تركز هذه الدراسة على موضوع الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي في أعمال كل من الأرجنتيني بورخيس والكولومبي ماركيث والمكسيكيين أوكتافيو باث وكارلوس فوينتاس. حيث تناول هؤلاء الكتاب الموضوع العربي في ثلاث قارات: أوروبا ممثلة في الأندلس، وأمريكا اللاتينية، وآسيا من خلال تناول الحضور الإسلامي في شبه القارة الهندية.

الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي

في الأدب الأمريكي اللاتيني المعاصر

عـمر العويني

 

1. الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي في الأندلس
1. 1. الفتح الإسلامي السريع للأندلس

إن تاريخ العالم القديم، على حد قول أوكتافيو باث، هو عبارة عن سلسلة من الاصطدامات المستمرة بين الثقافات والأديان والحضارات والفلسفات. الفرس والمصريون اصطدموا باليونانيين، عن طريق القتال حينا والحوار أحيانا. الصينيون استولوا على النصوص البوذية العظيمة للهند. شعوب البحر الأبيض المتوسط لم تكف عن التحرك عبر القفز «من الشرك إلى التوحيد المسيحي، والعبيد اعتمدوا الأبجدية السيريلية، وموجة الإسلام تغطي نصف العالم المعروف وتصل اسبانيا»[i].

استمر الوجود العربي في اسبانيا لمدة ثمانية قرون، وأثر بعمق في تاريخ وثقافة هذا البلد. كانت حملتهم العسكرية، التي تعد ما بين ثلاثين ألف وأربعين ألف رجل، على غاية من السرعة، بحيث لم يكن لها مثيل في الحملات الإسلامية السابقة[ii]. وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن المهمة العسكرية السهلة للمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية. عاملان اثنان يفسران هذه الحقيقة: عامل داخلي وآخر خارجي. يكمن العامل الأول في العقيدة الإسلامية التي كانت تحرك بقوة قوات طارق بن زياد. و يكمن الثاني في ضعف وتخلف حكام اسبانيا: القوط الغربيون.

عند حديثه عن التنوع العرقي لاسبانيا، خورخي لويس بورخيس يشدد على الطبيعة القاسية لهؤلاء القوط الغربيين: «اسبانيا الأيبيرية والسيلتية والقرطاجية والرومانية، اسبانيا القوط الغربيين القساة المنحدرين من سلالة اسكندنافية»[iii].

كارلوس فوينتاس يسلط الضوء على وحشية القوط، ويؤكد أن العرب جلبوا إليهم العلم والفن: «جلبوا إلى الهمجية القوطية العمارة والموسيقى والصناعة والفلسفة والطب والشعر»[iv]. القوط الغربيون الذين يسمون أنفسهم "أهل الغابات"[v] كانوا يحكمون باعتبارهم صفوة (مائتي قوطي) نحو ثمانية ملايين اسباني[vi] . كان المجتمع القوطي يتكون، حسب توماس ف. غليك، من طبقات عرقية، لذلك كانت سياستهم مفككة، واقتصادهم ريفي وغير متوازن، وكانت حياتهم الحضرية بدائية[vii].

 

امتد الوجود الإسلامي على الأرض الاسبانية من سنة 711 تاريخ سقوط مملكة القوط الغربيين، إلى سنة 1492، تاريخ سقوط غرناطة. يقسم المؤرخون وجودهم هذا إلى فترات تاريخية مختلفة: بدأ بالإمارة التابعة لدمشق (711-756) وانتهى بفترة بني نصر (1231-1492). غير أن الانتصار الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية كان نصرا ثقافيا أكثر منه عسكريا بحسب الفيلسوف الفرنسي رجاء غارودي[viii].

1. 2. التعايش والتسامح
نسمع أحيانا تكرار عبارة "اسبانيا مختلفة"، وخاصة في المجالات السياحية. وفقا للوثي لوبيث بارالت، لا يمكن فهم هذا التمايز إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار الانتماء الشرقي النسبي لهذه الأمة، صاحبة المصير التاريخي المختلف عن مصير أوروبا في القرون الوسطى. لذلك ترى بارالت أنه «من المستحيل تجاهل غزو المسلمين سنة 711 (ثمانية قرون من التعايش مع العرب)»[ix]. بالنسبة لأوكتافيو باث، فان العنصر العربي هو مكون ثقافي إضافي في الأرض الاسبانية المتميزة بتداخل الحضارات[x].

يؤكد باث حقيقة تاريخية أخرى مفادها أن فرض أي رؤية في العالم على شعب ما لا تنتج فنا ولا أدبا، حتى يتبنى ذلك الشعب تلك الرؤية. يرى في هذا السياق أنه «عندما يفرض محتل رؤيته للعالم على شعب ما، مثل الإسلام في اسبانيا، تظل الدولة الأجنبية وكل ثقافتها عناصر فوقية حتى يتبنى الشعب بحق ذلك المفهوم الديني أو السياسي»[xi]. ويضيف أن الدولة يمكنها أن تفرض ثقافة ما، لكنها لا يمكن أن تخلقها[xii].

على أساس هذا المبدأ، يتبين أنه ليس من الخطأ القول بأن الرؤية الإسلامية وقع فعلا تبنيها من قبل سكان الأندلس، فحدث ازدهار ثقافي رائع لا مثيل له في القارة الأوروبية. وهكذا طبعت الثقافة العربية الإسلامية تاريخ اسبانيا لمدة ثمانية قرون متتالية. لذلك غالبا ما يتحدث أوكتافيو باث عن «الإرث المزدوج المسيحي الإسلامي»[xiii] لهذا البلد، معتبرا أن العديد من عناصر التاريخ والثقافة الاسبانية يصعب فهمها إذا لم نأخذ بعين الاعتبار العنصر الشرقي: «اسبانيا غير مفهومة إذا تم حذف العنصرين الأساسيين المشكلين لها: العرب واليهود. بدونهما لا يمكننا فهم العديد من خصائصها التاريخية والثقافية، من غزو أمريكا إلى الشعر الصوفي»[xiv].

في الأندلس تعايشت الأديان التوحيدية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية. يشير كارلوس فوينتاس إلى العصر الذهبي للتعايش الديني، مؤكدا أن «اسبانيا هي اسبانيا الثقافات الثلاثة المسيحية والعربية واليهودية، التقت معا في قصر الفونس الحكيم […] اسبانيا هي الدرس العظيم لثقافة قوتها المحن»[xv]. يعتقد أن "أبناء الكتاب" يمكنهم أن يعيشوا في سلام، إذا ما حققوا التعايش فيما بينهم والاحترام المتبادل[xvi].

في مناسبة أخرى، يسمي كارلوس فوينتاس كل من المسلمين والمسيحيين واليهود "بالشعوب الثلاثة للكتاب"، ويشير إلى تعايش البعض في أرض الآخر، مثلما هو الحال بالنسبة إلى المستعربين والمدجنين، وقد أعلن القديس فيرناندو ملك قشتالة نفسه ملك الأديان الثلاثة[xvii]. بالنسبة لكارلوس فوينتاس، يمثل الله قوة وصل وجمع للبشرية، انه «مجموع رغباتنا […] علامة لقاء أخوة المعارف والمتعة وراحة العقل والجسم»[xviii].

حسب فوينتاس، تنوع اسبانيا هو تنوع عرقي وثقافي. أحد شخصيات روايته "أرضنا" يؤكد أنه كانت تعيش هناك مجتمعة «كل الأجناس: أنظر إلى عيني السوداء أيها الشيخ، وشعري الأشقر. أنا مالك لكل الدماء»[xix]. لذلك يرفض كل محاولة للتمييز بين هذه العرقيات ويتساءل: «كيف أقوم بتغيير دم جسدي المختلط؟ والدم النجس للعربي واليهودي»[xx].

في الحقيقة، إن أكثر ما يميز التراث الاسباني الإسلامي للأندلس، بعيدا عن الأعمال المعمارية والعلمية والثقافية الرائعة، هو روح التسامح. يظهر هذا التسامح في الاحترام الذي كان المسلمون يعاملون به، منذ الأيام الأولى لفتح اسبانيا، المسيحيين واليهود الذين يسميهم القرآن "أهل الكتاب" لأن الجميع ينحدر من إبراهيم[xxi].

المسيحيون الذين يعيشون في الأراضي الإسلامية وتحت حماية المسلمين يسمون المستعربين. كان هؤلاء المسيحيون يمارسون دينهم دون أي اضطهاد، كما كانوا يحتفظون بكنائسهم وقوانينهم الخاصة. كانوا يتمركزون بصفة خاصة في مدن قرطبة، وماردة، واشبيليا، وطليلطلة، وسرقسطة، حيث كانوا يمثلون طبقة النبلاء ورجال الدين والطبقات الوسطى المستنيرة. كانوا يحظون باحترام المسلمين، وتمكنوا من الصعود إلى مناصب مهمة في الإدارة والدبلوماسية والجيش[xxii]. يذكر المؤرخون العرب مثال أسقف ألفيرا (غرناطة)، ريثيموندو (ربيعة بن زيد) الذي كان سفير عبد الرحمان الثالث، وكلفه الحكم الثاني بكتابة تقويم قرطبة الشهير لسنة 36-361[xxiii].

بالنسبة لايميليو غارثيا غوميث فقد «خلق التعايش بين كل الأجناس والأديان جوا أخلاقيا رائعا» مماثلا لجو بغداد في "ألف ليلة وليلة"[xxiv]. كان نتيجة هذا التعايش، حسب كارلوس فوينتاس، أن ساد السلام والوئام بين مختلف مكونات المجتمع الأندلسي، والذي ظهر جليا في مدينة اشبيليا: «مدن السلام والتأمل الأعلى. اشبيليا التوازن العربي واليهودي والمسيحي»[xxv]

لكن بورخيس في قصته "البحث عن ابن رشد" يحدث إزعاجا في جو التعايش هذا، عندما يشير إلى سوء معاملة العبيد

الأسبان من قبل العبيد العرب في حريم ابن رشد[xxvi]. إلا أنه لم يحمل المسؤولية لابن رشد، بل للعبيد، بقوله أن هذا الأخير «لم يعلم بالأمر إلا في المساء»[xxvii].

1. 3. نهاية الأندلس وتمزيق اسبانيا
تناول خورخي لويس بورخيس تراجع قوة المسلمين في الأندلس في قصته "البحث عن ابن رشد". يعود انحطاط المسلمين، حسب رأيه، إلى الصراعات والفتن التي ميزت علاقات مختلف مجموعات الأندلس (الطوائف)،على اثر تفكك الخلافة في قرطبة. يستعيد هذا الأمر من خلال وصف مشهد الأطفال الثلاثة الذين كانوا يلعبون نصف عراة في الساحة. يقول أن أحدهم كان يقوم بدور المؤذن وهو منتصب فوق كتفي طفل آخر يقوم مقام المئذنة. أما الثالث فقد كان يقوم بدور جماعة المؤمنين راكعا في التراب. ثم يعلق بورخيس بقوله: «الجميع يريد أن يكون المؤذن، لا أحد يريد أن يكون جماعة المؤمنين أو المئذنة. سمعهم ابن رشد وهم يتخاصمون في لهجة مبتذلة»[xxviii].

لاشك أن هذا المشهد، رغم قصره، يصف الصراع على السلطة، وتضارب المصالح الفردية في قرطبة بين مختلف المجموعات الأندلسية. في قصيدته "قصر الحمراء" يثير بورخيس موضوع سقوط غرناطة، مشيرا بالخصوص إلى آلام ملكها الأخير أبو عبديل أثناء زوال مملكته، والانتصار الحتمي للمسيحية[xxix].

ولكن أهم المشهد أثاره بورخيس للإعلان عن نهاية الوجود الإسلامي في الأندلس، هو الاختفاء المفاجئ لابن رشد من قرطبة: «أعلم أنه اختفى فجأة، كما لو أن نارا دون نور صعقته، وأنها اختفت البيت، والنفورة غير المرئية، والكتب، والمخطوطات، والحمائم، والعديد من الإماء ذووا الشعر الأسود، والأمة المرتجفة ذات الشعر الأحمر ، وفرج، وأبو القاسم، والورود، وربما الوادي الكبير »[xxx].

يريد أن يقول بورخيس من خلال هذه الإشارة أن ضعف المسلمين في الأندلس بدأ فعلا بنفي ابن رشد، هذه الشخصية الفكرية الفذة في القرون الوسطى. لأنه بغياب الأفكار التنويرية للفلاسفة لا يسود إلا الطغاة، ولا يكون الانتصار إلا لقوانين الجشع. بدون علم الحكماء لا تزهر غير الهمجية، وتموت الورود. لكن كارلوس فوينتاس يقرر رأيا آخر: «مات ابن رشد الهرم، ولكن علمه لا يموت»[xxxi].

حسب أوكتافيو باث، فان واحدة من السمات المميزة للثقافة الاسبانية تكمن في طرد اليهود (1492)، وطرد المورسكيين (1609)[xxxii]. يرى كارلوس فوينتاس أن هذه الحلقة المأساوية من تاريخ اسبانيا هي نتيجة لرؤية اقصائية غير قادرة على تحمل تمازج الأجناس على الأرض «السلتية ايبيرية واليونانية والرومانية والقوطية واليهودية والعربية»[xxxiii]، رؤية بصدد الانتشار التدريجي «أمام عالم يرفض قبول الآخر»[xxxiv].

تناول كارلوس فوينتاس موضوع طرد اليهود والعرب من اسبانيا في روايته المتميزة "أرضنا" التي كان بطلها الرئيسي العاهل الاسباني فيليب الثاني. شخصية فيليبي الثاني الروائية ترمز في الحقيقة إلى سلالة هابزبورغوس والى العالم القديم[xxxv].

تحت لافتة "نقاء الدم" في اسبانيا، يهدد الدون فيليب اليهود والعرب بالطرد: «سيتم طردكم أيها اليهود وملاحقتكم أيها العرب. لن يكون لكم مكانا في مملكة نقاء الدم، مملكة المسيحيين القدامى، نظيفي الدم»[xxxvi].

يتفق كارلوس فوينتاس مع أميركو كاسترو[xxxvii] في اعتبار طرد اليهود والموريسكيين هو المسئول عن «تفتيت الثقافة الاسبانية الذي تسبب في تراجع القوة الاسبانية في العالم»[xxxviii]. بدأت اسبانيا بالانهيار عندما ساد فيها قانون التعصب الديني والتمييز العرقي والعنصري، وهو السبب الرئيسي في تمزيقها. يقول فوينتاس بصراحة على لسان لودوفيكو، أحد شخصياته الروائية واصفا حالة اسبانيا آنذاك: «أنظر كيف تغلق أبوابها وتطرد اليهودي وتضطهد العربي وتختفي في ضريح، ومن هناك تحكم بأسماء الموت: نقاوة الإيمان، وطهارة الدم، ورعب الجسم، وحظر الفكر […] بتمزيق وحدتها، ستمزق اسبانيا نفسها وكل ما يعترض طريقها»[xxxix].

إن وحدة اسبانيا بعد طرد العناصر السامية، حسب أوكتافيو باث، أصبحت وحدة غير مستقرة، لأنها قائمة على أساس سياسي لا أساس وطني. في الواقع بينما اختارت انجلترا الإصلاح، قامت اسبانيا بدور البطولة في معارضة الإصلاح، «وعندما هزمت آخر مقاومة إسلامية، حققت اسبانيا وحدتها السياسية لا الوطنية غير المستقرة من خلال التحالفات الأسرية. وفي ذات الوقت ألغى النظام الملكي الحكم الذاتي الإقليمي، والحريات البلدية، ليسد الطريق أمام تطور محتمل نحو ديمقراطية حديثة لاحقة»[xl].

اسبانيا هذه المنغلقة على نفسها، والمبتورة من ثلثي مكوناتها، والفاقدة للحريات الإقليمية والبلدية، افتتحت «بالدغمائية العمياء للملوك الكاثوليك ايزابيل وفرناندو»[xli]. كان الشغل الرئيسي لملوك اسبانيا اللاحقين هو الحفاظ على "نقاوة الإيمان" و"نظافة الدم". أدى هذا الأمر إلى هجرة سكانية كبيرة، لأن اسبانيا بطردها لسكانها سنة 1492 وسنة 1609 قامت «بنفي نصف ذاتها»[xlii].

في رواية "أرضنا" كانت المهمة السياسية للملك واضحة: «تطهير اسبانيا من كل آفة كافرة واستئصالها وبتر أعضائها، ونبقى وحيدين مع عظامنا، معذبون، ولكن أنقياء»[xliii]. إن طرد العنصر السامي من اسبانيا حرمها من عناصرها الأكثر مهارة ونشاطا في مجال الزراعة، والحرف، والصناعة، والتجارة، وسبب لها التراجع الاقتصادي[xliv]. في الرواية المذكورة قام الملك فيليب ببناء قلعته الاسكوريال على حساب تدمير الموريسكيين واضطهاد اليهود. تتمثل "مزايا" هذا الملك، حسب كارلوس فوينتاس، في «ضم الممالك المتفرقة وسحق تمرد الهرطقة [...] واعتقال العربي واضطهاد العبري وبناء هذه القلعة التي تجمع رموز الإيمان والسيطرة»[xlv]. مهمة فيليب الثاني التاريخية هي سياسية ودينية في نفس الوقت. سوف يحكم اسبانيا التي ستصبح روما الثالثة بعد أن أسقط المسلمون القسطنطينية[xlvi].

يرى أوكتافيو باث في هذا الملك مزيج من الإمبراطور الروماني تيودوسيو الأول وعبد الرحمان الثالث. لكن باث يأسف لانتصار طائفية الأول فيه وليس روح تسامح الثاني[xlvii].

يتناول كارلوس فوينتاس موضوع استغلال المدجنين والمسيحيين الجدد. فيعترف أن المتحولين «نموا ثروة اسبانيا بعملهم»[xlviii]، وأن آباءه الراسبان قاموا باستغلال شديد للأمراء المسلمين بسبب ضعفهم[xlix]. كما يعترف أن «الاسباني يحكم والعربي واليهودي يعملان، لأن العمل بالساعد ليس شأن القشتاليين»[l]. احتقار العمل هذا لدى الأسبان أثاره بورخيس أيضا في قصيدته "حول الأندلس المتنوعة" واختصره بهذه الصيغة: «العادة الجميلة للامتناع عن فعل أي شيء»[li] لدى الاسباني.

لذلك يطمح كارلوس فوينتاس، من خلال أحد شخصياته الروائية، إلى بعث اسبانيا أخرى تسود فيها قيمة العمل في مقابل النزعة المنتشرة إلى الكسل [lii]. لكن ضغط حرب الاسترداد جعل الملوك الأسبان يميلون نحو الأعمال البحرية والاكتشافات، وليس نحو العمل في الأرض وتشجيع الصناعة والتجارة. الملك فيليب يعد زوجته قائلا: «ما أن يسود السلام في المملكة ويسحق تمرد الأقاليم، ستوجه كل الثروات التي أفتكت من المتمردين واليهود المطرودين والعرب المهزومين إلى أعمال الملاحة البحرية والاكتشافات»[liii].

كارلوس فوينتاس يسلط الضوء على الدور المروع الذي لعبته محاكم التفتيش في تعذيب اليهود والموريسكيين. كلمات قليلة لأحد الموريسكيين الذي نفي إلى تونس في القرن السابع عشر تلخص سوء المعاملة التي تلقاها مسلمو اسبانيا المتأخرين: «حملنا إلى محاكم التفتيش حيث حرمنا من الحياة وعقاراتنا وأبنائنا، فقط لإتباعنا الحق»[liv].

يطرح كارلوس فوينتاس العديد من الأسئلة الاستنكارية للتدليل على السلطة المطلقة لمحاكم التفتيش ومجال أحكامها غير القابلة للاستئناف: «من سيبقى في مأمن من الصلاحيات الجديدة لمحاكم التفتيش؟ [...] ماذا يمكنكم فعله لحماية أنفسكم من التعذيب والسجن والموت وفقدان حياتكم وعائلاتكم وممتلكاتكم؟»[lv].

لا أحد في مأمن من محاكم التفتيش، وفي مرسوم السيد فيليب «الجميع مدانون حتى يثبتوا براءتهم»[lvi]. لذلك كان المحققون يلاحقون الجميع بلا هوادة : «اليهود والمتحولين والمسلمين واللوطيين والجنس النجس وعديمي الإيمان والبدعة»[lvii].

يسرد فوينتاس أشكال التعذيب المختلفة التي كان ينالها ضحايا محاكم التفتيش، مثل الحصان الخشبي، ونبوت الشنق، والنصبة (عمود من حجر تعرض عليه رؤوس الذين نفذ فيهم حكم الإعدام)[lviii]. حركت هذه العقوبات قلب زوجة الملك الذي لا يزال لينا، الشيء الذي جعلها تعتبرها إساءة لا تطاق[lix].

في كتابه "شموس المكسيك الخمسة"، وفي مقاله "الغزو الاسباني. الضفتين" يعكس كارلوس فوينتاس تاريخ غزو اسبانيا لأمريكا اللاتينية. يتخيل أن أمريكا اللاتينية تغزو اسبانيا. كانت العمليتان متطابقتان إلى درجة أن الكاتب المكسيكي يستخدم فقرة واحدة للحديث عن الحدثين، مغيرا فقط أسماء المدن والأشخاص. يقول في هذا السياق على لسان أحد شخصياته الروائية، متحدثا عن الغزو الأسباني لأمريكا: «أنا رأيت كل هذا. سقوط مدينة استيكا الكبيرة وسط أصوات الطبول وتصادم الصلب مع الصوان ونار المدافع القشتالية. رأيت الماء المحترق للبحيرة التي أقيمت فوقها تينوتشيتلان الأكبر من قرطبة مرتين»[lx].

لنرى الآن ما يقوله عن غزو هنود أمريكا لاسبانيا، أو الصورة المعكوسة لهذا الحدث التاريخي: «أنا رأيت كل هذا. سقوط المدينة الأندلسية الكبيرة وسط أصوات الطبول وتصادم الصلب مع الصوان ونار قاذفة اللهب المايا. رأيت الماء المحترق للوادي الكبير وحرق برج الذهب»[lxi].

لكن التشابه بين الغزوتين لا يتعدى الطبيعة الإستراتيجية والعسكرية. بعد يوم من سقوط الأستيك، بدأ الأسبان ببناء الكنائس «بحجارة المعابد الهندية»[lxii]. في المقابل، عند غزو اسبانيا، بدأ الهنود ببناء «هيكل الأديان الأربعة منقوش عليه اسم المسيح ومحمد وإبراهيم وكيتزالكواتيل[lxiii] »[lxiv].

إذا كان الأسبان نفذوا في أمريكا سياسة الفصل، فان شعب المايا فرضوا سياسة الوصل، كما لو أنهم يريدون إحياء بريق الأندلس. يعترف خرونمو أغيلار، الشخصية التي تروي القصة، أن شعب المايا ارتكب بعض الجرائم ضد محاكم التفتيش، وأن المحققين نالوا "حساء من نفس شكلاطتهم"، فتم حرقهم مع ملفاتهم وقوانين المسيحيين القدامى و نقاء الدم[lxv].

بإلغاء مراسيم طرد اليهود والموريسكيين عاد جميع المنفيين إلى وطنهم. عاد اليهود ومعهم «المفاتيح الجامدة لمنازلهم في طوليدو واشبيليا»[lxvi]. أما العنصر العربي فقد «ملأ الجو بغناء عميق جدا أحيانا، مثل الأنين الجنسي، وأحيانا مرتفع جدا، مثل صوت عبادة المؤذن المحددة الموعد»[lxvii]. نتيجة لغزو الهنود، استعادت اسبانيا جو التسامح والتعايش وتعدد الثقافات الالبديع، وأحبطت خطة التنقية المميتة للملوك الكاثوليك[lxviii].

2. الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي في أمريكا اللاتينية
2. 1. حضور غير مباشر من خلال اسبانيا
2. 1. 1. حضور في غزو العالم الجديد

اهتم أوكتافيو باث بالغزو الاسباني لأمريكا اللاتينية، فوصف ظروفه وأسبابه والمعاملة التي نالها الهنود من الأسبان، وكذلك إطاره الزماني والنفسي: «انتهت حرب استرجاع اسبانيا عندما بدأت المغامرة الأمريكية الكبرى. وهكذا يمكن أن ينظر إلى هذه الأخيرة على أنها مواصلة للأولى ليس فقط زمنيا بل ونفسانيا كذلك»[lxix].

يرى أوكتافيو باث إن تنفيذ أسلوب حرب الاسترجاع الاسبانية في أمريكا اللاتينية ساهم في نقل المثل الاسبانية إلى هذه القارة. إنها مثل يغذيها مفهوم الحرب الصليبية والحرب المقدسة التي وضعها الأسبان خلال علاقتهم بالمسلمين بعد عدة قرون من الصراع. هي مفاهيم مسيحية، ولكنها، حسب أوكتافيو باث، في العمق إسلامية[lxx].

