يستقصي هذا الكتاب الجماعي والذي يبدو أنه نجم عن أعمال مؤتمر سردي، أهم مسارات تشكل النقد الروائي العربي على اختلاف توجهاته ومراحله، ويستعرض تجلياته المختلفة ومقترباته وبعض مناهجه، ومن خلال هذا كله يمكن للقارئ تلمس أهم سمات هذا الخطاب في وضعه على محك التأمل النقدي.

الرواية العربية والنقد

عبداللالة الكلخة وحسني كرون

صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون وبيروت عاصمة عالمية للكتاب، كتاب جماعي حول نقد الرواية، وهو كتاب طرح المسار الذي قطعه النقد الروائي العربي على اختلاف توجهاته ومراحل تشكله، على محك التأمل النقدي. وقد شارك في هذا الكتاب نخبة من النقاد العرب الذين شاركوا في ندوة الرواية العربية والنقد  والتي التأمت ببيروت 8 ـ9 كانون الثاني (يناير) 2010 بدعوة من الدار العربية ناشرون في إطار بيروت عاصمة عالمية للكتاب، وهم عبد اللطيف محفوظ من المغرب وسعيد بو طاجين من الجزائر ومصطفى الكيلاني من تونس وحسين حمودة من مصر وفيصل دراج من فلسطين ولطفي زيتون من لبنان ونبيل سليمان وشهلا العجيلي من سوريا وفخري صالح من الأردن وسعد البازغي ومعجب العدواني من السعودية ونادر كاظم من البحرين. وقد تطرقوا للموضوع من منطلقات مختلفة ومتكاملة، ساهمت في إضاءة المناهج والخلفيات والتجارب الكبرى.

1ـ المقدمات الأولى للنقد العربي بدايات القرن العشرين د. فيصل دراج

يرى د. فيصل دراج أن ولادة النقد الأدبي تمت في عصر النهضة، وقد بدأت الأفكار تتبلور في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين. ويذكر من بين الرواد الفلسطيني روحي الخالدي (186-1913) الذي يشكل حسبه، نموذج المثقف التنويري الذي لم يفصل في كتاباته النقدية بين النقد الحديث والحداثة الاجتماعية، وكذا سليمان البستاني الذي نشر عام 1904 ترجمة لإليادة هوميروس، ثم المصري أحمد الضيف (1880-1945) الذي فتح باب النقد المنهجي لأول مرة من خلال حديثه عن البلاغة عند العرب وأيضا طه حسين في كتابه النقدي "في الشعر الجاهلي". بعد ذلك يركز د. فيصل دراج على الإرهاصات الأولى للنقد الجديد مع مدرسة الديوان، وروادها العقاد والمازني وشكري ويعتبرها "أول مساهمة نسقية متماسكة في تاريخ النقد العربي الحديث. وجدت أفكارها امتدادا ودعما من قبل مدرسة المهجر مع ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران حيث الأدب يستمد قيمته من ذات الأديب الذي يعبر عن رهافة إحساسه ووجدانه ليكشف عن خبايا النفس، ومع حسين هيكل تبلورت مفاهيم من مثل حرية الكتابة والقراءة، وتم النظر إلى الأدب في علاقته بالحاجات الاجتماعية والوطنية، أما محمد مندور فقد طالب بأن ينتقل الأدب العربي من الحديث عن اللفظ العقيم إلى التعبير المباشر عن الحياة، وقد أفرد مكانا خاصا في كتابة "الميزان الجديد" للحديث عن الذوق الأدبي وهو بهذا يرغب في رد الاعتبار إلى فعل القراءة..  كل هذه الطروحات النظرية والنقدية شكلت المقدمات الأولى للنقد العربي مع بدايات القرن العشرين، ولم يكن لها أن تتبلور لولا الانفتاح عن النظريات الغربية الفلسفية كالوجودية والماركسية والبنيوية.

