍ في الأجراسْ ؟

 

وتسافرُ من دونكَ كلُّ قطاراتِ الليلِ

وتبقى أوراقُ الكتبِ المصفرّةِ

تسقط فوقكَ كالميتاتْ .

 

 

ريح شتاء متوحّشة

يا ليلُ ترقرقْ بدموعكَ

يا ليلُ ... فراقاً بعدَ فراقْ !

 

ما عادَ الروحُ يطيقُ الوحشةَ

والوحشةُ ليسَ تُطاقْ

 

تحتَ القمرِ الغاربِ

قلبٌ يتدفّقُ بالدمعِ الساخنِ

_ آهٍ يا ربُّ _

وللغربةِ آخرُ أغنيةٍ

تنتحبُ الآنَ على الأشجارِ المنتحبه !

 

آهٍ يا ربَّ الغربةِ

ما أصعبَ هذي الغربه !

ما أصعبَ هذا اليأسَ العاقْ !

 

ألفُ كمانٍ تتألّمُ موسيقاهُ

المصلوبةُ بالأصواتِ السودِ

وألفُ غرابٍ

يغرزُ مخلبَهُ الجائعَ في النفسِ المكتئبه !

 

آهٍ يا ربَّ الغربةِ

من يرحمُ روحَ الراهبِ

حين تحيطُ وحوشُ الوحدةِ

كالأشباحِ مراثيهِ

ويغدو منتصفُ الليلِ الموحشُ

نعشاً لمراراتِ الروحِ المغتصبه ؟

 

من يرحمُ روحَ الراهبِ

حين تموتُ من الإرهاقْ ؟

 

مغترباً وسطَ رياحِ الأرضِ الأربعِ

يرتفعُ البحرُ بإيقاعِ الحزنِ الضائعِ

فوق دماغي الميتِ ،

ويهطلُ في شلّالِ الريحِ

شقاءُ الأرواحِ المغتربه !

 

آهٍ يا ربَّ الغربةِ

ما أصعبَ هذي الغربه !

 

ما أصعبَ أن تتماوتَ ناياتُ الألمِ الليليّةِ بالأشجانِ ،

وتغرورقَ كلّ مآقي الغيمِ المتعبِ بالعبراتِ المنسكبه !

 

ما أصعبَ أن تتصاعدَ كلُّ الأصواتِ المتألّمةِ المرّةِ

من أرحامِ الآبارِ

كصوتِ رجاءٍ محترقٍ

يترقرقُ بالألمِ الشاقْ !

 

فترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ فراقاً بعد فراقْ !

 

هرّت أوراقُ الحورِ على أرصفةِ الدارِ المهجورةِ

فبكيتُ وحيداً في هبّةِ ريحٍ يا دارْ !

 

هرّتْ أوراقُ الحورِ

وصارَ غناءُ البلبلِ

عند نهاياتِ الأشجارْ !

 

آهٍ ياهدآتِ المشمشِ

آهٍ يا هدآتْ !!

هرّت أوراقُ الحورِ...

وأيلولُ المتعبُ يكتبُ سيرتَهُ المجروحةَ

بينَ مماشي المشمشِ بالدمعِ

ورخرخةِ الغيماتْ !

 

آهِ على هبّةِ ريحٍ

هائمةٍ في سهلِ الآهاتْ !

 

آهِ على تنهيداتِ حفيفٍ

يحملها الشجرُ النائمُ في أحلامِ الريحِ

مع الهبّاتْ !

 

آهِ على رفِّ حمامٍ

يتهادى فوق حفافي الوادي

شَلْحَاتٍ .. شَلْحَاتْ !

آهٍ من أشواقٍ

ترقدُ في أعماقِ القلبِ الحافي

وتهزُّ بكاءَ الروحِ من الأعماقْ !

 

يا قلبُ فكيفَ تطيقُ الغربةَ

والغربةُ ليسَ تُطاقْ ؟

 

صرخاتُ الغربةِ ريحُ شتاءٍ متوحّشةٌ

تتمزّقُ في روحِ الباكي

كشرارةِ نارْ !

 

صرخاتُ الغربةِ يا ليلُ

قصائدُ نعيٍ يتعلّقُ مطلعُهَا الطلليُّ الفاجعُ

كالنعواتِ على كلّ جدارْ !

 

صرخاتُ الغربةِ صوتُ صهيلٍ مكسورٍ

في جنباتِ الوعرِ

ورجعُ نحيبٍ حارْ !

 

صرخاتُ الغربةِ في إيقاعِ اليأس المتعاظمِ

تتلاطمُ كالأمواجِ المصطخبه !

 

آهٍ يا ربَّ الغربةِ

ما أصعبَ هذي الغربه !

حزنُ القلبِ عظيمٌ

وعظيمٌ في هذي اللحظاتِ الصعبه !

هبّتْ رائحةُ القبرِ مع الريحِ

وسالَ نواحُ كمنجاتِ النعي

على نهرِ النغماتِ المنكسره !

 

هبّتْ رائحةُ القبرِ

وحلَّ سكونُ الفصلِ المظلمِ

في أروقةِ الموتِ السوداءِ

ولاحتْ كخريفِ الأعمارِ

نهاياتُ الأيّامِ المحتضره !

 

الآنَ سترقدُ في أعماقِ الروحِ المتعبِ

كلُّ أسابيعِ اليأسِ المنطمره ...

ويعودُ الكونُ إلى وحدتهِ المدفونةِ

في الأعماقْ !

 

حلَّ أوانُ الفصلِ المظلمِ يا روحُ

ودقّتْ ساعاتُ العتمةِ

دقّتَها الميتةَ

في جمجمةِ القلقِ العاقْ !

 

يا قلبُ ترقرقْ بدموعكَ

يا قلبُ .. فراقاً بعدَ فراقْ !

 

صورُ الأحبابِ مسافرةٌ

تتراءى كطيورِ المغربِ في عينيّ

وتنحلُّ مع الدمعِ عزاءً

لفؤادٍ يتعزّى في كلِّ عذابْ !

 

صورُ الأحبابِ مسافرةٌ كطيورِ الهجرةِ

في عينيّ

وراجعةٌ كلُّ تصاويرِ الأغراب ْ .

 

آهٍ يا أغنيةَ الريحِ المحترقه !

ما عادت تتراءى في أعيننا

غيرُ تصاويرِ الرُّحّلِ والغيّابْ !

 

فلأيّ مصيرٍ تغرقُ شمسُ الغائبِ

في أجواءِ الشفقه ؟ ..

وتصيخُ نصوبُ الصخرِ مسامعها

لفؤوسٍ تتعاركُ كالصيحاتِ

على سندانِ القدرِ العنّينْ ؟

 

وأنامُ على صدركِ يا ريحُ غريباً

مملوءاً بالأشجانِ

أغنّي أغنيةَ الحيرانِ مع الريحِ

وصوتُ هزيمِ الريحِ حزينْ !

 

تهتزُّ شجيراتُ الشوقِ فتشتاقُ الروحُ

وتنسابُ دموعُ الحزنِ على سكّينْ !

 

يا بَكْوَةَ روحٍ تتنهنهُ في العتمةِ

وا أسفاهُ لقد صارَ القلبُ الساهي

كتلةَ طينْ !