يعتبر الكاتب المكسيكي باث أن مفهوم الحرب الصليبية والحرب المقدسة موجودان بأكثر كثافة وحدة عند الأسبان منه عند الشعوب الأخرى، وذلك بسبب توارثها من الإسلام[lxxi]. كما كان التصرف الاسباني، سواء في شبه الجزيرة الأيبيرية أو في أمريكا اللاتينية، محكوما بفكرة أن للشعب الاسباني مهمة نبيلة وعالمية تتمثل في الدفاع عن الدين المسيحي ونشره. هذه الفكرة، حسب أوكتافيو باث، هي من «بقايا العصور الوسطى العربية»[lxxii].

بالإضافة إلى مفاهيم الحرب الصليبية، والحرب المقدسة، والمهمة العالمية للشعب الاسباني الموروثة جميعها من الإسلام، أو التي يشترك فيها الإسلام مع المسيحية، يثير أوكتافيو باث عملية تبشير الهنود التي هي بدرها لا تخلو من تأثير الإسلام الذي «استعان منذ ولادته بالتحويل (عن الدين) عن طريق السلاح والسيطرة»[lxxiii].

في غزو أمريكا وتبشير الهنود «لم يكن المزاج الإسلامي أقل حسما من الإيمان الكاثوليكي»[lxxiv]، لأن الإمبراطوريتين الوليدتين، اسبانيا والبرتغال «نشأتا في القرن السادس عشر مشبعتين بالإسلام»[lxxv]. يؤكد أوكتافيو باث أن سياسة اسبانيا في أمريكا اللاتينية كانت الاستنساخ الحقيقي لسياسة المسلمين في اسبانيا، والهند، وآسيا الكبرى، وشمال إفريقيا. يقوم مبدأ هذه السياسة على التحويل (عن الدين) بالتي هي أحسن أو بالقوة[lxxvi]. يقول أوكتافيو باث أنه «بالرغم من غرابة الأمر، فان التبشير في أمريكا كان عملا مستوح من الأسلوب المحمدي. فالغضب التدميري لدى الأسبان يصدر من نفس المصدر اللاهوتي للمسلمين»[lxxvii]. وهكذا فان كل من الأسبان والبرتغاليين تصرفوا في عملهم العسكري والديني كتلاميذ أوفياء للمسلمين، محاولين تغيير الآخر وتحويله، دون احترام هويته وجوهره[lxxviii].

يرى أوكتافيو باث أن المسلمين والأيبيريين في علاقتهم بالآخر لجئوا إلى تحويله (عن دينه). في المقابل استخدم الأوروبيون الإبادة، فقاموا، على سبيل المثال، بإفناء السكان الأصليين للولايات المتحدة وأستراليا[lxxix]. لهذا يرى أن مذبحة الهنود في الأرجنتين والأوروغواي والشيلي من قبل الأسبان كانت «نتيجة التقليد المتعمد وغير العقلاني للأساليب الأنجلو أمريكية»[lxxx]. كما يرى أن "النهب والتعطش للذهب" لدي الغزاة الأسبان هو تطبيق لعادة المحاربين المسلمين في القرون الوسطى والمتأصلة بصفة عامة في طبيعة الناس العنيفة[lxxxi].

إن الاندهاش المتبادل هو الذي ميز الاتصال الأول بين الغزاة الأسبان والهنود. حاول الأسبان تفسير الواقع الهندي الجديد بالاستناد إلى أنماط الحضارة التي واجهوها قبل المجيء إلى أمريكا اللاتينية: «عند رؤية الغزاة تساءل الهنود: منهم؟ ومن أين أتوا؟ […]. في المقابل حاول الغازي على الفور إدراج الاستغراب الهندي في صنف تاريخي معروف: تذكرهم مدنهم بالقسطنطينية ومعابدهم بالمساجد»[lxxxii].

بما أن "الآخر" عند الأسبان في العصور الوسطى هو المسلم، كانت ردة فعل كورتاس[lxxxiii]، على سبيل المثال، «عند رؤية معابد الهنود مقارنتها بمساجد المسلمين»[lxxxiv]. إن ارتباك كورتاس وجنوده هذا يعود إلى تعريف الكثيرين لكل ما هو هندي بالشرقي، نظرا للتصادم الذي حصل بين الشرق والغرب خلال حرب الاسترجاع.

يقارن أوكتافيو باث بين موقف الأسبان في أمريكا اللاتينية والاحتلال البريطاني والهولندي والفرنسي. يقول أن فكرة "الرسالة" لدى الأسبان هي نتيجة لعلاقاتهم القديمة مع المسلمين، وهو ما يفسر غيابها لدى بقية الأمم الأوروبية الأخرى[lxxxv]. لهذا السبب فان الفلسفة السياسية والدينية لدى الأسبان والبرتغاليين تقوم على تنصير المنهزمين. في مقابل ذلك، فان «مفهوم التبشير يحتل مركزا ثانويا أثناء التوسع الاستعماري الانجليزي»[lxxxvi].

نلاحظ أن أوكتافيو باث عند تناوله لموضوع الحضور الإسلامي في غزو الأسبان لأمريكا اللاتينية لم يشر تقريبا إلا إلى الجوانب السلبية، مثل تحويل السكان الأصليين عن دينهم والنهب والتدمير... إن عنف الأسبان والبرتغاليين في تلك القارة والفظائع التي ارتكبوها ضد الهنود هو، حسب رأيه، استمرار لما تعلموه على أرضهم في مواجهة المسلمين. يبدو أن باث يتجاهل الوجه الآخر لهذا الاتصال والمتمثل في تعايش الأديان الثلاثة وروح التسامح التي سادت في الأندلس.

من ناحية أخرى، وإذا قبلنا بأطروحة أوكتافيو باث القائلة بأن عنف الغزاة الأسبان في أمريكا اللاتينية هو ارث إسلامي، يحق لنا أن نتساءل لماذا لم يرث الأسبان أيضا معنى التسامح والتعايش المتجذر في الثقافة الإسلامية؟ يقودنا هذا الأمر إلى البحث عن جذور عنف الغزاة الأسبان في القارة الأمريكية نفسها وليس في خارجها.

حسب كارلوس فوينتاس، العالم الجديد «يجب أن يكون موجودا، لأن الخاسرون يريدونه كذلك للفرار إليه، والمنتصرون ليوجهوا كل طاقاتهم والغضب الذي ظهر منذ منتصف الصيف إلى أراض بكر، كل ذلك باسم وحدة اسبانيا، علامة السلطة الموحدة والرسالة التبشيرية»[lxxxvii]. تقدم أمريكا اللاتينية للأسبان العوام إمكانية الثراء، ولكن أيضا "الازدهار" والارتقاء في السلم الاجتماعي. أمريكا هي أفق جديد للبائسين: «سترون كيف سيصبح كل الأسبان عند خروجهم من أرضهم أمراء وأصحاب عز، وفي العالم الجديد يمكن أن يبلغ مربي الخنازير والحداد والمزارع ما لم يبلغه الأسبان في اسبانيا. كنوز العالم الجديد تدعو المنتصرين والخاسرين على حد السواء»[lxxxviii].

في أمريكا حاول الغزاة الحصول بالقوة وبكل التكاليف على الامتيازات المادية والاجتماعية التي لم تكن عندهم في اسبانيا. لذلك في مغامرتهم الحربية، تفوقت لديهم الرغبة في الحصول على الذهب على قيم التسامح والتعايش المتعالية.

من ناحية أخرى، وفي علاقة بغزو أمريكا، يشار إلى المساهمة العربية الإسلامية العلمية الهامة للغاية. لا يمكن فهم ظاهرة اكتشاف هذه القارة بمعزل عن هذه المساهمات، وخاصة في علم الفلك والملاحة التي تم جمعها في "كتب علم الفلك" لألفونس الحكيم (1276)، الذي استعمله كريستوف كولومبو[lxxxix]. كما أن اكتشاف أمريكا اللاتينية تحقق بفضل تطبيق النظرية الإسلامية لكروية الأرض، التي مكنت من الوصول إلى آسيا عبر البحر الأوروبي الغربي (المحيط الأطلسي)[xc]. يتحدث العديد من المؤرخين عن مشاركة عربية مباشرة في عملية الاكتشاف، لأن بعض الرجال الذين صاحبوا كولومبو كانوا من أصل عربي، مثل آلفرو، وميثكيتا (مسجد)، والموناسيد، وآلفاريس، وألساغا، وغيرهم. وكذلك كان مترجم كولومبوس عربي، وكذلك قائد سفينة القديس أنطونيو في حملة ايرناندو ماغاياناس[xci].

بالإضافة إلى ذلك يتحدث البعض الآخر عن وصول المسلمين إلى أمريكا قبل كريستوف كولومبو. فعلى سبيل المثال، يقدم سانتشيث رومايو في كتابه القيم "هجرة الأندلسيين الأسبان المغاربة إلى أمريكا ما قبل كولومبو" العديد من الحجج التي تدعم هذه الفرضية. يؤكد أنه كانت هناك حركات هجرة للبربر الأسبان المغاربة نحو جزر البحر الكاريبي قبل أن يمروا إلى القارة الأمريكية. من الآثار التي تركوها وراءهم مشهدا في معبد المايا في شبه جزيرة يوكاتان، معروف باسم "معبد النمور"، يصف معركة دينية. يظهر في هذا المشهد، إلى جانب أشخاص آخرين من أعراق مختلفة، مفتي يرتدي عمامة يقوم بتعليم الإسلام، وبعض المحاربون المسلمون يحملون دروعا بها الهلال، ومحاربون آخرون غير مسلمين لا تحمل دروعهم الهلال[xcii].

يشير سانتشيث رومايو إلى مشهد أخر تابع لإمبراطورية الانكا مرسوم على كأس بركاب، وموجود في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك، والذي يصور الختان الإسلامي في سن البلوغ وليس في الطفولة[xciii]. يذكر أيضا مثال كأسا آخر من الصخور البركانية، والموجود في المتحف الوطني المكسيكي «المكتوب في أسفله مرتين بالخط الكوفي كلمة "الله"»[xciv].

كما يؤكد سانتشيث رومايو أن آثار البربر الأسبان المغاربة موجودة في كثير من أسماء الأماكن "بالشلحة" وبالعربية في مختلف أنحاء القارة الأمريكية. وهذه بعض تلك الأسماء: ناسكا (واس ساكه)، وتعني الناس الساكنة أو المستقرة; البرازيل (برسالة)، وتعني "بالشلحة" أراضي وفيرة وغير مزروعة; باتاغونيا (بيت غونيا) وتعني بيت الناس; بوليفيا (بوليبيا) وتعني بطريرك ليبيا; غوايانا الفرنسية (خويا آنا) وتعني أخي آنا، وهو جبل في بلدة مغربية; باناما (بني ما) وتعني أبناء الأم; ديلاوير (دا لاوار) وتعني هنا الأعور; أوكلاهوما (كولا هوما) وتعني هم كلهم موجودون[xcv].

علاوة على ذلك، ووفقا لبعض المؤرخين العرب، مثل المسعودي في كتابه "مروج الذهب" (سنة 938)، عرف المسلمون القارة الأمريكية قبل القرن الخامس عشر، أي قبل كولومبو، وذلك لمعرفتهم الجيدة بالملاحة والبحار. يروي المسعودي قصة خشخاش بن سعيد بن الأسود، شاب قرطبي عبر المحيط الأطلسي مع مجموعة من الرجال وعاد سنة 889 بغنائم مذهلة[xcvi].

المؤرخ العربي الكبير الإدريسي (القرن الثاني عشر) يروي قصة أخرى تثبت وصول المسلمون إلى القارة الأمريكية قبل كولومبو. مجموعة من ثمانية رجال أبحرت من لشبونة في بحر الظلمات (المحيط الأطلسي). بعد أشهر وصلت إلى جزيرة حيث تم القبض عليهم لمدة أربعة أيام، ثم حملوا إلى الملك الذي تحث إليهم من خلال مترجم للغة العربية. بعد ذلك أعيدوا إلى اليابسة في زورق مقيدي الأيادي ومعصوبي الأعين بعد ثلاثة أيام من الإبحار. بفضل قبيلة أخرى تمكنوا من التحرر والعودة من حيث جاؤوا[xcvii].

2. 1. 2. حضور في السلطة السياسية: أمراء الحرب
حسب أوكتافيو باث، الكائن المكسيكي هو نتاج تقاطعات تاريخية من أمريكا ومن خارج القارة الأمريكية. انه كائن تعايشي ومتعدد الثقافات: «في عمق النفسية المكسيكية توجد حقائق مغلفة بالتاريخ وبالحياة المعاصرة. حقائق مخفية ولكنها حاضرة […] من الأكيد أن فيها عناصر من فترة ما قبل كولومبو وبقايا معتقدات اسبانية ومتوسطية وإسلامية»[xcviii].

العنصر السامي الموجود في اسبانيا في القرون الوسطى هو واحد من مكونات الهوية المكسيكية غير المرئية الذي ساهم في تشكيل وعيها: «إن وجود الإسلام واليهودية في اسبانيا في العصور الوسطي يمكن أن يعطي فكرة عن المحاور الهندي في وعي المكسيكيين. محاور لا يقف أمامنا، بل في داخلنا»[xcix]. يظهر العنصر السامي هذا الكامن في الكائن المكسيكي في "صورة السلطة السياسية"[c]. يشير أوكتافيو باث إلى مشكلة أمراء الحرب[ci] التي ولدت ما يسميه "احترام السيد الرئيس". أصل هذه الفكرة، حسب رأيه، هو شخصية الأب التقليدي، لأن للأسرة في المكسيك وفي أمريكا اللاتينية وزن كبير. لكن لصورة الأب وجهان مختلفان: واحد ايجابي، وهو وجه البطريرك، والآخر سلبي، وهو وجه الذكر. البطريرك «يحمي، وطيب، وقوي، وحكيم»[cii]، بينما الذكر هو «الرجل الرهيب، والخبيث، والأب الذي يرحل، والذي يهجر زوجته وأبنائه»[ciii]. يضيف باث أن السلطة المكسيكية مستوحاة من «هذين الطرفين: السيد الرئيس والزعيم»[civ]. وفي ذات الوقت هو مقتنع أن صورة الزعيم ليست فقط نتاجا للواقع المكسيكي ، بل اسبانية وأمريكية و «ربما من أصل عربي»[cv] أيضا.

يرى أوكتافيو باث أن الجذور الإسلامية لأمراء الحرب تعود إلى أن أشكال الحكم في العالم الإسلامي لا تقوم على نظم شرعية، بل على شخص الزعيم: «تميز العالم الإسلامي بعدم قدرته على إنشاء أنظمة حكم مستقرة، أي لم يؤسسوا شرعية خارج الشخص. كان العلاج ضد عدم الاستقرار هو الرؤساء والزعماء»[cvi].

الحضور الإسلامي، حسب باث، واضح أيضا في عملية استقلال أمريكا اللاتينية. إن جذور التسلط العسكري الذي نشأ مع استقلال هذه القارة «غارقة في الماضي الاسباني العربي»[cvii]. من ناحية أخرى، وعلى شاكلة ممالك طوائف الأندلس، أعلن عديد القادة الثوريون أنفسهم حكاما رسميين للمناطق المتمردة[cviii].

يعتقد أوكتافيو باث أن ثورة أمريكا اللاتينية المتمثلة في النضال من أجل الاستقلال، من ناحية، ومن ناحية أخرى في الصراعات بين الليبراليين والمحافظين، «ما هي إلا مظهر إضافي للإرث الاسباني العربي»[cix]. اصطدمت هذه الثورة مع الكنيسة والدولة وأمراء الحرب[cx]. لذلك يرى باث أن التاريخ المضطرب لأمريكا الوسطى التي كانت تسود فيها المؤامرة والقتل والتمرد، مشابه لتاريخ العالم الإسلامي: «في الإسلام كان الأمراء يقتلون الوزراء، والوزراء يتآمرون مع أعداء الخارج. المقارنة يمكن أن تشمل أمريكا الوسطى»[cxi].

يعتقد أوكتافيو باث أن استقلال بلدان أمريكا اللاتينية لم يقدهم نحو الحرية والتقدم والحداثة، بل أغرقهم مرة أخرى في استبداد الماضي وأمراء الحرب «التركة الرهيبة للعرب، والأسبان، والهنود الأمريكيون: الشيخ والقائد والحاكم المستبد»[cxii].

باختصار يرى باث أن الحاكم المستبد الأمريكي اللاتيني هو ارث من العالم الإسلامي، لكن لهذه الظاهرة جذور اسبانية وما قبل فترة كولومبو. وبالفعل يؤكد الكاتب المكسيكي أنه «في سياق تاريخنا يتعارض نموذج الأستيك أحيانا ويذوب أحيانا أخرى في النموذج الاسباني العربي: الزعيم»[cxiii].

لكننا نعتقد أن ظاهرة أمراء الحرب التي لها عدة أشكال (الشيخ والزعيم والقائد)، ليست عربية حصرا. وبالتالي ليس من الحكمة الحديث عن التأثير الإسلامي الحصري في هذا المجال.

2. 1. 3. حضور في بعض المفاهيم والممارسات الاجتماعية
في سياق السعي لتحديد الهوية الثقافية للمكسيك ولأمريكا اللاتينية بشكل عام، حاول كارلوس فوينتاس التحقيق في تاريخ الشعوب التي ساهمت في صنع هذه الهوية. يقول أنه، على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن لديها عصورا وسطى، ينحدر المكسيكيون «من الأزتيك، ولكن أيضا من البحر الأبيض المتوسط، والفينيقيين، والإغريق، ولكن أيضا من اليهود والعرب والرومان، والى جانب ذلك كله، من اسبانيا القرون الوسطى»[cxiv]. يمثل العرب، بالتالي، جزءا من قائمة الشعوب التي قدمت مساهمتها الثقافية، وشاركت في تشكيل الهوية المكسيكية والأمريكية اللاتينية من خلال حضورهم التاريخي في اسبانيا في القرون الوسطى.

أهتم أوكتافيو باث بوضع المرأة المكسيكية والأمريكية اللاتينية، وبالتصورات الاجتماعية حولها. يعود مرة أخرى إلى دمج الماضي الاسباني العربي بتقاليد السكان الأصليين. يلاحظ أنه في بعض البلدان «توقر فيها العاهرات، وفي أخرى تكافئ فيها الأمهات، وفي جميعها تتملق وتحترم السيدة العظيمة»[cxv]. في المقابل، لكي تحترم، على المرأة في بلدان أمريكا اللاتينية أن تكون لديها بعض الفضائل، حسب أوكتافيو باث، مثل الكتمان وعدم الإحساس والاحتشام والصبر[cxvi]. يرى باث أن هناك"نموذجا عاما" يكمن وراء سلوك المرأة الأمريكية اللاتينية، ويحدد تصورا اجتماعيا حولها. يبدأ هذا النموذج «من الحياء والحشمة، إلى الصبر والاستسلام وعدم الإحساس»[cxvii]. كما يضيف أن الإرث الأسباني العربي يفسر إلى حد ماء جمود المرأة الأمريكية اللاتينية وخضوعها. لكنه يعترف أن عقلية الأسبان الذكرية الساعية إلى ترويض المرأة مثل "الوحش"، هي التي حددت وضع المرأة في أمريكا اللاتينية[cxviii].

إذا كانت عادة السكان الأصليين هي التي عززت ثقافة خضوع المرأة، فان الإرث الاسباني العربي جذر الثقافة الأبوية وهيمنة الرجل على المرأة في المجتمع المكسيكي وفي القارة الأمريكية[cxix]. يعتقد أوكتافيو باث أن المرأة تناضل ضد الثقافة الأبوية حيث يسود الأب والعربيد، فتلجأ إلى وسائل منع الحمل «كأداة للتحرر […] ووسيلة لتكون في النهاية سيدة جسدها»[cxx]. ولكن في هذا المجال يدعو باث إلى تغيير العقلية والى مفهوم جديد "للأنوثة" و"الذكورة". أكثر من المساواة بين الجنسين، يدعو أوكتافيو باث إلى «تأنيث مماثل لذلك الذي أثر في العقل الأوروبي في العصور الوسطى بفعل الحب العذري»[cxxi].

التحفظ هو سلوك آخر مميز للاتيني الأمريكي. يتأتى هذا الموقف من ذهنية اسبانية عربية، يجدها باث في خافيار، أحد أصدقائه: «لعدة سنوات كنت أرى خافيار مرتين أو ثلاثة في الأسبوع […] بالرغم من أنه كان متفرنسا، كان تحفظه اسبانيا، وبالضبط كان اسبانيا عربيا»[cxxii]. كدليل على هذا السلوك الاسباني الأمريكي والعربي، يقول باث أنه «من الصعب أن يدعونا المسلم إلى منزله. نفس الشيء يحدث (أو كان يحدث) في اسبانيا: يلتقي الأصدقاء في المقهى»[cxxiii]. أصاب أوكتافيو باث لأن البيت بالنسبة للمسلم يمثل فضائه العائلي والحميمي والخاص. في المقابل، الأصدقاء هم جزء من حياته العامة وحياته الاجتماعية. غير أن ذلك لا يعني أن المسلم لا يدعو أي صديق إلى بيته، لأن الأمر يتوقف على درجة الصداقة والثقة بين الأصدقاء.

2. 2. حضور مباشر من خلال الموجات الجديدة للهجرة
2. 2. 1. مشكلة التسمية

للحديث عن مجموعة الرجال والنساء الذين هاجروا من الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، استخدمت عادة ثلاثة أسماء: العرب والسوريون والأتراك. لكن تعدد هذه التسميات يمكن أن يخلق بعض الغموض.

في روايات غابريال غارثيا ماركيث تسود دائما تسمية على حساب البقية. ففي رواياته الأولى تسيطر تسمية "السوريون"، مثلما هو الحال في "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" (1961) وفي "ساعة النحس" (1962)، رغم استخدامه لكلمة "الأتراك" أحيانا. إلا أن تسمية "العرب" لا تظهر في هاتين الروايتين، بل في "مائة عام من العزلة" (1967)، إلى جانب "الأتراك" ولكن بدرجة أقل. في "قصة موت معلن" (1981) التسمية السائدة هي "العرب"، ونادرا ما تظهر عبارة "الأتراك"، كما تختفي تماما تسمية "السوريون".

يبدو أن هذه التسميات الثلاثة تتخذ دلالات مختلفة في أعمال ماركيث الروائية. في روايتيه الأولى والثانية ("ليس لدى الكولونيل من يكاتبه و"ساعة النحس") يدعو ماركيث هؤلاء المهاجرين العرب باسم "السوريين" فقط، بالرغم من وجود أشخاص معهم من بلدان أخرى، مثل لبنان وفلسطين. يمكن تبرير ذلك بتفوق عدد المهاجرين السوريين إلى أمريكا اللاتينية على عدد المهاجرين اللبنانيين الذين يمثلون نصف عدد هؤلاء. كما يثير الانتباه عدد المهاجرين الفلسطينيين الذي كان يمثل ضعف اللبنانيين ويفوق عدد السوريين بثلاث مرات. مع ذلك لم يستخدم ماركيث اسمهم كممثل للعرب. والسبب هو صغر منطقة فلسطين بالمقارنة مع سوريا، من ناحية، ومن ناحية أخرى انتمائها هي ولبنان إلى ما كان يعرف بسوريا الكبرى قبل الاحتلال الغربي.

لكن التسمية السائدة في أمريكا اللاتينية للدلالة عن العربي هي "التركي". والسبب يعود إلى أن العرب الأوائل الذين وصلوا إلى هذه القارة كانوا يحملون جوازات سفر تركية، لأن الإمبراطورية التركية هي التي كانت تحكم المنطقة العربية ما بين 1516 و1917.

عرف العربي باسم "التركي" بداية من ذلك الوقت، وحصل هذا الخلط سواء على المستوى الرسمي أو في المجال الاجتماعي. حتى بعض مثقفي تلك الفترة وقعوا في هذا الخطأ، مثل نيكولاس بالاثيوس الذي كان ضد هجرة العرب وكذلك هجرة أوروبا الجنوبية (الفرنسيون والايطاليون والأسبان)، لم يكن يفرق بين السوريين والغجر البهيميين والمصريين[cxxiv].

في أعمال غرثيا ماركيث يتراوح معنى اسم "التركي" بين مجرد تسمية عادية للسوريين واللبنانيين والفلسطينيين، وبين دلالة ذات معنى مهين. فمثلا عندما قالت زوجة الكولونيل أنها ذهبت إلى حيث يوجد الأتراك لبيع لوحتها (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه، ص. 59)، تقصد أنها ذهبت إلى دكاكين العرب فحسب. فلا يوجد في هذه التسمية أي معنى سلبي. وكذلك عندما يذكر ماركيث عدة مرات في "مائة عام من العزلة" شارع الأتراك (ص. 127 و159 و182 و271 و277 و282 و366 و435) يشير بوضوح إلى شارع العرب ليس إلا.

ولكن في حالات أخرى تصبح هذه التسمية علامة على المكر والخداع والتضليل، وذلك عند حديثه عن طريقة العرب المظللة في قياسهم ياردة النسيج[cxxv]. كما يظهر "التركي" أحيانا كشخص فض وشرير. يعتقد بادرو فيكاريو، وهو في السجن بعد مقتل سانتياغو ناصر، أن الأتراك هم الذين سمموا شقيقه[cxxvi]. يصبح التركي أحيانا أخرى رمزا للشر في معناه العام. لذلك تصف فاوستا لوبيث، زوجة كريليو، ناصر الذي كانت تكرهه بأنه «مثل كل الأتراك»[cxxvii].