2 ـ خصوصيات النقد السميائي للرواية بالمغرب. د. عبد اللطيف محفوظ

انطلق د. عبد اللطيف محفوظ من ملاحظة أساسية تتمثل في كون النقد المغربي قد ارتبط، منذ بداياته الأولى، برصد العلاقة بين النص السردي والواقع الذي أنتجه، وقد جعله هذا الصنيع، وهو يتطور نتيجة الانفتاح على طرق ومناهج المقاربات النقدية الحديثة، يحافظ على ذلك التعالق، وقد عكس ذلك انحياز النقاد الرواد إلى التركيب بين المناهج كما كان الحال مع محمد برادة وأحمد اليبوري ومن تلاهما..

وبعد تقديم معمق لخلفيات النقد السيميائي وشروط الانحياز إليه في الثمانينات، انتقل إلى تحديد خصوصيات التجارب النقدية في المغرب التي اعتمدت السميائيات كمنطلقات نظرية في تفسير النص الروائي. وهي تجارب عبد الرحيم جيران وسعيد بنكراد وعبد المجيد نوسي ومحمد داهي. وقد اعتبر تجربة "عبد الرحيم جيران" متسمة في بدايتها بالبعد التركيبي، مع بحثه حول رواية "نجمة أغسطس" لصنع الله إبراهيم، ملاحظا أنه وهو ينجز عمله النقدي هذا، ظل وفيا لهاجس ارتباط الرواية بالواقع، لهذا كانت كل استنتاجاته تسير في اتجاه البحث عن هذا التناظر، ومع هذا، فقد نبهت هذه الدراسة، بحسب د. عبد اللطيف محفوظ، لمراقي تشكل النص من أجل تمثل أفضل لمعناه، أما التجربة الثانية لعبد الرحيم جيران، الموسومة بالتجديل التضافري فاعتبرها الناقد إضافة نوعية في التنظير لنقد الرواية، وفي الصوغ النظري المجرد لسيميائيات السرد.  ولاحظ أن سعيد بنكراد في "شخصيات النص الروائي" و"النص السردي: نحو سميائيات الأيديولوجيا" عكس نزوع النقد المغربي إلى الاهتمام بالمعنى، وركز الناقد على التفاوت الحاصل بين الأقسام النظرية والتطبيقات التي تغدر عند بنكراد بالبروطوكول المنهجي الذي ينطلق منه، الشيء الذي يقدم تحليلات مناظرة لبقية التحليلات البنيوية والتي ليست في حاجة بالضرورة لكل تلك الصروح النظرية. أما محمد الداهي الذي انحاز إلى سيميائيات الأهواء وحاول تطويعها وتطويع سيميائيات العمل حتى تستجيب لأدبية النصوص، فقد وقع حسب د. محفوظ في ابتسار ابستيمولوجي واضح جراء التنقيل غير المبرر لمفاهيم تحليل البنى العميقة ما قبل لسانية إلى مستوى الخطاب، الشيء الذي أنتج تصورا جسد نموذجا للاجتهادات المبنية ليس على ضبط الخلفيات ولكن على أحلام التميز وبناء النماذج..

أما د عبد المجيد النوسي صاحب كتاب "التحليل السميائي للخطاب الروائي" فربطه د. محفوظ بمحاولة الإجابة عن السؤال: كيف نجعل من سميائيات السرد تستجيب لكل مكونات النص الروائي ومستويات تشكله؟ يستنتج الناقد عبد اللطيف محفوظ بعد هذه الرحلة في ثنايا الكتابات النقدية الموسومة بالسميائيات أن هذه الأخيرة لن تكون غير الوعي بالمعنى، الذي لن يكون كامنا في الإجراءات المرسومة من قبل النظرية بل في ممكنات النص الروائي.

