مشروع سياسي لعمارة mauresque في فرنسا المعارض الدوليّة والاستعماريّة(1)
خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعقود الثلاث الأولى من القرن العشرين، أخذت باريس بالتحول إلى نفس الصورة التي أرادت تمثيلها؛ ولطالما رغبت أن يكون لها سيمياء معرض دائم للأكثر جِدَّة وغرابة، بما يُجلب إليها عبر المعارض الدوليّة والاستعماريّة، فإنها خلصت في نهاية الأمر، وعلى نحو معكوس، إلى أن تكون هي بعينها أمراً يسترعي الانتباه من حيث كونها حاضرة تملك جميع مزايا الغرائبيّة وكل ما هو مستحدث. وعليه كتب الروائي غاستون بيرغير Gaston Bergeret (1840-1921) النص المعنون «يوميات زنجي في معرض عام 1900» Journal d´un nègre à l´Exposition de 1900، وفيه رجل زنجي يرتدي سترة رسميّة ويعتمر قبعة عالية(2)، حسب ما يمكن ملاحظته من الـ79 تصويراً مائياً لليوميات بريشة الرسام الفرنسي هنري سوم Henry Somm (1844-1907)؛ مفاده أن هذا الزنجي يطوف في أرجاء المعرض، ويسترسل بتفكيره على النحو التالي:
"ينبغي على أي معرض أن يكون أضخم من سالفه. سيأتي يوم تصبح فيه مدينة باريس المعرض نفسه. الأمر سيكون أوفر اقتصادياً، فما من ضرورة لإحاطة المعرض بسور. كما لا يحتم على أهل باريس دفع بطاقة دخول لأنهم سيكونون داخل المعرض، ولكن لابد لهم أن يبرزوا بطاقة للخروج. سيكونون عارضين ومعروضين وزوار المعرض بآنٍ واحد، حتى تحت بصر معاصريهم"(3).
على هذا النحو أمست باريس ضحيّة لشرهها الخاص نحو الغرائبي العجائبي والاستعماري.
ما سبق قوله يساعد كتمهيد للموضوع الذي نتناوله هنا: «مسجد باريس الكبير» في إطار المعارض الدوليّة والاستعماريّة.
بادئ ذي بدء، ينبعي أن يترك حيز رئيسي لإحدى العلامات الفارقة التي سبقت تشييد «مسجد باريس الكبير»، والمقصود هنا حدث ولادة «الجمعيّة المشرقيّة» Société Orientale سنة 1841، كاستمراريّة بعيدة لمخططات حملة نابليون بونابرت على مصر؛ فقد تمحورت الغايات المُعلن عنها للجمعيّة حول المعرفة العلميّة، ودعم التوسع الفرنسي، و«البحث» بكل ما للجاسوسيّة السياسيّة من معنى في هذا المضمار. ومن ثلة الأعضاء المؤسسين تبرز شخصيات من مقام الأدباء شاتوبريان (1768-1884)، وفيكتور هوغو (1802-1885)، ولامارتين (1790-1869)؛ إضافة لفنانين من رسامي المواضيع الاستشراقيّة مثل كلود جوزيف فيرنيه Claude-Joseph Vernet (1714-1789)، وأدريان دوزا Adrien Dauzats(1804-1868)، وألكسندر غابرييل ديكام Alexandre-Gabriel Decamps (1803-1860)؛ والمهندس فيرديناند دي ليسيبس، وحاكم الجزائر المارشال توماس روبير بيجو Thomas Robert Bugeaud (1784-1849).
ومن بين الأفكار المتداولة بين أعضاء «الجمعية المشرقيّة» في عام 1846، تُصادف فكرة إرضاء المسلمين المقيمين في باريس ومرسيلية، من خلال بناء مسجدين في كل من هاتين المدينتين الأكثر تواشجاً بعلاقتهما مع العالم الإسلامي. أما الجدل الدائر حول مُواءَمة الإسلام من عدمها مع المجتمع الفرنسي فقد حدث في كنف الجمعية نفسها(4). وفي محضر الجلسة التأسيسي تتبدى بصرامة مقاصد «الجمعيّة المشرقيّة» كأهداف سياسيّة، معدّة لمحاربة جهل الرأي العام حول المصالح الفرنسيّة في «المسألة الشرقيّة»، وحول كل ما يتعلق بالتنافس مع انكلترا(5). خلاصة القول، كانت «الجمعية المشرقيّة» جمعية مكرّسة للجاسوسيّة والبروباغنده الدعائيّة الشوفينيّة الخالصة.
أما الفريق الأكثر نشاطاً في تحفيز المشروع، بطريقة نستطيع معها تصنيفه بلا استعماري إلى حد ما، عند المقارنة مع ميول «الجمعية المشرقيّة» المناصرة للاستعمار، فقد كان الفريق الموالي للفلسفة الوضعيّة positivistas أي أنصار أوغست كونت (1798-1857)، ولهذا الفريق ينتمي الطبيب فيليب غرينيه Philippe Grenier (1865-1944) أول نائب فرنسي معتنق للدين الإسلامي يتم اختياره في الانتخابات عن منطقة بونتارلييه (سنة 1896)، وكذلك شخصيات من مثل المفكر التركي العثماني أحمد رضا بك (1859-1930)، الذي كان له في باريس، مع نهاية القرن التاسع عشر، وساطات وتدخلات متعددة دافع فيها عن التفاهم الضروري بين الجمهورية الفرنسيّة ومصالح المسلمين. لكل ذلك ليس بمستغرب أن يُكلّف أحمد رضا بك، في عام 1891، بإلقاء خطاب أمام ضريح مؤسس الجماعة الوضعيّة أوغست كونت، كما ليس بمستغرب كذلك حضوره الدوريّ لاجتماعات الجمعيّة الوضعيّة في باريس، وجلسات «المدرسة الحرة للعلوم الاجتماعيّة» Collège Libre des Sciences Sociales (1895-1968) التي كان لها التوجه ذاته(6).
وأيضاً على نحو خفي، أُريد لتأثير جماعة أخرى أن يظهر، ألا وهو تأثير الباطنيين أتباع الغنوصيّة، ويبرز من بينهم الكاتب والمفكر الفرنسي رينيه غينون René Guénon (1886-1951)، الذي اعتنق الإسلام سنة 1912 على وجه التقريب، وأصبح يعرف بالشيخ عبد الواحِد يحيى، وكان مريداً للطريقة الشاذليّة في التصوف وتلقى العهد على يد الشيخ عبد الهادي عقيلي(7). ويمكن القول أن الصلات بين الغنوصيّة وبعض فروع الماسونيّة ستشكل عاملاً مساعداً، قبل أي عامل آخر، في تسهيل الحصول على الإذن اللازم من بلدية باريس للسماح ببناء المسجد لاحقاً.
وفي توجّه مماثل لـ«الجمعيّة المشرقيّة»، انطلقت «لجنة أفريقيا الفرنسيّة» (1891-1939)، المتشكلة لأجل إدامة الحميّة الموالية للاستعمار أثناء المعرض الدولي لعام 1889؛ ومن جديد، يدرج ضمن مقاصدها الترويج لمشروع المسجد الباريسي. ففي مايو 1895، وبواسطة توقيع 25 شخصيّة، تم تحفيزهم من قبل «لجنة أفريقيا الفرنسيّة»، يُنادى بتطبيق فعلي للمشروع، ومن بين الشخصيات الموقعة الرسام الاستشراقي بنجامين كونستان Benjamin Constant (1845-1902)، والمستشرق والدبلوماسي وعالم الآثار أنري دي لا مارتينير Henri de La Martinière (1859-1922)، ومهندس العمارة أنري جول سالادان Henri Jules Saladin (1851-1923). ورئيس اللجنة حينها السياسي حاكم الجزائر جول كامبون Jules Cambon (1845-1935)، ونائب الرئيس (وزير المستعمرات ووزير الشؤون الخارجية لاحقا) تيوفيل ديلكاسيه Théophile Delcassé (1852-1923)، إضافة لرئيس الجمعيّة الجغرافيّة الفرنسيّة الأمير رولان بونابارت Roland Bonaparte (1858-1924).
من خارج اللجنة، يبرز دعم عالم الإسلاميّات المرموق لوي ماسينيون Louis Massignon (1883-1962) لمشروع بناء المسجد، فرغماً عن كاثوليكيته المتقدة والمتأثرة بالصوفيّة، ينقلب إلى مدافع عن «السكان الأصليين» في العشرينيات من القرن الماضي، خاصة مع ميله الصريح نحو المنهجيّة الاستعماريّة «المتفهمة» (الذرائعيّة النفعيّة) للمقيم العام الأول في المغرب الجنرال إيبير ليوتي Hubert Lyautey (1854-1934)(8). أما المخططات الأوليّة لمشروع بناء الجامع الإسلامي فقد كلف بوضعها حينئذ مهندس العمارة انري جول سالادان Henri Jules Saladin.
من جانب آخر، لم توفر الصحافة المناهضة للمسجد جهداً في تغذية تحريضها من وقائع سنة كاملة من مذابح الأرمن على يد العثمانيين(9). وعليه أضحت مسألة بناء المسجد إشكاليّة بهذه الكيفيّة.
ثمة بالمقابل، ضعف ملحوظ في الاهتمام بمعرفة العالم الشرقي عموماً، والإسلامي تحديداً، رغماً عن المساندة المقدمة من قبل قسم من النخبة الفرنسيّة، خاصة الباريسيّة منها. ومع مرور نصف قرن على تأسيس «الجمعيّة المشرقيّة»، كان التفكير حول قلة حضور الفنون الإسلاميّة في باريس يأخذ مجاله إثر «معرض الفن الإسلامي»، المقام سنة 1893 في «قصر الصناعة» في شارع الشانزلزيه، بإشراف السياسي المولع بتأييد التوسع الاستعماري جول فيري Jules Ferry (1832-1898)، مع أن أمين متحف الجزائر M. Marie كان المشجع الحقيقي لهذه الفعالية الثقافيّة.
في مقدمة كُتيّب «معرض الفن الإسلامي» يُذكر أن هذه التظاهرة "تعرض لأول مرة مجموعة من تجليات الفنون الزخرفيّة التي عانت من تأثير النزعة الإسلاميّة"، وأن هذا الفن "الذي يستخف به بدأ يحثّ في أوروبا على حركة رأي مشابهة لتلك التي انتفعت منذ 25 سنة من الفنون في الشرق الأقصى"(10).
وعليه بدت الحاجة لإقامة متحفين للفنون الإسلاميّة في فرنسا، واحد في اللوفر في باريس، وآخر في مرسيلية. هكذا، ومن جديد، تتعزز أهمية هاتين المدينتين من وجهتي النظر الإستعماريّة والإسلاميّة. إضافة لذلك يُصرّح بأن فرنسا كقوة استعماريّة ملزمة بحماية فنون سكان المستعمرات المحليين، تماماً كما تفعل مع فنون بلدها ذاته.
ومع قدوم عام 1903 سيعود «اتحاد الفنون الزخرفيّة» إلى موضوع متحف الفن الإسلامي؛ ولكن هذه المرة سيكون مع أحد وكلاء المعرض الجديد، مؤرخ الفن غاستون ميجون Gaston Migeon (1861-1930) المنوط بدراسة مجموعات الفنون الإسلاميّة في متحف اللوفر. من جانبه، تأمل ميجون ما جرى في المعارض الدوليّة السابقة، فابتدأ بالمعرض الدولي لعام 1878، ورأى أنه بسبب النقص في المعياريّة النقديّة، تم الخلط بين مقتنيات نافلة من الوجهة الفنيّة وسهلة التبويب كأغراض تذكارية (سوفونير) لمسافرين ورحالة، مع قطع قيّمة وثمينة فنياً. أما بخصوص نقده لمعرض 1893 فإنه لم يتوانَ عن القول:
"بلا أدنى شك تمكن (وكيل المعرض) السيد ماري من جمع عدد كبير من المقتنيات التي يتجلى فيها الثراء وشطحات الخيال والذوق، الذي حرصت على إضفائه شعوب الشرق لتزين بها أشياءها المعدة للاستعمال اليومي؛ كما يمكن العثور على تُحفٌ تخص الأكثر سمواً ونبلاً من حيث القيمة الفنيّة. ولكن يبدو أن مسألة تنظيم المعرض جاءت سطحيّة وبلا بصيرة، وبأن انتخاباً دقيقاً لم يكن ليتوافق كفاية مع رغبة الرحالة، الذين أرادوا استعراض الأشياء التي اقتنوها في نزهاتهم في أرجاء بازارات الشرق. في حين أن بعض المفتونين بهذا الفن البديع ... تواصلوا معي منذ أشهر وأخبروني عن فكرة إقامة معرض لفنون الإسلام؛ ومباشرة حصل اتفاق بالإجماع على عدم تكرار الأخطاء السابقة"(11).