في مناسبة أخرى يظهر التركي في محل احتقار كبير بسبب شخصيته الغامضة والماكرة. أراد الحلاق ذات مرة معرفة الموقف السياسي لأحد الأتراك، وهوالسوري موسى، فسأله واصفا إياه بالقاذورة: «وقف الحلاق أمامه مكتوف الأيدي وقال: "قل لي أيها التركي القاذورة، مع من أنت في نهاية الأمر؟"»[cxxviii].

كما أن التركي عند الأطفال هو موضوع للسخرية والضحك. أثناء لعبهم، ألقت ذات مرة مجموعة من الأطفال كرة الطين، فسقطت بالقرب من السيد كارميتشايل، وعندما خرج لهم السوري، الياس ، يهددهم بمكنسته، سخروا منه وقفزوا فرحا مرددين «تركي أحمق»[cxxix].

لكن في بعض الأحيان يتحول التركي من رمز للخداع والازدراء والشر والسخرية إلى كائن جدير بالتعاطف والرحمة والمساعدة. عندما ركض الأخوين فيكاريو لقتل سانتياغو، وجرى هو نحو باب منزلهم الرئيسي الذي كان مغلقا، ناداه أحد الجيران مبينا له كيفية الهروب، مستخدما تسمية "التركي" في صوت كله إشفاق[cxxx].

تجدر الإشارة إلى أن استخدام اسم "التركي" بمعاني الاحتقار والسخرية منتشر بين الطبقات الاجتماعية الدنيا التي يسيطر عليها الجهل والفقر، مثل الأطفال والحلاق والكولونيل الفقير المتقاعد وفاوستا لوبيث... يحيلنا هذا الأمر إلى المهاجرين العرب الأوائل الذين وصلوا إلى أمريكا، واستقروا في أحياء وقرى ومدن أمريكا اللاتينية الفقيرة. هناك عاشوا حياة غير مستقرة لمدة طويلة: كانوا يعيشون في منازل صغيرة جدا، ولا ينفقون إلا القليل على غذائهم ولباسهم، حتى أنهم لا يذهبون إلى الحلاق لقص شعورهم، كل ذلك لتوفير المزيد من المال. كما لم يكن لديهم أي نشاط للترفيه والتسلية. طريقة العيش هذه تجعل هندامهم مهمل وصادم عند كثير من الناس، مما يجعلهم هدفا لسخرية الناس وازدرائهم. تقول مريم أولغين تينوريو وباتريثيا بينيا غونثاليث أن عيشتهم في الشيلي كانت سيئة للغاية: «كانت ظروف عيشة العربي في البداية متواضعة. كانوا يتكدسون في غرف الأحياء التي يسكنوها في شكل أربعة وستة وحتى أكثر أفراد. في النهار تتحول الغرفة إلى مطبخ حيث تختلط أنواع مختلفة من الروائح»[cxxxi].

2. 2. 2. السمات المميزة للعربي
أ- المظهر الجسدي والملابس

إذا بدأنا برواية "مائة عام من العزلة"، فان العرب الذين وصلوا إلى ماكوندو مع أورسولا[cxxxii] كانوا ذوو شعر ناعم ومتدل، بلا موجات ولا تجعيد، وكانت بشرتهم سمراء[cxxxiii]. ولكن في "قصة موت معلن"، كان سانتياغو ناصر مثل أبيه، لديه شعر مجعد، وكان نحيفا وشاحبا، ولديه جفونا عربية[cxxxiv]، أي أنه كان وسيما. بالنسبة لماركيث يكمن جمال العربي في عيونه وجفونه، لأنها تمنح الوجه الاشراقة الخاصة، لذلك أوريليانو الثاني والقديسة صوفية «رأوا العيون العربية لخوسي أركاديو الثاني عندما مرت به ومضة الضوء»[cxxxv]. كذلك يرى الكاتب البرازيلي باولو كويلو أن العيون الأندلسية تذكرنا بعيون الفاتحين العرب، عند وصفه لأحد شخصياته الروائية[cxxxvi].

وهكذا فان العربي الذي يظهر في أعمال غارثيا ماركيث هو، في كثير من الأحيان، أسمر أو يضرب نحو الصفرة، لديه شعر ناعم أو مجعد، طويل القامة ونحيف ووسيم. لكن في "مذكرات عاهراتي الحزينات" (2004) يظهر بدينا وضخما[cxxxvii].

في رأينا، ينتمي هؤلاء العرب الذين ظهروا في رواية "مذكرات عاهراتي الحزينات" إلى الجيل الثالث من المهاجرين الذي تركوا ورائهم سنوات العمل الشاق وحياة الترحال المستمر بين شوارع وأحياء وقرى ومدن أمريكا اللاتينية، محملين ببضاعتهم، وفتحوا شركات كبرى، مما جعل حياتهم أكثر راحة ورفاهة.

يتفق بورخيس مع ماركيث في بعض الخصائص البدنية للعربي عند وصفه لابن خاكان البخاري، ملك أحدى قبائل الصحراء، الذي كان «طويلا جدا، وبشرته سوداوية، وعينان نصف مغلقتان سوداء، وأنف قبيح»[cxxxviii]. لكنه يضيف خصائصا أخرى لم يذكرها ماركيث، مثل الصدر القوي، والشفاه الممتلئة، واللحية الزعفرانية[cxxxix]. من ناحيته، اهتم كارلوس فوينتاس بالصفات الخلقية للعربي في وصفه لميغال أسما، مبرزا نظرته الموحية بالسعادة، واستقامة أنفه، وتجعيد شعره. كما كان متفقا مع بورخيس في قسوة الشفتين[cxl].

أثار التشابه الجسدي بين العربي والأمريكي اللاتيني بعض الكتاب، مثل الأرجنتيني دومنغو فاوستينيو سارميانتو، الذي يقسم أن بعض العرب الذين عرفهم رآهم من قبل في بلده من كثرة الشبه بين هؤلاء والأرجنتينيين[cxli]. بالنسبة لماركيث، فان منطقة ساحل الكاريبي التابعة لكولومبيا هي المنطقة التي يلاحظ فيها التأثير الأكبر لإفريقيا[cxlii]. فاللاتينيون الأمريكيون هم أسبان وكذلك أفارقة، فهم هجين[cxliii]. لذلك قال أن مراسلا كولومبيا سأل في إحدى المناسبات مراسلا مصريا إن كان يتكلم الاسبانية، معتقدا أنه من بارانكيليا (في شمال كولومبيا). يرجع هذا الخطأ الى التشابه الخلقي الكبير بين المراسلين[cxliv].

يعود هذا التشابه الجسدي، حسب سارخيو ماثياس، إلى انحدار النسبة الكبيرة لغزاة أمريكا اللاتينية من اشبيليا وويلفا وكاديث، أي من أصل أندلسي حيث عاش العرب لمدة ثمانية قرون. هذا يعني أن هؤلاء الغزاة لم يتركوا في هذه القارة بصماتهم الثقافية فحسب، بل الدموية أيضا.

أما بالنسبة للملابس، كان العرب المهاجرون الأوائل يرتدون ثيابا بسيطة للغاية. كانت أحذيتهم أخفافا، وأقراط نسائهم مجرد حلقات. فالذين وصلوا إلى الشيلي، مثلا، كان هندامهم غير مرتب، وكانت حياتهم متواضعة وتقوم على ادخار المال، مما لفت انتباه المواطنين الذين لم يفهموا كيف يعيشون بالعمل فقط دون أي نشاط ترفيهي[cxlv].

لكن عرب الجيل الثالث اعتنوا بمظهرهم ولم تعد تميزهم ملابسهم الرديئة عن بقية الناس. فالسوري موسى، على سبيل المثال، كان يرتدي ملابس أنيقة، وفي فصل الشتاء كان هذا الشرقي «يسير مكسوا حتى الجمجمة في جلد ناعم»[cxlvi]. لقد كان هؤلاء العرب ينفقون المال الكافي على لباسهم، حتى أنهم كانوا يحتجون على أولئك الأشخاص الذين يهملون مظهرهم، ولا يريدون الإنفاق على هندامهم، مثل الرجل الأسود كارميتشايل: «كارميتشايل ليس إنسان –قال السوري موسى- منذ نحو ثلاث سنوات لم يشتر زوجا من الأحذية. ولكن في السياسة يقوم بما يجب»[cxlvii].

اهتم كارلوس فوينتاس باللباس التقليدي العربي، فشدت انتباهه مثلا العمامة وهو يتأمل صورة ميغال أسما: «أزعجني شيء ما. شدتني اللوحة. وضحت في النهاية صورة العربي وهو يرتدي عمامة»[cxlviii].

حاول فوينتاس فهم معنى استخدام العمامة، فسأل الأكاديمي بوبلانو بالو: «ألم يكن استعمال العمامة عادة إسلامية منتشرة؟»[cxlix]. أوضح له الأكاديمي أن أصل غطاء الرأس هذا يعود إلى القرن الحادي عشر: «أولا كانت العمامة مخصصة للفقهاء الذين ذهبوا إلى مكة للحج، ولكن بداية من القرن الحادي عشر سمح للجميع بارتدائها»[cl]. كما يشير فوينتاس أيضا إلى ثوب عربي آخر وهو البرنس الذي يستخدمه الرجال والنساء على حد السواء[cli].

ب- الأخلاق والسلوك الاجتماعي
من بين الخصائص الأخلاقية التي تميز العربي في أعمال غارثيا ماركيث هو هدوءه، وسكونه، واطمئنانه. هذه الميزة الأخيرة تخص الشرقيين بصفة عامة، والسوري موسى بصفة خاصة، حسب ماركيث[clii].

ليست غريبة صفة الهدوء عند هذا العربي، لأن الذين هاجروا إلى أمريكا ينحدرون عادة من مناطق ريفية حيث كانوا يعيشون مغمورين بهدوء الطبيعة، وسط أوديتهم وجبالهم. إن العرب الذين هاجروا إلى القارة الأمريكية هم شباب ريفيون في أغلبهم، وكانوا يتعاطون الفلاحة والحرف[cliii].

من صفة الهدوء هذه تنشأ صفة أخلاقية أخرى لدى العربي وتمثل وجهها الثاني، إنها رباطة الجأش. تلازم هذه الصفة السوريين، إلى جانب طريقة جلوسهم أمام أبواب تجارتهم: «ثلاثة منازل بعد ذلك تبدأ الدكاكين وتجارة الأثمان البخسة والسوريون، وهم جالسون أمام الأبواب رابطوا الجأش»[cliv].

من الصفات الأخرى المميزة للعربي هو أنه صموت. ففي ماكوندو، وأمام تدمير بضاعتهم وخراب شارعهم، شارع الأتراك، ظل العرب «صامتين، ورابطي الجأش، وأقوياء أمام الزمن والكارثة»[clv].

قوة عزيمة العرب وقدرتهم على مقاومة الكوارث ومجابهة الأخطار كبيرة جدا، حتى ولو أصابت هذه الكوارث بيوتهم ومصالحهم. سلاحهم هو رباطة الجأش والهدوء والمناعة. من أين أتى العرب بهذا الصبر الهائل وقوة التحمل الفريدة؟ يقال أن الإنسان ابن بيئته، ولذلك نفهم بسهولة صفات العربي هذه التي ورثوها عن أجدادهم الأوفياء لصحبة الإبل والأصدقاء القدامى للصحراء.

أمام عدم قدرة ماركيث على فهم قوة معنويات العرب الخارقة في أصعب الظروف، راح يسألهم من منزل إلى منزل، على لسان أوريليانو الثاني، عن الوسائل التي استخدموها للنجاة من الانهيار، على اثر خراب شارع الأتراك. كانت إجابتهم قصيرة وموجزة: «سباحة»[clvi].

خاصية أخلاقية أخرى للعربي تتمثل في ابتسامته الماكرة والذكية، ونظرته الحالمة. عندما سألهم أوريليانو الثاني أجابوه في البداية دون كلام، أي بابتسامة ونظرة خاصتين: «أجابوه بابتسامة ماكرة ونظرة حالمة»[clvii].

تتميز الجالية العربية في أمريكا اللاتينية بوضوح أهدافها. يبدو ذلك من الجواب المشترك الذي قدموه إلى أوريليانو الثاني: «واحد تلو الآخر ومن باب إلى باب [...] ودون أن يتفقوا مع بعضهم أجابوه بنفس الجواب»[clviii]. هناك إجماع مطلق بين كل أفراد الجالية فيما يخص الأهداف الرئيسية والقضايا الإستراتيجية. عند اغتيال سانتياغو ناصر، قام الكولونيل أبونتي، وهو خائف من انتقام العرب، بزيارتهم عائلة عائلة، والنتيجة التي استخلصها أن لا أحد كان يفكر في القصاص[clix]. إنها جالية منظمة جدا، ومسيطر عليها من قبل قادتها ومسئوليها في كل المجالات، ابتداء من البحث عن العمل إلى الزواج، ومن تغيير الأسماء إلى القرارات الكبيرة، مثل الانتقام.

يظهر العربي في أعمال غابريال غارثيا ماركيث مسالما على المستوى الفردي والجماعي. بالرغم من أن كارثة اغتيال سانتياغو ناصر كانت رهيبة وخسارته لا تعوض، لم يفكر أحد في الانتقام، لأن الجالية العربية كانت مسالمة وواعية ومسئولة ومنضبطة. حتى ردود الفعل التي وقعت مباشرة بعد القتل بررها الرواي قائلا: «ردود الفعل الصباحية ظهرت بسبب حرارة الجريمة، وأصحابها يقولون أنهم لم يكونوا ينوون فعل شيئا آخر دون الضرب»[clx].

من الواضح أن الكاتب يشير إلى جميل شيوم الذي طارد التوائم فيكاريو بعد الجريمة ببندقيته ومعه بعض العرب العزل. كان سلوك العرب على غاية من السلمية حتى بدا لبقية المواطنين ضربا من الغباء، لأن الشائعات في الشارع كانت تتحدث عن الأسوأ: «لم يكن مستبعدا الانتقام العربي [...] كان يعتقد أنهم سينتظرون الليل لسكب البنزين من خلال الكوة لحرق المسجونين في الزنزانة»[clxi].

الوفاء لتقاليد الأجداد والماضي هي خاصية أخرى للعرب، فقد كانوا «يستوردون قمحهم ويربون الخرفان في الساحات»[clxii]. استمر الجيل الثالث من المهاجرين العرب في ماكوندو وفيا أيضا لتقاليد الأجداد: «كان عرب الجيل الثالث جالسين في نفس مكان وهيئة آبائهم وأجدادهم، صامتين، ورابطي الجأش، ومنيعين ضد الزمن والكارثة»[clxiii].

انهار الجميع في ماكوندو: الغجر واختراعاتهم، والأمريكان بشركاتهم للموز، والأسبان ممثلين في الحكيم الكاتالوني، وحتى غابريال، ربما يكون المؤلف نفسه، الذي سافر إلى باريس بعد فوزه في مسابقة لأحدى المجلات الفرنسية. الوحيدون الذين استمروا في ماكوندو هم العرب بإرادتهم الحديدية يتأملون، في رباطة جأش، دمار شارع الأتراك القديم، رغم أنهم كانوا قد تركوا أدوات عملهم[clxiv].

تعلم سانتياغو ناصر عديد الأشياء عن والده، بما في ذلك استعمال الأسلحة النارية، لكنه لم يرتكب بها أي جريمة، لأنه في الواقع لم يظهر لا هو ولا والده مسلحين في القرية[clxv]. ولتجنب أي محاولة إجرامية، «كان يحتفظ بالسلاح في مكان،

ويخفي الذخيرة في مكان آخر بعيد، بحيث لا أحد يستطيع تحميلها داخل المنزل حتى بالصدفة»[clxvi].

لم يكن العرب مسالمين فحسب، بل ومتسامحين بشكل مفرط. بالإضافة إلى استبعاد إمكانية الانتقام بعد الجريمة، قامت سوسامي عبد الله، إحدى نسائهم البارزات، بوصف علاج ناجع لتهدئة آلام الشقيقين في الزنزانة[clxvii].

من صفات العربي الأخرى هو القدرية، ويبدو ذلك، حسب ماركيث، من طريقة حني السوري موسى رأسه في دكان الحلاق وهو يحلق شعره: «كان من عادته حني رأسه في نوع من القدرية وشخيره بالعربية، بينما يظل الحلاق يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع»[clxviii].

ولكن واحدة من السلوكيات الأكثر تمييزا للعرب هي «جلوسهم أمام أبواب دكاكينهم رابطي الجأش»[clxix]. يبدو أن الوقت الذي يقضونه خارج محلاتهم أكبر من الذي يقضونه داخلها، وقد صار ذلك عادة قديمة عندهم لا يمكنهم التخلي عنها: «كان العرب الأخيرين يستسلمون إلى الموت بسبب عادة الجلوس القديمة أمام الباب»[clxx]. إن الجلوس على باب المتجر يمكن العرب من البقاء على اتصال بالناس، وبالتالي تكوين صداقات والاندماج بسهولة في المجتمع. كانوا من أمام الباب يحيون المارة ويتجاذبون معهم أطراف الحديث، مثل الطبيب ورئيس البلدية والقاضي والكاهن...: «سلم الطبيب تباعا على السوريين الجالسين عند أبواب دكاكينهم»[clxxi]. كما يسمح لهم هذا السلوك بأن يكونوا على علم بما يحدث في محيطهم، فعلى سبيل المثال، كانوا أول من علم بقدوم السيرك إلى المدينة: «أعلم السوري موسى رئيس البلدية بالجديد: لقد وصل السيرك»[clxxii]. كانوا أحيانا عندما لا يجدون ما يتواصلون به مع الناس، يتحدثون معهم عن حالة الطقس: «لاحظ أحد السوريون للأب أنخيل جمال الطقس، لكن هذا الأخير لم يعره اهتماما»[clxxiii].

من السلوكيات المميزة للعربي في أعمال غابريال غارثيا ماركيث هي السمعة الجيدة التي يتمتع بها بين الناس. اشترى الكولونيل من المتاجر العربية حذاءا، وحمله إلى بيته، ثم استخدمه مرتين، وعندما احتاج إلى ثمنه، قرر إعادته إلى العرب، متوقعا تفهمهم وطيبتهم. أعلم زوجته بذلك، وحاول إقناعها دون جدوى، لأنه كان لديها رأيا سلبيا عن العرب:

- قال الكولونيل: يرجع الحذاء. أنها ثلاث بيسوات إضافية إلى صديقي (ساباس).

- قالت هي: لا يقبلونه.

- رد الكولونيل: يجب عليهم قبوله. لبسته مرتين فقط.

- قالت المرأة: إن الأتراك لا يفهمون هذه الأمور.

- عليهم أن يفهموا.

- وإذا لم يفهموا؟

- حسنا، فلا فهموا إذا[clxxiv].

إن الاندماج الكامل للعرب في حياة الأمريكيين اللاتينيين تتجلى في الثقة التي نالوها بين المواطنين، إذ كانوا يتركون بضاعتهم معروضة دون أي حراسة، لأنهم لا يخشون من أي سرقة أو سطو[clxxv].

ت- مؤسسة الزواج والأسرة
وصل العرب إلى ماكوندو في مجموعات من الرجال والنساء، أي في شكل أسر. فالأسرة سوف تكون إذا هي الهيكل الذي سوف يشكل النسيج الاجتماعي للتجار والمهاجرين العرب. والمرأة هي السند القوي للعربي في رحلته التجارية الطويلة بين القرى.هي تساعده في تجارته، وهو يقاسمها لحظاته الجيدة والسيئة في الدكان. عندما اكتشف الكولونيل حيوانات السيرك التي جاءت في القوارب، أعلم السوري موسى، الذي نقل بدوره الخبر إلى زوجته التي كانت في الغرفة الخلفية للدكان:

- قال الكولونيل: انه سيرك، يأتي إلى هنا لأول مرة منذ عشر سنوات.

تحقق السوري موسى من المعلومة. وتحدث إلى زوجته [...] فأجابت من الغرفة الخلفية. تحدث هو معلقا بشيء ما إلى نفسه، ثم ترجم انشغاله إلى الكولونيل[clxxvi].

تجدر الإشارة إلى أن المرأة موجودة بجانب زوجها ليس فقط لتقديم الدعم المعنوي له في مغامرته التجارية في تلك الأراضي البعيدة، بل أيضا لمباشرة العمل معه. بينما كان السوري موسى يمارس عمله في المتجر، عارضا بضاعته للزبائن، كانت زوجته تحتل الغرفة الخلفية للدكان لصناعة البضاعة المعدة للبيع.

في أمريكا اللاتينية تشارك المرأة زوجها في تجارته، لأن «نظام الحياة الخاصة يتركز على الأسرة أو على أبناء البلد إذا فقدت الأسرة. يعود هذا إلى إتباع التقاليد العربية التي تعتبر الأسرة المحرك الحيوي الذي يشمل الجميع»[clxxvii].

من الواضح أن الظروف الاقتصادية الصعبة للمهاجرين في مراحلهم الأولى أجبرتهم على اللجوء إلى طلب المساعدة ليس من الزوجة فقط، بل من كامل أفراد الأسرة أيضا. لقد دعمت المرأة زوجها بقوة سواء في مرحلة البائع المتجول أو في مرحلة التجارة المستقرة. في كوستاريكا تم تسجيل اسمين على الأقل من النساء البائعات المتجولات: أم أنطونيو دوماني، وأم بيخوس ياموني[clxxviii].

يعيش العرب في أسر موحدة، ويتجنبون الزواج المختلط، ويتزاوجون فيما بينهم[clxxix]، وخصوصا أفراد الموجات الأولى للهجرة. لقد فشل القلائل الذين تجرؤوا على الزواج من خارج الجالية، وأبرز مثال هو إبراهيم ناصر. أحب سرا في البداية الخلاسية فيكتوريا غوثمان، ثم انتهى كل شيء سنوات قليلة بعد ذلك[clxxx]. بعد تلك العلاقة السرية والفاشلة، تزوج إبراهيم بلاثيدا لينيرو وأنجب منها ولدا، هو سانتياغو ناصر. لكن هذا الزواج لم يكن بدوره ناجحا، إذ كان مصير زوجته

العزلة في شرفة منزلها، حيث كانت تقضي أمسيات شهر مارس لتخفف عن نفسها وطأة الوحشة[clxxxi]. في الحقيقة يعود فشل هذا الزواج الأخير إلى كونه زواج مصلحة[clxxxii]، لأن بلاثيدا لينيرو كانت من عائلة سلطة وحرب[clxxxiii].

يشير هذا الوضع إلى واقع العرب الذين هاجروا إلى أمريكا اللاتينية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لقد أصروا على المحافظة على وحدة جاليتهم بعدم الزواج من خارجها. من الأسباب التي جعلتهم يمتنعون عن الزواج من البلد المضيف في الشيلي، على سبيل المثال، ضعف إتقانهم للغة، وعدم الثقة المتبادلة، وهو السبب المهم، لأنهم كانوا لا يقبلون الزواج من شخص لا ينتمي إلى الوطن أو القرية أو العائلة[clxxxiv]. بالنسبة للبنانيي كوستاريكا كانوا يرفضون الزواج المختلط لسبب آخر، وهو التفكير في العودة إلى وطنهم يوما ما[clxxxv].

في أعمال غابريال غارثيا ماركيث لا نملك كثير المعطيات حول حجم الأسرة العربية. لدينا فقط بيانات تشير بصفة عامة إلى أنها كانت كبيرة. يقول المؤلف أن إبراهيم ناصر عندما اشترى المنزل، أصلحه لكي يتسع لعائلة كبيرة: «بنا في الطابق العلوي [...] غرفتا نوم واسعتين، وخمس مقصورات لأبنائه الكثيرين الذين ينوي إنجابهم»[clxxxvi].

للوالد في الأسرة العربية سلطة كبيرة على جميع أعضائها، وأوامره تنفذ على الفور، وهو ما يضمن التماسك الداخلي لها. راوي "قصة موت معلن" يتعجب من السلطة التي يتمتع بها نهير ميغال داخل أسرته: «خرج نهير ميغال من الغرفة بعد دقائق، وأشار بيده، فاختفت العائلة بأكملها»[clxxxvii].

العائلة العربية كما تظهر في أعمال ماركيث تقليدية ومحافظة، ويسود أفرادها التماسك والهدوء. للأب ولكبار السن بصفة عامة احترام خاص عند العرب، الذين يستشيرونهم في الأمور الخطيرة والحاسمة، مثل الاختيارات الزوجية، والمهنية، والانتماءات الدينية. يؤازرون بعضهم عند احتفالات الولادة، ودفن الموتى، وتوديع أو استقبال أحد أفراد العائلة[clxxxviii].

على غرار نهير ميغال في "قصة موت معلن"، كان بابلو صوما، المهاجر اللبناني الأول إلى كوستاريكا يمثل، لبعض الوقت «نوعا من البطريرك، واهتم بمراقبة حركة الجالية: الوافدين، والزواج، والولادات، والوفيات»[clxxxix].

