يعزو الكاتب العراقي هنا تخلف وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية عامة، وفي العراق خاصة، إلى سيطرة المد الديني على الممارسات السياسية والاجتماعية بدعم محلوظ من الغرب الاستعماري، وهو الأمر الذي تعزز بعد انتفاضات الربيع العربي التي ركبها الإسلامجية والعسكر وأفشلوها، وأحالوها إلى شتاء قارس.

فشل الانتفاضات العربية وتأثيرها على المرأة

ناجح فليح الهيتي

 

هناك نساء كثيرات في بلداننا العربية ظهرن على امتداد التاريخ الممتد منذ سبعة آلاف سنة، كان منهن ملكات ومنهن شاعرات ومنهن أمهات ملوك، مثل شبعاد ملكة سومر وسميراميس ونفرتيتي وكليوباترا وبلقيس وزنوبيا وهند والدة عمرو ملك كندة وكلثوم والدة عمروا بن كلثوم الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة المشهورة والخنساء ورفيدة وخولة بنت الازور وزوجات خلفاء بني أمية اللواتي كان لهن تأثيراً بإدارة الحكم وزوجات خلفاء بني العباس والمتصوفة رابعة العدوية والشاعرة ولادة بنت المستكفي وغيرهن من النساء في العصر الحديث.

لكني قبل الحديث عن تأثير ما سمي (ثورات الربيع العربي) على المرأة خاصة في بلداننا العربية لابد لي من تعريف بعض المصطلحات السياسية كالثورة والانقلاب والانتفاضة والحرية والتفريق بين كلٍ منهما وذكر كثير من الحوادث التي رافقت ما سمي بثورات الربيع العربي. تُعرف الثورة: بأنها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحدثها حركة شعبية منظمة لها برنامج خاص يتضمن القضاء على الفقر والجهل والمرض وان يمارس الإنسان حقه بإبداء الرأي بحرية مستمدا ذلك من خصوصيات بلده دون المساس بحريات الآخرين. ويعرف الانقلاب: بأنه تغير الأشخاص اللذين يتولون الحكم دون أحدات التغيرات التي تحدثها الثورة. والانتفاضة: حركة يقوم بها قسم من الشعب وقد تنجح وتتحول إلى ثورة تقوم بالتغيرات، وقد تفشل وهذا ما حدث لانتفاضات ما سمي انتفاضات الربيع العربي.

وتعرف الحرية: بأنها معرفة الضرورة، واني أتبنى هذا التعريف (عن غيري) لان لكل بلد خصوصياته، فالحرية تختلف في بلد عن بلد آخر كما أنها تختلف من زمن إلى زمن آخر. وقد يكون الاختلاف في مدن داخل البلد الواحد، والحقيقة أنى أرى ليس هناك حرية مطلقة بدءاً من حرية التجارة التي جاء بها اّدم سميث بكتابه ثروة الأمم (دعه يعمل دعه يمر) لان الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وكثير من الدول لاتسمح بانتقال السلع والخدمات والعمالة والأموال من بلد إلى بلدانها بحرية بل تفرض قيودا تحمي بها إنتاجها وعمالتها من المنافسة، بل وأكثر من ذلك أخذت تستعمل قوتها العسكرية والسياسية في نهب خيرات الشعوب والتدخل بالمشاركة عن طريق شركاتها المتعددة الجنسية في إنتاج السلع في دول أخرى كثيرة لان كلفتها ارخص مما في بلدانها للحصول على إرباح تعود لشركاتها.

أما مفهوم الحرية على النطاق الفردي فلا يمكن أن تكون مطلقة لأن أي إنسان في أي بلد لا يمكن أن يسلك سلوكاً مطلقاً كأن يتعرى في الأماكن العامة حتى وان كان راغبا في ذلك، لكن توجد نوادي للعراة في بعض البلدان الغربية يمارس فيها التعري، وأماكن أخرى يمارس فيها تبادل الزوجات، وأماكن أخرى يمارس فيها الشذوذ الجنسي والمثلية.

