في أفق تفعيل الخطة الوطنية للقراءة العمومية
التأم المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء في موعده السنوي، بعدما تحول الى محطة سنوية للاحتفاء بالكتاب وبالقراءة. المعرض يأمل أن يشكل مناسبة أساسية، تروم أبعد من عرض الكتب واقتنائها الى لقاء حول أسئلة الكتاب والقراءة، حيث يلتقي المؤلف والكتبي والناشر والموزع، كي يعيدوا نسج أفق أكثر فاعلية لتداول الكتاب. في الوقت الذي أمست فيه الأرقام المهولة لانحسار المقروئية، ولإشكاليات ومعضلات توزيع الكتاب وتداوله، تطرح أكثر من علامة استفهام. خصوصا أمام المد المتنامي لأرقام المنجز وإصدارات تلامس كافة أشكال مجالات المعرفة. مما يعيد السؤال الإشكالي حول أية استراتيجية كفيلة في جعل الثقافة تتبوأ مكانها في مقدمة انشغالات الدولة المغربية والدول العربية وسياساتها؟ وحين نتحدث على المغرب الثقافي، نشير الى الندوة الوطنية التي انعقدت مؤخرا وأشرفت عليها الوزارة الوصية على القطاع، والتي أنهت أشغالها بإصدار توصيات ورصد نواة الخطة الوطنية للقراءة العمومية والتي من المفترض أن تعرف تدخل أطراف حكومية أخرى. هذه الخطة "السحرية" ستظل معلقة، مادامت الدولة المغربية لم تجعل من سؤال القراءة والكتاب، هما وشأنا يخص كافة القطاعات الحكومية، بشراكة مع المؤسسات وهذه المرة المؤسسات الفاعلة في المجتمع الثقافي، لا المؤسسات التي أمست "مقدسة" الحضور دون داعي، فالمغرب الثقافي يعرف حراكا على المستوى المنجز النصي، وأيضا على مستوى الإطارات الفاعلة والحديثة عهد النشأة. لكنها عمقت من فعل حضورها ورسخت خصوصية الحضور ببرنامجها الثقافي والمعرفي الدائم. وحين تقوم الدولة بهذا الجسر التفاعلي، يمكننا أن نتحدث عن استراتيجية واقعية لإشكالية القراءة والكتاب.
ومادام معرض الدارالبيضاء الدولي للنشر والكتاب، ليس إلآ محطة واحدة داخل محطات ومواعيد عربية (القاهرة، أبو ظبي، بيروت، الجزائر...)، فإنه الأجدر أن نتحدث عن شبكة المعارض العربية والتي لو اجتمعت لاستطاعت الانخراط في هذه الإشكاليات، بما يمكنها أن تتجاوز تلك النظرة التقليدية في أن انعقاد المعرض الدولي يجب أن يكون تتويجا واحتفاء لا بالكتاب وحده، بل بالتحول الى جعل السؤال الثقافي في ديدن أية استراتيجية عربية مشتركة. خصوصا في ظل الوضع القائم اليوم، فالكتاب العربي غير قادر على التداول حتى وسط قراءه العرب، بفعل التعقيدات الإدارية وتهلهل التوزيع وتمرس البيروقراطية الإدارية. زيادة على غياب إرادة سياسية عربية تنخرط في هذا الباب بوعي أن ما تفرقه تسويات وشعارات السياسة، يمكن للثقافي أن يوحدها. فالقضاء على الأمية الثقافية رهان يتساوى مع التفكير في امتلاك "قنبلة نووية"، نضعها على الرفوف للتباهي. اللهم تكوين جيل ينخرط في العصر بالمعرفة الحقة وبالتكوين اللازم، ولعل إحدى تحديات العولمة اليوم يدفعنا الى المزيد من التفكير في التسريع من وثيرة هذا الفعل والانخراط التدريجي في كينونة الحوار الثقافي، عبر تسريع من وثيرة حضور الترجمة بنوعيها، أن نقرأ الأخر بموازاة أن يقرأنا هو أيضا. وقبل أن يقرأ الأخر إنتاجنا الفكري والمعرفي والإبداعي، يجب أن نكون قد تجاوزنا المحطة الأولى: أن نقرأ لبعضنا البعض.
لقد أمكن للفضاء الرقمي أن يضيق من هذه الفجوة. لكن الأنترنيت ظل الى اليوم، أبعد عن التفكير النقدي والمعرفي في قدرتنا على توظيفه كوسيط فعال لنشر المعرفة والتراكم والثقافي العربي. إذ لازلنا لم ننخرط بوعي أكثر شمولية في هذا الفضاء اللامحدود وعوالمه، كي نجعل ذواتنا أكثر مرآة وكي نجعل ثقافاتنا من المحيط الى الخليج، تقرب من مسافة الفجوة الرقمية من جهة، ومن معرفة الأنا المتعددة بحمولاتها الحضارية. للكتاب قدسيته، ووضعه الرمزي الذي لا غنى عنه، فهو متعة دائمة للذة القراءة وتداولها، وأي فقدان يمس هذا الباب، لن يكون إلا وضع حجر آخر على شاهد موتنا البطيء. لكن هذا الكتاب يحتاج فعلا لوعي جديد، إذا ما استطعنا جعل الأنترنيت في مقدمة الاستراتيجية لأي تجاوز لهذه الوضعية.
في مملكة الكتاب:
عبدالله العروي، محمود درويش، محمد مفتاح، عبدالكبير الخطيبي، عبدالفتاح كيليطو، سهيل إدريس، سعدي يوسف، أحمد اليابوري، ابراهيم عبدالمجيد، هاني نقشبندي، محمد لفتاح، الطاهر وطار، حسن المفتي، رشيد بوجدرة، أحمد فؤاد نجم، نوري الجراح، إيمي سيزير، كاترين بانكول، جيروم مونو، فيديركو نباريتي لينارس، سانت إكزوبيري، جوسلين اللعبي، أرتور كارلوس ماوريسيو، عتيق رحيمي... هؤلاء وآخرون احتفت بهم الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب والذي نظم من 13 الى 22 فبراير2009 بالدارالبيضاء. الدورة التي كرمت وجوها ثقافية واحتفت بالسينغال الثقافي كضيف شرف. ما يقارب 117 لقاء ونشاط ثقافي برمج في إطار هذه الدورة. التي اختارت شعار "في مملكة الكتاب". المعرض الذي تنظمه وزارة الثقافة المغربية بتعاون مع مكتب معارض الدار البيضاء، اختار دولة السينغال، ومن خلالها بلدان جنوب الصحراء، في انفتاح منه على العمق الافريقي المتجذر في الوجدان الشعبي المغربي.
كما شهدت هذه الدورة مشاركة أزيد من 500 عارض مباشر وغير مباشر من المغرب والعالم العربي وأفريقيا وبعض أقطار العالم، إضافة إلى أكثر من 100 ناشر من مختلف هذه البلدان. وهكذا شاركت 41 دولة تمثل كل من: الإمارات العربية المتحدة ـ الأردن ـ مصر ـ لبنان ـ سوريا ـ المغرب ـ السعودية ـ فرنسا ـ موناكو ـ بلجيكا ـ ايطاليا ـ أمريكا ـ ليبيا ـ سلطنة عمان ـ الكويت ـ تونس ـ الجزائر ـ ايران ـ اليونان ـ المكسيك ـ البيرو ـ الأرجنتين ـ الشيلي ـ فنزويلا ـ البرازيل ـ روسيا ـ البرتغال ـ ألمانيا ـ موريتانيا ـ السينغال ـالمملكة المتحدة ـ قطر ـ البحرينـ العراق ـ جزر موريس ـ الكامرون ـ الطوكوـ كوت ديفوار ـ بوركينافاسو. وتكريسا لشعار الدورة الخامسة عشرة تم إشراك الجمهور الذي تابع المعرض، في برنامج ثقافي تضمن لقاءات مباشرة مع المبدعين والمفكرين والنقاد، كما نظمت موائد مستديرة حول العديد من الكتب والتجارب الإبداعية والقضايا الثقافية الملحة، وجلسات تذكارية مهداة لبعض أبرز الأسماء الراحلة في غضون السنة الماضية، وجلسات تكريمية لبعض الأسماء الوازنة مغربيا وعربيا ودوليا، فضلا عن العديد من الندوات والقراءات والمحاضرات المبرمجة على شرف السينغال وبلدان جنوب الصحراء، وقد تم إعداد أربعة فضاءات (قاعة محمود درويش، قاعة الحبيب الفرقاني، فضاء ليوبولد سيدار سنغوربرواق الوزارة، والقاعة الشرفية) لاستقبال برنامج التنشيط الثقافي الذي أعدته الوزارة، بشراكة مع مهنيي الكتاب، والجمعيات الثقافية، والمؤسسات الجامعية والمعاهد العليا، والمصالح الثقافية لبعض السفارات المعتمدة بالرباط.
الأنشطة الثقافية التي غاب عنها الجمهور، باستثناء بعض الفقرات. وعلاوة على البرنامج الفني الموازي، كان موعد الناشئة مع فضاء تنشيطي مخصص للأطفال استقبلهم طيلة فترة المعرض وأطرهم في محترفات للصباغة والرسم، والترميق، والمسرح، والكتابة. وسعت هذه الدورة، بنوعية برنامجها الثقافي، وخصوبة الأسماء المشاركة فيها، وأهمية القضايا المطروحة في فضاءاتها، إلى مزيد من التجذير والتحصين لشخصية هذا المعرض كملتقى ثقافي دولي مفتوح للجمهور العريض، ومختبر للأفكار والمقاربات المعنية بتطوير القراءة العمومية. وقد عقدت السيدة ثريا جبران اقريتيف وزيرة الثقافة المغربية، ندوة صحفية، استبقت المعرض، صباح يومه الثلاثاء 10 فبراير 2009 بالمكتبة الوطنية بالرباط لتقديم الخطوط العامة لفعاليات المعرض الدولي الخامس عشر للنشر والكتاب، وفي كلمتها مفتتح الندوة بالمكتبة الوطنية، أشارت السيدة الوزيرة الى أن المعرض الدولي للنشر والكتاب هو أحد أهم التظاهرات الثقافية التي تنظمها الوزارة سنويا خدمة لحقل النشر والتأليف والقراءة، وذلك بانفتاح كامل وتعاون إيجابي مع المقاولات المغربية الناشرة وبدعم من عدد من المؤسسات العمومية والخاصة وأيضا بشراكة متجددة وتلقائية مع بعض المؤسسات الثقافية والحقوقية والتربوية الوطنية ذات الأهداف المشتركة.
"وقد أصبح المعرض الدولي للنشر والكتاب يكبر ويتسع سنة بعد سنة، وتزداد طلبات المشاركة ووفرة العارضين، وقد حاولت الوزارة هذه السنة توسيع فرص المشاركة في البرنامج الثقافي والفني الموازي لعرض منشورات، خصوصا على مستوى تمثيل خريطة الحقل الثقافي والفكري والأدبي الوطني، وتمثيل الأجيال المختلفة، وتمثيل اللغات الوطنية العربية الأمازيغية والعامية، فضلا عن الفرنسية بوصفها إحدى لغات الكتابة الإبداعية والفكرية والإعلامية في المملكة المغربية، ويمكن الانتباه إلى أن المحاضرين والمتدخلين في الندوات واللقاءات الحوارية، وفي عروض فضاء الطفل، والفنانين المساهمين في الاحتفاليات الفنية المسائية، يعبرون عن التعدد الثقافي والفكري والجمالي في المغرب، بل ويمثلون معظم جهات البلاد من المغرب الشرقي إلى أقصى الجنوب، وانفتحت الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب، على الجمهورية السينغالية نظرا لما يجمع المغرب والسينغال معا من مرجعيات التاريخ والجغرافيا والحضارة والثقافة، وما يتقاسماه معا من قيم الأخوة والصداقة والمحبة والجوار الروحي والرمزي، وبالانفتاح على السينغال، ينفتح المعرض ثقافيا على بلدان جنوب الصحراء، تكريما لها واستحضارا لجانب من جذور الثقافة المغربية ولبعد من أبعادها التكوينية. وبالنسبة لشعار هذه الدورة "في مملكة الكتاب"، فإن الوزارة رغبت أن تعطي إشارة قوية عن مغرب الكتاب والمخطوط والمنشور، وعن مغرب الحريات الفكرية والإبداعية، ولكن أيضا عن مملكة كرمت الكتاب والكُتّاب عبر تاريخها..."
وقد أشرفت هذه السنة لجنة علمية تتكون من الباحثين والأساتذة: أحمد شوقي بنبين، محمد بنشريفة، محمد سبيلا، مصطفى القباج، أحمد اليبوري، محمد مفتاح، التجانية فرتات، فاطمة طحطاح، يحيى أبو الفرح، محمد المدلاوي. ويسعى المعرض الدولي للكتاب أن يكرس نفسه كموعد ثقافي سنوي هام، يسعى طموحه أيضا إلى تسجيل إضافة نوعية من شأنها تعزيز وتوسيع القدرات الاستقطابية للمعرض، سواء لدى مقاولات النشر الوطنية والعربية والدولية، ودوائر الإبداع والفكر والنقد بالمغرب والعالم العربي وبعض أقطار العالم، أو لدى الأوساط الإعلامية والتربوية وعموم الزوار المتوافدين على هذه التظاهرة بأعداد كبيرة ومتزايدة سنة بعد أخرى، وضمن هاجس الاحتفاء المستمر بالكتاب ومبدعيه ونقاده وقرائه، سطر المعرض برنامجا ثقافيا باستدعائنا لأسماء وتجارب ومسارات تنتسب لجغرافيات فكرية وإبداعية متنوعة ومتشابكة في آن. هكذا برمجت ندوات تتوقف بعضها عند الرهانات الخصبة لمجمل علائقة المغرب الثقافي بضيف الشرف وبعمقه الأفريقي عموما، فيما تتوزع أخرى على محاور حيوية كتدبير القطاع الثقافي، وحوار الثقافات، والأزمة المالية العالمية، والمسألة اللغوية في المغرب، وقراءة المسرح المغربي، والكتابة للأطفال، والديني والسياسي في المجتمع العربي الإسلامي، والحاجة إلى نقد ثقافي عربي، كما برمجت ندوات تذكارية لتأكيد استمرارية إلاصغاء واستلهام لأسماء رمزية كبيرة رحلت عنا بالجسد فقط بعدما تركت شعلتها وقّادة في عهدتنا، وهي أسماء كل من الشاعر العربي المتوهج محمود درويش، والأديب والناشر اللبناني الفذ سهيل ادريس، والرمز الثقافي الزنجي والإنساني إيمي سيزير، والشاعر المغربي المتجذر محمد الحبيب الفرقاني، والكاتب المغربي المتميز محمد مفتاح والزجال المغربي المجدد حسن المفتي؛ وكذا ندوات تكريمية احتفائية بمسارات فكرية وإبداعية وازنة من عيار الشاعر العربي الكبير سعدي يوسف، والأساتذة عبد الكبير الخطيبي، وعبد الفتاح كيليطو، ومحمد مفتاح، وأحمد اليبوري، إضافة إلى العديد من القراءات والمحاضرات والجلسات النقدية والتقديمية للإصدارات الحديثة، ومن ضمنها جديد إصدارات الوزارة في الإبداع والأعمال الكاملة، فضلا عن فضاء الطفل، واليوم المهني المخصص لتوطيد أواصر الحوار والتعاون بين مختلف المتدخلين والفاعلين المغاربة والعرب والأجانب في مجال صناعة الكتاب وتسويقه وتداوله.
وبالعودة للأنشطة الثقافية المبرمجة، لوحظ أن عزوف الجمهور عن بعض اللقاءات قد بدأ يشكل قاعدة في المعرض. إذ أمست بعض الندوات واللقاءات المحورية تحظى بمتابعة يتيمة، ولعل إدارة المعرض بمعية شركائها الفاعلين أن تفكر مستقبلا في صيغ كفيلة بعنصر الاجتذاب. كما أن الانفتاح على بعض الأقلام من الجيل الجديد أمسى مطلبا ملحا في جعل المعرض يلتفت الى رسالته الضمنية. خصوصا عندما يتم الحديث عن الشركاء الفعليين في إرساء ثقافة القراءة والكتاب. ولم يخل المعرض هذه السنة، من نقط الجذب، إذ تزامنت الوقفة النضالية للمعطلين مع لقاء المفكر المغربي عبدالله العروي، وقد خلفت الوقفة ذهول البعض خصوصا من المشاركين في فعاليات المعرض. كما أثر "الوضع الصحي" الذي يمر منه المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب من فعالية الحضور في البرنامج الثقافي، أو كما تعود حضوره في يوميات المعرض الثقافية. وعكس السنة الماضية، لوحظ تراجع في العناوين الجديدة التي تقترحها دور النشر العربية، بل وحتى المغربية. لكن، لوحظ تنوع في فقرات البرنامج العام بشكل حاول ملامسة مختلف الأجناس التعبيرية. كما أن انفتاح برامج المعرض على الطفل رسخ نقطة جذب قوية للمعرض هذه السنة.
سؤال التدبير الثقافي والاحتفاء برموز الثقافة العربية
من بين الفقرات الثقافية التي عرفتها فعاليات هذه الدورة، انعقاد ندوة حول: "في تدبير القطاع الثقافي: لماذا؟ وكيف؟"
شارك فيها كل من: جاك لانغ Jacques Lang(فرنسا) ومحمد بنعيسى (المغرب) الجلسة التي تغيب عنها فاروق حسني (مصر)، ونظيره التونسي، وأدارها المفكر المغربي محمد سبيلا. مداخلة جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي السابق، الذي اعتبر "أن الأنظمة الديكتاتورية والشمولية تسعى في محاولة يائسة إلى توجيه الثقافة والفكر والحد من حرية الإبداع، وقال، إن السبيل لمجابهة أحادية الفكر هو النزول إلى الجمهور الواسع، والانتماء إلى ثقافة الكتلة العريضة. وأشار في حديثه إلى أهمية التواصل مع الأجيال الجديدة، في المدارس والجامعات وتجديد البرامج التعليمية، والنظر في الوظيفة التي تلعبها «الميديا» في عالم اليوم. وأكد جاك لانغ أن على الدولة أن تمنح الفرصة للفاعلين الثقافيين لتكريس ممارسة ثقافية بعيدة عن التوجيه.."
من جهته ركز محمد بنعيسى، الذي سبق أن شغل منصب وزير الثقافة ويدير حاليا مهرجان أصيلة الثقافي، على الخصوصية التي يكتسيها العمل الثقافي في المغرب، وقال إنه يشاطر الأفكار التي ذهب إليها لانغ من حيث إشراف محدود للدولة على الحقل الثقافي، معتبرا التنمية الثقافية كلا لا يمكن تجزيئه، وبالتالي فكلما اتسع مجال التنمية كلما أفسحت الدولة المجال لشركائها، من أجل حضور أكبر في المشهد الاجتماعي والسياسي والثقافي. مركزا على تجربته السابقة في وزارة الثقافة التي استلهام خلالها التجربة الفرنسية في مجال تدبير المجال الثقافي بكل مكوناته، عن طريق المهرجانات واللقاءات المفتوحة مع الجمهور الواسع والتوجه إلى الشرائح العريضة، في خيار ينتشل الثقافة من هامشها النخبوي ويدمجها ضمن السيرورة الاجتماعية العامة.