يمكن القول، أن عوامل خارجيّة وأخرى داخليّة تدخلت في تعثر سيرورة مشروع بناء «مسجد باريس الكيبر»؛ عوامل خارجيّة من مثل الأزمة مع الدولة العثمانيّة نتيجة مذبحة الأرمن أو الوضع المضطرب في الجزائر؛ وعوامل داخليّة كالأزمة المتفاعلة بسبب «قضيّة دريفوس» L´affaire Dreyfus التي وحدت الجمهوريين والكاثوليك الفرنسييين في عصبة واحدة(12). وكان لابد من الانتظار إلى عام 1905 ليعاد البت في المشروع من جديد من قبل بعض الدوريات ذات الصلة مع المسجد الأزهر في مصر، وخاصة الصحافة الصادرة في القاهرة، حيث طفق الكلام حول مبادرة لتشييد جامع رحيب في باريس(13). في نفس العام صُدق في فرنسا على قانون علمانيّة الدولة، الذي بفعل رهانه الجذري على السلطة الزمنيّة (فصل الدين عن الدولة)، كان على تناقض نسبي مع مشروع المسجد الذي يُفترض أن فيه اعتراف فعلي بالواقع الديني(14). وبما أن العمل بهذا القانون مازال ساري المفعول حالياً، فإن أغلبيّة المجتمعات الإسلاميّة في فرنسا مابرحت تخضع لقانون الجمعيات الصادر سنة 1901. فبشكل ما، ثمة تعارض مضمر بين هذين القانونين، وحسب بعض المحللين فإن التعارض يكمن بين الحق الديموقراطي للجمعيات من جهة، وبين مبدأ فصل السلطات السياسيّة والدينيّة الذي لا يمكن التنازل عنه من جهة أخرى.
ومما يجدر قوله في معرض الحديث هنا، أن العلاقة المباشرة لسيرورة التحديث بفعل استعمار المغرب، كانت تتأكد بالمقدار الذي ينقل فيه نموذج المعارض الباريسيّة، كواجهة عرض للحداثة، إلى مدن الدار البيضاء، وفاس، وطنجة؛ رغماً عن أن معرضي الدار البيضاء (1915)، وفاس (1916) أضافا أيضاً إلى غاياتهما الأوليّة والتزاماتهما الحداثيّة، إعادة تقيم وتثمين مفهوم vieux Maroc «المغرب القديم»، طبقاً للمعطيات السياسيّة المنتهجة من قبل المقيم العام الجنرال ليوتي (خدم فرنسا في المغرب من 1912 إلى1925). واستجابة لهذا التوجه في الإدارة الاستعماريّة، ركز المعرضان على الفنون والصناعات اليدويّة المغربيّة حصراً، في محاولة لإضفاء القيمة على المساهمة الفنيّة والحرف اليدويّة للبلد المُستعمَر، لدرجةِ وضع فنون المغرب بسوية واحدة أو حتى فوق الفن الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيريّة(15).
من جانب آخر، إن حماية ما يعرف بـ«فنون السكان الأصليين» أنتجت زيادة في عدد هواة تجميع التحف والنوادر في الميتروبولي/ حاضرة الدولة الاستعماريّة؛ هواية كال لها المديح المشرف الفرنسي على «مديريّة فنون السكان الأصليين» في الرباط بروسبير ريكار Prosper Ricard (1874-1952)، قائلاً:
"أي شخص يعير انتباهاً للهوس العذب -فضلاً عن أنه غير مؤذٍ- لهواة جامعي التحف الذين ينصرفون إلى تكريس جزء من متعهم في سبيل تحقيق غايات متآلفة، ومرضية للنظر باستمرار، ومشوقة للدراسة؛ غايات يلج بفضلها كل يوم إلى عمارتنا الداخليّة العرضيّة شيء من الحياة الغامضة التي تحتوينا، بينما نحن ننشدها دون أن نفقه جيداً إيماءاتها"(16).
وأسهمت في ازدهار هواية تجميع التحف، الإجراءات المتخذة من قبل حكومة الحماية الاستعماريّة، حين وضع ختم له دمغة مميزة على المشغولات اليدوية القيّمة، كي تستوفي الحرف التقليديّة شروطاً نوعيّة محددة وتكون مقبولة من قبل جمهور المتروبوليتان/ الحاضرة الاستعمارية في فرنسا.
من جهة أخرى، فيما يلي سيتم تناول العلاقة الخاصة بين إقامة المعارض الدولية الباريسيّة وبين اكتشاف وذروة حضور الفن الإسلامي في أوروبا.
في معرض سنة 1867، ضم الجناح المصري بناء يحاكي عمارة مسجد(17). وفي معرض 1889، كان النموذج المعماري المحاكي لمئذنة جامع هو جوهرة الجناح الجزائري. ونعتقد أن أول مكان تم التفكير به لأجل تشييد «مسجد باريس الكبير»، والذي لم يكن قد رأى النور بعد مع نهايات القرن التاسع عشر، كان يقع في «مستودع الرخام» Dépôt des Marbres، وهو موضع خصص لمراكمة مواد البناء قرب أرض المعارض الباريسيّة. وثمة فرضيّة أخرى لدى بعض الكتاب، مفادها أن هناك من فكر بإدراج مسجد باريس ضمن مجمل المنشآت المعروضة(18).
بكل الأحوال في عام 1900، شغلت رابية شايو Chaillot الواقعة في نطاق أرض المعارض، بالإضافة إلى قصر التروكاديرو، عدة أجنحة شرقيّة الموضوع ومزودة بمآذن مبهمة لأسلوب يمزج البيزنطي مع المدجّن، كما أن المجموعة المحتفى بها «الأندلس في زمن المورو» Andalousie dans le temps des maures أخذت موقعها على الرابية بكل الجاذب الذي استطاع أن يستحث عليه الإسلام، وكانت المجموعة متناغمة مع مشاريع التوسع الاستعماري لفرنسا؛ مشاريع كان السان سيمونيون (أتباع الفيلسوف سان سيمون) جزءا هاماً منها.
من جانب آخر، لابد من الإشارة إلى بناء معماري هام سبق وجوده «مسجد باريس الكبير»، ألا وهو المصلى الصغير المدشن عام 1858، والمجاور لضريح الملكة الهنديّة Malka Kachwar، ملكة دولة أوده Oude، التي قضت في العاصمة الفرنسية أثناء هروبها من سلطات الامبرياليّة البريطانيّة منتصف القرن التاسع عشر. وهذا المصلى كان عبارة عن صرح مكرس لأداء شعائر صلاة الجنازة، ويقع في مقبرة بير لاشيز Pére Lachaise(19). كما تم تشييد معبد مؤقت بين عامي 1916 و1918 في «الحديقة الاستعماريّة في نوجين سور مارن» El Jardin Colonial de Nogent sur Marne على مقربة من باريس.
بيد أن أياً من هاتين المبادرتين المشار إليهما، حققت اكتفاء ورضى لحاجات الجاليّة الإسلاميّة الباريسيّة المتنامية، ولم تكن أكثر من حلول مؤقتة، أتت كاستجابة لضرورات ملحة، وتكهنت بتزايد الحضور الإسلامي في باريس.
ومن الواضح أن مشروع بناء «مسجد باريس الكبير» حصل على مساندات هامة متعددة، ذكر بعضها أعلاه، ويضاف إليها مساندة الصحفي بول بورداري Paul Bourdarie (1864-1950)، وهو مستكشف وناشط في مجال البروباغاندا المكرسة لنصرة القضايا الاستعماريّة الفرنسيّة في «الشرق».
في السنوات السابقة على بدء تنفيذ أعمال بناء المسجد في عام 1922، مارس بول بورداري دوراً تحريضياً هاماً في تحويل المشروع المهمل إلى مسألة أساسيّة. فمنذ عام 1906، وبفضل تأثيره على مؤسسات مختلفة كان عضواً فيها، إضافة إلى كونه مدرساً في «المدرسة الحرة للعلوم الاجتماعيّة» Collège Libre de Sciences Sociales، وسكرتيراً دائماً في «أكاديميّة علوم ماوراء البحار» Académie de Sciences d`Outre-Mer(20)، ساهم بول بورداري في تحريك فكرة بناء المسجد من جديد، خاصة من على صفحات دوريّة ريفيو انديجين La Revue Indigène، التي تحولت إلى بؤرة مكرسة لـ«محبة السكان الأصليين» indigenofílico، فمنها انطلقت بغيرة واندفاع أشد فكرة تأسيس المسجد المستقاة من مروجي البروباغاندا السالف ذكرهم من نهاية القرن التاسع عشر(21). ووزعت مناشير غفل من التوقيع، قبل أن تنشر مقالات الدعاية لمشروع المسجد والمحبّرة بقلم بول بورداري نفسه في مجلة La Revue Indigène. ومن بين أنباء المجلة، نوّه بورداري إلى المناخ الحماسي المتّقد الذي عايشته باريس، إثر المشاركة المغاربيّة البطوليّة في الحرب العالميّة الأولى، وأعلن أن عمدة مدينة ليون ادوار ايرّيو Édouard Herriot (1872-1957) والرئيس أريستيد بريان Aristide Briand أبديا تأييدهما لمشروع بناء مسجد في باريس(22).
وعلى النحو التالي قدم بورداري المشروع في البدايات التي عاصرها:
"في مايو ويونيو من عام 1915، بدأت بالتواصل مع أحد المهندسين المعماريين من المعهد السيد E. Tronquois، وهو تلميذ Charles Girault. ودارت محادثاتنا بشكل متكرر حول الإسلام والدور الذي لعبه المسلمون الفرنسيون في ساحة المعركة. وفي يوم من الأيام أشاع السيد Tronquois وجهة النظر بأن النصب الحقيقي الذي يخلد ذكراهم وبطولتهم وتضحياتهم لابد أن يكون مسجداً"(23).
وعلى التوالي، يشرح بورداري للمهندس المعماري Emmanuel Tronquois (1855-1918) سوابق المشروع التاريخية، ويقرران البدء في العمل على تحقيق الفكرة باجتماعات متتابعة خلال صيف 1916 في مقر مجلة Revue Indigène.
على هذا المنوال وفي مناسبات عدة، تمت الإشارة إلى التعاطف والانصاف الواجب للجنود الذين ضحوا في سبيل فرنسا في الحرب الكبرى كأحد المبررات لافتتاح مراكز ثقافيّة إسلاميّة.
بالمقابل، شكل المسجد المبني في «الحديقة الاستعماريّة في نوجين سور مارن» فصلاً من فصول بروباغندا-مضادة فرنسية بإزاء الانتشار العسكري الألماني والجامع المقام في معسكر زوسين Zossen جنوب برلين(24)، والذي نصب أساساً ضمن مخطط البروباغندا الألمانيّة المتطلعة إلى إرضاء حلفائها العثمانيين، ممن أعلن بعضٌ من أئمتهم النفير العام من أجل «الجهاد المقدس» في الحرب إلى جانب ألمانيا.
من جانبة يرى أستاذ التاريخ الباحث ميشيل رينار Michel Renard أن عظمة صرح «مسجد باريس الكبير» مكّن من تحقيق البروباغاندا الفرنسيّة المضادة بصورة مجسدة(25).
