تقدم الباحثة الجزائرية هنا تحليلا أسلوبيا لواحدة من قصائد نزار قباني، تكشف فيه عن أن للبنية الأسلوبية في النص الشعري دلالاتها ومحتواها، حيث تكشف عن أن التماسك التركيبي يترجم تماسكا نفسيا ووجدانيا، وأن للتضادات الأسلوبية دورها في تخليق جماليات القصيدة، وفي إرهاف وعينا بحركية المعنى فيها.

السياقات الأسلوبية في شعر نزار قباني

قصيدة «أحلى خبر» نموذجا

صابرة بن قرماز

 

يعدّ الشاعر نزار قباني من الشعراء المحدثين الذين أجادوا القول في فنّ التغزّل بالنساء، بأسلوب في غاية الرّقة والعذوبة، لما يتمتع به شعره من جمال في التحبير والتركيب ودقة في الوصف والتشبيه، وعذوبة في اللفظ والإيقاع كونه شاعرا عاشقا فياض الوجدان متقدّ الإحساس والشعور، كما يتسم شعره بسمات فنّية خاصة على كافة المستويات التركيبية والدلالية والصوتية لاسيما المستوى المعجمي الذي استقاه من طبعه الرومانسي الموحي بإحساسه المغرق في الصدق وقوة المعنى .

وقد وقع اختيارنا على قصيدة أحلى خبر[1] محاولين إبراز جملة من السياقات الأسلوبية التي تضمنتها، فعنوان القصيدة لافت للنظر، حيث أن القارئ يتوق إلى معرفة هذا الخبر الذي يجهل نوعه، مما يستدعي انتباهه فيثير فيه فضول استكمال قراءة القصيدة وكشف أحلى خبر، فالشاعر كان ذكيا في عنونة قصيدته التي تعتبر لغزا مشفرا منذ الوهلة الأولى التي يطالع فيها القصيدة، فالدراسات الأسلوبية تولي اهتماما بعمل القارئ الفطن الذي يفك الرموز المبهمة، إذ "تدرس الأسلوبية، داخل الملفوظ اللساني، تلك العناصر المستخدمة لفرض طريقة تفكير المسنن encodeur على مفكك السنن décodeur بمعنى أنها تدرس فعل التواصل لا كنتاج خالص لسلسة لفظية، ولكن باعتباره حاملا لبصمات شخصية المتكلم وملزما لانتباه المرسل إليه.)[2]، ولا ينفك هذا الإبهام على معرفة الخبر إلا بعد استرسال القارئ في قراءة القصيدة مرات ومرات.

إن ما تتميز به قصيدة أحلى خبر بساطة الألفاظ الموافقة لمعانيها والملائمة لموضوعها، فهي مفعمة عاطفيا في محتواها، استخدم الشاعر أسلوبا سلسا واضحا، إذ يعدّ الوضوح من ركائز ومقومات التلقي، "فالمفهم لك والمتفهم عنك شريكان في الفضل "[3]، فالمتمعن لقصيدة أحلى خبر يستشعر توافر القصيدة على تلك المواصفات التي تشدّ انتباه القارئ وتسلب انتباهه.

يفتتح الشاعر نزار قباني قصيدته بسطرين شعريين وقعت فيهما مشاكله صوتية ظهرت من خلال الكلمتين الواردتين في قول الشاعر[4] :

كتبت أحبك فوق جدار القمر

(أحبك جدا )

كما لا أحبك يوم بشر

تتجلى المجانسة الصوتية بين اللفظتين:القمر والبشر في حرف الراء وهو صوت لثوي، وليس معناه أن اللثة وحدها في موضع النطق، فاللسان شريك اللثة في هذه الحالة إذ إن طرفه يلتقي باللثة حين النطق بهذا الصوت [5]، حيث استدعت لفظة القمر حضور لفظة البشر وقد تقع مجانسة دلالية مضمرة يتم تسويغها في علاقة القمر بالبشر إذ أن البشر مولعون بفطرتهم بحب ضوء القمر، الذي يظهر ليلا والموحي بالسكينة والأنس، فتفاعلت الكلمتان دلاليا بعد أن تفاعلتا صوتيا في حرف الراء.