وأود أن أبين هنا أن من يطلق على الانقلابات العسكرية التي حدثت في البلدان العربية اعتباطا أنها ثورات يقع في خطأ كبير، لعدم فهم معنى الثورة لكونه يساهم بعبادة من تَزَعم هذه الانقلابات ويجعلهم أصناما في المجتمع. وكمثل على ذلك الانقلاب الذي حدث في العراق يوم 14 تموز 1958، وإني أتساءل ماهي التغيرات التي أحدثها هذا الانقلاب، حتى يسمى ثورة؟ وأضيف إن هذا الانقلاب قد دمر العراق وحوله إلى دكتاتورية العسكر التي قتلت كثيرا من الشعب العراقي وسفكت الدماء. ففي تلك الفترة أعلنت الحرب على الكرد في كردستان، ولم تعط إجازة للأحزاب ولم تجر انتخابات برلمانية هذا في المجال السياسي أما في المجال الاقتصادي فقد أصدرت حكومة العسكر بعد شهر من حدوث الانقلاب قانون الإصلاح الزراعي وحولت العراق من مصدّر للحبوب إلى مستورد لها، وذلك لترك الفلاحين الذين وزعت عليهم الأراضي مهنة الزراعة. لان الدولة لم توفر لهم وسائل الإنتاج الزراعي مثل مضخات الماء للإرواء والبذور والمحاريث والأسمدة مما أدى بالفلاحين إلى الهجرة إلى بغداد للعمل والسكن فيها من أجل العيش. وهذا أدى إلى تخريب خطط المهندس المعماري دوكس ياكس لجعل بغداد مدينة عصرية ذات حزام اخضر. إضافة إلى أن انتقال الفلاحين إلى بغداد احدث تغيراً اجتماعيا سلبيا في بنية المجتمع البغدادي نتيجة لنقل الفلاحين عاداتهم العشائرية معهم فكثرت المصادمات فيما بينهم، وقد سبب ذلك إزهاق كثير من الأرواح وحمل الدولة عبأً كبيراً للمحافظة على الأمن والنظام.

وقد بين الدكتور محمود الحمصي المتخصص بالتخطيط الاقتصادي في كتابه (خطط التنمية العربية واتجاهاتها التكاملية والتنا فرية) وهو دراسة للاتجاهات الإنمائية في خطط التنمية العربية المعاصرة إزاء التكامل الاقتصادي العربي للفترة 1960-1980 الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت –نيسان 1980 أن الخطط الاقتصادية في جميع البلدان العربية للفترة المذكورة لم تحقق أي نمو يذكر عدا بعض النمو في قطاع الإسكان في دولة الإمارات العربية، ومن هنا نستنتج ان الانقلابات في جميع البلدان العربية لم تكن ثورات لأنها لم تحدث تغيراً اقتصاديا واجتماعيا وثقافياً. وفي المجال السياسي ضيقت الدكتاتوريات العسكرية على حرية المواطن وصادرتها وسجنت الكثيرين، وقتلت وأسالت دماءً كثيرة.

أما ما سمي بثورات الربيع العربي فهي انتفاضات شعبية في بدايتها من اجل التحرر من الفقر والجهل والمرض، والتحرر من الدكتاتوريات التي كانت تحكم، لكن هذه الانتفاضات لم تتمكن من أن تتحول إلى ثورات لها برامج واضحة، وتحدثُ تغيراً في البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية كالثورة البلشفية. ورغم الاختلاف بينها وبين الثورة الفرنسية لأن الأخيرة حدثت في باريس فقط إلا أنها تتفق معها ومع الثورة الايرانية لركوب انتفاضات الربيع العربي تنظيمات أخرى لم تكن مشاركة في هذه الانتفاضات، واستلامها الحكم كما ركب روبسبير وميرابو وغيرهم الثورة الفرنسية واستيلاء رجال الدين في إيران عل الحكم، على الرغم من أنهم لم يكونوا مع المنتفضين المطالبين بالخبز منذ البداية.

والحقيقة أن انتفاضات الربيع العربي التي قام بها الشباب قد فشلت لأنها لم يكن لها برنامجا تغيريا، وان الشباب الذي قاموا بالانتفاضات غير منظمين ولم تكن لهم تجربه سياسة في الحكم مما أدى إلى ركوب هذه الانتفاضات تنظيمات سياسية أخرى وعسكرية بوحي أجنبي حرفها عن أهدافها الحقيقية التي قامت من أجلها. ومنعها من أن تكون ثورات لاستلام الحكم فيها قوى لم تشترك في الانتفاضات كما حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن إضافة إلى ما حدث من خسائر اقتصادية كبيرة تقدر بمليارات الدولارات مما سبب ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة في تلك البلدان وتدمير الدولة الليبية بالكامل وحدوث تقاتل فيما بين المليشيات المسلحة قد يتحول إلى حرب أهلية في ليبيا خاصة.

