يشدد الباحث على أن المرجع شكل نقطة مهمّة في الدراسات النقدية للنص الإبداعي. ويخلص إلى أنّ المرجع الشعري، يخضع لمقاربة أخرى تنأى عن مرجعية التواصل الأخرى، حيث يتموقع في بنية ثانية يُحتكم فيها إلى منطق الخيال والتخييل والتقرير والإيحاء. وتظهر مرجعيّة القول الشعري كبنية داخلية ومنفتحة ممّا يغنيه جماليا.

المرجع في النص الشعري

خالد هلالي

 

توطئة:
شكّل المرجع نقطة تحوّل مهمّة في الدراسات النقدية والأدبية التي عنت بدراسة النص الإبداعي. والشّعر باعتباره فنّا إبداعيّا يتميّز بسمات متعدّدة؛ إذ ينزاح إلى ركوب طرائق لغوية يعتبر العدول عن نمطيّة اللغة الطبيعية أهمّ ميسم فيها، بالإضافة طبعا إلى الاتّكال على الوزن والقافيّة كركيزتين تميّزان الشّعر وتضعانه في دائرة القول المغاير لأنماط التواصل الأدبية الأخرى.

فالأمر يخصّ ما يرجع إليه اللفظ وتؤوّل إليه القضيّة مادامت الحقائق لا تنقلب بالأسماء ولا تتغيّر، فنحن نتّصل بالأشياء عن طريق اللغة ولا نتّصل بها للتو(1). كما أن العلاقة بين الكلمات والأشياء تنجز بواسطة توسّط مفاهيم العقل(2).

يضاف إلى ذلك أنّ الإحالة على مسمّى وتعيينه في العالم الخارجي، لا يتم إلا من خلال مصفّاة ذهنية ونفسيّة تربط بين الطرفين، وفق عملية الفهم والتأويل للنص الشعري. حتى نستطيع الربط بين الوحدات اللغوية والمعجمية وما تحيل إليه.

أولا: خصوصيات المرجع الشعري:
قبل أن أخوض غمار البحث عن سمات المرجع في النص الأدبي عموما والنص الشعري على وجه التحديد، حريّ بي أن أشير إلى طريقة فهم النّقاد القدامى لهذا الموضوع، وهذا ما حاول الناقد ادريس بلمليح جاهدا إظهاره وهو يباشر غمار تجربة البحث عن خبايا (المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب : من خلال المفضليات وحماسة أبى تمام)، معتبرا أنّ قراءاتهم المعجمية للنصّ الشعري، لم تستطع الانفلات من "جزئيات الواقع ومعطياته المباشرة"(3). وحيث أنّ هذه القراءة تقف "من الظواهر المتشاكلة في مستوى الخطاب والتصوّر موقفا يعمد إلى الفرز التجزيئي بين السّمات المشتركة لهذه الظواهر، فيسعفها في ذلك مستوى التمثيل اللغوي من جهة، ثم المرجعية الواقعية لهذا التمثيل من جهة ثانية؛ وهو مايؤدّي [....] إلى خنق مجال تأويلها ضمن بعد أحادي يجعلنا نفهم الشعر على أنّه محاكاة لا بدّ لها من أن تتطابق مع جزئيات الحياة اليومية"(4).

فهي قراءة تحاول تفسير المعنى الشعري وفق معطى اللغة اليومية المتداولة، من خلال الربط بين وحدات البيت الشعري المعجمية والتركيبية والواقع اليومي؛ وبذلك فهي قراءة تحاول أن تعكس الواقع ومعطياته بناء على تصوّر يربط اللفظة بمعجم تداولي، مما أوقع المتلقي في شرك الربط الأوتوماتيكي بين لغة الشعر ولغة التواصل اليومي، وأبعد تلك القراءة عن التعاطي مع فنيّة النص الشعري القائمة على التخيّل.