3 ـ الرواية العربية الآن: جدل النقد والكتابة. أ. فخري صالح

يذهب الناقد أ. فخري صالح في مقاله المعنون ب"الرواية العربية الآن: جدل النقد والكتابة" إلى أن الجنس الأدبي الرواية هو الشكل الأدبي الأكثر حضورا والأكثر مقروئية وانتشارا في العالم العربي الآن. فبدونها يصعب فهم العصر الحديث، إنها جماع الأشكال والأنواع الناطقة باسم الإنسان الحديث. ويعتبر الباحث أن الروائيين العرب من أمثال حنا مينة، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، ونجيب محفوظ، وجبرا إبراهيم جبرا، والطاهر وطار، وغسان الكنفاني... وغيرهم الأساس في فهم كيفية ولوج العرب في الأزمنة الحديثة وهي أزمنة موسومة بالانفتاح عل الواقع من خلال توظيف العمل الروائي لشخوص متخيلة تستمد مرجعيتها من الحياة اليومية. فغسان الكنفاني مثلا هو الأكثر إفادة لمن يريد كتابة التاريخ الفلسطيني المعاصر لأن شخصياته مستمدة من الواقع المعاش. إن للرواية الحديثة ارتباط بالتاريخ، إنها إدراك كلي للعلاقة المعقدة بين البشر؛ مكانهم وزمانهم ومواقفهم، هي تأريخ للهواجس الداخلية وللشعوب والأعراق والثورات والتحولات الكبرى. هكذا انتقلت الرواية الحديثة بفعل إقحام التاريخ إلى زمن التجريب، فأصبحت بذلك قابلة للقراءة والانتشار والترجمة أيضا. ويمثل أ. فخري صالح بأعمال روائيين من هذا النمط الذي سعى إلى استحضار التاريخ في الكتابة السردية كصنع الله إبراهيم في أعماله (أمريكانلي) و(العمامة والقبعة) و(القانون الفرنسي)، وعمل يوسف زيدان (عزازيل) وإبراهيم نصر الله في روايته (زمن الخيول البيضاء) ... وبهذا يكون هؤلاء الروائيون الكبار قد رسخوا للشكل الروائي بوصفه صيغة من صيغ التعبير.كما يلاحظ أنه لا ينفصل الجيل اللاحق عن السابق في عمل التأصيل هذا، فالروائيون الجدد من مثل رشيد ضعيف، وإبراهيم عبد المجيد، وحسن داود وأمينة زيدان... عمقوا هذا الاهتمام بالبعد التاريخي في الكتابة الروائية، مع التركيز أكثر على شكل الحكاية. لذا وجب في رأي الناقد أ. فخري صالح الانفتاح على مناهج عدة كالشكلانية والتفكيكية واللسانية والسيميائية وغيرها من المناهج لمقاربة أكثر موضوعية وثراء لفهم هذه النصوص السردية وقراءتها.

4 ـ زمن الرواية ... "أزمنة الرواية"  د. حسين حمودة

يعرض الكاتب د. حسين حمودة في دراسته المعنونة ب "زمن الرواية أزمنة الرواية" تصور جابر عصفور الذي يذهب إلى أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر الرواية بامتياز، وكان لهذا الطرح أثره في خلق سجال ومحاججة وعراك بين مؤيدي هذا الرأي ورافضيه. وقد أعادت هذه المعركة إلى الأذهان تلك الصراعات النقدية الكبيرة التي سبقت هذا العصر بين طه حسين ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس. ويلاحظ الناقد أن الفكرة القائلة بأن زمننا هو زمن الرواية ليست حديثة العهد، إذ بدأت إرهاصاتها الأولى مع بداية الأربعينيات من القرن العشرين في شكل سجال حصل بين نجيب محفوظ والعقاد حيث اعتبر الأول الرواية "شعر الدنيا الحديثة" في حين أن هذا الرأي كان محط ازدراء الثاني. وإذا كان جابر عصفور قد لاحظ تنامي الاهتمام بالرواية مقارنة بالشعر الذي انخفض صوته، وتمظهر ذلك على مستوى الطباعة والمبيعات والحصول على الجوائز العالمية الكبرى، التي كان للرواية فيها النصيب الأوفر مقارنة بالشعر ، فإن الناقد حسين حمودة يذهب إلى أن هذا الرأي لا ينقص من قيمة الشعر على الإطلاق، بل لا يمس إلا بعض التجارب الشعرية الاجترارية، فيكون الشعر بدوره ملزما بتغيير ثوابته، وأن يخلق لغة جديدة للتخاطب يتراجع فيها عن الذوق القديم. كما يرى أن الرواية لها أصول عميقة في التراث الغربي تعود إلى العصر اليوناني، رافضا بذلك كونها امتدادا للملحمة كما هو رأي جورج لوكاش.

