في ذكرى رحيله، تتجدد ذكراه، لأنه منجز شعري لا يمحى، شاعر ترك كل شيء في لحظة، ترك القصيدة في أبهى كشوفاتها، وقدرة فائقة على جعل الشعر في قوة خصوبة إبداعية، لذلك يتذكره الشعراء دائما، ويجعلوا من ذكراه لحظة أبدية تبقى الى الأبد.

لك ما تشاء، ولنا أن نحبّك

نمر سعدي

 

(إلى سركون بولص)

 

لك الآن أن تترجّل عن حصان جسدك،

لك الآن ما تشاء ايها الفارس العربي،

لك أن تقطف وردة جورية تسيل على حافة الكون وتبللها بدمعك،

لك الآن أن تحب الله وتعشق الكائنات التي تنظر اليها من الأعلى،

وتنثر الرذاذ الضوئي في ليل عيونها،

لك ما شئت الآن، ما شئت،

ولنا أن نحبك ونؤثث أحلامك بأزهار الصفصاف

وبالمقاعد الخشبية على ضفة الجنة.

وبالأشياء المصنوعة من أضلاعنا نحن.

لك أن تكون شجرة من صباح أبدي

ونكون نحن العصافير والفراشات

التي تسكن روحك. المتجذرة في الشمس الشفافة الخضراء،

نم هانئا قرير القلب والعين أما روحك فلا.

دعها ترفرف في مكان ما.

كوكب ما.

برزخٍ ما.

جنة ما.

بحر ما.

دعها تزاوج بين السماء والفضة الغير مرئية.

بين الوجود والعدم.

بين الخاص والعام.

بين اللفظ والمعنى.

بين الحسيِّ والمجرّد.

بين الذات والمطلق.

كما زاوجت بين نهر الحبّانية وسماء سان فرنسيسكو.

وبين عبير النخل العربي العراقي وغابات الورد والشفق في أوروبا،

سلام عليك وبرد شفيف خفيف على أحلام روحك الممتدة في خيالات القصيدة العربية.

مثل الأطياف السحرية الملونة التي نعدو خلفها أعماراً شتى ولا نمسك بأطرافها الحارقة.

قريبا يا سيد الوزن المرئيّ.

قريبا ستفلت اللغة من عقالها الأرضي ّ

وتسبح خلفك.

طائرة إثر خطواتك النبيلة.

التي تجذبها كمغناطيس رهيب.

اللغه التي ربيّتها بأنامل من ماء وحرير عميق المرايا والرؤيا.

مثل الخشف البريء.

مثل النجم المولود من رحم القطيفة.

ووهبتها حريةً لا تنبغي لسواها.

وأنوثة أفحمت كل الأبجدياتْ.

وذابت في قصائدك كإحساسٍ غريب يطفو في الجسد ويهزهُ بلطف.

بلطفٍ بالغٍ وبياضٍ مجهولْ.

كقرون الوعول الليّنة في أرض فينيقيا الجديدة.

لك أن ترقصَّ الغزالات في الأعالي.

أن تطير بجناحين من زهر غامض.

أن تحنَّ الى عالم السندباد.

والى لهفة الفرات ودجلة.

الى صوت الحسن البصري ِّ.لك أن تسكن ملحمة جلجامش.

ولا تعود أبدا، لك أن تروضَّ الزمن العصيَّ على الشعر.

لك ما تشاء، يا حواريَّ المزامير الضائعة.

ولنا أن نحبك.