يكثف القاص المصري محنة الإنسان تحت ظل الأنظمة العربية من خلال سردٍ لاهث يلتقط لحظة مفصلية إلا وهو الرعب من رجال السلطة القادمين للقبض عليه، وما يعتمل في داخل المطارد من مشاعر ذعرٍ وخوفٍ ولا يكتفى النص القصير برصد القمع بل يخبرنا بفساد القادمين في معادلة يبدو فيها الإنسان مسحوقا في ظل هكذا سلطات.

الركن المظلم

عصام سعـد حـمودة

يشعر بهم، لديه يقين انهم قادمون ، يحس بضجيج انفاسهم وهو يصعد درجات السلم العشر، يتلفت حوله يمينا ويسارا، يحاول تشمم رائحتهم..يبحث ناظرا في مدخل البيت. يسرع يغلق الباب في وجه أنفاسهم.

اليوم يشعر بهم اكثر من اي وقت مضي وأنهم قريبون منه جدا.يباغتونه ويقتادونه إلى مصيره.

إنهم يأتون في أوقات غير محددة وأيدهم تدق الباب بعنف حتى تنخلع مفاصله، ينتشرون في أرجاء البيت بحثا عن الشخص المطلوب..يقومون بإحداث الفوضى في كل ارجاء الحجرات وحين يجدونه تحت السرير أو خلف إحدى الستائر يهبطون به وقد احكمو اياديهم حول خصره قابضين علي حزام بنطاله من الخلف ملقين به في جوف صندوق عربتهم.

يبحث في مخارج الشقة.. يعاين (ماسورة الصرف) القابعة خلف شباك المطبخ.. يتوجه تجاه الشرفة.. يقدر المسافة بينها وبين الأرض.

يتخيل نفسه قافزا من مسافة خمسة أمتار ويجري مسرعا في اتجاه أحد الشوارع الجانبية الضيقة والتي يصعب عليهم أن يجدوه فيها. وقد يهبط علي قدميه فتنثني تحت ركبتيه وساعتها سيقع في أيديهم مثل فأر المصيدة.

يعرف وجوههم وأسمائهم جيدا ويتعامل معهم حين امسكوا به أول مرة عندما فتحت الصغيرة (زينة) الباب لهم وقضى يومين في غرفة الحجز وخرج بعدما قام بعمل إجراءات المعارضة نحو الأحكام الصادرة ضده وأدرك نقاط ضعفهم وقوتهم وشرههم للمال وكيفية استنزاف امثاله .

أصبحوا يبلغونه بموعد حضورهم ويحذرون من التواجد وقتها في الشقة.

يقترض من الاخرين من اجل واسكاتهم. ( كروت شحن، ريسيفر، اجراء الاصلاحات في منازلهم.)

يلعن تلك الأيام التي أوقعته معهم وجعلته عبدا لهم

اوقاتا طويلة كانوا ينقلبون عليه من أجل زيادة الخدمات وتأخره عليهم حينها يسعون إليه ..يهبطون به.. يفرغوا كل مافي جيوبه ويرحلون.

يصاب بالضيق من كثرة هروبه والجلوس إلى إحدى المقاهي التي تسهر حتى الصباح أو النوم على احد المقاعد الإسمنتية على شاطئ البحر.

تعقدت حكايته حين صارت الأحكام وجوبية وضاقت الحلقة حوله.

وحشة الليل الطويل تطارده وكوابيس الحجرات المعتمة تتمكن منه بعد أن تركه الجميع وحده ،

يتخيلهم قادمون بعد ان ابلغهم احد مرشديهم الكثيرين ..يدفن راسه بين ركبتيه.. يغفو بعين نصف مفتوحة واذن تلتقط اية جلبة أو همسة بالخارج. ينصت لمواء القطط المنتشرة على درجات السلالم وهي تبحث عن شيء يسد جوعها وذكر يدعو أنثاه لممارسة لعبة الحياة.

يهب مذعورا متجها تجاه أحد المخارج التي حددها لوقت هروبه. يعود من جديد قابعا في أحد الأركان المظلمة.

طرقات كثيرة متواصلة على الباب واصواتا تدعوه باسمه.

واقفا أمام الباب في شرود.

 

15/3/2018