يخصنا الشاعر المغربي بنص شعري جديد يسبر أغوار هذه الكينونة اليقظى، كلما عبر بين نسمات ودواخلها إلا وانبرى هذا السفر الداخلي نحو الرحيل، وكعادة نصوصه القصيرة لا يتكلف الشاعر في التقاط اللحظة الشعرية الخاصة، كي ينسج من لحظة وجل وجداني داخلي، حالة من الكشف عن مفارقات الذات وتضاداتها.

كأسُ الْمسافرِ

فتح الله بوعزة

 

عائدا منّي إليكَ

رأيتهم يُعِدّون الخيامَ، والشّرابَ

لم تكنِ الأواني نظيفةً

ولم يكنِ العنبُ طازجا

رأيت السّقاةَ مضْطربينَ، وغيرَ نظيفينَ

وعلى غيرِ العادةِ

لم يكنِ الأمرُ سِرّيّا

ولم تخرجِ الراقصاتُ من معاطِفهن

لأمرٍ ما بدتِ الشّوارعُ ضيقةً جدا

وخاليةً من همهماتِ الجند، والعاشقين

فلا تشربِ الليلةَ

هذه الكأسُ منْ دمِك المتشرّدِ

بين المدائح، والأسفار الليليةِ

وليست من فخّارٍ، أو زُجاجٍ

فلا تشربْ

ـ دمي مالحٌ يا فتى

له نصفُ ما في الأرضِ من ضوضاءٍ

وله رائحةٌ غيمٍ بعيدٍ

تقرُصُ الصّبايا باطنَ كفّهِ

برفقٍ شديدٍ

رذاذُ الصباح ِدَمِي

عرباتُ الناجينَ منَ الغرقى

دَمِي

والنّسغُ السائرُ في أرحامِ الغاباتِ

دَمِي

فكيفَ لكأسٍ صغيرةٍ

بحجم القلبِ

أن تسعَ الأضدادَ كلّها؟

 

ـ عائدا منكَ إليّ

أيقنتُ أنكَ ميتٌ آخر

تصغي إليهِ الحياةُ

بانتباهٍ شديدٍ!

 

شاعر من المغرب