وفي استعادة لافتة الى الشاعر العربي محمود درويش، نظمت بقاعة محمود درويش ندوة حول "ذاكرة: حول الشاعر العربي الراحل" عرفت مشاركة كل من صبحي حديدي (سوريا، باريس) ـ سعدي يوسف (العراق/ لندن) ـ الباحثة الإنكليزية جوان ماكيلي ـ كاظم جهاد (العراق، باريس) ـ بول شاوول (لبنان) ـ بحضور شقيق الشاعر أحمد درويش (فلسطين). وقد أطر اللقاء الناقد الشعري بنعيسى بوحمالة. وقد اعتبر الشاعر العراقي سعدي يوسف إن الشاعر العربي الراحل محمود درويش واءم في نصوصه الشعرية وسلوكه الإنساني بين الطريق الخاص والمسؤولية العامة، إذ أن حضور محمود درويش في الشعر والضمير العربيين سيظل يتفاعل إلى قرن مقبل. كما استحضر الشاعر العراقي علاقته الحميمة مع درويش في بيروت سنة 1982 وفي بغداد في أواسط السبعينيات، وتلا نصوصا حول محمود درويش (قمر بغداد الليموني) وآخرها قصيدة رثائية بعنوان "أيها الثاوي برام الله".
أما أحمد درويش، شقيق الشاعر محمود، فقد ألقى نصا نثريا حول معاناة والديهما إبان لجوئهما رفقة أطفالهما، في حزيران/ يونيو 1948 إلى الجليل الأعلى (شمال فلسطين)، وإلى جنوب لبنان، بحثا عن ملجأ بعدما احتلت العصابات الصهيونية أرضهما. واستحضر أحمد درويش، الذي فجع أيضا برحيل والدته حورية يوم الجمعة عن 91 عاما، روح هذه الوالدة، التي طالما حن محمود إلى خبزها، وقهوتها، وهو في منافيه البعيدة. والتي تحققت نبوءته الشعرية في خجله من دمعها، إذا وافته المنية قبلها. كما ألقت الشاعرة والباحثة الإنكليزية جوان ماكيلي قصائد لمحمود درويش مترجمة إلى اللغة الإنكليزية. وتحدث صبحي حديدي الناقد السوري المقيم بباريس عن محطتين أساسيتين في السيرة الإنسانية والشعرية لدى صديقه الراحل تتمثلان في شخصية محمود الجمالية وفي جانبه الإنساني النبيل، وذكر حديدي بأنه التقى بدرويش أول مرة في مخيم اليرموك بدمشق سنة 1976 خلال أمسية شعرية حافلة واستثنائية لمحمود درويش دعاه خلالها إلى التحرر من نير شاعر المقاومة فقط، كي يصير شاعرا كونيا، وهو ما سعى درويش بقية حياته إلى تحقيقه، عبر سعيه الحثيث نحو الشعر الصافي والجمالية. وأشار الناقد السوري إلى أن درويش كان يسعى دوما إلى الذروة التكثيفية التي تليق بقصائده، وأنه رحل وفي نفسه شيء من ملحمته "الجدارية"، الأقرب إلى قلبه، والتي كتبها بعدما نجا من عملية جراحية سابقة على القلب، اعتبر طبيبه الفرنسي خلالها أنه كان "عليه لينجو أن يقوم بانتفاضة على الموت"، وهو ما كان فعلا ولو إلى حين.
وتحدث المبدع اللبناني بول شاوول عن محمود درويش جاره ببيروت "مثال الشاعر الذي لا يعوض"، و "الشاعر الثوري الذي تحول إلى شاعر القدرية الثورية" كما تحدث الشاعر والمترجم العراقي المقيم بباريس كاظم جهاد عما أسماه علاقته "المعرفية المحضة" بدرويش خلال إقامته الباريسية، وعن الذوق الجمالي المتنوع والرفيع لدرويش خلال إدارته لمجلة "الكرمل" التي سيصدر الشهر المقبل عددها القادم والأخير "إذ لا معنى للكرمل بدون محمود درويش". وأضاف كاظم جهاد أن درويش صنع لشعبه وشعره معجما جديدا في تركيب فني ووجودي معتبرا أنه لا توجد قطيعة بين شعره الثوري وشعره الجديد بل إن هناك تطورا منسجما، وقال إن محمود درويش ساهم في التعبئة الوجودية للشعب الفلسطيني وليس في التعبئة الثورية وحدها، وعبر بشكل وجداني لا سياسي عن صناعة الغياب في إدراك منه أنها تعد جوهر المشروع الصهيوني وأن مهمة الشعرية تتمثل في تجاوز الشرخ العميق في الكيان العربي عموما.
ما معنى أن نكتب القصة القصيرة اليوم؟
طرح الكاتب والقاص المغربي عبد النبي داشين، هذا السؤال في افتتاح اللقاء الذي أكد فيه القاص المغربي إدريس الخوري، إن المجتمع المغربي مجتمع قصصي بطبعه، وهذا هو سر تميز القصة القصيرة في المغرب، مشيرا إلى أن هذا الفن يتطور باستمرار ويعرف ازدهارا كبيرا، رغم معاناته في الآونة الأخيرة مضايقات بعض النقاد الذين يحاولون سلبه هويته، مضيفا أن القصة القصيرة ليست سوى حالة إنسانية، يكفي أن تكتب بطريقة جيدة وبأسلوب ممتع. وفي معرض تدخله رفض القاص التونسي حسونة المصباحي، أن يكون هناك مجتمع قصصي وآخر روائي، معتبرا أن هذا التصنيف لا يليق بالإبداع، موضحا أن المشكلة ليست في التصنيف الذي تجاوزته الآداب العالمية، بل في أن نكتب نصا، جميلا لأن القصة القصيرة أو الرواية ليست إلا وعاءا فنيا يمثل نفسه.
من جهته قال القاص المصري، سعيد الكفراوي، إن الزمن هو زمن الكتابة الجيدة لا زمن الرواية، أو الشعر أو القصة القصيرة، معتبرا أن القول بزمن فن معين ما هو إلا خطأ نقدي، فالكتابة ليست سوى سعي للمعرفة. وقد نوه الكفراوي بالقصاصين المغاربة، واصفا إياهم بالمناضلين الكبار الذين بقوا أوفياء للقصة، رغم الشعارات التي تروج لأفولها، مذكرا بصلابة أحمد بوزفور، الذي أمضى أزيد من أربعين سنة في الكتابة القصصية. وعرف الكفراوي القصة القصيرة بأنها تلك الحالة التي تعبر عن مجتمعات مغمورة وهي الفلاحون عند يوسف إدريس، العاهرات عند موباسان، والمدرسون عند تشيخوف، يحكي القاص المصري: "في قريتي في الصعيد شغلتني فكرة الموت والرحيل في كثير من القصص"، ومن هذه القرية انتقلت إلى المدينة، حيث أنتمي لجيل شكلت هزيمة 67 وجدانه، وأنظر إلى جيل نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس أنهم أبناء الحقبة الليبرالية وبالتالي أعطوا ثراء حقيقيا للقصة وجيلنا هذا عاصر هزيمة 67 ورأينا الصلح مع العدو والانفتاح الاقتصادي وعايشنا زيارة السادات لإسرائيل.. الحكاية هي ما ورثناه عن الأهل، الذين حرموا من التعليم وتمتعوا بالثقافة الشفهية.. من جانبه، قال القاص المغربي أحمد بوزفور إن القصة القصيرة جنس أدبي مستقل بنفسه عن باقي الفنون الأخرى، مشيرا إلى أنه بدأ الكتابة منذ أربعين سنة، دافع فيها بقوة وباستماتة عن هذا الفن النبيل، مذكرا بأن "القصة القصيرة بيت من لا بيت له، وأسرة من لا أسرة له، وصوت من لا صوت له. القصة القصيرة تقول بصوتها الخافت: أنتم يا من لا يجدون مكانا لكم في هذا العالم. أيها المطرودون والمهمشون والمضطهدون: ادخلوا ملكوتي".