 

ما عدنا نكتبُ اسمَ الحزنِ الضائعِ

بالشوقِ على طرقاتِ العشّاقْ !

 

.. صورُ الأحبابِ مسافرةٌ

كتوابيتِ الموسيقى الليليّةِ

وضريحُ الغربةِ ضاقْ !

 

يا قلبُ ترقرقْ بدموعكَ يا قلبُ

فراقاً بعدَ فراقْ !

الغربةُ صرخةُ روحٍ

تتمزّقُ في جبروتِ الأرضِ

وألفُ جريحٍ يتألّمُ في أغنيةِ الترحالِ المرّةِ

ألفُ جريحْ !

 

الغربةُ شَبَّابَاتٌ تتناومُ بالأشجانِ

وتنداحُ بكاويها المكلومةُ

في نهرِ الحسراتِ مع الريحْ !

 

الغربةُ صحراءُ ذئابٍ تتراكضُ بين جرودِ الصبّارِ

لشربِ دماء ضحاياها المغتصبه !

 

ما أقسى أنْ تهتزَّ على صرخاتِ الريحِ

جميعُ حقولِ القمحِ المنتهبه !

 

يا قمرَ النورِ الربّانيِّ الهادىءَ

رخرخْ نورَكَ فوق دماغي الميتِ

وأنقذني من هذي اللحظاتِ الصعبه !

 

حزنُ القلبِ عظيمٌ

وعظيمٌ صوتُ اليأسِ الغائصُ

في قاعِ السأمِ العاقْ !

آهٍ كيف تجاوبَ صوتُكَ يا ربانُ

بكلِّ عذاباتِ النفسِ المستلبه !

 

آهٍ من صحراءِ بكاءٍ تتحطّمُ تحتَ نحيبِ الموجِ

ومن أفئدةٍ تبكي نادمةً يا ربُّ

من الإرهاقْ !

ما من ألمٍ يعتصرُ الروحَ الفاقدَ

أكثرَ من مطرِ الليلِ على

شبّاكِ فراقْ !

فتألّمْ يا قلبُ من الأعماقْ !

 

 

صاحب الحزن البعيد

( إلى الراحل سليم هماش )

سلاماً بالأسى الصافي

لمن صاروا مراثي

بعدما غنّوا المواويلا!

... لمن ربّوا البلابلَ

فوقَ أعشاشِ الغروبِ

وحينما حانَ الوادعُ

تطايرتْ أرواحهم

في المشهدِ الباكي مناديلا !

 

سلاماً بالأسى الصافي

لمن حملوا على أكتافهم

حزنَ الخريفِ

وخلّفوا شيخوخةَ الأيّامِ في كوخِ الشتاءِ

ونَصَّبُوا أحزانَهم فينا تماثيلا !

 

.. لمن رجعوا إلى بيتِ العذاباتِ العتيقِ

وعلّقوا أعشاشَ وحشتهم

على شجرِ العشيّةِ

مثلَ أعشاشِ البلابلْ !

( سلاماً من صميمِ القلبِ )

للموتى الذينَ تقمّصوا شجرَ الظلامِ

وأصبحوا رهبانَ هذي الريح

في طرقِ الرواحلْ !

 

لمن زرعوا غراسَ الدمع

في كأسِ العيونِ

وحينما انسكبَ الوداعُ

مدامعاً ورديّةً

جمعوا سنابلَ زعفرانٍ للأصائلْ !

 

سلاماً بالأسى

يا صاحبَ الحزنِ البعيدِ

كتبتَ وجدكَ بالرسائلِ كالغريبِ

ولم نجدْ من بعدِ فقدكَ

غيرَ تعزيةِ الرسائلْ !

 

سلاماً يا حنونَ الصوتِ

كالناياتِ

.. من رعتِ الربابةُ قلبَهُ المجروحَ

بالوترِ الحنونِ

وروحهُ في ذلكَ

الموّالِ راحلْ !

طريقُ الحزنِ مهجورٌ على دربِ الغروبِ

وآخرُ العرباتِ لمْ ترجعْ

وما تلكَ الغيومُ

سوى حكاياتِ الرحيلِ

( رَوَاحِلٌ ) تقفو رواحلْ !

 

فيا أمّي

يذوبُ الدمعُ في عينِ الغريبِ

ولا تذوبُ دموعُ من تركوا المنازلْ !

فيا ليتَ الذينَ تغرّبوا

قالوا وداعاً

قبل أن يمضوا إلى مدنِ الغيابِ

وليتَ لم نرسلْ

ونحنُ نشيّعُ الأيّامَ بَعْدَهُمُ

حمامَ الوحشةِ الزاجلْ !

 

وداعاً بالأسى الصافي

لمن ملأوا سماءَ المغربيّةِ بالوداعِ

وسافروا عنّا سراعا !

 

.. سراعاً أطفأوا سُرُجَ العشيّةِ

واختفوا في الليلِ

والطرقِ البعيدةِ

ليتهم أخذوا ضياءَ عيوننا الثكلى

متاعَا !

رأيناهمْ يدقّونَ الرياحَ

على سنادينِ النحيبِ

ويحملونَ - محدّبينَ - على ظهورِ العمرِ

أثقالَ الهمومِ

وغربةُ الأيامِ تزدادُ اندفاعا .

 

وداعاً بالأسى الصافي

لمن تركوا الصدى السكرانَ

يسرحُ في شوارعنا العتيقةِ

والمدى الأسيانَ يزدادُ اتساعا !

فوانيسُ المساءاتِ الحزينةُ

تستديرُ بضوئها المكسورِ

نحو رحيلهم

من علّمَ المصباحَ أن يبكي التياعا ؟

غدتْ أكواخهم في الليلِ مشتى للغيومِ

ومن مضوا

يا ليتهمْ رجعوا

وليتَ الشوقَ لم ينشرْ

إلى أعشاشهم

في ذلك المنأى الشراعا !

فيا أمّي

تركنا العمرَ مجروحاً على الحيطانِ ،

ما قلنا لتلكَ الدارِ يا أمّي

وداعا !

ومن نَحَتُوا حروفَ الليلِ في أبوابِ غربتنا

أباحوا حزنَنَا للريحِ..

يا أمَّ الحزانى

في عيونِ الناسِ كيفَ الدمعُ ضاعا ؟

 

فيا ضوءَ المصابيحِ اتئدْ بالضوءِ

كي نُلقي على الماضي الوداعا !

 

 

وتر جريحْ

أزفَ الرحيلُ وحزنُ روحكَ لا يُرَاحُ

وقلوبنا ياريحُ تشربُها الجراحُ !

أزفَ الرحيلُ عن المطارحِ

كيفَ يا كهفَ الصدى

صراخاتُ وحشتنا تُصاحُ ؟

 

صوتي على من غابَ مجروحٌ

ونعيُ الريحِ يرثي نأي

من بَعَدُوا وراحوا ..

أبكاكَ يا ألمي الشجى

والحزنُ إن نزفتْ دماءُ القلبِ يا ألمي يُناحُ !