بالتوازي مع كل ذلك، كان الذوق العام تجاه كل ما هو إسلامي يزدهر تباعاً من منظار الغرائبيّة الإستشراقيّة. وعليه أقامت المكتبة الوطنيّة الكائنة في شارع ريشيليو معرضاً للفن الإسلامي عام 1925، وأظهرت فيه رصيدها المحفوظ للعموم(26). وفي يوليو 1926، دقق الناقد الفني غاستون ميجون في حساباته مصرحاً بأن عدم الاهتمام السابق تجلى في مجموعات متحفيّة من الفن الإسلامي تنقصها الفهرسة العلميّة، فيما عدا متحف اللوفر ومتحف القاهرة، أما الآن فقد أضيفت فرق عمل بحثيّة جيدة، يرأسها عالم الآثار والمستشرق جورج مارسيه Georges Marçais (1876-1962)(27) في الجزائر على سبيل المثال، وفي المغرب «معهد الدراسات العليا المغربي» Institut des Hautes Études Marocain (الرباط 1920-1957)، الذي أنشئ بمبادرة من الحاكم العام ليوتي وفريق من أساتذة بارزين في البحث العلمي، كالمستشرق وعالم الآثار الإسلامية هنري تِرّاس Henri Terrasse (1895-1971)، والمستشرق ألفرد بل Alfred Bel (1873-1945)، والمؤرخ روبير ريكار Robert Ricard (1900-1984). وتابع ميجون القول في الحين الذي سبق افتتاح المسجد، بأن:
"الاهتمام تجاه قضيّة الفن الإسلامي لم يكن حياً كما هو الآن على وجه الإطلاق. وأن المجموعات المتحفيّة التابعة للدولة مقدّرة ومدروسة بشغف متّقد، وأن المعارض تُزار دون تردد، والمزادات تتابع ويجري التنافس فيها، في حين يتولى بشجاعة طاقم من الحكماء الدراسات المنضوية تحت علم الآثار"(28).
كانت لحظة مثالية تتوافق مع الشغف الليوتيّ (نسبة لـ ليوتي) بفضاء المغرب الأقصى، والمغرب الأكبر بالمعنى العام(29)، رغم انفتاحه على فضاءات أخرى أكثر نأياً مثل الفضاء الأفغاني، حيث كانت بعثة الحفريات الجيولوجيّة الفرنسيّة تشتغل بهمة ونجاح.
بلا أدنى شك، تزعّمت فرنسا الاستعمار الثقافي الإسلامي، الذي شرع اندفاعه البدئي مع حملة نابليون على مصر، فمصالحها بكل هذا المضمار كانت عظيمة.
رغماً عن كل هذه التأييدات، كان لتحقيق مشروع المسجد مبررات أخرى مازالت سارية المفعول حتى اليوم، منها مبرر أساسي يكمن في تسهيل السيطرة من المسجد، عبر رجال الدين، على أي تجلٍ لـ«إسلام سياسي» لا يبدي تعاطفاً مع قضايا بلاد الغال. وقد انتبهت لهذا المبرر «إدارة شؤون السكان الأصليين في شمال أفريقيا» Service des Affaires Indigènes Nord-Africaines، الذي كان في الفترة الواقعة بين عامي 1924 و1945 المؤسسة الفرنسيّة الموكلة بالسيطرة على المسلمين، بخاصة الجزائريون، ممن وصل تعدادهم في تلك السنوات إلى حوالي مئة ألف شخص مقيم في فرنسا. ولهذه الغاية، تم تنظيم مركز للرعاية الصحيّة في شارع ليكونت Lecomte (في الدائرة السابعة عشرة) بهدف عزل المهاجرين المرضى أو المعوزين منهم؛ "وأضحت دور المبيت والفنادق والمقاهي والمطاعم التي يُرتادها المهاجرون هدفاً لمراقبة صارمة". وتبدّى أن هذه المراقبة البوليسيّة كانت وراء إدراج حوالي 40 ألف من المنطقة المغاربيّة في قوائم المشتبه بهم في ذلك الوقت(30).
وعلاوة على ذلك أُنشِئت شرطة مباحث خاصة بمراقبة المسلمين بالتزامن مع افتتاح المسجد؛ الأمر الذي يأتي، حسب رأي الباحث الجزائري صادق سلّام، ليؤكد أن السياسة الفرنسيّة المنتهجة تجاه المسلمين كانت تتلقى الوحي من «إدارة شؤون السكان الأصليين في الجزائر»، حيث روج للتوجيه والرقابة على هذا النوع من «الإسلام الرسمي»، وعلى دعم الفرق الصوفيّة المواليّة، والسعي لتفادي أي مؤثر «بلشفي» أو قومي، لأنه أُوِّلَ كانحياز إلى صنف «الطبع المتعصب».
تحت سمع وبصر نزعة التوجيه والرقابة هذه، نظم قوميو الرابطة العربيّة في منظمة «نجم شمال أفريقيا» L`Etoile Nord-Africaine احتجاجات بلغت ذروتها في حفل خطابي جرى في 14 يوليو 1926 في صالة Grange-aux-Belles وجمع حوالي ألفي شخص فيه. وتمخض فحوى الكلمات، التي أُلقيت في هذا الحفل، عن أن «مسجد باريس الكبير» كان المناورة الاستعماريّة الأكثر وقاحة، وبأن زوار الحمامات والأسواق والمطاعم سيعملون على "تدنيس الأماكن الإسلاميّة المقدسة كما لو أنها ملاهٍ ليليّة"(31).
أما الشخصيّة الفعليّة التي وقفت وراء هذا المشروع من الجانب المغاربي، فكانت سي قدور بن غبريط (1868-1954) المولود في مدينة تلمسان الجزائريّة. عمل ترجماناً في طنجة، وحينما عيّن فيما بعد نائباً للقنصل الفرنسي في فاس، اشتغل على توطيد النفوذ الفرنسي في أوساط السلطان في الأوقات التي سبقت مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906(32). وتحول غبريط إلى أداة فاعلة في السياسة المغاربيّة في مرحلة الحماية الاستعماريّة التقليديّة، حتى أنه أصبح مدير «التشريفات السلطانيّة» في المغرب. بمقدار ما، يمكن القول أن قدور بن غبريط انتهى لأداء الدور الذي مارسه نائب القنصل البريطاني في فاس "القائد" James. M MacLeod الذي اعتاد تزويد السلطان بالمستجدات الغربية لأجل متعته الشخصية، إضافة للأسلحة الحديثة والإرشادات الحربيّة لقواته العسكريّة المحدودة. من جانب آخر، أعجبت البورجوازيّة الأرستقراطيّة في فاس بما يتمتع به قدور بن غبريط من حنكة ونباهة في التدبير السياسي والإبحار في كافة الاتجاهات. وقبل أي شيء آخر، كان الشخص الموثوق به لدى الفرنسيين الذين اشتغل لهم باستمرار، ووضع نفسه في خدمتهم إلى حدٍّ بعيد.
كان قدور بن غربيط المحفز على بناء «مسجد باريس الكبير» في مرحلة التبلور النهائي للمشروع. وقام بدوره هذا بصفته ممثلاً لـ«جمعية أوقاف الحرمين الشريفين» Société des Habous des Lieux Saints. وقد أُسست هذه الجمعية بمبادرة من الحكومة الاستعماريّة في الجزائر، وابتغت تنظيم الحج وامتلاك ملجأ خيري في مكة والمدنية يأوي إليه الحجاج المغاربة. وابن غبريط نفسه كان قد سافر إلى الحجاز باسم هذه الجمعية لشراء مضافات للحجيج المغاربة. وقد أنشأت هذه الجمعيّة في الجزائر وفقاً للشريعة الإسلاميّة.
وحينما أرادت بلاد الغال أخيراً أن تساند مشروع المسجد اقتصادياً، بعد أن منحت بلدية العاصمة أرضاً كان يشغرها مستشفى قديم أوقف عن العمل ويقع في الجزء الخلفي لحديقة Jardin des Plantes، وضع قدور بن غبريط حيز التنفيذ كل الآليات السلطويّة التي كانت بمقدوره كي ينال المشروع النجاح، ولم يستثنِ من وسائله حفلات دنيويّة بغية تحصيل الأرصدة.
رغماً عن ذلك، دائماً ما عانى غبريط من عقبات خفيّة وضعت في طريقه، من جانب المنتمين للإدارة الاستعماريّة، ممن ناهض المشروع ولم يرغب بأن يرى النور. هكذا، حينما أراد ابن غبريط سحب الأصول المحصلة من جني الأموال، والمودعة في «مصرف الدولة في المغرب»، أُبلغ بأنها مجمدة بقرار صادر من «الإقامة العامة الفرنسية في المغرب». وبينما هو يعمل على حلّ المسألة، والتي انتهت إلى فك تجميد الأرصدة مع توجيه إنذار له من قبل موظفين يشغلون مواقع عليا في الإدارة الاستعماريّة، كان باشا مراكش التهَامي الكلاوي (1878-1956) قد قدم مبلغا من المال كدين للشروع في أعمال البناء(33).
مابرحت المعيقات تتفاقم جدّيّا، سواء كانت محبوكة في الظل، أو بشكل علني متكرر، من قبل كاثوليكيين كارهين للإسلام -نستطيع نعتهم بأتباع كنيسة سان سولبيس- ممن كانوا يدورون في فلك «المعهد الكاثوليكي الباريسي» Institut Catholique de Paris القريب من كنيسة سان سولبيس، والذي يعد مركز الكاثوليكيّة الأكثر رجعيّة في باريس. بيد أن تحولاً طرأ على خطابه الذي كان يبثه حول مسجد باريس مع سنوات الخمسينيات، وذلك بتقديمه للمسجد كمكانٍ للتصالح والحوار بين الأديان(34).
إلى كل هذه المعيقات الموضوعة في وجه المشروع، يضاف انعدام الثقة الفرنسية لأن «جمعية أوقاف الحرمين الشريفين» كانت مسجلة قانونياً في الجزائر، الأمر الذي يفترض بشكل من الأشكال وجود استقلال ذاتي في إدارة «الإسلام الفرنسي»(35).
بالعودة خلفاً، كان مشروع المسجد بالنسبة لقدور بن غبريط من الأهمية بمكان حتى أنه جعله السمة الجوهرية الفارقة لمنجزه "السياسي"، وتحول هو شخصياً، قبل وأثناء وبعد افتتاح المسجد، إلى وكيل عن استعمالات المسجد وقواعده البروتوكوليّة. وبناء عليه ترقد رفاته اليوم في باحة المسجد كاعتراف بجهوده.
من وجهة النظر المادية، مع أن المهندس انري سالادان Henri Saladin، المختص بالعمارة الاسبانية-المورسكيّة hispano-mauresque، كان قد كلف بالمشروع في مرحلته الأوليّة، فإن المخططات التالية والنهائيّة جرى تنفيذها من قبل الشخص الذي حاز على ثقة ليوتي، ألا وهو المهندس المعماري موريس ترانشان دو لونيل Maurice Tranchant de Lunel (1869-1944)، الذي كان منذ 1912 المنظم لفعاليات «مديرية الفنون الجميلة» Service des Beaux Arts في المغرب، وكان مدركاً تماماً لضرورة ترسيخ خطاب النزعة التقليدية لمفهوم «المغرب القديم» vieux Maeoc الخيالي pintoresco والسرمدي(36).
المهندس ترانشان كان غاوياً حقيقياً، اشتغل ببناء الفيلّات في مدينة نيس الفرنسيّة، ومارس الرسم، كما كان رجلاً له خبرة فقد قام برحلات عديدة، واستغرق في تأمل المغرب كبلد هادئ يتمتع بـ«سلطة مرنة نائيّة البعد» تسمى «المخزن»؛ وتبعاً لتأملاته كان المغرب هو البلد الأمثل للفنانين، حيث تسود الحرية الفردية بلا قيود وإكراهات التقاليد الاجتماعيّة(37).
وعليه انكب المهندس ترانشان، من «مديرية الفنون الجميلة» طوال سنة 1913، على تكييف مساكن الضباط وموظفي الإدارة الاستعمارية، وعموم المباني التي لها صفة تمثيليّة لسلطة الحماية الفرنسيّة، طبقاً لـ«طراز مغربي» “marroquí” لقصدية معلن عنها، ألا وهي توليد مؤثر الـ«محاكاة» لدى المتلقي/ الناظر، سواء بين «السكان الأصليين المحليين» كما بين الغرباء الأجانب(38).
ويعود مفهوم الـ«محاكاة» في هذا السياق لدراسات عالم الاجتماع غابريل تارد Gabriel Tarde (1843-1904)، والتي طورها في بحثه المعنون بـ«قوانين التقليد» Les lois de l`imitation(39)، وهو الكتاب الذي قُرئ من قبل الحاكم ليوتي بعناية.