توحي السطور الشعرية السابقة بعاطفة حبّ جارفة جاشت في صدر الشاعر، وعبر عنها بكلمات عذبة وبأسلوب رقيق يجعل حسّ المتلقي يتفاعل مع حس الشاعر "فالأسلوبية إذن كما يرى بالي تدرس الصيغ التعبيرية في لغة الأثر يعني النص استنادا إلى مضمونها المؤثر، أي أنها تدرسها بالنظر إلى الإعراب عن الإحساس بوساطة الّلغة وبالنظر إلى تأثير اللغة بالإحساس "[6].، فالشاعر نزار يعرب عن مكنوناته الوجدانية ومكبوتاته العاطفية من خلال أسلوب عذب، ولغة أنيقة، تظهر في الألفاظ الشعرية المختارة : كتبت ،جدار، القمر، يوم أحبك، تنعكس عن حساسية مفرطة، فقد بيّن الدرس الأسلوبي وظيفية اللغة في التعبير عن مكنون النفس وإبرازها بأسلوب لائق، لأن الأسلوبية في أصل وظيفتها تدرس: "وقائع التعبير اللغوي من ناحية محتواها العاطفي، أي التعبير عن واقع الحساسية الشعورية من خلال اللغة، وواقع اللغة عبر هذه الحساسية". [7]

السياق الأسلوبي في قصيدة أحلى خبر:
لقد اعتمد الباحث الأسلوبي ميكائيل ريفاتر معيار السياق الأسلوبي لتحديد الخاصية الأسلوبية ووسمه بالكسر فقال عنه بأنه "نموذج لساني مقطوع بواسطة عنصر غير متوقع والتناقض الناتج عن هذا التداخل هو المنبه الأسلوبي."[8]، تظهر ميزة هذا السياق الأسلوبية في عنصر التداخل الحاصل بين عبارتين مألوفة وغير مـألوفة فيقع الكسر لغويا ودلاليا.

يتبين لنا السياق الأسلوبي في السطر الشعري: أحبك فوق جدار القمر .

حقّق بنية أسلوبية جمالية، تمثلت في عدم توقع القارئ لجدار القمر مما اعترى القارئ شعور إعجاب، حرّك فيه التساؤل عن إمكانية كتابة الشاعر كلمة أحبك على جدار من قمر، وليزيد الشاعر السطر الشعري حلية لغوية وتنميقا لغويا استخدم أسلوب التعريف في لفظة: القمر إذ تحيل الكتابة على القمر إلى الإخلاص والوفاء الشديدين للمحبوبة وأن هذا الحب لا تطاله يد لاستحالة الوصول إليه، فالقمر هنا رمز يدل على استمرارية وديمومة حب الشاعر .

يفصح الشاعر في السطرين الشعريين: (أحبك جدا) كما لا أحبك يوم بشر[9] عن دواخله الانفعالية النفسية تجاه محبوبته بكلمات موحية ملائمة لحاله، فكل خاصية لغوية تتطابق مع خاصية نفسية [10]، فكلمة أحبك تعبر عن شحنات عاطفية قوية تحمل معاني العشق والشوق العارمين والاستئناس والتضحية وانشراح القلب، لذلك استدعى السياق العاطفي من الشاعر استخدام كلمة أحب للتدليل على معاني العشق أما قول الشاعر :، كما لا أحبك يوم بشر، فهنا ينفي أن يكون غيره قد أحب تلك المرأة مثل حبه لها، وهي علامة واضحة على أن حب الشاعر لا يشاكله حب .

مما نلحظه على قصيدة أحلى خبر تضمنها لسياقات أسلوبية مكثّفة، فقد ورد في السطور الشعرية التالية:

ألم تقرأيها بخط يدي

فوق سور القمر

وفوق كراسي الحديقة

وفوق جذوع الشجر

وفوق السنابل

فوق الجداول

فوق الثمر

فوق الكواكب تمسح عنها

حفرت احبك فوق عقيق السحر[11]

