لأن آفة حارتنا النسيان كما يقول نجيب محفوظ، يرهف الباحث المغربي الذاكرة الشعبية العربية بما يوشك أن يتبدد من بين ثقوبها، فيوثق هنا لعشرين لعبة من ألعاب أطفال المغرب الشعبية، للحفاظ عليها كأحد أشكال الإبداع الفطري الشعبي، لأن إيقاع التغير السريع يتهددها بالانقراض.

ألعاب شعبية لأطفال المغرب مهددة بالانقراض

الكبير الداديسي

 

للمغاربة هويتهم الثقافية التي تميزهم عن غيرهم من الأمم من حيث الأكل، واللباس والعمران، العادات، التقاليد، الطقوس الاحتفالية في الأفراح (أعراس، ختان، عقيقة) والأحزان (المآتم) وفي الأعياد الدينية والوطنية ... وفي سلوكاتهم اليومية وما يتداولونه في ثقافتهم المحكية )حكايات شعبية، خرافات، أساطير، أحجيات، نكت) أو الموسيقية (الراي، العيطة، الهيت، الركادة، الطقطوقة الجبلية، عبيدات الرما) والأكيد أن كل محور من هذه المحاور وغيرها يستحق دراسة سانكرونية تبرز الخصوصية والعراقة، ودراسة دياكرونية تتبع التطور الذي طرأ على كل مظهر احتفالي من تغيير ففرضته سنن التطور.

فبعد دراستنا للرقصات الشعبية والأهازيج الفلكلورية في المغرب، نعود اليوم في هذه الحلقة للنبش في الألعاب الشعبية لأطفال المغرب، والتذكير ببعض الألعاب التي لعبناها في طفولتنا، ولعبها آباؤنا قبلنا، لكنا فشلنا في توريثها لأبنائنا، وكل ما اجتهدنا فيه هو الاستنكار أو إيجاد المبررات لاستسلام الجيل المعاصر للألعاب الإلكترونية، والبحث في الأسباب الواهية التي نسوغها لضياع موروث غني أضحى مهددا بالانقراض، منطلقين من الواقع، لتوثيق ولو جزء بسيط من هذا الموروث، قد ينفع الدارسين مستقبلا في التعرف على عادات وتقاليد أجدادهم في صقع من أصقاع العالم العربي.

لا خلاف حول أهمية اللعب بالنسبة للأطفال لأنه ينمي لديهم كل المهارات التي يحتاجونها باعتباره ميدانا للتعلم وكسب التجارب وصقل الخبرات، وفضاء للتفاعل مع الآخرين. ونحن هنا لسنا في حاجة للوقوف على أهمية اللعب وما تتداوله النظريات التربوية، وإنما همنا توثيق بعض الألعاب الشعبية التي تختفي تدريجيا من حياتنا بالمغرب كما بباقي البلدان العربية. بالرجوع إلى الألعاب الشعبية في المغرب نكتشف مدى كثرتها، تنوعها وعراقتها، وإن كانت المصادر لم توليها ما تستحق من عناية لعدم اهتمام الكتاب في القديم باللعب، لأنه غالبا ما تعُومِل معه كمرادف للهزل والعبث ومناقض للجد والعمل، وهذا ما عبر عنه الشاعر محمد المساري المتوفى سنة 1187ه الذي دعا في منظومته الطلاب إلى تجنب اللعب مسوغا رفض لعب الكرة التي كانت معروفة في زمانه بتدنيس المروءة، يقول في (باب يوم الخميس) الذي يصادف عطلة نهاية الأسبوع : لعب الكرة ليس مذهبي/ إذ فيه للعثار أقوى سبب/ يدنس المروءة المحصنة ويطرد الوقار والسكينة/ فما لاقيت فيه شيئا يحمد/ فترك فعـلـه لـدي أحمد

وإذا كان لابد للطالب أن يلعب فعليه اختيار اللعبة المناسبة والابتعاد عن ألعاب العوام (الألعاب الشعبية):

والضام[1] دعها للعوام تبرز ولعب الشطرنج قد يجوز[2]

اليوم عندما التفتت التربية الحديثة لأهمية اللعب اكتشفنا فجأة أننا ضيعنا كنزا ثمينا ساهم في بناء شخصياتنا وتكوين ذواتنا، لذا نرى من الواجب النبش في ألعاب العوام والألعاب الشعبية لأنها إن ضاعت سيكون من حق الأجيال القادمة أن تحاسبنا على فشلنا في تضييعها، وربما بهذا التوثيق البسيط نزرع بذرة قد تنبث في أية جهة من المعمور يوما ما.