وفي معرض الحديث هنا، لا يمكن إغفال التأثير العميق لفرضيات غوستاف لوبون Gustave Le Ben (1841-1931) حول «سوسولوجيا الجماهير»، والفريد فوييه Alfred Fouillée (1838-1912) في الـ«أفكار-قوة»، وغابريل تارد في «المحاكاة»، على القيادات العسكرية العليا وفي الزعماء الاستعماريين. وكلها دراسات سوسيولوجية محافظة بشكل متطرف.
ألقي مشروع المسجد على عاتق المهندس موريس ترانشان بطلب من قدور بن غبريط. وأدرك ترانشان، المغامر جواب الآفاق، بشكل جلي أهميّة الطراز المعماري الذي لابد أن يخدم كمرجعية للمساعد على خلق «المناخ» المرغوب في المسجد، من حيث علاقته مع مشروع «خلافة» تحت وصاية فرنسيّة، مقابل انحطاط «الخلافة» في تركيا المحميّة من قبل ألمانيا، وبإزاء «الخلافة» الصاعدة في شبه الجزيرة العربية بوصاية بريطانيا العظمى.
بهذا المعنى كان أمر مرجعيّة الطراز بالنسبة لترانشان ساطعاً جلياً، وعليه حضرت المدارس في فاس، وبخاصة «المدرسة البوعنانيّة»، على أنها ما يشكّل نموذجه «الاسباني-مورسكي» hispano-mauresque والمقياس المعياري لهذا الطراز، بيد أنه سيترك بين يدي المهندس موريس مانتو Maurice Mantout (1886-1953) الذي كان معاوناً له في مكناس مسألة إتمام مشروع تعمير المسجد. هذا الأخير من جانبة، خلص للتعاون مع المهندسين المعماريين روبير فورنيه Robert Fournez، وشارل أوبيس Charles Heubés (1862-1948). أما العمال الحرفيون والصناع المهرة المغاربة فقد نشطوا كما هو منتظر في أعمال البناء وفي زخرفة وتزيين المسجد.
مع الوصول إلى هذا النقطة، لا يمكن التغاضي عن ذكر «مسجد الحسن الثاني» في الدار البيضاء الذي يفاخر بالمساهمة الواسعة للقطاعات الحرفيّة المغربيّة المتنوعة في إنجاز المشروع بشكل نهائي. فالمسجد الجامع ليس مجرد مبنى، بل يستلزم مشاركة المجتمع كافة حتى تُبَثّ الحياة فيه. فأثناء سيرورة بناء المسجد تتبدى الأشغال الحرفيّة اليدويّة على نحو شديد الأهمية، أسوة بالتشييد المعماري في الكاتدرائيات القوطيّة.
إبّان تشييد المسجد، الذي بدأ سنة 1921 تحت إشراف المهندس المعماري فورنيه ومعاونيه، قامت الصحافة ببعض المتابعات المشوقة؛ ففي عام 1924، حينما أخذت أشغال التزيين والديكور حيز التنفيذ، نشرت مجلة La Construction Moderne تقريراً مفصلاً عن كيفية عمل "الفنانين من السكان الأصليين"، الذين يواصلون التقليد المغاربي المثابر على النقر بالإزميل، ونقش ألواح الجص؛ في حين أن الفنانين الأوروبيين ماانفكّوا عاجزين عن القيام بمثل هذا المجهود الدقيق الصبور:
“Tout est fait au ciseau avec la même patience Durant plusieurs mios”.
"مجمل العمل يتم بالإزميل بنفس الصبر ولعدة أشهر".
كما تأتي المجلة على ذكر الاشتغال على خشب الأرز الوارد من مدينة باتنة الجزائرية:
"منذ حوالي عدة أشهر يواظب عمال مسلمون مهرة على مزاولة هذه الصنعة المعقدة بصبر دؤوب مُذهل، واهبين لمجمل المنتج تناسقاً لا يضاهى في التنفيذ"(40).
وفقط أُشير لاستثناء، آن الحديث عن الديكور وتقديم إحالة مرجعيّة لأشغال النجارة، ولما يُقال عن أن رسومها الموضوعة، دون أي دراسة تحضيرية، تعود لـ "إلهام فارسي".
بعد الفراغ من أعمال البناء، جاءت لحظة المراسم والبروتوكولات، ذلك أننا أمام الحدث الذي تبلغ فيه الكلمات أقصى ما لها من كثافة ومعنى، وكل ما يذكر لابد له أن يكون موزوناً ومحسوباً بدقة.
على سبيل المثال، أثناء الاحتفال بتدشين المسجد في 15 يوليو 1926 بحضور السلطان المغربي يوسف بن الحسن (1882-1927)، استذكر مدير مكتب رئيس المجلس البلدي لباريس السيد رينيه ويز René Weiss (1875-19؟؟) فضل الأسلاف التاريخيين المتقدّمين في هذا المشروع. ومن المناسب هنا أن لا يغيب عن الذهن، على حد قول الباحث ميشيل رنارد، أن ما ذكره رينيه ويز ليس من ابتكاره، فقد استقى الكثير من معلوماته التاريخية من مقالات صحفيّة، خاصة مقالات الصحفي بول بورداري المنشورة في مجلة La Revue Indigène:
"في بلدية بيزانسي التابعة لإقليم الأردين (والكلام هنا لويز)، وفي مكان يدعى Mahomet، مازالت تُرى أطلال مسجد، كان بيير دو انغلير Pierre d`Anglure، كونت بورليمون، الفارس في الحملة الصليبيّة الذي وقع في الأسر لدى الساراسين المسلمين، قد بناه في بدايات القرن الثالث عشر عرفاناً بالحرية التي وهبت له"(41).
ومن ثم ينعطف رينيه ويز نحو تقديم الامتنان لأولئك الذين شكلوا العنصر المُحفّز على هذا المشروع في نهاية القرن التاسع عشر:
"يبدو أن فكرة إنشاء جامع لاحت لأول مرة في نوفمير 1849، إذ طرحت من قبل فريق إسلامي ناشط: «الجمعية الشرقيّة والجزائريّة والاستعماريّة» La Société Orientale, Algérienne et Coloniale. ولكن الفكرة لم تلج فعلاً مضمار إمكانيّة التحقق حتى عام 1895، حين ظهرت مع الصحفي هاري أليس Harry Alis (1857-1895)، مؤسس «لجنة أفريقيا الفرنسيّة» Comité de l’Afrique française، الذي حرص على منح الإسلام شهادة تعاطف تسترعي الانتباه من خلال إنشاء بناء ديني في باريس ذاتها، وفي لحظة تاريخية أضحت فيها فرنسا قوة إسلاميّة عظمى بفضل تطور امبراطوريتها في شمال افريقيا. بيد أن موتاً مفجعاً لم يتح لرائد هذا المشروع أن يباشر في التنفيذ، إلا أن فكره شجع فاعلي الخير في القضيّة الاستعماريّة الفرنسيّة، سواء كانوا برلمانيين، أم حكماء، أم مستكشفين، أم دبلوماسيين، أم جنرالات، أم فنانين"(42).
وعلى التوالي يأتي رينيه ويز في خطابه على ذكر الأعيان البادئين بمشروع المسجد، من بينهم تجلجل أسماء رجالات مشهورة، مثل السياسي والضابط أوغيست لوي دارنبير Auguste Louis d´Arenberg (1837-1924)، المصرفي والسياسي ادوار اينار Édouard Aynard (1837-1913)، والسياسي النائب البرلماني تيوفيل ديلكاسيه Théophile Delcassé (1851-1923)، والمستكشف غابرييل جوسيه إلو إتين Gabriel Joseph Hulot Étienne (1857-1918)، ورئيس الجمعيّة الجغرافيّة الفرنسيّة الأمير رولان بونابارت Roland Bonaparte (1858-1924)، والماركيز الدبلوماسي إيمانيل انري فيكتورين دي نواييه Emmanuel Henri Victurnien de Noailles (1830-1909)، والدبلوماسي والموظف في الإدراة الاستعمارية الفرنسيّة تيودور روستان Théodore Roustan (1833-1906)، والدبلوماسي والمستكشف في المغرب انري بواسون دي لا مارتينير Henri Poisson de La Martinière (1859-1922)، والجنرال الأرستقراطي غاستون دي غاليفيه Gaston de Galliffet (1830-1909)، والجنرال المشارك في احتلال الجزائر فرانسوا اشيل توماسين François Achille Thomassin (1827-1919)، والرسام الاستشراقي بنجامين كونستان Benjamin Constant (1845-1902). وجميعهم أعضاء في «لجنة أفريقيا الفرنسيّة». وكانوا منذ بداية الخطاب برفقة مدينة باريس ممثلةً بوالي منطقة السين السيد يوجين بوبيل Eugène Poubelle (1831-1907)، والكاتب المسرحي مستشار البلدية السيد جورج فيلين Georges Villain (1859-1913)، في حين أن «الرئاسة» كانت من نصيب السياسي والمصرفي جول كامبون Jules Cambon (1845-193) الذي شغر منصب حاكم الجزائر العام (سنة 1891).
إن التنافس مع ألمانيا، المشار له سابقاً في هذه الدراسة، لاستمالة إرادة وإرتباط المسلمين تلاحظ في خطاب رينيه ويز العارف بمستجدات مشكلة النمو في عدد السكان المسلمين، وزيادة نسبة معتنقي الدين الإسلامي من الأوربيين. يقول ويز:
"إن تدفق المهاجرين ونسبة معتنقي الإسلام الآخذة بالتزايد على مدار هذه السنوات، جلبت معها الحاجة إلى إنشاء مساجد في بلدان عدة. الآن يبنى جامع في مدينة وكينغ (انكلترا)، وآخر في دترويت (في الولايات المتحدة الأميركية). أما في ألمانيا فقد استبدل مسجد برلين ذاك الذي كان قد أقيم، أثناء الحرب العالمية الأولى، في معسكر Halbmondlager (معسكر الهلال لأسرى الحرب من المسلمين) في مدينة زوسين. ومن جانبها تملك أوستراليا عدداً من المساجد الدائمة في بيرث، وست مساجد مؤقتة في اديلايد. إلا أنه من المناسب أن نضيف أن أياً من بيوت الصلاة المفتتحة هذه بقادرة على إرضاء رغبات المؤمنين المعتنقين للإسلام، فمسجد برلين على سبيل المثال أقيم لإجبار من يقع في الأسر من وحداتنا القتالية الشمال-أفريقية على تغيير ولائه، وعليه لا يمكن مقارنته بالصرح الذي خصصته فرنسا ومدينة باريس لسكانتها المسلمة"(43).
حول نفس الفكرة، في فترة سابقة على فعاليات افتتاح مسجد باريس، يمكن أن يذكر أن المفكر العثماني خليل خالد بك رئيس جمعية «الإخاء الإسلامي في باريس» (تأسست عام 1907)، أشار في خطاب كان ألقاه يوم الاحتفال بتوجيه المحراب إلى القبلة في 1 مارس 1922، إلى وجود تلك الجوامع في ألمانيا إلا أنها، وكما يرى الفرنسيون، أقيمت بطريقة انتهازية من قبل الألمان في معسكر اعتقال قريب من برلين لتلبي حاجة المسلمين الروس والفرنسيين والانكليز.
ما هو مؤكد، أنه خلال الاحتفال بتدشين المسجد سنة 1926، يتبدى ما يناقض الاعتبارات الانتهازية للألمان، ذلك أن مسجد باريس ولد لأجل أن يكون مشروعاً قابلاً للدوام وغير عرضي(44)؛ وأن فرنسا لا ترغب بتحالف عابر زائل مع العالم الإسلامي، بل قيادته من خلال إدارتها الاستعماريّة في «المغرب الكبير».
ولا يفوت رينيه ويز أن يشير في خطابه، بلا أدنى تحفظ، إلى الدوافع التي أدت إلى استبعاد الطراز المعماري العثماني حين حسم قرار طراز المسجد الباريسي النهائي. وتتجلى هذه الدوفع بالوقائع الجارية في الحرب العالميّة الأولى وبمذبحة الأرمن بيد الأتراك.
وعليه يصدر رينيه حكمه قائلاً في خطابه:
"إن المخططات لما سيكون عليه المسجد في المستقبل (والتي استلهمت من الطراز المعماري العثماني)، كانت قد وضعت من قبل السيدين Henri Saladin و Baudy. وفيما يبدو كان على الصرح أن ينتصب في أرض باريسيّة، حينما اهتز العالم لحدث مؤلم سنة 1896، ألا وهو مذابح الأرمن. وعليه لم تكن اللحظة مؤاتية لتنفيذ العمل على المشروع"(45).