5 ـ النقد والأزمة. د. نادر كاظم

في مقاله المعنون ب "النقد والأزمة" يذهب د. نادر كاظم إلى الحديث عن الوظيفة الجديدة للنقد، التي لا يجب أن تقف عند حدود تفكيك غموض النص الأدبي وحسب. هذا القصور النظري هو ما سعى ت. تودروف إلى نقده في كتابه "الأدب في خطر" وإن كان هذا النص بمثابة سيرة فكرية يروي فيه السارد عن علاقته بالمناهج النقدية، وكيف تمكن المنهج الشكلاني في بداية اهتماماته الدراسية من التملص من التوجه الأيديولوجي للشيوعية، فها هو اليوم ينتقد هذا التوجه الذي حول الأدب إلى ألعاب شكلانية عاطلة وعدمية، حيث تخلى النقد عن وظيفته المتمثلة في انخراطه في السجال العريض للأفكار. ويطرح الناقد د. نادر كاظم السؤال على النقد نفسه، ألم يصبح هو أيضا في خطر حينما انخرط في المشروع الأكاديمي، فتحول إلى فعل تقني عدمي ! ؟ لتجاوز محدودية هذا النوع من النقد يقترح الناقد انفتاحه على ما هو ثقافي، يبحث في معنى النصوص ورهاناتها الفلسفية والسياسية، ومعه سيتوسع معنى النص لينطبق على كل شيء (شعر، رواية، مسرح، أغنية، شائعة، كتابة تاريخية، تصريح سياسي..)، فالنقد الثقافي سيدرس تناص النصوص وترابطها باحثا عن أنظمتها العقلانية واللاعقلانية في تفاعل مع الأيديولوجيا المؤسسة لها. ويعتبر د. نادر كاظم أن إرهاصات هذا النقد بدأت مع سميائيات رولان بارط، فهي مغامرة للبحث عن المعنى الموجود في العلامات اللغوية وغير اللغوية (الأطباق، الأفلام، الموسيقى، الطب، الإشهار..) تدخل لتجاوز براءة الأشياء وبداهة الحس المشترك.

6 ـ عندما تتأمل الرواية ذاتها في مرآة النقد. د. لطيف زيتوني

في مقاله المعنون ب "عندما تتأمل الرواية ذاتها في مرآة النقد" يذهب الناقد د. لطيف زيتوني إلى أن الرواية تتأمل المجتمع الذي تحكي عنه، إنها بمثابة مرآة للنقد تؤدي مهمة معرفية، ويبرر هذا الطرح بنص من رواية ستندال (الأحمر والأسود)."الرواية تعكس في عينيك رقة السماء وطورا وصل حفر الطريق" إنها نوع من الكتابة الموسومة بالواقعية وبالصدق في نقل الأشياء كما هي: كانت الرواية –بحسب الناقد- في الماضي البعيد تحضى بتصديق القراء، غير أن هذه الثقة تزعزعت، وتغيرت مع الكتابة الروائية الجديدة، فالقارئ يتظاهر إزاء الأحداث المروية كما لو وقعت فعلا، ويتعهد المؤلف بالموازاة أن يوظف كل ما عنده ليجعل عمله قابلا للتصديق. أصبحت الرواية الحديثة نصا قلقا يفارقه اليقين، لأنها موجهة بتعدد الأصوات، وبحث مستمر عن فضاءات ممكنة في حياة السارد. كما تعمقت الكتابة السردية بشكل مزدوج، عند الراوي والقارئ على السواء، يتساءل إلياس الخوري في روايته (مملكة الغرباء) "ماذا أكتب لست أدري أشعر بالكلام يتخلخل يتفكك"، ومن ثم فالحقيقة الوحيدة الثابتة هي الحكاية نفسها كما هي. بعد ذلك ينتقل الناقد د. لطيف زيتوني لرصد نفس الإشكال عند الروائي محمد برادة في روايته (حيوات متجاورة)، فالشك يوجه العمل السردي من بدايته إلى نهايته، يقول: "لست الكاتب المفترض، أو على الأقل لست تماما، وإنما أنا مجموع قصص تربطها شخصية  سميح الذي تتقاطع حياته مع حيوات شخصيات أخرى لتشكيل صورة متكاملة للمجتمع الذي ينتمي إليه السارد. أصبح السرد نقدا، وإذا كان القارئ يشتكي من الهوة الحاصلة بين النظريات والممارسة، فوظيفة النقد الجديدة تكمن في إزالة هذا التعتيم لتحقيق المصالحة بين الرواية الحديثة وقرائها.

7 ـ المنجز الروائي العربي في ضوء التناص، مراجعة نقدية للأطر التنظيرية والتحققات التطبيقية. د. معجب العدواني

 تعرض الناقد د. معجب العدواني في مقاله المعنون ب "المنجز الروائي العربي ... لمفهوم التناص مبرزا تعدد وجهات النظر حوله كمفهوم يتداخل مع مصطلحات نقدية عدة، منها السرقات الأدبية والمعارضة الشعرية والاقتباس والحفظ. وقد قدم لهذا المفهوم عند كل من النقاد الغربيين والعرب على السواء، فخلص إلى أن التناص نظرة جديدة نصحح بها ما كان الأقدمون يسمونه بالسرقات أو "وقع الحافر على الحافر" عمد الناقد بعد ذلك إلى تحليل المعارضة الشعرية مؤكدا أنها تختلف في جورها عن مفهوم التناص، مستأنسا بمصطلح آخر هو النصية الجامعة Hypertestuality الذي استعاره من الطرح النظري لجيرار جنيت باعتباره علاقة تصل بين نص أدبي (ب) ونص أدبي سابق (أ). انتقل د. معجب العدواني بعد ذلك للحديث عن التناص كمقاربة نقدية استثمرها مجموعة من النقاد العرب في دراستهم للنص السردي، ومن بين هذه الدراسات "الرواية والتراث السردي من أجل وعي جديد بالتراث "لسعيد يقطين" و"شعرية النص السردي، قراءة تناصية في كتاب التجليات" لبشير قمري، ودراسات سيزا قاسم التي راجعت عددا من الروايات الممتدة من عام 1967 إلى 1979م في ظل مفهوم التناص وكذا المصري حسن حماد في كتابه "تداخل النصوص في الرواية العربية بحث في نماذج مختارة" والذي تطرق فيه إلى كل من الأعمال السردية الآتية: (حديث عيسى بن هشام) للمويلحي، و(أحلام شهرزاد) لطه حسين، و(ذات) لصنع الله إبراهيم.كما عرض الباحث لعمل محمد وتار "توظيف التراث في الرواية العربية المعاصرة" وغيرها من الباحث النقدية في هذا المجال التي اعتمدت التناص كمرجع في مقاربة الكتابة الروائية.

8 ـ المقاربة السردية: السعيد بوطاجين.