فاستحضار خصائص ومكوّنات النص الشعري وكذا الوقوف على طبيعته؛ باعتباره نسقا من التفاعلات تمكّن المبدع من إضفاء لمسته الفنّية والجمالية على منجزه، وتوصله أيضا إلى الجمع بين المتباعدات والمتناقضات في القول الشعري. كلّ ذلك يقنعنا بأنّ الشاعر يخلق لغة فوق لغة، لغة يغلب عليها المجاز وتستشري فيها الاستعارات. مما يصيّر البيت الشعري الواحد حابلا بمعاني متعددة؛ المعنى التقريري والآخر الإيحائي؛ أو معنى المعنى. وبذلك فلغة الشعر وتركيبته اللفظية والدلالية، تجعل النص الإبداعي مغايرا في مرجعيّته عن مرجعية لغة التواصل اليومي. رغم أنّ العالم أو الواقع " تمثّل معطياته المادّة الخام للعمليّة الإبداعية"(5).

وهذا ما جعل بالمر يميّز في المرجع بين أسماء تشير إلى موضوعات خيالية، وأخرى تومئ إلى أشياء ماديّة، وأسماء أخرى لا تشير إلى هذا أو ذاك مثل كلمات(حب، كره، إلهام(6). أي أنها تحيل على أشياء مجرّدة. فالشاعر يصوغ صورا يمكن أن تقع في الوجود، وبمكنته أيضا أن يؤلف صورا لا يمكن أن تقع في الوجود(7). وهذا يمكّننا من التمييز بين الممكن والممتنع والمستحيل؛ فهناك صورا لا يمكن أن تقع في الوجود، وإن كانت متصورة في الذهن؛ كتركيب يد أسد على رجل مثلا(8).

لكن طموح الإحالة الذي تُحكّمه لغة التواصل العادي، والذي يجمع بين القول والشيء في الواقع، وما تبعها من اجتهادات أزولد وتزيفان وفريجه وغيرهم؛ كل ذلك قد يصطدم بواقع آخر يأخذ فيه المرجع أبعادا ثانية، وخصوصا فيما يتعلّق بالنص الأدبي. فرغم أنّ العلاقة بالمرجعي" هي أحد أهمّ المرتكزات النظرية لجلّ المذاهب والنظريات الأدبية، فإنّها في الشعري بالذات تناقش بتخصيص أكبر؛ ففي الشّعرية الأرسطية لا لأدبية دون مراعاة المرجعية؛ مرجعية القائم بالتلفظ (المحاكي)، مرجعية متلقّي التلفظ (جمهور المحاكاة)، مرجعية مادّة التلفظ (محاكاة الكائن والممكن الكلي والجزئي)"(9).

فالنص الشعري قد يضعنا أمام أفكار لا تكترث لعلاقة الخطاب بما يحيل إليه بالطريقة المتعارف عليها. وهكذا، إذا اعتبرنا المرجع هو السياق الوضعي الحقيقي، فالملاحظة القويّة هي أنّه غائب عن التواصل الأدبي، وما نجده هو المراجع النصوصيّة المخلوقة من طرف النص بذاته والتي تحيل عليه(10). فالخطاب الأدبي في حدّ ذاته يتكون من سياق مغلق تأخذ داخله العناصر معان، وتكون قيمتها داخل علاقاتها المتبادلة. ولا يمكننا قراءة هذه العناصر متفرقة دون أن ندمجها داخل المجموعة المغلقة لعناصر هذا الخطاب التي يكوّنها المؤلف بعيدا عن المراجع التصورانيّة المتداولة(11).

جملة الأمر، فمادام للمرجع صلة بالدلالة والمعنى، فإن ما تحيل عليه الرسالة في " التواصل الأدبي مثلا (أشياء، كائنات...)، ليس له وجود حقيقي يمكن للمبدع أو المتلقي الإمساك به على اعتبار أنّ المرجع مسيّج داخل إطار الحكاية، ويسمّى بذلك (مرجعا نصيا) فطاولة أو غيرها من الأشياء داخل رواية لا تعني الطاولة كما هي موجودة في الواقع، فهو شيء نصّي يمكن أن يوظف داخل متتالية من الحركة(12).