من جانبها، رجّعتْ الصحف والمجلات الفرنسيّة أصداء فخامة التدشين على صفحاتها. فتنبه المراسل الصحفي جان لونيه Jean Leune (1889-1944) المتخصص بالشؤون الدينيّة إلى أن الشعائر أقيمت تمام الساعة 14.00 ظهراً. أما وصول السلطان المغربي مولاي يوسف بن الحسن (1881-1927) فقد تم التعليق عليه بما له من أبهة وسمو في المدلول؛ وكان لحضور "الحرس الأسود" الخاص بالسلطان مكانة مميزة لسمته الغرائبيّة(46).
وكرست الجريدة الأسبوعية إلوستراسيون L`Illustration صفحتها الرئيسة لصورة وصول السلطان إلى «محطة ليون» Gare de Lyon في باريس، حيث كان بانتظاره كل من رئيس الجمهورية الثالثة غاستون دي مورغ Gaston Doumergue (1863-1937)، ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية أريستيد بريان Aristide Briand (1862-1932)، والوزير ادوار اريو Édouard Herriot (1872-1957)، إضافة إلى الجنرالين أدولف غيّوما Adolphe Guillaumat (1863-1940)، وهنري غور Henri Gouraud (1867-1946).
وفي الصفحة 67 من نفس العدد، تبين الدوريّة أن مولاي يوسف خلف «والده» مولاي عبدالعزيز (1878-1943)، (في الواقع كان عبدالعزيز الأخ غير الشقيق له، وكان عليه منازلته للاستيلاء على العرش العلوي)، وبأنها المرة الأولى التي يخرج فيها سلطان بـ«طريقة مسالمة» من المغرب. بمعنى أنه لم يخرج إلى المنفى كما جرى مع سلفيه وأخويه مولاي عبدالعزيز ومولاي عبد الحفيظ (1875-1937)، اللاجئين في فرنسا واسبانيا على التوالي.
إضافة لكل ذلك تشدد الصحيفة على خلَجات صدر مولاي يوسف عندما أدى دخولاً «عظيماً» ترافق مع هتافات متعالية هلّلت له في مدينة تولون، أثناء رسوّ «البارجة باريس» التي كان على متنها.
وفي الصفحة 72، تنشر ست صور التقطتها عدسة المصور ارنست كلير-غويو Ernest Clair-Guyot (1856-1938) لمراحل مختلفة من الرحلة السلطانيّة. الأولى في المغرب أثناء حفل الولاء وإبداء الطاعة له من قبل مجلس الأعيان قبل البدء بالسفر؛ الثانية التُقطِت في البارجة وتجمعه مع المقيم العام في المغرب تيودور ستيغ Théodore Steeg (1868-1950) الذي كان يرافقه في الرحلة؛ والثالثة تمثل لحظة وصوله إلى تولون. ومن ثم في الأراضي الفرنسيّة، ثمة صورة أُخذت في القطار الذي أقلّه مع المقيم العام ستيغ إلى باريس، وأخرى في قصر الإليزيه مع المشرف على المسجد قدور بن غبريط، وفي النهاية صورته عند «ضريح الجندي المجهول» حيث وضع إكليلاً من البرونز(47).
فضلاً عن ذلك، تشدد صحيفة L`Illustration على حفاوة استقبال المارشال ليوتي، الودي والمتخفف من البروتوكول الرسمي، للسلطان في قصره في بلدة توري في إقليم اللورين. حيث استدعى كاهنين لتقديمهما له قائلاً: «سيدي، أنتم مطلعون على كيفيّة احترامي لدينكم في المغرب، إنها مماثلة لاحترامي للدين هنا؛ ولأبين لسموكم أننا في فرنسا نكن احتراماً لديننا، أود أن أقدم لكم السيد Lacasse قسيس بلدة توري، والسيد قسيس بلدة Morlaincourt الذي قدم لتحيتكم باسم أسقف مدينة نانسي»(48).
ولإبراز الواقعة، تنشر L`Illustration في صفحتها الرئيسية صورة لليوتي، الذي تُطلقُ عليه لقب «الأفريقي»، في قصره في بلدة توري. هكذا، فإن المستقيل حديثاً من وظيفته كمقيم عام في المغرب، يتصرف كما لو أنه الفاعل الحقيقي لتدشين المسجد، ملقياً بظلاله على المراسم الاحتفاليّة كافة، وموحياً بأن الكلمة الأخيرة مازالت لليوتي المتجبّر، رغماً عن إجباره على ترك منصبه في المغرب.
أما في الصور الفوتوغرافيّة المنشورة في L`Illustration، والملتقطة أثناء الموكب الاحتفالي بمناسبة 14 يوليو 1926، فيشاهد في واحدة منها سلطان المغرب مع الديكتاتور الاسباني الجنرال ميغيل بريمو دي ريبيرا Miguel Primo de Rivera (1870-1930). ثم صورة أخرى تضم كل من رئيس الوزراء أرستيد بريان مع الجنرال ميغيل بريمو دي ريبيرا، الذين كانا قد وقعا (في 13 يوليو 1926) الاتفاق على نهاية الحرب مع عبدالكريم الخطابي (1882-1963)، وهو الاتفاق الذي كان من نتائجه إزالة الغشاوة السابقة حول ترسيم الحدود بين الحمايتين الفرنسيّة والاسبانيّة على المغرب. وفي صورتين أخريين يصافح السلطان المغربي المارشال فيليب بيتان Philippe Petain (1856-1951) والجنرال غورو. وثلاث صور أُخر تتعلقان بالفعاليات الملحقة بتدشين المسجد، اثنتان منهما في مقبرة المحاربين المغاربة الذين قضوا في سبيل فرنسا في الحرب الكبرى، وأخرى عند المقام التذكاري الذي وضع مولاي يوسف حجره الأساس. وفي صورة أخرى يُرى السلطان مع ليوتي في قصره؛ وفي ثلاث صور أخرى تشاهد فيها الزيارة لـ فاردان Verdún، حيث قُلِد كل من السلطان والأمير ولي العهد الأوسمة.
من كل ذلك، يمكن القول أن صحيفة L`Illustration هي محض مثال يُستبان منه العناية والاهتمام الذي قوبلت به زيارة مولاي يوسف بن حسن إلى فرنسا.
إلى جانب كل ذلك، كان لهذه الزيارة السلطانيّة طابع دلالي من حيث تزامنها مع زيارة الجنرال الاسباني بريمو دي ريبيرا، الذي اغتنم الفرصة لتوقيع الاتفاق الفرنسي-الاسباني (13 يوليو) الذي أنهى حرب الريف وأدى إلى ترسيم الحدود. وقد أدلى الجنرال بريمو دي ريبيرا بعدة تصريحات للصحافة الباريسيّة، نقلتها الصحافة الاسبانيّة، أشار فيها إلى رضاه عن التعاون المثمر الذي اضطلعت به فرنسا(49). وكان برفقة الجنرال بريمو دي ريبيرا في زيارته هذه الجنرال لويس أورغاث يولدي Luis Orgaz Yoldi (1881-1946)، والجنرال فرانثيسكو غوميث-خوردانا Francisco Gómez-Jordana (1876-1944)، فضلاً عن السفير الاسباني في فرنسا خوسيه ماريا كينيونيس دي ليون José María Quiñones de León (1873-1957)(50).
في اليوم السابق (12 يوليو) كان الجنرال بريمو دي ريبيرا مدعواً إلى حفل استقبال أقامه أريستيد بريان على شرف السلطان المغربي بمناسبة قدومه لتدشين المسجد الباريسي(51). وفي اليوم التالي (14 يوليو)، يتفق أن يلتقي الجنرال بريمو دي ريبيرا مع السلطان مولاي يوسف في حفل الاستعراض في الشانزيليزيه، ولكنه لا يظهر بين المدعويين لحفل افتتاح المسجد الكبير (15 يوليو). وحسب معرفتنا لم يحضر بريمو دي ريبيرا هذا الحفل ولا أي عضو من أعضاء الوفد الاسباني المرافق له. بكل الأحوال تحكمت فرنسا وأشرفت بعناية فائقة على رمزيّة توزيع أدوار السلطة.
ووجد إشكال آخر كان لابد من تجاوزه في ميدان العلاقات الدوليّة، ويتلخص بالأولويّة التراتبيّة للسلطان المغربي على باي تونس سيدي محمد الحبيب (1858-1929)، وعلى كافة السلطات الدينيّة، لكونه «أمير المؤمنين».
إن فرنسا، كما أشير أعلاه، بفكرتها حول «خلافة في المغرب الكبير» ساندت بإصرار وحزم مطالب السلطان المغربي بأن يكون «أمير المؤمنين»، وهو شرط لم تقدر على التلاعب به مع السلطات التقليديّة الجزائريّة ولا التونسيّة. من هنا لا يمكن حسب البروتوكول أن يجتمع «سلطان» و«باي» على أداء فعل واحد هو افتتاح المسجد. وبنفس الوقت كان لابد من إرضاء مشاعر الزعيم التونسي. بناء عليه تم تنظيم الزيارات وترتيب التدشينات المختلفة بطريقة متدرجة زمنياً.
وتوضيحاً للفكرة، نلاحظ أن دورية L`Illustration نشرت ثلاث صور فوتوغرافيّة للسلطان المغربي والباي التونسي في مرسيلية(52)، إلا أن الواقع يشير إلى أن اليوم الذي وصل فيه الباي إلى المدينة كان السلطان يغادرها، بمعنى أن طريقهما يتقاطع في المكان المناسب دون أن يعيق أي منهما الآخر. ذلك أن فرنسا قامت ببروتوكول «حصيف ودقيق، حيث الدبلوماسيّة العربيّة تؤدي دورها، وتضبط تفاصيلها».
وبالتالي، فإن محط الاهتمام، في يوم 21 أغسطس 1926، كان زيارة باي تونس إلى «مسجد باريس الكبير»، برفقة المقيم العام في تونس لوسيان سين Lucien Saint (1867-1938)، والشيخ قدور بن غبريط. حيث قام الباي بتدشين صالة المحاضرات في المعهد الإسلامي، والمنبر الذي يحاكي مثيله في مسجد القيروان. ومن جانبه، تفوه قدور بن غبريط في خطابه في هذه المناسبة بأن الباي هو رجل ملتزم مع حضارة «الروح والعلوم الحديثة».
وفي هذه الأثناء كان السلطان العلوي يمضي مستجيباً لإغواء تجربة رحلته الفرنسيّة. وحرفياً قالت L`Illustration:
"عبر عن فرحته التي ولدها الانطباع العميق الذي تركته الأسابيع الثلاث الماضية في فرنسا. ورغما عن إقامته القصيرة، تعرّف على كل أوجه البلد العظيم الفاتن، والتي لم يكن يعرفها إلا من الكتب وسرديات أولئك الذين ينقلونها له. طاف في مدنه وأريافه، وأعجب بأقاليمه ومناظره، مقترباً من كل أشكال الحضارة الغربيّة؛ وحضر حفلات واجتماعات رياضيّة أو دنيويّة، واستعرض قوات عسكريّة؛ وتأمل مشهديّة نشاطنا الاقتصادي والصناعي؛ وزار المتاحف، والصروح التذكاريّة، والقلاع. ومن هنا فإن فرنسا الحاضر تعود اليوم للقاء فرنسا الماضي في تاريخها الديني"(53).
وعادت الدوريّة للتنويه أن السلطان زار بلدة شاموني Chamonix وأعجب فيها بنهر جليدي؛ وفي مدينة إكس آن بروفانس Eix-en-Provence ذهب لحضور حفلة للرقص الحديث، و«لاستكمال تربيته الغربيّة» مارس لعبة الورق Le Baccara الرائجة حينها. وآن انتهت الرحلة، تكلمت الصحافة حول «beau voiyage du sultan du Maroc» "رحلة سلطان المغرب الفاتنة"(54). وخلصت إلى أنه من الجلي بمكان، ومن خلال تعاقب الأسرة العلويّة، أن مشيئة السلاطين مأخوذة بحداثة وعظمة فرنسا.
