يكتب الناقد العراقي أن الروائي كان واعيا بمجريات الصراع الاجتماعي والسياسي في بلده ومجتمعه، مسجلا هذه الأحداث بعين كامرة ذكية فطنة، بأسلوب فني بعيد عن السرد التقريري المباشر،متمكنا من توجيه السرد حسب متطلبات العمل الروائي الإبداعي، ومن ضبط حركة ومكان وزمان الحدث، نافذا الى روح الشخصية وحواراتها وعوالمها الداخلية

«فسحة للجنون» لسعد محمد رحيم

حمـيد الحـريزي

«نصف الناس في هذا البلد مخبرون، ونصفهم الثاني خائفون» ص 119

«قصة عذاباتنا طويلة لم تنته، مدادها بحار من دموع ودماء، فاحجزوا لنا كل اكداس الورق» اديب عراقي

 

هناك فسحة للأمل، فسحة للتأمل، فسحة للتفكر، فسحة للحب ... فالفسحة زمن هدوء واخذ نفس من مشاوير الانسان الراكضة دوما، من اجل هدف او من دون ان يعرف الى اين؟؟ ولماذا؟؟ وكيف؟؟ لكن ان تكون هناك فسحة للجنون، فهذا امر يكاد ان يكون مستحيلا، او من وحي خيال مريض وغير حكيم بالنسبة لإنسان في وضع مستريح يعيش بديهيات عيش الانسان في عالم مفترض، خارج حدود حياة الغاب، خارج زمن الوحشية واللامعقول، خارج بيانات السريالية، وكل ممارسات الدادائية ...

فأي عالم هذا؟؟ وأي واقع هذا؟؟ وأي حكم هذا؟؟ الذي لا يترك للإنسان أي فسحة مما تحدثنا عنه، ولا يترك له إلا فسحة للجنون؟؟

لا تذهبوا بعيدا ولا يشطح بكم الخيال في متاهات الاستذكار، فليس هذا الحال من نسج خيال جامح، او شكل من السرد الغرائبي، او العجائبي، هذا الواقع ليس من جزيرة معزولة في عالم اكتشفه ماركو بولو العصر «سعد محمد رحيم»، انما هو واقع حقيقي معاش في بلد يفتخر ناس انهم اصحاب اعرق حضارة في التاريخ، وأصحاب اول مدونة قانونية تحفظ للإنسان حقوقه وواجباته انه :-

العراق في زمن الفاشية. هل هذه المعلومة صادمة، ربما بالنسبة لكم رعاة الحضارة ورافعي راية الديمقراطية بيد،ومجهزي الفاشست بأسلحته باليد الاخرى .. فقد تم تصنيع حكومة (عراقية) من قبل الاستعمار البريطاني في منتصف العشرينيات من القرن الماضي، استجابة للاانتفاضات الشعبية الواسعة للشعب العراقي وخصوصا ثورة 1920، ولكنها نصبت على عرش المملكة ملكا مستوردا منفذا لمصالحها/ ووضعت صولجان الحكم بيد طبقة من الاقطاعيين وشيوخ العشائر اللذين استأثروا بالمال والسلطة لصالحهم وزمرهم في المدينة والريف ... وقد عمل الاستعمار البريطاني والأمريكي بالتكافل مع الرجعية المحلية وشركات الاحتكار البترولي على وأد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، بعد ان شاغلتها في صراعات داخلية من خلال احتراب قوى الثورة فيما بينها، حتى جاء انقلاب 8 شباط 1963 الفاشي بدعم ظاهر ومستتر من قبل المخابرات الامريكية، فاغرق البلاد بأنهار الدماء والفوضى على يد البعث وأدعياء القومية من العارفيين، حتى عودة البعث ثانية لسدة الحكم بدعم مخابراتي خارجي ايضا، بعد ان اعاد اليسار العراقي قوته وأشعل فتيل الثورة بالقرب من ابار النفط في الجنوب والوسط، في اهوار العراق الجنوبية، وفي ظفار عمان وفي اليمن الجنوبي، فكان البعث خير منفذ لارادة الامبريالية الامريكية بكسر شوكة الثورات وقمعها، وآخرها اشعال الحرب العراقية الايرانية، التي كانت نتيجة طبيعية لقمع كل قوى المعارضة العراقية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي.