يذهب الناقد د. السعيد بوطاجين إلى التأكيد أن الاهتمام بعلم السرد بدأ مع ثمانينات القرن العشرين، وقد أسس له نخبة من البابحثين خريجي الكليات والمعاهد، أعادوا النظر في طرائق دراسة العمل الأدبي مخلصين إياه من الإرث الأيديولوجي الذي كان يطوقه. وقد خطى هذا العلم نحو الاحترافية فأصبحت له مفاهيم ومصطلحات دقيقة سنده في ذلك كل من أعمال ج. جنيت وبول ريكور. غير أن الناقد يسجل على هذا المنهج عدة مزالق منها غياب التقويم فيه، فهو عرض حيادي، يضاف إلى ذلك أنه لا يميز بين الجيد والرديء في الأعمال السردية. وقد متح هذا العلم مصطلحاته من حقول معرفية عدة كالبلاغة والمنطق واللسانيات والرياضيات... فعسر نقل مفاهيمه من أصوله الغربية إلى اللغة العربية، وهذا ما حدا بالناقد إلى التأكيد على البحث عن استراتيجية جديدة مختلفة لمقاربة النص السردي.

9 ـ حين تتأمل الرواية ذاتها في ضوء النقد (مجاز العشق) أنموذجا: نبيل سليمان.

يتأمل أ. نبيل سليمان في مقاله المعنون ب " حين تتأمل الرواية ذاتها في ضوء النقد.." ذاته ككاتب للرواية مسائلا فعل الكتابة حين يصبح مصدرا للمعاناة والألم، فبعد أن كتب (رباعيات العشق)، وهي رواية تتألف من ألفين وأربعمائة صفحة، تساءل عن كيفية تجديد لقائه مرة أخرى مع حرقة الكتابة التي اعتبرها "نزيفا للروح والجسد"، هذا الإشكال العلقمي عاش معه مدة سنتين اعتبرها الكاتب دهرا، تولد عنه عمل سردي آخر هو (مجاز العشق)، أصوله البنائية تتناص مع المتن الأول، غير أن التطابق معه بتعبيره مستحيل. على لسان إحدى شخصيات هذه الرواية، ورد السؤال الآتي "هل تبدأ اليوم بكتابة رواية أم..." هذا القلق ترتب عنه الإحساس بالتأرجح بين الكتابة واللا كتابة، مخاض أوصله إلى أن الروراية تنكتب من ماء" واستمد السارد هذا الطرح من حيثيات حرب قادمة "اتفاقية 1924 بين فرنسا وبريطانيا تقوم على تقسيم مياه سوريا وفلسطين في نهر الأردن ونهر اليرموك وروافدهما، ومنها ما يتصل ببحيرة طبريا.." مستنتجا بذلك أن الكتابة الروائية "حب-حياة- موت، رواية، عشق، لغة تنبجس: حقائق أخيلة: ما يرى وما لا يرى" الرواية عند أ. نبيل سليمان تتأمل ذاتها، هي عشق الكتابة الممزوج بواقع مأزوم "وقد اهتدت إلى بعض سرها.. فاستطاعت أن تنكتب في حيوات فؤاد وصبا وسواها من شخصيات الرواية وبخاصة فاتن على التخم الفاصل بين قرن وقرن وألفية وألفية.

10 ـ الرواية النقدية في سياقها الثقافي: سعد البازعي

قدم د. سعد البازعي  في البداية إشارات حول علاقة النقد بالنص السردي متوقفا عند  فترات مبكرة، مع "الديكامرون" للإيطالي بوكاتشيو، و"دون كيخوته" للإسباني سرفانتيس. ملاحطا أن الرواية الحديثة  ـ والعربية جزء منها ـ بدأت توظف المعرفة النقدية في بنائها، وهو ما شكل منعطفا جديدا في الكتابة السردية عموما، ذلك أن العصر الحديث ـ حسب سعد البازعي ـ شهد نوعين من الكتابة الروائية التي تستحضر هذا الوعي النقدي في نسيجها السردي: 1- ففي النوع الأول يتم خلط الوهمي بالواقعي، وذلك بتوظيف السيرة الذاتية للكاتب في بناء النص الروائي، 2- والثاني يقوم على إقحام أحداث واقعية تاريخية يصعب معها الفصل بين ما هو حقيقي وتاريخي، ويقوم السارد هنا بإقحام القارئ في لعبة السرد، موجها إياه نحو المعنى. ويمثل سعد البازعي لهذا النوع من الكتابة السردية ببحوث جون بارت الأمريكي الذي جمع بين النقد والكتابة الروائية، ثم انتقل بعد ذلك إلى تحليل رواية صنع الله إبراهيم "أمريكانلي"، ورواية الكويتي طالب الرفاعي "سمر الكلمات"، ورواية السعودي إبراهيم بادي "حب في السعودية" حيث تجمع هذه النصوص الروائية بين السير الذاتي والتاريخي والتخيلي في بوثقة واحدة.