فالأشياء العادية في اللغة اليومية قد تصبح ذات طابع فنّي متميّز عندما تصير إبداعا، يعبّر عن عالم متخيّل ومؤوّل لمعطيات الحياة الطبيعية(13). وهي عمليّة تبدأ بالمحاكاة كفعل تخييلي يجسّد وقع العالم على مخيّلة المبدع. ومن ثمّة يظهر التخييل باعتباره السبيل الذي تتحقّق به المحاكاة في الشعر. فلا تصبح المحاكاة الشعرية مجرد نقل متميّز للعالم فحسب، بل تصبح تشكيلا لمعطياته في المخيلة(14). فالشعر نشاط إبداعي يقوم على الخيال، والشّاعر لا يعيد" صور المحسوسات كما هي، ولكنّه يشكّلها داخل صور بيانية ومثالات"(15). وذلك وفق رؤية جديدة تشغل فيها الذات مركز الوسيط في نقل ما تتلقّاه الحواس من أشياء وموجودات. فالشاعر لا يوصل القيم إلى المتلقي توصيلا مجردا، ولا ينقل إليه الأشياء كما هي، وإنما هو توصيل ينطوي على إدراك ذاتي متميّز، مثلما ينطوي على موقف خاص من الأشياء والقيم، مما يتطلّب تحويل القيم والأشياء إلى صور شعرية ذات خصائص حسية(16).

ثانيا: مرجعية النص الشعري الكلاسيكي أمثلة تطبيقية:
ونحن نتحدّث عن مرجعيّة النص الشعري، نشير إلى أنّه استقر لدى النقد القديم الربط بين الوصف والموصوف؛ وهو ما اصطلح على تسميته في النقد القديم "الإصابة في الوصف"، باعتباره عنصرا من عناصر عمود الشعر، وهذا ما تحدّث عنه المرزوقي قائلا " وعيار الإصابة في الوصف: الذكاء وحسن التمييز، فما وجداه صادقا في العلوق ممازجا في اللصوق، يُتعسر الخروج عنه والتبرؤ منه، فذاك سيمياء الإصابة فيه"(17). حيث يكون الموصوف مطابقا لما وصف له؛ وبعبارة أخرى يكون الوصف عالقا بالموصوف لاصقا به.

ولتقريب الصورة أكثر سأدرج بعض الأمثلة الشعرية، من ذلك مثلا قول أبو الحسن الشستري:

سُقيت كأس الهوى قديما * * * من غير أرض ولا سماء

أصبحت فيه فريد عصري * * * بين الورى حامل اللواء

لي مذهب مذهب عجيب * * * بالحسن قد فاق يا هناء

أوّل ما يستدعي الانتباه هو أن نقل معطيات "هذا النظام إلى نظام اللغة الطبيعية لا يمنحنا في أغلب الأحوال تأويلا متطابقا، إذ لا يعدو أن يكون محاولة لربط علاقة أحادية بين نظامين مختلفين"(18). فإذا أخذنا كلمة "سُقيت "مثلا، نلاحظ أنّها تُستعمل عدة استعمالات حسب سياق القول، وتعبّر عن عدّة معاني أي ما يسمّى بالمشترك اللفظي؛ إذ السقي له امتشاج بالماء. وقد يستعمل هذا المصطلح في سقي المزارع والحقول بمعنى الريّ، ويستعمل عند الإنسان العادي بمعنى شرب الماء أو السوائل ...الخ، فلكلّ "طائفة من [الناس] ألفاظا تحتمل دلالات خاصة بهم ويختصّون بها دون غيرهم وتختلف في دلالتها وإن اتفقت معهم في نطقها"(19). وبذلك فكلمة سقيت ليست إلا وحدة"تدخل في تشكيل المعنى، بينما يتحدّد المعنى بالسياق"(20).