ولكن هذا الواقع قطعا ليس صادما بالنسبة للعراقيين جميعا من كل القوميات والأديان والطبقات والطوائف، فهو ان لم يعشها كاملة فقد عاش فصلا من فصولها، ابسط فصولها واقع الخوف الدائم والمصير المجهول، لزمن دام اكثر من ثلاثة عقود متوالية، ناهيك عن فترات سنوات اتت بعد لا تستكين عزيزي المواطن - فاصل اعلاني ونعود ... حيث تدور عجلة الخوف والإرهاب، وترتفع في السماء دوامات دخان الحرائق ورائحة البارود، واصوات هزيع القنابل، و زخات الرصاص، لترتفع نافورات الدم مع صياح وعويل الاطفال والثكالى، وأجساد تتأرجح على اعواد المشانق.

يؤسفنا ان ندعوكم لترافقونا لنعيش فسحة الجنون هذه التي منحتها الفاشية لشخوص رواية «سعد محمد رحيم» من خلال من تمتع بفسحة الجنون من المهمشين في بلد القانون الاول، في بلد الحرف الاول، في بلد العجلة الاولى، لتدور هذه العجلة بنا لنرافق «حكو، عبودي، راهي، رنده، نائل، خدوجه»

نستحضر ما تعرض له «حكو – حكمت» احد «المجانين»:-

من هو «حكو – حكمت»؟
هو عامر حميد عباس من سكتة بغداد طالب في اكاديمية الفنون الجميل مرحلة ثانية، يجيد فن الرسم، يعشق القراءة، لم ينتم الى حزب السلطة، والده نائب ضابط في الجيش العراقي، يحب الخمرة والنساء.

يقع في «نهلة» صديقة احد زميلاته في الكلية، تكون موديلا لرسوماته، يأسرهما الحب، تتكر المواعيد بينهما/ هي ابنة محام يساري سابق، ينفذ بجلده من مجازر وسجون الانقلاب البعثي في 8 شباط 1963، يعتزل السياسة والمحاماة ويحترف بيع الاقمشة في الشورجة. كان عسس السلطة بالمرصاد لكل من تحوم حوله الشبهات ممن لا ينتمون لحزب السلطة وخصوصا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين.

يسترسل «عامر» في حديث حول واقع البلد في سهرة احتساء الخمرة مع عدد من زملائه، فيكون صيدا ثمينا لقوى الامن، بعد استلموا شريطا مسجلا لحديثه في هذه السهرة من قبل احد جلاسها. يمر في سلسلة من اساليب التعذيب الوحشي بعد القاء القبض عليه بالقرب من باب الكلية بعد جولة ممتعة مع حبيبته، يغيب تماما دون ان يعلم أي من معارفه او اهله باعتقاله، ومكان سجنه، او سبب الاعتقال.

يشرح لنا الراوي العليم الاساليب الوحشية التي لا تخطر على خيال انس سوي التي تعرض لها «عامر» في السجن، ومنها محاولة اغتصابه من قبل احد افراد الامن «خلف» بتشجيع من ضابط الامن «نيكه ياخلف نيكه» ص124، حيث لم يكتف الجلاد بإيلاج زجاجة «السفن آب» في شرجه، حيث يخاطبه المسئول الامني في السجن قائلا «سأجرب عليك تجارب تعذيب لا تعرفها حتى جمهورية المانيا الديمقراطية التي علمتني، قبل ان ادعك تلفظ اخر نفس .. ساطعمك لكلاب اجوعها اسبوعا» ص149.

هذا ما تعلمه الفاشست من البلدان الاشتراكية الصديقة التي كانت تظنه رفيق دربها في طريق مقارعة الامبريالية الامريكية باعتبار البعث «حزب ديمقراطي ثوري» ممكن ان يقود التحولات نحو الاشتراكية وفق نظرية التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية، هذه الخدعة الكبرى التي انطلت على اغلب الاحزاب الشيوعية خصوصا في العالم الثالث وفي مقدمته العالم العربي...

لم تجد كل محاولات «عامر» في اقناعهم، بأنه ليس معاديا للحزب والثورة، وانه لم يرتبط بأي حزب سياسي، ومنها الحزب الشيوعي العراقي حليف الامس ولكنه عدو اليوم ... فلم يحصلوا على دليل قاطع إلا انه «مثقف» حيث يقول له ضابط الامن ملقيا في وجهه بديهية يقرها كل فاشي «انت مثقف اذا انت سياسي». وبذلك فأنت عدو السلطة وان لم تنتم. جريمته انه قال وهو سكران ان كتاب بريجس دوبريه (الثورة في الثورة) «هذا الكتاب يمكن ان يكون انجيل الثوار في كل مكان» ص122. نعم كان هذا الحديث مسجلا على كاسيت من قبل احد طلبة القسم الداخلي.

هكذا كان عراق القائد الضرورة في ذلك الوقت، الزميل يتجسس على زميله، والزوجة تتجسس على زوجها، والفراش يتجسس على الوزير، والوزير يتجسس على زميله، وهكذا المجتمع كله يعمل بعضه ضد بعض الكل في خدمة القائد الاوحد. كانت اساليب قوى الامن ابتداع السبل المختلفة مهما كانت لغرض الايقاع باي انسان، ومن ثم تصفيته بطرقهم الجهنمية مصيره الموت او العوق والجنون. لم يتم اطلاق سراح «عامر» الا بعد تأكد مسئول الامن بأنه قد فقد عقله، ولم يعد يتذكر من هو، ولا ما جرى معه.

كانت هذه الاساليب هي وسيلة الطبقة البرجوازية الطفيلية وحليفها بقايا الاقطاع «الاقطاوازية» لوأد وتهميش الطبقة الوسطى التي بدأت تنشط بعد النهضة النسبية لحركة العمل وخصوصا القطاع العام، بسبب الوفرة المالية البترولية في اواسط السبعينيات، مما جعلها تطالب بالديمقراطية وخروج البلد من الحكم العرفي من خلال المطالبة بحل مجلس قيادة الثورة وإجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد، مما افزع السلطة وجن جنونها ... ومثالها هنا «عامر- حكو» و«نهلة ووالدها» لتطحنهم مطحنة الفاشية، بالقوة والقهر، ولتقضي على جماهيرهم من عامة الشعب بزجهم في حروب عبثية بافتعال عدو خارجي فكانت حرب القادسية ضد الجارة ايران.

يسكن «عامر» في دار احدهم الحاج «مرتضى»، الذي يقربه من بعيد، وابنته كميلة، وشجرة التين. ادمن «حكو» هذا اسمه الجديد «حكمت» الذي لا يعرف احدا لماذا اختاره، ولكن يبدو في لاوعيه يدل على ان الحكمة نقول

اما ان تخضع للفاشست او تكون مجنونا، الجنون هو طريق الخلاص الوحيد لكي لا تنجرف في حروب القائد، او تكون تحت سياط جلاديه ...

يلتقي صدفة بزميل له سابق «الدكتور راسم حنتوش»، يعطف عليه كثيرا، يدرك ماساته، يحاول مساعدته بكل الطرق الممكنة. تعيش البلاد حربا ضروسا في بداية الثمانينات مع ايران، اهالي بلدة «س» التي يسكنها، حكمت، يبدؤون بالرحيل منها، يرفض «حكو» الهجرة وترك المدينة، التي تفرغ من سكانها، وتقع تحت طائلة سرف الدبابات والعجلات العسكرية وجزم الجنود المغلوبين على امرهم، واللذين كانوا يتعاطفون مع «حكو» وثلة اخرى من «المجانين» وزمر من الكلاب، والحمير، والقطط كانت هدفا للقذائف العمياء «انهم يقتلون الحمير» ص 179، «انتم تحرقون بيكاسو» ص66، هكذا كان «حكو» يخاطب الجنود .