11 ـ المتون والهوامش في اشتغال الظاهرة الروائية العربية (المنجز والممكن) د. مصطفى الكيلاني.

أراد الناقد د. مصطفى الكيلاني رسم ملامح المشهد الروائي العربي من خلال المنجز، فقسمه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول سماه ب "سرد الأفكار قبل الأحداث" وهو امتداد لنهج السرد القديم، ومثل له ب "حديث عيسى ابن هشام" للمويلحي و"حدث أبو هريرة" لمحمود السعدي، ويجد هذا النوع من الكتابة الروائية صداه في المقامة.القسم الثاني، وأوجد له اصطلاح "سرد الأفكار بالأحداث" وفيه تحولت الرواية إلى جنس أدبي قائم الذات. يستمد مرجعيته من الواقع عوض الاتكاء عل التراث السردي القديم، ومثل لهذا النوع من السرد، برواية (زينب) لحسين هيكل، حيث اتجهت الرواية إلى  الواقع باعتباره متنا و"إلى تفاصيل الحياة الفردية" وقد أعقب هذه الرواية كتابات سردية أخرى تصب في نفس المنحنى ك (ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ.  أما القسم اللثالث فسماه ب "تجربة الانكتاب الروائي، يتحدث فيه عن الكتابة باعتبارها مغامرة للتجريب وقد انعكست في الأسلبة (la stylisation) خاصة  ومثل لهذا القسم برواية (تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم، أعقبتها روايات أخرى سارت على نفس النهج كرواية (الضحك) و(السؤال) لغالب هلسا، أصبح معها تقديم الواقع بطريقة ساخرة جوهر العمل الروائي الحديث عموما.

12 ـ الرواية العربية : من هوية النوع إلى هوية الثقافة. د. شهلا العجيلي

في مقالها المعنون ب "الرواية العربية: من هوية النوع إلى هوية الثقافة" تذهب د. شهلا العجيلي إلى أن الرواية العربية اقترنت في ظهورها بالتحولات الكبرى في العصر الحديث، لها أصول في السرد العربي القديم كالمقامة والسيرة، غير أن هذه الأصول لم تكن واضحة في ذهن النقاد. وفي الخمسينات من القرن العشرين وصلت الرواية العربية إلى ما سمته الناقدة ب "نقاء النوع" أي الاستقلال بخصوصياتها في الكتابة، ومن تم تميزها عن باقي الأنواع الأدبية الأخرى كالشعر والمسرح، وتشكلت هويتها الفنية من جماع التحولات التي طرأت على هذه الأنواع لتصبح نموذجا للكتابة في حد ذاتها، مرجعيتها في ذلك الأجناس الأدبية الكبرى المحددة من قبل أرسطو: الملحمي والغنائي والدرامي. ففي علاقتها بما هو ملحمي تولدت الرواية التاريخية، وفي ارتباطها بما هو غنائي ظهرت الرواية ذات المنحى الشعري، وكان للبعد الدرامي أثره في إنجاز الرواية الواقعية. الرواية عند الدكتورة شهلا العجيلي "فعل للتغيير" تسخر البنى الثقافية والأنتروبولوجيا في نسيجها الجمالي، بعد أن كانت في خدمة الأيديولوجيا، ومهمة الناقد هي إعادة النص وكتابته من جديد، ف "الجميل لا يفقد شيئا من جماله إذا أعيد إنتاجه من جديد" بحسب رأي جاك دريدا.