والحديث عن مرجعية هذا البيت تستلزم معرفة سياق قوله؛ أي ما يسمّى بسياق الخطاب من حيث الموقف الذي قيل فيه، و هو هنا موقف الحب والعشق. لكن هل ينطبق هذا النوع من الحب على الغزل، حيث يخاطب فيه المحب محبوبه بعبارات الولع والاشتياق واللذة؟، ولذلك سُقي بكأس معتّقة من الهوى قديمة لا توجد في الأرض ولا في السّماء. أم أنّ الآمر يتجاوز الحب الإنساني إلى حب آخر، حيث تحظى الروح بالأولوية على حساب الجسد المثقل بكل الآثام والمعاصي؟.

وهكذا يتّضح، أنّ الدلالة الأولى تضعنا أمام إنسان يتمتع بلحظات جميلة يطبعها الحب واللذة والنشوة. لكن هل هذا المعطى الداخل النصي وحده كفيل بالإحالة على مرجعية هذا البيت؟ أم أّنّ الأمر يقتضي الإحاطة "بالعلاقات الكامنة خارج اللغة، ومصدرها بيئة الإنسان العربي وما تنطوي عليه من مقوّمات حضارية"(21) أي نربط عن طريق الإدراك ما هو مقروء بما هو محسوس أو متخيّل. وذلك لن يتأتّى إلا من خلال المعارف" الخلفية السابقة والمشتركة بين طرفي العملية التواصلية التي تسمح بها التجارب الاجتماعية، والتي يمكن أن تستوعب الأعراف والتقاليد والمعتقدات والخبرات الثقافية"(22). وبذلك نربط المعطى الموضوعاتي للنص بواقعه الخارجي وهو في هذه الحالة متخيّل يتم إدراكه عن طريق إعمال الذهن،حيث تنزاح عبارة (سقيت كأس الهوى قديما)عن معناها الأولي الحرفي لضمّ معنى آخر ثاني تصوري؛ ربّما أراد به الشاعر تلك اللّذة التي تغمره وهو يُسقى رحيق كأس مملوءة بكل ألوان التقوى والتعبّد، إنّه عالم مثالي تخيّلي صنعه الشاعر معتمدا على إشارات وعلامات متداولة (السقي، الكأس، الهوى....)، لكنّها وسيلة للتعبير عمّا يختلج الشاعر من مشاعر وأحاسيس لرسم صورة من الحب المعنوي بمعناه التصوفي.

وهكذا نخلص إلى أنّ:

- السقي هو سقي معنوي وليس مادي؛ إنه سقي للروح.

- واللواء هنا هو لواء التقوى.

- والمذهب: مذهب التزهّد والتصوف الذي فاق كل جمال.

فالشّاعر هنا وإن اتّخذ من السقي موضوعا لإرجاعه، إلّا أنّه ليس سقيا ماديا يمكن معاينته، وإنّما معنويا نعاينه من خلال إعمال أحاسيسنا وتشغيل خيالنا ومتابعة دلالة الصورة في انزياحها وانتقالها من معنى قريب نقبض عليه داخل النص إلى معنى بعيد يتجاوز تلك الحمولات الدلالية الأولية، التي قد نكتشفها إذا ما ربطنا تلك الأبيات بما تحيل عليه في الواقع الخارجي.

فالشاعر يرسم صورة تعبيرية مجازية " إذا قابلناها بالواقع لاتتمّ وإذا أسقطنا ضمن حدودها التخيلية تقابل الوصف بالموصوف، حملت حتما على أنّه موفّق في إبراز سمات هذه الصورة المثالية"(23). التي أراد أن يضفيها على هواه وحبّه. فالسّقي كقيمة تعبيرية ورمزية تظهر لنا ماثلة في البيت الشعري ولكنّها "ليست موجودة إلاّ بمقدار ما يمكن اتخاذها شفرة واقعيّة"(24). لتمثيل حالة من الاتصال بين الشاعر والذات الإلهية. فالأرض والسماء، هي ألفاظ وتعابير تنقلنا إلى عالم الموجودات ونستطيع من خلالها القبض على شيئيتها. باعتبارها أشياء موجودة فعلا في العالم الواقعي، ونستعملها باستمرار في تواصلنا العادي واليومي، لكن الشاعر أضفى عليها صبغة فنيّة. ومهما تعدّدت تلك الموجودات التي يستقي منها المبدع تصوّره، فإنّها مرتبطة بالعالم المادي الذي يعيش فيه الإنسان. لكن الفرق واضح بين الكيفية التي توجد بها الأشياء في الأعيان، والكيفية التي تتبدّى بها في ذهن المبدع. فالطريقة الأولى خلو من الدلالة الذاتية، حيث تصبح معها الموجودات مادة قابلة للتشكيل، لم تكتسب أي معنى ذاتي بعد. أما الطريقة الثانية فتكتسب الموجودات معها دلالة أو معنى يرتبط بها موقف الشاعر(25).