كان «حكو» يستجدي المال الذي يكفيه فقط لشراء ارغفة الخبر، وقنينة العرق من «ميخائيل» في مدينة «كاف» التي ارتحل اليها اهل مدينة «س» هربا من نيران الحرب، مدينة «س» التي اصبحت صيدا سهلا للصوص والسراق ينهبون المحلات والدكاكين، والبيوت المتروكة، لا يطاردهم سوى «حكو» وثلة «المجانين» من امثاله.

هكذا هو الحال مدينة يهجرها اهلها ولا يتمسك بها ويحافظ عليها سوى «المجانين».

الديكتاتور لايهدد كرامة الاخرين إلا بعد ان يسحق كرامة مواطنيه:-
قتل الحب – فراق عامر ونهله - جنون المعارض الواعي وموته – عامر، حكو، قتل الثقافة، احراق الكتب، فقدان الامن، اطلاق يد اللصوص والحرامية، ضياع الثروة المادية والبشرية، وقتل الشباب، قتل الحياة الحيوان والنبات – قتل الحمير والكلاب وموت شجرة التين واحتراق رؤوس النخيل ...لمم تعد في باحة الدار ارجوحة، موت «المجانين والمهمشين» – عبودي، حسون، راهي وحكو. عبر كل هذا يعرض لنا الروائي الفطن حال المجتمع العراقي في ظل حكم الفاشية وحروبها العدوانية. يعرض لنا بأسلوب شيق ما يجري في المدينة «س» قبل الحرب وما بعدها مسلطا الضوء بالخصوص على جمهرة «المهمشين» من المجتمع التي دوما مادة الانتفاضات والثورات ولكنها لا تصل الى ماتريد حيث تسرق ثوراتها وانتفاضاتها بسبب ضعف وسائلها وهشاشة تنظيماتها «المهمشون ثوريون بالضرورة لكن حركاتهم الاجتماعية لم تصل لحد الثورات المنظمة التي كان يمكن لها ان تزحزح المركز وتحل محله، فقد اكتفت بالاحتجاج غير المنظم، لكن المركز استطاع ان يقضي على ثوراتها ويعيدها ثانية للهامش» د. هويدا صالح – الهامش الاجتماعي في الادب ص195. ط1 2015 دار رؤيا للطباعة والنشر .

ولا يفوتنا هنا ان نشير الى ان الاغلبية الساحقة من افراد الجيش والشرطة والأمن في العراق اغلبهم من «المهمشين» من ابناء الفلاحين وحثالة البرولتاريا، وكسبة المدن الذي دفعهم الفقر، والجهل، والمرض ليكون اداة بيد السلطة لتنفيذ مآربها، فهم دوما وقود الحروب، وهم دائما فتيل الثورات وشرارتها الاولى ولكنها لا تجني مزيدا من التجويع والتشريد والتهميش، ولنا في انتفاضة اذار خير مثال على ذلك. أدباء العراق كانوا على الدوام يقفون الى صف هذه الطبقات ومناصرتها كطليعة واعية لكي تحقق طموحاتها في العيش الكريم والحرية والرخاء، سواء بالعمل السياسي المنظم، او عن طريق الشعر والرواية والقصة والمسرحية، وقد دفعت هذه الشريحة المثقفة الثمن غاليا جزاء موقفها هذا ولنا في «عامر» مثالا على ذلك

وقد لوحظ ان الادباء وبالخصوص الرواة ان يسجلوا التاريخ الحقيقي للمهمشين بعد سقوط الديكتاتورية في 2003 فصدرت الكثير من الروايات التي تهتم بهذا التاريخ المجيد ومنها روايتنا هذه للروائي القدير سعد محمد رحيم.

في ظل الحكومات الديكتاتورية لا كرامة، وحب، ولا امان، ولا عمل، ولا ثروه ... الحظوة الاولى للسراق والجلادين، وخونة الوطنية والضمير لتصدق مقولته البليغة: «نصف الناس في هذا البلد مخبرون، ونصفهم الثاني خائفون» ص119.