عزفوا على وترِ الرياحِ

جراحنا

وديارنا كالقفرِ تُوحشها الرياحُ

بعدَ الأسى لا مستراحُ لروحِكَ المكسورِ

من بعدِ الأسى لا مستراحُ

يا ليتَ غربتنا على هذا الترابِ

وعمرنا كالرملِ تمحوهُ الرياحُ

 

 

حمص وشيخوخة الشتاء

حينَ حطَّ مالكُ الحزينِ في أواخرِ المساءْ

على طريقِ الهجرةِ الطويلِ

عندَ أطرافِ القرى

وراحَ يسمعُ النواعيرَ التي تئنُّ مع الريحِ

على طولِ السهولِ

والغناءَ هاطلاً كوابلِ الدموعِ

من حناجرِ البكاءْ !

 

ومدَّ جانحيهِ سائلاً

بلوعةِ الحنينْ

ورافعاً منقارهُ الطويلَ كالمزمارِ

صاحَ مالكُ الحزينْ

أهذهِ حمصُ التي يخالُ للناظرِ من ذاكَ البعيدِ

أنها تأخذُ شكلَ كهلةٍ

تنامُ في شيخوخةِ الشتاءْ؟

أهذه حمصُ التي تأخذُ شكلَ أولِ الأسى

وأخرِ البكاءْ ؟

وصوتها الملوّعُ المجروحُ

رافعٌ حداءهُ عن الذين ما أحبّوا

ما تعذّبوا

ولا ذاقوا مرارةَ الرحيلِ

عن مطارحِ الفراقْ ؟

 

عن الذينَ هاجروا وراءَ صوتِ الريحِ

راحلينَ راجعينَ بينَ الشامِ والعراقْ

 

حينَ حطَّ مالكُ الحزينُ

قربَ مستراحهِ القديمِ في أواخرِ القرى

وشمسُ المغربيّةِ المليئةُ الأسى

تلقي بضوءٍ أرجوانيٍّ حزينٍ

على بقاعِ العزلةِ القفراءْ

 

وحدّقتْ عيونُهُ البيضاءُ في سآمةِ السماءْ

 

رأى اللقالقَ التي تهيمُ في مواكبِ الغروبْ

رأى العذباتِ التي تجرُّ حزنها الذليلَ

والغيومَ مثلَ أسرابِ الأسى

في طيرانها البعيدِ

والحواكيرَ التي تسافرُ الرياحُ

عبر شعرها الطويلْ

 

وما رأى من أصدقائهِ القدامى

غيرَ حسرةِ الحدادِ والغيابْ

 

هناك مالكُ الحزينُ بكى

بحرقةِ المغلوبِ في مرابعِ الهديلْ

وظلَّ قائلٌ يقولُ كلما ناحَ النخيلْ

 

يخالُ للناظرِمن أقصى البعيدِ

نحو حمصَ أنها

تأخذُ شكلَ دمعةٍ بمعطفِ الأصيلْ .

* * *

في كلِّ شمسٍ غاربه

وفي ظلالِ حزنها العميقْ

يُرى هناكَ دائماً بلا رفيقْ

محدّقاً بلا نهايةٍ

في خرائبِ المدينةِ المعذّبه

محدّقاً بقلبها الجريحِ من أواخر الطريقْ

* * *

طوى جناحيهِ حزيناً ثم ماتَ

قيلَ مالكُ الحزينْ !

وظلَّ صوتُهُ يتيهُ كالأصداءِ

في وادي الحنينْ .

 

 

بئر العزلة العميق

كمْ هوَ صعبٌ يا روح ُ

فراقُ أمومةِ هذي الدارْ !

 

كم هوَ مرٌّ أن تبكي غربةَ روحكَ

بينَ العفّةِ والفاقه !

آهٍ يا قلباً مجروحاً حتى الموتِ

تعالَ إلى حقلِ الحنطةِ

وأرحْ روحكَ من آلامِ الحزنِ المرّةِ

في هبّاتِ الريحِ

وموجاتِ القمحِ الرقراقه !

 

للحنطةِ ماءةُ صوتٍ مرتعشٍ

تتناقلهُ في حقلِ الآهاتِ المكسورةِ

حنجرةُ الحسراتِ المحترقه !

 

للمغربِ ماءةُ عينٍ باكيةٍ

تتباكى كمصابيحِ الدمعِ المجروحةِ

من أولِ دارٍ في الليلِ إلى آخر دارْ !

تتغرغرُ بالدمعِ كينبوعِ حليبٍ حارْ !

 

آهٍ كم هوَ مرٌّ رجعُ حفيفِ الحنطةِ

ياروحُ

وكم هوَ رجعُ عواءِ الليلِ

حزينٌ في الوادي

ونواحُ القصبِ المبحوحِ

يثيرُ الشفقه !

 

آهٍ ياقلباً مجروحاً حتى الموتِ

لماذا نتمنّى أن نبكي بقلوبِ

جميعِ الناسِ الثكلى

وبصوتٍ يتدفّقُ بالدمعِ

الساخنِ أوقات فراقٍ صعبه ؟

 

ولماذا نجعلُ من أعيننا أعشاشَ دموعٍ

تقطرُ كلَّ غروبٍ

عبراتِ الجمرِ الحارْ ؟

آهٍ يا سكيناً مغروساً في صدرِ الغيتارْ

للصفصافةِ ماءةُ أغنيةٍ

تتغناها بحناجرها المخنوقةِ

جوقاتُ طيورٍ مثخنةٍ بعذاباتِ الغربه !

 

للوحشةِ ماءةُ فأسٍ

تتردّدُ فوقَ الصخرِ الصامتِ أصداءُ

مصائرنا

في ضرباتٍ ضائعة ٍصلبه !

 

فتعالَ وحيداً يا قلبي الميتُ

وخبّأْ حزنكَ في أعشاشِ الحنطةِ

حيث تهدهدُ راحاتُ الريحِ

صغارَ الحقلِ الرضّعَ

للغفواتِ العذبه !

 

عبر براري الريحِ

تسافرُ أوتارُ الغيتاراتِ المنتحبه

 

عبر براري الحنطةِ والريح

تجيشُ بإحساسٍ باكٍ أنفسنا المسكونةُ بأمومةِ آلامٍ

وأبوّاتٍ ضائعةٍ مغتربه

عبرَ براري الريحِ يجوبُ عويلُ الليلِ

الموحشُ شطآنَ نحيبٍ عمياءَ

ويملأُ كلَّ الليلِ بكاءً وكآبه !

 

عبرَ سهولِ الريحِ

يكوّرُ حقلُ الحنطةِ أرغفةَ الخبزِ

وتنقلها راحاتُ الموجِ

كأقراصِ الشمسِ إلى شتويةِ غابه

 

فالحنطةُ بحرٌ لسباحةِ

أجنحةِ الأحلامِ المفتوحةِ

وهي تحلّقُ فوق سعادةِ هذي الأرضِ

مغنّيةً أغنيةَ الموتِ المقتربه

 

والحنطةُ بركةُ ريحٍ مترعةٌ بالحسراتْ

 

الحنطةُ نهرُ حفيفٍ يترخّمُ مجروحاً

بمراثي الأرواحِ المهجورةِ

وأناشيدِ الهجراتْ

 

آهٍ يا قلباً يغرقُ في بئرِ العزلةِ

أنتَ تغوصُ وحيداً وكئيباً

في طمي الدمعِ

وترتحلُ الغيماتُ المرّةُ

غارسةً إبرَ الدمعِ على طرقِ الأعمارْ!

آهٍ يا غربه !!!