أما قول الشاعر:

قمر تكامل في نهاية سعده * * * يحكي القضيب على رشاقة قدّه

فأول ما يثير انتباهنا في هذا البيت هو أنّه يؤثث " لأنساقه المرجعية الخاصة التي ليست نقلا للواقع أو نسخا لمعطياته، ولكنّها نموذج لعالم المراجع المتمثلة في الدلالة اللغوية العامة"(26).

فقد اتخد الشاعر من القمر والقضيب موضوعا لإرجاعه، وهي مواضيع مادية محسوسة، وهكذا فحين نربط بين القمر والمرأة، وبين المرأة والقضيب (الغصن المقطوع)، وبين هذه الأخيرة ورشاقة قدّ المرأة نكون أمام قراءة مرجعية " تخضع نظاما سيميائيا مستقلا إلى نظام آخر من مستوى أدنى خاضع له وهو مستجيب لقوانينه"(27). فالشاعر يتخيل كما يشاء، وبعباراته لا نهتدي بمصابيح المنطق الدقيق ولا بمصابيح الواقع الخارجي(28).

وهكذا يمكن أن نقبض على مرجعيّة البيت من خلال قراءتين:

أ-الأولى سياقية: تنطلق من المعطيات التي يوفرها البيت (المعنى)؛ أي امرأة حباها الله بجمال فائق يشبه جمال القمر في ليلته الرابعة عشر- وقدّ رشيق يشبه رشاقة القضيب. أما موضوع البيت فهو التشبيب بمحاسن المحبوبة. والمرجع النصي يشمل الكلمات التي اختيرت في سياق ما، هو سياق التغزل بالمحبوبة (سياق خاص وحاضر).

ب- الثانية سيميائية (تأويلية) تعطينا المقاربة التالية:

الدلالة الأولى القمر النور الضياء العلو

الدلالة الثانية المرأة الجمال الحسن السمو

فهذه القراءة تربط بين علو القمر في كبد السماء وضيائه الذي عمّ كل الأرجاء، وعلو مكانة تلك المرأة وعلوقها بقلب الشاعر. والشّاعر يعيد تشكيل معطيات الواقع، ويكتشف العلاقات التي تقرّب بين العناصر المتباعدة(29). ذلك أنّ التواصل الفنّي" مرجع مؤوّل عبر أنظمة ثانوية مستقلة في وحداتها وقوانين تركيبها وأنظمتها الدلالية والتداولية"(30).

نخلص إلى أنّ المرجع الشعري، يخضع لمقاربة أخرى تنأى عن مرجعية التواصل الأخرى، حيث يتموقع في بنية ثانية يُحتكم فيها إلى منطق الخيال والتخييل والتقرير والإيحاء. وبذلك يمتلك الشعر مرجعا فنيّا و تخييليا يبتعد عن أشياء الواقع. فالنص الشعري يخضع لذاتية الشاعر، وهي ذاتية رغم أنها تستقي من موضوعات الوجود وتستعير عناصره، إلاّ أنّ تركيبها ودلالتها وقدرتها على الجمع بين المتناقضات، تظهر مرجعيّة القول الشعري كبنية داخلية ومنفتحة في نفس الآن على دلالات ومعاني متعدّدة، لا يشكل المعنى إلاّ دلالة أولى من دلالات متعدّدة تبعا لطبيعة المتلقين وكذا طريقة تعاملهم مع النص الشعري ممّا يغنيه جماليا.