تقع فوق الظرفية مكررة تسع مرات في بداية كل سطر شعري، ولاشك في أن تكريرها يومئ بمعان جديدة تعاضدت من خلال محور تركيبها وهو ما يجعل فوق المتكررة متصلة فيما بينها دلاليا، فالكلمتان المكررتان (وإن كانتا تتحدان في السياق التأليفي العام كمعطى دلالي غائي يهدف إلى ترميز الرسالة الشعرية في تراسلها الخطابي، ومن جهة أخرى تتشابهان باحتفاظهما بنفس الخصائص الصوتية)[12]، وحتى وإن بدت فوق مرتسمة في ثمانية أسطر شعرية على التوالي فإنها أدت دورا تشفيريا، يشد انتباه القارئ في إشراكه ويحفزه على كشف المعنى الذي يخفيه من تكرير فوق في كل سطر، فتكريرها دال على إلحاق الحب بالحب والتأكيد عليه بحالة من الغلو والإفراط في حب هذه المرأة.

يكثّف الشاعر نزار قباني من استخدام أسلوب التكرار بتوظيفه لأداة الاستفهام "ألم "حين يقول :

ألم تبصريها؟.

(أحبك جدا )

ليتك كنت قد قرأت الخبر

يعتمد الشاعر صورا طبيعية خلابه بجمالها الساحر، وبرونقها الظاهر المتكشف كدلائل شاهدة على عمق العاطفة الشاعر، لذلك استخدم عناصر طبيعية منها الطبيعة الحية، كالقمر، جذوع الشجر، السنابل، الجداول الثمر، الكواكب، ورقات الزهر، الجسر، والنهر، والمنحدر، صدفات البحار، قطرات المطر، كل غصن،حصاة، وحجر، الشمس، والطبيعة الاصطناعية مثل: كراسي الحديقة، يعمد الشاعر هنا إلى تصوير جميع أوجه الطبيعة من متحرك وجامد، وهي نزعة رومانسية تبعث على التغني بجمال الطبيعية العاكس لجمال حبّ الشاعر، فكل تلك الأوصاف تجعل المتلقي يتعايش مع وجدان الشاعر ويصدقه القول والإحساس.

يرد أسلوب التكرار بشكل ملفت للانتباه:

على ورقات الزهر

على الجسر والنهر والمنحدر

على صدفات البحار[13]

جاءت على الظرفية متضمنة دلالة الاستعلاء، أما حرف الواو فتكرر استعماله ست مرات، أفاد الجمع والاشتراك، أما ألم فقد جاءت مقرونة بالهمزة في قول نزار قباني :

ألم تقرأيها/ ألم تبصريها/ ألم تلمحيها

تفيد ألم استفهاما انكاريا، توبيخيا مسبوغا بالعتاب، فجاءت مقرونة بالجزم لخدمة الغرض المرجو من الشاعر والمتمثل في تبيان درجة حبه وتعلقه بتلك المرأة، ونلاحظ مدى إلحاح الشاعر على طلب القراءة والبصر والإلماح من الحبيبة بغرض تأكيد الحب، أما الهمزة فدلالة على الاستفهام لأن الهمزة من حروف المعاني وخاصة أن الشاعر قد استهل القصيدة بالسطر الشعري: كتبت أحبك فوق جدار القمر.

توحي السطور الشعرية السابقة بتماسك تركيبي يترجم تماسكا نفسيا فذّا للوجدان، إذ حشد الشاعر جهوده وقدراته التعبيرية لخدمة غرضه المدفوع بغرائزه الهادرة، الصاخبة، فالشاعر بتوخيه أسلوب التكرار وبتوظيفه لأساليب الاستفهام وحروف العطف، استطاع أن يفصح عن دواخله العاطفية بإحساس صادق وصل صدقه ولامس قلب المتلقي، لذلك أبان عن مشاعر فوارة عفويه متوقدة، استولى بها على حسّ السامع.

يجدّد الشاعر من نشاط القارئ بواسطة استخدامه لأسلوب استفهامي يخرج مكونات القصيدة من تركيب إلى تركيب تمثّل في قوله:

ألم تقرأيها ؟ بخط يدي[14]

تأسس السطر الشعري على أسلوب استفهام بأداة الاستفهام (أ) المقرونة بحرف الجزم (لم) لتدليل على عتاب المحبوبة وهو استفهام منفي وحقيقي وإنكاري يراد به الجواب والعتاب، حيث كسر الشاعر السياقات التعبيرية السابقة بأسلوب مغاير ومخالف لما سبقه من أسلوب خبري، بعدها ينتقل الشاعر بالقافية من صوت الراء وهو صوت مكرر لذق إلى صوت الياء في قوله :ألم تقرأيها بخط يدي

يعدّ الانتقال من قافية صوت الراء إلى صوت الياء كسرا للبنيه الايقاعيه المتحققة في القمر وبشر وفي السطر الموالي: ألم تقرأيها بخط يدي.