لاحقاً سيكرر السلطان محمد الخامس بن يوسف (1909-1961)، الذي خلف والده بعد وفاته سنة 1927، الزيارات السلطانية المعتادة إلى فرنسا. إلا أنه في الفترة الواقعة بين يوليو وأغسطس من عام 1928 كان يجوب فرنسا بشكل غير رسمي، برفقة الصدر الأعظم محمد المقري (1860-1957)، متجنباً اللقاء مع غبريط بن قدور(55). ثم في عام 1931، زار المعرض الاستعماري في Porte Dorée مع ولده الأمير مولاي حسن (الملك الحسن الثاني لاحقاً). وبعد التوقف عند البناء الذي يحاكي معبد انغكور وات (في كمبوديا الحالية)، ثم التوجه الى الجناح المغربي، تابع زيارته النهارية لأداء الصلاة في الجامع الباريسي(56).
على هذه الشاكلة، يبدو المسجد أنه ألف الزيارات السنويّة لحكام المغرب وأولي الأمر في العالم الإسلامي.
إن المشروع الباريسي الذي تغيّا تحويل العاصمة الفرنسيّة إلى مرجع لدى العالم الإسلامي، كان ينتفع من الضعف في مراكز التفكير الديني في عموم «المغرب الكبير»، وعلى وجه الخصوص في مسجد وجامعة الزيتونة في تونس، ومسجد وجامعة القرويين في فاس. وهذه الجامعة الأخيرة وُضعت بشكل دائم تحت إشراف المحدثين المصلحين، بناء على طلب الدارسين الطلبة فيها، ممن حدس بخطر لابد أن يمس امتيازاتهم بسبب العمل بنظام المدارس الإسلاميّة (العصريّة) في فاس والرباط، والتي خضعت إدارتها لهيمنة فرنسيّة بغية استمالة النخب المغربيّة(57).
وعليه تلاقت السلطنة المغربيّة والمشاريع الليوتيّة (نسبة للمقيم ليوتي) عند تحقيق التوافقيّة بين الحداثة والتقليد. وحتى الوقت الراهن يُراد إظهار أنه ما من تناقض بين المفهومين(58). إن التواطؤ في العمق بين السلطنة والجمهوريّة الفرنسيّة يُلاحظ حتى في وثيقة تفكير حزب الاستقلال الوطني، والتي بعد أن تقدم تحليلاً لصعود الأفكار المناصرة للاستقلال، وتعنّت الاستعمار في تحرير فريسته، تمضي الوثيقة بهدوء على رؤوس أصابعها متجازوة صورة هوبر ليوتي المهولة دون أن تمسها بالنقد، رغم أنه الممثل الأوجه لمجاز الاستعمار الخالص(59).
أبرز «مسجد باريس الكبير»، بعد افتتاحه، أهمية «خلافة» افراضيّة في «المغرب الكبير»، تُدار من قبل السلطنة المغربيّة الشريفة. وهذه الهيمنة جعلت من أواصر الصلة بين المغرب وفرنسا أكثر من جوهريّة، حتى أنه تُمّ إزاحة منافسين محتملين آخرين، مثل مشروع إقامة جامع في مرسيلية بمقاييس مشابهة لمسجد باريس. الأمر الذي اعترض عليه قدور بن غبريط ذاته، حينما لم يضمن أن الإشراف عليه سيكون بيد «جمعية الأوقاف الإسلاميّة في شمال أفريقيا»، التي كان يرئسها هو نفسه، ومقرها في الجزائر، وتيمم وجهها شطر المغرب(60).
إن فرنسا، كـ«أمة مسلمة»، كانت تتجه بسياستها إلى المغرب الأقصى، آخذة بعين الاعتبار أنها فقدت التأثير على الشريف حسين في الحجاز في المشرق العربي، والذي كان يميل نحو انجلترا، بفعل سياسة الكولونيل الكاتب وعالم الآثار لورنس Thomas Edward Lawrence (1888-1935) الذي ساند الاستقلال العربي عن الأتراك العثمانيين.
كما كان لموضوع المسجد أهميّة من وجهة النظر الداخليّة، فضلاً عن أن تدشينه وقع قبل سنوات أربع من الذكرى المئوية الأولى لاحتلال الجزائر، الموافق لعام 1930؛ وبانتظار المعرض الاستعماري الكبير لعام 1931 والذي أشرف على سير العمل فيه المارشال هوبير ليوتي بذاته.
كان لابد من إعادة إنعاش "التعاقد" الاستعماري colonial كي لا يكون له محض السمة التبسيطية لـ«النزعة الاستعماريّة» Colonialismo، التي كان القوميون العرب و«البلاشفة» يتهمونها بها.
إلى جانب ذلك، كان لابد من تحقيق توازن مع كفة الهجمات الأكثر رديكاليّة للكاثوليكيّة الفرنسيّة، والتي بلغت أوجها في الجزائر خلال احتفالات المئويّة الأولى للاحتلال، حينما قامت احتجاجات عدة مدفوعة بـ"ضعف حساسيتها وذكائها"(61).
وفيم يتعلق بالمساجد، على الأقل في «المعرض الاستعماري في بورت دوريه» الذي خلص ليكون تمجيداً خالصاً لعظمة الامبراطوريّة الاستعماريّة الفرنسيّة(62)، فإنه نُصِب نموذج يستنسخ «الجامع الكبير» في مدينة جينيه (مالي)، وآخر يقلد «مسجد الحمودي» في الصومال الفرنسي (جيبوتي الآن)، وثالث صمم وفق الطراز الإسلامي المغربي، وزوردت جميع هذه المنشآت بمأذنها الخاصة المتوافقة مع طرزها المعماريّة.
جاءت الأبعاد السينوغرافيّة المشهديّة للمعرض الاستعماري في 1931 بمقاييس أضحم، حين مقارنتها مع نظيرتها في المعارض الدوليّة. وحسبما أشار الناقد الفني لياندر فاييا Léandre Vaillat (1878-1952) في أحد أعداد دورية L`Illustration، فإنه سعياً لأن تتبدى السمة «الإقليميّة» لعمارة المستعمرات (أي أن المستعمرة مع عمارتها هي إقليم فرنسي)، ينبغي على الأبنية الخاصة بالمستعمرات الفرنسية أن تكون قريبة من مدخل المعرض، بحيث تخدم في الانتقال من عمارة مدينة باريس (في الخارج) إلى عمارة الدول الأخرى المشاركة (والتي تتموضع على التوالي من عمارة المستعمرات)، وعلى نحو لا تُحس معه الهوة الفاصلة بشكل كبير، وحتى يكون الزائر مستعداً لمفهوم العبارة الدعائيّة المعتمدة من قبل وكيل المعرض ليوتي، والتي تقول: «Le tour du monde en un jour» «الطواف حول العالم في يوم واحد»(63)، مفهومٌ دربت عليه كل المعارض الدوليّة التي جسدت نوعاً من توجيه التلقي للمجسمات النموذجيّة المتسلسلة الدلالة.
حالف المعرض الاستعماري، الذي امتد من مايو إلى نوفمبر سنة 1931، النجاح الباهر من حيث إقبال الجمهور عليه، رغماً عن معارضة أنصار المذهب السوريالي والشيوعيين الذين نظموا بدورهم معرضاً بديلاً مضادا-للاستعمار؛ حيث أطلق هؤلاء، بمواكبة أساسيّة من قبل الشاعر لويس أراغون (1897-1982)، على معرضهم عنوان «Le vérité sur les colonies» "الحقيقة حول المستعمرات"، واستفادوا لإقامته من جناح "البنائيّة الروسية" في «معرض الفنون الزخرفيّة» لعام 1925؛ بيد أن ما يعرف بـ Art Négre «الفن الأسود» كان له الجاذب الأهم في هذا المعرض، وقصد به فن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على حد سواء مع فن أوقيانوسيا (استراليا ونيوزلاندا)؛ ولم توجد أية إحالة مهمة إلى الفن الإسلامي(64). ولكن كان لهذه الإحالة حضوراً هاماً في المعرض الاستعماري، حينما عُمِّد إلى تقديم صورة عن إنجازات فرنسا التحديثيّة في مستعمراتها، إضافة إلى الاستعانة بها من أجل مناخ العجائبيّة-الغرائبيّة التي كانت الجماهير المدينيّة تقدره حق قدره(65).
واحدة من الزيارات الدالّة لهذا المعرض الاستعماري، كانت تلك المنوّه بها سابقاً، وتخص زيارة السلطان المغربي الذي اعترف في خطابه أمام الوكيل العام للمعرض ليوتي، قائلاً:
"لا نستطيع النسيان بأنه حين وصولكم إلى المغرب، كانت الإيالة الشريفة مهددة بالانهيار؛ فمؤسساتها، وفنونها، وإداراتها كانت تتداعى، كل شيء تطلب مُدَبِّراً من لدنكم، حتى يعيدها إلى السبيل الموائم، ويأخذ بها نحو وجهتها"(66).
وبالتالي، هو اعتراف بأن «الخلافة المغاربيّة» مدينة لـ"وكيل الملك" ليوتي بالوسائل والغايات الملوكيّة، التي كانت وراء نجاتها من مرحلة الاضطرابات الممتدة من 1894 إلى 1917، حينما كانت الصراعات الداخلية على السلطة في الإيالة الشريفة تهدد بأن تُودي بها إلى التهلكة.
بالطبع، يتسع الوقت للقول بأن مشروع ليوتي كان ينطوي على عمق ثقافي مازال يدهش كتاب سيرته الذاتيّة، سواء كانوا لجانبه أم لا. ومثلما أكد واحد من كتاب سيرته الأبرز، المؤرخ المختص بالمغرب والمرحلة الاستعماريّة دانيل ريفيه Daniel Rivet (1942-)، فإن المقيم العام ليوتي لم يرغب في ترسيخ تقاليد المغاربة، بل الحضّ على نهضتهم الثقافيّة(67). الأمر الذي دفع إلى حركة معماريّة، ما بين أخذٍ ورد، ووصفت من قبل أحد الزوار على النحو التالي:
"من هذه المباني العامة والخاصة ينبثق مذهب معماري جديد. يا له من تطور حاصل منذ الاحتلال الفرنسي! إن المعماريين البنائين الأوائل الواصلين من الدولة الاستعمارية اكتشفوا طراز العمارة الاسباني-المورسكي hispano-mauresque؛ ومأخوذين به، أنجزوا العمارة شبه-المغربيّة، على نحو مشابه لإنجاز الاسبان في القرن السادس عشر للطراز المدجن el mudéjar. إن قصر السلطان في الرباط، الذي صممه مهندس مسجد باريس الكبير، هو مثال على هذا الطراز المركب. بيد أن فرنسيّ القرن العشرين ليسوا اسبان القرن السادس عشر الذين بامتزاجهم بدم شعب الأندلس استطاعوا غريزياً إنجاز الطراز المدجن. وعليه كان لابد من البحث عن شيء آخر. لقد وُلِد طراز معماري في أوروبا، يمكن له أن يكون ملائماً للمغرب أكثر من ملائمته لسماء باريس؛ فيه نوع من العودة إلى القديم عن طريق عري المسطحات وتنسيق الأحجام؛ ما من زخرف زائد عن الحاجة فيه؛ وسكينة الواجهة مضادة لهيجان الشارع؛ وذائقة الخطوط تضطرد برفعة ضمن توزيع المساحات الفارغة والمليئة. يعود هذا الطراز المعماري بأصوله إلى عري الواجهات في الشرق، لا إلى روح تنظيميّة؛ وبالتكييف معه فإن معماريّ المغرب، يبدون كما لو أنهم يعودون لموطنهم الأصلي"(68).
بتسليط الضوء في هذه الدراسة على سكان باريس، فإن المسجد، مع إنجازات أخرى في الحقل الثقافي مثل المدارس الإسلاميّة في الرباط وفاس، و«المعهد العالي للدراسات المغربيّة» Institut des Hautes Études Marocaines (1920-1957)، قدمت كإنجاز للمقيم العام ليوتي، وقد عبر قدور بن غبريط عن هذه الفكرة ضمن نص حكاية شعبيّة من المستعمرات وموجهة إلى الجمهور الواسع(69).