(باحث في التواصل، حاصل على الدكتوراه في الأدب العربي، المملكة المغربية)

الهوامش:

(1) تودوروف وآخرون: المرجع والدلالة في الفكر اللساني الحديث، ترجمة وتعليق: عبد القادر قنيني. إفريقيا الشرق. ط 2. 2000م،بتصرف. ص:9

(2) بيار غيرو: السيمياء، سلسلة: ترجمة أنطوان أبي زيد. زدني علما. منشورات عويدات، بيروت. ط 1. 1984م.، بتصرف. ص:46.

(3) ا دريس بلمليح: المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب من خلال المفضليات وحماسة أبي تمام. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية (الرباط) سلسلة رسائل وأطروحات رقم22 . الطبعة الأولى: 1995م، ص: 347.

(4) نفسه. ص 354.

(5) جابر عصفور: مفهوم الشعر: دراسة في التراث النقدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 5، 1995م.:ص: 243.

(6) بيار غيرو: السيمياء النقاد، بتصرف.ص:40.

(7) جابر عصفور: مفهوم الشعر،بتصرف. ص: 251.

(8) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخواجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط3، 1986م.،بتصرف. ص:76.

(9) رشيد يحياوي: الشعري والنثري، منشورات اتحاد كتاب المغرب، د ط، 2001 م، ص:77.

(10) Bernard cocula / clande peyrantet. Didactique de l’expression de la théorie a la pratique ». Nouvelle édition paris 1989.p:27.

(11) IBID p:140.

(12) برنارموراليس، إيمانويل فريس: قضايا أدبية عامة (أفاق جديدة في نظرية الأدب). ترجمة: لطيف زيتوني. عدد 300. فبراير 2004 م. بتصرف. ص: 45.

(13) المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها، بتصرف. ص: 103.

(14) جابر عصفور: مفهوم الشعر، بتصرف. ص: 248.

(15) عباس ارحيلة: الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيتين إلى حدود القرن الثامن الهجري. سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 40. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مطبعة النجاح الجديدة البيضاء، ط 1، 1419 ه/1999م.، ص:378.

(16) مفهوم الشعر، بتصرف. ص:260.

(17) المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، المجلد الأول، دار الجيل، بيروت. 1991م. ص9.

(18) ادريس بلمليح: المختارات الشعرية. ص:96.

(19) عطية سليمان أحمد:الجا حظ والدراسات اللغوية. مكتبة زهراء الشرق، د ط، 1998 م، ص: 109

(20) ادريس مقبول: البعد التداولي عند سيبويه. ص:255.

(21) أحمد المنادي: التلقي والتواصل الأدبي: قراءة في نموذج تراثي، العدد 1، المجلد 31، يوليوز شتنبر 2005م. ص194.

(22) عبد السلام اسماعيلي التجاوز الدلالي والتواصل متابعة تداولية لتفاعل الإنتاج والتأويل، أطروحة جامعية غير منشورة. السنة الجامعية 1423-1424ه/ 2002-2003 م، كلية الآداب ظهر المهراز فاس. ص:100.

(23) أنظر:المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها. ص451.

(24) ميكائيل ريفاتير: دلائليات الشعر. ترجمة محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكدال، الرباط. سلسلة نصوص وأعمال مترجمة رقم 7. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. 1997م.ص14.

(25) جابر عصفور: مفهوم الشعر،بتصرف. ص: 244.

(26) ادريس بلمليح: المختارات الشعرية . ص 96.

(27) نفسه.

(28) شوقي ضيف: في النقد الأدبي، دار المعارف، القاهرة، ط 6، د ت.، بتصرف. ص:133.

(29) جابر عصفور: مفهوم الشعر،بتصرف. ص: 256.

(30) المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها. ص 103.