ث- الشعور بالتضامن عند الجالية العربية
التضامن هو سمة متأصلة عادة في الجاليات والمجموعات التي تعيش خارج وطنها. هو سلوك ينشأ من الحاجة إلى الحماية من المخاطر المحتملة الكثيرة التي تهددها. العرب في أعمال غابريا غارثيا ماركيث، كما في الواقع الأمريكي اللاتيني، لا يشذون عن هذه القاعدة. يظهر التضامن جليا في الرواية الريبورتاج "قصة موت معلن" التي تروي وقائع وفاة شاب من أصل عربي، سانتياغو ناصر مقتولا من قبل الأخوين فيكاريو (بيدرووبابلو). اتهمه هؤلاء باهانة عائلتهما، وذلك بإزالة عذرية شقيقتهما أنخيلا. علم الجميع بنية الأخوين فيكاريو قتل سانتياغو ناصر، ولكن لا أحد حذره من ذلك، معتقدين أنه علم بالأمر بطريقة أو بأخرى. الشخص الوحيد الذي حاول إعلامه في البداية هو ابن وطنه جميل شيوم[cxc].

بينما فضل كل أهل القرية الامتناع عن التدخل، ارتدت أم الراوي ملابسها وذهبت لإعلام بلاثيدا، والدة سانتياغو ناصر، كما تحرك العرب بقوة. فبعد جميل شيوم، أعلمه نهير ميغال، والد زهرة ميغال (خطيبة سانتياغو ناصر) بالخبر، واقترح عليه خيارين: «إما أن تختبئ هنا، فمنزلي منزلك، وإما أن تخرج ومعك بندقيتي»[cxci]. كانت المساعدة الأخيرة، لحظات قليلة قبل تلقي الطعنات القاتلة، من جميل شيوم الذي قدم له الإغاثة الأخيرة، وذلك من خلال الإشارة عليه صارخا بأن يحتمي بدكانه. ثم ذهب ليحضر بندقيته، لأن وقت حماية النفس بالسلاح قد حانت، لكن للأسف مر وقت كبير قبل أن يعثر عليها[cxcii].

العرب الذين كانوا قرب موقع الجريمة لم يدخروا جهدا في توفير الحماية لسانتياغو ناصر، ولكن من دون جدوى. لم يستسلم العرب بعد وقوع الجريمة، بل طاردوا بالسلاح ومن غير سلاح التوأم فيكاريو الذين ركضا نحو الكنيسة بحثا عن مأوى: «أطلت بلاثيدا لينورا على الساحة من النافذة ورأت التوأم فيكاريو يجريان نحو الكنيسة. كانا مطاردين من قبل جميل شيوم ببندقيته لقتل النمور، ومعه عربا آخرين عزل. اعتقدت بلاثيدا لينيرو أن الخطر قد زال»[cxciii].

بعد موت سانتياغو ناصر عانى كل أفراد الجالية العربية نفس الألم، ولبسوا ثياب الحداد، ووضعوا على معابدهم (الكنائس والمساجد) علامات الحزن. لكن بالنسبة للبعض الآخر كانت الخسارة كبيرة للغاية ومؤلمة جدا، بحيث استمروا يبكون بصوت عال وهم جالسون على الأرض[cxciv].

يظهر التضامن العربي أيضا في العمل، فهم يساعدون بعضهم بعضا، ويقدمون المشورة لمن يستحقها منهم، ولا يتركون أي أحد منهم دون عمل. إنهم يعيشون «متحدين وكادحين»[cxcv]. استقروا في جميع قرى منطقة البحر الكاريبي، حتى النائية منها، حيث عملوا في التجارة وفي الزراعة وفي الرعي. يتسلون معا، وأفضل ألعابهم هي لعبة الورق[cxcvi]. كان جميل شيوم شريك إبراهيم ناصر في هذه اللعبة طول حياته ومستشار عائلته بعد وفاته[cxcvii].

كان المهاجرون الأوائل، بصفة خاصة، غالبا ما يشعرون بالحاجة إلى بعض المساعدة في خطواتهم العملية الأولى. كما كانوا يحتاجون في بداية مغامرتهم إلى السكن، فكانوا غالبا ما يحلون المشكلة بتكدسهم بأعداد كبيرة في منزل أحد الأقارب في ظروف عادة مزرية. تساءل أحد أبناء البلد المضيف عن ظروف سكنهم قائلا: «كم يسكنون فيه (المنزل)؟ لا يعلم ذلك إلا الله. هل رأيتهم وهم يدخلون؟ إنهم كالنمل»[cxcviii].

ج- الاندماج الاجتماعي
تمكن العرب في أعمال غابريال غارثيا ماركيث من تحقيق درجة عالية من الاندماج في البلدان التي يعيشون فيها. تشير رائعة ماركيث "مائة عام من العزلة" إلى هذه الحقيقة في العديد من المناسبات، ويتجلى ذلك من حسن استقبالهم كتجار من أول يوم وطئت فيه أقدامهم أرض ماكوندو. لا نقصد فقط أورسولا أيغوران التي عبرت عن فرحة كبيرة بقدومهم، بل أيضا زوجها خوسي أركاديو بوانديا نفسه الذي فقد الاهتمام بسرعة بمختبر الكيمياء الذي جلبه الغجر، وصار من المعجبين الكبار بالوافدين الجدد[cxcix]. كان التفاهم جيدا جدا بين خوسي أركاديو بوانديا والعرب، وقويت الثقة بينهما، حتى صار الوافدون الجدد لا يفعلون شيئا في القرية دون أن يستشيروه[cc].

أقام التجار العرب علاقات ممتازة مع بقية مكونات ماكوندو، حتى أصبحت متاجرهم لا تستقبل الزبائن فقط، بل الأصدقاء أيضا. هناك يجلس هؤلاء للحديث، ولتبادل الأخبار، وللاحتماء من المطر والبرد والحر. فدكان السوري موسى، على سبيل المثال، يقوم بهذه الوظائف: بينما كان السيد كارميتشايل ينظر مندهشا إلى الناس الذين كانوا يصارعون الوحل والفيضانات «دعاه السوري موسى أن يجلس في دكانه ريثما تنتهي المطر»[cci]. شاهد الكولونيل أيضا في الميناء، وهو ينتظر بفارغ الصبر الحصول على معاشه، «من خلال دكان السوري موسى مناورة القوارب»[ccii].

من خلال متاجرهم، كان العرب ينقلون أخبار القرية إلى أصدقائهم، ويعلمونهم بالأخطار التي يمكن أن تهددهم، كما كانوا يدافعون عنهم عند الضرورة. بينما كان رئيس البلدية يشاهد حركة الميناء المحمومة بقواربه وركابه، قام السوري موسى «بإعلامه بخبر جديد: لقد وصل سيرك. لاحظ رئيس البلدية أن الخبر كان صحيحا، رغم أنه لم يستطع تفسير ذلك»[cciii]. كما أنهم لا يتوانون عن تقديم النصح لهم: عندما رأى السوري موسى مرور بعض الأطفال نصح الكولونيل بإخفاء القط حتى لا يسرقه هؤلاء ويبيعونه إلى السيرك[cciv].

كان العرب أصحاب عزة وأنفة، يقومون الأخطاء ويرفضون الظلم. في يوم ممطر، قذف بعض الأطفال، وهم يلعبون، كرة من الطين نحو السيد كارميتشايل، فكادت أن تصيب ثيابه النظيفة، مما أثار غضب الياس، أحد العرب، وذهب يطاردهم بمكنسته[ccv].

في البداية واجه المهاجرون العرب في أمريكا اللاتينية العديد من الصعوبات في طريقهم إلى الاندماج الاجتماعي، وذلك بسبب مظهرهم غير المرتب[ccvi]. لذلك كانوا غالبا ما يلبسون مثل السكان الأصليين، ويحتفظون بملابسهم التقليدية للاستعمال المنزلي. مثال ذلك نهير ميغال الذي كان لديه جلباب عربي لا يلبسه إلا في بيته[ccvii].

من الأشكال الأخرى التي لجأ إليها العرب لتحقيق الاندماج الاجتماعي هو ترجمة أسمائهم أو ألقابهم أو الاثنين معا إلى اللغة الاسبانية. قام أبناء المهاجرون العرب بتغيير أسمائهم الحقيقية لتفادي أيضا الاضطهاد، ولكي يستطيعوا الاستقرار في أمريكا اللاتينية. البعض منهم قام بتغيير جزئي لاسمه عن طريق الترجمة، مثل زهرة ابنة نهير التي ترجمت اسمها إلى "فلورا". لكن قام آخرون بإبدال أسمائهم بأسماء اسبانية مشابهة للعربية، مثل عيسى بسالفدور، وحنا بخوان، ومحمد بمانويل، وخليل بخوليو، وجميل بايميلو، وفريد بألفريدو، وحبيب بأمادور[ccviii].

كان اندماج المهاجرين العرب الأوائل في بلدان أمريكا اللاتينية عملية طويلة ومتدرجة، وذلك لأنهم حافظوا على أسمائهم العربية، من ناحية، واستمروا في استعمال العربية فيما بينهم، من ناحية أخرى[ccix]. أما أبنائهم وأحفادهم فقد ارتموا بكاملهم في العملية الاندماجية. لكن بصفة عامة كان اندماج هؤلاء المهاجرون سواء الأوائل أو المتأخرين أسرع وأسهل من اندماج جاليات أخرى، والسبب يعود إلى أن أغلبهم جاء إلى أمريكا بنية الاستقرار وليس العودة إلى بلدهم الأصل[ccx].

يشير الكاتب الشيلي سارخيو ماثياس إلى أن ظاهرة تغيير الأسماء حصلت بين العرب في فترتين مختلفتين: في اسبانيا في عهد محاكم التفتيش، وفي أمريكا في منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين[ccxi].

تعود سهولة اندماج العرب هذه، حسب بعض الدارسين لهذا الموضوع، إلى التشابه الثقافي بين أمريكا اللاتينية والعالم العربي. اتصلت هذه القارة بالثقافة العربية في البدء من خلال المستكشفين والمستوطنين الأسبان المشبعين بالثقافة العربية الأندلسية، ثم من خلال الموريسكيين الذين انتقلوا سرا إلى هذه القارة. لذلك كانت هذه الأرض مهيأة لاستقبال موجات المهاجرين العرب أكثر من أي مكان آخر في العالم. كثير من العرب الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية، على سبيل المثال، انتقلوا إلى أمريكا اللاتينية لسهولة الاندماج فيها[ccxii].

من نتائج هذا الاندماج هو اهتمام كبار كتاب أمريكا اللاتينية بالموضوع العربي، واعتبارهم العرب كعنصر طبيعي من مكونات المجتمعات الأمريكية اللاتينية. من هؤلاء الكتاب نذكر غارثيا ماركيث، وخورخي أمادو، وأوكتافيو باث، وخورخي لويس بورخيس...[ccxiii].

نتيجة أخرى مذهلة لتكيف العرب مع البيئة الأمريكية الجديدة هي صعودهم الاجتماعي السريع، منتقلين من المواقع الدنيا إلى أبرز المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فظهر رؤساء جمهورية، مثل كارلوس منعم في الأرجنتين، وعبد الله بوكرم أورتيث، وجميل معوض في الايكودور. كما ظهر حكام مثل خوسي مراد، وغونثاليث خوري في المكسيك، إلى جانب رجال أعمال مشهورين، مثل كارلوس سليم، أغنى رجل في أمريكا اللاتينية، وغيرهم.

3. الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي في شبه القارة الهندية
3. 1. أوكتافيو باث والهند

بدأ اهتمام أوكتافيو باث بالهند منذ اتصاله المباشر بها في مناسبتين: سنة 1951 عندما كان سكرتيرا للسفارة المكسيكية في دلهي الجديدة[ccxiv]، وما بين 1962 و1968 عندما كان سفيرا للمكسيك في كل من الهند وأفغانستان وسريلانكا[ccxv]. استقال من منصبه على اثر مذبحة تلاتيلولكو[ccxvi] التي وقعت في مدينة المكسيك في ساحة الثقافات الثلاثة.

جمع تجربته الخصبة في شبه القارة الشاسعة هذه في كتابه "لمحات من الهند" الذي نشر سن 1995، حيث يظهر أوكتافيو باث الأنتربولوجي، إلى جانب الأديب صاحب الحس الرقيق.

الصورة الأولى التي ينقلها إلينا باث عن الهند هي تلك التي لمحها من خلال السفينة التي كانت تنقله إلى تلك الأرض. عند وصوله، شاهد «سواحل هذا البلد الشاسع والغريب الذي يسكنه الملايين من الكفار الذين كانوا يعبدون أصناما ذكرية وأنثوية […] وآخرون يصلون إلى اله الإسلام الذي لا وجه له»[ccxvii]. كانت، إذا، الدهشة هي أول إحساس شعر به أوكتاافيو باث عند وصوله إلى الهند، بسبب "التنوع المكون من تناقضات عنيفة"[ccxviii]. لقد أدهشه تعدد الأعراق، والطوائف، والطقوس، واللغات وغيرها. ولكن الذي أدهشه أكثر، هو وجود التوحيد الإسلامي مقابل تعدد الآلهة الهندوسي: «إن الخاصية الأبرز التي أثرت في الهند ليست ذات طبيعة اقتصادية أو سياسية، بل دينية: التعايش بين الإسلام والهندوسية. وجود التوحيد الأكثر تشددا وصرامة أمام تعدد الآلهة الأكثر ثراء ودقة»[ccxix].

3. 2. الاتصال الأول للمسلمين بشبه القارة الهندية
بدأت محاولات المسلمين لفتح الهند منذ زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لكن جيشه لم يتمكن من الوصل إلا إلى حدود هذا البلد[ccxx]. لذلك علينا الانتظار حتى سنة 712 للحديث عن حضور إسلامي في شبه القارة الهندية. حسب أوكتافيو باث، كان لهذا الحضور منذ البداية وجهان: «حدثت الغارات الأولى للمحاربين المسلمين في إقليم السند. كان الأمر يتعلق في البداية بحملات سلب، سرعان ما تحولت إلى اجتياح غزو»[ccxxi].

جاء أمر الغزو من حاكم العراق الحجاج ابن يوسف، وقاد العملية ابن أخيه وصهره محمد بن قاسم الثقفي. بفضل هذا العمل تمكن المسلمون من بسط سيطرتهم على ولايتين كبيرتين: السند والبنجاب[ccxxii].

إن الأسباب التي أدت إلى غزو الهند تختلف عن تلك التي ذكرها أوكتافيو باث. يقوم جمال الدين شيال بسرد أهمها، فيذكر، على سبيل المثال، إرسال البراهمة، حكام السند، بعض الجماعات لإعانة الفرس في حربهم ضد المسلمين، وحماية هؤلاء الحكام لبعض المتمردين العرب عن سلطة الحجاج. والسبب الأهم يتمثل في أعمال القرصنة التي كان يقوم بها حكام السند ضد سفن المسلمين التي تبحر من جزيرة سيلان (سريلانكا الحالية) نحو الجزيرة العربية[ccxxiii].

3. 3. تأسيس سلطنة دلهي
أدى فتح السند والبنجاب، كما يقول باث، إلى تأسيس سلطنة دلهي الشهيرة سنة 1206، التي وقع احتلالها من قبل العديد من سلالات حاكمة من أصل تركي[ccxxiv]. السلالات التركية الأفغانية التي يتحدث عنها باث هي الغزنويون من مدينة غزنة الأفغانية، والغوريون الذين ينحدرون من إقليم الغور الأفغاني، وغيرها.

يقول أوكتافيو باث أن التغيير لم يؤثر على الهياكل الاجتماعية الأساسية، لذلك «لم تتغير الحياة بشكل ملحوظ في القرى والأحياء الفقيرة»[ccxxv]. لكن الملايين من الطبقات الفقيرة اعتنقت الدين الجديد (الإسلام).، ويعود تحول الهنود إلى الإسلام بالجملة، حسب باث، إلى ثلاثةعوامل: العمل السياسي والعسكري للمسلمين (الفتح)، وتحرر السكان الأصليين من القانون الهندوسي السيئ (كارميكا)، وحماس الدعاة الصوفية الذين ركزوا دعوتهم على منطقتي ما يعرف الآن بباكستان وبنغلادش.[ccxxvi]

لم يحاول المسلمون فرض دينهم بالقوة على الهنود، بل تبنى السلاطين موقفا متسامحا، لأنهم كانوا واعون بأنهم يحكمون بلدا «كان أغلب سكانه هندوسا، وتحويلهم بالسيف كما يدعي الأرثوذكس لا تسبب سوى الاضطرابات الخطيرة»[ccxxvii]. كانت الرغبة في الهيمنة على كامل الهند بمسلميها وغير مسلميها[ccxxviii] هي السبب في إتباع هؤلاء السلاطين سياسة التسامح. كان التغيير في المدن هام: تم استبدال الطبقة الحاكمة القديمة المؤلفة من البراهمة والتجار الأثرياء، بالطبقة الأرستقراطية التركية الأفغانية الجديدة[ccxxix].

بالرغم من الصراعات الداخلية التي مزقتها، كانت سلطنة دلهي «مركز العالم الإسلامي»[ccxxx]، غير أن للمفارقة «تزامنت ذروة تقدمها مع انحطاط الحضارة الإسلامية»[ccxxxi] التي تسارع تراجعها سنة 1258 بعد غزو قوات جنكيز خان عاصمة الخلافة العباسية بغداد ونهبها[ccxxxii]. وهكذا أصبحت دلهي ملاذا آمنا لعدد كبير من الفنانين والمثقفين، وحاولت أن تحل محل بغداد[ccxxxiii]. لكنها فشلت في تحقيق ذلك على المستوى العلمي والفلسفي[ccxxxiv].

حسب أوكتافيو باث لم يكن لدلهي شخصيات بارزة مثل ابن رشد وابن سينا[ccxxxv]. ولكن بالرغم من ذلك ظلت لبعض الوقت مركز جذب في العالم الإسلامي، قبل أن تختفي سنة 1526 مع اختفاء آخر سلالة لها، وهم اللوديون. أنهت حياة هذه السلطنة المعركة الأخيرة التي نشبت بين الملك إبراهيم ووالده بابر الذي يسبقه في السلطة[ccxxxvi].

3. 4. الإمبراطورية المغولية: من التأسيس إلى الانحطاط
3. 4. 1. تأسيس الإمبراطورية: ظهير الدين محمد
بَابُرْ
حكمت الإمبراطورية المغولية الهند على امتداد ما يقارب الثلاثة قرون. بدأت في القرن السادس عشر تحت حكم مؤسسها بابر، وبلغت أوج تقدمها في القرن السادس عشر والسابع عشر، ثم دخلت مرحلة من التراجع في القرن الثامن عشر، قبل أن تختفي في القرن التاسع عشر مع الاحتلال الانجليزي[ccxxxvii]. مثلت هذه الإمبراطورية لبعض الوقت «فترة الذروة في الحضارة الإسلامية في الهند»[ccxxxviii]، فكان قصر سلاطينها يجذب الشعراء والمؤرخين والفلاسفة والموسيقيين والمهندسين المعماريين [ccxxxix].

يعتقد أوكتافيو باث أن القرن السادس عشر هو قرن التغييرات الكبيرة، خاصة بعد إنشاء الإمبراطورية المغولية من قبل بابر سنة 1526. ينحدر بابر من ناحية أبيه من تيمور لنك، ومن ناحية أمه من جنكيز خان[ccxl]، وهكذا يجري في عروقه دم اثنين من أكبر المحاربين والقادة العسكريين لآسيا الوسطى[ccxli].

يذكرنا أصل هذين القائدين المغوليين والتركيين بالفظائع التي ارتكبتها هذه الشعوب سواء في الهند أو في آسيا الوسطى. غير أنهم عندما اعتنقوا الإسلام أصبحوا حماة العلوم والفنون والآداب، رغم أنهم لم يتخلوا أبدا عن القتل والتخريب[ccxlii].

لم يكن بابر مغوليا، فقد تحدث بازدراء في مذكراته عن المغوليين وتفاخر بأنه تركي. لذلك تعجب البعض من تسمية الدولة التي أسسها بالمغولية، «ولكن يفسر ذلك بسبب أن سكان الهند اعتادوا على تسمية كل الغزاة المسلمين مغول، باستثناء الأفغان»[ccxliii].

إضافة إلى كونه محاربا عظيما، «كان بابر أيضا منظما كبيرا وكاتبا رائعا»[ccxliv]. تتلخص فكرته السياسية القائمة على نشر قيم السلم والتسامح في الهند في الوصية السرية التي تركها لابنه وخليفته، همايون. ستكون لهذه السياسة تأثير على السلاطين الذين خلفوه، وبصفة خاصة همايون والسلطان الشهير محمد أكبر.

يعترف بابر في وصيته بالتنوع الثقافي للهند، ويوصي بالمساواة والعدل الاجتماعي، ويرفض أي شكل من أشكال التعصب الديني. ليجتذب قلوب الناس في هندوستان، أوصى بعدم ذبح الأبقار، وعدم تخريب معابد ودور عبادة أي مجموعة دينية. كما دعا إلى نشر الإسلام باللطف والحجة لا بالقوة والقهر. كان يأمل في أن تنتهي الصراعات المستمرة بين الشيعة والسنة لتفادي إضعاف الإسلام[ccxlv].

3. 4. 2. الإمبراطور العظيم محمد أكبر
ولد جلال الدين محمد أكبر، ابن همايون، سنة 1542 عندما كان والده في حملة ضد السند. عندما تلقى هذا الأخير، الخبر قام بتوزيع المسك على رجاله لينتشر اسم الطفل كانتشار رائحة هذا العطر[ccxlvi]. اهتم أوكتافيو باث بهذا الإمبراطور العظيم، وحاول البحث في انجازه الاجتماعي والسياسي الضخم المتمثل في المصالحة بين الهندوس والمسلمين: «لم تتوقف التوترات بين الهندوس والمسلمين، ولكن كانت هناك لحظة انسجام تحت حكم الإمبراطور العظيم أكبر (1556-1605). لهذه الشخصية مكانة عند الهنود تضاهي مكانة أشوكة عند البوذيين أو شارلمان عند الأوروبيين»[ccxlvii].

تنقسم مدة حكم محمد أكبر، التي دامت حاولي نصف قرن، إلى ثلاث فترات. خلال الفترة الأولى كان الحاكم الحقيقي للإمبراطورية الوزير الشيعي المجرب بيرم خان. في الفترة الثانية حاولت بعض نساء القصر فرض رغباتهن على السلطان.أما الفترة الأطول فقد كانت الفترة الثالثة (1562-1605) عندما أخذ السلطان زمام السلطنة بيديه[ccxlviii].

أشار أوكتافيو باث إلى اهتمام محمد أكبر في شبابه «بالشعر الفارسي، وخصوصا بشعر حافظ المتأثر إلى حد كبير بوحدة الوجود الصوفية، والمصبوغ بصبغة العشق المبالغ فيه»[ccxlix]. لكن المؤرخون يكشفون عن تفاصيل أخرى مهمة من شبابه، مثل أنه كان مسلم سني جيد، وأنه كان يحترم العلماء والزهاد والمتصوفة، حتى بلغ به الأمر إلى أن يعوض المؤذنين، فيقوم بالنداء إلى الصلوات في المسجد[ccl].

3. 4. 3. محمد أكبر: من التسامح إلى الدين الجديد

يعتقد أوكتافيو باث أن اهتمام محمد أكبر في شبابه بالتصوف ربما جعله يهتم بالأديان الأخرى[ccli]. لذلك كلف مجموعة من حكماء الهندوس لترجمة أفضل الكتب في اللغة السنسكريتية إلى اللغة الفارسية التي كانت اللغة الشعبية لهندوستان آنذاك. في هذا الإطار وقع ترجمة التهارفا فيدا، ورامايانا، ومهابهاراتا[cclii]. تجدر الإشارة إلى إعجاب محمد أكبر بالمعرفة، فقد كانت لديه مكتبة تظم 24.000 كتاب قديم، رغم أنه لم يكن يحسن القراءة والكتابة. كان يعول فقط على بصيرته وذاكرته الجيدة التي مكنته من استيعاب كل ما كان يقرأ له من الكتب القديمة[ccliii].

فهم محمد أكبر بسرعة، وكما نصحه جده بابر، أن الهند بأراضيها الشاسعة وتعدد أديانها ومعتقداتها لا يمكن أن تحكم إلا من خلال سياسة تصالحية بين كل الهنود. لذلك حاول جذب الهنود واتخاذ عديد الخطوات لكسب ثقتهم، فتزوج أميرة راجبوت (واحدة من السلالات الهندية المهمة)، وعين اثنين من الراجبوت كقائدين في صفوف جيشه، كما ربط صداقة مع عدد من الضباط والموظفين الهندوس أيضا[ccliv]. ألغى كذلك الضرائب التي كان يدفعها الهندوس بصفتهم غير مسلمين. وباختصار «تحولت سياسة التسامح إلى سياسة تصالح»[cclv].