من جانب آخر، يشدد دانيل ريفيه أن ليوتي «اللاأدري، والقلق، والمؤمن دون أدنى شك بإله واحد أحد»، مع ميول انتحاريّة نحو العبثيّة، والذي كان ينشد تركيباً ثقافياً جامعاً بين التوحيديين، «حينما شارك في تدشين محراب مسجد باريس، فإن ابتهاله للإله الواحد الأحد، لم يكن أكثر من استعارة لصورة بلاغيّة، وبالتالي ليس له أن يكون شهادة عن إيمان متحرّق على طريقة المستشرق لويس ماسينيون»(70). بنفس الوقت، فإن حضور ليوتي بتشجيع من العلمانيين الفرنسيين، يعرب بوضوح عن استحالة تَمثّل ما هو إسلامي لـ"طبعه الجوهراني المغاير"(71). هكذا بات من الجلي تماماً أن تصرفات ليوتي تتعلق بمهمة سياسيّة-ثقافيّة.
من كل ماسبق، يمكن القول أن من انتصر حقيقة كان مدينة باريس، بتجسيدها رمزياً لنوع «احتفالي» أداه ممثلون قدموا من مختلف أصقاع الامبراطوريّة الفرنسيّة الاستعماريّة؛ وإلى درجة أن الأمور الأكثر جديّة، مثل تاريخ العمل أو التوضيح حول المكتشفات التكنولوجيّة، أقصيت بالتدريج عن المعارض الباريسيّة، واعتبارا من 1900 نقلت إلى مدينة فانسان. وتحول المضمار المخصص للمعارض بهذا الشكل إلى ملاهٍ حقيقيّة، تقدم نفسها "بغطرسة" وفقاً لوصف المؤرخ باسكال أوري Pascal Ory (1948-)(72).
وهنا كان مكمن الخطر الذي استشرفه المسلمون ممن عارض إنشاء «مسجد باريس الكبير»، أي تحوّل المسجد إلى «ملهى ليلي» boîte de nuit فريد من نوعه، ترتاده الطبقة الاجتماعيّة الراقية في باريس لقضاء، أوقات ممتعة في سوقه، أو حمامه، أو مطعمه. وبهذا المعنى، وضعت نصوص تهكميّة لاذعة السخرية من خدمات المسجد، مثل نص شاعر العاميّة، القومي العربي، محمد بيرم التونسي(1893-1961)(73).
إن غياب الكادر العمالي والمهاجرين عن المسجد، إضافة لجوهر مفهومه، جعله ملحقاً بالغرائبيّة المنتصرة في باريس بفضل المعارض الدوليّة الموجهة إلى السُيّاح والجمهور البرجوازي.
كل ما سبق ذكره يخدم من أجل أن نؤكد، نحن الباحثين في علم الأنثروبولوجيا الثقافيّة والمهتمون بالحقل الجمالي، على أهمية تلك الفرضيات المنتمية إلى نهاية القرن التاسع عشر، والمستعادة في الوقت الراهن والتي يظهر بمقتضاها تكامل ووحدة الفن والمجتمع.
هكذا وبالتوافق مع رأي عالم الاجتماع الأنثروبولوجي روجيه باستيد Roger Bastide (1898-1974)، كان الباحث في عالم الجمال شارل لالو Charles Lalo (1877-1953) قد سبق وأكد قائلاً:
"بلا شك، يتمتع الفن نسبياً باستقلال ذاتي فيما يخص علاقته مع المجتمع، إلا أنه لا يتخلى عن كونه مؤسسة اجتماعيّة"(74).
وبالتنقيب في الحفائر الزمنيّة لحدث مثل بناء «مسجد باريس الكبير»، فإن الأنثربولوجيا تضع الأساسات لأبعاد تحليليّة جديدة، وعلى نحو خاص، في مجال الإدراك التأويلي/ الهرمنوطقي للفعل التاريخي.
* * *
(نقلاً عن مجلة "الثقافة العالية"، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، س34، ع191، الكويت، يناير-فبراير 2018)
* * *
الهوامش
(1) يعود النص إلى النتائج الجزئية للبحثين المعنونين: 1- مشروع I+D+i «سيرورة التحديث في الفنون والصناعات الحرفية المغربية وصلاتها مع إقليم الأندلس، 1956-2012»، (HAR2012-39327)، وزارة الاقتصاد)؛ و2- المشروع الامتيازي «ثلاث محاور للتحول نحو الحداثة في المغرب على الصعيد الاقتصادي والتنافسي»، (PII-HUM-7827)؛ حكومة إقليم الأندلس.
ملاحظة: قامت المترجمة بوضع الإسم الأول أو ألقاب تعريفيّة للشخصيات المذكورة، كذلك أضافت سنوات الولادة والوفاة، بشكل لا يؤثر على بنية النص الأصلي، بغية مساعدة القارئ العربي مباشرة على موضعة الشخصيّة في سياقها التاريخي، وتلافيا لمتاهته في قائمة طويلة من الأسماء الأجنبيّة التي قد تكون غير مألوفة كفاية لدى البعض في الثقافة العربيّة، وكذلك لتسهيل الأمر على الدارسين وتفاديا لأي إلتباس أو تشابه في الأسماء أثناء قيامهم بالبحث العلمي. (المترجمة)
(2) قبعة اسطوانية طويلة ذات تاج مسطح، كان رجال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين يعتمرونها مع البزة الرسمية، أما الآن فيقتصر ارتدائها في الحفلات ذات الطابع الرسمي والاحتفالي. (المترجمة).
(3) Gaston Bergert (1901). Journal d`un nègre à l`Exposition de 1900. París: L. Carteret, p.5.
ملاحظة: اليوميات مزودة بـ79 تصوير مائي أصلي للرسام الفرنسي Henry Clément Somm (1844-1907).
(4) Mohammed Telhine (2010). L`islam et les musulmans en France. Une histoire de mosque. París: L`Harmattan.
(5) Société Orientale de France (1842). Revue de l`Orient. Bulletin de la Société Orientale. Tomo primero, p. 114.
(6) Sadek Sellam (2006). La France et ses musulmans. Un siècle de politique musulmane 1895-2005. París: Fayard, pp. 36-39.
(7) Didier Hammonneau (2004). L`islam et La France: de Napoléon à René Guénon. París: Dar Albouraq, p. 268.
ملاحظة: ورد في النص أن اسم الشيخ الذي أسلم على يده رينيه غينون هو الشيخ Sala mar-Radi، ونعتقد بوجود التباس في كتابة الاسم، وأن المقصود هو صديق رينيه غينون الرسام السويدي ايون غوستاف آغلي John Gustaf Agelii (1869-1917)، المولود في مدينة Sala السويدية باسم Ivan Aguéli، والذي كان قد أشهر إسلامه ليعرف باسم «عبد الهادي عقيلي»، وقد تلقى العهد في القاهرة سنة 1902 على يد شيخ الطريقة الشاذليّة الشيخ عبد الرحمن عليش (1840-1921). وفيما يبدو أن الشيخ عبد الهادي عقيلي هو من عرّف غينون على التصوف الإسلامي، فأسلم هذا الأخير على يده في باريس سنة 1912، وأصبح معروفاً باسم «عبد الواحد يحيى». (المترجمة)
(8) Christian Destremau y Jean Moncelon (2001). Louis Massignon. París: Perrin, pp. 255-259.
ملاحظة: حين وصول هوبير ليوتي إلى المغرب للالتحاق بعمله جمع حوله أصحاب الشأن والأعيان ورجال الدين والعملاء لإطلاعهم سياسيته بلطف وتملق، وطوال سنوات خدمته الاستعمارية تعامل بذرائعيّة نفعية مقنّعة، ومواربة ودهاء. ورغم تشديده على عراقة المغرب وحضارته الراسخة في خطابه، إلا أنه على مستوى السياسة الواقعيّة كان يطبق الأوامر الاستعمارية من باريس قبل أي اعتبار ثقافي حقيقي، فتحت إمرته تم إخضاع سهول جبال الأطلس كما واجه قبائل الريف. أما ما كان دعاه بسياسة «التهدئة» و«التفهم» والعمل على «استتباب السلم» فلم يكن إلا عملية عسكرية متسلسلة لإخضاع القبائل المتمردة. (المترجمة)
(9) Mohammed Telhine (2010). L`Islam et les musulmans en France. Une histoire de mosquées. Op. Cit.
(10) Geores Marye (1893). Exposition d`Art Musulman. Catalogue officiel. París: Imprimerie A. Bellier.
(11) Caston Migeon y Union Centrale des Arts Décoratifs (1903). “Exposition des arts Musulmans”, Revue les Arts, mayo de 1903, pp. 2-3.
(12) ألفريد دريفوس Alfred Dreyfus (1859-1935) هو ضابط مدفعية فرنسي برتبة نقيب، يهودي الأصل، حوكم وأدين سنة 1894 بتهمة الخيانة وكانت قضيته التي استمرت 12 سنة (من 1894 إلى 1906) واحدة من أكثر القضايا السياسية سخونة في التاريخ الفرنسي الحديث. وقد كشف اميل زولا عن هذه القضية سنة 1898 في مقاله المشهور "إني اتهم"، ونادى بتبرئة دريفوس وكشف عن العداء للسامية المتفشي في فرنسا حينئذ. (المترجمة)
(13) Jabila Sbaï (20006). La République et la Mosquée: genèse et institutions de l`islam en France, en Pierre-Jean Huizard (ed). La choc colonial et l`islam. Psrís: La Découverte, p. 228.
(14) Jocelyne Césari (1994). Ètre musulman en France. Association, militants. París: Khartala.
(15) Rémy Labrusse (2007). De la collection à l`exposition: les arts de L`islam à Paris (1864-1017), en Rémi Labrusse (ed). Purs Décors? Arts de L`Islam regards du XIXe siècle. París: Musée du Louvre Éditions, pp. 71-72.
(16) Prosper Ricard (1918). Les arts industries indigènes du Nord de L`Afrique. I. Arts ruraux. Fez: Imprimérie Municipale (conferencia dada el 5 de febrero de 1916 en el Collége Musulman Dar Menebhi de Fez, p. 6.
(17) يذكر بعض المؤرخين أن الجناح المصري كان قبلة الزوار في معرض 1867. وأن ما عرف بالحي الشرقي شكّل الفضاء المفضل لمن ارتاد المعرض حينئذ. وقد علق الأديب تيوفل غوتيه Theophile Gautier (1811-1872) على المعرض، معتبراً أن الجاذب الأكبر كان لصالح الحي الشرقي بمآذنه وقبابه، وبواباته الكبيرة، وأقواسه المتعددة الطرز، وجدرانه المدببة الأطراف، وبأنه كان كمدينة شرقيّة نقلها السحرة من آسيا الصغرى إلى باريس.. وبرأيه أنه إذا كان الحي الشرقي هو جوهرة المعرض، فإن مصر مثلت جوهرة الحي الشرقي. وقد صمم الجناح المصري بإشراف مؤسس المتحف المصري أوغست مارييت Auguste Mariette(1821-1881)، وفق طراز فرعوني، قدم فيه على التوالي مصر الفرعونية ثم مصر الحديثة. ويقال أن المهندس فرديناند دي ليسيبس كان ينهمك، في الطبقة الثانية من الجناج، في عرض مجسم لمشروع قناة السويس، والدعاية له مع رؤية توضيحيّة للأعمال الحفر وشق الصحراء لجر المياه والوصل بين البحرين.
(18) Mohammed Telhine (2010). L`Islam et musulmans en France. Une histoire de mosque. Op. Cit.
(19) Ibídem.
ملاحظة: صمم المصلى المهندس المعماري الفرنسي Marie-Gabriel Jolivet (1793-1870). وكان يقع في القطاع الشرقي رقم 85، في مقبرة بير لاشيز Pére Lachaise، وهي أكبر المقابر الباريسية من حيث المساحة، وأبرزها من حيث أهمية المدفونين بها؛ ويبدو أن السفارة العثمانية كانت تشرف عليه، بعد أن استجاب نابليون الثالث لطلبها ببناء هذا الجامع لفضل الإمبراطورية العثمانية في أعقاب حرب القرم (1853-1856). وفي هذا المصلى أديت أول صلاة إسلاميّة في باريس، وكانت صلاة الميت، لذلك يعتبره البعض أول مسجد من الناحية التاريخية. مع مرور السنين وانعدام الصيانة، لسوء العلاقات بين فرنسا والدولة العثمانية، تدهورت حال المصلى وتداعى، وأزيل البناء بالكامل عام 1914 بناء على طلب من السفارة العثمانية. كانت عمارة هذا المسجد شرقيّة التصميم، بجدارن ذات صفوف متناوبة من الحجارة الوردية والبيضاء، وباب مقوس، يتكون من صالة للصلاة، وصالة مغسل الموتى، وصالة لحفظ الاغراض الشعائرية. وتظهر بقايا بطاقات صور بوستال المسجد وإلى جواره ضريح ملكة دولة أوده الهندية Malka Kachwar والتي كانت أول من دفن في القطاع الاسلامي، من المقبرة الباريسة، إثر وفاتها في العاصمة الفرنسية بعد عودتها من لندن حيث كانت تحتج لدى الجمعيّة العموميّة على سلب الانكليز لدولة أوده الهندية التي كان حكامها يعلنون الولاء للسلطة المركزية للمغول في دلهي. (المترجمة)
(20) اسمها الأول عام 1922 «أكاديمية العلوم الاستعمارية» واستقر اسمها لاحقاً سنة 1957 على «أكاديمية علوم ماوراء البحار». (المترجمة)
(21) Michel Renard (2006). Les debuts de la présense musulmane es France et son encadrement, en Mohammed Akoun (ed). Histoire de L`islam et des musulmas en France du Moyen Àge à nos pours. París: Albin Michel, p. 753.