1. نشير في البداية إلى استحالة الإحاطة بكل الألعاب الشعبية في المغرب، لذلك سنقتصر في هذه الحلقة على عدد من الألعاب الشعبية الجماعية بالأساس، التي لعبناها ونحن صغار والتي لا زالت بعض البوادي في المغرب العميق تشهد على احتضارها، مع الإشارة إلى أن مثل هذه الألعاب قد توجد في بلدان عربية أخرى بأسماء مختلفة، كما قد يختلف اسم اللعبة داخل المغرب نفسه من منطقة لأخرى، لذلك نستسمح القارئ منذ البداية باستعمال المصطلحات المحلية، التي استعملناها لما كنا أطفالا نلعبها، فلا غرو إن شعر القارئ العربي بغرابة المصطلح المطلق على اللعب:
1. الغميضة : لعبة جماعية تقوم على اختيار الأطفال بطرق ديمقراطية وقرعة عادلة "باحثا" يغمض عينيه، متكئا بوجهه على حائط أو عمود كهربائي لمدة متفق عليها (كأن يعد أرقاما من واحد إلى رقم محدد) ويستغل الآخرون تلك المدة للاختباء، وعند انتهاء المدة يكون على الباحث إيجاد المختبئين، ويعد فائزا من لمس المكان الذي كان يتكئ عليه الباحث دون أن يراه الباحث، ويكون أول من وقعت عليه عيون الباحث ، هو الباحث الجديد، لتعاود اللعبة بشكل يحترم القوانين المنظمة للعبة... أما إذا ما كان الفضاء ضيقا كالأزقة الضيقة أو داخل المنازل فيتم إغماض عيني الباحث بمنديل ويتفرق الهاربون حوله وعليه لمس أحدهم باقتفاء أصواتهم وتحركاتهم .

2. لعبة هورش: هذه اللعبة تستدعي وجود شجرة وارفة وقد يكون إسم اللعبة مشتقا من الهراش. قبل انطلاق اللعبة ينقسم الأطفال فريقين متساويين بطرقة (قدم قدم) ، ثم تجرى قرعة لتحديد الفريق الذي يتسلق الشجرة ويأخذ مكانه في أغصانها ، ليعلن البداية ويكون على الفريق الآخر الموجود أسفل الشجرة تسلق الشجرة وإنزال/إسقاط أفراد الفريق الأول بكل الوسائل الممكنة، وهي لعبة مقتصرة على الشبان الذكور لما تتطلبه من قوة، صبر وتحمل ألم الاصطدام مع الأرض وألم الركل والضرب، وقد تتم اللعب تحت تشجيع المشجعين، وعلى الرغم مما فيها من عنف لم يسجل يوما خروج اللعب عن القوانين المنظمة لها..

3. المشاوشة : وتسمى أيضا المعابزة، وهي رياضة شعبية لقياس صحة الأبدان لما تتطلبه من قوة لمواجهة الخصم وإسقاطه أرضا دون ضرب أو لكم ، فيها يتبارز لاعبان من يسقط الآخر أمام حشود من الجماهير، ويشترط فيها أن يصلي المتباري ركعتين قبل دخول حلبة التباري، ويجب أن تتوقف عند سماع آذان الصلاة ، وعرفت هذه اللعبة أكثر نواحي مدينة فاس، تتأسس هذه اللعبة على تشيكل حلقة من الجماهير يتوسطها شخص له مكانته ويحظى بالتقدير ليقدم المتباريين بعد دخولها الحلبة تحت التصفيق . وقد وضع كل واحد منها يده على كتف خصمه . تنطلق المشاوشة والكل يتحين الفرصة المناسبة لإسقاط منافسه دون إيلامه ويعتبر خاسرا من سقط أولا لتحمله لجنة مكلفة بتنظيم اللعبة من يديه ورجله ويلقى به خارج الحلبة في نافورة ضريح مولاي إدريس زرهون الذي كان يحتضن المشاوشة وللمنتصر حق المطالبة بإدخال مبارز جديد ، وإلا تنطلق مبارزة جديدة ، ولهذه اللعبة الشعبية أوجه تشابه كثيرة مع عدد من الرياضات القائمة على المصارعة الجيدو ، السومو و المصارعة الرومانية .