وأود هنا أن أشير إلى أن الفيلسوف الفرنسي الصهيوني برنارد هنري ليفي كان حاضرا في تونس وفي غرفة العمليات الحربية في ليبيا مع المقاتلين وألقى خطبا في تونس وليبيا وفي مصر وهو الآن يدعو المعارضة الخارجية السورية المرتبطة بالغرب والولايات المتحدة الأمريكية لاستضافتها على حسابه الخاص في فرنسا من أجل إسقاط الدولة السورية وتدميرها خدمة لإسرائيل، ولا يخفى على أحد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوربا ومحميات الخليج التي تسمى دولاً بشؤون هذه البلدان ومد يد المساعدة إلى تيارات معينة لركوب هذه الانتفاضات وجعلها تتمكن من استلام الحكم في هذه البلدان، كما لا يخفى على الجميع أن التيارات التي وصلت إلى الحكم في هذه البلدان هي التيارات الإسلامية التي تتفق سياساتها مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية والمحميات العربية التي تسير في فلك الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية وتكون تبعاً لها، لذلك أقول أن ما سمى ربيع الثورات العربية هو شتاء بارد لازال يمطر دماً وألماً وحزناً وليس ربيعا، كما أطلق عليه وشاعت تسميته.

أما عن آفاق المرأة والحركة النسوية فاني أقول أن المرأة قد عانت الكثير في بلادنا العربية وتأخرت آفاقها وحدثت ردة في هذه الآفاق إلى الخلف منذ عقد السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي خاصة في العراق وكذلك في الدول الأخرى. لقد كنت طالبا جامعيا في المرحلة الأولى سنة 1962-1963 في كلية فيها عشرة أقسام كل قسم منها يضم 100 طالباً وطالبة في المراحل الدراسية الأربع، وإذا افترضنا أن الطالبات يشكلن نصف هذا العدد أي أن عددهن500 طالبة منهن طالبتين فقط تغطيان شعرهن بالحجاب وتلبسان الجبة الإسلامية، ووجه كل منهما كان مطليا بماكياج كثيف وهاتان الطالبتان كانتا تنتميان إلى الحزب الإسلامي أو ما سمى سابقاً حزب الإخوان المسلمين، وفي الثمانينات من القرن الماضي الفترة الممتدة من 1971-1980 أسست الدولة العراقية (مديرية شرطة تسمى شرطة الآداب) أخذ أفرادها يعتدون على النساء والطالبات اللواتي يلبسن التنورة والقميص ولا يلبسن الحجاب كما أن أول رئيس للجامعة المستنصرية أسس ما يسمى بالحرس الجامعي وكان أحدى واجباته مراقبة الطالبات وتقديمهم إلى إدارة الجامعة إن كن في وضع يسمونه غير أخلاقي، كما أن تبني الدولة ما يسمى الحملة الإيمانية بعد ذلك جعل اغلب الطالبات والنساء يرتدين الحجاب.

إني لا اظن أن لباس المرأة هو مقياس تقدمها لكني أقول أن العباءة ليست لباسا تراثياً في بلداننا العربية بل هي دخيلة علينا وقد سمعت أن شاه أيرن رضا بهلوي قد منع العباءة وغطاء الوجه؛ وأضيف قائلاً أن استعمار بلداننا العربية باسم الدين مدة تقارب 500 سنة سبب لنا تخلفاً كبيراً ليس في مجال تقدم المرأة فقط لكنه كان تخلفاً في جميع جوانب الحياة. والحقيقة أن المجتمعات العربية أكثرها ذات أصول زراعية وبدوية والمرأة في هاذين المجتمعين تشارك الرجل في جميع الإعمال وتتوب عنه عندما لا يكون موجودا دون أن ترتدي العباءة وتضع غطاءا على وجهها، والعباءة والغطاء هما وافدان على مجتمعاتنا كما قلت وليس من تراثنا، وقد أجاز الإسلام للمرأة كشف الوجه والكفين.