(22) Paul Bourdarie (1920). L`Institut Musulman et la Mosquée de Paris. Extrait de la “Revue Indigéne” octubre-diciembre 1919. Thouars: impr. Nouvelle. Para una actualización véase Alain Boyer (1992), L`Institut musulman de la Mosquée de Paris: La Documentation Française.
(23) Citado por Michel Renard (2014). Gratutude, contròle, accompagnemente: le traiment du religieux islamique en métropole (1914-1950), Bulletin de L´Institut d`Histoire du temps Présent, nº. 83, pp. 54-69.
(24) تقع Zossen جنوب برلين، وفيها أنشئت سنة 1910 حقول للتدريب العسكري بعد أن استقرت فيها وحدات من الجيش الامبراطوري الألماني. وفي الحرب العالمية الأولى أضحت مكاناً لمعسكرات تجميع أسرى الحرب من الحلفاء، مثل Halbmondlager «معسكر الهلال» الخاص بالأسرى المسلمين الذين بلغ عددهم (بين 4000 إلى 5000)، وأقيم فيه المسجد المشار إليه في النص وهو أول مسجد في ألمانيا.
(25) Michel Renard (2015). “Mosquée, 1916: kouba, 1918; mosquée, 1920. Le sacrifice monumentalisé” (en línea), Études Coloniales, http://etudescoloniales.canalblog.com/archives/2015/01/03/31250245.html
(consultado el 20 de abril de 2015)
(26) Gaston Migeon (1925). “La Exposition d`art Oriental de la Bibliothèque Nationale”, Gazett des Beaux-Arts, tomo XI (41), pp. 317-330.
(27) جورج مارسي مستشرق وعالم آثار، تعرف على الفن الإسلامي لأول مرة في حياته أثناء رحلته إلى الجزائر عام 1902. مارس التدريس في المدرسة الإسلامية بقسنطنية، وفيما بعد أصبح مديراً لـ«متحف الآثار والفنون الإسلامية الجزائري»، الذي ألحق به سنة 1935 «معهد الدراسات الشرقيّة». له العديد من الأبحاث والمؤلفات الهامة وبعضها مترجمة للعربية.
(28) Gaston Migeon (1927). Manuel d`art musulman. Arts plastiques et industriels. París: Auguste Picard, segunda edición, pp. 8-9.
(29) ملاحظة: يجزئ التصنيف الجغرافي منطقة «المغرب الكبير» إلى «المغرب الأقصى» (المغرب)، و«المغرب الأوسط» (الجزائر) و«المغرب الأدنى» (تونس وليبيا). وكان التفريق بين ما ينسب إلى «المغرب الكبير» ما ينسب إلى المغرب الأقصى يتم من خلال السياق. وخلال الفترة الاستعمارية، كان مصطلح Maghreb يعني ما ينسب إلى «المغرب الكبير»، مقابل Maroc نسبة إلى «المغرب الأقصى». وفي النص المترجم الذي يستخدم الإسمين، ومنعاً للالتباس، اعتمت نسبة «مغاربي» ومصطلح «المغرب الكبير» الجغرافي للدلالة على «المغرب الأكبر»، و«مغربي» للدلالة على ما ينسب إلى «المغرب الأقصى» أو المملكة المغربية. (المترجمة)
(30) Sadek Sellam (2006). La France et ses musulmans. Un siècle de politique musulmane 1895-2005. Op. Cit., p. 188.
(31) Ibídem, p. 182.
(32) Hamza ben Driss Ottmani (2010). Kaddour Benghabrit. Un maghrébin hors du commun. Casablanca: Marsam, pp. 78-79.
ملاحظة: تقع مدينة الجزيرة الخضراء في الجنوب الاسباني قرب جبل طارق، وعقد فيها مؤتمر في 16 يناير 1906 بغية تقرير مصير المغرب وتقاسم الامتيازات في المناطق المستعمرة في أرجاء مختلفة من المعمورة بحجة التحديث والحداثة الاقتصادية. شاركت فيه إثنتا عشرة دولة أوروبيّة (بما فيها فرنسا انكلترا واسبانيا وايطاليا والمانيا) وبوساطة الرئيس الأميركي رزوفلت وحضور سلطان المغرب عبد العزيز الذي وقع على الاتفاقية النهائيّة، التي وضع بموجبها المغرب تحت حماية القوى الأوروبية الاستعماريّة باسم حماية مصالح السلطان، وحجج الإصلاح والحداثة، وتبرير تدويل الاقتصاد المغربي). (المترجمة)
(33) Ibídem, p. 178.
(34) Philippe Lerançois (1951). Paris à travers les siècles. París: Galman-Lévy.
(35) Gilles Kepel (1991). Les banlieues de L`Isalm. Naissance d`une religión en France. París: Seuil, p. 67.
(36) José Antonio González (2010). La fábrica francesa del estilo hispano-mauresque, en la galería mediterránea de los espejos deformantes, en José Antonio Gnozález Alcontud (ed). La invención del estilo hispano-magrebí. Presnte y futuro del pasado. Barcelona: pp. 11-77.
(37) Maurice Tranchant de Lunel (1924). Au pays du paradoxe. Maroc. París: Bibliothèque-Charpenrier, pp. 19-20.
(38) Archoves Ministère des Affaires Étrangères (MAAEE) 1928-1937. París. Dossier 263. Maroc. Affaires Politiques. Rapports Mensuels du Résident Général, mayo-octubre de 1913.
(39) Gabriel Tarde (1890). Les lios de l´imitation étude sociologique. París: F. Alacn.
(40) Antony Goissaud (1924). “Institu et la Mosquée de Paris”, La Construction Moderne, nº. 5, año XL, 2 de noviembre de 1924, p. 66.
(41) René Weiss (1927). Réception á l`Hòtel de Ville de Sa Majesté Toussef, Sultan du Maroc, Inauguration de l`Institut Musulman et de la mosquée. París: Imprimerie Nationnale, p. 24.
(42) Ibídem.
(ملاحظة: مازال اسمMahomet وهو اللفظ الفرنسي للاسم العربي "محمد"، يطلق على بناء في هذا المكان، إلا أنه لم يكن في يوم من الأيام مسجداً، وكل ما قيل في الاقتباس أعلاه على الأغلب هو اختلاق لا أساس له من الصحة ويندرج ضمن أساطير عائلة Anglure الأرستقراطية لنفسها أثناء مشاركة بعض من أفرادها كفرسان في الحروب الصليبية في القرون الوسطى. كما أن الاقتباس يستخدم لفظ "ساراسينوس"، باللاتينية Saracenus للإشارة للمسلمين، وهو مصطلح استخدمه الرومان للإشارة إلى سكان الصحراء في إقليم البتراء الروماني، ثم أصبح يطلق على العرب، وفي العصور الوسطى وخلال الحروب الصليبية توسع المصطلح ليشمل كل الذين يدينون بالإسلام. ويعتقد أن أصل اللفظ يعود لكلمة "شرقيون" بالعربية. (المترجمة)
(43) Ibídem., p. 23.
(44) Ibídem., p. 39.
(45) Ibídem., p. 24-25.
(46) تشابه هذه المؤسسة ما يصطلح عليه بالحرس الرئاسي، إلا أن وضع الحرس الملكي بالمغرب مختلف تماماً، حيث يختلط على مستواه الأمني العسكري بالديني، والرمزي بالواقعي، والحداثي بالتقليدي، مما يجعله أكثر الأجهزة ثأتيراً في البروتوكولات المخزنية. عرف المغرب مؤسسة الحرس الملكي في الدول التي تعاقبت على حكمه، إذ كان يعرف في عهود الأدارسة والمرابطين والموحدين والسعديين بـ"الحرس الأسود" من بداية تأسيس المغرب إلى السادس عشر المكون من عبيد البخاري الذين كانوا يشتغلون كمشاة أو عازفين على الآلات الموسيقية العسكرية، قبل أن يتحول إلى الحرس الشريف. غير أن إرساء المعالم الطقوسيّة الخالصة بهذا الجهاز تم على يد الملوك العلويين، وتحديداً من طرف الملك محمد الخامس بإيعاز من الملك الحسن الثاني مبتكر أغلب البروتوكولات الملكية المعروفة حالياً، الذي أبدل اسم الحرس الشريف بالحرس الملكي، كما ألحقه بالقوات المسلحة المغربية، كوحدة رمزية وبروتوكولية.
(47) L`Illustration, nº. 4.350, 17 julio de 1926.
(48) L`Illustration, nº. 4.351,24 de julio de 1926.
(49) La vanguardia, 17 de julio de 1926.
(50) L`Illustration, nº. 4.351, 24 de julio de 1926.
(51) ABC, 15 de julio de 1926.
(52) L`Illustration, nº. 4.354, 11 de agosto de 1926.
(53) L`Illustration, nº. 4.352, 31 de julio de 1926.
(54) L`Illustration, nº. 4.353. 7 de agosto de 1926.
(55) Archives Ministère des Affaires Étrangères (MAAEE) 1928-1937. París. Dossier 73 CPCOM/2.
(56) L`Illustration, nº. 4.615, 16 de agosto de 1931.
(57) Pierre Vermeren (2007). La réforme de l`université Qarawiyyin de Fès sous le Protectorat français au Maroc, 1912-1956, Cahiers de la Méditerranée, nº. 75, pp.119-132.
(58) Charles Saint-Prot (2010). La tradición islámica de la reforma. Barcelone: Bellaterra.
(59) L`Istiqlal (1951). Marruecos, antes del protectorado, durante el protectorado, fracasos del protectorado (Edición española). S. I.: Oficina de documentación e información (Impr. especial del Istiqlal), pp. 47-52.
(60) Michel Renard (2006). Les debuts de la présense musulmane en France et son encadrement, en Mohammed Arkoun (ed.). Histoire de I`isalm et des musulmans en France du Moyen Àge à nos jours, Op. Cit., p. 766.
(61) Jacques Berque (2001). La Maghreb entre deux guerres. Vol. II. Túnez: Ceres, pp. 363-391.
(62) Pascal Blanchard et ál. (2011). Exhibition. L`invention du sauvage. París: Actes Sud/ Musée du Quai Branly.
(63) Léandre Vaillat (1931). La œuvres métropolitaines, L`Illustration, nº. 4.603, 23 de mayo 1931.
(64) Catherine Holdeir y Michel Pierre (1991). L`Exposition Coloniale 1931. Bruselas: Compñexe, pp. 125.134.
(65) Ibídem., pp. 47-52.
(66) Arnaud Teyssier (2004). Lyautey. París: Perrin, p. 516.
(67) Daniel Rivet (1988). Lyautey et l`institution du Protectorat français au Maroc, 1912-1925. Tomo II. París: L`Harmattan, p. 130.
(68) Léandre Vaillat (1934). Le périple marocain, Paris: Flammarion, pp. 59-60.
(69) Daniel Rivet (1988). Lyautey et l`institution du Protectorat français au Maroc, 1912-1925. Op. Cit., p. 123.
(70) Naomi Davidson (2009). La mosquée de Paris. Construire l`islam français et lÌslam en France, 1926-1947, Revue Mondes Musulmans et de la Méditerranée, n.º 125, pp. 197-215.
(71) Pascal Ory (1982). Les Expositions Universelles de Paris, París: Ramsay, p. 123.
(72) Mohammed Telhine (2010). L`islam et les musulmans en France. Une histoire de mosquée. Op. Cit., 2010.
* * *