4. ستيوا : من الفعل الدارج (ستى يستي) إي حجل يحجل ومن تم فاستيوا هي الحجلة: وهي لعبة جماعية ينقسم فيها الأطفال فريقين متساويين طبقا لضوابط تقسيم الفرق في الألعاب الشعبية بالمغرب: الفريق الأول يرسم دائرة كبيرة تسمى (الجامع) ويستقر داخلها، فيما يبقى الفريق الآخر حرا خارج الدائرة/ الجامع. عند انطلاق اللعب يخرج أفراد الفريق الأول من الدائرة حجلا (يقفزون على رجل واحدة) في مهمة لمس الآخرين بالرِجل المرفوعة، وإذا تحقق الهدف اجتمع فريق الجامع عليه بالضرب، ولا حرية له إلا بأن يأتيه أحد أصدقائه بالسلم والسلام بالدخول إلى الدائرة والانطلاق منه حجلا ولمسه لتحريره، لينطلق دور جديد بدخول الفريق الخارجي للدائرة. وإذا حدث ودخل أو تم إدخال عضو من الفريق الخارجي إلى داخل الدائرة/ الجامع فلا مخلص له، لأن للجامع حرمته ومن هتك تلك الحرمة يستحق عقوبة كبرى... أما إذا تم إجبار أي واحد من الذين يحجلون على وضع رجليه معا على الأرض فإن جزاءه الضرب والركل حتى يخلصه أحد أصدقائه بلمسه بالرجل المرفوعة.

5. عريرمات السراق (كثبان اللصوص): "العريرمات" جمع "عرام" وتعني كثبان صغيرة ، هذه اللعبة لعبة سلمية وهي خاصة بالأطفال الصغار وقد يشترك فيها الأولاد والبنات معا، بل كثيرا ما تفوقت البنات فيها على الذكور ، في هذه اللعبة ينقسم الأطفال فريقان يجتمعان في نقطة ما، وعند إعطاء انطلاقة اللعبة يتفرقون و يحاول كل فريق تشكيل أكبر عدد من الكثبان الصغيرة بالتراب في أماكن يصعب على الخصوم إيجادها، ويسمح تغطية تلك الكثبان الصغيرة (العريرمات) بالخيش أو غصون الأشجار، أو بنائها في الأقبية المظلمة، أو تشييدها في مخابئ وبعد انتهاء الوقت المتفق عليه يصيح الحكم بالفريقين ليجتمعا، لينطلق الشوط الثاني ويحاول كل فريق العثور على كثبان خصمه وتدميرها. وبعد انتهاء الوقت المتفق عليه لتبديد كثبان الخصوم يصيح بهم الحكم ثانية، يجتمع الفريقان ويتم تحديد لجنة تحت إشراف الحكم لاحتساب عدد الكثبان التي لم يتم العثور عليها، ويكون الفريق الرابح من نجا أكبر عدد من كثبانه من التدمير.

6. سالوم: يبدو أن الكلمة مشتقة من السلم والسلام وهي لعبة تكرس مبدأ روح الفريق ، وجعل الفرد في خدمة الجماعة والجماعة في خدمة الفرد، وفيها يتم تشكيل فريقين متساوين يتباعدان ويقفان متقابلان على مسافة يحددانها قد تفوق المائة متر ليبادر أحد الفريقين بإلقاء السلام على الخصوم وهو يصيح : سالوم ( قد تكون للكلمة علاقة بالعبرية: شالوم = السلام) ليرد الفريق الثاني: (لا سلّمنا عليكم، ما ذا تريدون) يجيب الفريق الأول : نريد فارسكم (فلان) ويتم تحديد العضو بالاسم، وبمجرد النطق باسمه يطلق الفريقان سيقانهم للجري في وجه بعضهما البعض، مهمة الفريق الأول إلقاء القبض على الشخص المحدد قبل وصوله للمكان الذي كان فيه الفريق الأول، فيما يحاول الفريق الثاني حماية الشخص المحدد وإيصاله سالما إلى الهدف، وإذا حقق أي الفريقين هدفه كان فائزا وكانت له سلطة فرض العقوبة التي يريد على خصومه ، وغالبا ما تكون الأحكام في هذه اللعبة هي حمل المنتصرين على الأكتاف طيلة المسافة التي كانت تفصل بين الفريقين.

