تنحاز الكاتبة إلى المبدعات، وانحيازها للمرأة لا تكشف عنه إطلالة عجلي لقائمة المحتويات، إذ تعالج فصول الكتاب أعمال ست روائيات مقابل عشرة روائيين رجال، ولكن يبيّن الانحياز عندما نعلم أن المرأة كانت موضوعا لأعمال الرجال، فالفصول إذن توزعت بين المرأة كاتبة، والمرأة موضوعا للكتابة.

المرأة كاتبة والمرأة موضوعا للكتابة

أحمد رجـب

“تساعدنا الحكايات على رؤية العالم الواسع، على ملامسة نجمة بعيدة عبر شباك مفتوح في ليلة مقمرة، على الهرب عبر كوة خلفية صغيرة لرؤية رقصات الغجر”.. هكذا قدمت الروائية والكاتبة لنا عبدالرحمن بشاعرية كتابها “متعة السرد والحكايا.. إضاءة على روايات عالمية”. ويضم الكتاب بين دفتيه ست عشرة إضاءة على روايات عالمية بارزة، وذلك بعد خمس روايات وثلاث مجموعات قصصية أصدرتها الكاتبة، وربما عشقها للرواية، كتابة وقراءة، هو ما يبرر تلك الشاعرية الجارفة، والتي قد يراها البعض متعارضة مع الموضوعية المفترضة في عمل نقدي أو قريب من النقد.

ربما الكاتبة نفسها استشعرت ذلك، فاستدعت غابرييل غارثيا ماركيز لتستعير منه العذر، فحينما كتب “عشت لأروي” كان ظل الرواية أعلى من صدى السيرة، وهي حينما تصدت للنقد كان صوت المبدعة أعلى من الناقدة، والحقيقة أن صوت المبدعة واضح ابتداء من العنوان “متعة السرد والحكايا”، حيث يؤكد على جانب الإمتاع في السرد والحكاية، ومن ناحية أخرى يبيّن عن إدراك الكاتبة للفارق الرفيع بين فني السرد والحكاية. أما عن فائدة الرواية من وجهة نظر المبدعة/ القارئة فتضيف المقدمة “كم من رواية ساعدتنا على رؤية الجانب المظلم فينا، وكم من رواية دفعتنا نحو بهجات مثيرة وأخرى قادتنا للبكاء أو الجنون لأنها جسدت تمثيلات لما عشناه يوما”.

المرأة كاتبة

تنحاز عبدالرحمن في كتابها، الصادر عن وكالة الصحافة العربية ناشرون، إلى المبدعات، وهو انحيازها للمرأة، انحياز لا تكشف عنه إطلالة عجلى لقائمة المحتويات، إذ تعالج فصول الكتاب أعمال ست روائيات مقابل عشرة روائيين رجال، ولكن يبيّن الانحياز عندما نعلم أن المرأة كانت موضوعا لأعمال الرجال، فالفصول إذن توزعت بين المرأة كاتبة، والمرأة موضوعا للكتابة.

أول وأطول فصول الكتاب مخصص للكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي، تطرق فيها إلى عوالمها الروائية المثيرة للدهشة، ويستعيد قصة شخصية زورو، وكيف أقدمت الليندي على كتابة أعمال عن الشخصية الشهيرة، بعد عقد اتفاق مع الغرباء مالكي حقوق الشخصية، فكأن مالكي الشخصية استأجروا قلم الليندي التي سبق أن رفضت الكتابة عن عمها سلفادور الليندي، خشية الوقوع في براثن السيرة الذاتية، ويبدو أن “زورو” قد نجح في دفعها للفخ فوقعت في فخ السيرة حينما كتبت مذكراتها في “حصيلة الأيام”، وترى لنا عبدالرحمن أن تلك لم تكن المرة الأولى التي تلج فيها الليندي عالم السيرة الذاتية، فهي تعتبر “باولا” وحكايات الأم لابنتها المحتضرة ولوجا أول إلى عالم السيرة، كذلك لجأت إليه في “بلدي المخترع” الذي كشفت فيه عن علاقتها مع وطنها تشيلي، الذي غادرته إثر الانقلاب العسكري الذي قاده بيونشيه، وأطاح بالرئيس المنتخب سلفادور الليندي.