بعد فترة الشاب المسلم السني الجيد هذه، تخلى محمد أكبر عن معتقداته القديمة، وبدأ يفكر في تكوين دين جديد. حسب أوكتافيو باث، بنا سنة 1575 بيتا سماه غرفة الشعائر حيث «كان يجتمع رجال دين ورهبان من مختلف المعتقدات: مسلمين سنة وشيعة، وصوفية، وبانديت، وعلماء في كتب وفلسفات الهند، وأتباع زرادشت، وأخيرا يسوعيين من إقليم غويا (الهند). تحدى استياء كثير من المسلمين النافذين، وأصدر مرسوما سماه الإيمان الإلهي، حيث عين نفسه حكما بين النزاعات الدينية»[cclvi].

كانت تعقد هذه الاجتماعات كل يوم خميس بحضور محمد أكبر. ذات يوم احتد الخلاف بين ممثلي مختلف المذاهب والأديان، فأخذ محمد أكبر القرار بإعلان نفسه "الإمام العدل"، أو "حكم النزاعات الدينية"، حسب تعبير أوكتافيو باث. لكن محمد أكبر لم يكن ينوي أن يصبح رئيسا لدين جديد، رغم أنه كان يحاول «فرض إرادة السلطان على جميع الناس والمعتقدات»[cclvii]. لقد أصبح هذا الامبراطور في الحقيقة حاكما مطلقا، لأنه استولى على السلطة الدنيوية والسلطة الروحية معا، وافتك من العلماء الحق في التدخل في الشؤون السياسية[cclviii].

يقوم "الدين الإلهي" على وحدانية الله واعتبار محمد أكبر خليفته في الأرض. يحظر هذا الدين الجديد أكل أي نوع من اللحوم، ويدعو إلى السجود للإمبراطور، وأحد شعائره هي تقديس الشمس والنار. شعاره هو"الله أكبر"، وتحيته هي أيضا "الله أكبر"، وجوابها هو "جل جلاله". وحتى لا ينسى المسيحيين، خصص الإمبراطور يوم الأحد للاحتفال بدخول الناس إلى الدين الجديد[cclix].

3. 4. 4. استقبال الهنود لأعمال محمد أكبر
في حين رحب الهندوس بإجراءات محمد أكبر، وخصوصا «الطبقات العليا […] علماء اللاهوت والبراهمة والمثقفين عموما»[cclx]، اتسم موقف المسلمين بصفة عامة بالرفض. استياء هؤلاء يعود إلى القلق الذي أظهروه منذ الأيام الأولى لوصول المغول إلى الهند: «لم يكن من السهل نسيان أن نساء جنكيز خان كن من أديان مختلفة، وهو دلالة إنصاف بين كل المعتقدات، ولا أن تيمور لنك كان يحابي بدع الشيعة. في حالة (محمد) أكبر تحول الارتياب إلى استنكار»[cclxi].

ولكن المعارضة الأعظم لمحمد كبر مارسها الشيخ أحمد السرهندي، على الرغم من أنها كانت معارضة سلمية، أي دون اللجوء إلى العنف، وذلك لأن :«طاعة الملك جانب رئيسي من القانون الإسلامي»[cclxii]، حسب أوكتافيو باث. دافع السرهندي على الأمة الإسلامية، وخاصة العلماء وموظفي العرش ورجال الحاشية[cclxiii]. دعا إلى إصلاح النظام، وانتقد العلماء الذين يذهبون إلى السلطان طلبا لمرضاته. مهدت حركته الطريق إلى حركة أخرى ظهرت في القرن الثامن عشر يقودها شاه ولي الله حلوي[cclxiv].

3. 4. 5. خلفاء محمد أكبر: من جاهنكير إلى أورنكزيب
أ- جهانكير وسياسة التسامح

تولى نور الدين جاهنكير العرش سنة 1605 بعد وفاة والده محمد أكبر. السلطان الجديد «لم يتبع سياسة المصالحة لوالده، لكنه لم يسقط في الطرف المقابل. كانت فترة حكمة فترة تسامح وتعايش»[cclxv]. حافظ على هيمنة طبقات الهندوس العليا، لكنه لم يقم بدمج الديانتين (الإسلام والهندوسية)[cclxvi]. يرى البعض أن جاهنكير سار فعلا على خطى والده في اضطهاد علماء السنة وتبجيل الشيعة، فقد سجن الشيخ أحمد السرهندي لانتقاده "الدين الإلهي" لمحمد أكبر، وكذلك لإرضاء الشيعة. لكن سرعان ما عفا عنه وعينه في قصره. تمكن السرهندي من التأثير في جاهنكير، مما جعله يزيل العديد من القوانين التي أصدرها والده. وهكذا منع السجود للملك، وسمح بذبح البقر وأكل لحمه، وأعاد بناء المساجد المدمرة...[cclxvii].

كان جاهنكير كاتبا موهوبا، وكان على قدر كبير من المهارة السياسية[cclxviii]. لكن بما أنه كان محبا للمتعة، سلم حكم الإمبراطورية إلى زوجته، المرأة الجميلة والذكية نور جهان، كما حدث مع «فرنسا تحت حكم لويس الخامس والسيدة بومبادور»[cclxix].

تجدر الإشارة إلى أن في عهد هذا السلطان أعربت انجلترا عن اهتمامها بالهند، وذلك بإرسالها سنة 1608 أول مبعوث لها إلى جاهنكير. بعد سبع سنوات أرسلت مبعوثا ثانيا، توماس، الذي تمكن من كسب احترام السلطان بفضل ذكائه والهدايا الممتازة واللؤلؤ التي قدمها إلى مسئولي الدولة[cclxx].

ب- شاه جهان والازدهار المعماري
تولى شاه جهان العرش خلفا لوالده بعد أن قام «بقتل شقيقه وأقارب آخرين يشتبه في تطلعهم إلى العرش، حسب تقاليد العائلة»[cclxxi]. كانت فترة حكمه (1628-1659) فترة ازدهار عمراني وفني. يؤكد هنري شيرلين في هذا الصدد: «وصلت قوة المغول إلى الذروة مع شاه جهان. عرف المجال المعماري والفني فترة ازدهار، فبالإضافة إلى القصور السلطانية الفخمة في أغرا ودلهي ولاهور، العمل التحفة هو، دون شك، ضريح تاج محل في أغرا المشهور في جميع أنحاء العالم»[cclxxii].

لكن عرف شاه جهان في السنوات الأخيرة من حكمه الكثير من المشاكل الصحية لتعاطيه الأفيون. كما لم يقدر على تحمل حرب الخلافة بين أبنائه الثلاثة التي انتهت بانتصار أورنكزيب الذي قام «بقتل إخوته الثلاثة وسجن والده في القصر»[cclxxiii].

ت- أورنكزيب وبداية النهاية
احتل أورنكزيب العرش سنة 1659 وتوفي سنة 1707 وعمره ثماني وثمانين عاما. خلال فترة حكمه التي دامت حوالي نصف قرن «استطاع معرفة كيف أن انتصاراته وصرامته الشخصية ومبادئه الجامدة أدت إلى تخريب إمبراطوريته»[cclxxiv]. يعتبر أوكتافيو باث أن أورنكزيب هو المسئول عن خراب الإمبراطورية المغولية. فهذا السلطان السني المتعصب، حسب رأيه، كان يسعى إلى تحقيق المستحيل: «حكم إمبراطورية واسعة تتكون من أغلبية من الهندوس وفقا لمبادئ زاهد مسلم»[cclxxv].

كان أورنكزيب معروفا منذ شبابه بوفائه إلى التعاليم السنية. ألغى الاحتفال ببداية السنة الفارسية، ومنع دخول الشيعة والطوائف الأخرى إلى البلاد، الشيء الذي حرمه من مساهمة جنود أقوياء[cclxxvi]. لكنه كان فائق الذكاء وشديد الأخلاق وذا إرادة لا تقهر[cclxxvii]. هذه الإرادة القوية التي يتحدث عنها أوكتافيو باث هي التي أدت به إلى قضاء ستة وعشرين سنة من حياته محاربا في الديكان[cclxxviii] لنشر الإسلام بين الهنود، والقضاء على المذهب الشيعي. أنفق في هذه الحرب الكثير من المال، وقتل فيها الملايين من الجنود والمدنيين[cclxxix].

فاقم أورنكزيب الانقسام بين الهندوس والمسلمين بإعادة فرض الضريبة على غير المسلمين. بالإضافة إلى ذلك أبعد الهندوس عن مناصب الدولة وقد رأى بداية تمردهم في فترة حكم والده، كما قام بهدم بعض معابدهم[cclxxx]. لكن البعض لا يرى أن أورنكزيب هو المسئول الوحيد عن تراجع الإمبراطورية، لأنه من ناحية استلم بلدا دمرته حرب الخلافة بينه وبين إخوته، ومن ناحية أخرى كان للجفاف الذي ضرب البلاد نتائج خطيرة[cclxxxi].

3. 5. الاحتلال البريطاني والنضال من أجل الاستقلال
3. 5. 1. نهاية الإمبراطورية المغولية وانتصار البريطانيين

تميزت فترة انهيار الإمبراطورية المغولية (من بداية القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر) بالصراعات بين السيخ والمراتهس[cclxxxii]، واضمحلال الدولة، والوجود البريطاني من خلال شركتهم، شركة الهند الشرقية[cclxxxiii].

يرى أوكتافيو باث أن التوتر بين المسلمين والهندوس خف في ذلك الوقت، دون التوصل إلى اتفاق مصالحة بين الديانتين: «ما لم يحصل هو وجود حركات مصالحة دينية أو ثقافية، مثل حركة أكبر (محمد أكبر)، أو في الحالة القصوى، مثل حركة كبير أو توكرام. لكن رغم أن الكيانان استمرا منفصلين ومتنافسين، إلا أن حدة الخلاف قد خفت»[cclxxxiv].

الأوروبيون الأوائل الذين استقروا في الهند هم البرتغاليون في القرن السادس عشر. ونظرا للفكرة الجيدة التي نشروها في أوروبا حول ثروة الهند وكرم حكامها وجودهم مع المسيحيين، جاء إلى هذه البلاد في القرن السابع عشر كل من الهولنديين

والفرنسيين والانجليز[cclxxxv]. على خطى الهولنديين، عمل الانجليز على غزو الأسواق الآسيوية، وبصفة خاصة أسواق الهند[cclxxxvi].

هذا البطل الجديد (الانجليز) الذي «لم يأت من آسيا الوسطى مثل الأتراك والمغول، بل من وراء البحار»[cclxxxvii]، ليست له نوايا دينية، بل اقتصادية وسياسية، رغم أنه كان موحدا مثل المسلمين[cclxxxviii]. المنظمة التي تكفلت بهذه المهمة هي شركة الهند الشرقية التي «في وقت قصير […] تحولت إلى قوة عسكرية وسياسية»[cclxxxix].

3. 5. 2. الهند: من الاحتلال إلى الاستقلال
بدأ الغزو الأوروبي لهندوستان مع وصول فاسكو دي غاما إلى كاليكوت سنة 1498، الذي مهد الطريق للبرتغاليين ليستقروا هناك في القرن السادس عشر. ولكن بعد قرن من ذلك التاريخ تم تعويضهم بالهولنديين والانجليز والفرنسيين[ccxc]. في سنة 1640 أسس البريطانيون الشركة التجارية البريطانية للهند في مادراس[ccxci]. يعتبر أوكتافيو باث الغزو البريطاني للهند «انجاز تاريخي كبير، استمر أكثر من قرن، وتعاقبت عليه شخصيات غير عادية»[ccxcii]. أشهر تلك الشخصيات هو روبارت كلايف (1757-1767)، على الرغم من وجود شخصيات أخرى سياسية ومحاربة مرموقة، على غرار وارن هاستينغ ووليستلي[ccxciii].

يقول أوكتافيو باث أن البريطانيين احترموا المؤسسة الملكية المغولية التي كان يمثلها الإمبراطور بهادر شاه الثاني، المحب الكبير للشعر الأردي. غير أن ذلك لم يمنع تمرد الجنود الهنود في الجيش البريطاني، والجنود الهنود في شركة الهند الشرقية ، والعديد من الأمراء المسلمين سنة 1857[ccxciv]. وبالرغم من استيلاء المتمردون على دلهي وتعيين حاكما لها، فقد استطاع البريطانيون سحقهم في أقل من سنة، رغم قلة عدد قواتهم والقوات الحليفة. سنة 1858 أنشأ البريطانيون نظاما جديدا لحكم الهند. فتم استبدال الشركة بوال، وأعلنت الملكة فيكتوريا إمبراطورة على الهند. ومن بين الإصلاحات التي أدخلها هذا النظام الجديد هو إلغاء الدمج بين الدين والدولة. فكان المسلمون هم الأكثر تضررا من هذه السياسة[ccxcv].

اتهم العديد من المسلمين البريطانيين بتعميق الفصل بينهم وبين الهندوس، ومنح هؤلاء عدة امتيازات. لكن، حسب باث، كان هذا الفصل موجودا منذ تأسيس سلطنة دلهي، باستثناء فترة حكم محمد أكبر. كان التعايش بين الإسلام والهندوسية صعبا.

بفضل عصر الحرية الدينية هذا توقف الهندوس عن دفع الضرائب للمسلمين، وتعايشوا بشكل أفضل مع الموحدين المسيحيين. يعود هذا الأمر،حسب أوكتافيو باث، إلى أن «المبشرين المسيحيين لم تكن تربطهم علاقات خاصة بالدولة مثلما كان الحال بالنسبة للعلماء ورجال الدين»[ccxcvi]. يقول أحد الروائيين الهندوس، باكيم شاندرا شاتيرجي[ccxcvii]، أن إلغاء سلطة المسلمين من قبل البريطانيين هو من أعمال الآلهة فيشنو الذي مهد الطريق لبعث الهندوسية من جديد. لكن يعتقد أوكتافيو باث أن نبوءة باكيم لم تتحقق بأكملها، لأنه بالرغم من انقسام الإمبراطورية المغولية إلى بلدين (الهند وباكستان)، لم يتم بعث جديد للهندوسية[ccxcviii].

كان اعتماد نظام التعليم الانجليزي سنة 1835 هو أحد الإصلاحات الحاسمة في تاريخ الهند. تم إدخال هذا الإصلاح من قبل المؤرخ الكبير ماكولي الذي استند في قراره على «ازدرائه للتقاليد الهندية والإسلامية والهندوسية، وكذلك على إشادته القوية بالثقافة الأوروبية، وخاصة اللغة الانجليزية، التي كان يراها، وهو محقا، أنها اللغة الكونية للمستقبل»[ccxcix]. يفسر أوكتافيو باث النزعة المركزية الأوروبية هذه لدي ماكولي بعدم قدرة الثقافة الهندوسية والثقافة الإسلامية على إنتاج مجموعة من المعارف الأدبية والفنية على غرار الثقافة الأوروبية. كانت كل من الحضارة الهندوسية والحضارة الإسلامية في حالة تحجر روحي[ccc].

اقترن تهميش المجتمع المسلم في الهند بتهميش اللغة الفارسية بعد الإصلاح التربوي. بالإضافة إلى ذلك يرى أوكتافيو باث أن الثقافة الانجليزية «لم تجمع الهندوس والمسلمين، بل فرقتهم أكثر»[ccci]، لأن كل من المسلمين والهندوس تشبثوا بأديانهم وهويتهم الثقافية.

كان الدين حاضرا في حركة الاستقلال لدى الأمتين. يعتقد أوكتافيو باث أن السياسيين يستوحون أفكارهم من الإصلاح الديني الهندوسي. استندوا على رسائل شري راماكريشنا الشهير «الذي رأى الله في مختلف تجلياته: كريشنا والمسيح ومحمد»[cccii]، من أجل الخلط بين الهندوسية والقومية وتعزيز المعارضة للبريطانيين.

حدثت نفس الظاهرة بين المسلمين، الذين حاولوا تنظيف الإسلام من الخرافات وتشويهات أخرى، وإثارة الحماسة القومية. وهكذا «أصبحت السياسة لا تميز عن الدين (إن فصل الإسلام بينهما ذات يوم)»[ccciii]، حسب رأي أوكتافيو باث.

قاد الكفاح من أجل الاستقلال المؤتمر الوطني الذي اجتمع لأول مرة سنة 1885. يؤكد باث أن مشاركة المسلمين في هذا المؤتمر كانت ضئيلة، لذلك كانت أنشطته تثير الشك لديهم[ccciv]. القوة التي اكتسبها المؤتمر الوطني، حسب باث، كانت بسبب تعنته ضد سلطة البريطانيين. ولكن كان يستمد قوته أيضا من مطالب العدالة الاجتماعية، ومن قوميته المفرطة، وخاصة ضد المسلمين[cccv].

3. 5. 3. استقلال باكستان والصراعات الدموية
اقترن استقلال الهند بانفصال باكستان سنة 1947. طالبت الجامعة الإسلامية بقيادة محمد علي جينا أثناء المفاوضات بإنشاء دولة مستقلة تسمى باكستان أو أرض النقاء. تسبب استقلال باكستان في مجازر رهيبة وتشريد مدن بأكملها. توقفت أعمال الشغب بين الباكستانيين والهنود بعد اغتيال غاندي سنة 1948[cccvi].

يفسر أوكتافيوباث عمليات القتل هذه بعدم وجود تآلف، مثل ذلك الذي وقع مع الكاثوليكية المسيحية في أوروبا، أو في إيران مع انتشار الإسلام[cccvii]. فاستقلال باكستان هو بالتالي نتيجة استحالة التعايش بين المسلمين والهندوس. بالنسبة لباث الصراع الدموي بين الأمتين، كما هو الحال بين العرب واليهود، يدحض مقولة «عقلانية التاريخ المفترضة»[cccviii].

يعتقد أوكتافيو باث أن الصراع بين الهند وباكستان الذي بدأ منذ الأيام الأولى للاستقلال هو حرب اندلعت بين أمتين في نفس الأرض، وفي نفس المجتمع الذي يتكلم نفس اللغة، ويتقاسم نفس الثقافة[cccix]. بعد استقلال باكستان تميزت العلاقات الثنائية بين الهند وجارتها بالتنافس والتوتر. يلخص أوكتافيو باث أسباب هذه التوترات بما يلي: «احتلال الهند لجزء من كشمير، وصداقة باكستان مع الولايات المتحدة ثم مع الصين، وإشارات الود من قبل الهند نحو روسيا، والانحرافات في سياسة الحياد لديها، والتزامها بعديد القرارات السيئة لمنظمة دول عدم الانحياز»[cccx].

4. الحروب والثورات الحديثة في العالم العربي
4. 1. الصراع العربي الإسرائيلي
4. 1. 1. الدعم الغربي لإسرائيل

الصراع العربي الإسرائيلي، وفقا لأوكتافيو باث، معقد، ويتميز بمختلف المنافسات والانقسامات، ولا يخلو من مصالح وطموحات القوى الدولية[cccxi]. أبطال هذا الصراع عديدون: «اليهود والفلسطينيون في إسرائيل، والمسيحيون والمسلمون في لبنان، والبدو والفلسطينيون في الأردن،والسنة والشيعة في مكان آخر، ناهيك عن الأقليات العرقية والدينية مثل الأكراد»[cccxii]. تلتقي في هذا الصراع تطلعات وأهواء ومصالح متنوعة للغاية، تتراوح بين الاقتصادي والديني والفردي[cccxiii].

الولايات المتحدة ملتزمة بدعم إسرائيل والحفاظ على استقلالها، لتلبية طموحات اليهود الأمريكيين، وبالتالي الحصول على أصواتهم في الانتخابات[cccxiv]. لذلك فان العلاقة بين البلدين، حسب تعبير باث، فريدة من نوعها، ويكافأ الصوت اليهودي بالأسلحة الأمريكية[cccxv].

كارلوس فوينتاس بدوره يحمل الولايا ت المتحدة المسئولية عن كل هذا الصراع. فالأمريكيون هم الذين لم يضغطوا على إسرائيل لتعيد الأراضي المحتلة وتضع حدا لسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. الأمريكيون هم الذين لم يجبروا إسرائيل على الخضوع لقرارات مجلس الأمن رقم 194 و242. الأمريكيون هم الذين لم يدافعوا منذ البداية عن حق الفلسطينيين في الحصول على دولة[cccxvi].

يعتقد كارلوس فوينتاس أن العنف الذي يسود الشرق الأوسط والذي عانى منه الفلسطينيون ولا يزالون أدخله الغربيون إلى هذا الجزء من العالم. ولكن هذا العنف «يختلف عن كل أشكال العنف الأخرى، لأنه ليس عفويا، بل مخطط له بعناية»[cccxvii]. في الواقع، "المشروع الصهيوني" في فلسطين هو استمرار لعنف الاحتلال الغربي في الشرق الأوسط[cccxviii]. في المقابل، لم يولد العنف الفلسطيني من مشروع، هو"عاطفة"، لذلك سرعان ما ينفد ويستهلك[cccxix].

4. 1. 2. إنشاء دولتين: فلسطينية وإسرائيلية
كل من كارلوس فوينتاس وأوكتافيو باث يدعوان إلى قيام دولتين، واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية في فلسطين. حسب فوينتاس، فان وجود دولتين مرتبط بوجود زعماء آخرين جدد، وشباب، ومثقفين، وواعين بأن «العدل والتاريخ يفرضان دولة لإسرائيل، ودولة للفلسطينيين، يعيشان جنبا إلى جنب، وبأراضي محددة، وموارد خاصة، واحترام متبادل»[cccxx]. يحيلنا فوينتاس بهذا الموقف إلى الكاتب الفلسطيني الكبير المقيم في أمريكا، ادوارد سعيد، الذي يدافع عن نفس الفكرة. يؤمن سعيد بدولة فلسطينية «ذات سيادة كاملة، وبحدود وأرض وقوى خاصة»[cccxxi].

من ناحيته، يقول أوكتافيو باث أن السلام غير ممكن بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما لم يوجد اعتراف متبادل بين الدولتين[cccxxii]. كما يعتقد أن التعايش بين اليهود والعرب مصير لا مفر منه، ليس فقط لأن «أيا من المتخاصمين لا يمكنه تحقيق النصر النهائي وتدمير الخصم»[cccxxiii]، بل لأن الاثنان «هما فرعان لجذع واحد، ليس فقط من حيث الأصل، بل من حيث اللغة والدين والتاريخ. إن أمكنهما التعايش في الماضي، فلم يتقاتلون الآن؟».[cccxxiv]

لذلك يرفض باث الأعمال العسكرية، ويدعو إلى تسوية سياسية للصراع تضمن حق كل من الفلسطينيين واليهود في وطن لهم[cccxxv]. لكنه يتهم الفلسطينيين باللجوء إلى أساليب صراع "بغيضة"، بإتباعهم سياسة "متعصبة ومتشددة"، واتخاذ "حكومات عدوانية وإجرامية" أصدقاء لهم، رغم أن ذلك لا ينقص من شرعية تطلعهم إلى إقامة دولة مستقلة[cccxxvi]. يحقق أوكتافيو باث في أسباب ما يسميه التعصب والتعنت الفلسطيني، فيرجعه إلى «التعنت الإسرائيلي والأنانية الأردنية والسياسة الماكرة لعديد الدول العربية، وخصوصا سوريا وليبيا»[cccxxvii]. يستخدم صاحب جائزة نوبل المكسيكي باث كلمات أندري بروتون التي تقول أن «العالم مطالب بتعويضات للشعب اليهودي» [cccxxviii]، للتأكيد أن «إسرائيل مطالبة بتعويضات للفلسطينيين»[cccxxix].هي أيضا.

غابريال غارثيا ماركيث يدعم أيضا حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم، مشددا على رفض إسرائيل لهذا المطلب. يقول أن بيغين أعلن أن الضفة وقطاع غزة، الأراضي التي سوف تقام عليها الدولة الفلسطينية المستقلة، "أراضي أجداد اليهود"[cccxxx]. الكاتب الكولومبي يحيلنا إلى التاريخ ليسلط الضوء على إمكانية التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في إشارة إلى مظاهرة إسرائيليين ضد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1981، يقول: «كان هناك أكثر من 400,000 إسرائيلي يعلنون في الشارع أن تلك الحرب القذرة ليست حربهم، لأنها بعيدة جدا عن أن تكون حرب إلههم، الذي رضي لقرون عديدة بتعايش الفلسطينيين واليهود تحت سماء واحدة»[cccxxxi].

4. 1. 3. أنور السادات واتفاقية كامب ديفيد
كمناصر لحل سياسي للصراع العربي الإسرائيلي، اتفاق السلام الذي أمضاه الرئيس المصري أنور السادات والوزير الأول الإسرائيلي مناحيم بيغين في 17 سبتمبر 1978، أرضى أوكتافيو باث. بالنسبة له، يتمتع أنور السادات بمكانة استثنائية في العالم العربي بسبب «جرأته ورؤيته وكرمه»[cccxxxii]. اتفاق السلام هو انتصار لواقعيته ووضوحه وشجاعته[cccxxxiii]. لذلك كان اغتيال الرئيس المصري أكثر مأساوية من وفاة صاحب جائزة نوبل للآداب الايطالي أوجينيو مونتالي[cccxxxiv]. كانت وفاته نتيجة "للحقد الطائفي" المكون من شكلين من التعصب: «التعصب القديم (الديني) والتعصب الحديث (الإيديولوجي»[cccxxxv].

يرى غارثيا ماركيث أن تقييم هذه الاتفاقية يكون من حيث نتائجها، سواء على السادات أو بيغين. بالنسبة للرئيس المصري كلفته «الاستنكار الفوري للأمة العربية، وكلفته حياته لاحقا»[cccxxxvi]. بالنسبة لبيغين سمح له هذا القرار «بالتنفيذ المنهجي لمشروعه الاستراتيجي الذي لم يكتمل بعد […]، وهيأ للمذبحة الوحشية لأكثر من ألف لاجئ فلسطيني في مخيم ببيروت»[cccxxxvii]. بالإضافة إلى ذلك اتخذ بيغين هذه الاتفاقية كذريعة لوضع حد لمنظمة التحرير الفلسطينية وبناء مستوطنات جديدة في الأراضي الفلسطينية[cccxxxviii].

4. 1. 4. الاحتلال الإسرائيلي والتهجير الفلسطيني
يرى كارلوس فوينتاس أن فلسطين كان يسكنها العرب قبل وصول اليهود والأوروبيون. لكن يعتقد هؤلاء أن «كل ما لم يكن أوروبا [...] هو قابل للاحتلال»[cccxxxix]. اليهود يلقون باللوم على العرب في النكبة التي أصابتهم في أوروبا، لذلك أجبروهم «على دفع ثمن الأفران النازية»[cccxl]. والنتيجة هي الحروب المتتالية والاغتيالات والصراعات الدموية بين العرب واليهود.

لكن أوكتافيو باث يعتبر تأسيس إسرائيل، والكفاح من أجل "وجودها واستقلالها"، و"توحيد القدس"، واحدة من اللحظات والحلقات المضيئة" في القرن العشرين، هذا القرن "القاتم وغير الإنساني"[cccxli]. يقول أيضا أن «أي محاولة لتقسيم القدس من جديد سوف لن يكون خطأ تاريخيا كبيرا وغير مبرر فحسب، بل سوف يؤدي مرة أخرى إلى تضحيات لا تحصى من قبل اليهود والعرب»[cccxlii].

يعود موقف أوكتافيو باث هذا الداعم لإسرائيل، إلى حد ما، إلى استلامه جائزة القدس الدولية سنة 1977، التي تحصل عليها قبله بورخيس سنة 1971. الرسالة التي تلقاها من رئيس بلدية القدس لإخباره بالجائزة أسعدته بصفة لا توصف: «على متن الطائرة فكرت مرة أخرى في سر الحرية، واكتشفت أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بصخور القدس ومصيرها»[cccxliii]. عند وصوله إلى القدس انتابه شعور بالعودة إلى الأصل والى الأفكار الأساسية للحضارة الإنسانية[cccxliv].

من ناحية أخرى يعتقد أوكتافيو باث أن معاملة الإسرائيليين، "شعب المحرقة"، للفلسطينيين لم تكن سخية، لذلك كان عليهم اللجوء أولا الى الأردن، ولاحقا الى لبنان. في الأردن «تسببوا في حرب أهلية، حتى تم سحقهم من قبل البدو، إخوانهم في الدم والدين»[cccxlv]. أما لبنان فقد جعلوا منه "قاعدة عمليات ضد إسرائيل"، وساهموا مع السوريين في تقطيع أوصاله، وأثاروا "حرب شرسة ضد اللبنانيين المسيحيين"[cccxlvi].

سمحت اتفاقية كامب ديفيد لإسرائيل التعامل مع الجبهة اللبنانية. وبالفعل قررت اجتياح هذا البلد في 5 جوان 1981 لإبادة منظمة التحرير الفلسطينية. بالرغم من معارضته للحرب لحل هذا الخلاف، لم يدن أوكتافيو باث بوضوح هذا الغزو. على العكس من ذلك وجد بعض الأسباب لتبريره. قال أن نجاح إسرائيل في هذه الحرب يعود في جزء منه إلى «دعم المسيحيين وكثير من المسلمين الذين تعبوا من الاحتلال السوري وتجازات الفلسطينيين الذين جعلوا من بيروت مقرا عاما لهم»[cccxlvii].

في المقابل أدان غارثيا ماركيث بشدة غزو لبنان، واصفا القوات الإسرائيلية «بالقوات العسكرية […] المتخصصة في علم الهدم والتدمير»[cccxlviii]. رفض الحجتين التين قدمهما بيغين لتبرير هذه الحرب: محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، وقصف الجليل من قبل منظمة التحرير الفلسطينية[cccxlix]. لذلك اعترض على منح جائزة نوبل للسلام لسنة 1978 إلى بيغين نظرا لجرائمه وإيديولوجيته العنصرية[cccl].

بعد غزو لبنان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث ارتكب بيغين وشارون مجزرة ذهب ضحيتها ألف لاجئ فلسطيني في بيروت، منحه غارثيا ماركيث "جائزة نوبل للموت"[cccli].

على النقيض من ماركيث، بورخيس معجب بالشخصية الحربية لإسرائيل. كتب حول ذلك قصيدتين سنة 1967، سنة اندلاع حرب الأيام الستة بين العرب والإسرائيليين. المعركة التي شنتها إسرائيل ضد العرب بالنسبة لبورخيس هي حرب دينية دفاعا عن وجودها التاريخي[ccclii]. إن انتصار إسرائيل في هذه الحرب، بالنسبة لبورخيس، هو بعث شعب محكوم عليه بالانقراض، شعب شجاع يأخذ بالثأر من التاريخ، وينتصب شامخا كالأسد[cccliii].

4. 2. حرب السويس
4. 2. 1. موقف غارثيا ماركيث منها

في مقال بعنوان "خمس دقائق من الحرب الثالثة"، نشر في ديسمبر سنة 1956، يتناول ماركيث موضوع حرب السويس التي أعلنتها كل من فرنسا والمملكة المتحدة وإسرائيل ضد مصر بعد تأميم عبد الناصر، الرئيس المصري، قناة السويس في نفس تلك السنة. في ذلك المقال يدين ماركيث بشدة هذه الحرب التي يصفها بأنها "مغامرة" خطيرة يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. يتحدث عن الخطر الكبير للكارثة عندما يشير إلى الرسالة التي بعثها الاتحاد السوفيتي إلى الولايا ت الأمريكية، معتبرا أنها رسالة «أشرت على اللحظة الدقيقة التي كان فيها العالم على بعد سنتيمترين من الكارثة»[cccliv]. حسب ماركيث، يمكن أن يؤدي تهور أبطال هذا الصراع إلى التدمير الكامل للبشرية[ccclv].

ويتجلى عدم موافقة ماركيث على هذه الحرب كذلك في رفضه للتفسير الذي قدمه الوزير البريطاني للتدخل في السويس، والذي صرح بأن «هذه ليست حربا […]. إنها عملية بسيطة للشرطة لضمان حرية المرور في القناة»[ccclvi]. علق ماركيث بأن «ذلك لم يكن سوى طريقة بريطانية لتسمية الأشياء»[ccclvii].

كما يشدد ماركيث على معارضة عدة أطراف للحرب: الشعوب ورؤساء الأحزاب في المملكة المتحدة، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة. لكنه يعتقد أن «الرأي العام في لندن لم يعبر عن نفسه فقط من خلال أطنان من الرسائل إلى الجرائد، بل مباشرة من خلال المظاهرات الحاشدة»[ccclviii].

حسب ماركيث، سد رئيس الوزراء البريطاني أذنيه عن الرأي العام، وذهب إلى الحرب مع فرنسا وإسرائيل التي قدم لها خدمة مجانية. لذلك قررت المعارضة البرلمانية مسائلة الحكومة لأنها ذهبت «إلى أبعد مما يعتقد في مساعدتها العسكرية لإسرائيل»[ccclix]، منزلة قواتها في بلد بعيد جدا عن أوروبا وعن غرفة نومها[ccclx].

4. 2. 2. الجنرال عبد الناصر يائس ووحيد
المسئولون الذين تورطوا في هذا النزاع هم الوزير الأول البريطاني أنطوني ايدن، والوزير الأول الفرنسي غي موليه، ورئيس الحكومة السوفيتية المشير بولغانين، والرئيس الأمريكي ايزينهاور، وجمال عبد الناصر الرئيس المصري.

مثلما يحدث في الرواية النفسية، ماركيث يحاول الخوض في نفسيات أبطال هذه الحرب، مسلطا الضوء على مختلف ردود أفعالهم ومواقفهم أثناء الحرب. استخدم فن مقارنة مختلف النفسيات أمام الحدث الواحد في روايته "الأوراق الذابلة"، حيث يروي موت طبيب من خلال ثلاث زوايا مختلفة: زاوية الطفل، وزاوية الأم وزاوية الجد. يقول الكاتب أن كل هؤلاء الرؤساء لم يكحل النوم أجفانهم ليلة 5 نوفمبر (ليلة الحرب)، باستثناء الرئيس الأمريكي ايزينهاور الذي كان هادئا ونام جيدا تلك الليلة، لأنه لم يكن جزء من التحالف، ولأنه منشغل بالانتخابات الرئاسية أيضا[ccclxi].

أما بخصوص عبد الناصر، يقول ماركيث أنه لم يكن يواجه العدوان الخارجي فحسب، بل أيضا التهديد الداخلي من قبل أعدائه. لذلك يقول أن الرئيس المصري كان في القاهرة «داخل القصر الذي كان عبارة عن قلعة عسكرية»[ccclxii]. يشير ماركيث إلى الصراع بين عبد الناصر والرئيس السابق الجنرال نجيب الذي كان له الكثير من المؤيدين. يؤكد ماركيث أن الفرنسيين في الناحية الأخرى من البحر الأبيض المتوسط كانوا لا يعولون على القوة العسكرية فقط، بل كانوا ينتظرون خبرا آخر سعيدا، وهو انقلاب عسكري ضد عبد الناصر يقوم به أنصار الجنرال نجيب الذي كان يقبع في السجن آنذاك[ccclxiii].

قضى جمال عبد الناصر يوم 5 نوفمبر في اتصال مع كل العالم من خلال دبلوماسييه، ولكنه «لم يتلقى نبأ طيب من أي جهة»[ccclxiv]. الاتحاد السوفيتي لم يعده إلا بإرسال متطوعين وبصفة غير رسمية، لأنه كان مشغولا بالاضطرابات في المجر. حسب ماركيث أحس الجنرال عبد الناصر بأنه كان وحيدا في المعركة، ولكنه قرر «الانتظار لمدة ساعة (قبل الاستسلام). بالتأكيد كانت تلك الساعة أهم ساعة في حياته»[ccclxv].

المثل السياسية لغابريال غارثيا ماركيث المعارضة للاحتلال والامبريالية وأي شكل من أشكال الهيمنة كانت تتفق مع السياسة العروبية لعبد الناصر، التي عوضت سياسة فاروق الأول المؤيدة لأوروبا. لذلك فان رسالة الاتحاد السوفيتي التي تنصص على استخدام القوة لإيقاف الهجوم الغربي أثلجت صدر عبد الناصر، كما أثلجت صدر ماركيث[ccclxvi].

4. 3. الثورة الجزائرية
4. 3. 1. القبض على القادة الجزائريين

في مقال نشر في نوفمبر 1956، تحدث غارثيا ماركيث عن حادثة القبض على خمسة قادة للثورة الجزائرية من قبل فرنسا. بدأت العملية يوم 21 أكتوبر في مطار الرباط، حيث كانت طائرة مغربية تستعد للإقلاع بمجموعة من الصحفيين نحو تونس، لحضور ندوة صحفية بين سلطان المغرب، محمد الخامس، والوزير الأول التونسي، الحبيب بورقيبة،[ccclxvii] لإعداد اتفاق سلام للمشكلة الجزائرية.

لم يكن أحد يعلم بأن في تلك الطائرة يوجد أيضا خمسة من أهم قادة المقاومة الجزائرية، باستثناء السلطات الفرنسية التي احتجت على نقلهم من الجزائر إلى الرباط على متن الطائرة الخاصة لابن السلطان[ccclxviii].

بينما كان السلطان محمد الخامس والوزير الأول التونسي الحبيب بورقيبة في المطار ينتظران وصول القادة الجزائريين الخمسة، تدخلت الشرطة الفرنسية، وبالتعاون مع سائق الطائرة الذي كان فرنسيا، حولت وجهة الطائرة التي حطت في الدار البيضاء عوضا عن تونس، وقامت بالقبض على هؤلاء القادة[ccclxix]. حسب ماركيث، يعد هؤلاء القادة بالنسبة لفرنسا "صيدا ثمينا"[ccclxx]، لأن الأمر يتعلق «بأهم خمسة قادة في جبهة التحرير الوطني الجزائرية»[ccclxxi]، وهم بن بلة، ومحمد ديدار، وآية أحمد ،وأستاذ عربية في باريس منذ خمسة عشر سنة، وشخص آخر غير معروف. قدمهم لنا ماركيث ، فبدأ ببن بلة الذي قال عنه بأنه يقود 45 ألف ثائر جزائري، وكان أحد أبرز الأشخاص الذين آلموا الحكومة الفرنسية في تلك الأيام. وأضاف بأن حركيته حملته إلى العديد من العواصم الأوروبية، بما في ذلك العاصمة الايطالية لمقاتلة النازية[ccclxxii].

أما أحمد ديدار الذي كان يجلس بجانب بن بلة، والذي كان يفوقه سنا، كان يقرأ مجلة فرنسية. هذا الشخص،حسب ماركيث، هو «العقل المدبر للثورة»[ccclxxiii]. أما آية أحمد فهو المسئول عن المالية وممثل جبهة التحرير الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتميز بإتقانه لحوالي اثنا عشر لغة[ccclxxiv].

4. 3. 2. ردود الفعل ضد القبض على القادة الجزائريين
أ- ردة الفعل الرسمي

الموقف الرسمي العربي عبر عنه، حسب ماركيث، سلطان المغرب محمد الخامس والحبيب بورقيبة الوزير الأول التونسي. ما أن تلقى محمد الخامس الخبر حتى عبر عن أسفه العميق، معتبرا الحدث بمثابة الضربة الموجعة لشرفه، لأن القادة الموقوفين وافقوا على الحضور إلى تونس بناء على كلمته وضمانته. كما تمنى لو أوقف هو وابنه عوضا عنهم[ccclxxv].

لكن غارثيا ماركيث يلقي باللوم صراحة على السلطان الذي لم يحمل معه هؤلاء القادة في طائرته، بل قرر في آخر لحظة «أن يحمل معه 52 امرأة من الحريم»[ccclxxvi]، الشيء الذي سهل القبض عليهم.

أما بخصوص الحبيب بورقيبة، يقول ماركيث بأن له سمعة طيبة ومكانة في العالم العربي، كما أنه كان يحظى بثقة فرنسا، لأنه أمضى معها معاهدة استقلال تونس سنة 1956[ccclxxvii]. تلقى بورقيبة الخبر وهو ينتظر ضيوفه في المطار، وأول ما قام به هو التوجه على الفور إلى بيت السفير الفرنسي في غضب شديد، حيث هدده بأن كامل شمال إفريقيا يمكن أن يدخل في حرب مع فرنسا[ccclxxviii].

ب- ردة فعل الشارع العربي
بما أن عملية القبض على القادة الجزائريين وقعت بين المغرب وتونس، فالشارع العربي الذي تحرك هو شارع هذان البلدان. كانت ردة فعل الشارع التونسي أكثر عنفا من ردة فعل الشارع المغربي، لأن عدد الضحايا بين الأوروبيين كان مرتفعا: 26 شخص. يقول ماركيث في هذا الصدد: «عندما علم بخبر إيقاف القادة الثوريين، كفت الموسيقى وبدأت المظاهرات الحاشدة. ست وعشرين أوروبيا قتلوا في الساعتين الأولين»[ccclxxix].

ردة فعل الشارع المغربي كانت أيضا عنيفة، رغم عدم وجود ضحايا. صباح الثلاثاء، حسب ماركيث، عمت الإضرابات والمظاهرات الحاشدة وتم تحطيم عدة مغازات. قاد اتحاد العمال المغربي احتجاجات عنيفة مما جعل الشرطة تعجز عن ضبط الأمن[ccclxxx].

يشدد غارثيا ماركيث على أن الاحتجاجات لم تكن موجهة فقط ضد الفرنسيين، بل أيضا ضد الأوروبيين الذين كانوا يعتبرون في العالم العربي ، كما في القارة الأمريكية، محتلين غير مرغوب فيهم.

4. 3. 3. غابريال غارثيا ماركيث والجزائريين
اهتمام غارثيا ماركيث بالثورة الجزائرية يعود إلى ذلك الاتصال الأول بالجزائريين في باريس سنة 1956 عندما ذهب إلى هناك كمراسل صحفي لجريدة "المشاهد" ثم جريدة "المستقل". بدأت قصته معهم عندما أوقفته دورية للشرطة عند خروجه من إحدى قاعات السينما، ووضعته في عربة مصفحة لها. لما صعد وجدها مملوءة بجزائريين أخذوا وسط جو من العنف وسوء المعاملة. كانوا متجهمين مثل عرب الجيل الثالث في روايته "مائة عام من العزلة". من المحتمل أن تلك الصفة أتت لماركيث من خلال تلك اللحظات التي قضاها مع الجزائريين في الخمسينات من القرن الماضي في باريس[ccclxxxi].

يقول ماركيث أن سوء المعاملة الذي صاحبهم في اللحظات الأولى من إيقافهم في الشارع تواصل في مقر الشرطة، حيث ألقوا هناك مكدسين في الأقفاص الضيقة[ccclxxxii]. يعترف أن وضعيته كانت أخطر من وضعية الجزائريين، لأن معاناته كانت مضاعفة: «رغم أن الشرطة أوقفتني لأنهم كانوا يظنون أني جزائري، لم يثقوا بي الجزائريون في القفص عندما علموا أني لا أفهم حرفا واحدا من عربيتهم، رغم أني كنت أشبه بائع القماش المتجول»[ccclxxxiii].

سمحت الزيارات المتتالية لماركيث والجزائريين الى السجن الباريسي بالتفاهم المتبادل[ccclxxxiv]. توطدت أواصر الصداقة بينهم، حتى اقترح عليه أحدهم التعاون مع جبهة التحرير الوطني الجزائري: «ذات ليلة قال لي أحدهم لكي أكون سجينا بريئا علي أن أكون مذنبا، وبدأت أشتغل مع جبهة التحرير الوطني الجزائري. انه الطبيب أحمد طبال، أحد أكبر أصدقائي في باريس لتلك الفترة»[ccclxxxv].

لم تضعف علاقاته مع الجزائريين بعد استقلال الجزائر. بعد خمسة وعشرين سنة، دعي للمشاركة في احتفالات ذكرى الاستقلال في الجزائر حيث أعلن أن : «الثورة الجزائرية هي الثورة الوحيدة التي سجنت من أجلها»[ccclxxxvi]

4. 4. هجمات الحادي عشر من سبتمبر واحتلال العراق
4. 4. 1. الإرهاب: الأسباب والنتائج

دشن القرن الواحد والعشرين سياسيا، حسب كارلوس فوينتاس، بأحداث الحادي عشر من سبتمبر[ccclxxxvii]. حاول الكاتب المكسيكي البحث في أسباب الإرهاب، مبرزا أكثر من سبب. شدد في المقام الأول على «الحقد التاريخي على الولايات المتحدة من قبل أولئك الذين عانوا من اجتياح ومضايقات حكومة واشنطن وكل أنواع اعتداءاتها »[ccclxxxviii]. يشير في المقام الثاني إلى ما يسميه "الأصولية الإسلامية" التي تمثل، حسب رأيه، اتجاها مغايرا تماما للقيم الغربية المعاصرة[ccclxxxix]. لكنه يعتبر أن هذا الإرهاب ليس موجها ضد "الغرب الفاسد"، بل بالأحرى «ضد الحكومات الاستبدادية والفاسدة وغير الكفأة في جزء كبير من العالم الإسلامي»[cccxc]. يتعلق الأمر بالنسبة له بتطرف عربي يصعب قمعه، لأنه يمثل معارضة باسم الله، من ناحية، ومن ناحية أخرى هو تعبير عن احتجاج ضد حكومات مستبدة مثل «العراق وإيران وسوريا والعربية السعودية والأردن ومصر»[cccxci]، ويتوجه نحو رأس الأفعى، الولايات المتحدة[cccxcii]. كما يحيلنا فوينتاس إلى سبب آخر عميق وبعيد يسمى «الفقر والتخلف والإذلال والظلم»[cccxciii].

ليس هدف هجمات الحادي عشر من سبتمبر الوحيد ، حسب فوينتاس، إلحاق الضرر "بقلب الإمبراطورية الأمريكية"، بل إجبار بلده، العربية السعودية، على وضع حد «لنفعيتها ونفاقها مع الغرب، وتصبح، بقيادة بن لادن، مركزا قادرا على نشر الرعب والتضييق على النفط، كل ذلك بالاسم الكاذب للنقاوة الأسطورية للإسلام»[cccxciv].

حسب كارلوس فوينتاس هناك خداعين مرتبطين بأحداث الحادي عشر من سبتمبر: يتعلق الأول بالإرهابيين والثاني بإدارة بوش. يتمثل الخداع الأول في اعتقاد الإرهابيين أن تلك الهجمات قادرة على كسر "السلام والأمن الدوليين" دون توقع انتقام الولايات المتحدة، إلى جانب «تدمير وإحداث جرح عميق في الغرب والإسلام، وبصفة خاصة في المدنيين من كلا الجانبين»[cccxcv]. الخداع الثاني يتمثل في اعتقاد بوش بأن انهيار توازنات نزع السلاح، الذي يمكن تعويضه بالدفاعات الصاروخية، يحمي الأمن العالمي. يرى فوينتاس أن هذه الدفاعات لا يمكن أن تحمي الولايات المتحدة رغم أنها تنمي اقتصاد الحرب[cccxcvi].

يعتبر كارلوس فوينتاس أن التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر غير دستورية. هي أعمال «إرهابية ضد الحريات التي هي سبب وجود الولايات المتحدة»[cccxcvii]. لكن فوينتاس يخشى من أن تصبح هذه

الإجراءات التعسفية والاستثنائية "قاعدة دائمة"، نظرا لأن الحرب على الإرهاب هذه حرب لا تنتهي[cccxcviii].

كانت النتائج المترتبة على هذه الإجراءات وخيمة على المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. تعد الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، حسب فوينتاس، ست ملايين نسمة، معظمهم "مسالمين وعمال"[cccxcix]. بسبب هذه القوانين تعيش هذه الجالية في حالة من انعدام الأمن والتهديد. يقول فوينتاس أن مكتب التحقيقات الفيدرالي حقق مع «خمسة آلاف من الشباب المسلم الذين يحملون تأشيرات دراسة وأعمال وسياحة مؤقتة»[cd]. مئات من الناس فروا من دراستهم، والكثير من الأشخاص المقيمين باعوا بضاعتهم وعادوا إلى بلدانهم الأصلية لتجنب تعرضهم للاعتداء بسبب الكره والأحكام المسبقة[cdi].

4. 4. 2. غزو العراق
انتصار الولايات المتحدة في أفغانستان شجعها على مهاجمة العراق، معتبرة إياه "محور الشر" إلى جانب كوريا لشمالية وإيران. يعتقد كارلوس فوينتاس أن حملة بوش ضد هذا المحور كانت انتقائية ومنوية وغازية[cdii]. انتقائية لأنه بالرغم من وجود دول أخرى "شريرة" وطغاة معروفين في هذا العالم، يصر بوش على تسمية صدام حسين فقط[cdiii]. هي منوية لأنها تحمل شعار أن من ليس مع بوش فهو ضده. وهي حملة غازية لأن الإرهاب ليس له دولة ولا راية ولا جيش، مثل الإرهاب الرسمي لهتلر وستالين وبينوشي وفيديلا[cdiv]. لكن فوينتاس يؤكد أن صدام حسين وبن لادن هما "صنيعة الدبلوماسية الأمريكية"[cdv].فبينما استخدم صدام حسين من قبل واشنطن ضد "إيران آيات الله"، استخدم بن لادن «لإعانة الولايات المتحدة ضد الاحتلال السفيتي لأفغانستان»[cdvi].

قام كارلوس فوينتاس بسرد للآثار السلبية للحرب على العراق وعلى المنطقة . يرى أنها ستعمق الصراع بين الهند وباكستان، وسوف تسوء حالة أفغانستان غير المستقرة, وسوف يشتد أكثر الصراع بين إسرائيل وفلسطين، وسوف تنقسم كل من سوريا ومصر والإمارات والعربية السعودية والأردن تحت الضغط الثلاثي «لمعارضة واشنطن، أو الاستسلام أمام الأغلبية الإسلامية، أو ستكنس من قبل هذه الأغلبية، بحيث يخلق فراغ استراتيجي في المنطقة النفطية الأكثر ثراء في العالم»[cdvii]. أما في إيران فسوف تقوي هذه الحملة العلماء وتحد من نمو المعتدلين[cdviii].

تشكل الحرب على العراق جملة من الخروقات. خرقت حكومة بوش القانون الدولي على مستويين: قانون جينيف وقانون الأمم المتحدة. كما خرقت عملية مجلس الأمن، معلنة حربا على أساس خدعة، لأن العراق لم تكن لديها أسلحة دمار شامل[cdix].

4. 4. 3. النفط وغزو العراق
يعرض كارلوس فوينتاس مجموعة من الأعمال المتعلقة بصدام حسين وسياسته تجعل منه "طاغية كريه". لقد حكم العراق بيد من حديد، وقتل شخصيا العديد من منافسيه، وأباد الكثير من الأكراد بالغازات السامة، وارتمى في حرب ضد إيران لمدة ثماني سنوات، واجتاح الكويت[cdx]. أوضح فوينتاس أنه يريد بهذه الأمثلة أن يبرز «قدرة السياسة الخارجية الأمريكية على صنع وحشا لا تستطيع مراقبته فيما بعد»[cdxi].

توطدت العلاقة بين صدام حسين والحكومة الأمريكية منذ 1980[cdxii]. ما دام الرئيس العراقي يضمن لهم تدفق النفط، يقوم الأمريكيون بإعانته بالسلاح في حربه ضد إيران. في سنة 1996 صداقته الجيدة مع الولايات المتحدة جعلته يتجرأ على احتلال الكويت بذريعة أنها سرقت النفط العراقي. يحيلنا كارلوس فوينتاس إلى الفخ الذي نصبته له الإدارة الأمريكية من خلال سفيرتها في بغداد التي «تقابلت مع صدام قبل أسبوع من اجتياحه للكويت، وأكدت له أن الولايات المتحدة لن تتدخل في "خصام عربي داخلي"»[cdxiii].

يعتقد كارلوس فوينتاس أن الحكومة الأمريكية لبوش ليست سوى «الواجهة السياسية لمصالح اقتصادية واضحة جدا […] تمثل طغمة بوش تشيني بوضوح المصالح الاقتصادية المرتبطة بصناعة النفط»[cdxiv]. الاستيلاء على نفط العراق، الذي يحتل المرتبة الثانية بعد العربية السعودية ب 130 مليار احتياطي، يحول الولايات المتحدة إلى أول قوة نفطية عالمية[cdxv].

لإثبات أن الهدف من الحرب لم يكن أسلحة الدمار الشامل ولا ملاحقة القاعدة، بل النفط، يشير فوينتاس إلى موقف كوريا الشمالية التي قالت إلى الولايات المتحدة: «لا تبحثي عن أكمام للسترة العراقية، فأنا أحمل بدلة كاملة صنعت في بيونغ يانغ»[cdxvi]. يقول الكاتب المكسيكي أنه كان على الأمريكيين منطقيا تغيير اهتمامهم من العراق الضعيف إلى كوريا القوية، لكنهم لم يفعلوا ذلك لأن «حرب طروادة القادمة ستكون من أجل سلطة النفط، وسيكون ذلك»[cdxvii].

بعد الحرب، الشركات التي فازت بالعروض هي هاليبورتون وفرعها كيلوغ براون أند روت المرتبطة بقوة بتشيني، الذي كان مديرها لعدة سنوات[cdxviii].

4. 4. 4. العراق وفوضى الغزو
بهذه الحرب أغرق بوش العراق في فوضى عارمة. عدد فوينتاس الأخطاء الخطيرة التي ارتكبها القنصل الأمريكي بول بريمار، والمتمثلة في إنهاء عمل ثلاثين ألف موظف في الإدارة العراقية، وحل الجيش العراقي، ومواجهة رجال الدين الشيعة، وتشجيع علي السيستاني، الزعيم الديني الشيعي الأعلى، على تكوين ميليشيات في النجف، والأمر باعتقال مقتدى الصدر، الزعيم السياسي والديني الشيعي[cdxix].

بالإضافة إلى الإصابات بين الجنود الأمريكيين (سبعمائة وخمسون قتيل) والعراقيين (إحدى عشر ألف قتيل وأربعة آلاف جريح)، يسلط فوينتاس الضوء على التعذيب الذي يمارسه الأمريكيون في السجون العراقية[cdxx]. وصلت صور مروعة من سجن أبو غريب: «سجناء عراة أجبروا على ممارسة العادة السرية أو اللواط، وتشكيل أهرامات بشرية أمام سجانيهم الأمريكيين الذي يصورونهم بفرح، وجندية شابة تسحب بحبل سجين عراقي عار، وسجناء هددوا، ثم وقع مهاجمتهم بالفعل بكلاب حراسة»[cdxxi]. مع هذا اعترف الجيش الأمريكي أن من 70% إلى 90% من هؤلاء السجناء تم اعتقالهم خطأ[cdxxii]. الشيء الذي جعل فوينتاس يتساءل إن كان بإمكان العراقيين أن يثقوا في هذا الجيش الأمريكي الغازي، الذي عاملهم مثل الدكتاتور الذي خلع[cdxxiii].

من ناحية أخرى يثير كارلوس فوينتاس الصراعات العرقية والدينية بين السنة والشيعة والأكراد، والوجود الضئيل للشرطة في الشارع[cdxxiv]. انهارت الخدمات الصحية ومياه الشرب، ولإصلاحها تم إنفاق ستة عشر مليار من الدولارات. إعادة بناء شبكة الكهرباء استمر أربع سنوات واحتاج إلى ثلاثة عشر مليار من الدولارات[cdxxv].

يتعجب كارلوس فوينتاس من طلب بوش المساعدة العالمية لإعادة بناء العراق، وقد كان هو المخرب الأساسي له[cdxxvi]. في الحقيقة لم تكن حكومة بوش مستعدة لما يسميه فوينتاس "حرب ما بعد الحرب"، لذلك عمت الفوضى[cdxxvii].

خاتمة
تناول كل من بورخيس وفوينتاس وماركيث وباث موضوع الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي في ثلاث قارات: أوروبا وآسيا وأمريكا. اهتموا بموضوع التعايش والتسامح بين مختلف الأديان في الأندلس، كما تناولوا أيضا بتر اسبانيا لجزء منها عندما قامت بطرد اليهود والموريسكيين في القرن الخامس عشر والسادس عشر.

بخصوص الموضوع الأول، ينظر كارلوس فوينتاس بعين الرضاء للفتح العربي للأندلس، لأنه يعتقد أن العرب عوضوا الغوط الهمجيين، وبنوا حضارة مضيئة. كما شدد كل من باث وفوينتاس على التنوع العرقي والثقافي لاسبانيا، وانتمائها النسبي للشرق. يعتبر هذان الكاتبان أنه من الصعب فهم جوهر اسبانيا دون الأخذ بعين الاعتبار المساهمة السامية (العرب واليهود)، لأن الاسباني هو نتيجة عصر تعايش بين المسيحيين والعرب واليهود رغم الصراع بين المكون العربي والمكون المسيحي الذي طبع فترة معتبرة من تاريخ الفريقين. ومن ناحية أخرى يرى أوكتافيو باث أن الانتماء إلى الدين التوحيدي لكل من اليهود والمسيحيين والمسلمين ساهم في إرساء مبدأ التعايش بينهم.

في المقابل يشير بورخيس إلى نهاية الوجود العربي الإسلامي في اسبانيا، والى الصراعات الداخلية بين مختلف الأعراق. لكنه يتحدث بإعجاب عن الازدهار الثقافي والعلمي لاسبانيا المسلمة وعن شخصيتها الفلسفية العظيمة ابن رشد. نهاية الأندلس لم تخل من مآسي وكوارث. في هذا النطاق يتناول فوينتاس موضوع طرد اليهود والعرب، فيتفق رأيه مع رأي أميريكو كاسترو وخوان غواتيسولو: يعتقد أن اسبانيا بترت نفسها عندما أطردت نصفها الثاني، لتخسر بذلك قوتها في العالم، وتسد الطريق أمام الديمقراطية والحداثة.

كما لو أنه يستعيد من جديد عهد التسامح والتعايش في اسبانيا الإسلامية، ويعاقب محققي محاكم التفتيش، أعداء الهنود واليهود والموريسكيين، يخترع فوينتاس مشهدا تاريخيا يروي من خلاله غزو الأمريكيون اللاتينيون لاسبانيا. وهكذا تصبح شبه الجزيرة الأيبيرية مساحة للتهجين والتكافل بين العالم الاسباني والعالم الشرقي.

الحضور العربي الإسلامي السياسي والاجتماعي في أمريكا اللاتينية تناوله كل من باث وفوينتاس وماركيث. أتخذ هذا الحضور شكلا غير مباشر من خلال اسبانيا، وشكلا مباشر من خلال موجة الهجرات العربية الجديدة إلى هذه القارة. بخصوص الحضور غير المباشر، ظهر المكون العربي الإسلامي في عملية الغزو لأمريكا اللاتينية. يعتقد أوكتافيو باث أن غزو أمريكا اللاتينية هو مواصلة زمنية ونفسية لحرب الاسترجاع الاسبانية. لذلك يرى أن العديد من الممارسات، مثل استعمال القوة لإدخال الناس في الدين، والنهب، والعديد من المفاهيم، مثل الرسالة العالمية، نقلوا إلى هذه القارة من قبل الغزاة الأسبان.

كما يظهر المكون العربي الاسباني في أمريكا اللاتينية، وفقا لأوكتافيو باث، في السلطة السياسية، وبالتحديد في ظاهرة أمراء الحرب والحكم المستبد في هذه المنطقة من العالم. من خلال اسبانيا صارت ظاهرة أمراء الحرب جزء من الواقع الأمريكي اللاتيني المخفي والمعلن. كما أن الحكم المستبد المتجسد في القادة الثوريين لأمريكا اللاتينية هو ارث اسباني عربي أيضا.

يشير أوكتافيو باث إلى بعض الأفكار والسلوكيات الاجتماعية المكسيكية الموروثة من الماضي الاسباني العربي. يتعرض مثلا إلى ما يسميه "الحالة المؤسفة للمرأة" التي تعيش تحت نير الرجل. كما يتعرض أيضا إلى صفة التحفظ التي تطبع عادة سلوك المكسيكي، محاولا إثبات جذورها الاسبانية العربية.

لكن التأثير العربي الإسلامي القوي والمؤثر في أمريكا اللاتينية هو الحضور المباشر من خلال الهجرات العربية الحديثة.

الصفات الجسدية والهندام للعربي شدت انتباه كل من كارلوس فوينتاس وغرثيا ماركيث، وبدرجة أقل خورخي لويس بورخيس. هناك إجماع تقريبا حول هذه الصفات: طويل القامة، ونحيف، وأسمر أو مصفر البشرة. له شوارب، وشعره مجعد أو ناعم، والعينان جميلتان. تتفق هذه الصفات تماما مع الأمريكي اللاتيني وخاصة سكان شمال كولومبيا (بارانكيليا) بالنسبة لماركيث، وسكان الأرجنتين بالنسبة لسارميانتو. كما اهتم كل من ماركيث وفوينتاس باللباس العربي، فأشار هذا الأخير إلى العمامة والبرنس.

يظهر العرب في أعمال غابريال غارثيا ماركيث في شكل أسر. كان الجيل الأول من المهاجرين يتجنب الزواج المختلط، والذين تجرؤوا على الزواج من خارج جاليتهم فشلوا. الأسرة العربية متماسكة وللأب فيها سلطة معتبرة، مثلما هو الحال بالنسبة لكل الجالية في أمريكا اللاتينية. تتميز هذه الجالية بقدرتها الكبيرة على الاندماج، فكانت متاجرها تستخدم كفضاء لربط صداقات مع أهل البلد. ومن أجل الاندماج، كان كثير من العرب يلبسون مثل بقية سكان تلك البلدان، كما عمدوا إلى ترجمة أسمائهم وألقابهم إلى الاسبانية.

بالنسبة للحضور العربي الإسلامي في الهند، أبرز أوكتافيو باث التنوع العرقي والثقافي والديني لهذا البلد، مشددا على موضوع التعايش بين الإسلام والهندوسية.

يعتقد باث أن الحضور الإسلامي في الهند بدأ في شكل حملات نهب، قبل أن يتحول إلى "اجتياح حقيقي للغزو". كما يرى أن اعتناق الملايين من الهنود للإسلام يعود إلى عوامل ثلاثة: عملية الغزو في حد ذاتها، وتحرر الهنود من الضرائب المجحفة، والدعوة الصوفية. لكن الدخول إلى الإسلام لم يكن بالقوة، لاقتناع السلاطين المغوليين بأنه كانوا يحكمون بلدا أغلب سكانه هندوس.

أسس المسلمون في الهند سلطنة دلهي التي دامت أكثر من ثلاثة قرون (1206-1526)، والتي تحولت، حسب باث، إلى "مركزا للعالم الإسلامي" بعد نهب بغداد من قبل جنود جنكيز خان سنة 1258.

شد انتباه أوكتافيو باث شخصية مؤسس الإمبراطورية المغولية، ظهير الدين محمد بابر. فأشار إلى نسبه المنحدر من رجلين عسكريين كبيرين، تيمور وجنكيز خان، وشدد على رؤيته السياسية القائمة على قيم السلم والتسامح. كما أثار انتباهه السلطان المغولي الثاني محمد أكبر الذي، عرف بسياسة المصالحة بين الهندوس والمسلمين. سياسة التسامح والتصالح هذه حملته، حسب باث، إلى الإعلان عن دين جديد، الإيمان الإلهي، الذي لقي معارضة من الشيخ أحمد السرهندي. لكن باث يرى بما أن الشريعة الإسلامية تمنع عصيان الملك، كانت معارضة السرهندي سلمية.

كانت سياسة خلفاء محمد أكبر متنوعة، تتراوح بين التسامح والاضطهاد. يقول أوكتافيو باث أن جاهنكير كان متسامحا، ولكن في فترة حكمه وقع التأسيس للاحتلال البريطاني، بينما اتسمت فترة حكم شاه جهان بالازدهار الفني. مسئولية انهيار الإمبراطورية المغولية يحملها أوكتافيو باث لأورنكزيب لتعصبه القائم على "حكم إمبراطورية شاسعة تتكون من أغلبية هندوسية طبقا لمبادئ زاهد سني".

من ناحية أخرى يشدد باث على عادة السلاطين المغول في خلافة بعضهم بعضا عن طريق اغتيال أفراد العائلة الذين "يشك في تطلعهم إلى العرش".

قام البريطانيون بوضع حد للإمبراطورية المغولية. غير أن هؤلاء الغزاة لم يكونوا، حسب باث، مدفوعين برغبتهم في إدخال الكفار إلى دينهم، بل بالرغبة في السيطرة الاقتصادية والسياسية. في سعيهم للسيطرة على الهند، قام البريطانيون بإدخال جملة من الإصلاحات تهدف إلى تهميش المسلمين، مثل الفصل بين الدولة والدين، ونظام التعليم الانجليزي، وتعويض اللغة الفارسية بالانجليزية.

أدى استقلال الهند إلى تكوين دولتين: واحدة للهندوس وأخرى للمسلمين (باكستان). حسب أوكتافيو باث، تثبت الصراعات بين هاتين الأمتين لا معقولية التاريخ. اندلعت الحرب بين أمتين تتقاسمان نفس الأرض ونفس اللغة ونفس المجتمع ونفس الثقافة.

بالنسبة للحروب والثورات التي هزت العالم العربي في القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين، وقع تناول أربعة أحداث كبرى: الصراع العربي الإسرائيلي، وحرب السويس، والثورة الجزائرية، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وغزو العراق كنتيجة لذلك.

فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي، كل من باث وفوينتاس يحملان المسئولية للولايات المتحدة، لدعمها لإسرائيل. يدعوا الكتاب الأربعة إلى تكوين دولتين، واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية لضمان السلام. من ناحية أخرى، في حين يرى باث أن للسادات مكانة استثنائية في العالم العربي، شدد غارثيا ماركيث على الكره الذي ناله الرئيس المصري من إمضاء اتفاقية السلام في كامب ديفيد. عموما، أعرب كل من أوكتافيو باث وبورخيس عن إعجابهم ودعمهم لإسرائيل، في حين وجه ماركيث وفوينتاس انتقادات عنيفة للفظائع التي ارتكبتها هذه الأخيرة ضد الفلسطينيين.

حرب السويس تناولها بالدرس غارثيا ماركيث، الذي أعلن مرارا معارضته الشديدة لها. كما تحدث عن حالة اليأس والعزلة التي عاشها عبد الناصر أثناء هذه الحرب.

بخصوص الثورة الجزائرية، يشير غارثيا ماركيث إلى عملية القبض على القادة الجزائريين الخمسة من قبل فرنسا. أكد أن ردة الفعل العربية، الرسمية والشعبية، كانت عنيفة، وأدت إلى سقوط ضحايا وتهشيم واجهات المتاجر الفرنسية. لم يقدم ماركيث هذا الحث بصفته صحافيا محايدا، بل حاول التعبير عن رفضه للعمل الفرنسي هذا خلال كامل المقال. في الحقيقة،عرف ماركيث الجزائريين منذ الخمسينات من القرن العشرين في باريس في عربات الشرطة المصفحة.

كارلوس فوينتاس أثار حادثة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، معددا الأسباب التي كانت ورائها، مثل كره الولايات المتحدة من قبل الشعوب التي عانت من اعتداءاتها، والأصولية الإسلامية، والفقر، والتخلف، والظلم. أدان غزو العراق، مسلطا الضوء على تجاوزات إدارة بوش ضد القانون الدولي. يعتقد فوينتاس أن السبب الحقيقي لغزو العراق هو الاستيلاء على نفطه، مؤكدا أن إدارة بوش هي واجهة سياسية لمصالح اقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنفط.

أغرق هذا الغزو العراق في الفوضى. أشار فوينتاس إلى الضحايا بين الأمريكيين والعراقيين، والى تعذيب الأسرى في سجن أبو غريب، والى الصراعات بين السنة والشيعة والأكراد. ومن المظاهر الأخرى للفوضى، تدمير البنية التحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه الصالحة للشراب.

 

جامعي تونسي

 

المراجع والمصادر

أوكتافيو باث

، الغريب في وطنه، المكسيك، فوندو دي كولتورا ايكونوميكا، 1987_____

،أجيال ومظاهر، المكسيك، فوندو دي كولتورا ايكونوميكا، 1987_____

_____، القوس والقيثارة، المكسيك، أرضية الثقافة الاقتصادية، 1956 و1992

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 2، غوتينباريغ، غالاكسيا غوتينبارغ \ ثيركولو دي لاكتوريس، 2000

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 4، غوتينباريغ، غالاكسيا غوتينبارغ \ ثيركولو دي لاكتوريس، 2001

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 5، غوتينبارغ، غالاكسيا غوتينبارغ \ ثيركولو دي لاكتوريس، 2002

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 6، غوتينبارغ، غالاكسيا غوتينبارغ \ ثيركولو دي لاكتوريس، 2003

خورخي لويس بورخيس

_____، مختارات شعرية 1923.1977، بوينوس آيرس، أليانثا ايديتوريال، 1981 و1993

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 1، برشلونة، مارية كادومة وايميثي ايديتوريس، 1989

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 3، برشلونة، مارية كادومة وايميثي ايديتوريس، 1989

_____، الأعمال الكاملة، الجزء 2، برشلونة، مارية كادومة وايميثي ايديتوريس، 1989

_____، المتآمرون، مدريد، أليانثا ايديتوريال، 1985

غابريال غارثيا ماركيث

_____، مائة عام من العزلة، مدريد، ايديتوريال ايسباسا كالبي، 1982

_____، رائحة الجوافة، محادثات مع بلينيو أبوليو ماندوثا، برشلونة، دار نشر بروغيرا، 1982

_____، الساعة النحسة، برشلونة، ايديتوريال بروغيرا، 1983

_____، ليس لدى الكورونيل م يكاتبه، مدريد، موندادوري، 1987

_____، وقائع موت معلن، مدريد، موندادوري، 1990

_____، من أوروبا وأمريكا، الأعمال الصحفية، الجزء 3، 1955-1960، برشلونة، دار نشر موندادوري، 1992

_____، بيانات صحفية 5، 1961-1984، برشلونة، موندادوري، 1999

____، عشت لأروي، برشلونة، موندادوري، 2002

____، مذكرات عاهراتي الحزينات، برشلونة، موندادوري، 2004

كارلوس فوينتاس

_____، أرض نوسترا، برشلونة، سايكس بارال، 1975 و 1985

_____، في هذا أعتقد، برشلونة، ايديتوريا سايكس بارال، 2004

_____، ضد بوش، مدريد، صانتيانا ايديثيونيس، 2004

_____، الرفقة القلقة، مدريد، صانتيانا ايديثيونيس خينيراليس، 2004

_____، زمن اسباني جديد، المكسيك، دار نشر أغيلار، ألتييا، تاوروس، الفراغوا، 1994

_____، ديانا أوالصيادة المتوحدة، بيونوس آيريس، أغيلار وألتيا وتاوروس وألفاراغوا، 1994

_____، رأس حية الماء، برشلونة، غريخالبو موندادوري، 1996

_____، شموس المكسيك الخمسة، برشلونة، دار نشر سيكس بارال، 2000

_____، السنوات مع لاورا دياث، اسبانيا، دار نشر مجموعة سانتيانا، 2001

مراجع أخرى

- أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، مراجعة محمود محمد عباس، القاهرة، دار نهضة الشرق، 2001

- الألسكو، حوار بين الثقافات العربي ايبيرو أمريكي، تونس، رضا التليلي (اللجنة العلمية)، الترجمة إلى الاسبانية: محمد نجيب بن جميع وتوفيق ليمام، 10-12 ديسمبر 2002، ص. 393-395

- توماس غليك، المسيحيون والمسلمون في اسبانيا في القرون الوسطى (711-1250)، مدريد، أليانثا ايديتوريال، 1991 و1993 و1994

- جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، بورسعيد، مكتبة الثقافة الدينية، 2001

- خوليو فالديون باروكي، عبد الرحمان الثالث وخلافة قرطبة، مدريد، ايديتوريال ديباتي، 2001

- خافيار أورديث، الأسطورة في الأعمال الروائية لكارلوس فوؤينتاس، سالامانكا، جامعة ليون، 1987

- سارخيو ماثياس، الحضور العربي في أدب أمريكا اللاتينية، صانتياغو دي تشيلي، ثونا أثول، 1995

2004

- سانتشاث رومايو، هجرة الأندلسيين الأسبان المغاربة إلى أمريكا ما قبل كولومبوس، اسبانيا، مطبعة خوليان، 2004

- سالفات باسيكو، معجم موسوعي، برشلونة، صالفات ايديتوريس، 1990

- سيرافين فانخول، وهم الأندلس، مدريد، دار نشر القرن 21 اسبانيا، 2004

- عبد الواحد دحنون طه، "هل للأندلسيين ومسلمي إفريقيا الغربية دور في اكتشاف العالم الجديد؟"، في مجلة دراسات أندلسية لصاحبها جمعة شيخة، عدد 10، جوان 1993، تونس

- عزيزة بناني، العالم الذهني والعالم الروائي لكارلوس فوينتاس. أطروحة دكتورا بباريس 1985. نشر كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1985

- لوثي لوبي بارالت، أثر الإسلام في الأدب الاسباني من خوان رويث إلى خوان غواتيصولو، مدريد، ايديثيوناس هيباريون، 1985 و1989

- مارية كروث بورديال دي لاس ايراس، الهجرة اللبنانية إلى كوستا ريكا، مدريد، كانتارابيا، 1991

- مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، الشيلي، المعهد الشيلي العربي،1990

- ميغال كوث ايرنانديث، إسلام الأندلس. التاريخ وهيكلة الواقع الاجتماعي، مدريد، الوكالة الاسبانية للتعاون العالمي، 1992 و1996

- هينري كمان، محاكم التفتيش الاسبانية، ترجمه من الانجليزية إلى الاسبانية: مارية موراس، برشلونة، دار نشر النقد، 1999

- هنري شيرلين، فن الإسلام في الشرق من أصفهان إلى تاج محل، باريس، دار نشر غروند للطبعة الفرنسية، 2002، ودار نشر وايت ستار للطبعة الاسبانية، 2002

وثائق الكترونية

رجاء غارودي، "ابن مسرة القرطبي (1)" <http://www.webislam.com/?idt=2311>

[1] خوسي شرايبمان، "الأديان الثلاثة في "أرض نوسترا""، ص. 2. <http://132.248.101.214/html-docs/lit-mex/17-1/schraibman2.pdf>

عبد الله حكيم كيك وأودري شباس، "دلائل على وجود مسلمون في العالم الجديد قبل كولومبوس". <https://islamweb.net/esp/index.php?page=articles&id=181557 >

باولو كويلو، الخيميائي.

<http://www.uaca.ac.cr/bv/ebooks/novela/7.pdf>.

ألف نون، "الهند الإسلامية: منذ وصول الإسلام إلى سقوط سلطنة دلهي"

<http://www.libreria-mundoarabe.com/Boletines/n%BA38%20May.06/IndiaMusulmana.html>.

 

[i] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 4، ص. 500.

[ii] ميغال كوث ايرنانديث، اسلام الأندلس. التاريخ وهيكلة الواقع الاجتماعي، مدريد، الوكالة الاسبانية للتعاون العالمي، 1992 و1996، ص. 69.

[iii] خورخي لويس بورخيس، مختارات شعرية 1923.1977، بوينوس آيرس، أليانثا ايديتوريال، 1981 و1993، ص. 76.

[iv] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 635.

[v] توماس ف. غليك، المسيحيون والمسلمون في اسبانيا القرون الوسطى (711-1250)، ص. 35.

[vi]المصدر السابق، ص. 35-36.

[vii] المصدر السابق، ص. 35.

[viii] رجاء غارودي، "ابن مسرة القرطبي (1)" <http://www.webislam.com/?idt=2311>

[ix] لوثي لوبيثبارالت، بصمات الاسلام في الأدب الاسباني، ص. 15.

[x] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 615.

[xi] أوكتافيو باث، القوس والقيثارة، المكسيك، أرضية الثقافة الاقتصادية، 1956 و1992، ص. 288.

[xii] المصدر السابق.

[xiii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 441.

[xiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 4، ص. 167.

[xv] كارلوس فوينتاس، في هذا أعتقد، ص. 138.

[xvi] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 526.

[xvii] المصدر السابق، ص. 635.

[xviii] المصدر السابق، ص. 253.

[xix] المصدر السابق، ص. 252.

[xx] المصدر السابق.

[xxi] خوليو فالديون باروكي، عبد الرحمان الثالث وخلافة قرطبة، ص. 19-20.

[xxii] ميغال كروث ايرنانديث، اسلام الأندلس. تاريخ وهيكلة الواقع الاجتماعي، ص. 168.

[xxiii] ميغال كروث ايرنانديث، اسلام الأندلس. تاريخ وهيكلة الواقع الاجتماعي، ص. 171.

[xxiv] سيرافين فانخول، وهمالأندلس، مدريد، دار نشر القرن 21 اسبانيا، 2004، ص. 8.

[xxv] كارلوس فوينتاس، في هذا أعتقد، ص. 293.

[xxvi] خورخي لويس بورخيس، الأعمال الكاملة، الجزء 1، ص. 587.

[xxvii] المصدر السابق.

[xxviii] المصدر السابق، ص. 583.

[xxix] خورخي لويس بورخيس، الأعمال الكاملة، الجزء 3، ص. 168.

[xxx] خورخي لويس بورخيس، الأعمال الكاملة، الجزء 1، ص. 587.

[xxxi] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 82.

[xxxii] أوكتافيو بث، الأعمال الكاملة، الجزء 4، ص. 167.

[xxxiii] كارلوس فوينتاس، زمن اسباني جديد، المكسيك، دار نشر أغيلار، ألتييا، تاوروس، الفراغوا، 1994، ص. 185.

[xxxiv] المصدر السابق.

[xxxv] عزيزة بناني، العالم الذهني والروائي لكارلوس فوينتاس. أطروحة دكتورا، ص. 224.

[xxxvi] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 635.

[xxxvii] عالم لغوي ومؤرخ اسباني (1885-1972)

[xxxviii] خافيار أورديث، الأسطورة في الأعمال الروائية لكارلوس فوؤينتاس، سالامانكا، جامعة ليون، 1987، ص. 97.

[xxxix] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 568.

[xl] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 441.

[xli] كارلوس فوينتاس، في هذا أعتقد، ص. 138.

[xlii] المصدر السابق، ص. 227.

[xliii] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 101.

[xliv] خوسي شرايبمان، "الأديان الثلاثة في "أرض نوسترا""، ص. 2. <http://132.248.101.214/html-docs/lit-mex/17-1/schraibman2.pdf>

[xlv] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 111.

[xlvi] المصدر السابق، ص. 716.

[xlvii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 463.

[xlviii] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 639.

[xlix] المصدر السابق، ص. 232.

[l] المصدر السابق.

[li] خورخي لويس بورخيس، المتآمرون، مدريد، أليانثا ايديتوريال، 1985، ص. 81.

[lii] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 232.

[liii] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 650.

[liv] هينري كمان، محاكم التفتيش الاسبانية، ترجمه من الانجليزية الى الاسبانية: مارية موراس، برشلونة، دار نشر النقد، 1999، ص. 207.

[lv] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 635.

[lvi]المصدر السابق.

[lvii] كارلوس فوينتاس، السنوات مع لاورا دياث، اسبانيا، دار نشر مجموعة سانتيانا، 2001، ص. 527.

[lviii] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 635.

[lix] المصدر السابق، ص. 101.

[lx] كارلوس فوينتاس، شموس المكسيك الخمسة، برشلونة، دار نشر سيكس بارال، 2000، ص, 43.

[lxi] كارلوس فوينتاس، شموس المكسيك الخمسة، برشلونة، دار نشر سيكس بارال، 2000، ص. 75-76.

[lxii] كارلوس فوينتاس، شموس المكسيك الخمسة، برشلونة، دار نشر سيكس بارال، 2000، ص, 43.

[lxiii] أحد آلهة الرئيسية للهنود في أمريكا الوسطى في شكل ثعبان مكسو بالريش.

[lxiv] كارلوس فوينتاس، شموس المكسيك الخمسة، ص. 76.

[lxv] كارلوس فوينتاس، شموس المكسيك الخمسة، ص. 76.

[lxvi]المصدر السابق.

[lxvii] المصدر السابق.

[lxviii] المصدر السابق، ص. 76-77.

[lxix] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 4، ص. 526.

[lxx] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 243.

[lxxi] المصدر السابق.

[lxxii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 464.

[lxxiii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 148-149.

[lxxiv] المصدر السابق، ص. 148.

[lxxv] المصدر السابق.

[lxxvi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1313.

[lxxvii] المصدر السابق.

[lxxviii] المصدر السابق، ص. 1314.

[lxxix] المصدر السابق.

[lxxx] المصدر السابق.

[lxxxi] المصدر السابق، ص. 574.

[lxxxii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 573-574..

[lxxxiii] ايرنان كورتاس: هوغاز اسباني قاد الحملة على المكسيك في بداية القرن السادس عشر وألحقها بمملكة قشتالة.

[lxxxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 526.

[lxxxv] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 243.

[lxxxvi] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 442.

[lxxxvii] كارلوس فوينتاس، أرض نوسترا، ص. 650.

[lxxxviii] المصدر السابق.

[lxxxix] عزيزة بناني، حوار ما بين الثقافات العربي ايبيرو أمريكي، ص. 311.

[xc] عبد الواحد دحنون طه، "هل للأندلسيين ومسلمي إفريقيا الغربية دور في اكتشاف العالم الجديد؟"، في مجلة دراسات أندلسية لصاحبها جمعة شيخة، عدد 10، جوان 1993، تونس، ص. 25.

[xci] سارخيو ماثياس، الحضور العربي في أدب أمريكا اللاتينية، ص. 9.

[xcii] سانتشاث رومايو، هجرة الأندلسيين الأسبان المغاربة إلى أمريكا ما قبل كولومبوس، اسبانيا، مطبعة خوليان، 2004، ص. 54.

[xciii] المصدر السابق، ص. 54.

[xciv] المصدر السابق، ص. 55.

[xcv] المصدر السابق، ص. 67-179.

[xcvi] عبد الله حكيم كيك وأودري شباس، "دلائل على وجود مسلمون في العالم الجديد قبل كولومبوس". <https://islamweb.net/esp/index.php?page=articles&id=181557 >

[xcvii] المصدر السابق.

[xcviii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 232.

[xcix] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 2، ص. 1067.

[c] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 232.

[ci] بالاسبانية "كاودييسمو"، هي ظاهرة اجتماعية وسياسية ظهرت في أمريكا اللاتينية في القرن التاسع عشر، تتمثل في وصول بعض الزعماء الى السلطة بطرق غير شرعية، ويؤسسون غالبا نظاما دكتاتوريا.

[cii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 232.

[ciii] المصدر السابق.

[civ] المصدر السابق.

[cv] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 232.

[cvi] المصدر السابق ، ص. 232.-233.

[cvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 531.

[cviii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 469.

[cix] المصدر السابق، ص. 423.

[cx]المصدر السابق.

[cxi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة،الجزء 2، ص. 538.

[cxii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة،الجزء 6، ص. 1188.

[cxiii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة،الجزء 5، ص. 387.

[cxiv] كارلوس فوينتاس، ديانا أوالصيادة المتوحدة، بيونوس آيريس، أغيلار وألتيا وتاوروس وألفاراغوا، 1994، ص. 85.

[cxv] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 24.

[cxvi] المصدر السابق.

[cxvii] أوكتافيو باث، الغريب في وطنه، ص. 24.

[cxviii] المصدر السابق.

[cxix] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة،الجزء 5، ص. 687.

[cxx] المصدر السابق.

[cxxi] المصدر السابق، ص. 616.

[cxxii] أوكتافيو باث، أجيال ومظاهر، ص. 449.

[cxxiii] أوكتافيو باث، أجيال ومظاهر، ص. 449

[cxxiv] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، الشيلي، المعهد الشيلي العربي،1990، ص. 103-106.

[cxxv] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 292.

[cxxvi] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، مدريد، موندادوري، 1987، ص. 82.

[cxxvii] المصدر السابق، ص. 101.

[cxxviii] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، برشلونة، دار نشر بروغيرا، 1983، ص. 58.

[cxxix] المصدر السابق، ص. 54.

[cxxx] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 113.

[cxxxi] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، ص. 92.

[cxxxii] أورسولا ايغواران: هي شخصية خيالية في رواية "مائة عام من العزلة"، وهي ابنة عم وزوجة خوسي أركاديو بوانديا، باطريرك ماكوندو ومؤسسها

[cxxxiii] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 92.

[cxxxiv] غابريال غارثيا ماركيث،وقائع موت معلن، ص. 14.

[cxxxv] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 348.

[cxxxvi] باولو كويلو، الخيميائي، ص. 16.

[cxxxvii] غابريال غارثيا ماركيث، مذكرات غانياتي الحزينات"، ص. 86.

[cxxxviii] خورخي لويس بورخيس، الأعمال الكاملة، الجزء 1، ص. 601.

[cxxxix] المصدر السابق.

[cxl] كارلوس فوينتاس، الرفقة القلقة، ص. 152.

[cxli] سارخيوماثياس، الحضور العربي في الأدب الأمريكي اللاتيني، ص. 13.

[cxlii] غابريال غارثيا ماركيث، رائحة الجوافة، محادثات مع بلينيو أبوليو ماندوثا، برشلونة، دار نشر بروغيرا، 1982، ص. 72.

[cxliii] غابريال غارثيا ماركيث، رائحة الجوافة، محادثات مع بلينيو أبوليو ماندوثا، ص. 73.

[cxliv] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، الأعمال الصحفية، الجزء 3، 1955-1960، برشلونة، دار نشر موندادوري، 1992، ص. 84.

[cxlv] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، ص. 92-93.

[cxlvi] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 77.

[cxlvii] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، ص. 58.

[cxlviii] كارلوس فوينتاس، الرفقة القلقة، ص. 152.

[cxlix] المصدر السابق، ص. 131.

[cl] المصدر السابق، ص. 132.

[cli] المصدر السابق، ص. 131.

[clii] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 77.

[cliii] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، ص. 139.

[cliv] كارلوس فوينتاس، ساعة النحس، ص. 63.

[clv] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 367.

[clvi] المصدر السابق.

[clvii] المصدر السابق.

[clviii] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 367.

[clix] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 83.

[clx] المصدر السابق، ص. 84.

[clxi] المصدر السابق، ص. 82- 83.

[clxii] المصدر السابق، ص. 15.

[clxiii] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 367.

[clxiv] المصدر السابق، ص. 345.

[clxv] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 15.

[clxvi] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 13.

[clxvii] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 84.

[clxviii] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، ص. 58.

[clxix] المصدر السابق، ص. 63.

[clxx] [clxx] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 435.

[clxxi] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 70.

[clxxii] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، ص. 85.

[clxxiii] المصدر السابق، ص. 88.

[clxxiv] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 81.

[clxxv] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 79.

[clxxvi] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 77.

[clxxvii] مارية كروث بورديال دي لاس ايراس، الهجرة اللبنانية الى كوستا ريكا، ص. 113.

[clxxviii] المصدر السابق، ص. 136.

[clxxix] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 83.

[clxxx] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 16-17.

[clxxxi] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 18.

[clxxxii] المصدر السابق، ص. 14.

[clxxxiii] المصدر السابق، ص. 83.

[clxxxiv] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، ص. 100.

[clxxxv] مارية كروث بورديال دي لاس ايراس، الهجرة اللبنانية الى كوستا ريكا، ص. 114-115.

[clxxxvi] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 18.

[clxxxvii] المصدر السابق، ص. 112.

[clxxxviii] مارية كروث بورديال دي لاس ايراس، الهجرة اللبنانية الى كوستا ريكا، ص. 27.

[clxxxix] المصدر السابق، ص. 147.

[cxc] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 103.

[cxci] المصدر السابق، ص. 113.

[cxcii] المصدر السابق.

[cxciii] المصدر السابق، ص. 117.

[cxciv] المصدر السابق، ص. 83-84.

[cxcv] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، ص. 69.

[cxcvi] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية الى الشيلي، ص. 83.

[cxcvii] المصدر السابق، ص. 103.

[cxcviii] سارخيو ماثياس، الحضور العربي في أدب أمريكا اللاتينية، ص. 38.

[cxcix] غابريال غارثيا ماركيث، مائة عام من العزلة، ص. 94.

[cc] المصدر السابق.

[cci] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، ص. 54.

[ccii] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 20.

[cciii] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، ص. 85.

[cciv] غابريال غارثيا ماركيث، ليس لدى الكولونال من يكاتبه، ص. 77-78.

[ccv] غابريال غارثيا ماركيث، ساعة النحس، ص. 54.

[ccvi] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية إلى الشيلي، ص. 92.

[ccvii] غابريال غارثيا ماركيث، وقائع موت معلن، ص. 112.

[ccviii] مريم أولغين تينوريو وباتريثيا غونثاليث، الهجرة العربية إلى الشيلي، ص. 101-102.

[ccix] محمد ساحلي، "كتاب ومفكرون لاتينيون أمريكيون من أصل عربي"، في حوار ما بين الثقافات العربي ايبيرو أمريكي، ص. 272.

[ccx] سارخو ماثياس، "التأثير العربي في الأدب الايبرو أمريكي"، في في حوار ما بين الثقافات العربي ايبيرو أمريكي، ص. 256-257.

[ccxi] سارخو ماثياس، التأثير العربي في الآداب الايبيرو أمريكية، ص. 13.

[ccxii] مارية كروث بورديال دي لاس ايراس، الهجرة اللبنانية الى كوستا ريكا، ص. 34-35.

[ccxiii] سارخو ماثياس، "التأثير العربي في الأدب الايبرو أمريكي"، في في حوار ما بين الثقافات العربي ايبيرو أمريكي، ص. 256-261.

[ccxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1062.

[ccxv] المصدر السابق، ص. 1078-1079.

[ccxvi] مذبحة تلاتيلولكو: على اثر مظاهرة طلابية شارك فيه أيضا أساتذة ومثقيون وعمال وغيرهم، وقع قمعها يوم 2 أكتوبر سنة 1968، وسقط خلالها ما بين 200 و300 قتيل وأكثر من ألف جريح.

[ccxvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1065.

[ccxviii] المصدر السابق، ص. 1094.

[ccxix] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1094.

[ccxx] ألف نون، "الهند الإسلامية: منذ وصول الإسلام إلى سقوط سلطنة دلهي" <http://www.libreria-mundoarabe.com/Boletines/n%BA38%20May.06/IndiaMusulmana.html>.

[ccxxi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1096.

[ccxxii] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، بورسعيد، مكتبة الثقافة الدينية، 2001، ص. 9.

[ccxxiii] المصدر السابق.

[ccxxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1096.

[ccxxv] المصدر السابق.

[ccxxvi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1097-1098.

[ccxxvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1096.

[ccxxviii] المصدر السابق.

[ccxxix] المصدر السابق.

[ccxxx] المصدر السابق.

[ccxxxi] المصدر السابق، ص. 1097.

[ccxxxii] المصدر السابق، ص. 1096.

[ccxxxiii] المصدر السابق، ص. 1097.

[ccxxxiv] المصدر السابق.

[ccxxxv] المصدر السابق.

[ccxxxvi] ألف نون، "الهند الإسلامية: منذ وصول الإسلام إلى سقوط سلطنة دلهي".

[ccxxxvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1101.

[ccxxxviii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1101.

[ccxxxix] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 19.

[ccxl] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1101.

[ccxli] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 19.

[ccxlii] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، مراجعة محمود محمد عباس، القاهرة، دار نهضة الشرق، 2001، ص. 183.

[ccxliii] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 22.

[ccxliv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1101.

[ccxlv] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 34.

[ccxlvi] المصدر السابق، ص. 79.

[ccxlvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1101.

[ccxlviii] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 263.

[ccxlix] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1102.

[ccl] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 109.

[ccli] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1102.

[cclii]المصدر السابق.

[ccliii] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 283.

[ccliv] المصدر السابق.

[cclv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1102.

[cclvi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1103.

[cclvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1103.

[cclviii] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 111.

[cclix] المصدر السابق.

[cclx] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1103.

[cclxi] المصدر السابق، ص. 1102.

[cclxii] المصدر السابق، ص. 1104.

[cclxiii] المصدر السابق، ص. 1103.

[cclxiv] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 123.

[cclxv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1104.

[cclxvi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1104.

[cclxvii] جمال الدين الشيال، تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، ص. 119-120.

[cclxviii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1104.

[cclxix] المصدر السابق.

[cclxx] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 316.

[cclxxi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1104.

[cclxxii] شيرلين هينري، فن الإسلام في الشرق من أصفهان إلى تاج محل، ص. 167.

[cclxxiii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1105.

[cclxxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1107.

[cclxxv] المصدر السابق، ص. 1106.

[cclxxvi] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 335.

[cclxxvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1106.

[cclxxviii] هضبة كبيرة في الهند تمتد على معظم أراضي شبه القارة الهندية الموجودة وسط جنوب البلاد

[cclxxix] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 336.

[cclxxx] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1106.

[cclxxxi] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 334-336.

[cclxxxii] هي امبراطورية وجدت في شبه القارة الهندية بين سنة 1674 و1818.

[cclxxxiii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1107.

[cclxxxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1108.

[cclxxxv] أحمد محمود الساداتي، تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكيستانية، ص. 315.

[cclxxxvi] المصدر السابق، ص. 316.

[cclxxxvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1107.

[cclxxxviii] المصدر السابق.

[cclxxxix] المصدر السابق.

[ccxc] سالفات باسيكو، معجم موسوعي

[ccxci] مادراس: يقصد بها مدينة تشيناي الهندية التي أسستها شركة الهند الشرقية البريطانية سنة 1661.

[ccxcii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1108.

[ccxciii] المصدر السابق.

[ccxciv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1109.

[ccxcv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1110.

أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1111.

[ccxcvii] ولد سنة 1838 وتوفي سنة 1894، وهو أحد أكبر روائيي الهند وشعرائها.

[ccxcviii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1111.

[ccxcix] المصدر السابق، ص. 1161.

[ccc] المصدر السابق.

[ccci] المصدر السابق. ص. 1162.

[cccii] المصدر السابق، ص. 1163.

[ccciii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1164.

[ccciv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1165.

[cccv] المصدر السابق.

[cccvi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1181.

[cccvii] المصدر السابق، ص. 382.

[cccviii] أ المصدر السابق، ص. 384.

[cccix] المصدر السابق، ص. 383.

[cccx] المصدر السابق.

[cccxi] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 359.

[cccxii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 359.

[cccxiii] المصدر السابق.

[cccxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 312.

[cccxv] المصدر السابق، ص. 340.

[cccxvi] كارلوس فوينتاس، ضد بوش، ص. 125.

[cccxvii] كارلوس فوينتاس، رأس حية الماء، برشلونة، غريخالبو موندادوري، 1996، ص. 200.

[cccxviii] المصدر السابق.

[cccxix] المصدر السابق.

[cccxx] كارلوس فوينتاس، ضد بوش، ص. 71.

[cccxxi] المصدر السابق، ص. 63.

[cccxxii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 360.

[cccxxiii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 360.

[cccxxiv] المصدر السابق.

[cccxxv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 362.

[cccxxvi] المصدر السابق.

[cccxxvii] المصدر السابق.

[cccxxviii] المصدر السابق.

[cccxxix] المصدر السابق.

[cccxxx] غابريال غارثيا ماركيث، ملاحظات صحفية، ص. 384.

[cccxxxi] المصدر السابق، ص. 386.

[cccxxxii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 360.

[cccxxxiii] المصدر السابق، ص. 359-360..

[cccxxxiv] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 2، ص. 549.

[cccxxxv] المصدر السابق.

[cccxxxvi] غابريال غارثيا ماركيث،ملاحظات صحفية، ص. 383.

[cccxxxvii] غابريال غارثيا ماركيث،ملاحظات صحفية، ص. 383.

[cccxxxviii] المصدر السابق.

[cccxxxix] كارلوس فوينتاس، رأس حية الماء، ص. 201.

[cccxl] المصدر السابق.

[cccxli] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1464.

[cccxlii] المصدر السابق.

[cccxliii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 1460.

[cccxliv] المصدر السابق، ص. 1461.

[cccxlv] المصدر السابق، ص. 360.

[cccxlvi] المصدر السابق، ص. 360-361.

[cccxlvii] أوكتافيو باث، الأعمال الكاملة، الجزء 6، ص. 361.

[cccxlviii] غابريال غارثيا ماركيث، ملاحظات صحفية، ص. 383.

[cccxlix] المصدر السابق، ص. 384.

[cccl] المصدر السابق، ص. 383.

[cccli] المصدر السابق.

[ccclii] خورخي لويس بورخيس، الأعمال الكاملة، الجزء 2، ص. 374.

[cccliii] المصدر السابق، ص. 375.

[cccliv] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 377.

[ccclv]المصدر السابق.

[ccclvi] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 372.

[ccclvii] المصدر السابق.

[ccclviii] المصدر السابق، ص. 373.

[ccclix] المصدر السابق، ص. 380.

[ccclx] المصدر السابق، ص. 373.

[ccclxi] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 372.

[ccclxii] المصدر السابق، ص. 373-374.

[ccclxiii] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 375.

[ccclxiv] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 274.

[ccclxv] المصدر السابق، ص. 376.

[ccclxvi] المصدر السابق، ص. 377.

[ccclxvii] المصدر السابق، ص. 367.

[ccclxviii] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 368.

[ccclxix] المصدر السابق، ص. 367-368.

[ccclxx] المصدر السابق، ص. 368.

[ccclxxi] المصدر السابق.

[ccclxxii] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 368.

[ccclxxiii] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 368.

[ccclxxiv] المصدر السابق.

[ccclxxv] المصدر السابق، ص. 369.

[ccclxxvi] المصدر السابق.

[ccclxxvii] المصدر السابق، ص. 367.

[ccclxxviii] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 369.-370.

[ccclxxix] المصدر السابق، ص. 369.

[ccclxxx] غابريال غارثيا ماركيث، من أوروبا وأمريكا، ص. 370.

[ccclxxxi] غابريال غارثيا ماركيث، ملاحظات صحفية، ص. 222.

[ccclxxxii] المصدر السابق.

[ccclxxxiii] المصدر السابق، ص. 224-425.

[ccclxxxiv] غابريال غارثيا ماركيث، ملاحظات صحفية، ص. 425.

[ccclxxxv] المصدر السابق.

[ccclxxxvi] المصدر السابق.

[ccclxxxvii] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 64.

[ccclxxxviii] المصدر السابق، ص. 53.

[ccclxxxix] المصدر السابق.

[cccxc] المصدر السابق، ص. 54.

[cccxci] المصدر السابق.

[cccxcii] المصدر السابق.

[cccxciii]المصدر السابق.

[cccxciv] المصدر السابق، ص. 63.

[cccxcv] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 64.

[cccxcvi] المصدر السابق.

[cccxcvii] المصدر السابق، ص. 69-70.

[cccxcviii] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 76.

[cccxcix] المصدر السابق، ص. 75.

[cd] المصدر السابق.

[cdi] المصدر السابق.

[cdii] المصدر السابق، ص. 105.

[cdiii] المصدر السابق، ص. 162.

[cdiv] المصدر السابق، ص. 53.

[cdv] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 70.

[cdvi] المصدر السابق

[cdvii] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 109.

[cdviii] المصدر السابق.

[cdix] المصدر السابق. ص. 171.

[cdx] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 99.

[cdxi] المصدر السابق.

[cdxii] المصدر السابق، ص. 145.

[cdxiii] المصدر السابق، ص. 101.

[cdxiv] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 116.

[cdxv] المصدر السابق.

[cdxvi] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 131.

[cdxvii] المصدر السابق.

[cdxviii] المصدر السابق، ص. 148

[cdxix] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 160.

[cdxx] المصدر السابق، ص. 162.

[cdxxi] المصدر السابق، ص. 167.

[cdxxii] المصدر السابق، ص. 171.

[cdxxiii] المصدر السابق.

[cdxxiv] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 146.

[cdxxv] المصدر السابق، ص. 147.

[cdxxvi] كارلس فوينتاس، ضد بوش، ص. 147..

[cdxxvii] المصدر السابق، ص. 159-160.