تظل حبيبة «عامر» الحكيم المجنون نهلة وفية لعلاقة الحب النقية التي ربطتها ب«عامر»، لم تتمكن كاميرتها وتضحياتها من اعادة «حكمت – عامر» الى وعيه، هرب من الاضواء ليموت اثر اصابته بشظية لتجرفه مياه ساقية ماء في ارض «الحرام» في المدينة المهجورة، فكان هو اخر انسان حي في هذه المدينة.

«لم يكن ليكترث لازيز قذيفة ثالثة ولصرخة انفلاقها المرعبة على مبعدة عشرين مترا او اقل قليلا لولا ان باغته عصفها وحمله مثل ريشة طائر السنونو لينكب على وجهه في النهر في قلب تيار الماء عند المنحني فغاص ومن ثم برز رأسه يطل من أسفل عبر عينين ذاهلتين، على جل دخان أسود» ص 297. هكذا يموت «عامر- حكو» لتجرف جثته مياه النهر وسط دوائر حمراء من دمه المراق، وهو يحلم ممسكا فرشته ليرسم صورة حبيبته الغائبة «يبصر في جزء من الثانية وجهها في بهاء نور خاطف تجلس قبالته وتبكي» ص297ر.

الدلالة هنا ان الفاشية تقتل علاقة تضامن وحب وزواج شرعي بين الطبقة الوسطى العراقية المقموعة ممثلة ب«نهلة» ابنت المحامي اليساري السابق الذي اعتزل السياسة واحترف التجارة - من قبل السلطة والعناصر الواعية من الطبقات المسحوقة والمهمشة في المجتمع العراقي ممثلة ب«عامر» ابن رئيس العرفاء المتقاعد، وهذا هو سر تغول الديكتاتورية وصعودها وإحكام قبضتها على الوطن والمواطن بقوة الحديد والنار والعفن المفرط، لأنها تعيش ازمتها البنيوية لأنها مغتصبة للسلطة، وتعيش ازمة هيمنة طبقية مستفحلة، خلقتها ظروف ذاتية وموضوعية، حيث تم خنق كل تطلع للطبقة البرجوازية الوطنية المنتجة من قبل قوى الاحتلال والاستعمار الخارجي، وقتل تطلعات الطبقة المتوسطة نحو الحلارية والديمقراطية وبناء دولة المواطن، تهميش القوى العاملة وتدمير قوى العمل، وإغراق المجتمع في نزعة استهلاكية غير منتجة، بالاعتماد على ريع الثروة البترولية مما مكن «الاقطاوازية» المحلية من تجديد نفسها بالتخادم مع قوى الرأسمال العالمي، وافتعال الازمات الداخلية والخارجية لتبرير قرراتها ونهجها القمعي لمواجهة عدو متربص في الداخل والخارج، في عهود الديكتاتورية والتي لازالت الحال في تردي مستمر في عصر الديمقراطية.

كان الروائي واعيا لمجريات الصراع الاجتماعي والسياسي في بلده ومجتمعه، مسجلا هذه الاحداث بعين كاميرا ذكية فطنة، بأسلوب فني ابداعي ادبي بعيدا عن السرد التقريري المباشر، وهذه مهمة صعبة لا يتمكن من انجازها إلا اديب متمكن، وروائي يملك تجربة ثرية في السرد الروائي. فقد امسك سعد محمد رحيم بثور السرد من قرنيه، متمكنا من توجيهه حسب متطلبات العمل الروائي الابداعي، وقد كان واعيا ووفيا للواقع المعاش، متمكنا من ضبط حركة ومكان وزمان الحدث، نافذا الى روح الشخصية وحواراتها وعوالمها الداخلية، متأملا، متفكرا، وقد كان مصغيا تماما لنبضات قلبه قبل ان يشرع في كتابة روايته فكانت مولودا حيا جميلا دالا ومعبر اصدق تعبير عن واقعه وكما قال رسول حمزاتوف «على الكاتب ان يصغي الى نبضات قلبه قبل ان يقترن بموضوعه» رواية بلدي - رسول حمزاتوف – ص 114.