وهنا تشير عبدالرحمن إلى أن حياة المنفى تركت أثرا عميقا على شخصية الليندي وفي كتابتها، وتدلل بقول الكاتبة نفسها “لا أعتقد أن ليس لي جذورا بالمرة، فأنا أستمد جذوري من الكتب ومن اللغة وليس من المكان على الإطلاق”.

ومن السيرة لزورو، إلى رواية “بيت الأرواح”، إلى كتاب “أفروديت حكايات ووصفات” الذي خصصته لوصفات طعام تشعل الرغبة، تتنقل الكاتبة بخفة راسمة لوحة فسيفساء تعبر عن العالم المدهش للروائية المدهشة.

ومن تشيلي إلى الصين، والكاتبة وي هيوي حيث ترى عبدالرحمن أنها في رواية “الزواج من بوذا” لا تبتعد كثيرا عن الأفكار التي طرحتها في روايتها الأولى “شنغهاي بيبي”، ولكنها في الثانية تمكنت من إظهار حرفتها الروائية بشكل تقني أكثر مما هو عليه الأمر في الرواية الأولى. وعابت على وي هيوي افتقادها للعمق الإنساني الذي يمكنها من سبر أغوار النفس الإنسانية والعالم ورؤية ما خلفهما.

أما في تطرقها إلى الأميركية مارلين روبنسون وروايتها “تدبير منزلي”، فتشير عبدالرحمن إلى أن قارئ الرواية يظن للوهلة الأولى أنه سيغوص أكثر في عوالم النساء بكل أبعاده، لكن هذا غير صحيح تماما. فالهم الرئيس للرواية هو الاغتراب داخل بيت العائلة والذي يدفع الشخصيات للتشرد بحثا عن فضاء رحب.

ومن إسبانيا تختار الكتابة روسا ريغاس وروايتها “أزرق” التي تتبع اللحظات الأولى لانبعاث وهج العشق بين “أندريا” امرأة متزوجة في منتصف العمر و”مارتن” شاب يصغرها باثني عشر عاما، التقطت الرواية بحرفية هذا الحب منذ اشتعاله وحتى انطفاء جذوته. وإن كانت “أزرق” رواية عن العشق الغامض إلا أنها تبني نسيجها على التساؤلات الداخلية وعلى المزاوجة بين القلق والحب.

الكتابة عن المرأة

اختارت لنا عبدالرحمن أن تضيء للروائيين الرجال أعمالا عن المرأة، مثل “الوله التركي” للإسباني أنطونيو غالا، حيث السائحة الإسبانية “دسيدريا” وعشيقها الدليل السياحي التركي يمام، واستجابتها لعاطفتها المشتعلة، وتخليها عن زوجها راميرو، تذكرنا “دسيدريا” بـ”أندريا” بطلة رواية “أزرق”، وكأن الروايتين متفقتان في تصورهما للمرأة الإسبانية التي لا تتورع عن هدم منزل الزوجية إن وقعت في حب شاب أصغر وأقوى من الزوج.

ومن تركيا إلى اليابان حيث يكشف الكاتب أرثر غولدن النقاب عن أسرار حياة “جيشا” معتمدا على ما حكته له الراقصة اليابانية المعتزلة أيواساكي، وقد استضافته في منزلها لأسبوعين لمساعدته في التحضير لرواية تتناول حياة فتيات الجيشا، وأجابت بتفصيل شديد عن كل الأسئلة التي عنت له، وقد اعترف غولدن بفضلها في مقدمة الطبعة الإنكليزية من الرواية، إلا أن أيواساكي عادت واتهمته بأنه أفشى أسرارها حينما استخدم اسمها الحقيقي في الرواية، مما شوه سمعتها في مجتمعها الذي حافظ لقرون عدة على السرية المطلقة لكل ما يحدث بداخله، لذا رفعت ضده دعوى قضائية مطالبة بحصة من أرباح الكتاب.

وتنتقل لنا عبدالرحمن من اليابان إلى أفغانستان ورواية “ألف شمس مشرقة” لخالد حسينى، فللرواية بطلتان هما: مريم الابنة غير الشرعية لرجل غني يتم تزويجها قهرا من رشيد الذي يكبرها ويسيء معاملتها، وليلى الصبية التي يموت والداها نتيجة قصف صاروخى يدك منزلهما، ويقودها القدر للزواج من نفس الرجل، وبدلا من الغيرة الطبيعية بين الضرتين، نجد خيوط المودة والرحمة تنسج بينهما جارفة أي شعور بالكراهية.

 

جريدة العرب