إنهم كالمُرابين
عبرَ المزاداتِ ينتقلون
بأثوابهم وهيَ مُبتلةٌ باللعاب
حقائبُهم مثقلاتٌ بأشلائِكَ النازفاتِ
وقد مَنحوا كلّ عضو رقمْ
(... وما زالَ جسمُكَ ينزفُ
بالرغم من إنهم ملّحوهُ بأحقادهم منذ ألفٍ
ليوقظَ جوعَ وحوشِ العذاب)
كلما قطعوا منهُ عُضواً بَكَوا بألمْ
كأنكَ أنتَ الذي كنتَ تذبحُهُم
و تقلِبُ فوق المناضِدِ أكؤسَهم
فينفجرُ الدمُ من طافيات الفقاعاتِ وسط َالشراب
وفي ظلمات سراديبِهم يُفرغونَ الحقائبَ
مُستعرضين جراحَكَ للصُحُف الصُفر
أو عَدَساتِ السأم
ألرجالُ الدُمى ذهبوا
وأتى أخرونَ يُغَطّونَ سوأتَهُم بالعَلم
(هدوءاً ... هدوءاً
هيَ الأن نائمةٌ
على رأسها جرسُ الحُلم يُقرعُ
لكنها لا تفيقُ
خدّروا عَصَبَ الحُبّ كي يُولِدوها
ولم يكُ مولودُها غيرَ إطلاقة في جدار الرحم)
هيَ الحربُ تفتحُ أبوابَها
لتدخلَ منها الخيولُ الهزيلة
(ألخيولُ التي قد خُدعنا بها
فكنا نُعِدّ سُرُوجاً لها وركاب)
وتُطرَدَ منها – على عربات النعُوش – السيوفُ الذليلة
( ألسيوفُ التي ساقتِ الشعبَ للسَلخ سَوقَ الغنم)
ويختلطُ الداءُ بالداءِ
حتى لتفقدَ اسنانَها الريحُ تحتَ الدُرُوع
وتجري السواقي بُصاقاً ودم
وما بينَ منسوبةٍ للبغال
ومنسوبةٍ للحمير
تُضيّعُ انسابَها الصافِناتُ الأصيلة
ألحروبُ العقيمةُ تحسُدُ مَن يُنجبونَ
فتأكلَ أبناءَهم
مثلما أكلتْهُم بدائرةِ الأمنِ أفعى التّهَم
بعضُهم صارَ طيراً
يُنقّرُ بحثاً بأيّ القلوب قد اخفى هديله
واخَرُ يقرعُ كلّ مساءٍ نوافذَ جيرانهِ
ليُذكّرهم :
أنهُ منذُ أنْ قَلَعَ القائدُ – الربّ مقلتهُ لم ينم
ولكنهُ القائدُ – الربّ ما عادَ ربّاً
فقد قوّضَ الأنبياءُ الجديدونَ معبدَهُ
وألقوا بألواحِهِ للحريق
وصمّوا مسامِعَهم للصُراخ النُحاسيّ
يطلقهُ في المَصَاهِر الفُ صَنم
ولكنهم مثلما كان يفعلُ عادوا
يخطّونَ فوقَ ظهور الشعوب بذاتِ القلم
فلم يرجعِ الراحلون إلينا كما نحن نعرفهم
وقعوا بدمائِكَ صَكّ براءَتِهم
جاعلينَ القبورَ شهوداً
ومتخذينَ الظلامَ حَكَم
ألرجالُ الدُمى ذهبوا
بعدَ أن حاربوا جيشَ أوهامِهم بالسُباب
والذينَ أتَوا شايعوهم فصاروا
بأقدامِهم يَلبَسونَ الرِقاب
(في لندنَ القهوةُ العربية أشهى
وطعمُ السيكارة
تَسكَابُ مِلعقةٍ من حنينٍ بمجرى الدماء
ولكنها حين تجمعُ قهوتَها بالسيكارةِ تبكي
كمنْ هو يأكلُ من لحمِهِ بنهَم
كانتِ الشَرطة ُالدوليةُ تدمُغُ فوقَ الجباه
وتنبشُ بحثاً - باقبية الصمتِ –
عمّنْ يُهرّبُ خمرَ الألم
فقد افلحَ القائدُ – الربّ أن يستبيحَ السماءَ