وأضاف "إذا كان الشعر كلمة وكانت الرواية جملة فالقصة أداة ربط. تكمن القصة في حروف الجر والشرط والنفي والاستفهام والاستدراك، وفي أسماء الإشارة والوصل وظروف الزمان والمكان والحركة. تكمن القصة في أدوات العلاقة بين الأطراف، لا في الأطراف نفسها، أي تكمن في الدقة. القصة على الأقل لا تهتم بالعالم الكبير وحقائقه، ولا بالأنا الكبرى وأوهامها، أو على الأقل هذه هي القصة كما بدأت أكتبها منذ قرابة أربعين عاما وما أزال. فَن، قلق، شكاك، نسبي ناقص، يهتم بالدقائق والتفاصيل بدل الكليات والحقائق. هذه الدقائق اللغوية هي التي يسميها النقاد بالكثافة، ويربطون بينها وبين الكثافة في الشعر. لكنهاـ بالنسبة ليـ ليست كثافة بل هي دقة. الحرص على الدقة هو ما يميز لغة القصة. لذلك أتمنى أن يستفيد نقاد القصة من فقه اللغة كي يستطيعوا اكتشاف والتقاط دقائقها".
المجلات الثقافية: ثعلب محمد زفزاف..!
استعرنا توصيف القاص والكاتب المغربي محمد صوف، في تقديمه للندوة المهمة التي احتضنتها الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب حول "المجلات الثقافية العربية (في الوطن العربي وفي العالم)"، والتي عرفت مشاركة فاعلة لكل من سماح إدريس (مجلة الآداب، بيروت) ـ سعيد بنكراد (مجلة علامات، مكناس) ـ أيمن الصياد (مجلة وجهة نظر)، وحضور الشاعر العراقي سعدي يوسف ممثلا لمجلة بانيبيال، فيما تغيب الشاعر سيف الرحبي عن مجلة نزوى. وقد تدخل في بداية الندوة الأستاذ سماح ادريس عن مجلة الآداب البيروتية، نموذج لظاهرة الاستمرارية، والذي عبر في بداية ورقته أنه سبق أن وجه إليه سؤال لما ينشر؟ فأجاب أنه لا يعرف مهنة أخرى يعيش منها بشرف وكرامة. مستعرضا علاقة الآداب بكتابها، حيث الكلمة في مواجهة أعداء الحرية. وفي الحديث عن المجلات الثقافية وراهنها اليوم، يعدل سماح إدريس السؤال بالقول: ما هي الأسباب التي تدفعك لعدم النشر؟ موضحا أن الناشر العربي يمتلك أسبابا لعدم نشر إصدار مجلة ثقافية عربية، أكثر من دواعي النشر. خصوصا عند الحديث عن المجلات المستقلة التي تنتصر لقيم الحداثة والديمقراطية. وفي عتاب مبطن، أشار سماح إدريس الى كتاب (الآداب) الذين تخلوا عن النشر بالمجلة لفائدة مجلات أخرى سخية، رغم أنهم مدينون للآداب بوجودهم الرمزي. لينتقل الى الحديث عن راهن تطور حركة نشر المجلات الثقافية، إذ أمسى من المستحيل استمرار إصدار مجلة ثقافية مستقلة. بحكم عوامل وميكانيزمات النشر والتوزيع والقراءة. انتقل سماح إدريس الى الأرقام والإحصائيات والتي تعري واقع الأمية الثقافية، مما يعني أن المجلات الثقافية أمست تصدر في واقع معادي للثقافة، إذ ما معنى للأدب في مجتمعات لا تقرأ؟؟.
الناقد والباحث سعيد بنكراد تحدث عن تجربة مجلة علامات المغربية المتخصصة، ولو أنه طالب بحضور مجلة كأمل نموذجا للمجلات العلمية المتميزة، علامات تواصل حركة الانتظام، بل وحافظت على هذه الاستمرارية (1994ـ...)، رغم أنها مجلة مستقلة لا يمولها أحد. وإذا كانت فكرة إصدار مجلة لا يمثل بالمرة رغبة فردية. فإن الباحث سعيد بنكراد يؤكد على أن تكون للمجلة ارتباط وثيق بمشروع أدبي أو فكري أو حتى سياسي. ليعرج الباحث على التجربة الفرنسية التي تربى في أحضانها، وقدم خلالها تجارب لمجلات رائدة واصلت رحلة الوجود والـتألق نظرا لارتباطها بمجتمع حي.. لكن، يشدد الباحث سعيد بنكراد أن المجلات التي استمرت هي التي ارتبطت بدور النشر. الإيمان بالديمقراطية والعلمانية، عكس في جزء منه واقع الإبدال المعرفي الجديد الذي أفرزته التسعينات من القرن الماضي وقد أمسى المثقف يعي استقلاله، يقدم اسهاماته من موقعه كمثقف. طالب سعيد بنكراد الأحزاب السياسية أن تدخل غمار إصدار مجلة تسوق لمنظومتهم الإيديولوجية ولقيمهم ولأفكارهم، إذ أن ما يقدم عليه في هذا الباب عموما، لا ينفصل على النضال العام، إرساء ثقافة عقلانية.