آهٍ من شيخوخةِ هذا العمرالمحفورِ

على جدرانِ الدارْ !

 

للحنطةِ ماءةُ قلبٍ مرتعشٍ

في بريّةِ هذي الريحِ المنتحبه .

 

 

الرقص الموحش للروح

نغماتُ الليلِ الخالدِ والخمرةُ والبحرُ

وماذا في الخمرةِ والبحرِ

وشطآن شقائي ؟

ومغاربُ مترعةٌ بمصائرِ أربابِ الحزنِ الرحّلِ

ماذا في المغرب

وطواحينِ القلقِ الجوعى ،

وتعاقبِ أعوامي ؟

 

ماذا غير عذاباتي ، وسآمة أيامي ؟

 

ومرارةُ هذي الذكرى المحفورةِ في قلبي

تعتصرُ الروحَ

وماذا في الرقصِ الموحشِ للروحِ ،

وآلافِ الصرخاتِ المجروحةِ

في حنجرةِ الريحِ ،

وترجيعاتِ رثائي ؟

 

أتطلّعُ مجروحاً في الأفقِ المقفرِ للأرضِ

فلا أبصرُ غيرَ البحرِ الموحشِ

ينداحُ أمامي ،

والمطرِ المهجورِ يموتُ ورائي !

 

يا قمرَالصبّارِ الغاربَ

خلفَ نحيبِ المطرِ الغامضِ

يقفُ الوجهُ الباكي لعناقٍ مفقودْ !

 

خلفَ نحيبِ المطرِ الغامضِ

يجلسُ شخصٌ منحوتٌ من طينِ الليلِ

وينحلُّ إلى حسراتٍ ..

شخصٌ مكدودٌ مكدودْ!

 

ووراءَ الصخرِ المنصوبِ أمامَ البحرِ الصامتِ

ينتصبُ الموتُ بشيخوختهِ الجبّارةِ

كالعرّافِ

ويحدسُ بالأقدارِ السودْ !

 

فبأيّ مغاربَ مترعةٍ بمصائرِ أربابِ الحزنِ

سيخلقُ قلبُ الشاعرِ جوَّ أمومتهِ المفقودْ ؟

 

يا قمرَ البحرِ الغاربَ

أغوارُ البئرِ كأغوارِ الراهبِ غارقةٌ

بأحاسيسِ اليأسِ الثكلى ، وسماواتِ الإشفاقْ !

 

تتنزّلُ فيها الصورُ المرئيّةُ لليلِ الأبيضِ

في ساعاتِ الإقمارِ المسكرِ

للأفقِ الرقراقْ !

تتنزّلُ فيها صورُ المرتحلينَ

وقد ذابوا مع تيارِ الموسيقى

في إيقاعٍ رقراقٍ .. رقراقْ .

 

أغوارُ البئرِ كأغوارِ الراهبِ

ترهقها صفقاتُ الريحِ

فتهبطُ قبراً قبراً

غائرةً في الأعماقْ ..

 

يتقطّرُ فيها كلُّ سكونِ البحرِ ،

وكلُّ هدوءِ الليلِ

كما تقطرُ نغمةُ موسيقى

في موجةِ إرهاقْ .

 

فانزلْ بشفافيّةِ روحي في البئرِ

لأروي مائكَ من مائي !

 

واصعدْ بالنفسِ إلى صومعةِ الليلِ

إلى أعلى أحلامي !

 

فأنا أتطلّعُ مجروحاً في الأفقِ المقفرِ للأرضِ

فلا أبصرُ غير البحرِ المتوحّشِ

يمتدُّ أمامي ،

ونحيبُ المطرِ المهجورِ يموتُ ورائي

 

لكأنَّ الشطآنَ هي المأوى

للباكينَ فراقَ أحبّتهم

والرائينَ رحيلَ مراكبهم

تحت أماسي الحسراتْ!

 

ها أنا ذا كغريبٍ أجلسُ قدّامَ البحرِ

وأقرأُ فيه سطور المرثياتْ ...

 

أترقرقُ مخمورَ الروحِ على شبّاكِ الليلِ

كما تترقرقُ في أقداحِ الدمعِ

مئاتُ التنهيداتْ !

 

تبكي شتواتُ الليلِ على داليةِ الدارِ

البردانةِ غربةَ روحي

وتسيلُ على صدري ساخنةً خيطانُ الدمعاتْ !

 

أعطاني القمرُ المرهقُ حصةَ روحي

من رقراقِ مراثيهِ

وحصةَ حزني من إيقاعِ الليلِ الأسودِ

أعطانيها الصمتُ

وغير مرارتهِ تذرافُ العبراتِ

المتعبُ ما أعطاني !

 

أغفاني رجعُ أغاني المهدِ على تغريبةِ أمّي

ومراثي الشيخوخةِ أيقظتِ الروحَ

على ما أبكاها في الخسرانِ

وأبكاني

تحت أماسي الحسراتْ !

لكأنَّ البحرَ كتابُ الأيّامِ المهجورُ

يقلّبُ أوراقَ سآمتهِ

موسيقارُ الريحِ الغارقُ في حزنِ الوترياتْ !

يا قمرَ الصبّارِ الغاربَ

بينَ اللونِ الأبيضِ للغيمِ العابرِ

واللونِ الأسودِ للغيمِ الماطرِ

رحلتْ أحلاميْ !

أبكي ما ضاعَ من الأيامِ على مجرى الجدولِ

كلَّ خريفٍ

وأغنّي أغنيةَ المهجورِ على طولِ الشاطىءِ

كلَّ شتاءْ !

كلُّ فصولِ الوحشةِ ترقدُ هادئةً في قلبي

الآنَ

وكلُّ جذوعِ الأشجارِ المقطوعةِ

تملأُ بالصرخاتِ مسائي !

فاليومَ تفارقني

ببكاءِ الموسيقى المكسورةِ آخرُ أنغامي

واليومَ يودعني في موسمهِ الميّتِ

مزمارُ رثائي !

 

آهٍ من آهاتِ البحرِ المتنهّدِ والخمرةِ والليلِ

وماذا في الخمرةِ والبحرِ

وشطآنِ شقائي؟

ماذا في تفكيرِ العقلِ الخاشعِ قدّامَ مغيبِ الشمسِ ،

ومغربِ آلامي ؟

 

مرتدياً جلبابَ العزلةِ أنظرُ في أرجاءِ الأرضِ

فلا أبصرُغيرَ البحرِالشاحبِ ينداحُ أمامي،

ونحيب المطرِ المهجورِ يموتُ ورائي .

 

 

ألف جريح

كلّ مغيبٍ وبلا أيّ عزاءْ

في ذاكَ الوقتِ الغامضِ من حزنِ الشعراءْ

 

حينَ يمدُّ الليلُ جناحيهِ

على الأنفسِ ذاتِ الحيرةِ والحسراتِ ..

على الأنفسِ ذاتِ الغربةِ والدمعِ

وغرغرةِ الغصّاتِ ،

على الأنفسِ ذاتِ عذاباتِ الحزنِ المختنقهْ !

 

في ذاكَ الوقتِ الغامضِ من حزنِ الشعراءْ

 

حينَ تهدهد روحَ الرائي سكراتُ الريحِ

فيصرخُ آهٍ يا سكراتِ الريحِ المحترقهْ !

