لا يخرج المرء من الدهشة: منذ الأسابيع القليلة التي مرت على انتخاب أبي أحمد رئيسًا لوزراء إثيوبيا، لقد تداعت تقريبا كل اليقينيات التي كانت تستند عليها السياسة الاِثيوبية. اعتذر رئيس الوزراء الجديد للشعب عن أخطاء الماضي، وأنهى حرب الحدود مع إريتريا من دون مقابل، وفصل القياديين الرئيسيين للنظام القديم. وقام في الوقت نفسه، برفع حالة الطوارئ وتحرير الاقتصاد - وكان كل هذا غير مُفَكر فيه حتى الآن في إثيوبيا. كانت السيطرة الحكومية والأمن الداخلي والولاء الجماعي لمقاتلي التحرير السابقين، هي العناصر الرئيسية المكونة للسياسة التي وفرت الاستقرار والانتعاش الاقتصادي لفترة طويلة، مع عدم الانتباه للتزايد المتسارع لعدد السكان من الشباب واهمال حاجاتهم.
عندما خلف أبي أحمد، رئيس الوزراء هيلا ميريام ديسالجين، لم يتم التخطيط لذلك كتغيير للنظام. كان أبي قد عمل في السابق في وحدة الاستخبارات بالمخابرات الوطنية وكان جنديا في الحرب التي خاضتها كلا من إثيوبيا وإريتريا في الفترة 1998-2000. ثم حقق سيرة ذاتية صاعدة في المنظمة الديمقراطية لشعب أوروميا. بعد انتصار حركات التحرر على النظام العسكري في عام 1991، كونت المنظمة الديمقراطية لشعب أوروميا مع ثلاثة أحزاب أخرى، الحكومة الائتلافية للجبهة الديمقراطية الشعبية الثورية الاِثيوبية. كانت الجبهة الشعبية الليبرالية التيغرانية، هي المسيطرة على الائتلاف حتي وفاة رئيس الوزراء ملس زيناوي في عام 2012. مع انتخاب عالم السياسة البالغ من العمر 41 عاماً، يأتي أورومو إلى السلطة للمرة الأولى. تتكون عائلته من مسلمين ومسيحيين أرثوذكس واِنجيليين وتيغراى وأمهرة وأورومو. تبعث هذه الخلفية الأمل، بأن لا يتابع أبي سياسة قومية عرقية.
بداية التغيير
احتج منذ نهاية عام 2015، عشرات الآلاف ضد مصادرة الأراضي من أجل توسيع العاصمة أديس أبابا. ادى قمع الاحتجاجات الى قتل أكثر من 700 شخص، كما تم القبض على 23000 آخر. حطمت حالة الطوارئ في ذلك الوقت العلاقة بين الحكومة والشعب. وأصبحت الحركة التي تسمى حركة شباب "أورومو" رمزًا للاحتجاجات. تم التحكم في بعض الإضرابات من قبل وسائل الإعلام الاجتماعية، بما في ذلك المدونون في الشتات. لم تجد الحكومة ردا كافيا وحاولت تهدئة النفوس عن طريق التشاور مع أحزاب معارضة مختارة. وعندما لم يكن لهذا أثر يذكر، واندلعت الاحتجاجات مرة أخرى، أمر رئيس الوزراء ديسالجين بالإفراج عن السجناء السياسيين. كما أعلن استقالته لخلق مساحات للتغيير حسب قوله .ومع ذلك، استمرت النزاعات العرقية، التي تركزت في الغالب حول الأرض. وقد تم تشريد أكثر من مليون شخص حتى الآن.
أن انتخاب أبي أحمد من قبل مجلس ائتلاف الحكومة، رئيسا للوزراء بـ 108 من أصل 180 صوتا كان مذهلا. منذ الإطاحة بالنظام العسكري لمنغستو هيلا ميريام في عام 1991، كان حزب تيغراى الذي يمثل 6 في المئة فقط من السكان، يسيطر على الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية للبلاد. على الرغم من أن الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي تتألف رسميًا من كل أحزاب الأقاليم الرئيسية الأربعة، إلا أن درجة أعلى من المشاركة من جانب الأحزاب السياسية الأخرى لم يكن من الممكن تصورها، حيث ميزت الجبهة الشعبية الليبرالية التيغرانية نفسها من خلال النضال من أجل التحرير عن طريق القوة العسكرية. ووقفت حتى وفاة رئيس الوزراء ملس زيناوي في عام 2012 مع قيادته الكاريزمية والتصميمية. لم ترسل جبهة تحرير تيغراى، من منطلق الشعور بالتفوق أي مرشح خاص بها إلى السباق، ولا يشكون أبدا بأن الرئيس السابق للبرلمان أبادولا جيميدا المفضل لهم، كان سوف يجلب إلى جانبه أورومو وغالبية الامهر والتيغراى.