تحمل معنى ظاهرا مكشوفا وهو الخطّ الذي يكتب به الإنسان باستعمال القلم ومعنى بعيدا خفيا وهو الخطّ الموجود والمرسوم على يد الإنسان للتدليل على أن حبّ المرأة صار محفورا في كف يده كالوشم الباقي الأثر.

يعود الشاعر في السطر الشعري الموالي فوق سور القمر إلى استعمال الإيقاع الأول بحرف الراء، ونجد أن حرف الراء قد تكرر اثنتين وعشرين مرة في القصيدة تكرر: القمر، بشر،الشجر، الثمر السفر، السحر، الزهر، الجسر، النهر، المنحدر، البحار، المطر، حجر، خبر. ومما يعضد هذا الاستنتاج أن صوت الراء إنما هو من الأصوات الذلقة، ويبدو أن كلمة ذلاقة هنا، "لا تعني أكثر من معناها المألوف وهو القدرة على الانطلاق في الكلام بالعربية دون تعثر أو تلعثم، فذلاقة اللسان كما نعلم، جودة نطقه وانطلاقه في أثناء الكلام"[15].

يعدّ صوت الراء من الحروف المجهورة التي اعتمدها الشاعر بوفرة في القصيدة، كما أن الشاعر أحسن انتقاء الحروف التي كانت ملائمة للمعاني الجارية في نفسه مجرى العاطفة القوية، وقد تنبه البلاغيون القدامى إلى هذه القضية أي ملائمة الحروف لما يترتب في نفس من معاني، فكانوا يجعلون الحروف على أقدار المعاني الجارية في النفس" فيجعلون الحرف الأضعف فيها والألين والأخفض والأسهل والأهمس كل ما هو أدنى واقل وأخفى عملا وصوتا، ويجعلون الحرف الأقوى والأشد والأظهر والأجهر لما هو أقوى عملا وأعظم حسا".[16]

فالشاعر اعتمد استعمال الحروف المجهورة بدرجة كبيرة هيمنت على حروف الهمس، لأنها تعبر عن الانطلاق والقوة والجرأة وتحدث رنينا قويا في الموسيقى الخارجية للقصيدة، فالحروف المجهورة هي حروف قوية تمنع النَفس أن يجري معها عند النطق بها لقوتها وقوة الاعتماد عليها في مواضيع خروجها.، فلكل حرف من حروف اللغة العربية إيقاع خاص يميزه عن الأخر تبعا لصفة مخرجه وله إيقاع أخر مشترك في النظام التوزيعي، وبين الهمس والجهر يتشكل الخطاب الشعري في أقصى تجليه،"والحروف المهموسة لا محيد لها عن هذين التشكيلين، وقد سميت مهموسة لأنه اتسع لها المخرج فأخرجت كأنها متفشية"[17].

استهل الشاعر السطرين الأولين من الشعر بإقحام أسلوب التضاد بين لفظتي احبك ولا احبك في قوله:

كتبت أحبك فوق جدار القمر

كما لا أحبك يوما بشر

ويعتبر التضاد ظاهرة أسلوبيه، تحقق جمالية التعبير، وهذا نوع من كسر السياق المتحقق في السطر الأول والحاصل أن الإيقاع الدلالي يستقصي من خلال التقابل بين كلمتي احبك ولا احبك من خلال إيماءات السياق، حيث يلعب البيت الثاني دورا تأكيديا بواسطة تكرير الكلمتين بصيغة التضاد، ولذلك يستشعرها المتلقي ويدرك مراميها ووقعها الجمالي النغمي. "يعد التكرار ظاهرة لغوية من حيث اعتماده- في الصورة البسيطة والمركبة- على "وفي الممكن هذه الإثارات الناجمة عن تقابل المتضادين تنبهر النفس بالانسجام غير متوقع لديها فتزداد إعجابا وتتوق لتلاحق هذا العنصر،الذي سيصبح عنصر من عناصر المفجأه لدى المتلقي"[18]