آهٍ يا هبّاتِ الريحْ !

سيغوصُ دماغُ

العاشقِ في مُحترقِ المغربِ

في وحشةِ شمسٍ

مغربُها جدُّ جريحٍ ..جدُّ جريحْ !

 

آهٍ آهٍ يا سكراتِ الريحْ

آهٍ كيفَ تشيعُ الوحشةُ في الأرضِ

وتعتصرُ الشمسُ عصارتها المرّةَ

من أعماقِ الشفقهْ !

 

آهٍ كيفَ تعلّقُ بئرُ العزلةِ في عالمها الأعمى

مشنقةَ اليأسِ السوداءْ ..

وتشدُّ الحبلَ المعقودَ على أعناقِ الغرباءْ !

 

كلّ مغيبٍ وبلا أيِّ عزاءْ !

في ذاكَ الوقتِ الغامضِ من كلِّ مساءْ

 

في تلكَ الهدآتِ السريّةِ من ليلِ الصحراءْ

حين تفيضُ مراراتُ الحبرِ الأسودِ

في أقلامِ الحزنِ الليليّاتْ ..

ويذوبُ الليلُ مع الحبرِ الدامعِ

في كلماتِ الشعراءِ الليليينْ!

 

حين تسيلُ مع الدمعِ المذروفِ

على الورقِ المقفرِ للشعراءْ

 

كلماتٌ مرهقةٌ تتقطّرُ منها العبرات المرّةُ

كالجمراتْ

 

كيفَ يلوذُ حزينٌ بعزاءاتِ الليلِ

لينجومن تعزيمِ حزينْ ؟

 

ويصيحُ طويلاً في نهرِ الريحِ

عجوزُالشحاذينْ ؟

 

وإلى أيّ براري مقفرةٍ

يحملُ صيحاتِ المتألّمِ جريانَ الريحْ ؟

 

آهٍ آهٍ يا سكراتِ الريحْ !ِ

 

ستفيضُ مرارةُ نفسكِ

حتى تملأَ صدرك باليأسِ

ويغفو تحت تلامسِ أجراسكِ

ألفُ جريحْ !

 

آهٍ يا سكراتِ الريحِ المحترقهْ

آهٍ كيف تموتُ شموسُ المغربِ

دافنةً يأسَ العالمِ في أعماقِ الشفقهْ

 

كلّ مساءٍ كلّ مساءْ .

في ذاكَ الوقتِ الغامضِ من حزنِ الشعراءْ!

 

غيبي ياشمسَ المغربِ غيبي !

واغرسْ خنجركَ المرهفَ في القلبِ طبيبي !

 

سبعُ ( سكاكينٍ ) تتبادلُ ذبحَ عصافيرِ القلبِ

وسبعُ دموعٍ تتهاطلُ من أحداقِ نواحيبي

 

غيبي يا شمسَ المغربِ غيبي !

 

واهدأ يا قلبُ ونَمْ!

رقرقْ قطراتِ دموعكَ

في كأسِ الليلِ ونمْ !

واعصرْ فلذةَ روحكَ فوق يتامةِ هذا الهمْ !

نمْ يا قلبي الدامعَ

يا قلبي المتعبَ نَمْ !

نمْ في قبرِ حياتكَ ، تحتَ لحافِ بكائكَ

في وهمِ وجودكَ

في شرنقةِ الوهمْ !

نمْ عندَ هبوبِ الآهاتِ

وبعد سكونِ طواحينِ العقلِ المهجورةِ

مخموراً بالسّمْ !

صوتُ دموعكَ في الكأسِ عصارةُ دمْ !

صوتُ دموعكَ صوتُ الرحمةِ

وهو يكوّرُ في الصدرِ قداسةَ روحِ الأمّْ !

صوتُ دموعكَ صوتُ نقاطِ الحبرِ

المعصورةِ من أقلامِ الظمآنينْ .

 

نَمْ يا قلبي المتعبَ مغموراً باللاشيءِ

القابعِ في أعماقكَ كالوحشِ

الأعجمِ نَمْ!

 

فالكونُ حزينٌ ، جدُّ حزينْ !

كلّ مساءٍ

في ذاكَ الوقتِ الغامضِ من حزنِ الشعراءِ الليليّينْ .

 

 

كوخ الليل .. بيت الريح

أوقدْ مصباحَ المغربِ

وأجلسْ قربي يا يرعاكَ اللهْ !

أشعلْ قنديلَ مغيبكَ

فالحزنُ يجدّدُ حاجتهُ

كلّ مساءٍ

كالقصبِ الأوّاهْ !

بعد قليلٍ يترهّبُ روحُ الليلِ

وتخرجُ رائحةُ الموتِ

كرائحةِ الحزنِ الميتةِ من كلّ الأفواهْ !

آهٍ .. آهْ !

روحكَ بعدَ المغربِ مترعةٌ بغديرينِ من الدمعِ..

وروحي تترقرقُ في سَكَرَاتِ الحزنِ

كمائةِ آهْ !

 

آهٍ من بيتكَ- بيتِ الريحِ –

يئنُّ وحيداً فوقَ التلّ

وآخٍ من كوخي

_كوخِ الليل _

يشفُّ جريحاً تحت حفيفِ الشجرِ الليليّ

المبحوحِ بكاهْ !

كوخ أقصدهُ بجراحِ القلبِ الخمسةِ كلّ خريفٍ

وأغادرهُ بجراحِ الروحِ العشرةِ

كلّ شتاءٍ

وأحنُّ إلى مشتاهْ !

 

وا أسفاهُ

حفيفُ الشجرِ الليليّ

هناكَ حزينٌ حزناً

لا يمكنُ أن تفهمَ وحشته

أو يُعرفَ مغزاهْ !

 

وهناكَ يطولُ بكاءُ الوحدةِ

في بئرِ الليلِ

ويُغرقُ ماءُ المغربِ تحتَ فضاءٍ محتضرٍ

ريحانةَ روحكَ ،

يغرقُ طيونةَ حزنكَ بالدمعِ

ويرتفعُ الماءُ الأسودُ من أعمقِ أعماقكَ

حتى غيبوبةِ عينيكْ !

 

باللهِ على ضعفكَ أشعلهُ

في الصمتِ الوحشيِّ

نقيّاً .. ألقاً

رقراقاً .. مسحوراً ..نورانيّاً

باللهِ على ألامكَ

بالله عليكْ !

 

أشعلْ فانوسَ الظلماتِ اليائسِ ،

فانوسَ الندمِ الضائعِ

واجعلْ وجهكَ مكسوراً في وجهِ أخيكْ !

 

آهٍ يا بنَ أبيكَ الباكي

يا بنَ أبيكَ اليَبْسَانِ

كقشّ الريحِ الحافي

آهٍ يا بنَ أبيكْ !

 

لاينجيكَ الليلُ من الغربةِ

لا ينجيكْ !

 

والعتمةُ في عالمها الأعمى

لا تنجيكْ

 

فاجلسْ لتبادلني الدمعَ على

فقدانِ عزيزٍ غابَ !..

تناجيني بسلامِ النفسِ المكسورِ

على ما رقرقتُ من العبراتِ المرّةِ

وأصيحُ بصوتِ مسلوبٍ

صيحاتِ أسى وأناجيكْ !