تحولات سياسية
منذ أبريل ورئيس الوزراء أبي في جولة تعارف داخل البلاد. لقد اعترف في خطابه الافتتاحي بأخطاء الحكومة السابقة وقام بحملة من أجل الانفتاح السياسي والمصالحة مع إريتريا - المحرمات التي لم يتم انتهاكها حتى الآن. أبي، الذي يريد إشراك الشباب، يتحدث عن الحرية والحاجة إلى التحول السياسي. تم الإفراج عن جزء كبير من السجناء السياسيين، ودخلت المعارضة من الخارج البلاد للحوار، كما دُعيت جماعات المعارضة العنيفة مثل جينبوت 7، المدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية، للمشاركة في التشكيل السياسي لإثيوبيا. يعد أبي بصحافة حرة، ويفتح الطريق أمام الإنترنت ويرغب في فتح شبكة الهاتف النقال لموفري الخدمات الأجانب. وايضا، تغيير الدستور للحد من مدة ولاية رئيس الوزراء.
للمرة الأولى في تاريخ إثيوبيا الحديث، تتم محاولة التحول من الداخل. منذ الإطاحة بالإمبراطور هيلا سيلاسي في عام 1974، كان كل تغيير للحكومة يتم دمويًا. فأبي لا يضع الجبهة الديمقراطية الشعبية الثورية الاِثيوبية موضع تساؤل ولا يقطع علاقته جذريا مع أسلافه. ومع ذلك لا يستجيب الشعب الإثيوبي والطبقة السياسية، باستغراب يصعب تصديقه، لنشوة تفاؤل. خاصة في ضوء تاريخ الصراعات العنيفة، ينتشر الخوف على نطاق واسع من احتمال عودة البندول بعنف. وقع في لقاء جماهيري بتاريخ 23 حزيران / يونيه، هجوم على رئيس الوزراء في أديس أبابا: قتل شخصان وأصيب 150 بجروح. هذا يظهر، ليس الكل، إلى جانب التغيير السلمي. ولا يزال غير واضح من يقف وراء ذلك الهجوم. منذ وقت ليس ببعيد، عندما فاز تحالف معارض في انتخابات عام 2005 بأغلبية الاصوات في العاصمة، وحصد أيضاً عددا كبيرا من الاصوات في جميع أنحاء البلاد، رد الحزب الحاكم على نتائج الانتخابات غير المتوقعة بالقمع والتنكيل.
قام أبي في التعديل الوزاري في منتصف شهر مايو عام 2018 بعزل مسؤولين أقوياء وقدماء محاربين من الجبهة الديمقراطية الشعبية الثورية الاِثيوبية، مما أثار الكثير من الدهشة. تتكون غالبية مجلس الوزراء الآن من أورومو، ولم يتبق للجبهة الشعبية الليبرالية التيغرانية، صاحبة النفوذ الأكثر تأثيرا حتى الآن سوى وزيرين فقط.
بعد مرور ثلاثة أشهر على انتخابه، تم استبعاد الفاعلين أصحاب النفوذ حتى الآن " في الدولة العميقة" ــ من جهاز المخابرات والجيش والمجمعات الصناعية المرتبط بقوة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغري. ويمكن اعتبار ذلك إعادة هيكلة ضرورية وكخطوة جريئة من جانب رئيس الوزراء، الذي يريد كسب، على وجه الخصوص، الشباب والمتظاهرين وأعضاء المعارضة وأورومو لجانبه. وهذا أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لأبي، لكن من ناحية أخرى، يقف مع التغيير الموعود الذي دعا إليه عشرات الألوف من المتظاهرين في السنوات الأخيرة.