7. تاعت الحيط (لعبة الحائط) هي الأخرى لعبة جماعية تعتمد التركيز والقوة والقفز والتوازن. فبعد تكوين الفريقين ، تجرى القرعة التي تفرض على فريق التوجه نحو الحائط يتقدم واحد ويركع واضعا يديه على الحائط ويتقدم أصدقاؤه ويركعون خلفه بالتتابع وقد أمسك كل واحد بمن أمامه جيدا مشكلين ظهر حصان طويل، وعند إعطاء انطلاقة اللعبة. يبتعد الفريق الثاني يحاول أفراده القفز بالتتابع على ظهور الفريق الأول بدءا بالقوي الذي يجيد القفز حتى يترك الأمكنة فارغة لأصدقائه الذين يقفزون تباعا على ظهر الحصان المكون من الفريق الأول على ألا يغير أي منهم مكانه أو يعدل وضعيته وإذا ما سقط أحدهم، أو لمس الأرض يعلن الحكم تبادل الأدوار، وإذا اتخذوا أوضاعا جيدة بقوا على ظهور الفريق الأول حتى انتهاء المدة المحددة ليستفيدوا من محاولة ثانية فثالثة إلى أن يلمس أحد منهم الأرض أو يسقط.

8. طز نوض معاه (هيا انهض إليه) هي لعبة فيها فريق واحد فقط يجلس على شكل حلقة كبيرة، كل قد جلس على حجرة باستثناء طفلان يطارد أحدهما الآخر بعد تحديد الهارب والمطارد، تعطى الانطلاقة يهرب الطفل ، ويلاحقه الآخر وهما يدوران على أصدقائهما الجالسين ، وإذا أمسكه انهال عليه بالضرب ولا منقذ له ، وللهارب الحق إذا شعر باقتراب مطارده أن يلمس أحد الجالسين، وهو يقول (طز نض معاه) ويسمح له بالجلوس مكانه ويصبح الجالس هو المطارِد ، والمطارَد الأول هاربا، وهي لعبة تتأسس على تبادل الأدوار بين المطارِد والمطارَد وفق قوانين الفعل ورد الفعل، والسرعة في إنقاذ الذات وحسن ضبط الوقت لطلب النجدة.

9. لعبة الصندالة : لعبة جماعية يكون فيها الأطفال فريقين متساويين في قسمة متفق على قوانينها، وبعد قرعة عادلة يركب الفريق الفائز في القرعة ظهور الفريق الخاسر، وقد اصطفوا على شكل دائرة متباعدين... يمسك أحد الراكبين كرة أو صندالة (حذاء) وينطلقون في رميه لبعضهم البعض وإذا ما سقط على الأرض التقطه الفريق المطية ليضرب به أي فرد ممن كان راكبا وإذا لمسه انقلب الدور وإذا لم يلمسه أعيد الدور كما كان سابقا.

10. لعبة الصندالات (لعبة الأحذية): الفرق بين هذه اللعبة والتي قبلها، كون هذه تلعب بعدة أحذية وتلك تلعب بحذاء واحد مع الاختلاف في طريقة اللعب وإن اتفقتا في التسمية... في هذه اللعبة الجماعية يتم رسم دائرة وتوضع فيها صندالات وأحذية كل الأطفال دون تمييز باستثناء واحد هو المكلف بحراسة كل تلك الأحذية ، و عليه منع كل من يحاول استرجاع حذائه أو صنداله ، ويكفيه لمس أي أحد ليحيله الحارس الجديد، ويخرج من اللعب كل من استرجع حذاءه، و إذا ما تم سرقة كل الأحذية دون لمس أي أحد ينهال عليه الأطفال بتلك الأحذية التي سرقوها ويستسلم لهم متحملا فشل قيامه بواجب الحراسة.