 

يا أنتَ الباكي بين الحاراتِ المهجورةِ

فرقةَ أولادِ الدارِ

غريباً تتلألأُ قدّامكَ أضواءُ السياراتِ

ولا تعرفُ من أي طريقٍ ستمرُّ منافيكْ

 

غابوا الواحدَ تلو الآخر

وانتصرَ الخسرانُ عليكْ !

تتشهّى قطراتِ السكّرِ في الصبّارِ العطشانِ

وصوتُ الماءِ حزينٌ

يصعدُ من أعماقِ الدمعِ ولا يرويكْ !

 

لا ترويكَ سوى الأكوابُ الملآى

بمياهِ الليلِ

وآخرُ ساعاتِ المغربِ ذائبةٌ كالدمعِ

على كلّ الأكوابْ !

 

كم أنتَ تحنُّ إلى أعشاشِ الشوقِ المهجورةِ

بين شبابيكِ الأحبابْ !

 

كم أنتَ تحنُّ إلى ريحانِ شبابيكِ الشوقِ ،

وتحويمِ حماماتِ المغربِ فوق سطوحِ الغيّابْ !

كم أنتَ تحنُّ

وحزنكَ منحلٌّ في حسراتِ الريحِ

وآهٍ من طعمِ الحسراتِ المالحِ

آهٍ من حسراتِ القلبِ المكسورةِ ،

من نسماتِ الخوخِ السكرانةِ

آهٍ من صورٍ نبصرها بالقلبِ الفاقدِ آهْ !

 

أشعلْ فانوسَ مسائكَ

واجلسْ قربي

اجلس .. اجلس .. يا يرعاك اللهْ !

يا ترعاك قلوب الموسيقى الملآى بالغصّاتِ

ورقرقةِ التنهيداتِ المرّةِ في هبّاتِ الوحشةِ

يا ترعاكَ الطيبةُ والرأفةُ والرحمة ُوالبلوى

وعذاباتُ الأملِ الكذّابْ !

 

اجلسْ كي نسمعَ عنّاتِ نواعيرِ العزلةِ

تدعونا لبكاءِ العمر الضائعِ كالأغرابْ !

 

بعد قليلٍ يعبرُ مخلوقُ الليلِ الراهبُ

كالظلّ الأسودِ في الطرقاتِ الليليّةِ

ويدقُّ على أبوابِ الوحدةِ

والناسِ العزّلِ باباً

بابْ

 

مخلوقٌ منحوتٌ من طين الليلِ

وصلصالِ الأسلافِ المنسيينَ

يدقُّ عليكَ

وحين تهمُّ بفتح البابْ

تلقى وجهَ الراهبِ منقوشاً كالوشمِ

على كلِّ الأبوابْ !

 

تلقى كلّ تصاويرِ الناسِ الرحّلِ،

صور الشحاذينَ ( رعاةِ الطرقاتِ

المجروحينَ)

وتلقى حزنَ السكّيرينَ الذائبَ في قدحِ الدمعِ

غناءَ الغرباءِ الدامي ،

علماءَ الندمِ العميانَ

الجدّاتِ الميتاتِ ، الأجدادَ الميتونَ ، الموتى

إلاكَ وإلايَ وإلاه !

 

هو ذاكَ بعيدٌ وبعيدٌ في منآه ...

 

بعدَ قليلٍ ينغلقُ الليلُ على أبناءِ الليلِ

فيغرقُ كلُّ وحيدٍ في تكويرةِ وحدته

وينامُ القلبُ كفيفاً

في ميتمِ مأواهُ الباكي

يا مأواهْ !

 

أشعلْ فانوسَ مسائكَ في مأوانا

يا بنَ الليلِ

فحينَ يكونُ القلبُ حزيناً

تترقرقُ كلُّ دموعِ الموسيقى بينَ حناياهْ !

 

أشعلهُ .. ألقاً.. رقراقاً .. نورانياً

كي نبصرهُ عبرَ سهوبِ الريحِ

يرفرفُ أبيضَ كالغيمةِ

جلبابُ الله .

 

 

شيخوخة الأبواب

أبداً بعدَ هجوعِ العتمةِ في أبارِ المغربِ

بعد سكونِ طواحينِ العقل المهجورةِ

حين يجوبُ الحزنُ المرهقُ

أرجاءَ القلبِ المقفرِ

وتلوحُ العزلةُ في سَكَرَاتِ الليلِ الأسودِ

مقبرةً للشعراءِ الليليّينْ !

 

أبداً بعدَ المغربِ

يأتي مخلوقُ الحلمِ الغامضِ

من جهةِ الليلِ

ويمشي في الحاراتِ الليليّةِ

بحثاً عن مأوى يأويهِ من الوحدةِ

والشيخوخةِ والميتةِ

من ساعاتِ اليأسِ المجروحةِ

من ندمِ اليأسانِ

وبكوةِ أهلِ الريحِ مع الريحِ

فلا تأويهِ سوى أكواخ البكّائينْ .

 

يتجوّلُ كالأغنيةِ المبحوحةِ

في إيقاعِ الليلِ الضائعِ

وهو يجرُّ تماثيلَ العزلةِ

بين خرائبَ أجدبها الفقرُ

وهَرَّأهَا دودُ الطينْ .

 

ويصيحُ طويلاً في نهرِ الحسراتِ عجوزُ الشحاذينْ !

 

أهنالكَ في أعشاشِ العتمةِ

يا أهلَ الليلِ مكانٌ للباكينْ ؟

 

بيتٌ يقصدهُ الغرباءُ ويبكونَ بلا سببٍ

غربتهم بين الناسِ العزّلِ

... يبكونَ كآبةَ هذي الدنيا المخلوقة

من ندمِ الضجرانينْ ؟

 

والكونُ حزينٌ في قلبِ الشاعرِ

يا غرباءُ لماذا الكونُ حزينْ ؟

 

يا مخلوقَ الليلِ الغامضَ

يا من تأتي من جهةِ الليلِ

وأنتَ تجرُّ تماثيلَ العزلةِ

بين سراديبِ العتماتِ المنسيّةِ

من أوّلِ سردابٍ في أغوارِ الأرضِ

إلى آخرِ سردابْ !

 

ما من أحدٍ في البيتِ سوى كلماتٍ

تتلوّى كأفاعي العتمةِ في الحجراتِ

وشكلِ اليأس المنقوشِ

على البابِ كوشمِ غرابْ

 

ما الأصحابُ إذا جَمَّ الحزنُ الموجعُ

في حقلِ الآهاتِ

وما الأحبابْ ؟

 

من ينقذُ روحكَ من ثعبانِ اليأسِ ،

ولعنةِ هذا الأملِ الكذابْ ؟

 

 

يا مخلوقَ الليلِ لقد غابت

سفنُ العمر الأولى

بجميعِ الناسِ

وما عادَ مع السفنِ الراجعةِ الركابْ

 

فلماذا حين أكونُ وحيداً

تأتي من جهةِ البحرِ الغامضِ

وتدقُّ عليّ البابْ ؟

 

 

كمْ شاختْ أبوابٌ بعد شتاءِ العمرِ

وكم هرمتْ أبوابْ !

 

 

قطرات المطر البردانة

اليومَ يهبُّ الحزنُ على إيقاعِ

حفيفِ الحورِ

ويعلو بين محاني الأشجارِ

نواحُ الحسراتِ المبحوحْ !