أن عدم إثارة أي مقاومة حتى الآن في صفوف السلطات الأمنية والجيش واللجنة المركزية، يشهد أخيراً وليس آخراً، على الايمان بالتسلسل الهرمي والولاء للدولة التي تميز إثيوبيا لقرون.
إذا كان الحرس القديم لا يريد أن يتم تهميشه، سيكون لديه ثلاث استراتيجيات:
1 ـ يمكن أن يصبح بطل صانع الإصلاح ويأمل في استعادة المناصب القيادية في انتخابات 2020.
2 ــ يمكنه أن ينسحب من نفسه ويجعلهم يحتفلون به كرائد في الإصلاح الديمقراطي.
3 ــ أو يعارض الحركة باتخاذ إجراءات قمعية - ومن المحتمل على الأرجح بالقوة، لاستعادة النظام القديم. سيكون من المرغوب فيه أن يتفوق الإصلاحيون. وبذلك يمكنهم استخدام خبرتهم الحكومية والبنية التحتية السياسية في الانتخابات المقبلة وتأمين بقائهم السياسي. ولكن من الممكن ايضا أن يحدث انفجار داخل الجبهة الديمقراطية الشعبية الثورية الاِثيوبية، إذا حاربت الاجنحة المختلفة بضراوة بعضها ضد البعض الآخر.
الخطوات القادمة
سوف تكون الأسابيع القادمة في أغسطس (آب) حتى انعقاد مؤتمر الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الاِثيوبي أمرا حاسما. لو نجح رئيس الوزراء أبي في توطيد سلطته بعيداً عن الصلات العرقية، والجمع والربط بين جماعات المعارضة في الداخل والخارج، يمكن ان ينجح في إثيوبيا، ما لم يحققه أي نظام من قبل خارج من حركة تحرر في المنطقة: بدء التحول وتغيير الأجيال في وقت واحد.
الخطوة التالية يمكن أن تكون حواراً وطنياً أو أقل طموحاً، التحضير لانتخابات مقبلة. سوف تلعب المعارضة دوراً هاماً في كلتا الحالتين. لقد تمت الخطوة الأولي، لإعادة قادة المعارضة الذين يعيشون في الخارج الى البلاد. يخطط لينكو ليتا عضو مؤسس لجبهة تحرير أورومو (مؤخراً، جبهة أورومو الديمقراطية) للعودة الى البلاد بعد أكثر من 20 سنة في المنفى. كثير من المعارضين لا يثقون في التحول المفاجئ ولا يزالون حذرين ويتبعون رد فعل مفهوم والمتمثل في توجيه النقد للجبهة الشعبية الليبرالية التيغرانية أولاً. حتى نشطاء المعارضة الذين دعوا إلى العنف والذين سجنوا أو أدينوا كإرهابيين، أطلق سراحهم في أعقاب عفو الأسابيع السابقة. يمكن لهم أن يمارسوا النشاط السياسي طالما ينبذون العنف.
السياسة الاقتصادية: «المزيد مما تحقق» ولكن بشكل أسرع
سكان إثيوبيا أكثر من 100 مليون نسمة، يعيشون أساسا في المنطقة الريفية ويديرون اقتصاد الكفاف. يركز أبي أحمد على إمكانية تغيير الشباب. التجديد الاقتصادي ليس من ابتكاراً من رئيس الوزراء الجديد. تحولت الدولة النامية تحت قيادة ملس زيناوي الى مزيج من الديمقراطية الثورية والاقتصاد المخطط؛ توسيع البنية التحتية والتحرير الاقتصادي، بدأ في عهد هيلا ميريام ديسالجين. يقف أبي في هذا الصدد مع الاستمرارية ولكن بقوة أعلى بكثير.
لا يعد تحرير الاقتصاد بأي حال من الأحوال مجرد قصة نجاح. لقد تم الهجوم على المجمعات الصناعية التي تنطوي تحتها الشركات الأجنبية، وكان الغضب قد هيمن خاصة ضد تأميم الأرض. فالبلديات المتأثرة ليس لها حق إبداء الرأي في المشاريع الاقتصادية الكبيرة أو توسيع المدن.