11. لعبة قاقا غراب آش دبحتو (ماذا ذبحتم) وهي لعبة ترتكز على البحث والفطنة والحظ أحيانا كثيرة، وفيها يتم إبعاد طفل عن الجماعة التي تتفق في السر على ذبح أضحية ما، ويوزعون أعضائها باختيار كل فرد عضوا من أعضاء الضحية ، وعلى الطفل المبعد معرفة عضو من الأضحية اختاره أحد أصدقائه... تنطلق اللعبة بسؤال الطفل للجماعة : قاقا غراب آش ذبحتوا؟؟ تجيبه الجماعة ( الله يعمي عينيك بالتراب ذبحنا كذا (إنسانا أو حيوانا أو ما اتفقوا عليه ) ويستمر الطفل في طلب أعضاء الأضحية أعطوني قلبها !! تجيبه الجماعة : لا... يكفيك قلبك، أعطوني ذيلها . تجيبه الجماعة لا. زد لك ذيلا ... وإذا ما حدث وطلب عضوا اختاره واحد من الجماعة ، يصبح ذلك الطفل هو المبعد بعد أن يتم حمل السائل إلى الجماعة على كتفه من سيصبح السائل الجديد.

12. طـايبة: هي الأخرى لعبة جماعية شبيهة بلعبة (كاش كاش) العالمية لكنها قد تلعب في فضاءات أوسع وتتم المطاردات في البساتين أو الجبال أو الأطلال: ينقسم الأطفال فريقين، فريق يغمض عينه متكئا على المحلالة (حائط ، عمود كهرباء ،شجرة أو ما شابه يكفي أن تكون شيئا ثابتا) ... فيما يتفرق أفراد الفريق الثاني مختبئين وبعد انتهاء الوقت المتفق عليه ينطلق الفريق الأول في البحث عن الآخرين محاولا الإمساك بهم قبل لمسهم للمحلالة وفي حالة الإمساك بأي واحد يتم تبادل الأدوار ، وإذا ما تمكن جميع أفراد الفريق الثاني من لمس المحلالة دون لمس أي منهم ينطلق دور جديد من اللعبة دون تبادل الأدوار.

13. لعبة الطابلو: الطابلو ( tableau) كلمة فرنسية تعني الجدول وسميت اللعبة بهذا الاسم لأن الأطفال ينطلقون في لعبتهم برسم جدول على حائط يضم خانات عمودية بحسب عدد الأطفال المشاركين في اللعبة لكل طفل رقم معين، وخانات أفقية بعدد الجولات، وبعد الاتفاق على حَكَم يراقب الجدول ويحدد الفائزين يتم رسم دائرة صغيرة توضع وسطها كرة صغيرة يضع عليها المشاركون أصابع أيديهم، وما أن ينادي الحكم على أحد الأرقام المسجلة في الجدول حتى يفر الآخرون ويكون على صاحب الرقم أخذ الكرة وملاحقة الآخرين وضربهم بها، قبل وصولهم منطقةَ النجاة المتفق عليها، وكل من لمسته الكرة توضع علامة في خانته، وهكذا تستمر الجولات، ويعد خاسرا من حصل على أكبر عدد من العلامات.

14. لعبة (العبْ وكُلْ) وهي لعبة كما يبدو من عنوانها المكون في فعلي أمر، دعوة للاستمتاع بأكل اللعبة بعد إنهاء اللعب، في هذه اللعبة التي تسمى في مناطق أخرى (الفرفارة) يشتري الطفلة حلوى مسطحة مستطيلة يتوسطها ثقبان متوازيان على شكل خرزة، يمر من الثقبين خيط يتجاوز طوله نصف متر يتم إدخاله في الثقبين وربط أطرافه بإحكام، وعند إدخال سبابة كل يد في جهة وتصبح قطعة الحلوى في الوسط يتم لفها حتى يفتل الخيط وما أن يبدأ الصبي في جر الخيط بإبعاد اليدين وتقريبها حتى تنطلق الفرفارة في الدوران محدثة صفيرا مسترسلا (زن... زن... زن) تزداد فيه قوة الدوران والصوت بحسب قوة وسرعة جذب طرفي الخيط وقد يلعب الطفل بنفس القطعة يوما أو عددا من الأيام يخبؤها في جيوبه أو يعلقها في عنقه ولما تكسر أو يملّ من اللعب بها يأكلها مستمتعا بطعمها السكري بنكهة الفراولة، الفانيلا أو الكريما.

15. البي أو البوسات (البلي): وتختلف أسماء هذه اللعبة حسب المناطق ، فتسمى (الرين) في الشمال نواحي تطوان، و (بالبوسات أو ألْبِي) وسط والمغرب ، والزيجان (من الزجاج) في نواحي عبدة، و(البولات) في مناطق اللكوس ، وإن أطلقت عليها عدة تسميات فاللعبة واحدة، و هي لعبة تكون بكرات زجاجية صغيرة ، بألوان مختلفة، يتم فيها رسم حلبة على شكل مربع أو مثلث صغير يضع كل لاعب كرته في زاوية وعند كثرة المشاركين توضع الكرات على أضلاع الشكل ، وعلى بعد بضعة أمتار يرسم خط (يسمى لاري) يرمي إليه كل طفل كرة زجاجية ،وبحسب الاقتراب من ذلك الخط يكون ترتيب من يلعب الأول فالثاني فالثالث ... يقف اللاعب الأول على الخط، يضع كرته الزجاجية بين السبابة والإبهام ويدفعها بقوة بإبهامه في اتجاه الكرات الموجودة بالحلبة ويأخذ كل كرة أخرجها من الحلبة، وعندما يفشل في إخراج الكرات من الحلبة، يتقدم اللاعب الثاني فالثالث... وإن أصاب أي لاعب الكرة التي يلعب بها منافسه حكم علية بإعادة الكرات التي فاز بها إلى الحلبة. وقد تلعب البلى بطريقة أخرى عن طريق حفر حفرة صغيرة وتبدأ المنافسة في من يدخلها الأول ليكسب كرة زميله وفق قانون دقيق للعب... واللعبة واحدة سواء كانت (قاروطي) ينتهي فيها اللعب بسحب كرات الخصم عند الفوز ليكون الفوز ماديا، أو (حاموري) وفيها يكون اللعب بالمجان ويظل كل فرد يحافظ على كراته في النهاية لأن الفوز والخسارة معنويان فقط في الحاموري.

16. الطرومبة: وسيلة اللعب في هذه اللعبة قطعة خشبية مخروطية الشكل يوضع في رأسها رأس معدني حاد يسمى "النبَّال" ... يلف حولها الطفل خيطا خاصا ( قيطان) بطريقة دائرية انطلاقا من " النبال " حتى يكاد يغطيها بالكامل، وبعد إحكام الإمساك برأس الخيط يرمي الطرومبية (الدوامة/ اللواب) بقوة ويسحب الخيط إليه لتسقط الطرومبية أمامه تدور على الرأس المعدني... تمارس اللعبة من أجل إظهار مدى القدرة على التحكم في اللولب، إطالة مدى دورانه، ويمكن رميه إلى الأعلى ليسقط في كف الصبي متباهيا أمام زملائه باللولب وهو يدور بكفه... كما قد تأخذ اللعبة أحيانا صورة التحدي والانتقام، في دور يرمي فيه الأطفال دواماتهم في وقت واحد ومن سقط لولبه أولا ، يحكم عليه بوضعه في الحلبة ويبدأ الآخرون بضربه بقوة قد تكسر لولبه إذا ما أصابه الرأس المعدني مباشرة( من السما لما) ، وينسحب من اللعبة كل من فشل في لمس الطرومبية الموضوعة وسط الحلبة في الضربة الأولى وعند فشل الجميع يعاد عداد اللعب إلى الصفر... وقد تلعب الطرومبية في المغرب بطرق فردية أو جماعية تختلف من منطقة لأخرى.

17. حابة : لعبة تقوم على الجري وسرعة ردة الفعل ، وتحتاج إلى عدد من الأطفال ( أكثر من ثلاثة) يتم اختيار واحد بالقرعة يطارد الآخرين وكلما لامس واحدا أصبح عليه القيام بدور المطارد و هي أيضا تمارس بطرق متعددة .

18. القفز على الحبل أو "اللاّستيك: وهي لعبة أنثوية بامتياز، وفيها تقوم الفتيات بالقفز على الحبل بطرق متعددة، فقد تكون اللعبة فردية بأن تمسك الفتاة حبلا بيديها تلفه مشكلة شكلا بيضاويا يمر من فوق رأسها وتحت أرجلها وهي تقفز كلما مر تحت رجليها ، وقد تلعب اللعبة ثنائيا بأن تمسك فتاتان بطرفي حبل وتلفانه فيما تقفز على الحبل فتاتان وإذا ما لمسته أحداهما وتعثر دورانه ينقلب الدور ، وقد يكون الحبل مطاطيا (لاستيك = élastique) تمدده فتاتان بأرجلهما وهن واقفات، بوضعه أسفل الركبة وتباعدهما حتى يصبح ممدودا في شكل خطين متوازيين، لتتقدم فتاة وترقص بين الخطيين على إيقاع أغنيات طفولية شعبية وحركات متناسقة دون لمس الخطين.

19. شد الحبل: وهناك لعبة الحبل للذكور وفيها يتم اختيار حبل متين يوضع على الأرض ويوضع خط في منتصفه وخطان بعيدان عنه بنفس المسافة يتقدم فريقان في صفين يقف من يتقدم الصف على الخط البعيد عن خط المنتصف وبانطلاقة اللعب يتمسك الفريقان بالحبل ، ويحاول كل فريق سحب خصمه ليتجاوز به خط المنتصف ليعد فائزا... وقد تلعب هذه اللعبة تحت زغاريد النساء خاصة عندما تدور المنافسة بين شبان حيين أو قريتين مختلفتين ويعتبر الفوز فخرا للقبيلة بين القبائل.

20. الملاقف/ المزار : لعبة سلمية للبنات والأولاد، والبنات أكثر تفوقا فيها، تلعب بأحجار صغيرة تسمى (الملاقف أو المزار ) حسب المناطق، واللعبة قد تكون ثنائية أو جمعية، وفيها يجلس الأطفال القرفصاء ، ولتحديد من يبدأ باللعب يأخذ كل طفل إثنى عشرة حجرة صغيرة بكفه ، ويرميها بهدوء إلى الأعلى ويقلب كفه، ويكون الفائز من استقر أكبر عدد من الأحجار على ظاهر كفه، وبعد تحديد الأدوار تنطلق اللعبة بأن يضع الطفل إحدى عشرة حجرة على الأرض ويرمى الحجر الثاني عشر إلى الأعلى عدة مرات ، في المرة الأولى عليه أن يجمع الأحجار واحدة واحدة عندما تكون الحجرة المرماة في الفضاء، وفي الجولة الثانية عليه جمع الأحجار مثنى مثنى ، وفي الثالثة ثلاث ثلاث ، وفي الرابعة رباع رباع وإن نجح في إنهاء اللعبة عشرة أدوار كان فائزا، وإن فشل في منتصف الطريق سلم (الملاقف) للطفل الثاني فالثالث ، وللفائز حق الحكم على الفاشلين، بضربهم أو تسخيرهم أو تعليق شيء على نحورهم سخرية بهم...

هذه مجرد عينة قليلة من الألعاب الشعبية التي زاولها الأطفال في المغرب إلى عهد جد قريب وغيرها كثير من الألعاب التي لا زال تأثيرها يدغدغ الذاكرة والعاطفة، دون الوقوف على الألعاب الفردية، وألعاب التسلية التي لا تقوم على المنافسة كالألعاب التي تكون بالمراجيح، والعجلات... أو تلك التي يبتكر فيها الأطفال ما يلعبون به من الطين،القش، العصي.. أو إعادة تدوير بعض النفايات كالعلب والمتلاشيات... ونحن إذ نوثق تلك الألعاب إنما نساهم في توثيق تراث هام مهدد بالانقراض، عسى نساهم بمثل هذا التوثيق في خلق قاعدة بيانات تساعد الأنطربولوجين والمؤرخين وكل دارس على معرفة جانب من الثقافة الشعبية العربية التي ضاع الكثير منها، وما زال منها ما يحتضر مسجونا في ذاكرة الأجيال الكبيرة، وإن لم نوثقها عنهم ضاعت بالمرة...

ويلاحظ أن كل هذه الألعاب وغيرها ألعاب مهارية جسدية تعلم النشء من خلال وضعيات اللعب أشياء يستحيل على الأسرة والمدرسة تعليمها للطفل، فلا الآباء ولا المدرسون في وقتـنا قادرين على ذلك ، وليس لديهم الوقت له، فهي بالإضافة إلى مساهمتها في تنمية عقل الطفل وتقوية عضلاته وبناء جسمه، تعلمه الدقة في الرمي من خلال عدد كبير من الألعاب التي يتم نصب هدف ( أحجار ، أشخاص، عيدان، قصب، قرن خروف...) والابتعاد عنه مسافة متفق عليها وتصويب الضربات نحوه: بكرة أو حجر ... كما تعلم الطفل التسلق كاللعب التي تمارس على الأشجار (هورش أو غيره) ، تعلمه التوازن والتحكم في كثلة الجسد ومعادلة السرعة للحركة ، واختيار الوقت المناسب للفعل ولرد الفعل ، إنها ألعاب مبنية على ضوابط وقوانين تغرس فيه قيم التضامن وروح الفريق، والتخلص من الأنانية ، والصبر وقوة التحمل، وقبول الهزيمة ، وتهنئة الخصم بالفوز، والاحتكام إلى قوانين اللعب سواء في تقسيم الفرق وتشكيل الأحلاف، فتكوين الفرق في الألعاب الشعبية بالمغرب يقوم على مبدأ (المقاسمة) فقبل انطلاق أية لعبة ينبري طفلان يبتعدان ويبدأن في التقدم نحو بعضهما بوضع قدم أمام الأخرى وتضيق المسافة بينهما وعندما يلتحمان يكون من سمح له الدور بوضع قدمه على قدم خصمه الحقُ في الاختيار الأول ، أو اللعب أولا دون أن يكون للخاسر فرصة لرفض نتيجة (المقاسمة) ما دامت تتم علانية وبكل شفافة...

هذا وقد كانت تلك الألعاب تحترم سن الطفل ، وجنسه ورغباته، فهي موزعة حسب الأوقات والمواسم ، فمنها ألعاب النهار وألعاب الليل، وفيها ألعاب الشتاء وألعاب الصيف، ومنها ما يرتبط بالأعياد الدينية، ومنها ألعاب الذكور وألعاب الإناث والألعاب المختلطة، ومنها ما يقوي الجسم وما يستهدف التفكير والعقل... والأكيد أن ألعابا بهذه الدقة ، لها منافع متعددة نراها تحتضر ونحن نضع أيدينا على خدودنا ، مستسلمين لضياعها ومقدمين أبناءنا للعب إليكترونيةٍ معظمها لا نعرف مواد صنعها، ولا حدود تأثيرها السلبي على أجساد وعقول فلذات أكبادنا، تحولهم بالتدريج إلى كائنات تعيش في الظل ببنيات جسمية طرية ، منطوية على ذاتها ميالين إلى التكاسل، سريعي الغضب متوترين باستمرار، محرومين من متع مجانية تمارس في الهواء الطلق ، مفيدة للجسم والعقل ومساعدِة الطفل على الاندماج في الحياة منذ الصغر وحسن تدبير الوقت وهي أمور أحوج ما يكون إليها رجال الغد.

وفي الختام نشير إلى أننا في هذه المقال حاولنا الانطلاق من الواقع في دراسة شبه ميدانية لذلك انعدمت الإحالات على مراجع ، مستشهدين بألعاب لعبناها ونحن أطفال ولا زال الحنين يشدنا إليها ، لأنها ساهمت في تربيتنا وفي اندماجنا ضمن الجماعة التي عايشناها وفق قوانين وضوابط تقوم على الذكاء والقوة و احترام الآخر والتسامح وغيرها من القيم التي قتلتها الألعاب الإليكترونية التي وعزلت الأولاد عن محيطهم وغدا الطفل لا يعرف الكثير من أبناء حيه، يسبح طيلة اليوم في لعبة جامدة تربيه على العنف والسلوكات العدوانية ما دام الفوز فيها يقاس بعدد القتلى.

وكل المنى أن تساهم هكذا مقالات في توثيق تراثنا الشفوي والعملي وتقريب الشباب منه لأنه شكل جزءا من هويتنا الثقافية تناقله الأجداد وفشلنا نحن في نقله لأبنائنا، أهدافه سامية، وغاياته نبيلة، ومنافعه جمة ..

 

Eddadissi2002@gmail.com

 

[1] ـ الضام أو الضامة : لعبة شعبية تلعب على رقعة الشطرنج وفق قوانين خاصة بأحجار، أو قطع صغيرة من الخشب أو البلاستيك ، وهي اليوم تكاد تكون اللعبة المفضلة للمتقاعدين لذلك لم نشر إليها لأننا حصرنا الموضوع في الألعاب الشعبية للأطفال.

[2] منظومة (سراج طلاب العلم) كما وردت في كتاب (الإشارة والبشارة في تاريخ وأعلام بني مسارة) تأليف عبد السلام البكاري ، دار النشر المغربية ، الدار البيضاء 1984، ص 304.