 

فابكي غربةَ روحكِ في المغربِ يا روحْ!

 

واليومَ يهبُّ الحزنُ هبوبَ الريحِ

على شجرِ المُرَّانِ

فيبكي شجرُ المُرَّانِ طويلاً في الريحِ

بترجيعٍ مجروحٍ مجروحْ !

وترخرخُ أغصانُ الصفصافِ

على القلبِ الضائعِ رخرخةَ الدمعِ المسفوحْ !

 

واليومَ تريقُ دموعَ مرارتها المرّةَ

فوقَ عصارةِ هذا القلبِ

دماءُ الحسراتِ الحرّى

فترقرقُ بكوةُ نفسٍ

رقراقَ مدامعها الصافي

في بَكَوَاتِ الروح ْ !

 

آهٍ يا بكوةَ روحٍ تتنهنهُ هادئةً

في العشِّ الموحشِ للحزنِ

ويبكي تحتَ جناحِ يتامتها العصفورْ !

 

آهٍ يا هبّةَ ريحٍ تغرورقُ بالدمعِ

على أوتارِ الشجرِ المهجورْ !

آهٍ كيفَ تضيءُ الدمعةُ

في فانوسِ المغربِ روحَ حزينٍ مكسورْ !

 

تتلألأُ تحتَ سماءِ الحسرةِ

عزلتَهُ صافيةً كسراجِ البلّورْ .

 

غابَ شتاءُ الناسِ

فما من أحدٍ يسمعُ بعدَ الآن

غناءً يعتصرُ القلبَ الدامي ..

ما من أحدٍ يسمعُ لحنَ المغربِ

في بَكَويَّةِ غيتاركْ !

 

غابوا ...

المتعبُ تلوَ أخيهِ التعبان ..

وظلَّ شتاءُ الحزنِ

يرخرخُ قطراتِ المطرِ البردانةِ

فوقَ السروِ الزاهدِ في داركْ !

 

 

يا ابنَ مقاماتِ الليلِ

على أيّ مقامٍ في الحزنِ

ستنتحبُ الريحُ على عالي أشجاركْ ؟

 

غابَ شتاءُ الناسِ

فيا حزنَ السنةِ العابرِ

كيفَ يعودُ خريفكَ بالبردِ

ورقراقُ المطرِ الميّتِ

يغرورقُ في عينيكَ

وينثالُ دموعاً في كلِّ الأكوابْ ؟

 

كيفَ يعودُ خريفكَ كيفَ

وكيفَ غدونا سجناءَ زجاجاتِ الدمعِ

يقطّرنا الليلُ مع القطراتِ السكرانةِ

في أجوافِ جراركْ ؟

 

رحلَ الأحبابُ وما تركوا غيرَ مواويل حنينٍ

تتعذّبُ في الليلِ

ورجعُ نواعيرِ المغربِ

يدعونا لبكاءِ الأحبابْ !

 

رحلَ الباكونَ فراقَ أحبتهمْ

في طرقِ الهجراتِ

ورفُّ الأسرابِ الراحلُ

يطرقُ أسماعي ببكاءِ الأصواتِ

الراجعِ من شبّاكِ الغربةِ من دون جوابْ !

 

آهٍ من غفوةِ عصفورٍ في الشجرِ البردانِ

وآهٍ من أعشاشِ الشوقِ

المهجورةِ بين شبابيكِ الغيّابْ !

 

تركوني أقرأُ كالكهلِ

خطوطَ الحزنِ المحفورةِ فوقَ جداريّةِ قبرٍ محفورٍ ،

وأحدّقُ من شبّاكِ العزلةِ في الطيرانِ الراحلِ للأسرابْ .

 

 

المرأة السوداء

دائماً كنتُ ألمحها

وأنا شاردُ البالِ في شارعِ الأربعينْ

تتساقطُ منها الدموعُ التي اعتصرتها

ليالي العذاباتْ

تتساقطُ في الطرقاتْ

وتدوسُ على دمعها – غير داريةٍ –

أرجل العابرينْ !

دائماً كنتُ أسمعها

تستجرُّ بصوتٍ ذليلِ الأسى ،

بأغاني المرارة ِ

رتلاً من الأمّهاتِ الحزيناتْ ...

فإلى أين تمضي

بهذي النفوسِ التي يتجمّدُ فيها السوادُ

وبؤسُ المساءِ الضنينْ !

آهِ كلُّ النساءِ اللواتي يُجدنَ مع الفجرِ

طهوَ العجينْ ..

يتسوّلنَ في مركزِ العونِ خبزَ الإعاناتْ .

يا صديقي الصغيرْ!

صلّ في آخرِ الليلِ للهِ

علّ الأخيرْ

يعصرُ النورَ من روحهِ في عيونِ العماةْ !

 

مشهدُ الشمسِ عندَ المغيبِ

تغصُّ مصابيحُه بالأسى والعذابْ!

وهنالكَ في شارعِ الأغنياتِ الجريحةِ

حين نمرّْ ..

تحت قوسِ السآمةِ والألمِ المرِّ

نسمعُ موّالَ حزنٍ قديمٍ

ونحدسُهُ مثلَ سرّْ

فكأنَّ النساءَ الحزينات

مازلنَ يعبرنَ بين البيوتِ

ولا يطرقنَ بابْ..

وكأنَّ الفتاةَ التي سرقتها أيادي الضباب ْ

ما تزالُ على حزنها الميتِ شاردةً

في الشوارعِ لكنها لا تُرى ..

تتسوّلُ بين الدكاكينِ منسيّةً

لا تُباع ولا تُشترى ..

تسألُ الناسَ عن رأفةِ القلبِ

عن راحةِ الروحِ

عن وحشةِ الاغترابْ .

كلنا نعبرُ الشارعَ الميتَ

في وحشةٍ واغترابْ

..نقرأُ الموتَ في نظراتِ المسنّينَ

والعابرينْ ..

ونخمّنُ أن الذي يعبرُ الآنَ

ليسَ شخصاً تماما

ولكنهُ محض ظلٍّ يفتّشُ عن ملجأٍ للأمانْ ..

محضُ ظلّ يتابعُ وقعَ البكاءِ

الذي يتجاوبُ ممتلئاً بالمرارةِ

في شارعِ الأربعينْ !

فإذا نعست ساعةُ الليلِ

وانطفأت في المطاعمِ والواجهات الجميلةِ

كلُّ الشموعْ

راحَ ظلُّ الغريب يقطّرُ من قلبهِ

الدمعَ في صحن جوعْ

ويمكثُ مثل الضريرِ بزاويةِ الليل

يجترُّ وحشةَ هذا المواتْ

مصغياً لعذاباتِ شحّاذةٍ

تتذلّلُ في الطرقاتِ بصوتٍ حزينْ!

لم أعد أعبرُ الآنَ في شارعِ الأربعينْ

لم أعدْ في ليالي التذكّرِ أسمعها

وتلاشت بقلبي حلاوةُ هذي الحياةْ !

والعذاباتُ تلو العذاباتِ

تنسابُ في خاطري

كشريطٍ من الذكرياتْ

لم أعد أسمعُ الآنَ غيرَ النواحِ

ونهنهةِ المتعبينْ ..