إن بناء سد النهضة لإمداد المنطقة خارج إثيوبيا بالكهرباء، وخط السكك الحديد من البحر الأحمر إلى المنطقة الاقتصادية القريبة من العاصمة، والتصنيع وتوطين شركات النسيج توفر جميعها معدل نمو اقتصادي بمعدل عشرة بالمئة. ولكن، ما إذا كانت قادرة على مواكبة التطورات الديمغرافية، ليست مؤكدة على الإطلاق.
يراهن أبي على خصخصة الخطوط الجوية الإثيوبية المربحة، فضلاً عن البنية التحتية والاتصالات وقطاع الطاقة. على الرغم من النجاح الاقتصادي، لا تتوفر العملات الأجنبية بشكل كافٍ. صنف صندوق النقد الدولي مخاطر أزمة الديون لعام 2018 عالياً. ويخشى الناقدون من أن الإفراط في التحرير والخصخصة لن يجلبا سوى مكاسب قصيرة الأجل ويمكن أن يتسببا في مشاكل الفساد على المدى الطويل.
العودة كسلطة تنظيمية
بالإضافة إلى الانفتاح على الداخل، فإن إعلان رئيس الوزراء بأنه سوف ينسحب من الأراضي المحتلة في إريتريا المجاورة، يمثل نقطة تحول أساسية لم يجرؤ عليها أي رئيس وزراء من قبله. قتلت الحرب بين إريتريا وإثيوبيا في الفترة 1998-2000 أكثر من 70000 جنديا من كلا الجانبين.
أن منطقة "بادم" الحدودية المتنازع عليها والمحتلة من القوات الاِثيوبية، اصبحت منذ معاهدة الجزائر عام 2000 وقرار التحكيم معترف بها كمنطقة إرتيرية. لم يرحب الجميع بالإعلان الرسمي للحكومة بالالتزام بتنفيذ اتفاقية الجزائر. لكن هذا التنفيذ سيجد اعترافا دولياً كبيراً. حقيقة أن وعد رئيس إريتريا بإرسال وفد للمشاورات إلى أديس أبابا في منتصف يونيو يمكن أن يقيم بالفعل على أنه نجاح كبير لسياسة رئيس الوزراء الجديد. بالإضافة إلى ذلك، يحاول أبي أحمد من خلال المشاورات الاقليمية والمفاوضات مع دول الخليج بناء إثيوبيا كسلطة تنظيمية إقليمية. إن مثل هذه السلطة التنظيمية ضرورية للغاية، فالوضع في المنطقة متوتر: مع الاشارة الى الصراع حول مياه النيل وعسكرة البحر الأحمر والصراعات الجارية في الصومال وجنوب السودان.
الخراب أو التحول
إذ يمكن أن يحقق رئيس الوزراء الشاب الديناميكي أبي أحمد نجاحا من خلال انقلاب كامل: خلق فرص عمل، وتحقيق الحرية المأمولة وكذلك تخفيف حدة التوتر الاقليمي، هذا ما يمكن مراقبته في الأشهر القادمة. أنها مهمة شاقة، توحيد بلدٍ منقسمٍ، وعدم أثارة الطبقة السياسية ضده.
يستطيع أبي أن يستبدل المفردات القديمة للديمقراطية الثورية من خلال سرد جديد للانتفاضة والمشاركة. ما إذا كان يمكنه ترجمة هذا الى ممارسة سياسية يعتمد على ثلاثة عوامل: استعداد الشعب لدعم التحول السياسي دون السقوط في مستنقع المصالح القومية العرقية الخاصة ؛ إرادة المعارضة السياسية للمشاركة البناءة في الفضاء السياسي من خلال الانتخابات، على سبيل المثال ؛ وأخيرا وليس آخرا، استعداد الطبقة السياسية لوضع مصالح ورفاه البلاد فوق السعي للحفاظ على السلطة الشخصية.
ــــــــــــ
1 – Annette Weber, Abiy Superstar – Reformer oder Revolutionär?
Hoffnung auf Transformation in Äthiopien, Stiftung Wissenschaft und Politik ( SWP) – Aktuell Nr. 32 Juni 2018
2 - Dr. Annette Weber, Senior Fellow in der Forschungsgruppe Naher / Mittlerer Osten und Afrika
2 ــ د. أنيتا فيبر باحث متميز (Senior Fellow ) في المجموعة البحثية للشرق الأدنى والأوسط وأفريقيا في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين .