عندما سقط جدار برلين
غمرني رماد اليأس البركاني
حتى رأسي
كنت أركض داخل جسدي المظلم
بحثاً عن مقبض باب
كنتُ أصرخ تائهاً
في دهاليز جسدي الحجرية
وأهرب مذعوراً من صراخي
الذي يشبه عواء ذئب
كلّ المنافذ مسدودة
باستثناء فوّهات المسدسات
كلّ نبضةٍ أو شهقةٍ هي صعقة كهرباء
أنا وحيدٌ وأعزلُ في حلبة الأسود
والناس من حولي أقزامٌ محبوسون في قنينة
كنتُ أبكي
وكانتُ دموعي المساميرَ والأمواس
وبعد البكاء
ألقي للقمامة بأجفاني المهترئة
بعد عُمْر في طبخ الأحلام
أكتشفت بأن أحلامي تسببُ المغص
يا لخيبة السكاكين والصحون
فقد كنتُ أحلمُ
أن تظلل لحية كارل ماركس المصطافين على الشواطيء
وأن تُخاط منها معاطف لأطفال الشوارع
وقبعات للسيارات الصلعاء
وفي ليالي الميلاد لم أكن أملك ثمن شمعة
فأكتفي بدموعي التي تحوّل أهدابي إلى شموع
يومها كنتُ أحلم
أن تُزيّنَ لحية ماركس بالمصابيح
وتُعلق عليها الهدايا والثلوج
كنتُ ككل الحالمين
أطير بحذاءين ينفثان دخاناً وشرر
أحلم
وعلى سواقي أحلامي
أزرع لحية ماركس
فتنبتُ غابات من اللحى
لكن جدّي ماركس هرم فجأةً
ونخرتْ لحيتَهُ فئرانُ الحقول
فلم تعدْ السناجب تدفن فيها مؤونة الشتاء
ولم يعد النحل يتخذ منها خلايا عسل
**
أحجار الدومينو تتساقط
متسببة للأرض الحامل بالإجهاض
تختض أشجار الجغرافيا
فتسقط البلدان في أفواه الوحوش المتربّصة
تهرب الجبال من أبنائها القبعات
ومن أحفادها العمائم
تهرب الأنهار من وديانها لتلتفّ حول بكراتِ الخياطة
يهرب القادة من مغاطس حماماتهم
تاركين الشعوب تسقط في البالوعة
كثيرون في مهرجان الحِلاقة تخلوا عن لحاهم
ونسجوا منها سجادات صلاة
لكنّ رفاق الحزب أصرّوا
على شحن الثورة عبر المحيط في بواخر
لإطلاقها في المروج كقطعانِ الماشية
وبينما كانتِ الأرضُ المنفوخة من الحمل
تلفظ أجنتها في مخيمات المهاجرين
كان شاغلُ الرفاق مراقبةَ الغرفِ نصفِ المضاءة
مخافةَ أن يُقلق صريرُ الأسِرّةِ
ألجثّة الخالدِة للرفيق لينين
**
يا للكارثة
جدار برلين
جدار أحلامي معرّض لشلل الأطفال
إنه يسقط كالزر المقطوع
كنت أصرخ : أيها الرفاقُ لا تسيروا حفاةً
فالدروبُ معبّدةٌ بأنياب الجواسيس
ألجدران هي الملابس الداخلية للمدن
عندما تنزع المدن جدرانها
تبدو على أجسادها المتورمة بصماتُ الصافعين
ألجدارُ أيها الرفاق
هو آخر مَن تبقّى مِن أبنائكم الشجعان
فإخوتَهُ من قبله ذابوا في أفرانِ الثَورات
كنتُ أبكي بصمت
ومن أذنيّ تخرج مرفرفة أسرابُ عصافير
وأحياناً
أعجز عن كتم
ضجيج تظاهرة الطبّالين
المحبوسة في حنجرتي
بينما العالم من حولي يتقشّرُ
ويُلقي إلى النسيان
بجلدته المبقّعة بالبيارق والهتافات
كلّ شيء تغير
ألجدرانُ صارتْ نوافذ
والفضائحُ صار لها تُجّارٌ ومزادات
والتاريخ ما عاد يصلح كالقمامة لإعادة التدوير
والحدائق المزروعة باللحى والشوارب
تعفنت من كثرة السقي
**
جدنا كارل ماركس
أغفرْ لنا
لقد تسببنا بإصابة لحيتك بالصدأ
عندما اتخذناها درعاً من حديد
واخترقنا بها
تحصينات جيوش الأمواج
والمطر
أغفر لنا
فقد تسببنا بتلاشي لحيتك
حين اقتطعناها بيننا للتبرّك والعبادة
كان علينا أن نُدرك بأنّ اللحى مثل السراويل
معرّضة للاهتراء ، والانكماش بالغسل
وأنها ينبغي أن تُرقعَ أو تُرفأ
ثمّ تُكوى
وتُحفظ بالنفثالين..