الأستاذ أيمن الصياد باسم مجلة وجهات نظر المصرية، تحدث عن رحلة ال10 سنوات من إصدار المجلة وقد بدت مداخلته أقل تشاءما من سابقيه. إذ انطلق من سؤال عام: أثمة ضرورة لاستمرار مجلة ثقافية؟ ومع مشاركته للقلق الذي عبر عنه سماح إدريس، إلا أنه يرى الموضوع من زاوية مختلفة. إذ استعار كلمة محمود درويش والتي يسم فيها الوضع بقوله أن الأمة مهددة. إذ هي مهددة، يؤكد أيمن الصياد، بحال مثقفيها أنفسهم، إذ تفرغوا للكتابة وهم لا يقرؤون، وعادة ما يتمترسون خلف مواقفهم "القديمة" دون فسح المجال للخلاف والنقاش والمرونة اللازمة والمرونة هنا، لا كتحول بل توسيع هامش الاستماع للأراء الأخرى، فآفة بعض المثقفين العرب أنهم لا يعبرون عن مواقفهم بقدر ما يعبرون مواقعهم.. وهنا ذكر أيمن الصياد بواقعة ما حدث في مصر لرواية الكاتب المغربي محمد شكري.. لقد جاءت فكرة مجلة وجهات نظر حرصا على إرساء ثقافة الحوار، بتعبير الصياد، ترسيخ حوار حقيقي.. مع الاعتراف أن راهننا اليوم، أمسى أمام تحدي حقيقي يهدد الصحافة التقليدية.
الشاعر العراقي سعدي يوسف تحدث عن بانيبال من موقعه كعضو في هيئة تحريرها. لكن، باستعراض جزء من مسيرته الطويلة التي بدأت في الآداب مع سهيل إدريس، ثم إصداره لمجلة المدى والتي انسحب منها، وصولا الى لقاءه بمارغريت أوبان والتي ساهم معها في مشروع المجلة "بشكل غير مباشر" والذي يعتبر مشروع "نضالي" مليء بالعنفوان والإخلاص، عمل تطوعي من جانب المترجمين والكتاب. فهناك رغبة عميقة لدى التحرير في بانيبال وكتابها الى إخراج النتاج الإبداعي من "سجنه". يقول الشاعر سعدي يوسف: "أنا سجين منذ نصف قرن ضمن هذه القيود على حرية القول، إذ من الصعب الجهر بالقول. تمسي التمتمة السبيل الوحيد للتعبير. ولعله خوف ناتج أيضا عن عقود من الخوف والقمع". المجلات الثقافية في النهاية فك لهذه العقد وللسان لهوامش أرحب وأكثر حرية.. لذلك يطالب الشاعر بالإصرار على إصدار مجلات ثقافية لأنها فعل مقاومة، ولأنها ترتبط بحركة التغيير التي تدفع الى الأمام وتضمن صيرورتها بارتباطها بحميمية وأصالة النسيج الاجتماعي للأمة.
العمق الإفريقي للمغرب الثقافي:
احتضنت فعاليات المعرض هذه السنة، وفي إطار الاحتفاء بالتجربة العميقة للثقافة السينغالية، ندوات ولقاءات تؤسس لهذا البعد. وقد افتتح هذه اللقاءات الرئيس السينغالي الأستاذ عبداللاي واد بعرض حول "الانبعاث الثقافي"، تلته ندوة "أدب الصحراء المغربية: الشفوي والمكتوب"، تم ندوة حول: "العلاقات المغربية السينغالية: نموذج التعاون جنوب ـ جنوب" شارك فيها: أحمد مختار مبو (السنيغال) ـ خالد الشكراوي ـ المعطي منجب ـ مصطفى مشرفي ـ خديجة بوتخيلي ـ يحيى أبو الفرح ـ حسن رمعون (الجزائر) من تنظيم: معهد الدراسات الإفريقية بتعاون مع وزارة الثقافة. تم ندوة حول: "العمق السوداني والمالي للمغرب" بمشاركة: فاطمة الزهراء طموح ـ أحمد شكري ـ موساوي العجلاوي ـ أحمد الآزمي. الى جانب محاضرة في موضوع: "المغرب الثقافي والروحي في عمقه الأفريقي" للأستاذ الباحث والروائي أحمد التوفيق، ولقاء حول كتاب: "الشعر الموريتاني الجديد" لمحمد ولد عبدي (موريتانيا) بمشاركة: يوسف ناوري ـ محمد أدبا. كما نظمت أمسيات شعرية لمجموعة من الشعراء السينغاليين: نافيساتو داضيوف، مباي كانا كيبي، راسين سانغور، أمادو إليمان كان. واختتمت هذه اللقاءات بفقرة ذاكرة: إيمي سيزير، كاتب مارتينيكي ورمز إفريقي.
الأدب المغربي في المهجر وأسئلة النص والعرض المسرحي
الى جانب اللقاءات المفتوحة، وفقرات التكريم. حضر الأدب المغربي في المهجر. من خلال مائدة مستديرة: "كيف يفكر المغاربة في الهجرة، كيف يكتبونها" شارك فيها الكتاب: محمد المزديوي(فرنسا) ـ محمد العمراوي(فرنسا) ـ محمد مسعاد(ألمانيا) ـ يوسف الهلالي(فرنسا) ـ علي أفيلال (فرنسا) ـ طه عدنان(بلجيكا) ـ سهام بوهلال(فرنسا) ـ محمد العلمي(الولايات المتحدة الأمريكية) ـ رشيدة لمفضل(كندا) ـ عمر منير(جمهورية التشيك) ـ حسن نرايس(فرنسا). والذين تناولوا عبر شهاداتهم العميقة حضور الأدب المغربي في جغرافيات ثقافية مختلفة. وجدل الحوار الداخلي اللساني والهوياتي.. كما نظمت ندوة "قراءة المسرح المغربي بين النص المكتوب والعرض المرئي" أشرف عليها اتحاد كتاب المغرب بتعاون مع وزارة الثقافة. وقد أكد جل المتدخلون أن المؤلف والمخرج والممثل تناوبوا على احتلال واجهة المشهد المسرحي المغربي، خلال العقود الأخيرة. وأوضح الباحثون الذين ناقشوا تاريخ المشهد المسرحي في المغرب، أن المسرح المغربي عرف مجموعة من المراحل التي تناوب فيها المبدعون في التأليف والإخراج والأداء على احتلال مركز الصدارة. إذ انطلق الباحث سعيد الناجي من سؤال حول وعي المسرحيين المغاربة بممارسة المسرح (نصا وفرجة)، وعما إذا كان الأمر يتعلق ببحث عن مسرح تجريبي، أم انخراط في سياق المسرح الأوروبي. وأضاف أن المؤلف كان المهيمن دائما في تجربة مسرح الهواة التي تراجعت في السنوات الأخيرة، لأنه يتكفل بإيصال النص إلى العرض المسرحي، قبل أن يشهد المسرح المغربي تحولا عميقا.