استهل الشاعر قصيدته بجملة فعلية تبتدئ بالفعل الماضي: كتبت المتصل بتاء الفاعل إذ يفيد الفعل الماضي استمرارية الحدث، وقد استعمل الشاعر كذلك الجملة الفعلية في قوله : حفرت احبك فوق عقيق السحر[19] والسحر هنا أخر الليل وهذا يدل على أن الشاعر ساهر ولهان يفكر ويتأمل محبوبته فهنا انزاح الشاعر في توظيفه عبارة فوق عقيق السحر ولعقيق يكون لشيء ملموس وهنا تتحقق الاستعارة المكنية التي دلت عليها قرينة عقيق وهو نوع من الحلي تستعمله المرأة لتزيين،كما يخرق الشاعر سياق الفعل الماضي إلى استعمال الفعل المضارع، بقوله:

ألم تقرايها؟ بخط يدي

ينوع الشاعر بين الفعل الماضي والمضارع الذي يدل على الحركة والحيوية ليستطلع به نحو أمل ومستقبل يلمع حبا وعشقا، حيث تكرر الفعل المضارع في قصيدة أحلى خبر خمس مرات في قول الشاعر، احبك، كما ورد مقترنا بالجزم: ألم تقرأيها، ألم تلمحيها ألم تبصريها.

كرّر الشاعر فوق الظرفية تسع مرات، كانت غايته في ذلك تحقيق تنغيم ما، ولعل من مميزاته الصوتية إحداث إثارة نغميه تسترعي انتباه المتلقي وتخدم ذوقه

أما اسم الزمان وهو زمان وقوع الفعل.

فقد ورد مرة واحدة (يوما) في قول الشاعر:

كما لا احبك يوما بشر

كما تكرر حرف الجر : على : ستة مرات في قول الشاعر:

على ورقات الزهر

على الجسر، والنهر، والمنحدر

على صدفات البحار

وهنا أفادت على دلالة الاستعلاء المجازي، أما بالنسبة: لكل التي تكررت ثلاث مرات في قوله:

على كل غصن

وكل حصاة، وكل حجر

لدلالة على الاستغراق، والتعميم، والشمول، باعتبار أن الشاعر يرى حبه لمحبوبته مرسوما على كل أدوات الطبيعة فالشاعر مستغرق في حبه وغريق في بحر محبوبته.

كما تكررت لفظة الخبر مرتين حين قال الشاعر :

كتبت على دفتر الشمس

أحلى خبر

احبك جدا[20]

فليتك كنت قرأت الخبر

دلّ استخدام الشاعر لحرف: على، على كل ما هو جميل ولتأكيد حبه العميق الذي وصفه بأحلى خبر، أما بالنسبة للسطر: كتبت على دفتر الشمس فهذا كسر لسياق المتوالية الشعرية التي سبقته حين ينشد الشاعر قائلا:

ألم تلمحيها

على كل غصن

وكل حصاة، وكل حجر

كتبت على دفتر الشمس

تبدو عبارة : كتبت على دفتر الشمس عبارة مفعمة أسلوبيا، فالشمس ليست كائنا عاقلا يملك دفترا، فهي مفارقة شعرية تجسد معنويا الشمس في شكل محسوس، كما ترم الشمس للحياة وللمستقبل المشرق.

اعتمد نزار تفعيلة وزن المتقارب في قصيدة أحلى خبر لما له من رنّة إيقاعية ونغمة تطريبية وتفعيلة قصيرة وهو يلائم الشعر الحديث، ويلائم موضوع القصيدة بدلالته الرومانسية.

كتبت احبك فوق جدار القمر

//0/ //0// /0/ //0/ /0//0

فعول فعول فعولن فعل

أحبك جدا

//0// //0

فعول فعولن

كما لا أحبك يوما بشر

//0 /0 //0// /0/0 //0

فعولن فعول فعولن فعو

ألم تقرأيها بخط يدي

//0 /0//0/ ///0 //0

فعولن فعولن فعول فعل

فوق سور القمر

/0/ /0/ /0//0

لن فعولن فعل

زحاف القبض: ويعني سقوط الحرف الخامس الساكن من التفعيلة، والخامس الساكن هنا هو (النون( لتصبح التفعيلة بسقوط النون (فعول) كما يظهر في السطر الشعري الأول، ورغم أنه وقع زحاف في التفعيلتين فعولن فعول وقع الكسر في التفعيلة الثالثة السبب يبقى من التفعيلة (فعو(.