ولكن نجد أديبات عربيات مقيمات في الولايات المتحدة والدول الغربية. وأديبات عربيات في كثير من البلدان العربية يكتبن عن الجنس ويعتقدن أن حرية المرأة تكمن بالحرية الجنسية وزوال غشاء البكارة قبل الزواج، وان البكارة ليست هي شرف المرأة دون مراعاة لظروف بلداننا العربية، إني اقول: أن ذلك ليس هو الذي يحرر المرأة في بلداننا العربية لأنني أفهم أن الحرية هي معرفة الضرورة وهي تختلف من بلد إلى بلد آخر، ومن زمن إلى زمن آخر في نفس البلد، ومن مكان إلى مكان آخر. وينطبق ذلك على المدن والقرى في البلد الواحد، وأضيف إن هذه الدعوات ليس لها مبرر وهي تشجع على انتشار الجنس وممارسته بشكل غير صحيح مثل ما هو موجود في دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى وأن هذا لا يلائمنا ويخالف شرائعنا وأزيد توضيحاً بالقول: كان لي صديق مسيحي الديانة (كاثوليكي)، اخبرني انه يريد أن يعتنق الإسلام، ولما تبينت السبب الذي كان يدفعه لاعتناق الإسلام عرفت أنه في الليلة الأولى من زواجه وجد أن زوجته فاقدة بكارتها قبل زواجه منها، ولما كان لا يستطيع طلاق زوجته لكونه كاثوليكي قرر أن يعتنق الإسلام ليتمكن من طلاقها.

وكما قلت إن اغلب المجتمعات العربية ذات أصول زراعية أو بدوية وحتى سكان المدن هم من أصول زراعية او عشائرية وان قيم العائلة الزراعية والقيم العشائرية هي السائدة في مجتمعاتنا وهذا ما يؤثر على المرأة وحقها في نيل حريتها الكاملة فلا زال قتل النساء غسلاً للعار يزداد باطراد في جميع البلدان العربية رغم أن الإسلام وجب حضور أربعة شهود وأن يكون التلبس كاملاً لإثبات الزنا كما أن قوانين العقوبات الوضعية في كثير من الدول العربية تحمي المرأة من عقوبة الزنا لعدم إثبات حالة التلبس، لكن قتل النساء في بلداننا العربية يتزايد يوما بعد يوم، كما أن المرأة كزوجة تعامل من قبل من تتزوجه حتى من المتعلمين حملة الشهادات العليا غير المثقفين معاملة قاسية، رغم ان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد أوصى في خطبة الوداع قائلا «أوصيكم بالنساء خيرا».

والحقيقة أن استعمار البلدان العربية باسم الدين سبب تخلفاً كبيراً في مجتمعاتنا، ولما كانت المرأة تشكل نصف المجتمع فقد سبب لها ذلك الاستعمار تخلفاً كبيراً حرمها الكثير من الحقوق وجعلها تعاني ازدواجية في الإفصاح عن رأيها وما تعتقد به، فهي تتكلم خلاف ما تؤمن به وهي لا تفصح ولا تتكلم بصراحة ولا تبدي رأيها حتى بمن يكون شريك حياتها وزوجاً لها، كما أن معاملة المجتمع لها ورّث لها عقدة الشعور بالدونية وهذا ما ولد لها خوفا حرمها من الإفصاح وإبداء الرأي والتعبير عن رأيها بحرية حتى بمن تحب. وجعلها تتصرف ليس كما يجب، وأورد هنا مقطع من أغنية عراقية على لسان المرأة تخاطب ولدها (علي) حين يبكي في الليل فتمتنع عن هز المهد الذي ينام فيه ولدها، وتتركه يبكي طول الليل، لأنه ليس أبن من كانت تحبه ولأنها زوجت قسراً ولم تستطع أن تفصح عن رأيها أو ترفض لأنها تخاف أن تقتل، كما أن المقطع يبين أن المرأة تزوج دون أخذ رأيها وغصباً عنها في أغلب الأسر والعائلات:

وظل ابكي طول الليل يا علي

أبداً ما أهزك والله يا علي

ولو أنت ابن فلان يا علي

كان شمعزك والله يا علي

أما ما يسمى بالثورات العربية وتأثيرها على المرأة والحركات النسوية في البلاد العربية فاني اعتقد أن هذه الثورات التي ركبتها الأحزاب الدينية بتشجيع من الغرب سوف تسبب للمرأة مشاكل عديدة وتخلفا أكثر يضيق عليها حريتها ولا يتيح لها التعبير عن رأيها ويمنعها من المشاركة في الحياة العامة بشكل صحيح، على الرغم مما وفترته لها الأديان والقوانين الوضعية (التي تتباين من بلد عربي إلى بلد عربي آخر) من حقوق