أما الباحث حسن بحراوي فقد أشار الى أن ظهور مهن مسرحية جديدة رجحت كفة العرض وبالتالي تراجع المؤلف إلى الوراء، وهو ما اعتبره انتصارا جديدا للعرض من خلال إبراز الممثل، وأعطى المتدخل لمحة عن المرحلة التي كان فيها المؤلف سيد الموقف، مستشهدا بمسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد، والمسرح الذهني لدى توفيق الحكيم. وفي معرض تدخله، قال الناقد والمسرحي المغربي عبد الرحمن بن زيدان، إن ظهور بعض المصطلحات الغربية في المسرح كالسينوغرافيا والدراماتورجيا والجسد قلصت من دور المؤلف وفتحت الباب على مصراعيه لبروز المخرج. وأبرز الناقد خصوصيات الفترات الانتقالية من النص الأدبي كذاكرة للتراث الأدبي والأسطورة والدخول إلى زمن العرض المرئي للمسرح والانفتاح على مختلف الفنون. من جانبه، اعتبر الدكتور حسن يوسفي أن بروز ظاهرة الدعم المسرحي أنتج أسئلة جديدة من قبيل المهنية والمأسسة والتعامل مع الموسم المسرحي، باعتبار أنها أثرت على اختيار النص والفرجة. وفي معرض حديثه، قال الناقد والشاعر اللبناني بول شاوول "لا يمكن للمخرج أن يحل محل المؤلف كما لا يمكن للمؤلف أن يحل محل المخرج"، لأن العرض المسرحي ليس في نهاية المطاف سوى نتاج لقاء بين مخيلتي المؤلف والمخرج. وبدأت أهمية النص المسرحي تتراجع داخل المؤسسة المسرحية مع بزوغ عصر المخرجين في المسرح الغربي في نهاية القرن التاسع عشر، وراهن المخرجون على الكشف عن موهبتهم الإبداعية التي تجعل لهم قولا فصلا في صناعة الفرجة المسرحية، وظهر نوع من المخرجين الذين دافعوا عن أحقية المخرج في الإبداع، وفي الجمع بين الإخراج والتأليف.
وكان الجمع بين التأليف والإخراج وراء تطور الدراماتورجيا، باعتبارها صناعة للفرجة المسرحية، وأصبح الأمر من علامات التحديث في المسرح الغربي، خاصة مع بروز مخرجين كبار من عيار برتولد بريشت وتادوز كانتور وغروتوفسكي وبيتر بروك وغيرهم، غير أن الأمر في المسرح المغربي، وحتى في المسرح العربي على ما يبدو، لم يكن المواصفات نفسها والنتيجة ذاتها. ذلك، أن المسرح العربي، كان وما يزال في حاجة إلى ترسيخ الكتابة الدرامية بتقاليدها المعروفة، كي يستطيع بعد ذلك الانزياح عن التراكمات المتحصلة. وظهرت في تلك الفترة تجارب مهمة في المسرح العربي، عملت على الجمع بين الإخراج والتأليف، لكنها بقيت مجرد تجارب محدودة، في المقابل راهن عدد كبير من المسرحيين على التأليف والإخراج، فجاءت أعمالهم ضعيفة لا هي بالأعمال الكلاسيكية المحترمة، ولا هي بالعروض المسرحية التجريبية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل انبرى عدد من الكتاب إلى المراهنة على كتابة نصوص تراعي الجانب الفرجوي والجمالي، أي تراعي خصوصية العرض المسرحي، فجاءت نصوصا مفتقرة إلى العمق الدرامي، هي عبارة عن إرشادات مسرحية متلاحقة، فلم تكن بذلك نصوصا درامية كلاسيكية، ولا مشاريع عروض مكتملة. ولعل هذا الرهان هو الذي دفع نحو الاقتباس، الذي يسمح للمخرج بأن "يشغل" المؤلف فيه، فيحصل على نص "هجين"، ومن هنا، طغى الجانب التقني، ليتجه البحث المسرحي نحو الجماليات الخالصة. وبالتالي، فالمراهنة على التجريب في المسرح أمر جميل ومستحب، ولكن المبالغة في التجريب دون حاجة ولا داع قد تنتج العكس..
ربيع القصة القصيرة في المغرب
نظمت جمعية الشروق المكناسي للثقافة لقاء الشروق الوطني السادس للقصة القصيرة أيام 13 و 14 و 15 فبراير 2009. تحت شعار: "التجريب في القصة القصيرة: انشغالاته واشتغالاته". وقد أسس هذا الملتقى السنوي حضوره اليوم في أجندة اللقاءات القصصية التي تهتم براهن القصة القصيرة في المغرب. وتجيب على هذا الحراك القصصي الذي بدأ المغرب الثقافي يعرفه السنوات الأخيرة بشكل لافت وغير مسبوق. إذ تأسست مراكز للبحث وجمعيات وإطارات تهتم بهذا الجنس الإبداعي.. بل إن المشهد القصصي في المغرب، بدأ يعرف منجزا ديناميا آخر يتمثل في القصة القصيرة جدا والتي رسخت بأسمائها وتجربتها رؤية عامة على هذا المنجز. وقد قدمت الورقة الثقافية( ) للقاء، والتي حاولت أن تقدم أرضية عامة لنقاش سؤال التجريب في القصة القصيرة، هذا الموضوع الذي سبق لمجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب أن نظمت حوله مائدة مستديرة برحاب كلية الآداب بنمسيك، بينما جاءت موضوعة البحث هذه المرة بالنسبة لملتقى الشروق لاستكمال هذا التراكم الذي عرفه الملتقى السنوي، قصد التفكير في راهن القصة القصيرة في المغرب، وتأمل الجمعية أن يشكل لقاءها الوطني مناسبة جديدة لإعادة ترسيخ لخطاب جديد حول القصة القصيرة في أفق تقعيد لأفق إبداعي أكثر إخصابا وتعددا.
الى جانب هذا اللقاء، احتضنت مدينة الجديدة، لقاء آخر حول موضوع القصة القصيرة.. إذ نظم اتحاد كتاب المغرب فرع الجديدة، مؤخرا بفضاء الخزانة الوسائطية إدريس التاشفيني بالجديدة، ندوة حول "القصة المغربية.. تحولات وأجيال" وذلك في إطار دورة محمد زفزاف السادسة للقصة القصيرة. وقد سعت هذه الندوة إلى تسليط الضوء على بعض التحولات الكمية والنوعية في منجز القصة بالمغرب انطلاقا من أسئلة وتشخيصات للمتون وإضاءات لسير الكتاب والمبدعين. وهكذا تحدث الأستاذ محمد منصور الرقاق في مستهل الندوة التي أدارها الروائي المغربي "الحبيب الدايم ربي"، عن بعض المؤثرات النصية التي بصمت ذائقته في كتابة القصة القصيرة ممثلا لذلك بنماذج مشرقية ومغربية، كما قرأ بعض النصوص القصيرة التي ما يزال يجد فيها وهجا متجددا باستمرار. من جانبه، تطرق القاص شكيب عبد الحميد إلى سيرورة القصة القصيرة بالمغرب من خلال تحقيبات اعتمدت العقود المتوالية منذ الأربعينيات من القرن الماضي مبرزا خصائص كل مرحلة على حدة، أما الباحث والقاص المصطفى اجماهري فقد عرض خلال هذه الندوة، لثلاثة مظاهر طبعت الإنتاج القصصي المغربي الحديث وهي: "تعدد اهتمامات القصاصين" و "خفوت الإيديولوجيا" ثم "الذيوع عبر الحوامل الإلكترونية".. وعالجت كل من القاصة ليلى الدردوري وأمينة بنزموري، هوية القصة القصيرة من خلال ما طرأ عليها من تحولات كمية ونوعية وكذا العلاقة الملتبسة بين القصة القصيرة بالمغرب والإيديولوجيا في اتصالهما وانفصالهما مدا وجزرا.