تأتي قصيدة أحلى خبر للشاعر نزار قباني ضمن أشعاره الرومنسية وذات العذوبة النامية من رقة ألفاظها وبيان معانيها الموحية بجيشان مشاعر الشاعر التي انعكست على لغة القصيدة وأسلوبها الرقيق الذي يوحي بدوره بأن الشاعر عاشق مولعا . حيث ظهر هذا الولع العشقي في مظّان القصيدة من خلال استخدام الشاعر لسياقات أسلوبية كسرت نمط التأليف أو التوزيع فتعاضدت البنى التركيبية للقصيدة .

 

مخبر نظرية اللغة الوظيفية/ جامعة الشلف الجزائر

 

مراجع البحث::

1-ميكائيل ريفاتر، معايير تحليل الأسلوب، ترجمة حميد الحمداني، ط:1، منشورات دراسات سال،دار النجاح الجديدة، بيضاء،1993.

2- الجاحظ، البيان والتبيين، ج:1، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، 1968.

3-محمد رضوان أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان، ط:1، دار الكتاب العربي دمشق القاهرة 2005.

4-كمال بشر،علم الأصوات، د ط، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة،2000.

5- فيلي ساندرس نحو نظرية أسلوبية لسانية، ترجمة خالد محمود جمعة ط: 1، دار الفكر دمشق سوريا .

6-صلاح فضل، علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، ط:3، دار البلاد للطباعة والنشر، جدة 1988.

7-عبد الرحيم كنوان، من جماليات الإيقاع في الشعر العربي،ط،1 دار أبي رقراق للطباعة والنشر،2002.

8-أنيس إبراهيم، الأصوات اللغوية، مكتبة أنجلو مصرية دار وهدان للطباعة والنشر،ط،5، 1979.

9-مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، ط:4، دار الكتاب العربي بيروت لبنان، 1947.

 

[1] ينظر : محمد رضوان أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان، ط:1، دار الكتاب العربي دمشق القاهرة 2005،ص:99.

[2] ميكائيل ريفا تر، معايير تحليل الأسلوب، ترجمة حميد الحمداني، ط:1، منشورات دراسات سال،دار النجاح الجديدة، بيضاء،1993،ص:66.

[3] الجاحظ، البيان والتبيين، ج:1،دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، 1968، ص:14.

[4] محمد رضوان أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان، ص:99.

[5] ينظر : كمال بشر،علم الأصوات، د ط، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة،2000، ص:183.

[6] فيلي ساندرس نحو نظرية أسلوبية لسانية، ترجمة خالد محمود جمعة ط: 1، دار الفكر دمشق سوريا،ص: 33.

[7] المرجع السابق، ص:20.

[8] ميكائيل ريفا تر، معايير تحليل الأسلوب، ص:56.

[9] محمد رضوان،أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان،ص:99.

[10] ينظر صلاح فضل، علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته ‘، ط: 3،دار البلاد للطباعة والنشر، جدة 1988.ص: 84.

[11] المرجع السابق،ص:99.

[12] عبد الرحيم كنوان، من جماليات الإيقاع في الشعر العربي،ط،1 دار أبي رقراق للطباعة والنشر،2002،ص:255.

[13] محمد رضوان، أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان،ص:100.

[14] محمد رضوان، المصدر السابق، ص:99.

[15] أنيس إبراهيم، الأصوات اللغوية، مكتبة أنجلو مصرية دار وهدان للطباعة والنشر،ط،5، 1979، ص:109.

[16] مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، ط:4، دار الكتاب العربي بيروت لبنان، 1947،ص:107.

[17]عبد الرحيم كنوان،من جماليات إيقاع الشعر العربي،ص:289.

[18] نفسه، ص:383.

[19] محمد رضوان، أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان،ص:100..

[20] محمد رضوان،أروع ما كتب نزار قباني شهريار هذا الزمان،ص:100.