ويرسلَها للمنافي البعيدةِ مَحشورةً في رُزَم )
خرجوا من حروبكَ منكسرينَ ، ومنتهَبينَ
فما كسبوا عندما ناصروا الحقّ رشفةَ فم
فليسَ غريباً بأنْ ينقضوا جدولَ الضَربِ
او أنْ يُعيدوا الحساب
وها هم يبيعون لحمَكَ ما بينهم
وقد يُرسلون برأسِكَ – عبرَ البريد –
يُعلّقُ في ناطحاتِ السحاب
وأنتَ من الموت تنهضُ كالشمس منذ قرون
لتُلبسَ خصمَكَ أثوابَكَ الدامياتِ
وتُسلِمُ من بايعوكَ وباعوكَ للغد
حيثُ امتحانُ الضمير
- أأنتَ العراقُ الذي ينهشونهُ فوقَ موائدهم ؟
- أم الشعبُ أنتَ الذي بتروا
– خوفَ أنْ يتقدّمَهم - قدميهِ
فقامَ على ركبتيهِ يسير
وقد يبترونَ لهُ ركبتيهِ
فيمنحُهُ الصَبرُ أجنحةً ويطير
وما زلتَ تمضي إلى الله زحفاً
فلا تتلفتُ للسابقين ،
ولا اللاحقين
وقد أرجَعوا زمنَ المَالكينَ
فصارَ منضالهم يتقلّدُ سُوطَ الأمير
فداءٌ لحزنكَ يا ابن البتول
ويا من رضعتَ المحبةَ من شفتيّ الرَسول
ويا من نسجتَ عمائمَ صَبركَ
من عوسج الرفض
لا من حرير القبول
(ألمُخبرونَ الذين بفنجانها نزلوا بالمِظلات
قالوا : بانهمو اكتشفوا
في بقيّة فنجانها قطراتِ سأم
وأنّ مواليدَها الألفَ
فرّوا من الحربِ للمدن الأجنبية
مُلتصقين على جسمها كالقَرَادِ
من الإبط حتى القدم
ومَن عرفوها يقولونَ : لم تكُ قد أنجبتْ
ولكنها تتناسلُ من بعضها
كما تتناسلُ من لفّةِ الشاشِ أفعى الألم
عندما غطّسُوها بتيزابهم
قلتُ : كيفَ لها أنْ تذوبَ ؟
الم تكُ أخِرَ ما في حُطام القلوب من البِسماتِ
وكلّ الذين يسومونها الخسفَ
ليسوا سوى بُقع من شحم)
أيُرضيكَ أنكَ من كل ما في الدُنا من جنان
تخيّرتَ تعرجُ عبرَ الحريقِ العراقيّ نحوَ السماء ؟
وغيرُكَ يركض مستبقاً ظلهُ
ولكنّ سُوطَ مَطامِعِهِ سوف يقتادهُ للوراء
أيرضيكَ أنّ سواكَ يرى وجهَهُ في المرايا
ويبصقُ فيها ؟
وانتَ كما النجمُ تلمعُ في بركةٍ مِن دماء
أيُرضيكَ أنكَ تستقبلُ الشمسَ بينَ يديكَ
لتقشعَ عنها غيومَ البكاء؟
وغيرُكَ يطردُها من نوافذِهِ
مخافةَ أنْ يتفجّرَ ما حولَهُ من هواء
أيُرضيكَ ؟ أم لا،
فأنتَ دخلتَ إلى مُدُن الخُلد
تنقضها، ثُمّ تُنشئُها كيفما شئتَ انتَ
وليسَ كما الخلدُ شاء
دخلتَ لها فاتحاً
تحتَ رجليكَ من عذّبُوكْ
ومن قتلوكْ
ومن نقّعوا بالخيانة أفواهَهُم عندما قبّلوكْ
**
سيدي أيها المُبتلى بالأمل
إنّ خيطانَكَ الذهبيةَ
ننسجُ منها ثيابَ النجاح
وثوبَ الفشل
ثمّ ننكُثُها ، ونعودُ لننسُجَها
ثُمّ لسنا نَمَلْ
هكذا يتمشّى على قدميه الجبل.