وقد سبق لمجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب أن نظمت لقاء حول نفس المحور:"التجريب في القصة المغربية"، معتبرة التجريب كموضوع متداول في الأوساط الأدبية المغربية اليوم، وفي الأوساط القصصية خاصة. وربما كان الحديث عنه أكبر وأوسع من إنجازاته الإبداعية. وربما كان الحديث عنه بتصورات مختلفة، وتوظيفه لغايات مختلفة، يثير من الالتباس والخلط في ذهن القارئ المغربي أكثر مما ينتج من الجِدّة والمتعة والتطوير. لتتساءل: "ما هو المفهوم النقدي الدقيق للتجريب، إن كان له هذا المفهوم؟ هل التجريب بحث في الشكل يدفع إليه ضيق الكُتّاب بالأشكال القديمة؟ هل هو ثورة اجتماعية ونفسية يؤججها سن الشباب من جهة، ودخول فئات اجتماعية جديدة إلى ميدان التعبير الأدبي، من جهة أخرى، والإقصاء الذي تمارسه المؤسسات الثقافية القائمة على الكتاب الجدد، من جهة ثالثة؟ وما هو وضع التجريب في الخطاب النقدي المغربي؟ هل يستنبط النقاد المفهوم من اجتهادات نقدية، أو من إنجازات نصوصية، أو من علاقة جدلية بينهما؟ وإلى أي حد ساهمت، وتساهم، النصوص القصصية المغربية في إنتاج وتطوير هذا المفهوم؟.." وقد عالجت المقاربات المقدمة المحاور التالية لمقاربة الموضوع: (التجريب في الخطاب النقدي حول القصة المغربية). التجريب في نصوص القصة المغربية:ـ تاريخ ورواد وتيارات.ـ التجريب في الموضوع (الفانتاستيك، مثلا).ـ التجريب في اللغة: توظيف اللهجات، الحكاية الشعبية، الفنون الأخرى... ـ التجريب في تقنيات السرد (الميتاقص، مثلا). مقاربات تطبيقية لنماذج من القصة المغربية.
ربيع القصة القصيرة في المغرب يتجدد باستمرار، بشكل أمست هذه الدينامية تمثل ديدن وقطب جذب للانتباه من طرف أقطار عربية. وهو ما يوسع من دائرة هامش التناول النقدي لهذا المنجز الإبداعي في خصوصيته ورؤاه. لكن، تظل هذه اللقاءات التي بدأت تتأسس كمواعيد قارة سنوية، محطات أساسية لإعادة تأمل هذا المشهد في حراكه وفي مستويات الأسئلة التي يفرزها. خصوصا تلك النصوص التي تنتمي بقوة الوجود الى الكتابات الجديدة، والتي تنصهر في بوثقة الاتجاه العام: ربيع القصة المغربية مستمر.
Alkalimah_maroc@yahoo.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(•) أرضية جمعية الشروق:
التجريب في القصة القصيرة: انشغالاته واشتغالاته: ما هو التجريب؟ بماذا نعرفه؟ بماذا نحدده؟ هل يمكن اعتباره مصطلحا أم مفهوما؟ أم لفظا عاديا يعبر عن ظاهرة من الواقع المعاش؟ إذا اعتبرناه مصطلحا أو مفهوما، فمتى يصير كذلك؟ وكيف يتشكل مضمونه ليصير مصطلحا أو مفهوما؟ من يدفع وكيف إلى تشكيل اللفظ في اتجاه جعله مصطلحا أو مفهوما وبالتالي جعله فضاء للتفكير والمسائلة؟ ما هي الأسباب التي تدفع لممارسة التجريب في مجال الأدب؟ هل هي أسباب ذاتية أو موضوعية؟ هل هي أسباب فردية أم جماعية؟ هل هي أسباب شخصية أم مجتمعية؟ هل يكون التجريب اختيارا أو عملا اختياريا؟ أم يكون اضطراريا أي يدفع المبدع إليه خارج حدود إرادته؟هل يمكن اعتبار التجريب نقطة بداية في مشروع تحول أدبي جماعي ـ الشيء الذي أعطى المدارس الأدبية المتعاقبة عبر الأزمان؟ أم يمكن أن يكون محطة "اختلافية" أو حتى لربما خلافية داخل زمن معين ومدرسة إبداعية معينة؟هل التجريب أسلوب تعامل أم نتيجة جهد يطال الإبداع من الداخل أو حتى من الخارج؟ وبالتالي، ما هي انشغالاته؟ كيف يولد؟ متى يوجد؟ من يُوجده؟ وما هي الدوافع لوجوده وإيجاده؟ ما هي مبرراته؟ كيف يصنعها وكيف يتعامل معها وكيف يهيئ لها مجال الحياة لكي تستمر؟ وبالتالي أيضا، ما هي اشتغالاته؟ كيف يعمل ؟ كيف يتحقق؟ ما هي أدواته؟ ما هي وسائله؟ من هم أصحابه؟ كيف يصلون إليه؟ كيف يحققونه؟ وكيف يدافعون عنه؟ وبالتالي كذلك، هل للتجريب نهاية كما له بداية؟ ومتى تكون إن أو لو تحققت؟ وماذا ومن يحققها ولماذا؟ لقد سبق وأن طرح، على الساحة المغربية والعربية، موضوع التجريب في القصة القصيرة، إلا أننا هنا نحاول مناقشته بعمق أكثر من "شهاداتي" أو نقدي، عمق يحاول أن يصل إلى تبني الطرح الفلسفي لكي نحاول الوصول إلى أجوبة مقنعة، وإن لم نستطع، أن نصل على الأقل إلى طرح أسئلة مقنعة، أو على الأقل مقلقة كي لا نمر عبر مسافات التجريب ودروبه دون أن نجني شيئا!!!.