وأغاني المرارةِ ينشدها في الشوارعِ

رتلُ النساءِ الحزيناتْ!

كالغريبِ نظرتُ كئيباً إلى شارعِ الأربعينْ

فرأيتُ نفوسَ المساكينِ في سكرةِ الليل

تبحثُ قربَ جدارِ الرمادِ

البدائيِّ عن ملجأٍ أو نفقْ ..

كنتُ أمضغُ خبزيَ ممتزجاً بالدموعِ

وقلبي من شدةِ الخفقانِ اختنقْ

فقلبتُ على ذلّ هذا الطعامِ الضنينِ الطبقْ

وتلاشى شرودي الحزينْ .

 

 

بيت مملوء بالليل

أصحابٌ كالأغرابِ وأغرابٌ كالأصحابْ !

 

حلّتْ وحشةُ أيلولَ الراحلِ يا ريحُ

وسالَ زلالُ الدمعِ من الميزابْ !

... أصحابٌ كالأغرابْ !

الأنَ سيرقدُ قدّيسُ الليلِ قريرَ الروحِ

وتملأُ عينُ الشاعرِ بالدمعِ الأكوابْ !

أصحابٌ كالأغرابِ وأغرابٌ كالأصحابْ !

والآنَ يحوكُ الحزنُ قميصَ العزلةِ للمجروحِ

وفي صومعةِ الناسكِ يغمضُ عينيهِ

سراجُ الزيت ْ .

 

حلّتْ هدأةُ أيلولَ الراحلِ يا روحُ

ورخرختِ الغيمةُ تحتَ سماءِ القمرِ المرضعِ

رخرخةً بيضاءَ على الزهرِ الميتْ !

 

حلّت هدأةُ أيلول ...

وعامتْ سكراتُ الموتِ القزحيّةُ مثل ضياءِ المغربِ

في حجراتِ البيتْ .

 

الآنَ أرتّبُ كرسيّينِ عجوزينِ

وطاولةً لخلاءِ الليلِ

وأدعو من يصدقني في الحزنِ من الخلصاءِ

فلا يأتي أحدُ ...

 

لا الأترابُ الغيّابُ ولا الأحبابُ الأطيابْ !

 

لا يأتيني غيرُ غلامٍ متّشحٍ بظلامٍ أعمى

ليعلّقَ نعوةََ موتي السوداءَ على كل الأبوابْ !

 

والانَ ترنُّ المرثيّاتُ المجروحة ُ

فوق قبورِ الوادي

ويجيءُ خريفٌ مكسورٌ

بمزاميرِ اليأسِ

ليغرقَ نفسي في غيبوبةِ حلمٍ ميتْ !

 

راحَ الرفقاءُ فرادى

كسكارى الليلِ الى غيبتهم

وبذاكَ الأفقِ الغامضِ غابوا وابتعدوا ..

 

صاروا أسماءً بيضاءَ على الألواحِ الجرحى

واندثروا تحت سكينةِ موتْ !

تركوني جرحاً مفتوحاً

أقتاتُ على ندمِ القلبِ

وأصغي في أوقاتِ الضجرِ المرّةِ

لخريرِ فراغِ البيتْ !

 

تركوني أنصبُ كالصيّادِ اليائسِ أفخاخي

بين حواكيرِ الريحِ

فلا يصطادُ كآبةَ أيّامي أحدُ !

رحلَ الرفقاءُ وليس لوحشتهم حدُّ !

 

من يجمعُ بالكأسِ نبيذَ الليلِ المتقطّرِ من داليةِ الدارِ

ومن يمسحُ دمعاتِ العتمِ المذروفةَ من أسرجةِ الغيّابْ ؟

 

هطلتْ دمعةُ أيلولَ الراهبِ يا روحُ

ورخرختِ الغيمةُ رخرخةً بيضاء َ

على زهرِ القديّساتِ

فذابت في مائي الغصّاتُ

الغصّاتُ العذبةُ

واحترقت في روحي الحسراتُ

وسال َالدمعُ زلالاً من شفةِ الميزابْ !

 

يا أيلولُ لماذا صرنا أصحاباً كالأغرابِ

وأغراباً كالأصحابْ ؟

 

رخرختِ الغيمةُ رخرخةً بيضاءَ

ولاحتْ كمناديلِ وداعٍ

بجعاتُ الصيفِ الحلوةُ فوق التلّةِ

وانتظمتْ تحت سماءِ الهجرةِ

أسراباً .. أسرابْ !

 

الآنَ يطولُ طريقُ الليلِ على الأملِ الأعمى

وتدقُّ مناقيرُ الريحِ شقوقَ الجدرانِ

محركةً بالإيقاعِ المتعبِ قنديلاً

يتعلّقُ كالقلبِ الميّتِ وسطَ فراغِ البيتْ !

 

والآنَ تلفُّ كآبةَ عقلي أكفانَُ السأمِ السوداءِ

وتحفرُ في روحي الوحشةُ نعشاً

منقوشاً بوشومِ الليلِ بلا أخشابْ !

ويصيرُ الحزنُ العاصفُ قرباناً لعذاباتِ

حزينٍ ميتْ !!

 

يا عصفورَ الحزنِ البردانَ

على شبّاكِ حنيني !

صارَ البيتُ كصومعةِ العزلةِ مملوءً بالليلِ

تجرّحهُ التنهيداتُ

ويبكيهُ أسى الحسراتْ !

 

من سيذكّرُ قلبي بأخوةِ أكواخ ِالطينِ

المسكونةِ بنحيبِ النايات ِ

وأجاعِ القصبِ المجروحِ ويرثيني ؟

 

أأظلُّ وحيداً مستاءً في عزلةِ نفسي

لا من يضحكني في الصيف

ولا في الشتويّةِ من يبكيني ؟

 

أأظلُّ وحيداً يا ندمَ الشعراءِ

الموصولَ كخيط ِالعزلةِ

من أوّلةِ الأبياتِ إلى آخرةِ الأبياتْ !

 

يا عصفورَ الحزنِ البردانَ

لقد رحلَ الأصحابْ !

هطلتْ دمعةُ أيلولَ

ورشَّ المطرُ المذروفُ بذورَ الحزنِ على الأبوابْ !

 

هطلتْ دمعة ُأيلولَ الراهبِ يا روحُ

وعامتْ سكراتُ الموتِ القزحيّةُ

مثل قناديلِ المغربِ فوق سهولِ الغابْ !

 

الآنَ تفتّحُ ذكرى الآمالِ المرّةِ

من طيّاتِ القلبِ المكسورِ

ويمتدُّ بعيداً عن شبّاكِ الناسكِ سهلُ الصمتْ !

 

والآنَ يجيءُ غلامٌ متشحٌ بالأشجانِ

ويسألني عن والدهِ الميتْ !

 

فأقولُ : أبوكَ وحيدٌ

يسكنُ كلَّ بيوتِ الناسِ

وليسَ له بيتْ !

فافتحْ قلبكَ كي نتكلّمَ عن أحبابٍ غابوا

أو سكنوا بيتَ ترابْ !

 

وقفَ الشاعرُ قدّامَ البابْ ..

وبكى أصحاباً صاروا كالأغرابِ

وأغراباً صاروا كالأصحاب ْ .

 

talebhammash@gmail.com